رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل السادس عشر
غريبة هي الحياة .... إن كان قيل لها منذ سنوات أنها ستعيش تلك الأيام كان من المستحيل أن يعي عقلها ذاك.
تنظر لشقيقها الذي يبتسم تارة ويضحك كثيرا وعيناه تفيضان بالسعادة وبجانبه زوجته تلك الفتاة التي ما إن رأتها أول مرة شعرت بالغيرة فهي حقا تشبهه أكثر منها ، سلمى الفتاة الطيبة ..قلبها بريء .. أنقى قلب في تلك العائلة ...تشعر بالسعادة أن شقيقها إختارها لتكن شريكة حياته .
زادت إبتسامتها وهي ترى شقيقها الآخر الذي تمنت رؤيته مرة أخرى رغم مرور السنوات فهم لم ينسوه قط ..كانت والدتهم تذكرهم به دائما لألا تتلاشى ذكرياتهم معا ، ترى في عينه الآن نظرة الكمال وكأن حياته كانت شريدة وبوجود نصف الآخر چورية التي لها مكانة خاصة بقلبها لأنها تشبه شقيقها إلى حد كبير ، رأته في الليلة الماضية يحتضن شقيقته يستحضر بها الأم فشعرت بالشفقة عليه فهو قد تيتم من جهة الأم مرتين ، تمنت له السعادة الدائمة فهو يستحق ذلك ثم نظرت بإتجاه جاسر لتجده يقبل يد زوجته ، شعورها إتجاه جاسر لا يختلف عن شقيقيها ليس لأنه شقيق حبيبها.
ولكن تشعر أنه يشبهها ، عاش سنوات متخبطا بين أخلاقه وإنسانيته وقلبه وبين إنتقامه وغضبه ويا له من محظوظ فقد إنتهى مشوار إنتقامه لصالحه دون أن يتأذى أحد .
هل ستنتهي نار إنتقامها هي أيضا دون أن تلتهم أحد ؟
أغمضت عينها بإرهاق ومن ثم فتحتهم مرة أخرى لتجده ينظر إليها .. قد لا ينطق لسانه ولكن عيناه تفيض .
_ أنت تستاهل أتخلى عن روحي ... سألتني امبارح لو في في حياتي إنسان يستاهل أتخلى عن إنتقامي ، أنا مشكلتي مش الإنتقام يا أدهم ، أنا مشكلتي إن الشخص ده عزيز لأعز ناس ولحبيبي ، مهما غضبت منه ومن أفعاله فهو في الآخر والدك ، أنا حاسة إني محتارة .
كانت تتحدث بإرهاق جعله يشعر بالشفقة عليها فحاول أن يجعلها تبتسم وقد نجح عندما همس بمزاح :
_ طب بقولك إيه ..خلينا ننسى كل حاجة بلاش نفكر في أي حاجة ولا نقلق نفسنا ونحتار ونضايق قلوبنا ، اليومين دول نعيشهم لينا .... سوا نفرح وبس .
.........................
بعد عدة أشهر /
_مساء الخير يا جميل يا أحلى عمتو في الدنيا .
نظرت لها منى بحنان وأردفت بإبتسامة :
_ برده تعبتي نفسك وجيتي ، ما هي ندى هنا يابنتي لو إحتجت حاجة هطلبها منها .
قبلت حور رأسها وقالت مازحة :
_ بتطرديني يا منى مكنش العشم ، وبعدين تعبك راحة وأنا هنا بأدي واجبي كدكتورة لعيلة الدمنهوري .
ضحكت منى بمليء فاهها وتشدقت :
_ والله عندك حق ، محدش فينا تقريباً بقى بيروح يكشف بره ، العيلة دي بالنسبة ليكي خسارة .
_ متقلقيش يا عمتو باخد الڤزيتا من أدهم ومعاها بقشيش كمان .
_يا حبيبتي ربنا ما يحرمكم من بعض .
ما إن أنهت دعوتها حتى بدأت البكاء لتحتضنها حور تربت بحنو فوق كتفها إلى أن هدأت .
قضت معها قرابة الثلاثون دقيقة ثم رحلت .
وفي الطريق شعرت بالتعب يهاجمها فدلفت إلى مزرعة الفواكه القريبة وجلست فوق المقعد تلتقط أنفاسها وتهدأ من دقات قلبها .
كانت ترجو الراحة ولكن كان لعقلها رأي آخر حيث مرر ما حدث كفيلم سنيمائي
.......................
حقا كانت أسعد أيامهم ...سافر جاسر وأسيل إلى الغردقة ليلتحقوا بأسرته ، وعاد الجميع إلى منزل آل دمنهوري .
كان المنزل كئيب ومعتم ... هنالك شيء مبهم .
_الحمد لله على السلامة يا ولاد .
أردف بها وليد ثم قبل أن يتحدث أحدهم أشار لهم مسترسلا :
_إقعدوا وإسمعوني ... من بعد الفرح بيومين حصلت مشكلة كبيرة بين منى وحمدي .
أمسكت حور يد أدهم بقوة وإرتجف قلبها ، فيبدو أن عمتها نفذت طلبها .
_ بسبب إيه يا خالو ؟
تساءل أحمد بتعجب لتضيف چورية بحيرة :
_ طب بابا وممكن يتخانق مع أي حد وإتعودنا على كده بس عمتو منى دي أهدى ست في العيلة دي .
_ أهو بقى يا بنتي لما الواحد يفيض بيه أو يدخل الشيطان بين إتنين إخوات ويفرقهم .
لم تستطع حور السيطرة على شهقتها ونظرت في إتجاهه بعين مليئة بالدموع ، بينما هو ينظر لها ببعض الحدة وأكمل :
_ حمدي ساب البيت من يومها محدش يعرف عنه حاجة ، ومنى تعبت وجالها جلطة .
وقفت حور منتفضة من مكانها تسرع في خطواتها بإتجاه غرفة منى بينما حل الصمت الصادم على الباقية إلا من حديث عبد الرحمن الذي أخذ يستفهم منه عما قاله الطبيب .
........
دلفت حور لتجدها نائمة لا حول لها ولا قوة لتهرول بإتجاهها تحتضنها وتبكي بألم مردفة :
_ أنا آسفه ... كان لازم مقولش لحد ولا أطلب منك تساعديني .. أنا آسفه .
_ حور .
نطقت بها بصعوبة لترفع حور رأسها فأشارت لها منى بعينيها بإتجاه الوسادة .
مدت حور يدها تحت الوسادة لتجد هاتف فأخذته ، ونظرت إلى منى بتساؤل أجابتها بصعوبة :
_ نفذت وعدي .
إحتضنت حور الهاتف وزاد بكاؤها لتردف منى :
_ عاوزة أطلب منك طلب ، بلاش دلوقتي ، عاوزة مازن وندى يتجوزوا .
أماءت لها بالإيجاب ثم وضعت الهاتف بالحقيبة تزامنا مع دلوف الشباب للإطمئنان عليها .
..........
بعد ساعة
عادت حور وأدهم إلى مسكننم الخاص ، كانت صامتة طوال الطريق تشعر بأنها على حافة الهاوية ، إن تحركت يمينا أو يسارا ستسقط .
صعدت معه ومازالت على صمتها الذي أكد له أن هناك ما تخفيه ... ويبدو أن ما قد خُفيا كان أعظم حقا .
ما إن أغلق باب المنزل حتى وجد طرق متلهف ففتح الباب مرة أخرى ليجد سدرة أمامه تبتسم بهدوء مردفة :
_ الحمد لله على السلامه ، معلهش مقدرتش أصبر لبكرة وقولت أسلم عليكوا .
نظرت لتلك الفتاة بحنان وأردفت :
_ الله يسلمك من كل شر يا سدرة ، ها قوليلي مرتاحة في شقتك ؟
نظرت سدرة لأدهم بإمتنان وأردفت :
_ أنا عمري ما كنت مرتاحة زي اليومين دول ، حسيت إن ليا سند ، عوضتوني عن فراق أمي ، أستاذ أدهم أنا مش عارفة أشكرك إزاي ، إنك تأجرلي شقة في نفس العمارة معاكم وتفرشها وكمان تدفع إيجارها سنتين مقدم وكل حاجة ممكن أحتاجها من أكل وشرب يكفيني شهور ، أنا عاجزة عن رد جميلك ده .
إبتسم أدهم قائلا :
_ دي حاجة بسيطة ، إنتي سيبتي بلدك وحياتك وجيتي تعيشي بينا ، مساعدتك واجب عليا ، وبعدين أنا قولتلك إعتبريني أخوكي وأي حاجة هتحتاجي مساعدتي فيها مش هتأخر عنك إن شاء الله.
شعرت بالخجل منهم ، فلم تقابل في حياتها أشخاص مثلهم .
نظرت لهم ونظراتها معبرة بشكل كبير جعل حور تقترب منها وتحتضنها ثم ودعتها وأغلقت الباب .
_ ناوية تحكيلي إيه حصل وفي إيه بينك وبين عمتو منى ولا أعتبر نفسي مشوفتش وجعك ودموعك إل بتدل إن في حاجة ، خصوصا جملة عمو وليد لما سمعتيها حسيت إن قلبك إنكسر ، كل ده أكيد مش من فراغ .
نظرت له قليلا ثم هرولت لأحضانه تبكي بقهر .
ظلت على تلك الحالة لمدة عشر دقائق حتى هدأت .
_بقيتي أحسن ؟
همس بها لتومأ له إيجاباً وهي ما زالت بأحضانه وهو يكبلها بذراعيه.
_لو مش عاوزة تتكلمي ....
قاطعته بأن إبتعدت عنه وجذبت حقيبتها ثم أخرجت الهاتف وأعطته إياه قائلة :
_ أنا مش عارفة هسمع إيه ، كل إل أعرفه إني طلبت من عمتو منى تساعدني أثبت إن حمدي قتل بابا ، التسجيل ده كان السبب في إن عمتو منى تنجلط وتعيش قعيدة دلوقتي ، لو عاوز تسمعه معايا لازم تتحمل لأني أنا محتاجة أترمي في حضنك .
جلس وأجلسها بجواره ثم عبث بالهاتف قليلا إلى أن إستمع لصوت أبيه .
........ .......... .........
_ عاوزة إيه يا منى ، وإيه هو الموضوع إل مينفعش الكلام فيه غير في أوضتك .
قالها بتأفف لتجيبه بهدوء محاولة السيطرة على إنفعالاتها :
_ أنا سمعت كلامك مع حور يا حمدي ، وعرفت كل حاجة .
صدمته بحديثها ، وشعر بالإرتباك ولكنه أردف بجمود أتقنه :
_ عرفتي إيه وكلام إيه يا منى ؟
_ سمعتك وإنت بتهددها علشان كانت السبب في إن ناس إيديهم طايلة سلطوا عليك بلطجية وهي قالتلك إن ده إنتقام منها .
_علشان تعرفي بنت أخوكي عاوزة تموتني ، خسرتني شغل بفلوس كتير وأصحاب الفلوس كانوا عاوزين يقتلوني .
_ زي ما أنت قتلت أبوها .
نظر لها بصدمة لم يستطع مدارتها وهمس بإرتباك :
_ أنتي عرفتي الكلام ده منين ؟
كانت الصدمة والإرتجاف تلك المرة من نصيبها فبالرغم من أن حور قصت لها كل ما حدث ، كان هناك بقلبها جزء يرغب في نفيه لهذا الأمر المشين ، ولو كان كذب ... لو كان ثار وغضب ورفض ولو لمرة تلك التهمة لصدقته فورا ... ترغب في تصديق أن ليس شقيقها هو قاتل شقيقها الآخر .. ترغب في تصديق أن أخيها من يعيش معها ليس بقاتل .
كانت نظراتها وكأنها تجابه الموت ... عيناها تكاد تخرج من أمكانهم من الألم والصدمة والجزع .
_ليه ؟
ثلاث حروف ما إستطاعت أن تنطق بهم وعيناها تذرف الدموع .
نظر لها والغضب يملأ عينيه وتحدث بحدة :
_ علشان هو نبيل ... نبيل المميز في كل حاجة ...طلبات نبيل مجابة لأنه الوحيد المتفوق في دراسته ... نبيل يختار ويتجوز من ورانا ويتقاله براڤو عليك .
شق صوت بكاؤها الفراغ وسقطت أرضا حينما سمعته يكمل :
_ مش فارق معايا إنك عرفتي أو إن الدنيا كلها تعرف ، أساسا هو كده كده كان ميت ، كان باقي ليه دقايق إختصرتهاله.
_هو ربنا عرفك علم الغيب ، مش كان ممكن يعيش ، كان ممكن تحصل معجزة من عند الواحد القادر ويعيش بدل الدقايق سنين وسنين وكان يبقى واقف جمب إبنه في فرحه وكان يبقى وكيل بنته في جوازها ، إنت معندكش قلب .
جلس على عاقبيه وأردف بجنون :
_ نسيتي أهم حاجة ... كان هيعيش مع زهرة ، كان هياخدها في حضنه ، كان هياكل من إيدها ، كان هيسند رأسه على رجلها وهي تمشي إيدها في شعره
شوفتها كذا مرة وسمعته وهو بيقولها إن وجع دماغه إختفى ، كنت بتمنى أروح أخنقه بإيدي ، وأنام مكانه ، ليه هو يلاقي الراحة دي وأنا لأ... ليه عيونها مش شايفة غيره ،صحيح مش الست الوحيدة إل صدتني ، لكن الوحيدة إل متبقاش شايفة قدامها غير واحد بس .. نبيل ، هو الهوا إل بتتنفسه ، هو أعظم وأهم رجل في نظرها ، دي كانت بتقوله إنه أحلى وأوسم واحد شافته في حياتها وهو ميمتلكش نص جمالي حتى دي في نظرها إتفوق عليا فيها .
كانت تحرك رأسها بالنفي بطريقة هستيرية قائلة بصراخ :
_ إنت لا يمكن تكون طبيعي ، إنت مختل عقليا ... ده أخوك حتة منك ... لو كنت طلبت روحه يفديك من غير ما يفكر .
وقف ونظر لها ببرود ثم جلس فوق الأريكة وكأن الوضع والحديث طبيعيان وأردف :
_وأنا مطلبتش روحه ... أنا طلبت زهرة ، جايز لما كنت أشوف في عيونها نفس النظرة ليا كنت سيبتها له تاني ، بس هو قدم روحه على طبق من دهب ، كنت عاوز أحس إني إنتقمت لكل مرة عاقبني فيها أبويا أو قلل مني هو أو اي حد وقارنوا بيني وبينه فقولت أحط لمستي وفصلته عن التنفس لمدة دقيقة كده بس هو مستحملش حتى نصها ومات ، هو مات لكن مقدرتش أوصل لزهرة ، إستنيتها تظهر تطالب بحقهم ، لكن هي مش شايفة غير نبيل .. نبيل مات يبقى كل حاجة ماتت ، حتى لما عرفت أوصل لطريقها بعد سنين شوفت الكره والغضب في عينها شوف نبيل محاوطها وبتدافع عن نفسها علشان تبقى لنبيل وبس .. نبيل .. نبيل ..نبيل وكأن الدنيا مافيهاش غير نبيل وقررت متتعالجش علشان تموت وتروح لنبيل ، أنا مش ندمان إني قتلته ، لو كان عايش كنت قتلته مرة ورا التانية .
تلك المرة صرخت بكل ما أوتيت من قوة وبكت كما لم تبكي من قبل .
سمع وليد صراخها وتوجه سريعا لغرفتها وفتح الباب تزامنا مع خروج حمدي الذي قال بغضب :
_ الشيطانة إل إنت فرحان بيها علشان بنت أختك وقعت بيني وبين أختي ، أنا هسيبلكم البيت وخليك أنت عمال تقول إنك الكبير ..الكبير وفي الآخر تيجي بت زي دي تفرق العيلة واحد ورا التاني وإنت بتتفرج وأهي بدأت بيا أنا ومنى .
دلف وليد لداخل الغرفة ليجد شقيقته مفترشة الأرض بعد أن هُلِكت قواها .
.......... ...........
إنتهى الصوت .... كما إنتهى الهواء من حولهم ... كانت تختنق سقطت من فوق الأريكة بسبب شدة بكاؤها بينما أدهم وقف ورحل ... كان ألمه أشد من أن يوصفه أو يعبر عنه بكلمات ... حالته قمة في الغضب ، كان أضعف من أن يواسيها أو يخفف عنها آلمها بل كان يحتاج هو المواساة ، ولكن بالرغم من هذا لم يستطع تركها بمفردها .
_ أيوة يا استاذ أدهم في حاجة ؟
ترك مفتاح شقته أمام الباب وأردف بثقل :
_ خدي المفتاح وإطلعي لحور متسيبيهاش لوحدها الليلة .
تحدث ورحل في عجالة وكأن هناك من يلحق به أو كأنه على وشك الإختناق وهو بالفعل كذلك .
أما هي كانت متدمرة ، أن تعلم عن أمر ما شيء وحين تستمع بأذنها شيء آخر .
رفعت أنظارها مستنجدة نحو الباب لتجدها أمامها تنظر لها بإرتباك .
أغلقت سدرة الباب وإقتربت منها بتريث ثم جلست بجانبها لتتفاجأ بحور التي تُلقي بنفسها داخل أحضانها وهي إستقبلتها بصدر رحب .
...........
بينما في منزل الدمنهوري
_ أنتوا كده بتظلموني أنا من حقي أعمل فرح زي أي بنت ، نستنى شوية لما عمتو تبقى كويسة ، لكن نعلن جوازنا وخلاص كده .
كانت تتحدث ببكاء فكم تمنت وإنتظرت اليوم الذي ستُذف إليه كعروس بفستانها الأبيض الذي يشبه فستان الأميرات ، حٓلِمت دائما بهيئتها وما ستفعله في ذلك اليوم ، والآن ببساطة يخبروها أن كل تلك الأحلام ستذهب سُدى .
إقتربت والدتها منها تحتضنها وبالرغم من حزن قلبها إلا أنها تحدثت بتعقل :
_ يا ندى إعقلي ، عمتك الدكتور بيقول حالتها متأخرة ، جوزك يابنتي محتاجكك جمبه تقويه وتساعديه على رعايتها ، مازن رجل قد كلمته وهو وعدك مهما عدا على جوازكم لما الأمور تتحسن هيعملك فرح ، وبصراحه بقى أنا من رأيي إنك توافقي لأن يا حبيبتي ده إختبار لحبك ليه وموقفك هيفرق معاه ف حياتكم بعد كده ، وبعدين تتجوزوا دلوقتي وتعيشوا سوا ولا تفضلي موقفة حياتك على حاجة في علم الغيب ويا عالم لو هتحصل مش ممكن ربنا ياخد أمنته .
نظرت بإعتذار لوليد الذي تحدث بهدوء :
_ معاكي حق يا أم أدهم إنتي مغلطتيش ، مافيش حد فينا ضامن عمره ، إسمعيني يا ندى القرار في إيدك إنتي لو موافقة يابنتي يبقى آخر الأسبوع نعلن جوازكم وتروحي بيتك تعمريه لكن لو مش قادرة تتقبلي الفكرة أنا معاكي وهكلم مازن وأقنعه يأجل لما يبقى ربنا يريد .
عم الصمت بعض الوقت ليهبط مازن من عند والدته فيجدهم على نفس حالتهم ليقول بثبات :
_ خلاص يا ندى لو مش مقتنعة مافيش مشكلة .
كاد أن يرحل ليتفاجأ بها تقف أمامه تقول بغضب طفولي :
_إنت عاوز تهرب مني ولا إيه يا أستاذ ، إعمل حسابك كلها تلت أيام وبعد كده مش هتخرج من البيت غير بإذني .
برقت عيناه بسعادة لم يستطع مدارتها ليحتضنه وليد بفرحة حقيقة:
_ ألف مبروك يا حبيبي ربنا يسعدكم .
............
يا إله العالمين
يا إله العالمين حنيني دائم
والقلب شاك عليل
سال دمعي يا إلهي
ولولا غربتي ما كان دمعي يسيل
غربتي نجوى ونيران شوق
وأساً باك وليل طويل
وما لي رجاء غير أن تسعى إليك السبيل
إذا ضاقت فنجوى دعائي
حسبي الله
حسبي الله ونعم الوكيل
بالله إيماني وفيه رجائي
وإلى علاه ضراعتي وبكائي
يا مؤنسي في وحدتي
يا منقذي في شدتي
يا سامعا لندائي
فإذا دجا ليلي وطال ظلامه
ناديت يا رب كنت ضيائي
سبحانك جل جلالك يا الله
كان صوتها العذب يشدو بكلمات الإبتهال بروح معذبة مشفقة على مثيلتها .
أغمضت حور عيناها مستمعة لصوتها الملائكي تاركة دموعها تعبر عما يجوش صدرها بإستسلام وسدرة تملس على شعرها بحنان وقلب حزين .
.................
مرت ثلاث أيام سريعا ، ولكن عند القلوب الممزقة لم تكن سريعة بل أبطأ من السنوات العجاف .
لم ترى أدهم منذ تلك الليلة ، كان قلبها يأن بألم ، ألم فراقه كاد أن يمزق روحها ، أتركها هكذا ؟
كانت سدرة ملازمة لها ليل نهار ، وأصبح صوتها الشجيّ مؤنس وحشة روحها .
عندما كانت تخرج للعمل كانت تذهب معها ، أصبحت كرفيقة العمر في أيام معدودة .
..............
ونظن في بعض الأحيان أن حديثنا مجرد حديث ولكن الحقيقة قد يكن كلمات سامة تخترق القلوب.
كانت نائمة فوق الأريكة تغمض عينها كذبا ترغب في الهروب من كل شيء ، ولكن إن رغبت هي هل سيتركونها .
_ قومي يا ميلة بختي يا حظي المنيل إجهزي علشان نروح نبارك لندى ، أهو تنفعي في حاجة بدل ما أنتي زي البيت الوقف كده لا بتتخطبي ولا حتى بيتقدملك حد .
كانت تتحدث بخشونة إعتادتها سهر ، فدائما والدتها في أي مناسبة ولسيما الأفراح تُسمعها مثل ذلك الكلام .
نظرت في أثر والدتها بعد رحيلها ثم إعتدلت في جلستها وفتحت هاتفها مرة أخرى تقرأ تلك الرسالة مرارا وتكرارا:
( لو المبلغ مجهزش وجيتي سلمتهولي في العنوان إل قولتلك عليه الليلة كل الصور والفيديوهات هتنزل ع النت بعد ما تتبعت حصري لعيلتك )
قامت كمن سُلب منها الروح ...إلى من ستلجأ ... من ترتمى في أحضانه تاركة العنان لجروح قلبها الممزق .
إرتدت ملابسها في صمت بالغ حتى أنها لم ترى هيئتها .
هبطت لأسفل لتتفاجأ بوالدتها التي تنظر لها بغضب قائلة بحدة :
_ بذمتك ده منظر ، لابسة فستان إسود عاوزاهم يقولوا إيه ؟ ووشك باهت وعينك منفوخة ، أنتي عاوزة تجلطيني ، مش عارفة تلبسي فستان تاني أو حتى حجاب لون تاني غير الأسود ولا تحطي أ ي حاجة على وشك بدل ما أنتي شبه العيانيين كده .
نظرت لها سهر بقلب منكسر ، فوالدتها رأت كل ذلك ولم ترى أن هناك سبب لإنطفائها ، غضبت منها دون أن تسأل عن السبب لهيئتها تلك .
هبطت ريم التي ما إن رأتها منار جحطت عيناها من الصدمة .
كانت حقا في أوج جمالها .
نظرت إليها سهر بإعجاب وأردفت بإطراء :
_ شكلك حو أوي يا ريم بجد ، ما شاء الله الفستان حلو .
إحتضنتها ريم بود وشكرتها بهدوء بينما تحدثت منار بغيظ :
_ هو مين العروسة إنتي ولا ندى ، ولا أنتي عاوزة تغطي عليها ، ده أنا أول مرة اشوفك كده ؟
ضحكت ريم بهدوء مردفة بدلال :
_ المهم إن صالح بيشوفني ، يالا يا حماتي يا غالية نروح نقضي الواجب .
أنهت حديثها وتقدمت في خطواتها فتحركت سهر هي الأخرى لتهمس لها والدتها من بين أسنانها :
_ إتعلمي وإنتي خايبة كده ، أهي متجوزة وعلى وش ولادة وشوفي عاملة إزاي .
إبتعدت عنها منار وكأنها ڤيروس معدي ولحقت بريم بينما هي وقفت لعدة دقائق بسيطة تحاول تهدئة نبضات قلبها .
.................
كانت الحديقة مزينة بأنوار هادئة ، وبها مجموعة من الكراسي الملتفة حول طاولة كبيرة .
فقط العائلة ..من منهم موجود من يجلسون فقط حول تلك الطاولة وفي منتصفها يجلس مازن وبجانبه زوجته التي إرتدت فستانا أبيض اللون به عدة ورورد حمراء ، كان جمالها هادئا جاذبا للنظر .
_ هو فين أدهم يا جماعة ؟
تساءل طارق ليجيبه وليد:
_ كلمته من ساعة قال إنه لسه في القاهرة ومش هيقدر ييجي ، وحور في المستشفى
إهتزاز هاتفها جعل قلبها ينتفض فها هي أتت اللحظة الحاسمة ، توقيت النهاية ، الآن ستُفضح أمام عائلتها كما هددها ذلك الشيطان ، فهاهي الساعة التاسعة وكان موعد إنتظاره لها السابعة ، ولكن خوفها منعها من الذهاب إليه ، إن كان بدنو الأخلاق الذي يسمح له بإبتزازها بتلك الأكاذيب من أفعاله ، فماذا سيفعل بها إن وافقت على لقياه وذهبت إليه بقدميها .
نظرت إلى الجمع السعيد بعين تنتظر الموت الحتميّ .
ولكن .......
الساعة الآن التاسعة والعشرون دقيقه لم يحدث شيء ...لم يصل لأحدهم شيء .
_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ، متجمعين دايما إن شاء الله ومُبارك يا عريس إحنا كده بقينا حزب واحد .
كان أحمد يتحدث بمرح منذ دلوفه ليحتضن مازن الذي شاركه المرح قائلا :
_ الله يبارك فيك ، ربنا يعينك چورية أعقل واحدة هنا ما شاء الله.
ضحك الجميع لتتحدث نورا بإعتراض :
_ أنتوا هتجنوا على نفسكم عالفكرة ومحادثات الجروب الأيام الجاية كلها هتبقى عليكم .
_ ياعني أقمنا عليكم الحد .
أردفت بها چورية بتهديد مصطنع لزوجها .
_السلام عليكم ، مبروك يا جماعة ربنا يهنيكم .
_إيه يا حور بقيت أشوفك في المناسبات .
نظرت لشقيقها بعتاب قائلة :
_ طيب مين المفروض يزعل .
_ عندها حق يا عبد الرحمن أنت يابني المفروض تسأل عليها وتزورها وتودها أنت الرجل .
حك عبد الرحمن في رأسه بحرج مردفا :
_ أنا عارف إني مقصر في حقها والله بس غصب عني ، أنا أصلا كنت رافض منصب مدير المستشفى ده لأنه مسؤلية فوق مسؤلية العيادة نفسها ، والمؤتمرات والسفر كل شوية ، حقك عليا .
إبتسمت له بمحبة وتشدقت :
_ أنا مش زعلانة يا حبيبي أنا عاوزة أشوفك دايما ناجح وفي أعلى المراكز .
نظرت إلى سهر التي كانت على وشك الإغماء وإقتربت منها هامسة:
_ قومي معايا يا سهر محتاجة أتكلم معاكي .
نظرت لها بإستجداء لتمسك يدها وتساعدها على الوقوف وتدلفان المنزل تحديدا إلى المطبخ .
أجلستها برفق فوق المقعد ثم في ثوان أحضرت ماء بارد ووضعت به ملعقة كبيرة من العسل الأبيض وبضع قطرات الليمون ثم قدمته لها :
_ إشربي يا سهر ، لو إستنيتي دقيقة هيغمى عليكي وأنا عاوزاكي فايقة.
أخذتها بيد مرتجفة وتجرعتها على أربع أو خمس دفعات .
إنتظرت حور خمس دقائق ثم أردفت بحذر :
_ أنا وعدتك أساعدك مش كده ؟
_ أنتي هتساعدي مين ولا مين ؟ أنا خلاص نهايتي قربت
كان صوتها خالي من الحياة لتربت حور فوق يدها بحنان قائلة :
_ تقصدي بدايتك ...بداية حياة جديدة ، وأحلام جديدة وطموح تجري وراه لغاية ما توصلي .
نظرت لها بدموع أرادت أن تخبرها عن الرسالة وعن أن نهاية الطريق ستظهر خلال أي لحظة ولكن حور لم تدعها تتحدث بل إسترسلت :
_ لما أمنّتيني ووثقتي فيا أنا أخدت عهد على نفسي أساعدك مهما حصل ، روحت لأحمد وطلبت مساعدته ، وقبل ما تخافي كان لازم علشان كنت عاوزة أراقب موبايلك لأني توقعت إنك هتندمي إنك إتكلمتي معايا ومش هتقوليلي أي حاجة بعد كده وتوقعي طلع مظبوط وكل ما كنت أكلمك أسألك كنت بتنفي أي حاجة مع إني كنت بشوف وأسمع كل حاجة بيبعتهالك ، والسبب التاني إن زي ما الشيطان ده بيهددك أكيد بيهدد بنات تانية فكان لازم أنقذهم فكنا محتاجين نراقبه هو كمان .
المهم لما عرفنا بتهديده الأخير ليكي قولنا خلاص جه الوقت المناسب
أحمد كان مكلم ظابط زميله وجهزوا للقبض على المجرم ده لأنه إتضح إنه بيبتز بنات كتير وكمان ليه سكة مع كذا بيت من البيوت المشبوهة ، وكان شرط أحمد إن أي حاجة متعلقة بيكي كأنها لم تكن ، وفعلا قبضوا عليه وعلى كل البنات إل بتساعده زي إل كانت عاملة فيها صاحبتك دي ، وأخدوا كل حاجة محتفظ بيها .
أنهت حديثها وهي تعطيها حقيبة بلاستيكية صغيرة مستكملة :
_ دي كل حاجة تخصك ...صور ... فيديوهات .. كل النسخ ، خديها إحرقيها بنفسك .
علت شهقاتها وإنهارت في البكاء وألقت نفسها أرضا ساجدة شاكرة بنحيب أخنق تنفسها لتجذبها حور لأحضانها تربت على ظهرها بحنان .
إنتهى الحفل البسيط أو لنقل التجمع العائلي .
رحل مازن وزوجته إلى بيتهم .
و دعت حور العائلة وبالأخص منى التي همست لها :
_ حقك لو عاوزة تاخديه هتلاقيني وراكي ومعاكي .
بينما أفراد العائلة ذهب كلا منهم لغرفته .
عند مازن /
دلفت بصحبته إلى المنزل ...لم تكن المرة الأولى لدلوفها هذا البيت ، ولكن تلك المرة مختلفة تماما عن سابقتيها.
من اليوم أصبحت معه وملكه دوما وأبدا .
نظر لها فوجدها هائمة في أفكارها فجذبها برفق وأجلسها وجلس بجوارها وتحدث:
_ أنا مش ظالم يا ندى ...عمري ما هظلمك متقلقيش ، صحيح مقدرتش أوفي بوعدي ليكي وأعملك فرح كبير ، لكن الظروف أقوى .
_ خلاص يا مازن ، المهم دلوقتي إننا مع بعض ، وأنا واثقة إنك هتنفذ وعدك في يوم من الأيام .
إحتضنها بقوة يبث شوقه لها هامسة بوتيرة ممتلئة من المشاعر :
_ أنتي أحلى حاجة حصلتلي ربنا يقدرني وأسعدك.
........
بينما في مكان آخر ..تحديدا غرفة صالح الدمنهوري .
وبينما هو يغط في سبات عميق ، تنظر ريم لهاتفها بإنتصار .
فها هو فريستها وقع بفخها بعد أن أسرت فكره بجاذبيتها وبتلك الورقة الصغيرة المدون بها رقم هاتفها التي أوقعتها بالصدفة طبعا أمامه ليلتقطها .