رواية جمر الجليد ج2 (وأنصهر الجليد) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد ج 2 وأنصهر الجليد الفصل الخامس والعشرون 

أغلق الهاتف ونهض ببطء، ثم تسلل بخفة نحو المطبخ، حيث وجد مي منهمكة في تحضير الطعام، تقطع بعض الخضروات، وتقلب إناء الماء على النار. جلس على أحد المقاعد، مربعًا ذراعيه، وحرك رأسه للأعلى مستنشقا الروائح الشهية قبل أن يقول بمزاح:


بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد


معتز، مدعيًا الانبهار: امممم... إيه الروائح الجامدة دي؟! أنا متجوز شيف يا ناس! ها ها! دوقينا، إيه هدوقينا ايه النهارده؟




التفتت له مي بسرعة، وهي ترتدي مريولة المطبخ، تمسك بملعقة خشبية، وشعرها مربوط من الأمام ببندانة صغيرة. أشارت له بالمعلقة بتهديد خفيف وهي ترد بحزم مصطنع:


: امممم، بص بقى، مش بحب حد يقعد يتفرج عليا وأنا شغالة! ماشي؟ خد بعضك واطلع نام، وأنا أخلص وأجيلك أصحيك.




معتز، رافعًا يديه مستسلمًا: خلاص خلاص، مكنش سؤال، كنت بس بستفسر عن نوع الأكلة! مش عاوز أعرف، خليها مفاجأة أحسن...




نطقها وهو ينهض متجهًا لغرفته، تاركًا مي تبتسم بانتصار.




عادت إلى الطهي بحماس، ثم أخذت الملعقة الخشبية لتقلب الأرز في الإناء، لكن ما إن نظرت داخله حتى شهقت بفزع، عيناها اتسعتا بصدمة:


: إيه ده؟!!




لم يكن ما في الإناء أرزًا... بل...!




....


بينما كانت سيلا منشغلة بتقطيع أصابع البطاطس، تفاجأت بأنفاس دافئة تلامس جانب أذنها، ثم قبلة رقيقة على وجنتها وذراعان قويتان تحتضنانها من الخلف. سمعت صوته العميق يهمس بصوت دافئ: وحشتيني... وحشتيني أوي.




تجمدت لثوانٍ، غير مصدقة، ثم استدارت بسرعة وجذبته نحوها، تعانقه بقوة وتقبّله بلهفة وشوق




سيلا، بفرحة واشتياق: عاصم! حبيبي... وحشتني أوي، أوي!




ابتعدت قليلًا، تتفحص وجهه بعيون مذهولة، ثم ارتمت في أحضانه مرة أخرى وكأنها تحاول استيعاب وجوده أمامها. لم تترك السكين بعد، وقلبها ينبض بشدة وهي تلومه بعفوية:




سيلا، بملامح حزينة وعتاب دافئ: كده؟ أهون عليك تبعد عني كل ده؟




عاصم، وهو يقبلها بحنان ويضمها بقوة، بينما تتحرك يده على ظهرها ليهدئها: حقك عليا... غصب عني، والله.




استمتعت بأحضانه للحظات، ثم ابتعدت قليلًا، والشرر يتطاير من عينيها، تريد محاسبته على غيابه. أشارت إليه بالسكين التي لا تزال تمسك بها، تحركها أمامه بتهديد طفولي، وهي تتقدم للأمام بينما هو ينظر للسكين بيدها ويتراجع مبتسمًا




سيلا، بغضب: يعني مكنش فيه ولا مكالمة؟ ولا حتى رسالة؟ مرة واحدة بس، وكانت أقل من دقيقة كمان؟!




عاصم، يبتسم بحب ويحاول تهدئتها: اهدي بس، وهاتي السلاح ده الأول نتفاهم.


وانصهر الجليد


لكنها لم تنتبه لكلامه وتابعت تقدّمها نحوه، غير مدركة أنها ما زالت تمسك بالسكين. 




سيلا، بعناد: مش عايزة أفهم حاجة! إزاي تنساني كل ده؟!




باغتها عاصم، فجذب يدها وأسقط السكين من قبضتها، فنظرت إلى السكين على الأرض بذهول، وقبل أن تتمكن من التحدث، غافلها بقبلة طويلة على شفتيها، تعبر عن اشتياقه العميق لها. انسجما في لحظة خاصة أخذتهما لعالم آخر، حتى ابتعد عنها قليلًا ليلتقط أنفاسه، ثم حملها بين ذراعيه واتجه بها إلى غرفتهما، حيث وضعها برفق على الفراش واستلقى بجانبها.




اعتدلت سيلا جالسة، تنظر إليه بخجل، بينما تمط شفتيها للأمام كالأطفال، بصوت ناعم: وحشتني أوي... وزعلانة منك أوي، أوي.




عاصم، بحب: مقدرش على زعل حبيبتي أبدًا.




ضمّها إلى صدره، دافئًا إياها بحنانه، ثم قال بنبرة جادة: والله أول مرة كلمتك كانت قبل ما نتحرك للموقع، وكنا في الصحراء. ما كانش مع حد فينا تليفونات، وحتى لو كان معانا، ما كانش فيه شبكة أصلاً. كنا بنستخدم اللاسلكي، وده بين القوات بس. والله ما كان بإيدي، كان لازم ألتزم بالشغل.




رفعت رأسها له، وعيناها تلمعان بشوق: ما تغيبش عني تاني... اليوم طويل من غيرك، مش أسبوعين، عدّوا عليّا سنة!




عاصم، بابتسامة مطمئنة: المهم إني جنبك دلوقتي، وإنتي في حضني... خليني أشبع منك شوية.




لكنها تملصت من بين ذراعيه ونهضت بسرعة، فنظر لها بدهشة ومزاح: هو ده "وحشتني" اللي كنت مستنيها منك؟! ولا إيه؟ تعالي هنا يا بت...




أطلقت سيلا ضحكة عالية، كأن روحها ردّت إليها بوجوده بجانبها، ثم ابتعدت وهي تقول بمكر، ضاحكة: احممم... خد شاور وارتاح شوية، وأنا هجهز لك الغدا. إيه؟ ما أكيد وحشك أكلي ولا إيه؟




عاصم، مبتسمًا: واحشني أوي يا سولي...




بعدما أخذ حمامًا دافئًا، خلد إلى النوم من شدة إرهاقه. وعندما حل المساء، استيقظ متثائبًا، ناظرًا إلى ساعته، بدهشة: ياااه! كل ده نوم؟!




تمطى قليلًا، ثم دلف إلى الحمام ليغسل وجهه ويفيق، قبل أن ينزل إلى الطابق السفلي، حيث وجد سيلا تشاهد التلفاز. جلس بجانبها، وطبع قبلة على رأسها بلطف:




سيبتيني نايم كل ده؟ مصحتنيش ليه؟




سيلا، مبتسمة: قلت أسيبك تصحى لوحدك، تاخد كفايتك من النوم. جعان؟




عاصم، متطلعًا إليها بحب: ميت من الجوع.




نهضت بسرعة وهي تقول بحماس:




سيلا: ثواني، والأكل يكون جاهز.




لكنه أمسك يدها فجأة، وأوقعها عليه هامسًا في أذنها بصوت خافت مشحون بالمشاعر: اممم... جعان، بس لحاجة تانية.




احمرّ وجهها خجلًا، واستطاعت أن تفك حصاره، ثم نهضت تعدل من هيأتها المبعثرة، مرددة بارتباك:


 احم... انت قليل الأدب! أنا كنت بقول أقوم أسخن الأكل، لحسن يبرد...




عاصم، رافعًا حاجبيه مازحًا، ثم أطلق ضحكة عالية: اممم، والله؟ طيب، على فكرة بقى، أنا كنت قصدي إني جعان لحاجة تانية... كنت عايز "حلويات"! مش اللي في دماغك الشمال دي! مش زيك، دماغك سِم!




ضحكت سيلا بمرح، وهي تهرب منه إلى المطبخ، بينما هو ينظر إليها بابتسامة، سعيدا أخيرًا بعودته إليها.


الفصل السادس والعشرون من هنا



 

تعليقات



×