![]() |
رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الخامس عشر
نظن أحيانا أن الحياة عندما تُظلم ينتهي بنا الحال في ظلام دائم وكأننا نقبع في قبور ، ولكن من يؤمن بأن عليه إكمال المسير لأن في آخر النفق شعاع نور يسطع ينتظر الوصول سيصل لا محال .
صُدم الجميع من جملته التي خرجت دون سيطرة ، لينظر له أدهم بغضب بينما هي قالت بإنهيار :
_ كل ما أحاول أهرب من الضلمة وأشوف شعاع نور يحمي قلبي وباقي حياتي كل آمالي تتهد أنا حاسة إن الفرح مش مكتوبلي تعبت والله.
_ إهدي يا حور ... فهميني بس يا حبيبتي مالك ؟
كان يربت على ظهرها ويتحدث بحنان بينما وليد والباقية يشعرون بالحزن عليها والحيرة من حديثها .
نظر وليد لمؤنس وأردف ببعض الحدة :
_ إنت ناوي تقول إنت مين بالظبط وإيه السلسلة دي ولا لأ ؟
_ أنا إسمي مؤنس وأمي آيات كانت صديقة ماما زهرة ، لما عمو نبيل إشترى بيت ليها إشتراه جمب بيتنا لأنه عارف إنهم قريبين من بعض وكان عاملها مفاجأة ليها ، والسلسة دي سلسلة ماما زهرة كانت إتقطعت ولأنها كانت بترفض تخرج من البيت أخدتها أمي تصلحها لكن لما رجعت ملقتش أي حد في البيت .
نظرت له حور بعد أن هدأت قليلا وأردفت بألم :
_ لما شوفتك من يومين حسيت إن طاقة النور والراحة من نصيبي ، قولت خلاص هرتاح من الحرب إل جوايا ، كانت طنط آيات هي أملي الأخير علشان أخد إنتقامي من غير ما أذي حد ، لكن كل شيء راح .
نظرت لأدهم وإسترسلت بألم :
_ يظهر إن النهاية بتقرب .
ظل أدهم ينظر لها بعمق يحاول فهم حديثها إلى أن إستطاع أخيرا أن يفك طلاسم قولها وينظر لمؤنس بصدمة متحدثا:
_ مامتك هي الشاهدة الوحيدة ؟!!
لم تكن صدمة مؤنس أقل من صدمة أدهم ، فلم يكن يتوقع أن حور قد أبلغته بهذا ، فكيف لها أن تعلمه بأن والدته شهدت جريمة قتل والتي كان أركانها والدها ووالده ، فقد غدر الشقيق بشقيقه دون شفقة أو رحمة .
_هو إيه جو الألغاز ده ؟
نطق بها جاسر ليجيبه طه بصوت سمعه الكل :
_ ساعات بحس إن حور دي عبارة عن نفق كبير مليان أسرار ، وإن كل سر له حكاية .
مسح مؤنس على شعره فبعثره ليصبح أوسم وأردف بعجالة :
_ أنا لازم أمشي ، الأمانة وصلت لأصحابها .
_ مش عاوز تحضر فرح أخوك .
كان متأهبا وخطى خطوتين ليقف مرة أخرى بعدما أردفت بتلك الجملة لينظر لها بإبتسامة :
_ هيتجوز البنت إل قابلتها بره عند الباب صح ؟
قطبت حور حاجبيها ليتساءل مؤيد بتعجب :
_ وعرفت إزاي ؟
ضحك مؤنس بسعادة مردف :
_ أصلها شبهه أوي ، كان بيقولي إنه مش هيتجوز غير لما يلاقي واحدة شبهه.
_عبد الرحمن مسافر وهييجي الأسبوع الجاي إن شاء الله ، بلاش تبعد يا مؤنس هو محتاجك ، هو أه لقى هنا الأخ والصاحب لكن إنت بالنسبة ليه حاجة تانية ، تعرف مين أقرب واحد ليه في شباب العيلة ؟
نظر مؤنس لجميع الشباب يمرر عينيه عليهم بتفحص لتتوقف عيناه على صالح لتبتسم حور قائلا :
_ بالظبط ... أقرب حد لعبد الرحمن هو صالح ، إنت عرفته لأنه أقربلك شبه .
تبسم صالح بلطف مردفا بدعابة عله يلطف الأجواء :
_ شبهه مين يا حور ، ده أنا كنت قربت أتغر إن مافيش حد أطول مني .
_ أنا عندي فضول أسألك سؤال ، انا ماليش علاقة بأنكم تعرفوا بعض من زمان وواضح من كلامكم إنكم كنتوا قريبين جدا من بعض وهي صدفة عجيبة إنكم تلاقوا بعض تاني بالطريقة دي بغض النظر عن إيه سبب إفتراقكم طالما متعلقين ببعض كل ده .
نظر وليد لطارق وتساءل بسخط بعد أن أشار للجميع بالجلوس:
_ كل ده سؤال واحد ؟
تبسم طارق ببلاهة وأوضح:
_ كل ده هنعرفه أكيد مع الوقت ، إل عاوز أعرفه هو أنت ليه مش محترم حد فينا ، طبيعي من باب الذوق لما تكون بتتكلم مع ناس تشيل نضارة الشمس وخصوصا اننا في البيت ، بس أنا حسيت كده إنك مغرور وبتتكلم بتعالي.
نظر الجميع لطارق بغضب وعصبية .
ليقاطعه وليد بحدة :
_ إيه قلة الذوق دي ؟ عيب يا طارق كل واحد حر .
ثم نظر لمؤنس مردفا :
_ أنا بعتذر يابني ، معلهش هو كده أحيانا بيتكلم من غير ما يفكر .
_أنا بعتذرلك يا دكتور أخويا متهور شوية في كلامه .
_ والله أنا قولت أسأله علشان ياخد علينا ياعني ويتكلم معانا عادي طالما هو وعبد الرحمن أصحاب اوي يبقى صاحبنا وأخونا إحنا كمان وواضح إن مالوش حد علشان كده فكر يودع عمو وليد قبل ما يسافر ياعني في فراغ جواه لدرجة إنه يودع واحد مشافوش غير مرة فقولت أوصله إننا أهل وأصحاب .
ضرب وليد كف بكف بينما صالح صفعه على مؤخرة رأسه قائلا بتهديد :
_ إسكت يا طارق بدل ما أربيك من أول وجديد.
حدثه جاسر بغضب قائلا :
_ مش عارف تقول كلمتين على بعض مش عارف واخد شهادة الهندسة إزاي ؟
_ عادي يا جماعة سيبوه يتكلم براحته ، أنا مضايقتش ، تقدروا تقولوا واخد على كده ، مش أول واحد يقول عني مغرور .
نظر مؤنس لحور لتردف بضحك :
_ إفتكر يا طارق إني قولتلك بلاش .
نظر لها طارق بإستغراب بينما أزال مؤنس النظارة من على عينيه لينظر له الجميع بصدمة حقيقية ليردف وليد بإعجاب :
_ سبحان الله المبدع .
شعر مؤنس بالحرج وإرتدى النظارة مرة أخرى ليتمتم مؤيد بغيظ :
_ إنت تفضل لابس النضارة دي عالطول بدل ما توقف حالنا .
_وأنا إل كنت بغير من عين عبد الرحمن
نطق بها جاسر لينظر له طه بغيظ مردفا :
_ أما أنت تغير إل بنعتبرك أحلى واحد في العيلة دي إحنا نعمل إيه ننتحر مثلا ؟
_ ما خلاص أنت وهو .
نطق بها وليد بحدة مصطنعة بعد ما وجد أن مؤنس لا يشعر بالراحة بسبب تحديقهم فيه .
بينما أدهم وقف بهدوء ورحل في صمت .
نظر له صالح بتفهم ، فحور تنظر لمؤنس بإعجاب واضح قرؤه بعينيها.
إبتبسمت حور بحب ثم نهضت وراؤه قائلة لصالح :
_مؤنس مسؤوليتك يا صالح .
ضحكوا على جملتها بينما هي صعدت لأعلى فوجدته واقفا بشرود في شرفة الغرفة .
أغلقت الباب بهدوء وإقتربت منه محتضنة إياه من ظهره ، إهتز جسده بتفاجؤا لثانية من الوقت ثم إسترخى مرة أخرى ، لم يتحدث ووقف كما كان فتحدثت هي بتريث :
_ كان مريض سِمنة ، ثقته في نفسه معدومة ، تقريباً مبيخرجش من البيت من غير عبد الرحمن لأنه كان بيخاف من التنمر عليه ، حصله إكتئاب بسبب المقارنة بينه وبين عبد الرحمن الدايمة ، إتربينا إحنا التلاتة وكأننا واحد ، لما تلاقي أخوك ناجح ومميز لما تلاقيه إتغلب على كل خوفه وعُقده هتفرح بيه وتنبهر بإل وصله.
أدارت نفسها لتصبح مواجهة له لينظر لها بينما تسترسل :
_ أنا عمري ما أُعجبت أو حبيت غيرك ، عيونه مبهرة فعلا لكن عيونك أنت حياة ، النظرة فيها الأمل ليا في بكرة .
أسندت رأسها على صدره ليطوقها بذراعيه مردفا:
_ لو كنتوا فضلتوا سوا كان ممكن تحبيه ويتجوزك ، كان ممكن تبقي في حضنه دلوقتي...حضنه هو مش أنا .
_ مستحيل... صدقني مستحيل كان يحصل ببساطة لأني إتخلقت أكون وياك إنت .
لم يجيبها بل أمسكها من ذراعها ودخل الغرفة وأغلق باب الشرفة صادما إياها به مقتربا منها يقبلها بشغف ولهفة وتملك واضح أعجبها وبشدة .
...................
بعد ستة أيام /
كان المنزل مقتظ بالعائلة فاليوم كتب كتاب جاسر وأسيل .
دلفت حور ومعها سهر للغرفة المتواجد بها الفتيات ومعهم ثلاث حقائب كبيرة يحملونها بصعوبة .
_ يالا بسرعة مافيش وقت قدامكم تلت ساعات ونص تجهزوا فيها .
نطقتها سهر سريعا وهي تجذب كلا من چورية وسلمى لتقيفان معها دون فهم فتساءلت سلمى :
_في ايه يابنتي ؟ نجهز لإيه ؟ عندك العروسة أهي ؟
أشارت بإصبعها بإتجاه أسيل لتقف حور وتمسك بكف يدها قائلة بمحبة :
_ إحنا عندنا تلت عرايس النهاردة ، أسيل وسلمى وچورية .
ضحكت چورية قائلة بمرح :
_ إيه هتكتبوا كتابنا تاني أنا وسلمى .
نظرت لها سهر بسعادة قائلة :
_ ومين قالك إنه مجرد كتب كتاب .
_ ياعني إيه ؟
تساءلت أسيل بتعجب لتبتسم حور وهي تنظر لهم ثم لتلك الحقائب كبيرة الحجم .
........
في الأسفل جميع العائلة بالداخل كما طلب منهم وليد ، لا أحد خارج باب المنزل سوى بعض الشباب ، هناك أصوات بالحديقة والأرض الخالية بجوار المنزل ولكن لا أحد يعلم ما يحدث .
كانت منى تبكي فراق إبنتها وفيروز ومنار وسمية تحاولن تهدئتها .
بينما نوارة تشرف على طهو الطعام .
_يالا يا جماعة إطلعوا إجهزوا .
قالها وليد للنساء اللاتي تعجبن ليردف أشرف قاطعا تساؤلاتهن :
_ إسمعوا الكلام ولو مرة واحدة بس من غير نقاش هيحصل ايه ؟
كان الأمر أشبه بالسحر ... فبعد أن إرتدين ملابسهن وهبطن لأسفل وجدوا باب المنزل قد فُتح أخيرا ، ليقفوا مشدوهين مما يروا .
كان شباب العائلة يعملون بجد مع عدد من الرجال .
يضعون الطاولات والمقاعد ويعلقون الزينة والأنوار في الحديقة والخارج .
_ ما شاء الله يا أبو سلمى المكان جميل .
أدرفت بها منار بإنبهار أيدها الجميع.
بوق السيارة يعلن وصوله أخيرا
ليردف صالح بمرح :
_وأخيرا العريس وصل .
هبط عبد الرحمن من سيارة الأجرة ودلف للمنزل وهو يراقب العمال يعملون بجهد واضح فنظر لصالح وأدهم اللذان إستقبلاه بإبتسامة عريضة وتساءل :
_ هو ده كتب كتاب ولا فرح ؟ لأ أنا هقدم إعتراض أنا كتبت كتابي في الصمت الرهيب .
إحتضن كلا منهم بتتابع وتبعهم باقي الشباب فغمز له مؤيد بمشاغبة قائلا :
_ ومين قالك إنه مش فرح ؟
قطب حاجبيه بتعجب تحول لصدمة وهو يستمع لذلك الصوت :
_ أنت عارف طبعا حور لما تصمم على حاجة ، أقنعت خالو وليد إن الليلة تبقى فرحك وفرح أحمد وجاسر .
كان يتحدث بإبتسامة وعيناه ملبدة بالدموع بينما عبد الرحمن وقف أمامه كأنه أصم وأبكم ...فقط يراه
_شوفت المفاجأة ، يا بختك ياعم هتتجوز وأنا لسه ، مش كنا متفقين نتجوز في يوم واحد .
أزال دمعة خائنة هبطت من عينيه وهو يرى صدمته لينظر عبد الرحمن لأبناء أعمامه وبصوت غلبت عليه البحة تساءل:
_ هو في حد قدامي ولا أنا بدأت أهلوس ؟
إقترب منه مؤنس جاذبا إياه لأحضانه قائلا بتأثر :
_ مبروك يا عبد الرحمن...مبروك يا حبيبي...مبروك يا صاحبي يا أخويا .
_يا الله .
نطق بها عبد الرحمن ببكاء فرح وهو يبادله الإحتضان .
كان المشهد مؤثرا فكلاهما يبكيان بأحضان بعضهم وكأنهم طفلين صغيرين قد ضلا طريقهما والآن وصلا لبر الآمان ...والآن فقط عندما وجدا بعضهما .
أبعدهم أحمد عن بعضهم بحنق ونظر لعبد الرحمن بغضب مصطنع :
_ أنا مش هحاسبك بس علشان عريس ، لكن بعد كده لينا حساب مع بعض .
ضحك عبد الرحمن ثم أردف بتعجب :
_ عريس !!
...........
في غرفة الفتيات
إرتدين جميعاً ملابسهن وجلسن منتظرين لتقول ندى بسعادة :
_ بصراحة يا حور أنا مش مصدقة إل عملتيه ده ، كانت مفاجأة لينا كلنا مش هما بس .
نظرت سهر لحور وأردفت :
_ بقالنا عشر أيام بنجهز للحوار ده .
_وإنت عملتي إيه ؟
تساءلت نورا بمشاغبة لتقطب سهر حاجبيها بغضب بينما حور تحدثت بإبتسامة :
_ بصراحة سهر تعبت معايا جدا ، أخدتها هي وسدرة يقيسوا الفساتين ونشتري هدوم العرايس.
_بس أنا زعلانة هو انا مش عروسة زيهم مفاجئتنيش ليه ؟
نظرت حور لندى بإبتسامة ثم لرقية وأردفت بحنان :
_ أحلى عروستين ، إن شاء الله فرحكم هيبقى سوا ويتعملكم أحلى فرح .
إقتربت رقية منها وإحتضنتها بحب .
.....
أما في المنزل الآخر
بدأ الشباب يتجهزون والمرح يملأ المكان والسعادة تغمرهم .
_ أنا مش مصدق نفسي ، أقسم بالله حور دي أجدع وأحلى واحدة في الدنيا .
تلقى جاسر لكمة من أدهم ليضحك الباقية عليه فيسترسل جاسر بغيظ :
_ يا عم أنا عريس مينفعش كده .
_ بتغير عليها أوي كده ؟
تساءل بهدوء لينظر له أدهم قائلا بتحفظ :
_ بحبها للدرجة دي ، وواثق من حبها
بس مش عاوز عين تشوفها غيري .
أشار له مؤنس ليتبعه بإتجاه الشرفة فأردف مباشرة :
_ تعرف إنك محظوظ ، معنى إن حور تحبك إنك أحسن رجل في الدنيا .
أنا لما شوفتها أول مرة بترمي نفسها في حضنك إتصدمت لسببين .
ظهر الغضب بعينيه ليبتسم مؤنس ويسترسل :
_ حور بالنسبة ليا أخت وصديقة ، عمري ما شوفتها غير كده ولا نظرتي ليها في يوم كانت أو هتكون حبيبة فمتقلقش .
_مش قلقان ... لو قلقت يبقى مش واثق في حبها ليا .
ثقته الشديدة جعلت مؤنس يضع يده فوق كتفه مردفا :
_ وده الصح ، تعرف أنا شايفك إزاي ، شايفك زي البحر .
نظر له أدهم بتعجب ليكمل :
_حور متخبطة حياتها كانت صعبة ، لما رمت نفسها في حضنك عرفت إنك الآمان بالنسبة ليها ، كام دقيقة في حضنك ثارت وإنهارت وبكت واتكلمت وعبرت عن إل جواه وخرجت من حضنك وكأنها إتولدت من جديد إبتسامة وهدوء ، زي البحر الواحد يدخل جواه مضايق مخنوق نفسيته مش قد كده يخرج مجدد طاقته وعنده إستعداد يكمل وده سبب صدمتي حور إتربت إنها تبقى مسؤولة وإنها متبقاش ضعيفة لو حست بوجع أو ألم متظهروش فإنها تسلمك ضعفها ده قمة لقوتك .
وإنت كنت متعصب وحاسس بضغط نفسي كبير بس لما عرفت إنك ملجأها وآمانها أمواجك هديت وشطك بقى صافي .
إبتسم أدهم بإعجاب وتساءل :
_والسبب التاني ؟
ظهر العبوس على وجهة وعدم الإرتياح وأردف :
_ مش متخيل إنها تعشقك بالشكل ده بالرغم من إنك إبن حمدي الدمنهوري الرجل إل دمر حياتهم .
نظر له أدهم بصدمة وظهر التأثر بعينيه ليسترسل مؤنس :
_ أنا آسف ، أنا صارحتك لأني إتكأدت من رد فعلك على موت أمي إنك عارف كل حاجة.
شعر أدهم بالألم ، فمعرفة أحدهم بجميع جرائم والده يشعره بالقلة .
صوت تهليل وصفارة جذبت إنتباههم ليدلفوا للداخل ليجدوا عبد الرحمن وأحمد وجاسر قد إنتهوا من إرتداء ملابسهم .
........
في الأسفل بدأ الناس في التوافد ، في الحديقة تجلس النساء ، وفي الخارج الرجال ، لكن كان التنظيم على مستوى رائع ، كل شيء مبهج .
وصل المأذون لتعم الفرحة المكان أكثر .
دلفت حور غرفة العرائس تخبرهم بوصول المأذون لتراهن واقفات والسعادة تغمرهن والإبتسامات تنير وجههن .
_ ما شاء الله... الله أكبر عليكم .
قالتها وهي تنظر لكل منهن تارة فحقا قد أبدعت خبيرة التجميل في إظهار جمال كل واحدة منهن بطريقة مميزة زادت من تألقهن بتلك الفساتين البيضاء .
إقتربت منها أسيل تحتضنها بقوة قائلة بصوت يغلب عليه البكاء :
_ شكرا... شكرا يا حور أنا وافقت جاسر على كتب الكتاب من غير الفرح لكن جوايا كان حزين إني مش هلبس فستان وأشوف نفسي عروسة ، أنا مش عارفة أقولك إيه غير إني أدعيلك ربنا يسعدك زي ما أسعدتيني .
إبتسمت حور بسعادة وهي تنظر لچورية وسلمى اللتان آمنتا على دعاء أسيل قائلة :
_ أنا طيبة أه لكن لو زعلتوا إخواتي هتلاقوني حماة فوق دماغكم .
ضحكت الفتيات لتقول چوري بعبوس :
_ وصيه إنتي عليا ياحور .
_أيوة والله معاها حق ، المفروض توصيهم هما ، ده أنا مش بعرف أكلمه كلمتين على بعض ويقولي يالا عندي حالة.
ضربت جوري بيدها على رأسها قائلا بإستهجان :
_ كلهم كده ، ده أحمد ناقص يبات في القسم .
نظرت حور لأسيل قائلا:
_ وإنتي مافيش عندك تعليق على جاسر ؟
_ أنا ماليش دعوة بيهم ، أنا بس أبقى مراته ويتقفل علينا باب واحد وبعدين يعمل إل هو عاوزه أنا راضية .
قالتها بحالمية شديدة لتضحك الفتيات عليها .
صوت طرقات فوق الباب ومن ثم دلوف وليد برفقة منى وسمية وفيروز أوقف حديثهن.
وقفت كل أم تشاهد إبنتها وهي كالأميرة بفستان زفافها.
يبكين فرحين ببهجة رؤية صغيراتهن وهن على بُعد خطوة واحدة من إنشاء حياة خاصة بهن .
إحتضنت كل أم إبنتها فلم تحتمل حور الوقوف أكثر ورحلت سريعاً تشعر بالألم يغمر قلبها.
حينما إقتربت أخيرا من غرفتها وجدت أمامها أخر شخص قد ترغب برؤيته.
_كل إل حصل فيا هتدفعي تمنه .
نظرت له بكره وتشفي فوجهه مليء بالكدمات وذراعه داخل جبيرة وأردفت :
_ إل حصلك نتيجة لأفعالك .
إقترب منها وأردف بإبتسامة :
_ نهايتك على إيدي يا حور .
أنهى حديثه ورحل من أمامها لتدلف الغرفة شاعرة بالضيق منه وبالألم إشتياقا لوالدتها .
جلست فوق الفراش وتكورت على نفسها تبكي في صمت .
هبطت الفتيات ممسكين بذراعي وليد ودلفوا للحديقة مع تهليل الحضور ليُجلس وليد كلا منهن في مكانها ، بينما ذهب هو ليجلس قبالة جاسر ليكن شاهدا مع صالح على زواجه من أسيل بينما مازن يضع يده بيده ليكن وكيلا لها .
_ بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير.
ما إن نُطقت تلك الجملة حتى بدأ الإختفال بمختلف مظاهره .
لم تستطع أن تهبط لأسفل وظلت كما هي نائمة بوضع الجنين ، الألم في قلبها يكاد ينهيها .
إقترب الإحتفال على الإنتهاء فدلف الشباب ليحظوا برقصة مع زوجاتهم .
إقترب أدهم من والدته وسألها عن حور بعدما بحث بعينيه عنها فلم يجدها لتجيبه بتعجب :
_ حور !! تصدق أنا مشوفتهاش خالص .
وقف ينظر لها بعدم فهم لتردف فيروز بتبرير :
_ إحنا إتلهينا مع الناس ومسألناش البنات هي راحت فين ؟
إقترب أدهم سريعا من ندى ورقية و زهرة وسألهم عنها لتصمتن جميعاً بإدراك عدم وجودها .
نظر لهن ثم توجه لأسيل قبل أن تبدأ رقصتها برفقة جاسر وسألها هامسا عن حور لتجيبه:
_ كانت معانا ومن بعد ما عمو وليد دخل علشان ننزل مشوفتهاش .
صُدم وشعر بالألم ، فليس منهن من إهتم بها أو إهتم بوجودها .
كيف يهملون وجودها بمثل تلك الطريقة وهي التي سعت لسعادة الجميع .
ودون إنتظار صعد سريعا إلى الأعلى ودلف غرفتهم ليجدها نائمة زاد ألم قلبه أكثر .
حينما مرت أكثر من ساعة ولم يشعر بها أحد ولم يبحث عنها أحد ليزداد تكورها وتغلق عينها علها تهرب بعيدا عن هذا الواقع المؤلم .
إقترب منها أدهم وعيناه تطوفها بالحزن المُشبع بالدموع ، ثم جلس بجانبها ليجدها مستغرقة في النوم رغم أن أثار دموعها لم تجف بعد .
صعد بجانبها وإحتضنها بقوة مبعثرا قبلاته على وجهها ورأسها بعشوائية .
كانت تشعر بالألم والبرد القارس وكأنها مُلقاه وسط جبال من الثلوج ثم فجأة شعرت بالدفيء والآمان .
فتحت عينها لتجد نفسها بين أحضانه وشفتيه تمر على كافة وجهها لتبتسم بحب هامسة :
_ كنت واثقة إنك إنت إل هتدور عليا .
قبلها بلهفة وكأنه تائه في الصحراء وأخيرا وجد ينبوع ماء يرتوي منه .
أسند رأسه فوق رأسها وأردف مبعثرا بين كل كلمة وأخرى قبلة حانية ينثرها فوق عينها أو شفتيها :
_ آسف...آسف ...حقك على قلبي .... بحبك.... متزعليش .
كانت مستمتعة بهمساته وقربه .
حاوطت عنقه بذراعيها تقربه منها أكثر تريد أن يخمد ألمها بدفيء أنفاسه ولكن رنين هاتفه أكثر من مرة أجبره على الإبتعاد ، أخرج هاتفه ونظر ليجد أن المتصل عبد الرحمن الذي تحدث بلهفة فور إستجابة أدهم للرنين :
_ أدهم إنت فين ؟ حور معاك ؟ كل العيلة تقريباً سلموا علينا وإتصورنا ومشوفتش حور خالص .
نظر أدهم لحور بتساءل لتومأ له إيجاباً فأردف :
_ جايين دلوقتي .
أغلق الهاتف ونظر لها بإبتسامة بادلته إياها قبل أن تقف تتأكد من هيئتها وتهبط معه لأسفل .
.......
شعورك بالرضا لرؤية سعادة الأخرين خير دليل على نقاء قلبك .
أدمعت عيناها وهي تحتضن شقيقها وقالت بتأثر :
_ مبروك يا حبيبي ربنا يسعدك يا عبد الرحمن ، خلي بالك من سلمى بلاش تزعلها في يوم حتى لو غلطت من وجهة نظرك أقعدوا سوا وإتفهموا مع بعض بهدوء ، أقولك على حاجة أنا نفسي تخلف أطفال كتير أوي ، ولادك دول إل هيحيوا إسم نبيل الدمنهوري طول الحياة .
تبسم عبد الرحمن بحب قائلا سلمى بمشاغبة أخجلتها :
_ سامعة ... عاوز فريق كورة ، أصل أنا أخ مطيع وبسمع كلام أختي .
لم ترغب حور في إلتقاط أي صورة عائلية وإكتفت فقط بإلتقاط صورة مع شقيقها بعد إلحاحه .
وبعد إنتهاء الزفاف وإنصراف الجميع وتبقت العائلة فقط ، بينما الثنائيات ذهبوا بسيارة كبيرة معا إلى أحد المدن الساحلية وكانت تلك هدية من أدهم وهي قضاء عطلة لعدة أيام .
بينما حور جلست تنتظر أدهم الذي طلب منها أن تمكث معهم إلى أن يأتي إليها مرة أخرى ، لا تعلم إلى أين ذهب .
إقتربت منى وجلست قبالتها وأردفت بإمتنان :
_ أنا مش عارفة أشكرك إزاي ؟ إنتي جبرتي خاطري وحققتيلي أملي في إني أشوف بنتي بالفستان الأبيض وأفرح بيها ، ربنا يسعدك وينولك ما تتمني يارب .
تبسمت لها حور بهدوء لتسترسل منى بنبرة متألمة إثر تأثرها بما تقول:
_ أنا مش ناسية طلبك ، صحيح هو صعب أوي عليا لكن هكون عند وعدي ليكي وهساعدك .
كادت حور أن تتحدث ولكن إقتراب نوارة منهم أوقفها عن الحديث .
شعرت حور بأن نوراة تريد التحدث مع منى وحدها فلقد فهمت نظراتها لتقف ناوية أن ترحل ، لتمسك نوارة يدها قائلة :
_ خليكي يا حور
نظرت لها بعد أن جلست مرة أخرى وإلى منى وقالت :
_ سلوى كلمتني في التليفون وطلبت مني إيد زهرة لنبيل .
ترقرقت الدموع بعين حور وتبسمت في سعادة بالغة ، كان رد فعلها مفاجيء لهم لتنظر لهم قائلة بلهفة :
_ نبيل وزهرة....هتفضل أساميهم مرتبطة ببعض .
نظرت نوارة إليها بحنان مدركة مدى إشتياقها لوالديها بينما تحدث منى بعقلانية :
_ قولي لزهرة وسيبيلها الوقت الكافي علشان تفكر وتاخد القرار من غير أي ضغط .
_متجمعين عند النبي إن شاء الله.
نظرن إلى أدهم مردفين سويا:
_ عليه أفضل الصلاة والسلام.
أمسك أدهم يدها قائلا بمزاح :
_ بعد إذنكم بقى أنا هخطف مراتي .
ضحكت نوارة بينما منى أردفت :
_ فكرتني بعمك نبيل كان كل ما يشوف زهرة قاعدة معانا ييجي يمسك إيدها ويقول إسمحولي أخطفها ، ده على أساس لو رفضنا هيسيبها .
قبل أدهم رأسها وشاغبها قليلا ثم أخذ حور ورحل وهو يلوح للجميع الذين تعجبوا من خروجه وحاولوا سؤاله عن وجهته .
وها هي تجلس بجواره في سيارته منذ ما يقرب من الساعتين والسكون كان حليفهم .
هي تفكر كيف تنهي إنتقامها ويا للعجب فهو يفكر في ذات الأمر .
تنهدت بصوت مسموع أكثر من مرة متلاحقة أنفاسها ليتساءل بهدوء :
_ كل دي حيرة ؟
نظرت له وتساءلت بهدوء :
_ تفتكر لو منتقمتش هعيش مرتاحة ؟
ظل يفكر لبعض الوقت ثم قال بصدق :
_ أنا لو مكانك مستحيل كنت أرتاح ، لكن لو كان ف حياتي الشخص إل يستاهل أنسى علشانه كان ممكن .
صمت قليلا ثم إسترسل :
_ السؤال هنا ... هل في حياتك الشخص ده ؟
إرتبك قلبها وأغمضت عينها بألم ولم تتحدث لا أن تجيبه ولا بكلمة واحدة إلى أن وصلا لوجهتهم .
هبطا من السيارة أمام إحدى المباني السكنية التي يتم إستئجارها في تلك المدينة الساحلية ثم أشار لمبنى يقع خلفهم بقليل قائلا :
_ الشباب في البيت ده كل واحد في شقة .
ضحكت بسعادة وهي تسمعه يسترسل :
_ وإحنا هنطلع الشقة دي .
كانت ترغب بشدة في زيارة تلك المدينة ، مدينة رأس البر وها هو يحقق لها تلك الرغبة .
دلفت لذلك المسكن ووضع الحقيبة التي جهزها عندما كانت تنتظره وأغلق الباب وهمس بالقرب منها بعد أن قربها إليه :
_ كنا بنقول إيه قبل ما أخوكي يرن ؟
تبسمت بدلال وشاغبته:
_ كنت بقولك إني جعانة لأني مأكلتش أي حاجة طول اليوم .
ضحك بإستمتاع فدلالها يأخذ عقله يؤرجحه بعيدا ثم يأتي به لا يصلح سوى للضحك .
أخذ كفيها بين يديه وقبلهما ثم قال :
_ إيه رأيك ننزل نتعشى بره ، صحيح بقينا قرب الفجر بس المطاعم هتبقى فاتحة أكيد .
أومأت له برأسها ليجذبها لأحضانه قليلا ينعم بقربها قبل أن يرحلان .
..............
عند جاسر /
رغم وصولهم منذ ما يقرب من الساعة والنصف إلى أنها عندما دلفت توجهت للغرفة ولم تخرج بعد .
شعر بالملل وبعض التوتر ، ولكنه قرر أن يقطع عزلتها تلك وإقترب من الغرفة وبعد أن إستأذن منها دلف ليتفاجأ بها تجلس فوق الفراش بعد أن أبدلت ملابسها لأخرى لا يعلم ما هي لأن حول جسدها بأكمله حتى ذراعيها يلتف غطاء الفراش هو علم فقط أنها من المؤكد أبدلت ملابسها ففستان الزفاف ملقي فوق الكرسي .
إقترب منها بحذر وجلس فوق الفراش بعيدا عنها وتحدث بما يؤرقه :
_ لو مش مستعدة للخطوة دي مش مشكلة ، العمر لسه قدامنا إن شاء الله.
نظرت له بتوتر فبؤبؤة عينها كانت تتأرجح هنا وهناك وتحدثت بصعوبة :
_ أنا ..أنا إفتكرت لما ...لما أنت ياعني...
أغمض عينيه بحسرة فخوفه تحقق وتلك الليلة ظهرت كحاجز بينهم .
مرت دقيقتان قبل أن يقول بتريث بإبتسامة :
_ أنا بحبك يا أسيل ، حبي ليكي أكبر من الشكليات دي ، إحنا بنحب بعض والحمد لله ربنا جمعنا وهنفضل لبعض طول العمر ، يحصل إمتى دي بقى لما تحسي بالراحة وإنك مستعدة ، أنا هخرج أنام في الأوضة التانية علشان تبقي مرتاحة ومطمنة .
وقف وتوجه لباب الغرفة ولكن في أقل من ثانية ، لم يعي ما حدث سوى أنه عندما إقترب من الباب وجدها أمامه تحجب الباب عن مرمى عينيه ويده وتتحدث بصعوبة بسبب توترها :
_ مش هطمن وأنت بعيد عني .
نظر لها بحب ثم بدأت عيناه تتجول عليها ليرى ذلك الرداء الأبيض من الدانتيل جعلها فاتنة ، كان يتأملها بنظرات شوق ألهبت قلبها وجعلت إرتباكها يزداد .
..............
عند عبد الرحمن/
جالسة فوق الفراش تستند على ذراعها تنظر له بحب ... نظرات أبلغ من الكلام .
نائما بعمق ...كان مرهقا ...وجهه يصرخ من الإجهاد .
تبسمت بسعادة وخجل وهي تتذكر ما حدث بينهم منذ قليل ،
بالرغم من أنها طلبت منه أن يستريح لأنه مجهد كثيراً ، فهو جاء من السفر إلى الزواج مباشرة ثم رحلوا لمسافة ليست بهينة ، وبالرغم من أن عينيه كانت تُغلق وحدها من شدة التعب إلا أنه أمطر عليها أجمل العٓبرات :
_ أرتاح ..أنا راحتي بين إيدك ، لما أنام وأنا واخدك في حضني بعد ما تبقي ليا هي دي الراحة .
إقترب منها بحذر ليشعر بخجلها فإستكمل بهدوء :
_ لكن لو إنتي محتاجة ترتاحي أو تأجلي ...
لم يكمل حديثه فهي على غفلة منه ومن خجلها إرتمت بأحضانه ليضمها إيه بسعادة .
.......
عند أحمد /
كانت تدور حول نفسها بسعادة ، لا تصدق أنها بالفعل أصبحت زوجته قولا وفعلا .. هي كانت بين يديه الآن ... تنظر إليه دون خوف من أن يرها أحد .. تعبر عن حبها له دون قلق من أن يسمعها أحد .
دلف أحمد للغرفة مرة أخرى بعد ما تجهز لأداء صلاة الفجر ليجدها بتلك الهيئة ، ترتدي مأزر أبيض حريري وتدور حول نفسها مغمضة العين وإبتسامتها تعلو ثغرها فأردف بضحك :
_ إل يشوفك دلوقتي ميقولش إنك إنتي إل كنتي ماسكة السكينة وبتقوليلي لو قربت مني هعورك .
قالها مقلدا لحركة يدها ونظراتها لتنظر له بحنق فإسترسل بغيظ :
_ فرهدتيني ، أكتر من نص ساعة بجري وراكي في المكان ، ده انا لو بجري ورا مجرم همسكه أسرع من كده .
تعالت ضحكاتها بمرح قائلة بدلال أهلكه :
_ وهو المجرم أحلى مني ؟ هو الحلو كده محتاج شوية تعب وأهو خليتك تلعب شوية رياضة مفيدة للصحة .
سمع إقامة الصلاة من خلال مكبر الصوت لأحد المساجد القريبة ليقول بتعجل :
_ لما أرجع من المسجد هنشوف حوار الرياضة ده .
نظرت في أثره وعلى وجهها إبتسامة وقلبها ينبض بقوة .
..........
عند أدهم /
أنهى صلاته منذ فترة ووقف في شرفة المسكن يستنشق الهواء بتريث عله يهدأ من خفقان قلبه ، يشعر أن هناك أمر جلل سوف يحدث .
_ يارب الستر من عندك.
تمتم بها مغلقا باب الشرفة وهو يتثاوب وتوجه لغرفة النوم ليجدها قد إنتهت من صلاتها ويبدو أنها غفت ليصعد بجانبها يجذبها نحوه يحتضنها برفق مستسلما للنوم.