رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم رانيا عثمان البستاني


 رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الواحد والعشرون

سباق الخيل ....أكذوبة فكل فرس لها خيال يستطيع أن يجتاز معها عنان السماء .

وصلوا للحديقة ليروا ما يحدث .

كان الأمر كالتالي .

حور واقفة مشهرة سلاح لأعلى ويبدو أنها من أطلقت الرصاصة .

وجاسر وأحد ما ساقطان أرضا .

أتى مازن من الداخل صارخا بغضب :

_ الأطفال كانت مرعوبة ذنبهم إيه في جنانكم ده ؟

وضعت حور سلاحها بخصرها فهي لا تبعده عنها ، وقالت بغضب :

_ أستاذ سليم إتفضل إطلع بره وده أخر تحذير ليك .

نهض جاسر والمدعو سليم .

إقترب صالح عدة خطوات يتأكد من شكوكه فهو قد رأى هذا الرجل من قبل ولكن أين ..؟ 

_ أنا كل إل عاوزه فرصة واحدة بس ، مش طالب أكتر من كده ؟

نظر له جاسر بحنق مردفا بسخرية:

_ هو أنت عقلك تعبان ولا حاجة وصعب تفهم الكلام .

نظر حوله فلم يجدها ...الآن تأكدت شكوكه يبدوا أن ذلك الخلاف يخصها هي .

إنقبض قلبه وكور يده بغضب .

_ إسمعوا أنا أقدر أقفلكم المكان ده .

_ متقدرش ...إسمعني إنت بقى أنا لو قتلتك دلوقتي حالا مش هاخد فيك يوم سجن لأنك بتتعدى علينا وعلى أملاكي .

صعقوا مما تقوله ألتلك الدرجة تغيرت وأصبحت قاسية في حديثها. 

إقترب أحمد وعبد الرحمن ووقفا بجانبها ثم أشار أحمد للمدعو سليم قائلا بفظاظة :

_ ياعني واقف ببدلتك الرسمية تهدد في الناس وتتسبب في تخويفهم وفاهم إن الموضوع هيعدي ، بتستخدم سلطتك لمصالحك الشخصية يا حضرة الظابط .

أدي سليم التحية العسكرية لاعنا حظه فهو تعرف على أحمد الذي يكون رئيسه في العمل بعد أن تمت ترقيته منذ عدة شهور .

إقترب خطوتان قائلا :

_ حضرتك مش فاهم المشكلة ، الأستاذ 

ده تعدى عليا بالضرب مرتين قبل كده ، وأنا إحتراما للأستاذة نور كنت بسكت لكن المرة دي تعدى كافة حدوده .

نظر أحمد لجاسر الذي أردف بتهكم :

_ المفروض أسيبك تتعدى حدودك إنت مع سدرة وأقف عادي صح ؟

هنا ...وقد لمعت ذاكرته ، إنه نفس الشخص الذي رأه يجلس ويحادثها يوم علم بأنها تجعل الصغيرة تلتقي بوالدتها وقد قالت له أنه يستفسر عن سبب رفضها له .

شعر بالغضب يتفاقم بداخله ..كان يود أن يكسر لهذين الأبلهين أنفهما ..يود أن يصرخ بهم معلنا ملكيته لها ..هي له وحده .

شعر بقلبه يهدر كليلة أمس ...كانت أنفاسه مضطربة ...شعر أنه سيفقد الوعي في أي لحظة .

إنسحب من بينهم وتوجه لتلك الحديقة الخلفية ليأتي بإبنته ويرحل .


ألا يكفي ما حدث اليوم .... تشعر بالدوار ....تريد أن ينتهي اليوم ...تريد أن تستدير لتراه ..لأخر مرة قبل أن يختفي من حياتها مرة أخرى.


_ خلاص يا أحمد ، شوف يا أستاذ سليم إنت عرضت عليها الموضوع قبل كده أكتر من مرة وهي رفضت .

_ أنا عاوز فرصة أخيرة .

نظرت له بإستياء من إصراره وأردفت بحنق :

_ فرصة إزاي وهي مخطوبة .

توقفت قدماه عندما إستمع لحور تعلن خطوبتها ...كان يقف في مفترق طرق ظهره لهذا التجمع وعينيه مسلطة على تلك الجالسة فوق إحدى الألعاب الخاصة بالأطفال ترتعش يدها بشكل ملحوظ .

فهي إلى الآن لم تتخطى إضطرابها عندما ظنت أن مكروها أصاب أحد بسببها .

_ مخطوبة .... أنا مش شايف أي دبلة في إيدها وده إل شجعني أتكلم معاها ، ولما قابلتها قبل كده وسألتها عن سبب الرفض قالت كل شيء نصيب ، وكنت ناوي فعلا أبعد عنها لكن لما شوفتها النهاردة مقدرتش قولت أطلب منها فرصة تانية نتكلم فيها تعرفني يمكن توافق ، لكن هي رفضت تتكلم حتى ، ممكن أعرف مخطوبة لمين ؟

_ وده يفرق معاك ولا أنا مش مالي عينك .

شهقة أسيل بصدمة ...نظر لها يسب نفسه فهو قد نسي وجودها .

إقتربت چورية منها تحتضن إياها بينما ندى كالعادة تحدثت بتهور :

_ وبكده عرفنا مين نصيب الأستاذ مازن إل طابخاله الأرانب .

كانت الأجواء متوترة للغاية ....الكل ينظر لبعضهم البعض بترقب .

................

إقترب ووقف أمامها لتشعر به فرفعت عيناها تنظر له بعتاب ، قائلة بصوت جاهدت أن يبدو طبيعيا متناسية ما يحدث حولها وكأن عقلها توقف عند إصبعه المزين بحلقة أخرى غيرها :

_ مبروك ، عقبال الفرح .

رفع عيناه ينظر أمامه ..لحظة ولمعت عيناه بفكرة عندما رأى تلك الشجرة الكبيرة في أخر الحديقة .ثم نظر لها وقد أبعدت عينها عنه عندما تجاهل حديثها .

تفاجأت به يمسك ذراعها بقوة جاذبا إياها ....يسرع في خطواته .

فاجئها دون حديث ...أرادت أن تسأله عما يفعله ...أن تنهره ...أن تبعده .

ولكن ضعفها لوجوده أهلكها .

إستدار حول تلك الشجرة العملاقة وصدمها بها بينما هو وقف قبالتها ينظر لها بحدة مردفا من بين أسنانه :

_ قولي كل إل حصل بالتفصيل وإياكي تعدي كلمة واحدة أو تكدبي .

كانت تتشبع من رؤيته ولم ترى غضبه أو تفهم حدته في الحديث ، ترى أمامها عينيه التي أذابت قلبها بنظراتها ، صوته الذي أدفأ قلبها ،كانت فقط تنظر له بإشتياق واضح لم يغب عنه وهذا ما دفعه للجنون .

كيف تنظر له هكذا وهي على علاقة بأخر ؟ 

كيف يشعر بها هكذا ولا يستطيع التحكم بمشاعره وذاته ...كيف هذا ؟

ما تلك النظرة المُهلكة ؟

أنفاسها يستشعر دفئهم رغم المسافة بينهم ..... جسدها سكن وكانت يدها ترتجف منذ قليل .

كيف يصرخ بها وعيناها تحيطه بتلك النظرة القاتلة .

إقترب خطوة وقال بصوت ضعيف :

_ إنتي عاوزة تجننيني صح ؟ 

شهقت بألم فهي إشتاقت له كثيراً ، إشتاقت لأحاديثه المجنونة تلك ، كانت شهقاتها تزداد ألما يعبر عن ألم يتليه ألم ، كيف صدقته وغدر بها ؟

لماذا تشعر أنها المذنبة وليس هو ؟ ولكن مذنبة في حقه وليس لأنها أمنت بأنها تخصه وحده .

حركت رأسها تنفي ما قاله وتركت العنان لدموعها مردفة:

_ أنا ...أنا خايفة .

_ يا الله ...يا الله يا ولي الصابرين صبرني وقويني .

كانت تلك هي جملته أو لنقل دعوته مغمض العينين مرتجف القلب .

سمعها تسترسل بصوت أكثر هدوءا :

_ ممكن تفضل هنا لغاية ما سليم ده يمشي .

فتح عينيه على مصرعيهما وينظر لها بمشاعر مضطربة .

ماذا فعل لها المدعو سليم لتخاف هكذا ؟

هل هي الآن تستنجد به ؟

إن كانت لغيره لما تطلب الحماية منه هو ؟

لماذا تستنجد به هو...لما ؟

_ ليه ؟

نطق لسانه بما يعتري قلبه لتنظر للبعيد مبعدة عينها بقوة عن عينيه حتى تستطع الحديث فهي قد تنسى كل شيء وتصرخ ملتاعة تعاتبه على جفائه وبعده قائلة :

_ لأني عاوزة أطمن ...أنا عارفة إنك مش مجبر على تنفيذ طلبي ده ، لكن إفتكر ليا أي حاجه كويسة عملتها وأرجوك بلاش تمشي دلوقتي وتسيبني لوحدي ، أنا بطمن معاك .


أهي مجنونة أم ماذا ؟

أتظن بعقلها الصغير هذا أنه سيتركها ويرحل بعد أن إستنجدت به وطلبت حمايته ؟

رفعته لسابع سماء بلجوءها إليه وحده وأشعرته أنه الرجل الوحيد في العالم من حولها وتخشى أن يرفض ويبتعد .

أهي حقا لا تعلم قوة المشاعر التي تتدفق داخله الآن بسببها .

إقترب أكثر هامسا بالقرب من أذنها بصوت دافيء :

_ عارفة أنتي بتعملي فيا إيه دلوقتي ؟

إنتي مش فاهمة معنى إنك تستقوي بوجودي ، وإنك تطمني معايا ، إنتي ليه بتعملي كده ؟

أغمضت عيناها تستشعر أنفاسه بقلب يخشى ذنب تقترفه بضعف .. إستسلامها لشعورها ذاك ذنب .

إنتظر أن تتحدث ولكن لم تفعل كما توقع .

أبعد نفسه وإستند على الجدار من خلفه وبصوت أكثر جدية تساءل :

_ عملك إيه ؟ ...كل حاجة حصلت يا سدرة وإلا ورب العزة أتغابى عليكي .

كان لتهديده لها وقع خاص أطرب قلبها بدل من أن يفزعه ، فإبتسمت دون قصد منها إبتسامة سلبت المتبقي من عقله فأردف في جدية مصطنعة :

_ مستنيكي تتكلمي .

إرتبكت وتوترت من تحديقه ولكنها شرعت في التحدث .

_ أول مرة شوفته لما كنت واخدة نور للدكتور ، بيته قصاد عياد الدكتور ، بعد ما خلصنا كشف دخلت السوبر ماركت أشتري لنور شوية حاجات كان...كان في شابين بي...أقصد ياعني إنهم كانوا ....

_ بيعاكسوكي .

قالها بحدة جعلتها تنتفض وتومأ له مستكملة دون النظر له فهي تخشى رؤية عينيه الآن لا تعلم لما تشعر أنها ستهلك إن رأتهم :

_ هو إتخانق معاهم وأنا مشيت لكن إفتكرت إني نسيت الموبايل وأنا بدفع تمن الحاجة رجعت تاني أدور عليه ، لقيته واقف قدام المحل وفي إيده موبايلي .

تنفست بقوة ثم أردفت بخوف :

_ أنا ... بصراحه اليوم إل كنت أخده أجازة علشان أزور أهلي كنت بكون هنا ، أنا ماليش أهل غير حور ، يومها جيت على هنا بس إتفاجئت بيه هنا تاني يوم وعرفت إن ليه إبن أخ هنا .

كل مرة أكون فيها هنا أتفاجيء بوجوده ، كان بيحاول يتكلم معايا كتير لكن أنا كنت بصده والله لغاية ما في يوم إتفاجئت إنه بيقولي إنه ياعني بيحبني .

جن جنونه وإقترب منها على حين غرة ممسكا ذراعها بقوة ناظرا لها بجنون متسائلا وهو ينظر بداخل عينيها بقوة :

_ وإنتي ؟ هو بيحبك وإنتي ؟

صدمت من حدته وأصابعه التي ستخترق ذراعها وأردفت بوجع :

_ أنا مشيت وسيبته واقف والله ، أنا أصلا خوفت منه ، أنا بخاف من كل الرجالة بخاف والله من أي حد ...إلا أنت .

أرخي يده ونظر لدموعها بألم وهو يستمع لحديثها الذي مزقه :

_ بس إنت غدرت بيا ...قولتلك بلاش تطمني اوي وبعدين تصدمني .. قولتلك بلاش أبطل خوف علمتني أبدأ أرتاح وأطمن ، كنت سيبتني خايفة وقافلة على نفسي . 

عاد لوقفته مستند على الجدار وتحدث بصوت خاوي :

_ كملي ، بعد ما سيبتيه ومشيتي .

رفعت عيناها تنظر له بسخرية من نفسها ولكنها لا تعلم لما مازالت تحادثه وتخبره بما حدث .

_ بعدها بكام يوم لقيت حور بتكلمني وتقولي إنه طلب إيدي من مازن .

أنا رفضت ، أنا فكرة الإرتباط دي كان مستحيل أفكر فيها ، وياريتني فضلت كده ، إلا أنا ......

توقفت عن الحديث لبضع ثوان ثم إسترسلت :

_ يوم كنت راجعة متأخر ، المواصلات كانت قليلة وإتأخرت وهو قابلني وكان رايح البلد لشغله ، أنا كان معايا نور خفت عليها من البرد وإضطريت أوافق إني أركب معاه .

_ إضطريتي إيه ....سمعيني كده تاني ؟

كانت نبرته الآن حقا مخيفة رجف قلبها وحاولت أن تهرب من أمامه إلا أنه جذبها بقوة من ذراعها وهدر بعنف :

_ قولتلك قبل كده لما أكون بكلمك أوعي تسيبيني وتمشي ...فاهمة .

صرخ بقوة جعلتها ترفع يدها تضربه بحنق وغضب منه .

كانت لضرباتها فوق صدره صدى من نوع خاص .

بعد أن شعر بأن حدة يدها ضعفت أمسك كفيها ورفعهما لفمه مقبلا إياهم بحنان أهلك قواها فسقطت أرضا جالسة مسندة ظهرها فوق تلك الشجرة .

جلس هو الأخر بإنهاك وإستند فوق الحائط وأردف بتعب :

_ أنا شوفتك يوم عيد ميلاد نور وإنتي في حضن جاسر .

صُدمت ورفعت رأسها تنظر إليه قليلا ثم تحدثت وكأنه لم يقل شيء :

_ بعد ما وصلني على أول البلد شكرته وكنت فاهمة إن كده الموضوع خلص ، لكن إتفاجئت بيه نزل ورايا ومسك إيدي وقفني بالغصب وطلب مني رقم موبايلي.

أنا وقتها خفت وجه في بالي ...

أخذت نفس عميق قائلة :

_ قولتله رقم فعلا ...لكن كان رقم جاسر .

وقف بصدمة من حديثها كمن لدغته أفعى بينما هي أكملت :

_ فضل يبعت رسايل لجاسر على قد إيه معجب بيا وبيحبني وقد إيه فرح لما ركبت معاه ، كلام كتير من النوع ده وطبعا هو كان فاهم إنه بيكلمني أنا .

لغاية ما جيت تاني هنا وإتفاجئت بجاسر بيتخانق معاه أتاريه بعت رسالة يتفق إنه يشوفني في الحضانة لأني ياعني هو قال ف الرسالة إني وحشته .

لكم الجدار لتنظر له بفزع ووقفت تجذب يده لتراها فدفعها لتستند فوق الجدار وأردف بهسيس :

_ وإنتي بتديله رقم جاسر كنتي بتحمي نفسك منه وتطمني بواحد تاني ، إشرحيلي بقى كنتي فرحانة بيهم هما الإتنين وهما بيتخانقوا عليكي ، ياعني بجد أحييكي قولتيله رقم جاسر علشان تجننيه أكتر لما يعرف إنه مش رقمك ويتعلق بيكي أكتر لأن كل هدفه دلوقتي هيبقى إزاي يوصلك ، وفي نفس الوقت تجنني جاسر إني في حد بيجري وراكي ، كنتي مبسوطة ولا ضربهم لبعض مكنش كفاية .

كانت تراقب إنفعالاته ...غضبه الشديد الذي لم تر له مثيل جعلها تتحدث برقة أهلكته :

_ مطمنة وأنا واقفة معاك دلوقتي ومبسوطة وإنت بتتكلم .

توقف عن الحركة بل حتى عينيه توقفت وظلت فقط تنظر لها ثم قال بغير تصديق :

_ بتقدري توصليني لحافة الجنون وترميني في النار وفجأة ترجعيني للجنة تاني .

 أسند يديه على الحائط وإحتجزها في المنتصف هامسا:

كملي يا سدرة ، ومرة واحدة قولي كل إل حصل مبقاش عندي قدرة أتحمل تعب الأعصاب ده .

_ لما جه وسألني عن سبب رفضي ليه يوم ما شوفتني بقابل ريم قولتله كل شيء نصيب .

لكن هو مسكتش وبالصدفة قابل جاسر وقاله إنه بيحبني وهيفضل ورايا لغاية ما أوافق أتجوزه وجاسر قاله إني مرتبطة فإتهمه بالكذب وإنه بيقول كده علشان يبعده عن طريقه علشان ياعني..هو ياعني يقصد إن جاسر .

_عاوزك لنفسه .

همس بها متألما ناظرا داخل عينيها .


_ سدرة .

هدر بها جاسر بقوة لتنتفض من مكانها ناظرة بإتجاهه ليهتف جاسر :

_ تعالي هنا .

أطاعته بهدوء فهي تعلم أنها أخطأت بوقفتها تلك .

ما إن وصلت له حتى أمسك يدها بحنان وأردف بعتاب : 

_ هو ينفع كده ؟

حركت رأسها يمينا ويسارا بخزي ليرحل وهي معه بعد أن أردف بصوت عالي :

_ الجماعة كلهم في المكتب .

........

قبل قليل /

كانوا يتابعون ما يحدث ولا يفهمون إلى أين سيصل الحديث .

_ أظن كده كل حاجة وضحت ، إتفضل يا أستاذ سليم وياريت إل حصل ده ميحصلش تاني .

أنهت حديثها وإستدارت لتقع عينها عليه... كان خلفها مباشرة .. ألهذا كان قلبها ينبض بعنف ..؟ 

أخفضت عينها وإبتعدت تحتمي من كل شيء في مكتبها الخاص .

ذهبت سلمى وتبعتها چورية خلفها .

نظروا لبعضهم بتساؤل ...فلا يعرفون ما عليهم فعله ليقول عبد الرحمن:

_ لو عاوزين تمشوا إتفضلوا لكن أنا مش همشي من هنا من غيرها .

رحل هو الأخر خلفهم ، ليتبعه أحمد الذي أمسك بذراع صديقه هامسا :

_ أكيد مش هتسيبها يا أدهم صح ؟

نظر له بتشتت قائلا :

_يمكن لو مشيت دلوقتي توافق ترجع معاكم .

_ تبقى غلطان ، حور محتجاك إنت .

_ يالا يا أدهم ندخل جوة وكلنا هنمشي مع بعض. 

أردف بها جاسر الممسك بيد سدرة وعندما وجد زوجته مازالت واقفة بلا حراك توجه إليها بعد أن أشار لسدرة أن تدلف .

وقف أمامها وسأل بهدوء :

_ مش ناوية تسألي ؟ 

نظرت حولها وجدت المكان خالٍ إلا منهم فتحدثت بهدوء رغم ألم قلبها :

_ أنا وثقت فيك زمان ، وفي اليوم إياه قلبي إتحطم لما خنت ثقتي ، وبعدين إكتشفت إن ثقتي كانت في محلها وإنك حافظت عليا حتى من نفسك ، إتأكدت في وقتها إنك أكتر إنسان في الدنيا أقدر أثق فيه وعيوني مغمضة ، علشان كده عمري ما سألتك بتروح فين وبتعمل إيه ؟ كنت بقول لنفسي بعيد عن الحب إل يحافظ عليكي من عينه ونفسه مستحيل يأذيكي ويوجعك .

لغاية من شوية حتى بعد ما إتفاجئت بيك هنا كنت بقول مستحيل يأذيني ، لكن .....

_ لكن لما لقتيني مرتبط بسدرة إتوجعتي إن ثقتك إتهدرت .

أغمضت عيناها بألم وأردفت بتشنج :

_ حبك ليا واثقة فيه ..مش عارفه سبب إرتباطك لكن حتى بعد ما عرفت مش قادرة ما أثقش فيك .

ممكن تقول هروب من الصدمة أو خوف إني أخسرك ، أنا مش عارفه ليه قلبي مطمن .

جذبها لأحضانه غير عابيء بالمكان فتشبثت به كطفلة صغيرة تائهة وجدت منزلها أخيرا .

_ بحبك يا أسيل ..بحبك أوي ...أنا مقدرش أحب غيرك ..عيني وقلبي مستحيل يشوفوا غيرك ، عارفة قلبك مطمن ليه لأن نظرتي ليك غير نظرتي لأي واحدة في الدنيا دي .

مش هنكر في إرتباط بينا لكن ليه ظروفه ، خليكي واثقة فيا كده دايما .


تثبست بقوة في ملابسه وأطلقت العنان لدموعها بقوة فهاهو حتى وإن إعترف بحبه لها لم ينكر وجوده في علاقة بأخرى .

أبعدها عنه وأردف :

_ خلينا ندخل نشوف هيستقروا على إيه وفي الوقت المناسب هحكيلك كل حاجة .

وبالفعل إنصاعت له ...وعندما إقتربا من الباب سمعا صراخ من الداخل .

...........

عندما وصلت لمكتبها جلست بإرهاق فاليوم شاق عليها ...تريدهم أن يرحلوا .. فليتركوها وشأنها .

تفاجأت بهم يدخلون واحد تلو الأخر لتغمض عينها وتمسح وجهها بإرهاق .

_ حور أنا مستحيل أسيبك بعد ما لقيتك .

_ فعلا يا حور إنتي أختنا ،...

قاطعتهم بحدة رادفة بألم :

_ أختكم ! عملتوا إيه علشاني ؟! 

أنا كنت محتاجة واحد فيكم بس يقولي مستحيل يصدق إني قتلت ، بلاش إنت يا أحمد يالي إترجيتك تتدخل وتحاول تخرجني من الحبس الاحتياطي إل كنت فيه ساعة واحدة بس وأرجع تاني ، يومها وقفت تقولي مقدرش أعمل كده ، إنت خوفت على نفسك وإفتكرت إني ههرب وأضيع مستقبلك ، لو قولت بلاش إنت أهو مهما كان متعرفنيش كويس ، إيه ياعني لو كنا إخوات في الرضاعة إحنا لا عيشنا سوا عمرنا كله ولا كنا ناكل ونشرب ونبكي ونضحك ونفرح ونحزن مع بعض صح يا عبد الرحمن .

أنا كنت متهمة بجريمة قتل ، المفروض في الوقت إل أقلاقي عيلتي وأهلي واثقين فيا ويقفوا معايا أشوف إتهاماتهم ليا في عيونهم والشك في نظراتهم وكلامهم وأولهم أخويا .

_ يا حور أنا ...

_ إنت إخترت تصدق إل تتمناه ، أنا عارفة إنك كنت تتمنى أكون أنا فعلا قتلته لأنك مقدرتش تعملها .

عارف يا عبد الرحمن أنا كنت بحس إنك فرحان لمجرد فكرة إني ممكن أكون قتلته .

جايين كلكم دلوقتي تقولولي إرجعي ، وإنتي يا چورية واقفة تقنعيني وعاوزاني أرجع علشان خاطر عمك ، أنا كنت منتظرة إن عمك ده أول واحد يقف جمبي ، لو كنتي وقفتي وإتمسكتي بيا وقتها زي دلوقتي يمكن كنت قولت في نفسي إنت خلاص يا حور بقالك أخت تخاف عليكي .

نظرت لندى وإقتربت منها وقالت :

_ تعرفي إنك أكتر حد نفعني مواجهته ، الوحيدة إل كانت بتتكلم بصدق عن إل جواها ، كنت بتقولي إحساسك بيا وتوجهيلي إتهماتك بقوة وشجاعة ، أنا بشكرك ..بشكرك لأنك منعتي قلبي ينجرح منك ، لو كنت إتعشمت فيكي زيهم وعاملتيني زي ما هما عاملوني لا منهم مصدقيني ولا منهم بيتهموني مباشر زيك كنتي هتشاركيهم في جرح قلبي .

تفاجأت ندى بحديثها حالها حال الجميع .

تقدمت خطوتان وأغمضت عينها تستنشق الهواء بقوة قبل أن تفتحهم ناظرا إليه قائلة :

_ إنت وعدتني ... نفذ وعدك وإبعدهم عن حياتي ... سيبني أعيش حياتي إل إخترتها .

كانت تناشده ....ورغم صعوبة ما تطلبه عليه ، إلا أنه سبق ووعدها أن يبتعدوا جميعهم عن حياتها لذا عليه أن يفعل لها ما تريد وترغب .

نظر لأفراد عائلته اللذين ينظرون لهم دون فقه مغذى حديثها وأردف بصوت قوي :

_ كله يخرج بره المكان ده وممنوع أي حد يفكر ييجي هنا تاني ، جهزي الولاد يا سدرة بعد إذنك .

_ أنا مش همشي من هنا ، إنتي فهمتيني غلط ، أنا مكنتش أقدر أساعدك يا حور ، أنا كنت إتوقفت عن العمل ، لكن مقدرتش أقولك كده علشان متحسيش بالذنب أو تشيلي همي في الظروف دي .

_ وهي هتحس بالذنب ليه ؟ كلنا كنا متهمين ياعني طبيعي ومتوقع يوقفوك عن العمل لأننا عيلة وإنت مشتبه به زينا .

نظر لطارق وتشدق:

_ أنا إتوقفت عن العمل بسبب حاجة تانية ، انا أصلا كنت بره دايرة الإشتباه لكن أنا أقنعتكم إني مشتبه به معاكم علشان أخفف عنكم وفي نفس الوقت محدش يعرف السبب الحقيقي ورا توقفي عن العمل ، ومحدش يسأل لأني مش هجاوب عن أي تفاصيل .

كانت چورية تبكي في صمت وفجأة إشتد عليها الألم الذي داهمها منذ قليل عندما كانت حور تعاتبها فصرخت بقوة أجفلتهم .

دلف جاسر وأسيل ليروا أحمد يحمل چورية المتألمة ....رأت حور ملابسها إبتلت بواسطة ماء الرأس الذي يبشر بقرب وصول الجنين لتهتف :

_ مافيش وقت للمستشفى يا أحمد .

جاسر خد چورية البيت .

تقدم جاسر يحمل شقيقته وخرج بها من الباب وما إن هموا اللحاق بهم حتى وقفت أمامهم قائلة بجمود :

_ خليكوا هنا ....مازن .

إستجاب لندائها وإقترب منها قائلا :

_ متقلقيش .

وبالفعل وقف أمامهم يمنعهم من الخروج عدا سدرة التي ذهبت إلى حور لمساعدتها .

كانت وقفته بمثابة خنجر دُب في قلبه فقد لجأت لغيره في وجوده .

_ وعلى كده حور طعم أكلها حلو .

كانت تسأله بجمود ظاهري ولكنه يرى بعينيها الألم فلم يجيبها .

مرت نصف ساعة وهم جالسون ف مكانهم داخل كلا منهم الكثير من الأسئلة .

فُتح الباب ظنوا أنهم إنتهوا ولكن كانت سهر التي تحدثت بتأفف عندما لم تجد حور :

_ هي حور فين ؟ 

_ چورية بتولد وهي معاها .

تفاجأت من حديث سلمى وأردفت بحيرة :

_ طيب دلوقتي العمل إيه ؟ إحنا سلمنا كل الأطفال تقريباً لأهاليها لكن في وليّ أمر واقف بره ومصمم يقابلها .

_ كانت المرأة العاملة إنتهت من وضع أكواب المشروبات المختلفة التي طلبها مازن قبل أن يرحل منذ عدة دقائق مستجيبا لطلب جاسر .

_ خلاص يا سهر خليه يدخل يمكن في حاجة مهمة 

أماؤت له قائلة :

_ رغم إنه رافض يتكلم لكن يمكن يا عبد الرحمن لما يعرف إنك أخوها يتكلم ويقول في إيه ؟

وبالفعل دلف بعد أن نادته ... وكان كل ذلك الحديث تحت أعين تلك العاملة التي هتفت بترحاب ما إن أبصرته :

_ أستاذ عبد الجواد أهلا وسهلا .

أماء لها بإبتسامة مردفة :

_ أخبار صحتك إيه يا أم أسعد .

_ نحمد ربنا يا أستاذ ، حضرتك عاوز أستاذة نور ؟

_ فعلا ...المفروض كان في بينا ميعاد دلوقتي.

_ هي مشغولة شوية ، حضرتك لو في أي مشكلة إتفضل قولها وأنا هعرفها.

نظر لعبد الرحمن ثم للجمع بتفحص وقبل أن يتحدث أردفت تلك العاملة مرة أخرى قائلة ببعض الحرج :

_ متأخذنيش يا أستاذ هو حضرتك عرفت بإل حصل هنا ؟

قطب حاجبيه بتساؤل لتسترسل بإرتباك :

_ أخو حضرتك الأستاذ سليم كان هنا وعمل مشكلة كبيرة وإتخانق هو والأستاذ جاسر .

صدم من قولها كما صدموا هم من هويته .

أخرج هاتفه وهو يتصل مرارا بشقيقه الذي رفض الإتصال في نهاية المطاف .

نظر لأم أسعد وتساءل :

_ في حد إتأذى ؟

أشارت إلى أحمد وأردفت :

_ لأ..أنا شوفت الأستاذ ده وهو بيخرج أخو سعادتك بره الحضانة .

نظر إليه وتمتم :

_ أشكرك لأنك إتصرفت ، يا أم أسعد بلغي الأستاذة نور إني هاجي هنا بكرة وأقابلها ضروري .

أنهى حديثه ورحل ليتساءل عبد الرحمن:

_ إيه الرجل الغريب ده ، أنا إفتكرته هيتعصب عليك مثلا ؟

_ لا يا أستاذ ، الأستاذ عبد الجواد ده رجل حقاني وبيعرف ربنا ، وميرضاش يظلم وهو عارف إن أخوه غلطان ، هو أصلا حذره المرة إل فاتت إنه ييجي هنا تاني ، بس هنعمل إيه مراية الحب بقى ، من ساعة ما شاف الأستاذة سدرة وهيتجنن عمل كل حاجة علشان توافق تتجوزه ، سبحان الله لا هو ولا أخوه ليهم نصيب .

نظروا لبعضهم بشك وقبل أن ترحل تساءلت أسيل :

_ ياعني إيه ؟ الرجل إل كان هنا ده كان عاوز يتجوز سدرة ؟

_ الأستاذ عبد الجواد ، لا إسم الله عليكي هو ينفع الأخين يطلبوا نفس البنت ، مافيش ست يحقلها تفرق بين الإخوات ولا هما يخسروا بعض علشانها ، أنا كنت أقصد الأستاذة نور ، والله مش عارفه رفضته ليه مع إن مينفعهاش غيره ، رجل ولا كل الرجالة ، ما شاء الله الله أكبر ، مكانة وشهامة ومال ، رجل تتمناه أي واحدة لكن سبحان الله هو مش عاوز غير الأستاذة نور وبصراحة هما لايقين على بعض أوي ومتفاهمين جدا بس تقولي إيه نصيب .

جاءت لتخرج لتقول بخوف :

_ بالله عليكم بلاش تقطعوا عيشي وتقولوا للأستاذة نور حاجة ، أنا عارفة إني غلطانة بس هو طبع لما موضوع يتفتح قدامي بتكلم من غير ما أحس .

نظراتهم تحولت بإتجاه أدهم ليروا وقع حديثها عليه ليتفاجؤا ببروده .

ولما لا ..؟ لما التعجب الآن ؟ أأنتم فقدتم عقولكم ..لو فكرتم قليلا لتعلموا أن بروده ما هو إلا شيء طبيعي فثقته بقلبها تفوق كل شيء ؟

نصف ساعة أخرى ودلفت حور وعلى وجهها علامات الإنهاك .

توقف أحمد أمامها بلهفة لتقول بإبتسامة :

_ چورية بخير الحمد لله وألف مبروك بنوتة زي العسل ربنا يحفظهالك .

إحتضنها بفرحة ودار بها قائلا بسعادة :

_ حور ... هسميها حور .

إبتسمت بهدوء بعد ما أنزلها قائلة :

_ساعتين إن شاء الله وتقدر تاخدها ، ترتاح بس وبعد كده تقدروا تمشوا .

كان حديث صريح منها لعدم رغبتها في وجودهم فأردف بحرج :

_ لو وجودنا مضايقك ممكن أخدها وأمشي .

نظرت له قائلة بهدوء :

_ لما ترتاح .

وجدت الباب يطرق وأحد العاملين بالحديقة يدلف حاملا باقة كبيرة من الورود وضعها فوق المكتب ثم رحل.

نظرت لتلك الورود باحثة عن شيء تستدل به عن مرسلهم لتجد ورقة مكتوب بها 

                 (أنا بعتذرلك عن إل حصل )

لم تحتج وقتا لتعلم هوية المرسل .

دلف مازن في تلك اللحظة قائلة بمرح :

_ أحمد أنا حاجز البت دي لمحمد أنا بقول أهو .

ضحك الجميع ما عدا زوجته وأردفت سلمى :

_ وليه بقى مش واحد من ولادي إل يتجوزها .

_ إنتي مش خطبتي نور لآدم ؟

_والله يا أسيل هو خطبها لوحده ، ده مجنن صالح مش كده يا صالح .

نظرت حولها فلم تجده .

_ صالح من لما كنا بره ساعة الخناقة مدخلش تاني .

أردف بها طارق ثم إسترسل :

_ أنا رايح أوصل ريهام وأختها نبقى نتقابل في البيت بقى إن شاء الله.

_ حور ..ممكن أطلب منك طلب .

تفهمت طلبه دون حديث ووجهت حديثها لمازن :

_ خده يا مازن يشوفهم ، زمان جاسر نقلها هتلاقيها في أوضتك .

ما إن أنهت حديثها صرخت ندى بكره :

_ أنا مبقيتش قادرة أسكت ، هو إيه بيحصل بالظبط هنا ؟ إنتوا في إيه بينكم ؟ 

_ كل لحظة بتندميني على جوازي منك ، إسكتي شوية وإستوعبي كلامك .

_ مازن خد مراتك وإمشوا ، الله يخليك أنا مبقيتش متحملة ، ولو سمحتوا تمشوا كلكم وسدرة توصل أحمد ولما چورية ترتاح هيحصلوكم .

_ للدرجة دي مش طايقة وجودنا يا حور .

عتاب شقيقها أوجع قلبها ولكن لم تظهر بل توسلته :

_ محتاجة أرتاح يا عبد الرحمن أرجوك .

خرجوا جميعا لتتفاجأ به يتقدم نحوها وأخد تلك الورود وألقاها في سلة المهملات بجانب الباب ثم رحل في هدوء .

تبسم أحمد على فعلته وسألها :

_ أومال سدرة فين ؟

...................

تزفر بضيق وهو غير مبالي .

نظرت بشرود من النافذة وإبتسمت بخفة على فعلته المجنونة .

خرجت لتلحق بحور وتساعدها لتتفاجأ به واقفا في الخارج كانت ستتجاوزه وترحل ولكنه وقف أمامها قائلا بحدة :

_ إمشي معايا بدل أقسم بالله يا سدرة أشيلك وميهمني حاجة .

برقت عينها قائلة :

_ إنت مجنون أمشي فين أنا لازم أروح أساعد حور .

إقترب منها ومد يده بتهديد وكأنه سيحملها لتصرخ :

_ خلاص ..خلاص ..كفاية ذنوب أنا همشي .

إنصاعت له وركبت في السيارة بعد أن رأت نظرة التهديد والإصرار بعينيه .

وما إن جلس أرسل رسالة صوتية لشقيقته

( سهر أنا مشيت خلي بالك من نور )

أنهى إرسال الرسالة تزامنا مع إنطلاقه بالقيادة وما إن وضع الهاتف بجانبه حتى صدر رنينه .

دون قصد منها نظرت للهاتف لترى ما جعلها تشعر بوخز في قلبها .

نظر صالح لهاتفه ليجده ينير برمز خاتم زواج وقلب أحمر بجانبه فعلم أنها خطيبته المزعومة ، التي أخذت هاتفه أمس من أجل تسجيل رقمها ليتفاجأ بها تحادثه صباحاً ليعلم أنها لم تكتب إسمها بل تلك الرموز .

كان سينهي الإتصال ولكن نظرة واحدة إليها ورؤية غضبها واضحاً بعينها الناظرة له جعله يمسك بالهاتف ويضعه ويجيب بعد أن إختار مكبر الصوت .

_ صالح ... أخيرا رديت عليا ، أهون عليك تكلمني مرة واحدة بس النهاردة .

_ كنت مشغول شوية .

_ توقعت كده ، تعرف أنا فرحانة أوي ليلة إمبارح كانت حلوة ، ولحظة ما لبست دبلتك كأني بقيت ملكة على كل البنات ، أصل إنت متعرفش إنت حاجة كبيرة أوي ، وأي بنت تتمناك ولما اختارتني أنا كأنك بتقولي إنتي ملكة .

أمسكت حقيبتها وألقتها في وجهه ورغم تألمه إلا أنه ضحك بصخب فقد وصل لمبتغاه .

فهو أجاب تلك الخطيبة التي نسي إسمها لكي يرى وقع حديثهم عليها ، هي تصيبه بالجنون ..تجعله يشعر بالنيران تحرق داخله ... نظراتها وحديثها معه شيء ..وأفعالها شيء أخر .

كان يجب عليه الإثبات ...كان يجب أن يأخذ إثبات ما يشعر به ولو بالقوة .

أراد أن يختبرها ولكن الآن لعن نفسه .

بكت في صمت وأدارت وجهها عنه عندما إستمعت للصوت الأنثوي من الهاتف وهي تتحدث بدلال ظنا منها أن ضحكاته لها :

_ ضحكتك جميلة أوي يا صالح ، تعرف إني من أول مرة شوفتك حبيتك زي ما تقول كده حب من أول نظرة مش قادرة أصدق إنك بقيت ليا .

تشنجت يداه وملامح وجهه وهو يستمع لذلك الإعتراف ويرى تأثيره عليها .

_ أنا مشغول دلوقتي..مع السلامة .

أغلق هاتفه وظل صامتا لبعض الوقت ثم تحدث بهدوء :

_ أنا مكنتش أعرف إنها هتتكلم كده .

نظرت له بحدة وهي تزيل دموعها الخائنة وهتفت به :

_ هصدقك حاضر ، إنت عاوز تضحك عليا وأنا هعمل نفسي إنضحك عليا علشان تبقى مبسوط حلو كده ؟

أوقف السيارة على جانب الطريق لتنظر حولها فوجدت أنه طريق جانبي ليس به الكثير من المارة ، نظرت له مرة أخرى ليتساءل بقلق عندما وجدها تتفحص المكان :

_ خايفة مني ؟

نظرت له بحدة مجيبة بغضب أعمى :

_ قولتلك بطمن معاك ، يمكن مثلا بشوف لو قتلتك دلوقتي حد هيشوفني ولا لأ.

تبسم بهدوء ونظراته تتفحصها قائلا :

_ ليه ؟ عاوزة تقتليني ليه ، كل ده علشان كنت بكلم خطيبتي .

_ إسكت 

صرخت به ليصرخ هو الأخر :

_ أسكت ليه ، قوليلي سبب واحد يمنعني إني أتكلم ، كنت بكلم خطيبتي إل هتبقى مراتي ، واحدة بتحبني وبتعترف بده بكل سهولة ، بتعلن إني ملكها من غير خوف ، واحدة صريحة مع نفسها ومعايا .

تنفس عدة مرات بعمق وإسترسل :

_ أنا تعبت ، عارفة الكلام معاكي صعب قد إيه ؟ أنا حاسس قلبي هيقف .

إعتدل ف جلسته وأغمض عينيه مستندا بظهره للخلف .

نظرت له بوجع لترى أن ملامحه متألمة حقا .

بدأت في البكاء ، في البداية حاولت أن لا تصدر صوتا ولكن ألم قلبها جعل بكاؤها يرتفع أكثر .

_ بتعيطي ليه دلوقتي ؟

تساءل وهو مازال على وضعيته ولكن لم يحافظ عليها بعد إجابتها المدهشة .

_ لأني خايفة ... مش خايفة منك علشان متفهمش كلامي غلط ، أنا خايفة عليك ، شكلك مرهق جدا ونفسك سريع ، وعيونك حمرا وبتدلك رقبتك ياعني إحتمال كبير يكون ضغطك عالي ، بلاش تخوفني ، ممكن يحصلك حاجة أرجوك إهدى .

كان ينظر لها بحنان ثم مد يده بأصابع مشتاقة لها حالها حال كافة جسده وأخذ يزيل دموعها برقة .

أغمضت عيناها مستسلمة لحنانه ولكن أنبها ضميرها فأبعدت رأسها .

تنهد بصوت مسموع ثم قاد السيارة مرة أخرى.

وها هي الآن تنظر من النافذة تستطلع ما حولها وهو مازال يقود السيارة من وقتها ولا تعلم أين وجهتهم ؟

نظرت له مرة أخرى قائلة بحدة :

_ ممكن أفهم إحنا رايحين على فين ؟ 

ظل صامتا قليلا ثم أجاب بكلمة واحدة جعلت أنفاسها تتوقف :

_ هنتجوز .

.....................

في منزل آل دمنهور 

لم يستطع أحد تصديق تلك المصادفة الغريبة .

إجتمعت كل العائلة بناء على طلب طارق الذي قص لهم كل شيء حدث .

_ طب هي دلوقتي هترجع تعيش هنا ولا هتفضل بعيدة كده ؟

_ والله يا ماما مش عارفين ، حور إتغيرت أوي ، لكن عبد الرحمن إقترح عليها تسكن معانا في بيت منفصل .

_ يا حبيبتي يا بنتي ، نفسي أخدها في حضني .

نظرت ندى لوالدتها قائلة بسخرية :

_ أول مرة أشوف أم نفسها تحضن السبب في خراب بيت بنتها ، بس يالا أنا إتعودت منكم على كل حاجة .

_ والله العظيم أنا أحيانا كتير بفكر لما كانوا بيربونا وإحنا عيال مأخدوش بالهم منك .

نظرت لجاسر بحنق قائلة من بين أسنانها :

_ عاوزني أبقى زي مراتك ، سمعت أكتر من مرة وشافت بعينها إنك على علاقة بسدرة وقاعدة ساكتة ومنكسرة .

تجاهل الجميع حديثها فهي أصبحت في الآونة الأخيرة تتحدث بلا قيود .

_ أنا عاوز أسأل سؤال واحد لما أنتوا عارفين طريقها سكتوا ليه ؟

نظر مازن لأشرف وأجابه :

_ أنا جاوبت عبد الرحمن وهجاوبكم حور لو كنا خلينا بإتفاقنا معاها كانت إختفت بجد ، وبعدين المهم إنها كويسة .

كان الجميع يتحدث وهما صامتان ، ينظران لبعضهم البعض في حديث خاص .

_ هتقدر .

تبسم أدهم لوليد الذي لم ينطق سوى بكلمة واحدة في صيغة سؤال ثم وقف وتوجه للخارج .

............

اليوم كان مرهقا للحد الذي أصاب جسدها وعقلها بالإنهاك .

شعرت بالإختناق وأن المنزل لا يسعها .

هبطت لأسفل تجلس في الحديقة قليلاً

لا تصدق أنها رأته بعد تلك السنوات ، قد تكن ثلاث سنوات ولكن شعرت بهم وكأنهم ثلاثين عاما .

كيف بدا هزيل ..و جهه شاحب ، لاحظت إرتاجفة ساقه عندما وقعت عينها عليه ، هل يحافظ على تناول العقارات الطبية أم أنه يهمل في صحته .

كم خفق قلبها عندما إقترب منها ليلقي بتلك الورود وكأنه يعلم من بعثها ، هل مازالت في قلبه ؟

هل مازال يعشقها ؟

لم تستطع أن تترك العنان لنفسها وتظل تنظر لعينيه وإلا كانت ضعفت وإستسلمت وألقت بنفسها في أحضانه .

تنهدت بصوت مرتفع وقوي .

إلتقطت أذناها حركة خلفها فوضعت يدها فوق سلاحها بخصرها ولكن ثوان وتركته بعد ما تعرفت على رائحته .

إسترخت مرة أخرى في جلستها وتحدثت :

_ هتخلي ليه بإتفاقنا ؟

إقترب أكثر ليصبح خلفها مباشرة وأردف :

_ قبل ما تتكلمي عن الإتفاق وتسأليني لازم أقدم فيكي بلاغ .

قطبت حاجبيها لتسمعه يسترسل :

_ إستغليتي مريض تحت إيدك وأقنعتيه يوعدك بحاجات بيندم عليها كل لحظة في حياته .

وقفت وتحركت خطوتان دون أن تنظر إليه وقالت بصوت يحمل الكثير من الإضطرابات :

_ أنا عملت الصح ، المريض إل بتتكلم عنه كان لازم أبعد عنه علشان يُشفى ، أنا مأقنعتوش لأنه كان من جواه بيدور على طريقة يتخلص بيها من ألمه والطريقة الوحيدة كانت إني أختفي من حياته ، لما إختفيت من حياتك بدأت تسترد صحتك لكن مجرد ما شوفتني رجلك إرتجفت .

سمعت خطواته في إتجاها فأغلقت عينها بتوجس .

وقف ملتصقاً بها مردفا بهمس مُعذب :

_ وحشتيني .

فتحت عينها محررة دموعها في صمت بينما هو إسترسل بتأثير :

_ أنا عايش بالإسم بس ، صحتي معرفش عنها حاجة ومش مهتم أعرف ، رجلي إرتجفت فعلاً لكن مش رِجليّا بس قلبي وروحي وجسمي كله كان بيتنفض لما عيني شافتك ، مش قادر أعبر عن كل إحساسي بيكي وأنا شايفك قدام عيني غير بإني مشتاقلك .

_ أدهم .

همست بإلتعاع فمد يديه يحاوط خصرها جاذبا إياها للخلف ويطوقها بذراعيه هامسا بحب :

_ عيون أدهم وروح أدهم .

لم تتحدث ولم تبعده ولم تتجاوب معه فقط ظلت ساكنة إلا من عينين تذرف الدموع بألم .

إستنشق رائحتها بعمق ثم أردف بصوت متألم :

_ إستسلمنا من غير ما نجرب ، خلينا نجرب وبلاش نضيع الباقي من عمرنا بنتعذب .

_ مش هنقدر يا أدهم ، الوجع أكبر مننا المرة دي .

أدارها له وأزال دموعها ناظرا بإشتياق فاق الحد بداخل عينها يردف بصدق : 

_ أكيد ربنا ليه حكمة إننا نتقابل تاني من غير مجهود مننا ، رغم الوعود بالبُعد ورغم أي إتفاق بينا ربنا جمعنا تاني ، ليه نكابر ونبعد ، حُبنا ميستاهلش منك فرصة .

_ أنا طاقتي خلصت ، تعبت أوي ، بجاهد وبحارب طول عمري ، أنا قسيت على نفسي وجاهدتها كتير أوي علشان نكمل مع بعض ، كنت بقول أنصر الحب ولول لمرة واحدة ، بس القدر كان أقوى مننا .

وضع يده فوق فمها يمنع إسترسالها قائلا :

_ محتاجك ...وجودك في حياتي هيخليني أعيش من تاني .

_ بلاش تعذبني أنا إتعذبت كفاية .

تنهد بقوة وأردف مبتسما :

_ عمو وليد منع علاجه والأكل والشرب وطلب مني يا إما أخدك ليه يشوفك ويطمن عليكي يا إما هيفضل كده ومش واخد علاج وحالته الصحية ساءت جدا .

رمشت بعينها عدة مرات تحاول إستيعاب ما يقول لتسأله بجدية :

_ إنت بتكدب صح ؟

تبسم بخفة قائلا :

_ مش أوي .

تبسمت مردفة بصوت عميق :

_ ماشي ، أنا هاجي معاك أشوفه ، لكن أوعدني إنك تنفذ وعدك وتبعدوا كلكم عن حياتي .

وقف بعيداً قليلا ولم يتحدث سوى بجملة واحدة:

_ مستنيكي في العربية .

الفصل الثاني والعشرون من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1