![]() |
رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل العشرون
الفراق ....الفراق ما هو سوى مُحيطات من الأحزان متجوفة في كٓبِد الأرض ، يندلع منها أنهار مبركنة تصب نيرانها في قلب يتيم ...ظن أن الحياة ستشرق من أجله لتصفعه سحابة سوداء تدفنه حيا .
تنفس عدة مرات بقوة ...عله يستطيع أن يشعر بالراحة .
نظر لهاتفه للمرة التي لا يعلم عددها يتفحص صورها بإشتياق .
يبتسم لإبتسامتها ...يعبس مع عبوسها . يمرر يده في شعره متمنياً أن يلمس خصلات شعرها تلك المنسدلة فوق عينها .
هل إستطال شعرها الآن أم مازال بنفس طوله المداعب لعنقها ؟
هل مازالت تستخدم تلك العطور ومازال عنقها يحافظ على رائحته العبقة ؟
هل ما زالت ترتدي تلك المنامة الحريرية أم تركتها هي الأخرى كما تركته ...؟
أغمض عينيه بألم ووضع الهاتف بجانبه ثم بعد عدة دقائق قرر الهبوط ومعرفة ماذا يحدث ؟ ....ولما هذا الصراخ ؟
..............
_إهدي بس يابنتي ...الكلام يبقى بالعقل .
_عقل ...عقل إيه ؟ أنا تعبت ، دي مبقيتش عيشة أبدا ، بالإسم متجوزة.
_ ما تخرسي بقى وتفهمي الكلام قبل ما تقوليه .
صرخ بها علها تعود لعقلها ...لتصرخ بجنون :
_ أفهم إيه ؟ ...أنا مبقيتش قادرة أفهم أي حاجة ، بقالك قد إيه بعيد عني ، مش مسموحلي أتكلم معاك في أي حاجة ، مش مسموحلي أقول رأيي ، لأ ولا كمان مسموحلي أقرب منك بأي شكل ، أنت بتعمل فيا كده ليه حرام عليك .
أنهت حديثها بصراخ ثم سقطت فوق الأريكة تبكي وتنتحب .
كان من بالمنزل جميعا قد تجمعوا على صوت الصراخ ، ولكن لم يتجرأ أحد أن يتحدث ...بماذا سيتحدث وهم لا يفهمون ما يحدث سوى الشجار المعتاد بين ندى ومازن الذي تحدث بخيبة :
_ عاوزة تعرفي بعمل ليه كده ..بصي حواليكي كده هتلاقي حياتنا فيلم للكل يشوفه ، أي حاجة وكل حاجة تحصل بينا تعرفيها للكل ، فين حياتنا الخاصة بينا إحنا ، كنت مصمم نعيش في بيت لوحدنا علشان يبقى في خصوصية ، لكن معملتش حساب إن أنتي إل هتعملي حياتنا مزياع للكل ، أنتي زهقتي أنا مليت منك ومن العيشة معاكي .
_ مازن ...إتكلم بأسلوب كويس .
أغمض عينيه يهدأ من نفسه ثم نظر لوليد قائلا بإحترام رغم حدة صوته :
_ يا خالو هو ينفع كل ما يحصل بينا خلاف تيجي تجري على هنا ، دي مش عيشة ، أنا كنت ناوي أسيبها ، لكن سيادتها سابت الولد لوحده في البيت ، ياعني حتى إبنها مفكرتش فيه .
_ ومين بيفكر في مصلحته أنت ، طب قبل ما تلومني عن غلطة غير مقصودة حصلت لأني كنت حاسة إني لو مخرجتش من البيت هموت ، حاسب نفسك ، تقدر تقولي أخدتنا ولا بلاش أنا أخدته خرجته معاك كام مرة ، سهرت بيه كام مرة ، شيلته عني وانا مشغولة في شغل البيت ولا وأنا تعبانة كام مرة .
_ سلمى خدى الولاد وإطلعي وأنا هروح المستشفى ، دي مشاكل خاصة بلاش نقف ونسمع .
أماءت له بهدوء وأخذت أبنائها والطفل الذي بدأ في البكاء وهو يشاهد والداه يتشاجران .
صعدت چورية أيضا لغرفتها بعد أن أشار لها أحمد الذي تقدم من مازن قائلا :
_ تعالا نخرج شوية أنا زهقت من قاعدة البيت وإنت كمان تغير جو وتهدى وبعدين تتفاهموا .
نظر لزوجته بيأس ثم أردف بجدية :
_ لأ أنا هروح أخلص شغلي ورايا بكرة مشوار مهم ولازم أرتب الأمور هنا الأول .
_ إستنى يا مازن يابني متخرجش وإنتوا زعلانين سوا ، إطلعوا فوق إتفاهموا وبعدين إنزل شغلك .
_ يطلع فين يا ماما ، إنتي عاوزة مازن يبقى معايا في نفس الأوضة ، إنتي بتهزري أكيد .
نظر لها بغضب لتردف والدتها بحدة :
_ بت أنتي لمي نفسك ده جوزك عيب كده .
نظرت لها بأسى قائلة :
_ والله قوليله هو يا ماما مش ليا ، قوليله عيب يا مازن تهجر مراتك أكتر من سنتين ونص ، قوليله عيب تعامل مراتك على إنها خدامة تنضف بيتك وتربي إبنك وبس ، قوليله مراتك ليها عليك حقوق أبسطها إنك تبص في وشها وتتكلموا سوا وتحلوا مشاكلكم وتتصافوا ، قوليله إحترم إن مراتك بنت خالك من لحمك ودمك وعيب تموتها بالبطيء ، قوليله هو عيب مش ليا أنا .
نظرت له بقهر مسترسلة :
_ قوليله عيب تخون مراتك .
شهقت فيروز بفزع وتجمد الجميع ينظرون له بصدمة مستمعين لها ولنيات بكاؤها :
_ بيتهمني إني بذيع كل حاجة تخصنا ، بس أنا مقولتش لحد إنه من يوم عملية أدهم حتى ممسكش إيدي ...مقولتش لحد إن عدد المرات إل قعدنا فيها سوا على الأكل تتعد على الصوابع وأغلبها هنا معاكم ... مقولتش لحد إن مافيش ولا مرة جه معايا عند الدكتور لو أنا إل هكشف ..مقولتش لحد إني بسمعه وهو بيكلم واحدة تانية في التليفون ، والله أعلم واصلة علاقته بيها لفين .
_ إخرسي بقى .
_ لأ مش هخرس ...أنا تعبت ، إتحملت كتير ، بتقول وراك مشوار مهم ، المشوار المهم ده الهانم طبخاله أرانب ، أنا سمعاه وهو بيقولها طالما فيها أرانب هتلاقيني قبل الميعاد عندك .
_ الكلام ده حقيقي يا مازن ؟
_ يا خالو لو سمحت بلاش نتكلم دلوقتي.
_تعالى معايا يا مازن .
نظر إليه وأردف بألم :
_ بلاش يا أدهم ...أنا خارج ولما أكون مستعد نتكلم هجيلكم وأجاوبكم على كل حاجة.
وبالفعل ذهب من المنزل وصعد أحمد للغرفة وهو مذهول مما سمعه .
بينما أدهم إقترب من ندى التي تبكي في أحضان فيروز بينما والدتها متجمدة في جلستها فهي أكثر من يعلم كم هو شعور قاتل ..شعور خيانة الزوج .
_ متأكدة يا ندى ؟ مازن مستحيل يخون .
ضحكت بمرار مردفة :
_ بقالك قد إيه متكلمتش معايا ويوم ما تتكلم تكدبني وتدافع عن صاحبك .
_ يا ندى إفهمي ، مش لأنه صاحبي زي ما بتقولي ، بس مازن متربي معانا ، مازن رجل محترم وبيحبك .
_ تقصد كان ، دلوقتي مش طايق حتى يبص في وشي .
_ حتى لو زي ما بتقولي ، يقدر يتجوز لكن يخون لأ .
_ وهو الجواز مش خيانة .. وبعدين ليه لأ ماهو بياكل عندها أهو ، يبقى ممكن يكون متجوزها .
جلس أدهم بإرهاق ينظر لوليد الذي أخذ يفكر كيف سيصلح الأمر بينهم .
............
القرارات الخاطئة ستهب فوق رأسك نتائجها كالسحب الصاعقة .
_ إعمل حسابك النهاردة هنقرأ الفاتحة ونلبس الدبل .
توقف عن تناول الطعام قائلا :
_ وليه السرعة ؟
نظرت له شرزا مردفة بحنق :
_ وهي فين السرعة دي ؟! الجماعة إستنونا لما الظروف تعدي ، وبعدين أنا إشتريت الدبل وخير البر عاجله .
_ إل تشوفيه .
_ متأكد يا صالح ؟ حاسس إنك مش فرحان يابني .
_ هو إيه أصله ده ؟ لو كان رافض كنا بنحدد ميعاد مع الناس ونتفق ليه ؟
_ ماما عندها حق ..إحنا قولنا كلمة وإتفقنا ولازم نبقى قدها .
وقف ورحل وقلبه يصرخ ولكنه قرر تجاهله .
نظرت سهر في أثره بحزن وهي تتذكر ما سمعته منذ مدة .......
_ أميرة صغيرة ..بكرة لما تكبري هتبقي أحلى واحدة في الدنيا دي .
قبلت الصغيرة على خديها بعد ما إنتهت من تمشيط شعرها لتذهب الصغيرة تلهو وتلعب في الأرجاء بينما هي توجهت إلى المطبخ لتحضير طعام الغذاء .
طُرق الباب لم تنتبه سدرة فكان رنين هاتفها جاذبا إهتمامها وسرعة نبضاتها جعلتها غير مدركة لما يحدث حولها فلم تنتبه أيضا أن تلك الصغيرة التي طالت قامتها قليلا فتحت الباب لتدلف سهر بإبتسامة وتحملها وهي تشعر بالسعادة لرؤيتها تكتسب مهارة جديدة متوجهة إلى المطبخ بعدما إستمعت لصوت سدرة ولكنها وقفت مصدومة مما تسمعه من صوتها ومن مكبر الصوت :
_ وبعدين بقى ، مش إحنا إتفقنا أخر مرة كلمتني فيها إننا هنلتزم .
_ طب أعمل إيه ؟ مش قادر أشوفك مع إنه سهل ، لكن لو شوفتك هاخد ذنب أكبر من كلامي ده ، وبعدين دي مكالمة بريئة بطمن فيها على بنتي .
ضحكت بصوت منخفض ولكنه سمعه فقال مشاغبا :
_ وإل مضايق من مكالمتي يضحك الضحكة الحلوة دي برده ؟
_ صالح أنا مش مضايقة من مكلمتك ، بس خايفة يبقى علينا ذنب ، وبعدين حاسة إني بعمل حاجة غلط .
_ اولا الحمد لله إتخلصنا من كلمة أستاذ ، ثانيا بقى الكلام بريء إعتبرينا بنتعرف زي الرؤية الشرعية كده أنا بتصل بس أطمن عليكي لأن لو سألتك عاملة إيه وأخبارك وأنا بشوف بنتي مش هيبقى كلام بريء لأني هبصلك وقتها وأنا بمنع نفسي بصعوبة ، إنما بقى بالنسبة للغلط ، الغلط بجد إنك هتسيبيني كام شهر لسه علشان تردي عليا .
جففت يدها وأمسكت الهاتف وجلست فوق الكرسي الخشبي تنظر للهاتف وكأنها تنظر إليه متشدقة :
_ تعرف إني خايفة أبطل خوف ، صالح أنت حلم خايفة أحلم بيه أفوق على كابوس .
_ صالح مش هيرد على كلامك ده لأن لو رديت مش هتكلميني بعد كده ، لأن أنا دلوقتي نفسي أحضنك وده أقل رد عندي .
وكما توقع أغلقت الهاتف بسرعة شاعرة بخجل .
كانت سهر تبتسم بسعادة ولكن لم تشأ أن تُشعر سدرة بالحرج لذا توجهت إلى الباب وأغلقته بقوة مردفة بصوت عالٍ :
_ كبرتي يا صغنن وبقيتي تفتحي الباب لعمتو .
نهضت سدرة وتوجهت إليها يضحكان بسعادة على فعلة الصغيرة .
................
حل الليل سريعا ...ذهب صالح بصحبة مجموعة من الرجال ووالدته وشقيقته لإتمام تلك الخطبة .
علت أصوات المباركات بعد أن ألبسته بدورها تلك الحلقة الدائرية التي ما إن طوقت إصبعه ..شعر وكأن أنفاسه على وشك الانتهاء ..وعلى النقيض كانت خطيبته تضحك بسعادة ، فمنذ أشهر تحلم بتلك اللحظة عندما رأته في منزله عندما كانت مع والدتها في زيارة لوالدته ولم تكن تعلم أن تلك الزيارة مدبرة .
_ نستأذن إحنا يا جماعة وربنا يتمم على خير.
_ ودي تيجي يا أبو صالح لازم تتعشوا معانا .
_ معلهش يا حج أعذرنا ، الحاج وليد لازم يرتاح ، مرة تانية إن شاء الله ، وأهو صالح معاكم .
نظر صالح لوالده بصدمة ، فقد كان ينوي شكره لأنه سيخرج يتنفس الصعداء ولكن بجملة والده لم يستطع التحدث خصوصا بعد أن وجهت له والدته نظرات التحذير .
.......
رحلوا رجال العائلة ، وذهب الشباب لمكان تجمعهم .
_ وصلوا يا جاسر .
تقدم أحمد وجلس بإنهاك متسائلا :
_ طب مازن ومتخانق ومالوش مزاج يحضر إنت ليه محضرتش يا جاسر كده صالح يزعل ؟
_ عادي ياعني هنروح كلنا نعمل إيه ؟ وبعدين كفاية إن الكبير كان هناك .
إبتسم أدهم بهدوء ثم نظر لمازن مردفا :
_ أنا مش مصدق الكلام إل ندى قالته ومستني تفسير .
_ عارفين بفكر في إيه ...ناخد بعض كده ونطلع رحلة نغير فيها جو ، رحلة شباب بس نجدد طاقتنا .
نظر له مازن قائلا بسخرية :
_ بقى الدكتور عبد الرحمن أخيرا قرر ياخد أجازة وعاوز تقضيها معانا كمان ، يابني ده أنا سامع سلمى وهي بتهددك الصبح إنها مش هتولد المرة دي لو مأخدتهاش رحلة .
لكمه عبد الرحمن في كتفه قائلا بغيظ :
_ ما بلاش أنت .
تسطح أرضا ناظرا للسماء قائلا بحيرة :
_ هو أنا غلط ؟ ولا لأ ؟
_ على حسب لسه بتحبها ولا لأ
قالها أحمد بعد أن تسطح هو الآخر ليقول عبد الرحمن بحدة :
_ لأ طبعا ...على حسب عندك إستعداد تدمر نفسية إبنك ولا لأ ؟ ، شوف إنت غلطان وهي غلطانة متزعلش مني يا مازن لكن بالمعاملة إل ندى بتقولها دي لا في مودة ولا رحمة عندك ، وأنت يا أدهم إسمحلي أقولك أختك عاوزة تتعلم من الأول وجديد بمعنى أصح تتربى ، أنا لو سلمى وقفت قالت الكلمتين دول أو حكت مشاكلنا الخاصة كده للكل صعب أفضل معاها .
_ هو أنت بتهديه ولا بتعصبه بالظبط ؟
_ والله يا جاسر ما بقى عندي طاقة أوزن كلامي ، إسمع يا مازن خد مراتك وإقعدوا سوا وصفوا أي خلاف بينكم ، أنت بتحبها وهي كمان ، جايز غلطاتها كتير لكن ردود أفعالك أنت كمان غلط .
أنا همشي لأن سلمى مصممة أروح معاها بكرة نقدم للولاد مع إني بصراحة كنت معتمد عليك يا أدهم .
_ عاقل يا عبود وبتسمع كلام مراتك زيي بالظبط چورية قالتلي إعمل حسابك هتيجي معانا قولتلها حاضر ومن غير نقاش ، بدل ما تتعصب تولد في التامن مش ناقصة .
_ طالما كلكم هتروحوا بلاش أنا ولما العربية تجهز أبقى أوديهم يوم .
_ لا يا حبيبي طلبك مرفوض أنا مقدرش أسوق دراعي لسه مش أحسن حاجه.
_ وأنا يا أدهم مش هقدر أروح مع أسيل لأن عندي مشوار مهم بكرة فخليها عليك المرة دي .
عاد عبد الرحمن مرة أخرى وعندما همّ مازن بسؤاله عن سبب عودته ليجد معه صالح ومن خلفه طارق وطه القائل :
_ مش واخدين بالكم بتتجمعوا من غيرنا عالطول.
_ إيه يابني سيبت عروستك ليه ؟
نظر مازن لأحمد بحنق مردفا بسخرية:
_ ياعني سبها في ليلة الدخلة دي قراية فاتحة .
نظر له أدهم بغضب ليتحدث بإعتذار :
_ أنا آسف يا صالح .
_ سيبكم أنتوا ، دلوقتي أهل ريهام مصممين نروح نتغدى عندهم بكرة .
_ وأنت طبعا مصدقت ووافقت .
_ طه يا حبيبي قول إنك غيران مني علشان هتجوز .
_ والله بتتخانقوا على أساس رايحين تعملوا عمرة مثلا ، دي مسؤلية يا حبيبي منك له ، وبيبقى في نكد زي ما في دلع بالظبط .
_ طب يا جاسر لم نفسك وخد بالك إني قاعد يا حبيبي.
_ أنا بتكلم بشكل عام ، وبعدين ما أنا بسمعلك وهي برده أختي ، وأدهم أهو سامعنا إحنا الإتنين وبيسمع لأحمد وواخد الأمور ببساطة .
_أنا معنديش حاجة أعملها غير إني أسمعكم ... وبعدين وأنا قاعد معاكم مش بشوف غير أصحابي وإخواتي أنصحهم وينصحوني ونفضفض سوا .
_ طب بمناسبة جلسة الكلام الحلوة دي ممكن أسألك سؤال .
نظر له أدهم ليأخذ طه نفس عميق قبل أن يسأل بتوجس :
_ صالح قرر يكمل حياته ، أنت مش ناوي ؟
نظر الجميع لأدهم الذي تحدث وهو ينظر للبعيد:
_ صالح قرر يكمل حياته بس لسه مشوفناش نتيجة قراره وبعدين هو عنده إل يعافر ويجاهد بسببه ..بنته ربنا يحفظهاله ، إنما أنا مافيش حاجه تستاهل أعيش علشانها.
_عيش لنفسك يا أدهم ...أنا لغاية دلوقتى مسألتكش أختي إختفت من حياتنا كلنا ليه ؟ رغم إني متأكد إنك عارف السبب ، تهمة قتل والدك صحيح كانت المشتبه الأول لكن ظهرت الحقيقة .. ياعني إختفاءها ليه سبب تاني ، أحيانا بقعد أفكر ملاقيش غير الطفل ..طيب ليه أجهضته ...ليه إستسلمت .... معقول طلاقكم ضعفها للدرجة دي ؟ عارف أنا مسألتكش ليه رغم إني أوقات بحس إني عاوز أضربك لغاية ما غضبي ينتهي لأن أكيد ليك يد في سبب بُعدها ، بس برجع أقول طالما بعدت أوي كده بسبب إنفصالكم يبقى كانت بتحبك أوي وطالما بتحبك أوي كده لو أذيتك أو جرحتك يبقى كأني بعمل ده ليها هي .
ورغم ده بقولك عيش لنفسك ، مش شرط يبقى في حد تعيش علشانه ، أقولك حاجة على قد حبك ليها عيش .
طارق هات تليفونك أعمل منه مكالمة.
إبتعد قليلا ثم ضغط فوق الأرقام الذي يحفظها عن غيب ووضع الهاتف يستمع للرنين منتظرا ..هدر قلبه بعنف...وصار يصارع في تنفسه عندما وصل إليه صوتها الهاديء .
أغلق الهاتف وبعيون مشوشة أزال رقمها من سجل المحادثات وإستدار لهم وقبل أن يتحرك خطوة واحدة سقط فاقداً للوعي .
نظروا لجسده بصدمة وإقتربوا سريعاً بلهفة .
بدأ عبد الرحمن بفحصه وهم يراقبون بفزع .
أخرج من محفظته قلما وبحث بعينيه ف الأرجاء عن ورقة فلم يجد ليمد طه كف يده فدون فوق باطنها بعض الاشياء قائلا بلهفة:
_ بسرعة هات المصل ده من الصيدلية .
هرول طه ومعه طارق ليتساءل جاسر بصوت مرتعش :
_ هو كويس ؟
مد مازن يده ومسح على وجهه وأزال تلك الدمعة التي سقطت من عينيه المغلقة .
_ ضغطه عالي جدا .
_ أنا حاسس إنه مأجبر نفسه على الخطوبة دي.
قالها أحمد وهو ينظر لأدهم
مرت عشر دقائق مرت بصعوبة عليهم.
واخيرا وصلوا .
حٓقنه عبد الرحمن وإنتظر ثوان وبدأ صالح في الإستفاقة ولكن لم يعي ما حوله .
أعطاه مصل آخر وظل يتابع نبضه ليقول :
_ ضغطه لسه عالي بس نفسه بقى أهدى شوية ، عشر دقايق بالكتير وضغطه ينزل إن شاء الله ويتحسن .
_ طب ما ننقله المستشفى .
كان خائفا يتحدث بنبرة شبه باكية ليقول عبد الرحمن بلطف :
_ هو أنا سباك يا جاسر .
_ هو بيقول إيه ؟
تساءل طارق بتعجب وهو يسمع صالح مهلوسا ...إقترب منه مازن ليسمعه يهمس بضعف :
_ متسبينيش .
إبتعد ليسأل أدهم بإهتمام :
_ فهمت حاجة ، ياعني هو عاوز حاجه ؟
_ لا هو بيهمس بإسم بنته .
_ عقله الباطن صورله صورة بنته ياعني أكتر حد بيخاف عليه علشان يتمسك بالحياة ، ضغطه هيبدأ يبقى طبيعي إن شاء الله.
نظر مازن له بحزن وتمتم داخله :
_ ليه عملت في نفسك كده ؟
............
في ألمانيا
إنتهى من إرتداء ملابسه وخرج ليجد رفيق دربه منذ سنوات يحمل الهاتف مغمض العينين ، فإقترب قائلا بمزاح :
_ ياعيني على الجميل لما تبهدله الأيام .
فتح عينيه ونظر له بإبتسامة :
_ بقى دي جملة دكتور جامعي محترم .. لأ وعايش في ألمانيا .
_ قول إنك بتتكسف يا عم الحبيب .
_ والله وليك يوم يا مؤنس .
ضحك مؤنس وجلس بجانبه وأخذ الهاتف ومسح الصورة التي ظهرت له قائلا :
_ أنا عاوز أفهم بس إنت كنت مصورها كام صورة ، دي عاشر صورة أمسحها .
إرتمى فوق الأريكة يستلقى قائلا بهيام :
_ دي أخر واحدة ، كنت بصورها من غير ما أحس ، كنت أحب أشوفها قبل ما أنام علشان أحلم حلم جميل .
_ الله ..الله ، بس ده ميمنعش إن كده غلط وحرام يا نائل .
إعتدل نائل في جلسته وأردف بحزن :
_تفتكر إتجوزت ؟
_ والله أنا سألت عبد الرحمن من يومين كده وهو إستغرب لدرجة إنه فكر إني عاوز أتجوزها.
وقف نائل مصدوما ليردف مؤنس بهدوء :
_ تفتكر لو أنا كنت حاسس بأي شيء من ناحيتها كنت هسيبك تتمناها ؟
_ بس خلينا نقول الحق ، كفتك تكسب يا دكتور .
وقف متجها له محتضنا إياه قائلا بحنان :
_ متقولش كده يا حبيبي ، نائل أنت بقيت أخويا ، صحيح دي حاجه محدش يصدقها بس ما بعد العدواة إلا محبة ، قيمتك من قيمتي ، وقوتي من قوتك ،
وبعدين هو إحنا بطاطس يا نائل كفة إيه وميزان إيه بس ، ضيعت بريستيچي .
ضحك نائل وبادله الإحتضان قائلا :
_ أنت نعمة ربنا أنعمها عليا .
................
_الحمد لله على السلامة يا باشا .
إعتدل صالح في جلسته يشعر بألم يطفو جسده إثر السقوط ، ليسترسل أحمد:
_ لو مكنتش فوقت كان عبد الرحمن قدم إستقالته من الطب ، تعب ياعيني لما أقنع جاسر إنه دكتور وهيقدر يفوقك .
نظر صالح لجاسر الذي نظر له بألم مردفا:
_ ليه عملت كده ؟
_ إيه الغباء ده ياعني هو قال أنا فاضي لما ألعب لعبة الإغماء ، في إيه يا جاسر أغمى عليه قضاء وقدر المهم إنه بقى كويس .
نظر مازن لطارق وتشدق :
_ مش عارف ليه حاسس إننا في يوم هننقض نخلص عليك ونرتاح من لسانك .
_ أنت إل بتسأل السؤال ده ؟
أردف بها بما يستطيع من قوة ليرحل جاسر من أمامهم وهو يشعر بالنيران تتآكله .
ساعده مازن وأوصله للمنزل ورحل كلا منهم بعد ما عداه هو ...تمدد ونظر للسماء متمتما :
_ يا تري عندي إل أعيش علشانه .
.................
بعد المساء....يأتي الصباح
وبعد الظلام ...يشرق النور
وبعد الجفاء.....يٓروي اللقاء .
إجتمعوا ليبدؤا تلك المسيرة لبلد تٓبعد عنهم ساعة ونصف .
أربع سيارات إنطلقت لوجهتهم .
منهم من قضى تلك الفترة مرحا ومن كان صامتا ..ومن كان مهموما وحزينا .
في سيارة أدهم
_ ما خلاص بقى يا أسيل ممكن يكون حاجة مهمة فعلا .
_يا چوري أنا مبسألوش رايح فين وبتعمل ايه وبقول طالما واثقة فيه خلاص ، لكن أنا كان نفسي ييجي معايا النهاردة ، ده يوم مميز في حياتنا .
_ أنا أجازة من النكد لمدة تلت شهور يا چوري زي ما إتفقنا .
ضحكت چوري ليتساءل أدهم بتعجب :
_ بقى چوري وندى يطلعوا عينكم كده ؟
ضحكت أسيل قائلة بمزاح :
_ مش بيقولوا إحترس من كل ما هو قريب من الأرض.
لكمتها چوري قائلة :
_ هو أنتي علشان فِرِعة هتتريقي علينا .
_ لأ والحمل مخليها زي الكورة يا أسيل إل هو تتمسك منين مش عارف .
لم تستطع تمالك نفسها وظلت تضحك لتصرخ چورية بغيظ .
أما في سيارة صالح .
_ متأكدة يا ندى إن مازن مش هيعمل مشكلة لما يعرف إنك خرجتي من غير إذنه ؟
_ يا سهر مازن مش مهتم بحاجة ، وبعدين الكلام كان قدامه كان يقول إنه رافض يقدم لمحمد لكن هو محاولش حتى يسألني إن كنت حابة أقدمله ولا لأ.
كانا يتحدثان بينما صالح يقود في هدوء قطعه رنين هاتفه للمرة التي لا يعلم عددها من تلك الخطيبة ، فما كان منه سوى أن ذرف أنفاسه بحنق ولم يجب .
في سيارة عبد الرحمن
_ حبيبي إنت مضايق علشان هنقدم للولاد ، أصلك ساكت من أول ما إتحركنا ؟
_ لا يا حبيبتي مش مضايق بالعكس دي خطوة كويسة هتنفعهم يبقوا إجتماعيين وتنفعك علشان لما الباشا يشرف بالسلامة.
تلمست جوفها بإبتسامة قائلة بدلال :
_ الباشا ... ياعني إنت عاوز ولد كمان ؟
نظر لها سريعا ثم أعاد نظره للطريق قائلا :
_ ولد أو بنت المهم صحته ، وبعدين يا حبيبتي لو جه ولد المرة الجاية تبقى بنت .
نظر لها ليجدها تناظره بصدمة قائلة :
_ طب إستنى لما أولد وأنسى وجع الحمل والولادة وإبقى قول كده .
أدار رأسه سريعا ليجد ولداه يلعبان سويا فقال بتمني :
_ نفسي يبقى عندي أولاد كتير يبقوا عزوة وسند لبعض .
_ إن شاء الله يا حبيبي أنا كنت عاوزة أكلمك في موضوع مأجلاه.
ظهر الإرتباك على وجهها ليردف بإبتسامة :
_ من غير ما تتكلمي يا سلمى أنا فاهم إنتي عاوزة إيه ؟
نظرت له بخجل ليسترسل :
_ حبيبتي متتكسفش مني أبدا .
وفي السيارة الرابعة يقودها طارق متقدما حتى يتبعونه .
وصلوا أخيرا لوجهتهم .
كانت البناية رائعة بألوان مبهجة ، أصوات موسيقى وأغاني الأطفال تصدر من الداخل .
هبط الجميع فوجدوا ريهام وشقيقتها ينتظرونهم .
_ الله هو القمر بيطلع بالنهار.
صفعه صالح على رأسه عندما وجد ريهام تنظر له بفزع خجلة من حديثه ذاك أمامه لتقول شروق شقيقتها :
_ والله يا طارق أنا مستنية بس أشوفك بعد الجواز بشهر .
ضحك الجميع ليقول بتذمر :
_ مش هشمتكم فيا أبدا ...وأنا وريري هنفضل عصافير الحب ، بدل ما تغيروا مننا إعملوا زينا .
_ لااا أنا مش هقف أكتر من كده أنا هدخل جوة .
قالتها بخجل ورحلت تنتظرهم بجانب البوابة الرئيسية .
_ عيب يا بني متكسفهاش قدامنا .
_ بقولك إيه يا أحمد بلاش إنت يا حبيبي إنت عندك خمسة وتلاتين سنة منهم عشرين سنة أسير في الحب ياعني ممكن تطلع براءة بحسن السير والسلوك .
هرولت چورية ووقفت بجانب ريهام ليقول عبد الرحمن بتعجب:
_ لسانك ده مصنوع من إيه مش عارف.
إقتربوا من البوابة الرئيسية لتتساءل سلمى :
_ الصوت عالي جدا
_ أه أصل في حفلة عيد ميلاد النهاردة والحفلة في الجنينة ، هما أصلا مش بيستقبلوا أولياء أمور في التوقيت ده ، صح النهاردة يوم الإجتماع بس لسه ساعة ونص كده ، لكن أنا قولتلهم إنكم جايين من سفر والحقيقة أستاذة نور شخصية محترمة جدا وبتحب الأطفال بشكل كبير وبتتعامل معاهم معاملة الأم فمتقلقوش خالص هتحسوا بفرق كبير في تصرفات الولاد للأفضل طبعا .
_معلهش يا أدهم هو متعلق بيك ومش راضي يخليني أشيله .
_ متشغليش بالك أنتي ده حبيب عمه .
دلف الجميع للداخل ووقفوا بعد عدة خطوات يشاهدون ذلك الإحتفال .
_ أستاذة نور هي إل لابسه قناع بطوط .
أشارت شروق نحوها قبل أن تنسحب من بينهم لتجيب على هاتفها
نظروا لتلك المرأة ليجدوها تلعب وتلهو مع الأطفال في حركات راقصة إستعراضية
_الله شكلهم حلو عاوزة أروح ألعب معاهم .
_ تروحي فين يا حبيبتي علشان تولدي وإنتي واقفة .
_ عندها حق يا أحمد الأطفال ما شاء الله شكلهم مبهج جدا وواضح متعلقين بيها أوي ، شايف يا عبد الرحمن الولاد كلهم مبسوطين يظهر كده ده المكان المناسب فعلا .
_ حكمتوا على المكان علشان شوية رقص وأغاني أطفال ، ما طبيعي أي طفل في جو زي ده ينبسط .
_ لا يا أستاذ صالح المكان هنا مميز جدا فعلا ، الأطفال إل بيبقى عندها ميول للتوحد حياتهم بتتغير خالص ، كان مهند إبن شروق كده دلوقتي بقى إجتماعي جدا ده غير إنه مكنش بيتكلم خالص دلوقتي بنسكته ، هو بقاله سنة ونص هنا فرقوا جدا معاه .
_ شوفوا الولاد
أشارت ندى على أطفال دمنهور اللذين تحمسوا وظلوا يلهون أمامهم .
إنتهت الأغنية ليصفق جميع الأطفال بمرح .
لحظة...والأخرى ...ووقفوا في حالة من الصدمة .
لم يحتمل سقط فوق ركبتاه ...خار جسده ...إشتعلت روحه بنار مقتدة .
ساعده أحمد على الوقوف وهو مازال ينظر أمامه غير مصدقا.
بعد إنتهائها من الرقصة برفقة الأطفال نزعت القناع وضحكاتها منتثرة كعبير فاح عطره في المكان .
كانت ضحكات رائعة ...ضحكات مستنيرة خاصتها لهؤلاء ملائكة الأرض .
بعد أن أشارت للأطفال بالوقوف في مكان معين نزعت القناع وإستدارت كليا مستجيبة لمن تحادثها ولم تكن سوى شروق :
_ أستاذة نور أولياء الأمور إل كلمتك عليهم .
تجمدت ضحكتها .....لم تستطع حتى أن تحرك عينيها ..أرادت إغلاقهم عل هذا مجرد حلم ولكن لم تستطع .
_ أنا عاوز أعرف التورتة دي عملتيها إزاي ؟
قالها ضاحكا وهو يحمل قالب الحلوى الخاص بالإحتفال والمكون من أربع طوابق .
_ دي قدرات يا حبيبي ، لما تكبر أبقى أعلمك .
كانت تتحدث بضحك ومرح حاملة بيدها العديد من العصائر المعلبة ، توقفت فجأة قبل أن تصطدم به قائلا بحنق :
_ كده يا جاسر كنت هقع .
لم يجيبها بل عيناه تجمدت على عائلته الواقفة أمامه ...تحديدا يتابع دموع زوجته فوق خديها .
إستطاع قراءة همسها :
_ هو ده المشوار المهم .
لا يعلم إن كان بالفعل قرؤه أم هذا ما شعر به .
نظرت لما ينظر لتسقط تلك المشروبات من يدها .
_ هما مالهم يا طارق واقفين كده ليه ؟
نظر لها مردفا بآسى:
_ مكتوبلك بيت الطاعة يا ريري .
_ بما إن ليا هدوم إحتياطي هنا أخدت قميص أسود منهم ينفع مع لبس باتمان إيه رأيكم ...مالكم واقفين كده ليه ؟
نظر هو الأخر لما ينظرون إليه ..لم تقل صدمته عنهم .
أخيرا إستطاعت أن تحيد بنظرها عنهم أو لنكن أكثر دقة عنه .
عندما شعرت بأيادي صغيرة تحثها على إستكمال الإحتفال .
نظرت لمازن بعيون جاحطة فإقترب منها هامسا:
_ متقلقيش .
ما زال الجميع واقفا يتبادلون النظرات .
إبتعد جاسر عدة خطوات ووضع قالب الحلوى فوق إحدى الطاولات وأردف بصوت عالٍ مصطنع المرح :
_ يالا كلنا نروح نلعب جوة وأستاذة تقى هتجيبلكم الجاتوه والعصير .
كان الحال لديهم كأنهم يقفون فوق جمر من النار .
إقترب مازن من زوجته التي تناظره بنظرات قاتلة هامسا بحدة وهو يحمل طفله :
_ حسابنا بعدين يا هانم .
أمسك بإبن جاسر باليد الأخرى بينما سهر قد تركت الصغيرة التي ظلت تتململ منذ رؤيتها سدرة التي استقبلتها بذراعيها تضمها لأحضانها بحنان وإشتياق ....وبكاء .
تحولت الأنظار إليهم من يرهم يظن أنهن أم وإبنتها ...وهما كذلك فالأم من تربي وتعتني .
كانت شهقات سدرة تعبر عن مدى تعلقها بالصغيرة .
بينما هي كانت تنظر لهذين الصغيرين .
بعيون دامعة .
أمسك عبد الرحمن طفليه وتقدم نحوها وقلبه يرتجف ...ولكن تلك المرة من السعادة .
جلست لمستواهم وإبتسمت بسعادة وهي ترى وجه التشابه الكبير بينهم وبين والدها .
رفعت نظرها لشقيقها وهمست بتأثر :
_ ربنا يخليهوملك .
جذبها عبد الرحمن لأحضانه وأطلق العنان لدموعه ، بينما هي أغلقت عينها مقاومة لذلك الشعور ...لن تشعر بالضعف ...لن تستسلم للإشتياق .
شعر بأنها لم ترفع يدها نحوه فإبتعد قليلا متسائلا :
_ ليه بعدتي ...ليه فرقتينا عن بعض .
_ طارق هو إبن عمك إتجنن ، هي أه زي القمر بس مش لدرجة إنه يروح يحضنها وقدام مراته كمان .
نظر لها بسخط وأجابها :
_ دي حور .
_ حور مين ؟
نظر لها لتردف لصدمة:
_ بتهزر صح .
أبعدت حور نفسها عن شقيقها الذي أزال دموعه بصدمة من جفائها .
إقتربت من سدرة مبتسمة لها قائلة :
_ خدى الولاد يلعبوا .
تنفست عدة مرات قبل أن تستدير إليهم قائلة بجفاء شعر به الجميع :
_ لو لسه هتقدموا لولادكم إتفضلوا في المكتب نتكلم .
تقدمت بإتجاه مكتبها مارة بهم .
_ هو أنا صاحية ودي حقيقة ..هي حور كانت قدامنا دلوقتي ؟
_ والله العظيم يا سلمى أنا مش قادرة أرمش لتختفي من قدامنا .
كانت حالتهما حال أخر ...صراع قلبيهما من أجل النضال للبقاء أحياء .
نظر صالح لأدهم بإشفاق ...فهو يعلم ما يشعر به في تلك اللحظة بالذات ...فهو أدرى الناس الآن بمعنى الإشتياق ولوعة الفراق .
_ خلينا ندخل نشوف الحكاية إيه ؟
قالتها ندى بغضب وتقدمت لتدلف من نفس الباب الذي دلفت منه حور لتتبعها الفتيات .
بينما وقف عبد الرحمن أمام جاسر ومازن قائلا بعتاب :
_ لما أنتوا عارفين طريقها ليه مقولتوش ؟
_ إسمع يا عبد الرحمن حور طلبت مننا محدش يعرف طريقها وإحنا كان لازم ننفذ إل هي عاوزاه وإلا كان ممكن تختفي ومنعرفش طريقها .
_أنا همشي يا أدهم هتيجي معايا .
أردف بها صالح لينظر له أدهم بضياع متسائلا بهمس :
_ هي حور صح ؟
إقترب جاسر منهم قائلا :
_ يالا ندخل جوة يا جماعة .
دلفوا جميعا ليجدوا الفتيات واقفات أمام باب لغرفة ما .
_ واقفين كده ليه ؟
_ بعتذر لحضراتكم ...الأستاذة نور كانت بتجهز ورق التقديمات .. إتفضلوا
قالتها تلك الفتاة التي منعتهم سابقا من الدلوف .
_ أستاذة عبير ...سدرة في الجنينة عند الألعاب ، روحي وخليكي مع الأطفال .
_ حاضر يا أستاذ مازن .
نظرت له ندى بسخط قبل أن تدلف هي الأخرى للغرفة .
_ إتفضلوا إقعدوا ...الورق ده تقدروا تقرؤه كويس لو حابين تقدوا لولادكم مافيش مشكلة ، لو إتراجعتم تمام برده مافيش مشكلة .
كانت تتحدث بآلية مرعبة .
أعطتهم الورق دون النظر لهم ليس ضعف وإنما ألماً .
_ ياعني غيرتي إسمك علشان كده مقدرتش أوصل لمكانك .
_ لو سمحت الكلام هنا يخص الأطفال والحضانة وبس .
_ حور إنتي......
_ إسمي نور ...أعتقد بتشبهوا عليا ، لكن مافيش حد هنا إسمه حور .
صدم عبد الرحمن حاله كحال الجميع ، أما هو ...فلا ...لم يكن مصدوما بل كان ملتاعا ...كان يتابع رجفة يدها بقلب مشتاق لإحتضانها ...لو يقترب منها الآن يأخذها في أحضانه ، يطوق تلك الكفوف المرتجفة بكفيه ، لو يقترب من تلك العينين اللتان تنظران في كافة الإتجاهات ماعداه هو ويتشبع من نظراتهم والنظر إليهم وتقبيلهم .
لو يُبعد كل تلك الأعين المحدقة بها ويخبئها داخله .
_ ياعني عاوزة تفهمينا إننا المفروض نتعامل عادي ، غيرتي إسمك وبتكلمينا كأننا ناس غريبة عنك ، والمفروض نفضل في اللعبة دي لغاية إمتى بقى حضرتك .
كانت تتحدث بسخرية ليقترب منها ممسكا بذراعها متحدثا بغضب فهو لم يعد يحتمل غطرستها تلك :
_ إنتي تسكتي أحسن ليكي فاهمة ، بتخرجي من غير إذني وبتقرري تقدمي لإبني في حضانة برده من غير إذني وليك عين تتكلمي .
كانت جاحطة تنظر له بعدم تصديق أهي المذنبة الآن .
_ مازن ....مينفعش كده .
ضحكت بغير مرح لا تصدق ما يحدث ، الآن زوجها ترك ذراعها بعد أن كاد يقتلعه لمجرد أنها نهته عن فعل ذلك .
إقتربت سلمى من مقعدها وأمسكت بيدها ووضعتها فوق جوفها قائلة :
_ طب وولاد أخوكي ، وبابا هان عليكي .
شعرت بحركة جنين تحت كفها لتبتسم متشدقة بصوت مبحوح :
_ ربنا يقومك بالسلامة.
_ عمو وليد تعبان أوي يا حور .
نظرت لچورية ثم لجاسر الذي أردف بحذر :
_ مقدرناش نقولك ، كانت الظروف متسمحش .
فتح الباب ببعض العنف ودلفت سدرة وعلى وجهها علامات الغضب ثم جلست بجوار جاسر الذي همس بالقرب من أذنها:
_ في إيه ...مالك ؟
لم تجيبه بل بقيت صامتة تنظر أمامها بشرود ....كانت عيناها بالتحديد فوق كفه الأيمن الذي يزين إصبعه حلقة دائرية ..
_حور إحنا أهل .. صحيح إنتي وأدهم إنفصلتم لكن عندك إخواتك وولاد أعمامك وعماتك ، مش كل إتنين بيطلقوا بيبعدوا عن أهلهم ، ليه مترجعيش تعيشي في البيت الكبير تاني .
_ الواد طارق أول مرة يقول حاجة صح .
همس بها مازن لجاسر الذي كان ينظر لزوجته والحزن الكاسي وجهها .
_ إسمعيني يا حور أنا ميهمنيش تغيير إسمك والكلام ده كله ، إنتي أختي وإذا كنتي بعدتي علشان أعصابك تهدى وترتاحي فآن الآوان ترجعي ، وإذا كان عالبيت فأنا ناوي أشتري بيت أتنقل فيه أنا وسلمى والولاد وإنتي تعيشي معانا .
_أيوة طبعا تعيشي معانا ..
_لو سمحتوا يا جماعة أنا حياتي مستقرة ، إذا كنتم ظهرتم قدامي تاني صدفة ، فقداننا حل من إتنين يا نتظاهر إن الصدفة دي محصلتش ، يتنسوني نهائي ، ياعني من الأخر أنا مش عاوزاكم ولا عاوزة حد في حياتي ، إبعدوا عني .
وقفت منتوية الخروج لتتفاجأ بأحمد يمسك ذراعها قائلا :
_ خالك كان هيموت من حزنه عليكي .
شهقت بفزع ونظرت لعبد الرحمن الذي قال :
_ حصله إنسداد شرايين ، هو الحمد لله بقى أحسن لكن عايش على أمل إنه يشوفك تاني .
_إسمعي يا حور أنتي ليكي الحرية تعيشي حياتك بالشكل إل تختاريه ، وفعلا واضح إن حياتك إستقرت هنا ، ومحدش أيا كان مين له الحق في إنه يهد إستقرارك ده ، لكن برده الدم ليه حق عليكي عمو وليد لو مات من غير ما يشوفك ويطمن عليكي هتقدري تسامحي نفسك .
أردف بها صالح وهو يجاهد ألم قلبه من رؤيتها بجانب آخر غيره
إن كانت حور السابقة ورغم جمودها وإتزانها كانت بكت وضعفت في تلك اللحظة ...ولكن حور الجديدة التي أمامهم لم تهتز ...لم ترمش بعينها حتى ...بل تحدثت بجمود وقسوة :
_ أعتقد وقتكم خلص والمقابلة إنتهت ، سدرة جهزي الأولاد لأهاليهم .
نظرت لها سدرة قائلة بتوتر :
_ بلاش أنا ...أصل ... ياعني أقصد .
_ خلاص أنا هروح أجيبهم .
_ لأ...إنت بالذات لأ .
نظر لها الجميع بتعجب لتتحول نظراته لغضب قبل أن يرحل مهرولا لتصرخ قائلة :
_ بسرعة يا مازن إلحقه .
هرول مازن خلف جاسر ، ومن خلفه حور بعد أن إستنبطت ما يحدث .
وقف الجميع ينظرون لبعضهم بتعجب وكأنهم داخل مغارة سحرية .
في البداية وجدوا الأميرة الضائعة
ثم أخذتهم المتاهة لثلاث بيادق وراء كلا منهم سرا للوصول إلى سر تلك المغارة .
كانت حقا ترتجف ...تنظر إلى الباب برعب جلي ، ظل يتابعها وهو يشعر بالحنق
_ هو إحنا فعلا هنمشي ونسيبها يا جماعة ؟
تساءلت سلمى بحيرة لتجيبها چورية:
_ مستحيل يا سلمى ، أنا مش همشي من هنا غير لما ترجع معانا ..أدهم هو أنت ليه متكلمتش ؟
_ عاوزاه يقول إيه ؟ هو وقف حياته بسببها وهي شافت حياتها ، حياة جديدة بإسم جديد ومشروع وواضح إن حتى بقى في رجل جديد .
لم يعلق أدهم عما قالته ندى ...بل إقترب من سدرة وسألها بإهتمام :
_ هو في مشكلة يا سدرة ؟
نظرت له ثم إلتحمت عيناها بعيناه المظلمة ...لم تستطع أن تنظر لأدهم فعيناها غرقت بخاصته ... ماذا لو هرولت وإرتمت بأحضانه الآن ؟... ماذا لو طوقها بذراعيه يشعرها بالآمان والإستقرار الذي تتمناه دائما ولم تجده سوى في كنفه .
إنتفضت من مكانها وهم أيضا وصرخت سلمى بفزع عندما إستمعا لصوت طلقات نارية .
إنطلقوا للخارج بعدما هرولت هي ولكن ليس لأحضانه كما كانت تتمنى منذ قليل بل للخارج وهي تصرخ بفزع :
_ جاسر .