رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل السابع عشر 17 بقلم رانيا عثمان البستاني

رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل السابع عشر 

مواجهة الحقيقة أصعب من معرفتها ، ولكن تظل المعرفة أفضل من أن تعش بين أُناس يخفون في بطونهم جمر من الأكاذيب.
أذان الفجر ..وصل أخيراً إلى مسكنهم ، لا يعلم كيف سيواجه هروبه منها ومن آلمها .
دلف إلى غرفة النوم ليجدها تقرأ ما تيسر من القرآن بصوت هاديء .
عندما شعرت بوجوده أنهت قراءتها ووقفت تهرول إليه تُلقي بنفسها في أحضانه .
تيبس جسده في البداية ..فلم يكن يخطر له أبدا أن تقابله هكذا بعد أن تركها في إنهيارها ذاك .
فكر أنها ستبغضه ولو قليل ، أنها ستصرخ في وجهه ، أنها ستكف عن الحديث معه ، ولكن أن تحتضنه وتتلمس عنقه بوجهها هكذا ...
أحاط خصرها بذراعيه بقوة وقربها إليه أكثر يتنفس بشدة عبق رحيقها .
كان يتأوه بألم ...ألم الفراق ..ألم البعد الذي أجبر نفسه وقلبه عليه ...ألم الإشتياق .
الدموع عرفت مجراها ..كان يبكي ألمه .. يبكي عشقها ..يبكي ضعفه أمام أوتار ذلك الإنتقام ، أبيه الذي سيظل أبيه لآخر يوم في حياته ..وبين معشوقته التي تمتلك كل الحق في القصاص .
كان قلبها ينبض بسرعة هائلة ... روحها تتلوي من شدة إشفاقها عليه .
أبعدت رأسه عن عنقها برفق ومدت أناملها تمحو دموعه بحنان أجبره على تقبيل تلك الأيادي التي لم يعرف منها سوى الطمأنينة.
جذبها وجلسا سويا على حافة الفراش وأجلى صوته مردفا :
_ أنا آسف ..عارف إني سيبتك في وقت صعب ....
_ بلاش آسف أنا مش منتظرة منك إعتذار يا أدهم ، أنا عارفة إنه صعب عليك تسمع الكلام إل هو قاله ده يمكن أصعب مني أنا ، أنت كنت مصدقني متأكدة لكن إنك تسمع منه إعتراف ده بالنسبة ليك زي السكينة بتدبح فيك ببطء ، أنا بس صعب عليا نفسي إني ملقتش حضنك أترمي فيه ، أنا بقوى بيك .
جذبها لأحضانه يغمرها بحنانه مقبلاً رأسها ومن ثم أردف :
_ أنا مقدرتش أعمل أكتر من كده ، سامحي تقصيري .
قطبت حاجبيها بتعجب وأبعدت رأسها تنوي سؤاله عما يقصد ليضع سبابته فوق شفتيها هامسا :
_ بكرة تعرفي أقصد إيه ...إنما دلوقتي عاوز أعوضك عن بعدي أصل أنا حقاني أوي .
أنهي حديثه بجذبه إياها لأحضانه وتقبيلها بشغف ولهفة يوازيان لهفتها وشغفها به .
.............
صباح ليس كأي صباح ....صباح تحول جذري في حياتهم ، ما حدث في ذلك اليوم جعل الجميع يظن أن هذا اليوم لن ينتهي أبدا ...ولكن أليس بعد كل ظلام للليل نور للصباح .
صرخات سمية صدعت في أرجاء المنزل ....إجتمع الجميع أمام غرفتها .
يسمعون فقط صوت صرخات وصوت تحطيم الأشياء .
إندفعت فيروز نحو المكان المخصص لمفاتيح الغرف الإحتياطية وأتت بمفتاح غرفة سمية وأعطته لوليد الذي تحدث بصوت عالٍ:
_ إحنا هنفتح الباب يا أم أدهم .
وبالفعل فُتح الباب ليجدوا سمية جالسة أرضا منكمشة على نفسها حجابها موضوع بإهمال فوق رأسها وحمدي يجلس بالقرب من الفراش والغرفة محطمة بالكامل وكأن هناك وحوش برية إنقضت على المكان .
كانت صدمة بالنسبة لهم ... فماذا حدث ليفعل ذلك حتى أن الملابس لم تسلم منه وقام بتمزيقها ..ملابسه ..ملابسها جميع الأخشاب الموجودة لكل الأثاث ...
مرتبة الفراش ...الزجاج ..النوافذ ... أصبحت الغرفة هُلاما .
_ في إيه ؟
لم يستطع وليد النطق بأكثر من هذا ، بينما فيروز وسلمى إحتضنتا سمية ورقية ذهبت لتجلب لها الماء .
_ كل حاجة راحت ...كل حاجة راحت .
كان حديثه مبهم فإقترب منه وليد يسأله بقلق :
_ إيه وصلك للحالة دي يا حمدي ؟
نظر له بعيون شديدة الإحمرار من الغضب وأردف :
_ خسرت كل حاجة..... تعب السنين كله راح .
ما زال حديثه غامض ...عن أي خسارة يتحدث ...؟
مد له يده قائلا :
_ قوم بس معايا كده وخليني أفهم منك بتقول إيه ؟
جاءت رقية وعلى وجهها علامات الذعر وتحدثت برهبة :
_ بابا ..جدتي فوزية إتوفت .
نظر لها الجميع بصدمة ليعلو بكاء فيروز فيتبدل الوضع بعد أن كانت تحتضن سمية مواسية إياها أصبحت سمية من تحتضنها .
_ لا حول ولا قوة إلا بالله .
.......
بعد عدة ساعات بعد أن تمت إجراءات الدفن .
كانت نوارة تجلس في غرفة والدتها .. لا تصدق أنها رحلت ...صحيح أنها لم تكن تفارق غرفتها ..لم تكن تجلس معهم ....لكن تبقى أحضانها ملجأ لها من ضغوطات الحياة .
دلفت حور للداخل بعد أن إستأذنت وإقتربت منها وجلست بجوارها وتحدثت بصوت متأثر :
_ ربنا يرحمها ... تعرفي إنها أكتر حد نفعني في عز وجعي ، لما جت وقرأتلي قرآن وقالتلي إنها صممت إن زهرة تتسمى كده على إسم ماما ، وقتها حسيت إن أمي حواليا وبتقولي فوقي يا حور مش أول ألم ولا هيكون آخر واحد .
نظرت لها نوارة وتحدثت ببكاء :
_ أنا كنت راضية أفضل أخدمها عمري كله ..كنت راضية أفضل تحت رجليها ، بس هي تفضل معايا .
_ الموت الحقيقة الوحيدة في حياتنا يا عمتو ، أقولك حاجة بلاش تفكري بأنانية .
تحولت نظرات نوارة من حزن لصدمة لتبتسم حور مسترسلة :
_ كان لازم تفوقي من صدمتك .. الأنانية إنك تقولي كنتي عاوزاها تفضل جمبك وهي صحتها معدومة وضعيفة طب أقولك فكري كده مش إنتي زي أي أم أصيلة لو طلبتي حاجة من زهرة وإتأخرت في تنفيذها بتقومي تعمليها وتقوليلها ربنا ما يحرمني من صحتي ولا يحوجني لحد .
الصحة هي أساس الحياة ..لما الصحة بتروح الحياة بتنطفي والعمر بيبقى تقيل ، أكيد هي كانت عارفة وحاسة بحبك وإنك هتخدميها العمر كله .... بس رغم كده قلبها وروحها كانوا بيتمنوا الخلاص علشان التقل ... ياعني بدل ما تكتئبي علشان ماتت خلاص إعرفي إنها هتفضل عايشة جواكي لآخر يوم في حياتك وإفرحي إن ربنا رحمها من كتر العلاج ومن الضعف وقلة الحيلة .
أزالت نوارة دموعها ونظرت إليها بحنان قائلة :
_ بتمنى إن زهرة يبقى عندها نفس عقلك ده .
ربتت على كفها مردفة :
_ زهرة رغم إن كلامنا يعتبر محدود جدا وبسيط لكن غلاوتها في قلبي متتوصفش كفاية عليا إسمها ، وأتمنالها تبقى أحسن مني في كل حاجة.
_ تعرفي إنها رفضت نبيل ، مش عارفه السبب ومش عارفه أقول إيه لسلوى ونيڤين .
صُدمت حور فكيف هي متأكدة أنها تكن له المشاعر فقد رأت على هاتفها صورا لنبيل عندما أخذته منها ترسل صور الزفاف لنفسها وزهرة هي الأخرى سلمته إياه ولم تتذكر تلك الصور التي إلتقطتها له خفية في آخر زيارة له .
_كل شيء قسمة ونصيب ، بس تسمحيلي أتكلم معاها .
أماءت لها نوارة لتتركها حور بعد أن أعطتها المصحف الشريف لتقرأ به عله يخمد ألم الفراق .
توجهت حور إلى غرفة زهرة وطرقت فوق الباب ثم دلفت بعد أن سمحت لها لتجدها ترتدي ملابس بيضاء وتجلس أرضا ومن حولها عدة كتب .
إقتربت منها وجلست بجوارها وأردفت بإبتسامة :
_ تعرفي أحسن حاجة شوفتها دلوقتي إيه ؟
قطبت زهرة حاجبيها بتعجب لتتحدث حور وهي تشير إليها :
_ إنك مش لابسة أسود ...اللون ده وقت الموت بدعة .
تبسمت زهرة بهدوء وسألتها مباشرة ولكن بحرج كبير :
_ في حاجة يا أبلة حور ؟
إحتضنتها حور بحنان وأردفت بعد أن أبعدتها :
_ حبيبتي مش ملزمة تقيدي نفسك قوليلي حور بس وإعتبريني أختك الكبيرة وأي حاجة تحتاجيها هتلاقيني جمبك ، وأنا هدخل في الموضوع عالطول ، إنتي ليه رفضتي نبيل ؟
زاد إحمرار وجهها وإرتعاشة يدها لتقول بصوت متقطع من التوتر :
_ بتسألي علشان شوفتي صوره صح ؟
_ شوفي يا زهرة الحب مش عيب ولا حرام ..العيب والحرام إننا بنحط الحب ده في صورة غلط ، وأعتقد إنتي عارفة الكلام ده ، لكن أنا عارفة إنك بنت كويسة وخامتك نضيفة بدليل إنك سلمتيني التليفون بسلامة نية من غير ما تفتكري إن صوره موجودة  بين الصور ، أنا بس مستغربة ليه رفضتيه وإنتي بتحبيه ؟
_ علشان هو يستاهل أحسن مني ، أنا مش بعرف أقول جملتين على بعض ، بتكسف أوي ، دايما متوترة ومحرجة ، هو منفتح أوي على الحياة ، ياعني مثلا بيتكلم براحته وبثقة كبيرة ، بيضحك ويجري ويلعب ويهزر مع ده وده ، تعرفي أنا مش بحب التجمعات العائلية إل بتحصل دي رغم إني بحبهم كلهم بس مش ببقى واخدة راحتي ياعني وبحس إن كل الأنظار عليا خصوصا لما أتكلم وده بيوترني ، لكن هو تحسي إنه بينشر البهجة كده في المكان ، هو لازم يتجوز واحدة شبهه وأحسن مني .
_ بس أنا عاوزك أنتي ...لأني بحبك أنتي .
نظرت زهرة بذعر لحور التي تبسمت ووضعت الهاتف أمامها ليتحدث نبيل مرة أخرى:
_ كل إل بتقوليه ده تعرفي أنا شايفه إزاي ؟ شايفك مختلفة .. مميزة بخجلك وكسوفك ..توترك ده ليه طعم حلو ، أنا بقى على عكسك فعلا بحب التجمعات العائلية دي أصل دي الفرصة الوحيدة إل بشوف فيها توترك وخدودك وهي بتحمر بتبقى شبه الفراولة .
_ إيه يا أستاذ نسيت وعدك هقفل السكة .
أردفت حور بمزاح ليجيبها :
_ أنا بشكرك يا حور على ثقتك فيا ، بس كان لازم أعرفها إن نقط الضعف من وجه نظرها بالنسبة ليا هي قوتها .
يا زهرة قبل ما تضايقي من حور هي كلمتني وسألتني ليه عاوز أتجوزك ؟
(منذ قليل) 
_ ممكن أسألك ليه عاوز تتجوز زهرة وخد بالك أنت تعتبر إبن أختي ياعني إياك تكدب عليا ؟
ضحك نبيل وأردف بمشاغبة :
_ عاوزة تكبري نفسك وماله بعد كده هقولك يا خالتو .
_ قول إل تحبه ، بس جاوبني على سؤالي .
_بحبها .
تفاجأت حور من إعترافه وسمعته يكمل :
_ أنا مش هتكسف أقول بحبها لأني بصراحة مش ناوي أضيع عمري في ينفع أقول إيه ومينفعس اقول إيه ؟ وبعدين أنا عايش مع إتنين يجيبوا جفاف عاطفي لأي شاب جذاب زي حالاتي .
حاولت حور التحكم في ضحكاتها وأردفت :
_ بس إل متعرفوش إن زهرة رفضت .
صمت قليلا ثم ظهر صوته مجددا ولكن أكثر جدية :
_ طب تعرفي رفضتني ليه ؟ هو طبعا حقها بس عاوز أعرف هي رافضة مبدأ الجواز نفسه دلوقتي ولا أنا شخصياً ؟
_ لو كانت رفضاك إنت ؟
شعرت به يتنفس بقوة قبل أن يجيبها :
_ هتمنالها أحسن مني يسعد قلبها وحياتها ، لكن لو رافضة المبدأ نفسه هستناها لما تبقى مستعدة .
إبتسمت حور بسعادة قائلة:
_ أنا هدخل ليها دلوقتي أعرف السبب  وأقولك .
_ طب ممكن لو سمحتي تسيبي الخط مفتوح .

كان إرتباكها يزداد ودموعها تتساقط ولكن قلبها ينبض بقوة وهي تسمعه يكررها مرة أخرى:
_ بحبك يا زهرة ...مافيش أي سبب أقوى من ده يخليني أتمنى أكمل حياتي معاكي ، أول ما أصحى وقبل ما أنام أشوف خدودك وهي بتحمر ، ولما إيدك تترعش من التوتر أحضنهم بين إيدي ، شوفي يا زهرة دي هتبقى أول و آخر مرة نتكلم فيها ، لو رفضتيني إنما لو وافقتي هتبقى آخر مرة قبل ما نكتب الكتاب وتبقي حلالي وأقدر أقولك نفس الكلام ده وكلام تاني كتير جوايا وأنا مرتاح إني مش هشيل ذنب ، كل إل طالبه منك تجاوبيني دلوقتي موافقة تكملي عمرك معايا لأني ببساطة لو بقيتي ملكي مش هسيبك تاني أبدا .
نظرت زهرة إلى حور بسعادة لم تستطع مداراتها وحور تبادلها نظرات وإبتسامات السعادة والفرح من أجلها لتشاغبها قليلا :
_ ردي عليه بقى ولا أقوله أنا كل شيء قسمة ونصيب وخلاص .
_ لأ...أنا موافقة .
ضحك نبيل بسعادة وقبل أن يغلق الهاتف إستمع لحور :
_ نبيل أنا هقدم شبكة زهرة دلوقتي ، ولما تبقوا تكتبوا الكتاب إبقى هاتلها شبكتها ولبسهالها بنفسك .
نزعت حور ذالك السلسال الخاص بوالدتها على شكل زهرة وألبسته لها وهي تقول بصوت متأثر جعل قلوبهم تحلق بعيدا :
_السلسلة دي هدية بابا لماما مقدرش  يقدمهالها لأنه مات قبلها ، أنا دلوقتي بقدمهالك ، أتمنى من ربنا إنه يسعدكم تفضلوا سوا العمر كله متهنيين في حب وتفاهم ومودة ورحمة . 
............
كانت الأجواء كئيبة ، باقي العائلة جالسين في المنزل الكبير على وجوههم الحيرة .
_السلام عليكم .
نظروا بإتجاهها لتنظر لهم بتعجب فلم يتحدث أحدهم .
وفي خضم لحظة فوجئت بمن يجذبها من ذراعها بقوة صارخا بها بعنف :
_ أنتي مش هتسكتي غير لما أموتك في إيدي .
أبعد عبد الرحمن يده عن شقيقته ودفعه بعيدا ليختل توازنه قليلا 
_ إيدك متتمدش عليها ، أختى مش لعبة علشان إل يحب يكسرها أو يضربها يعمل ده ، لو أنت أو أي حد حتى لو كان أدهم فكر يأذيها هيلاقيني في وشه ومش هسيب حقها أيا كان عند مين .
_ إهدى بس يا عبد الرحمن ده عمها وحماها ياعني زي أبوها .
ما إن نطق باسم أخر كلمة حتى هتفت بعنف :
_ لأ..مستحيل يبقى زيه .
_ هو محدش قالك لما تخسريني كل فلوسي إنك كده بتخسري جوزك .
صُدمت حور من قوله وظهرت صدمتها لهم جميعا ليردف محمود بتعقل :
_ إهدى يا حمدي شكلها متعرفش حاجة عن الموضوع ده.
_ أنا فعلا معرفش هو بيتكلم عن إيه ؟
_ أنتي تضحكي عليهم إنما أنا مش هصدقك ، أنا كل فلوسي كنت داخل بيها مشروع يعوض الخسارة إل كنتي السبب فيها وأسد ديني للناس إل ورطيني معاهم ، بس فجأة كل حاجة تروح يبقى مين السبب ؟
أنهى كلامه بصراخ لم تهتز له بل أجابته بثقة :
_ ربك مسبب الأسباب .. ناسي إن فيه رب لو أراد مشروعك يتم لأنا  ولا غيري نقدر نخسرك ، طب متقولش ليه إن ده نتيجة الحرام إل بتعمله ولا إنك تشارك تجار مخدرات ده حلال ، أيوة حرقت الأرض بإيدي بس مش أنا إل ورطك ، إنت إل مشيت الطريق ده ومعروف إن طريق الحرام عمره قصير .
_ إنت كنت مشارك تجار مخدرات يا حمدي ؟!
تساءل أشرف بصدمة ، فقد كان يدلف للداخل يخبرهم أنه لن يقيم عزاء لوالدته بل سيتصدق بالتكلفة صدقة جارية لها ليتفاجأ بهذا الحديث .
_ عاوزة تشوهي سمعتي وخلاص ، طب إتقي ربنا في جوزك مش برده سمعته من سمعتي .
_ وإنت تعرف ربنا ، إسمعوني كلكم أيا كان حصله إيه أنا ماليش أي دخل بيه ، لو كنت أنا عمري ما كنت أخاف أقول .
_ خلاص يا جماعة وإنت يا حمدي بدل ما أنت واقف تتكلم وتضيع وقت لو فعلا عندك مشكلة روح حاول تشوف حل .
أنهى محمود كلامه لتتجه حور لمجلس الفتيات بينما حمدي خرج والغضب يعمي عينيه .
دلفت للغرفة لتجد نورا منهارة في البكاء والفتيات يحاولن تهدئتها .
_ خلاص بقى يا نورا ربنا يرحمها ، أنتي منهارة كأنك كنتي مستنية خبر زي ده وتنهاري.
أردفت بها مروة شقيقتها بينما رقية تحدثت بتعقل:
_سيبوها تخرج إل جواها.
_ طب ممكن بعد إذنكم تسيبوهالي شوية .
نظرن إلى حور ومن ثم وقفن بهدوء وخرجن بينما نورا تيقنت أن حور تعلم السبب الرئيسي لبكاؤها فدفعت نفسها لأحضانها .
_ إهدي يا نورا وكل شيء هيتحل .
_ أنا هتفضح يا حور ... أنا حياتي هتنتهي .
كانت تتحدث من بين شهقاتها بصعوبة فأبعدتها حور وأعطتها كوب الماء الموجود بالفعل بجانبها وأزالت دموعها مردفة :
_ مؤنس إداني فكرة بس أنا عاوزة أسمع منك وإن شاء الله لا في فضيحة ولا غيره .
نظرت لها بإستنجاد ثم بدأت بقص ما حدث .
كانت جالسة بمفردها تستذكر قبل الإختبار  وإختارت مكان بعيد عن التجمعات لكي تستطيع التركيز .
لتتفاجأ بشابين لا تعلم إن كانوا من داخل الجامعة أم لا فهذه أول مرة تراهم .
جلس كلا منهم بجوارها من إتجاه لتنتفض فزعة تلملم أشيائها وهي تتابع ضحكاتهم ونظراتهم بتوتر وخوف 
_ لو سمحتوا عاوزة أمشي .
_تمشي ليه بس يا جميل ده إحنا جايين نتعرف بيكي .
_ لو سمحت إبعد رجلك عاوزة أعدي .
_ ويرضيكي تسيبينا قاعدين لوحدنا .
وقفت فوق المقعد وجذبت حقيبتها لتخرج نفسها من ذلك الموقف ولكن تفجأت بهم يجذبونها مرة أخرى وأحدهم يضع يده فوق فمها يمنع صراخها والأخر يتلمس جسدها بدناوة .
كانت تتحرك بقوة وتحاول أن تفلت من بين أيديهم التي إستباحت جسدها ولكن كانوا أقوى منها وضحكاتهم ملأت المكان .
لم تكن تعلم أن هناك بشر بتلك الدناءة .
_ إسمع بس يا نائل تعالى نقعد في المدرج ده وأنا أصالحك.
كان يشعر بالملل ، فهو لم يرها إلى الآن منذ ذلك اليوم وهو يجد نفسه منجذب إليها كمغناطيس ، يرغب دائما في رؤيتها ، بل يكاد يأتي إلى الجامعة من أجل هذا فقط .
تبع تلك الفتاة بنفاذ صبر ليسمع ما تود قوله ليقف مشدوها للحظات وهو يرى هاذان الوغدان يتحرشون بها مستبحين لأنفسهم جسدها .
هرول إليها مبعدا أحدهم بقوة جعلته يسقط أرضا وعندما وجد تلك الفتاة تصرخ قائلة :
_ تعالوا شوفوا إل بيحصل في المدرج 
هرول للخارج ليقابله بعض الطلاب اللذين بدؤا في التجمع بالفعل .
بينما في الداخل جلست أرضا منكمشة على نفسها تبكي بإنهيار ونائل وذلك الشاب الأخر يتعاركان .
تجمع عدد من الشباب يحاولون فك الإشتباك .
_ هما بيتخانقوا عليها ولا إيه ؟
_ هو نائل مبيحرمش إترفد قبل كده بسببها برده .
_ يظهر كده نائل بيحبها ، شايفين ده هيموت الواد في إيده .
كان الحديث دائر بين الفتيات التي تشاهد ما يحدث وكأنه عرض سينمائي .
فلم تستطع تلك الفتاة والتي تُدعى بسنت أن تستمع لهذا الحديث وتتقبله فهي تعشقه وتراه حقها لذا تحدثت بكره :
_ الأستاذة كانت مع الواد ده في وضع مخل طبعا أنتوا فاهمين بقى .
شهقت الفتيات بقوة بينما نورا  مزقتها الصدمة تنظر لها بعدم تصديق لتردف إحداهن بإستنكار :
_ نورا محترمة يا بسنت مالهاش في الكلام ده .
_ نورا كانت متواعدة معاه تقابله هنا بعيد عن الكل ، تقدري تقولي ليه كانت لوحدها هنا في المدرج البعيد ده ، وأنا شوفتها بعيني أصلا وكان هنا واحد تاني بيراقب الطريق ولما شافنا انا ونائل هرب ، ولما نورا شافتنا لما دخلنا نشوف في إيه صرخت وعملت نفسها مظلومة .
سمع مؤنس هذا الحديث عندما دلف بعد أن شاهد ذاك التجمع وعرف من بعض الطلاب أن هناك عراك بين شابين .
إستطاع الشباب بمساعدة مؤنس إبعادهم عن بعض أخيرا ولكن نائل مازال يصرخ به ويسبه بأبشع الألقاب .
أمسك مؤنس نائل بقوة ونهره بعنف وسأله :
_ في إيه بالظبط ممكن أفهم ؟
نظر نائل إليها ليجدها تحرك رأسها بالنفي بهستيرية فنظر إلى مؤنس مرة أخرى وتحدث بغضب :
_ مافيش يا دكتور خلاف وهننهيه بينا.
_ طب ما تقول يا نائل إنها بنت مش محترمة كانت بتقابله هنا وكانوا في وضع مخل.
_ إخرسي يا بسنت .
تبسم الشاب الأخر وأردف :
_ هي دي الحقيقه يا دكتور أنا جيت هنا بعد إتفاق بينا...
لم يستطع أن يكمل فبلمح البصر كان يفترش الأرض بسبب لكمة من نائل الذي نظر له مؤنس بصدمة فمتى تخلص من قيده .
_ بس يا نائل ، يا تقول في إيه يا تقف ساكت لغاية ما أحل الموضوع.
وقف ذلك الحقير وأطلق العنان لساقيه مهرولا بعيدا .
هرول ورائه مجموعة من الشباب بعد أن أشار إليهم نائل ولكن لم يلحقوا به .
كان وجهها شاحب وإرتعاشة جسدها تزداد عندما تجد نظرات من حولها موجهة إليها بإستحقار والهمسات تنتشر بينهم .
_ يالا كله يخرج بره .
أصدر أوامره ثم إقترب من نورا مردفا :
_ تعالي يا آنسه نورا لما أوصلك .
في تلك الأثناء إهتز هاتفها معلنا إتصال من شقيقتها أجابت بصوت مهتز لتخبرها شقيقتها بخبر الوفاة .
......
_ أنا قابلته بعد ما وصلك بس مقدرتش أتكلم معاه وهو كمان راح يعزي رجالة العيلة ، بس دلوقتي وانا راجعة من البيت التاني لقيته واقف وقالي إن في مشكلة حصلت معاكي .
_ أنا سمعتي بقت في الأرض يا حور ، الكلام ده لو وصل لبابا أو لحد من العيلة مش هخرج من البيت تاني ، دراستي هتنتهي ، هبص في وش الناس تاني إزاي .
كانت تتحدث بإنهيار لتتوقف بتفاجؤ وخوف ملأ قلبها وظهر بعينها عندما وجدت والدها أمامها .
نظرت حور لما تنظر إليه ، حاولت طمأنة نورا بأن أمسكت يدها تضغط بقوة عليهم دعما منها ووقفت قائلا :
_ يا عمو نورا ملهاش ذنب ، أي بنت بتتعرض للتحرش الذنب الأول بيبقى على المجرم إل بيدي لنفسه حق إستباح البنت إل قدامه ، صحيح في بنات بيبقى ليها ذنب ، لكن نورا ملهاش أي ذنب ، بلاش تيجي عليها .
لم يتحدث أدهم لتشهق نورا مرارا بألم وخوف .
توجه أدهم للفراش وجلس بجانبها وأردف :
_ تعرفي يا نورا أكبر مشكلة حصلت بيني أنا وأمك بسبب خلفة البنات .
نظرت حور إليه بصدمة فلم تعتقد أنه شخص كهذا ولكنه إسترسل :
_ يمكن طول عمرك تقولي إن مامتك قريبة من مروة أكتر منك ، لما جت مروة قالت عادي لما يبقى عندنا بنت ، بس لما حٓملت فيكي فضلت تقول الولد جاي ...الولد جاي ، كانت متعلقة إنها تخلف ولد وأنا علشان أروض أفكارها دي حلفت عليها إن الدكتورة متقولهاش ولد ولا بنت ، ولما جيتي كانت صدمة ليها بس أنا حسيت كأني أول مرة أخلف وسميتك نورا علشان نورتي حياتي .
كنا نتخانق كل مرة بسببك لما أقلاقيها مش قادرة تنسى إنها كانت منتظرة الولد وبتقسى عليكي .
في مرة مش هنساها قالتلي هو أنت مش زعلان إزاي ؟ المفروض تزعل أكتر مني إن مافيش ولد يشيل إسمك ، بس أنا في اللحظة دي إفتكرت كلام عمي الحاج عبد الرحمن لعمك وليد 
مرة من المرات كانوا قاعدين وبيحكيله وقاله كان في زمان إتنين أصحاب إتجوزوا في نفس اليوم وعدت الشهور ويجعل ربنا النصيب إن زوجاتهم يخلفوا برده نفس اليوم بس واحد ربنا رزقه بولد والتاني ربنا رزقه ببنت ، ولأن ربك ليه حكمة للمرة التانية والتالتة زوجاتهم يخلفوا نفس اليوم ، لكن رزق ربك لأبو الولد ولدين تانيين وأبو البنت بنتين تانيين ، بقى أبو الولاد كل ما يقابل صاحبه يتباهى عليه إن خلفته صِبيان بكرة هيبقوا رجالة مش بنات هيفضل شايل همهم العمر كله ، وعدت السنين وبعد مشاغل الحياة ما فرقت الإتنين إتقابلوا تاني كانت صدمة لأبو البنات لما شاف صاحبه هزيل ضعيف وهدومه مبهدلة ، وبعد ما سلموا على بعض سأله وهو خجلان إيه غير حالك قاله خلاص مراتي كبرت وطاقتها مبقتش زي الأول  وولادي كل واحد مشغول في بيته وحياته لكن إنت ما شاء الله عليك كأنك لسه شباب مع إننا نفس السن وسمعت إن مراتك بقت قعيدة وبناتك متجوزين رد قاله بنتي الكبيرة بتيجي الصبح تفطرنا وتنضف البيت وتطبخ الغدا ، وبنتي التانية تيجي تغسل هدومنا وتغدينا وتعطر البيت وتكوي هدومي والبنت الصغيرة بتيجي تعشينا وتحمي أمها وقبل ما تمشي تكون مطمنة إننا مش محتاجين حاجة ، زمان كنت بتقول خلفة الصبيان بتقوي الإنسان وأنا بقولك أبو البنات في الهنا بيبات .
تبسمت حور بسعادة ونظرت له نورا بخجل ليسترسل :
_ مش بعد ما أبقى عارف إن ربنا أنعم عليا بأكبر نعمة ف الدنيا أجي عليها وأكسرها بإيدي ، أنا ضهرك وسندك يابنتي ، ولا أنتي مش شايفاني سندك ؟
إرتمت نورا في أحضانه تتحدث ببكاء :
_ والله أبدا يا بابا أنت أحسن أب في الدنيا ، أنا خوفت ، الموقف صعب ، عمري ما كنت أتخيل أتعرض لحاجة زي كده في يوم ، وكله دلوقتي زمانهم بيتكلموا عليا ويزايدوا على الحقيقة ، وحتى لو قالوا الحقيقة فهي حقيقة جارحة ومؤلمة .
ربتت أدهم فوق ظهرها وتحدث بضيق :
_ جالي شاب يعزي وبعدين طلب مني يكلمني على إنفراد وحكالي كل حاجة وقالي إنه بيعرفني علشان لما أسمع مصدقش حاجة عنك وعلشان تروحي الكلية عارفة قالي إيه ، قال لو هربت من المواجهة ألسنتهم هياكلوا فيها  وينهشوا من غير رحمة إنما لو جت عادي هتخرسهم .
هو عنده حق يابنتي ، لازم بكرة تروحي كليتك وتشوفي مصلحتك وراسك ده يفضل مرفوع ، صاحب الحق عينه قوية ، وإنتي لازم عينك تفضل باصة لفوق وتواجهي أي حد لأن معاكي الحق .
كانت تبكي بين ذراعيه وهو يغمرها بحنانه الأبوي وحور تنظر لهم بسعادة وتمني ...تمني أن تحظى بمثل ذلك الحنان من والدها ...تمنى أن تقص عليه ما يحدث معها وما يؤرقها وتستمع لإرشاده ...ولكنه تمني وسيظل فقط تمني .... أمنيات لن يكتب لها التحقيق .
........
خرجت حور من الغرفة لتجد الأميرة الصغرى لعائلة الدمنهوري واقفة ويبدوا عليها أنها تنتظرها .
_ إزيك يا كنزي ..تعالي يا حبيبتي عاوزة حاجه مني ؟
إقتربت منها قائلة :
_ أنا كنت جاية أشكرك إنك جبتي حق صاحبتي ، وكمان عرفت من ماما إنك إل صممتي إننا نروح الإسكندرية الفترة إل فاتت وإني أتابع مع دكتور نفسي ، أنا بقيت أحسن بفضلك وكمان بقالي أصحاب في إسكندرية .
إحتضنتها حور بحنان وقبلت رأسها قائلة بمزاح :
_ أنا خالتو يا صغنن ، أي وقت هتحتاجيني فيه هتلاقيني عالطول .
.....
توجهت لغرفتها هي وأدهم ونزعت حجابها بإرهاق لتتفاجأ به يخرج من دورة المياة فتساءلت بإندفاع :
_ ليه عملت كده يا أدهم ؟ 
إقترب منها يجذبها إليه وهي ما زالت تتحدث :
_ إنت كده هتخسر فعلا .
_ خايفة لأعلن إفلاسي يا دكتورة 
؟
كان يداعب وجهها بوجهه وهو يتحدث لتنظر له بعتاب :
_ الفلوس إل ضاعت دي أخواتك ليهم حق فيها ، مش عاوزة أكون السبب إن أي حد يتحرم من حقه .
ألقى بنفسه فوق الفراش وهي بين ذراعيه لتسقط فوقه تستمع لهمسه :
_ ده تطهير للفلوس كده أي فلوس حرام دخلت أصل المال مبقلهاش أثر .
إعتدلت في جلستها لتجلس فوق قدميه متحدثة بدلال :
_ طب أنا كنت من شوية بتمنى حضن أقلاقي عندك .
جذبها بإتجاه الفراش لتسقط على ظهرها بينما هو أطل عليها قائلا بمرح وهو يوزع قبلاته اللطيفة على وجهها :
_ ده أنا متخصص في الأحضان .
كانا ينعمان بالقرب إلى أن إستمعا لصوت صراخ أتٍ من أسفل ووالدته تنادي عليه بصوت عالٍ:
_ إلحق يا أدهم أحمد .

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1