رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الثامن عشر 18 بقلم رانيا عثمان البستاني


 رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الثامن عشر 

هُناك دائما فرصة أخرى ... تقع فتجد نفسك قادرا على الوقوف مرة بعد مرة .
ولكن عندما تشعر بأن فرص الحياة تنضئل إعلم أن في وقتها أو لا مدى الحياة ...أي بمعنى أن تصنع فرصتك بيدك أو تستلم للنهاية .
_الحمد لله على السلامه يا بطل .
_الله يسلمك يا حور .
_ حاسس بألم ؟
_ شوية بس اعتقد طبيعي دي طلقة رصاص ياعني.
ضحكت حور على حديثه ليردف عبد الرحمن:
_ أنا كده إطمنت عليك لما أخرج أدخل چورية لو سيبتها شوية كمان هيغمى عليها للمرة ال مش عارف عددها .
نظر أحمد لحور بقلق لتجيبه بإبتسامة :
_ متقلقش هي كويسة بس ضغطها نزل من خوفها عليك .
دلفت چورية وأطلقت العنان لساقيها ترتمي فوقه وصوت بكاؤها يتصاعد أكثر فأكثر .
كان يتألم فهي تحتضن ذراعه المصاب بقوة ولكنه لم يستطع التحدث فليتركها تخرج مكنونها .
خرجت حور لتتركهم وحدهم فوجدت باقي العائلة متجمهرين حول الغرفة .
_ مينفعش كده عالفكرة ، لازم تروحوا ، هو الحمد لله بقى كويس وبكرة إن شاء الله هيخرج .
_ طيب يابنتي مينفعش نشوفه ؟
_ طبعا يا خالو ينفع لكن مش دلوقتي ربع ساعة وتقسموا نفسكم علشان الزحمة .
توجهت لغرفتها لتجد سدرة تنتظرها.
_ وأنا أقول المستشفى نورت ليه ؟
ضحكت سدرة بسعادة وأردفت :
_ عندي ليكي خبر حلو .
نظرت لها حور بتساؤل فإسترسلت بحماس :
_ أخيرا لقيت شغل .
_ بجد طب ده خبر كويس ، فين الشغل ده .
_ كنت بسأل عن شغل ففي واحدة سمعت الكلام ولقيتها بتقولي ف شغل في ناس عاوزين واحدة تتابع العاملات عندهم وبصراحه روحت قابلت الرجل وطلع شخص محترم جدا والمرتب كمان حلو أوي ده أكتر من مرتبي في شغلي القديم مرة ونص .
سعدت حور من أجلها وإحتضنتها بحب مردفة بتعقل :
_ بس برده الأحسن تعرفي أدهم إسم الرجل ده يشوف برده هو أكيد عارف الناس هنا كويس .
_ تمام مافيش مشكلة ، هما إتنين إخوات أصحاب مزرعة فاكهة إسمهم باسم الدمنهوري وحمدي الدمنهوري .
...............
عادت حور من ذكرياتها على صوت سدرة .
_حور إنتي كويسة ؟ 
نظرت لها وعلى وجهها علامات الإرهاق قائلة :
_ مرهقة شوية بس .
جلست سدرة بجانبها وتساءلت :
_ كنتي عند عمتك طبعا ؟
أماءت لها بهدوء لتسمعها تتحدث بصوت حزين تعجبت منه :
_ الحياة دي غريبة أوي يا حور  ، بتفاجئنا دايما ، جيت المكان ده أدور على إجابات لعمري الضايع وأنقذ نفسي من عيون الناس إل إتربيت في وسطهم ومع ذلك مرحمونيش ، بقالي هنا تلت شهور بس حاسة إني أول مرة أعيش وإن ده مكاني ، صحيح شغلي مالوش علاقة بشهادتي وطموحي لكن بلاقي بين الستات الأرامل والمطلقات دول أم وأخت كبيرة وصديقة ، المشروع ده هايل ، يا بختك بعيلتك .
ضحكت حور بمرارة إستشعرتها سدرة ولكن لم تعلق بل أكملت :
_ تفتكري أنا أقدر أكمل حياتي من غير ما أبص لورا وأشوف كنت عايشة إزاي؟ والحقيقة إل ظهرتلي قبل موت أمي أعيش كأنها مش موجودة ، ولا مش هقدر وهفضل ف ظلام الحزن واليأس .
تنهدت حور عدة مرات قائلة بقلة حيلة :
_ إختارتي الشخص الغلط تسأليه يا سدرة .
وقفت حور تنتوي الذهاب ولكن إلتفتت إلى سدرة مرة أخرى وأردفت :
_ لما أقلاقي إجابة هقولك .
رحلت حور ووقفت سدرة تتابع عملها .
...........
وصلت حور للمنزل ، أي منزل الدمنهوري فاليوم يوم الجمعة الأول للشهر والجميع معا يقضون اليوم كالعادة .
توقفت عند المدخل عند رؤيتها تجمهر أفراد الأسرة ينظرون في إتجاه معين .
إقتربت قليلا بعد ما حستها فيروز قائلة :
_ تعالي يا حور لما نشوف المفاجأة دي .
إقتربت وهي لا تعي ماذا يحدث وقفت بينهم تنظر لتلك الطاولة الكبيرة المليئة بمختلف أنواع الطعام ، وتلك الزينة والأنوار .
_ هما البنات بيعملوا إيه كل ده ؟
_ والله يا سمية ما أنا عارفة البت سلمى قالتلي إقعدوا لغاية ما نيجي.
جلس الجميع لتنظر حور لتلك البالونات وفجأة مر بخاطرها شيء ، يبدو أنها تتوقع نوع تلك المفاجأة .
_ ياناس الأكل شكله حلو ، هو لازم نستنى .
ضحك الجميع ليتحدث أحمد:
_ أنت عارف يا جاسر لو فكرت تبدأ أكل قبل ما ييجوا مش بعيد يقتلوك .
_ سهر قوليلنا في إيه ؟
وقفت نورا بإعتراض قائلا: 
_ طنط منار متحاوليش محدش فينا هيتكلم.
_ أهم خلاص هيقولوا هما بقى .
قالتها مروة بحماس .
نظر الجميع لسلمى وچورية وأسيل لتردفن الثلاثة معا بحماس :
_ أنا حامل .
للحظة شعروا بصدمة ولكن بالطبع صدمة مفرحة .
هلل الجميع وكبر وإستقبلت الفتيات التهاني والآباء أيضا. 
_ إيه الأخبار الحلوة دي ؟ ربنا يزيد ويبارك يارب ، عقبالك يا حور يا بنتي .
نظرت حور لوليد وإكتفت بإبتسامة .
إقترب منها أدهم وسأل بهمس :
_ إنتي زعلانة صح ؟
إبتسمت بهدوء قائلة :
_ كفاية عليا أنك بتقدرني .
رفع كف يدها وقبلها بحنان أمامهم جميعاً.
_ شوفتي يا حور أنا أهو بنفذ أوامرك بالحرف .
ضحكت سلمى بخجل في البداية ثم تحدثت بحماس :
_إتنين .
نظر لها عبد الرحمن ومعه باقي العائلة لتقف حور بلهفة قائلة :
_ إنتي حامل في توأم ؟
أماءت لها سلمى بالإيجاب لتندفع إليها حور تحتضنها بفرحة كبيرة والجميع ما بين مهلل وما بين مُبارِك .
إنقضى وقت الغداء وجلسوا كل مجموعة معا النساء في الداخل والرجال في الخارج .
وقفت حور بالقرب من أدهم قائلة :
_ عمو ممكن أتكلم معاك على إنفراد .
كان صوتها يرتعش وعيناها متوترة شعر بهما فأراد أن يخفف عنها لذا أمسك يدها قائلا لأدهم بمزاح :
_ شوفت يا أدهم حور بتفهم جاية لأدهم الأصلي تستفرد بيه ، خليك إنت يا حبيبي إشرب الشاي الأخضر بتاعك ده وأنا أقعد مع الجميل ده أتغزل فيها براحتي .
ضحك الجميع عليهم وأطلق الشباب الصافرات بعد أن أجابه أدهم بضحك :
_ أشرب الشاي والقهوة وأنا مغمض عيني يا شيخ الرجال أنا واثق من نفسي .
..........
كانت مرتبكة ...متوترة ....تشعر بأن تنفسها سيتوقف في أي وقت ...تنظر في جميع الإتجاهات .
_ عارفة يا حور أنا سعيد أوي ، دخلتي الفرحة جوة قلبي يمكن من غير ما تقصدي .
وأخيرا نظرت له ليكمل:
_ لما تختاريني أنا من بين كل أعمامك وقت حيرتك وتبقي عاوزة تحكيلي عن حاجة مضايقاكي أو محتارة فيها دي كبيرة عندي أوي يا بنتي .
أغمضت عيناها تستشعر الكلمة .. من المؤكد أن والدها كان سينطقها بالكثير والكثير من الحنان الذي يختصه لها .
هربت دمعة من عينها مسحتها سريعا وأردفت بصوت مشحون بالمشاعر :
_ لما كنت بتتكلم مع نورا في المشكلة إل حصلت معاها حسيت قد إيه إني يتيمة ...كأن بابا لسه ميت في وقتها ، حسيت نفسي ضعيفة أوي ، بقالي شهور في حيرة ومش قادرة أخد قرار ، فكرت كتير أنهي الصراع إل جوايا لكن متوصلتش غير للعذاب ووجع القلب .
لكن النهاردة لما لقيت إني بعيدة عن الكل قلبي وجعه زاد وقدام وجعه ده لقيت أدهم بقيت حاسة إن الصراع إل جوايا هيقضي عليا ، لما إتكلمت قبل كده عمتو منى إنكتب عليها تعيش مريضة ، خايفة أتكلم ..وخايفة أسكت ، مش قادرة أواجه ألم السكوت ولا أشيل حِمل الكلام ..أعمل إيه ؟
أنا لقيت نفسي بفكر إن يمكن المفروض حد ياخد القرار بالنيابة عني وأول حد خطر في بالي حضرتك ...قولي أعمل إيه ؟
_ شوفي يا بنتي المرض والصحة والحياة والموت وكل حاجه في إيد ربنا ، إحنا منملكش نفسنا علشان نقرر إننا السبب في حاجة ، صح ربنا بيسيق الأسباب لكن الفعل نفسه بإرادته ، وبالنسبة إنك حسيتي نفسك بعيدة أنا حسيت بزعلك بس بعدها لما شوفت ضحكتك لما أدهم مسك إيدك وطيب خاطرك قلبي فرح ، البنات ميقصدوش يبعدوكي عنهم ، هما أه غلطوا إنهم إتفقوا سوا كلهم وجهزوا الحفلة دي من غير ما تشاركيهم بإعتبارك زيك زيهم لكن صديقيني دي غلطة غير مقصودة ، عاوزة الحق هما شايفينك أعلى منهم .
_أنا أعلى منهم ؟!
_ أيوة ، أنتي ما شاء الله دكتورة ناجحة ورغم كل حاجة بتمري بيها إلا إنك بتشتغلي ومواظبة على المستشفى ، ده غير عقلك وحكمتك في التصرف .
_ أنا مش أعلى من حد يا عمو ، أنا يمكن أقل واحدة فيهم ، الشهادة والشغل والمال ميسدوش الحِرمان من أبويا ، كل واحدة فيهم عاشت في آمان بين أهلها أنا عشت دايما في خوف من المجهول ، يبقوا غلطانين لو فكروا إني أعلى منهم ، يمكن الحِكمة إل حضرتك بتقول عليها إتخلقت جوايا من طبيعة حياتي ، أنا عشت حياتي جٓد جدا ، ماما بالرغم من إنها كانت أحن حد ممكن تتخيله كانت تربيتها ليا أنا بالذات مختلفة ، كانت بتربيني علشان أكون عكسها في كل حاجة ، ياعني مثلا مينفعش أضعف ولو ضعفت مبينش قدام حد لكن أنا بقيت زيها لما أدهم بقى أهم حد في حياتي ، لازم أعتمد على نفسي وأتصرف بشجاعة وقوة لكن برده بقيت أعتمد على أدهم يمكن قليل وده بيضايقه لكن بالنسبة ليا تغيير كبير ، ماما كانت عاوزة تواجه كل مشاكلها وضعفها بيا ، وعلشان كده بقيت زي ما أنتوا بتقولوا قوية معتمدة على نفسي بتصرف بحكمة ، لكن أنا من جوايا غير .
_ جواكي طفلة يتيمة نفسها في حضن أبوها وأكل أمها ، جواكي بنت عاوزة تغلط وتتعلم من الغلط مش واحدة بتتصرف زي الناس الكبيرة وتعٌلم الصح ، تعرفي إنك شبهي ، بصي قدام ولحايتك الجاية وسيبك من العمر إل راح .
نظرت له بأمل فأردف :
_ من كرهك لحمدي أقدر أقول إن مامتك الله يرحمها قالتلك هو عمل إيه ؟
تحولت نظراتها لصدمة ليسترسل بأسى :
_ كنت رايح أطمن على عمي الحاج عبد الرحمن ، لقيت نبيل بيضربه بقهر وفي لحظات كان كل شيء منتهي عمي مات وحمدي مغمى عليه ، فهمت ساعتها إيه حصل ، بس مجيبتش سيرة لحد ولا حتى لنبيل إني عرفت حاجة .
_ وقدرت تعيش والسر ده جواك ؟ إنسابت دموعها ولم تتكفل عناء إزالتها ليتحدث أدهم بتعقل :
أنا عشت شهور مش قادر أبص في وش حمدي ، كنت بحمله موت عمي وموت نبيل ، بس بعدها قولت ربنا هو المنتقم لأن كلامي مش هيفيد بالعكس هيهد  ، وقررت أنسى علشان العيلة تعيش .
_ بس أنا مش قادرة أنسى ، مش قادرة أعيش حياتي وهو قدامي ، ولا قادرة أتهنى في عيشتي مع أدهم وأنا عارفة كم الألم إل أمي وأبويا عاشوه بسببه .
كانت شهقاتها تعلوا وجسدها بدأ ينتفض من شدة البكاء وكأنها سقطت في بئر موحش ، ظلام دامس يقتل روحها بالبطيء ، ولكن وسط هذا الظلام بدأ النور ينتشر ويشع في هيئة صوت عذب حنون :
_ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
ارتقي بنفسك عند ربنا ، حاربي غضبك وحزنك وخليكي مع المحسنين ، أنا متأكد إنك تقدري تأذيه من أول لحظة ، لكن الصراع إل قولتي عليه مكتفك ، عارفة ده معناه إيه ... معناه إن ربنا بيحبك ...وبيحبك أوي كمان لأن ربنا يا بنتي بيختبرك وكلما إشتد البلاء زادت قوة الإختبار ، أنتي بقى عاوزة تنجحي في إختبار ربنا ولا تستسلمي ، مش بقولك لو أخدتي حقك منه يبقى حرام لأن ده حلال ربنا ، لكن بسألك ليه متدوريش على الأجر الأعلى ، أجرك لما تمسكي غضبك وتمنعي أذاكي عنه وإنتي في إيدك بسهولة تأذيه ... أجرك لما تقولي سلمتك أمري يارب يسرلي أموري وقلبك يبقى عامر بالإيمان وواثق من رحمة وعدل ربه.
أزالت دموعها وتحدثت بصوت يكاد يُسمع :
_ ياعني رأيك أسامح وأعيش حياتي ؟
ربت على كفها وتحدث بإبتسامة :
_ طيب تيجي نفكر سوا لو أنتي كشفتي إل عمله وإنتقمتي منه هتستفادي إيه ؟ هتعوضي خسارتك أو نار قلبك هتنطفي  ، طب فكري كده إيه هيحصل ؟
إل هيحصل إنه هيتفضح وكده تخسري أجر ستر إنسان ، وعلاقتك بأدهم بعد ما الكل يعرف صعب تبقى زي دلوقتي ، كل لما حد يتكلم أو حتى ميتكلمش هتفهمي إن ده بسبب كلامك ونفسيتك هتتأثر وعلاقتك بيهم كلهم هتتغير وبدل ما تقربي منهم هتبعدي عنهم ويبقى بدل ما تحسي بآمان العيلة هتخسري حتى لو هما قربوا من جواكي مش هتتقبلي ده ، بناته هيحسوا بإيه وهما بيسمعوا عن أبوهم حاجة زي دي ، أنا وباقي أعمامك هنأمنه إزاي بعد كده .
شوفتي بقى لما تتكلمي وتنتقمي إيه هيحصل ، يبقى نمشي في سكة الإنتقام ولا سكة أكبر قدر من الثواب .
............
وكأن روحها غُسلت ....وكأن الطريق أُضيأ فجأة .
السكون والطمأنينة التي تشعر بهم كل ما تتمنى ....ولكن هل كل ما يتمناه المرء يظل .
إنتهى اليوم بشكل غير مرغوب به .
إجتمعت النساء تُبعد بين ريم وحماتها منار .
_ ده أنا هفضحك وأوديكي في داهية ، والله لأربيكي وأعلمك الأدب .
_إهدي بس يا أم صالح عيب الكلام ده  .
_ ما عيب إلا العيب يا مريم ، البت قليلة الرباية وأنا بقى هربيها من أول وجديد.
_ ما تهدي بقى يا منار ، هي عملت إيه لكل ده ؟
نظرت منار لفيروز وعجز لسانها عن الحديث فهي لن تستطع البوح ، لن تجعل سيرة ولدها وزوجته الخائنة على ألسنتهم ، كيف تقص لهم أنها إستمعت لها تُحادث أحدهم عبر الهاتف المحمول ولم يكن الحديث بريئا أبدا.
_ دي حاجه خاصة ، أنا حماتها ولازم تسمع كلامي وتنفذ أوامري .
ظن الجميع أنها طلبت منها عملا ورفضت القيام به فتحدثت سمية بطيبة :
_ يا أم صالح البنية في الشهر التاسع مافيش داعي تعمل حاجه علشان الولادة تعدي على خير .
شعرت ريم ببعض الألم فتحدثت :
_ أنا همشي من هنا ، هروح على بيت أبويا .
رحلت من أمامهم برغم محاولات الفتيات لإيقافها .
_ أنا هعلمها الأدب والإحترام ، فين تليفوني ، والله يا صالح لو ما كان ليك موقف مع البت دي لأنا أمك ولا أعرفك .
ظلت تهاتفه أكثر من مرة ...الكثير والكثير من الإتصالات ولكن لم يجيبها لتهمس بغيظ :
_ أنا عارفة شغل إيه إل بقاله تلت أيام مسافرله ده وسايب هنا عقربة .
.....................
حل الليل ...ولكن كانت ليلة مختلفة .
نائمة وفوق ذراعه تستمع لصوته وهو يقرأ في أحد الكتب ...كم تعودت على ذلك الأمر .
أغلق الكتاب عندما شعر بشرودها وتساءل :
_ بتفكري في إيه!
_ بتحب الولاد ولا البنات ؟
تفاجأ من سؤالها ولم يجب لترفع نظرها إليه فتجده محدقا بها لتعيد سؤالها ولكن بصيغة أخرى:
_ ياعني نفسك يبقى عندنا ولاد ولا بنات ؟ أنا أتمنى يبقى عندنا ولاد .
_ حور .
كان همسه ملتاعا وعيناها تفيض بالكثير من المشاعر .
ظلت تمرر يدها على وجهه بحنان وهي تتحدث :
_ أنا كنت باخد البرشام ده علشان أعالج مشكلة عندي ، لكن مش لأني رافضة أخلف منك أو حتى بأجل ده زي ما أنت فاهم ، أنا عارفة من فترة طويلة إني صعب أحّمل بس مفكرتش أتعالج ، تعرف بدأت أتعالج من إمتى ؟
كانت نظراته لها  كفيلة لتعلم مدى عشقه لها ، كانت عيناه تُضيء .
أما هو رغم صدمته بحديثها ، إلا أنه لم يهتم بأي شيء سوى شيئا واحدا .. أنها ترغب في أطفال منه .
ألصقت وجهها بعنقه تستنشق رائحته لتشعر بالآمان وهمست بإعتراف :
_ أول مرة قلبي يدق فيها ليك لما كنت في المستشفى ، من غير ما أحس بدأت أشوف إيه هي خطوات العلاج ولما كتبنا الكتاب وبالرغم من إن كان كل شيء مبهم في الجوازة دي لأني عارفة أنت إبن مين بدأت أتعالج من قبل حتى ما تقربلي خالص .
تأوه بقوة شغفا وهو يشدد من إحتضانها  هامسا بصوت مشحون بالكثير من المشاعر :
_ بحبك يا حور ...بحبك ...لا أنا بعشقك ، أنتي أحييتي قلبي وروحي ، كنت عارف إنه من حقك تأجلي أو تلغي فكرة الأطفال أصلا ، وكنت موافق أفضل عمري مكتفي بحضنك وإني أنام وإنتي بين إيدي وأصحى أشوفك ، أتوه في ضحكتك لكن لما تبقي عاوزة تخلفي مني وتتمني ده كأني كان فيا جزء ناقص وإنتي كملتيه مش مهم لو زي ما بتقولي الخلفة صعبة لأن ده في إيد ربنا ، المهم إنك مش رافضة إن حتة مني تكبر جواكي ، إنتي كٓملْتيني .

كانت أنفاسه في ذاك الوقت تُحارب ، لا يسعها صدره ..من قوة ما يشعر به ، يداه تحتضناها لكن جسده يرتعش ..روحه تنتفض ...معشوقته لا تكره أن تكن أم لأطفاله ...إمرأته ترغب أن تحوي جزءا منه .
ولكن ما جعل الزمان والمكان وكل شيء يتوقف من حوله حقا هو همسها الشجي :
_ أدهم .....أنا حامل .
..........................
عام ٢٠٢٣ 
إنتهت سهر من سرد كل شيء .
ساد الصمت المكان إلا من شهقات منار فمن الصعب عليها أن تتقبل كل ما حدث مع إبنتها دون أن تعلم .
_ يا حبيبتي يا بنتي كانت زي الحمامة البيضا طايرة هنا وهناك تساعد ده وتطيب خاطر ده وإحنا لوثناها بظلمنا .
كانت سمية تتحدث بندم حقيقي وهي تنظر في إتجاه ندى .
رن هاتف جاسر ليقف مستأذنا ورحل .
_طب هو مافيش طريقة نعرف بيها هي فين ؟
نظر أحمد لزوجته وأجابها :
_ حاولت والله يا چوري بكل طاقتي ومعارفي ، حور إختفت لأن هي عاوزة تختفي هيبقى صعب إننا نلاقيها .
بدأت شهقات أخرى في الظهور ... أنصتوا ليجدوا وليد يبكي بحرقة وألم ، للحظة تيبسوا في أماكنهم ، لم يعوا ما عليهم فعله .
إقتربت فيروز منه وبيد مرتعشة إحتضنت رأسه وهي تشاركه البكاء .. فما أصعب أن ترى شريك عمرها منهارا بهذا الشكل .
لحظات مرت عليهم بإختناق ... الجميع متأثر ..من ترك العنان لدموعه ترك .. ومن جعل الحزن يتآكل داخله .. الجميع متأثرين بما مروا به .
ولكن حان الآن وقت تحول الحزن للجزع والصدمة ...مابين شهيق وزفير يتوقف النفس ...تُزهق الروح ... وفي خضم حزنهم همد جسده وتوقف نفسه.
وقفوا ينظرون بصدمة عندما إرتمى رأسه بثقل وأصبحت روحه خواء .
ثانية وأخرى وأخيرا تحرر صوت أحدهم وكانت سلمى صارخة بكل ما أُتيت من قوة بصوت ممزق :
_ بااااابا .

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1