رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل العشرون
وقف خلف صخرة كبيرة أمامه مدخل كهف قديم الذي به رزق بمفرده إلى الآن ، لا يحدث شيئ ، لا يسمع أي صوت ، لم يدخل أو يخرج منه أحد ، رزق بمفرده لا يعرف ما يفعل داخل كهف قديم كهذا ولا يجد مبرر لذلك ، إلا أن بالقرب منه عدة عناصر شرطة متخفية أن حدث أي شيء سيهجموا جميعا على الكهف
______________
حمل الصغيرة على ذراعه يتحرك بها صوب المقبرة يبتسم لها وهي تدندن سعيدة قبل أن تسأله فجاءة :
_جدو سفيان هو إحنا هنروح فين ؟
تحركت عينيه على وجه الصغيرة كايلا نسخة من وتر ابنته في الشكل خاصة وهي صغيرة في مثل عمرها ، للحظة انتفض جسده أوجعه قلبه ، أراد أن يعود ولكنه في اللحظة التالية نفض تلك الافكار جميعا عن رأسه يردد داخله :
_الشيطان مالوش توبة يا سفيان فوق
نظر للصغيرة يبتسم في وجهها يقول باسمًا :
_ هنروح عند جدو رزق عشان نفتحله الباب ، أنتي المفتاح يا كوكي
لم تفهم الصغيرة ما يقول ولكنها حركت راسها وعادت تغني وهي تأكل الحلوى التي أحضرها لها قبل أن يصل سفيان للكهف همس له أحد أتباعه المخلصين والذي ليس من بني البشر أن هناك من يراقب فابتسم سفيان يطلب منه أن يشتت انتباهه حتى يدخل دون أن يراه وحدث
حين اقترب سفيان من الكهف رأى الغبار يملأ المكان يحجب الرؤية عن من حوله أسرع خطاه يدخل إلى الكهف ، ما أن وصل سفيان بالصغيرة إلى المكان المنشود ،شعرت الصغيرة بالخوف من المكان الغريب حولها تعلقت بُعنق جدها تخبره إنها خائفة :
_جدو سفيان كوكي خايفة ، يلا نلوح لجبلان ومامي
ابتلع سفيان لعابه أغمض عينيه للحظة ينتفس بعنف ، انتبه على صوت رزق وهو يحادثه غاضبا :
_ ما تخلص يا شيخ جابر
عقدت كايلا حاجبيها تحرك رأسها للجانبيبن تصحح ما قال جابر :
دا مش جابل ، دا جدو سفيان ، أنت بتقول غلط ، صح يا جدو
واقتربت من وجه سفيان تطبع قبلة صغيرة لطيفة مثلها على خده ، جعلت أنفاسه تتجمد للحظة ، أغمض عينيه يجز على أسنانه بعنف ، يسمع أصواتهم الغاضبة في رأسه يخبروه أن يتم المهمة ، أن يقتل الصغيرة وألا قتلوه هو ، قبل وجنة الصغيرة ينزلها أرضا
تحرك ينظر للباب المغلق أمامه أخرج من جيب جلبابه طبشور أحمر مدبب وبدأ يرسم على حوائط الكهف وأرضه رسومات غريبة متداخلة لا يعرف معناها غيره
___________
وصلت سيارته إلى مكان اللقاء هو ورجال أبيه المخلصين كما قال عنهم في انتظار شحنة السلاح القادمة ، نظر للرجال حوله قبل أن يعاود النظر للصحراء المظلمة الفارغة أمامه ، يكذب أن قال أنه ليس خائفا ولكنه خوفه هنا لم يكن مما يحدث ، ولكن هناك خوف غريب يدب في قلبه يشعر بأن كارثة حدثت أو على وشك الحدوث ، أشعل سيجارة يضعها بين شفتيه يحاول أن يهدأ ويتوقف عن التفكير قليلًا ، يريد أن يحادث وتر ويطمأن عليها ولكن هاتفه مغلق كما طلب منه القائد أن يُغلقه
لحظات مرت قبل أن يرى ضوء ساطع لمصباح سيارة تقترب منهم ألقى السيجارة أرضا يدهسها بحذائه ، توقفت سيارة نقل نزل منها عدة رجال لم يتعرف مهيتهم ولم يكن يهتم سوى بقائدهم الذي نزل من مقدمة السيارة أقترب صوب جبران مباشرة يصافحه يرحب به :
- أهلا أهلا بابن المعلم رزق السواح ، طالت غيبتك يا معلم جبران ، وكترت عنك الحكاوي ، في ناس كانت بتقول أصلا أن الشرطة قتلتك مرة وهي بتحاول تقبض عليك ، بس أديك قدامي أهو
انثنى جانب ثغر جبران بابتسامة صغيرة ساخرة يردد :
- الحكاوي ما فيش أكتر منها ، المهم الحقيقة يا معلم زهران ، فلوسك جاهزة لو حابب تتأكد وتعد ، بضاعتك جاهزة ؟
حرك الرجل رأسه لأعلى وأسفل قبل أن يردد ضاحكا :
-هعد ورا ابن المعلم رزق بردوا ، دا أنا وهو عشرة قديمة ، تعالى معايا بُص على البضاعة
شعر جبران بالخطر والقلق من النظرة الغريبة في عيني الرجل أمامه فوضع يده في جيب سرواله يتحرك بهدوء خلفه ، فُتحت السيارة وظهرت أطنان من حبات الطماطم ، دُس بينهم الأسلحة ، أمسك جبران رشاش فارغ من الرصاص مثله مثل باقي الأسلحة يتفحص أجزائه عن كثب حين شعر بفوهة مسدس تلتصق برأسه من الخلف وسمع صوت زهران يردد ساخرا :
- المرة اللي فاتت يا جبران ، أنا اللي بلغت عنك الحكومة عشان يحبسوك ولا يقتلوك وبردوا ما موتش المرة دي أنا اللي هقتلك بأيدي ، مش هتفلت باللي عملته
يبدو أن جبران الحقيقي أفتعل كارثة بالرجل خلفه ، ألتف ببطء يحاول ألا يستفزه رفع كفيه أمامه في علامة لاستسلامه ، يعلو بصوته يصرخ في رجال أبيه :
- ما حدش يتحرك خطوة واحدة ، إحنا هنا تحت رحمة المعلم زهران ، وأكيد في سوء تفاهم وهيتحل ، بس أنا آسف يا معلم زهران زي ما أكيد أنت عارف أنا عملت حادثة ومش فاكر كل اللي فات في حياتي ، أنا عملتلك إيه
رأى وجه الرجل يزداد غضبًا وعروقه تنتفخ من الغضب ، عينيه أحمرت قبض بكفه الآخر على ثياب جبران يقربه منه يصرخ في وجهه بصوت عالي جهوري :
- اغتصبت بنتي يا كلب ، اغتصبت عيلة صغيرة ما كملتش 16 سنة ، خطفتها واغتصبتها قبل ما تهرب من البلد كلها ، كانت عاركة بيني وبين أبوك بنتي ذنبها اييه يا قذر ، بسببك أنا قتلت بنتي عشان ما حدش هيرضى يتجوزها، وهتركبني العار ، سنين وأنا بحاول أوصلك ، سنين وأنا بحاول أخد حق بنتي اللي نهشته
شعر بكل عظمة فيه ترتجف ليس خوفا وإنما ألمًا وقهرًا على الفتاة المسكينة التي أغتصبها الوغد وقتلها الواقف أمامه وهي لا ذنب لها في شيء ، كره وجه جبران ، أراد أن يشوه وجهه ، حتى لا يرى وجه المسخ الذي هو عليه ولم يكن يعلم ، انتبه على إشارة خضراء تأتي من بعيد ، فعلم أن الشرطة ستحاصر المكان الآن ، حركة قديمة تعلمها في أثناء سنواته كبلطجي كيف يخبئ ماديته خلف كف يده ، في أقل من لحظة فتح المادية يجرح بها يد زهران قبل أن يختطف السلاح من كفه يصوبه صوب رأسه يصرخ في رجال زهران :
- اللي هيتحرك من مكانه هفجرلكوا دماغه
ولف ذراعه حول عنق زهران ليحكم قبضته عليه ، حينها هلل رجال رزق فرحين بما فعل :
- عفارم عليك يا معلم جبران
- هو اللي ابتدا بالغدر
- المعلم رزق هيخسف بيه الأرض لما يعرف باللي عمله
- هذا الشبل من ذاك الأسد صحيح
ما هي إلا لحظات وجبران ينظر لهم ساخرا تعالت صافرات سيارات الشرطة التي اقتربت من كل حدب وصوب وفجاءة وجدوا أنفسهم جميعا محاصرين من قبل عناصر الشرطة ، أقترب الضابط من جبران يهدده :
- نزل مسدسك يا جبران ، المكان كله محاصر مالكش مهرب
حاول جبران إلا يبتسم ساخرًا يحاول أن يتفاعل معهم ويبدو مذعورًا وليس فقط خائفا ألقى السلاح من يده بعيدًا ، شد الضابط زهران يضع الأصفاد في يده يجذبه ناحية سيارة الشرطة ألتفت زهران صوبه يصرخ فيه :
- ما خلصتش هنا يا جبران هيجمعنا زنزانة واحدة ، وهخلص عليك بإيدي هاخد حق بنتي ، هقتلك يا جبران أنت فاهم
أقترب الضابط ليضع الأصفاد في يد جبران ، رفع جبران حاجبيه يردد ساخرًا :
- لا يا راجل
ابتسم الضابط يُغلق الاصفاد يُعيدها لجيبه قبل أن يردف :
- بس أنت بردوا هتيجي معانا عشان تعترف على رزق
طلب منه جبران أن يجري مكالمة هاتفية أولا ، فتح هاتفه فشعر بالذعر حين أبصر مئات المكالمات من رقم وتر ورقم أمنية ، اتصل سريعا بوتر فأجابت من الوهلة الأولى ، وسمع صوتها تصرخ مذعورة :
- كايلا يا جبران ، كايلا اختفت ،قلبت عليها الدنيا مش لقياها ، كانت بتلعب في الجنينة مع سعد ، وفجاءة اختفت
في تلك اللحظة تذكر جبران كلام رزق والشيخ الذي لم يرى وجهه عن القربان ، وانتباه الذعر حين جمع عقله الخيوط وأدرك أن ابنته هي القربان الذي كانوا يتحدثون عنه ، لم يرد أن يزيدها ذعرًا في حين كانت كل خلية فيه تنتفض من الذعر حاول أن يملك زمام نفسه يتحدث يطمأنها :
- هلاقيها يا وتر ما تقلقيش
أغلق مع وتر الخط يتصل بعمر الذي أجاب يطمأنه :
- بقولك رزق قدامي بس ما فيش حد دخله وهو ما كنش معاه كايلا
صرخ جبران فيه بعلو صوته :
- أكيد في مدخل تاني ، بنتي جوا والمجنون دا هيضحي بيها ، كايلا يا عمر أبوس إيدك بنتي أنا جايلك حالا ، بس أبوس إيدك ادخل ألحقها
____________
أغلق عُمر الخط مع جبران وأشار للعناصر القريبة منه إن تقترب ، توجه يسبقهم لداخل الكهف ولكن لم يكن يراه باب كبير الحجم من الخشب لا يُفتح بسهولة أبدا
في داخل الكهف
انتهى سفيان من رسم الكثير من الأشكال الغريبة على الحوائط والجدران ورزق يقف في هدوء ينظر إليه ، لم تكن مرته الأولى فالكثير من المقابر فُتحت أمامه ويعرف تلك الطقوس الغريبة جيدًا ، لذلك كان يقف هادئا لا يشعر بذرة قلق أو خوف واحدة ، عينيه تذهب بين حين وآخر إلى كايلا إبنة جبران ولسبب لا يعلمه لم يشعر بالحزن أو الندم على ما سيحدث لها ، ربما بات قلبه أقسى من الحجارة ، وربما لأنه يكره والدتها، وربما لأنها فتاة لأنه لم يكن ليضحى بسعد أبدًا
أما كايلا الصغيرة فكانت تُمسك بطبشور أبيض أعطاه سفيان إليها ترسم على الجدران منشغلة للغاية فيما تفعل، توقف سفيان عما يفعل يتحدث مع شخص لا يراه غيره :
- ما تفتحوش الباب ما تخليهمش يدخلوا أبدًا
هنا شعر رزق بالتوتر قطب جبينه يوجه حديثه لسفيان :
- هما مين دول يا شيخ جابر ، الجن ؟
ضحك سفيان ساخرًا يحرك رأسه للجانبين يردد متهكمًا :
- لاء البوليس يا حج رزق ، فهمت بقى لازمة الباب إيه ، خدامي المخلصين قافلين عليهم الباب كويس ، البوليس مش عارف يدخل
أصفر وجه رزق ذعرًا ، ابتلع لعابه يردد سريعا متوترا :
- طب انجز يا شيخ جابر ، انجز وافتح باب المقبرة بقى قبل ما يهجموا علينا
تحركت عيني سفيان إلى كايلا التي تقف جانبا ترسم وردة صغيرة على الحائط ، مشهد ذكره بوتر حين كانت طفلة ، وتر كانت تحب الرسم على جدران القصر أيضا ، الصغيرة كان يبعث لها أحد أتباعه كل ليلة يتشكل في هيئته ليلاعبها ، حتى تثق به ، حتى يستطيع أخذها حين يحتاج ، وهو يحتاج دمها الآن ولكن شيء ما يمنعه من ذلك ، خلفه مباشرة باب مقبرة تحوي ما لذ وطاب ، مقبرة بها من الكنوز ما يمكنه بها أن يعود إلى سابق عهده رجل الأعمال الأغنى والأشهر سفيان الدالي ، انتبه على صوب طرقات عالية يبدو أن رجال الشرطة يحاولون اقتحام المكان ، ورزق يصرخ فيه خائفا :
- أنت واقف متنح يا جابر ما تخلص هنروح في داهية ، ايه ضميرك صحي ولا إيه
ضميره !! هو ليس لديه واحد ليصحو من الأساس ، ربما خُلق بدون ضمير ذلك ما جعله شيطانا يعثو في الأرض فسادًا ، مد يده إلى كايلا يطلب منها :
- كايلا تعالي هنا
لفت الصغيرة رأسها له وابتسمت قبل أن تركض ناحيته ، نزل سفيان على ركبتيه أمامها فقبلت وجنته تحادثه سعيدة :
- جدو أنا لسمت ولدة لماما ، وولدة لبابا ، وولدة لجدو سفيان حبيبي ، جدو المكان هنا وحش يلا نلوح عند ماما
شدد كفه الآخر على الخنجر يبتلع غصته ابتسم لها يطلب منها :
- كوكي حبيبة جدو غمضي عينيكي
ابتسمت الصغيرة سعيدة تُغمض عينيها أخرج سفيان الخنجر من خلف ظهره وقرب نصله من رقبتها ، رأى الظلال السوداء أمامه تصيح فرحًا أصوات كثيرة تخبره أن يقتل الصغيرة الآن ، الخنجر لا يبتعد عن رقبتها سوى مسافة أنش واحد فقط ، الأمر سهل عليه ولكن يده كانت ترتجف بعنف ، انتبه على صوت جبران يصرخ من الخارج يحاول كسر الباب على ما يبدو :
- كايلا ، كااايلا ، رزق لو أذيت بنتي أنا هقتلك يا رزق ، كايلا
فتحت كايلا عينيها سريعا وابتسمت سعيدة تصيح فرحة :
- بابا يا جدو يلا نلوحله
قطبت جبينها تنظر لوجه جدها تسأله :
- ايه دا يا جدو ، يلا نلوح لبابا وهقوله أن كوكي بتحب جدو سفيان وأن جدو سفيان هيعيش معانا على طول
وطبعت قبلة صغيرة على خده ، انتفض جسده وصرخات جبران تعلو من الخارج يترجاه بعد أن كان يهدد :
- أبوس إيدك يا رزق بنتي لاء ، كاااايلاااا
شدد سفيان على الخنجر في يده وعلى حين غرة من الجميع رماه بعيدًا ، حين فعل ذلك صرخة غاضبة رجت المكان بأكمله ، جعلت رزق ينتفض خوفا يصرخ فيه :
- أنت عملت إيه الله يخربيتك ايه اللي بيحصل
ما حدث أنه ضم الصغيرة لأحضانه يعانقها بكل قوته ، رأى أمامه الكثير من الأشكال المخيفة تتجسد أخفى وجه كايلا بين أحضانه حتى لا تراهم ، وسمع الأصوات الغاضبة تزلزل المكان :
- هات الخنجر يا سفيان ، ما تتحداش سيدك ، أنت مش قد عقابه ، نفذ أو هنفذ إحنا ، ما تفتكرش أنك هتقدر تحميها دخولها هنا معناه أنك حكمت عليها بالموت ، ما تخليناش نغضب عليك ، خليك دايما الخادم المطيع يا سفيان
لف ذراعيه حول جسد الصغيرة ينظر إليهم لم يكن خائفا منهم بل كان خائفا عليها ، خاصة حين رأى أحدهم يقترب من الخنجر يحمله عن مكانه يقترب به ، هو فقط من يستطيع إيقافهم هو فقط من يعرف جميع التعاويذ والطلاسم الذي ستحرقهم ولكن بدلا من ذلك كله وجد نفسه يقول :
-أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ربي أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون ، ربي أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون
لا يصدق أنه يفعل ذلك لا يصدق أن تلك الكلمات التي لم ينطقها يومًا تقريبا تخرج من فمه هو ، ثقيلة صعبة ولكنه يحاول حتى نطقها أخيرا ، رأى الظلال أمامه تتراجع خوفا ظهر عليهم وزادت الصرخات الغاضبة من حوله فشدد على أحتضان الصغيرة يشعر بالكثير من الأيدي تود إنتزاعها من بين أحضانه ، وصوت أجش مرعب يصرخ في رأسه :
- أنت اتجننت يا سفيان ، مش هرحمك أنت فاهم مش هرحمك ، اسكت واركع لسيدك ، اركع لسيدك ، اسكت ، اسكت
ولكنه لم يفعل ، لم يكن ليفعل الآن إن فعل سينشهونه ، وقف عن مكانه وهو يحتضن الصغيرة علا بصوته يتحدث بكل قوة :
-وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
يحفظ القرآن كاملا !
نعم هو يفعل ليخدع ضحاياه ، ربما تلك المرة الأولى الذي يستشعر فيها ما يقرأ من القرآن ، زادت الصرخات من حوله وأعوانه المخلصين تركوه وفروا هاربين ، كُسر الباب ودخل جبران يركض للداخل يبحث عن ابنته يصرخ باسمها :
- كايلا ، كايلا
هرع سفيان إليه يعطيه الصغيرة يصرخ فيه :
- خدها واجري من هنا ، أوعى تخلي حد ياخدها منك ، أذكر الله هيخافوا ياخدوها
لم يفهم جبران ما الذي يحدث ومن ذلك الرجل أمامه إلا أن الأهم الآن هو ابنته الصغيرة ، ضمها لأحضانه خائفا ، ما أن التفت ليغادر رأى وتر تقف أمامه تنظر إلين تبكي بحرقة تمد ذراعيها إلى الصغيرة تترجاه باكية :
- كايلا ، هات بنتي يا جبران ، كايلا
وتر هنا !! كيف جاءت وكيف علمت أنهم هنا ، المكان بعيد للغاية ، من المستحيل أن تعرف الطريق بمفردها ، طوق ابنته بذراعيه يحرك رأسه رافضا يصرخ فيها غاضبا :
- أنتي جيتي هنا إزاي ؟ ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
اهتزت الأرض تحت قدميه بعنف نظر حوله مرتعبا حين عاد ينظر أمامه لم تكن وتر موجودة ، ركض للخارج يضم الصغيرة إليه ما أن بات خارجا سمع صوت عمر وهو يصرخ في العساكر :
- اطلعوا بسرعة قبل ما يتهد على دماغنا
رأى الرجال تهرع للخارج من ضمنهم رزق ولكن ذلك الرجل الذي أعطاه كايلا لم يكن معهم ، وانهارت حجارة الكهف ، نظر جبران لرزق أقترب منه يقبض على عنقه يصرخ فيه :
- كنت عاوز تموت بنتي يا كلب ، كنت عاوز تقدمها هي القربان ، باعدني عشان تستفرد ببنتي وتقتلها ، طيب يا رزق أحب أقولك أن رجالتك كلهم اتقبض عليهم ،وأن أنا اللي سلمتك للحكومة ، أقولك بقى المفاجأة الكبيرة ، أنا مش ابنك أصلا ، يعني مش هبقى ابن عاق لو دفنتك حي هنا
اقترب عمر سريعا يُمسك بجبران يُبعده عن رزق قبل أن يقترب من رزق يقيده بالأصفاد ، يدفعه إلى أحد سيارات الشرطة التي كانت تحاوط المكان
أبعد جبران كايلا قليلا عنه يطمأن عليها يسألها :
- كايلا أنتي كويسة يا حبيبتي ، حد عملك حاجة
تمسكت الصغيرة به خائفة تتنفض تبكي مذعورة تردد كلمات مبعثرة :
- جدو سفيان يا بابا ، جدو سفيان ، أنا عاوزة جدو سفيان
عقد جبران جبينه مستنكرًا ما يحدث يسألها :
- ماله جدو سفيان يا كايلا ، فين جدو سفيان
أشارت إلى الكهف أمامهم تبكي بحرقة تصرخ أنها تريد جدها :
- جدو سفيان هنا ، أنا عاوزة جدو سفيان يا بابا ، جدو
تحرك جبران يبتعد بكايلا الذي ظلت تصرخ تشير إلى الكهف المتداعي أمامها تنادي باسم سفيان !!
___________
خرج من الكهف حيًا هو حتى لا يعرف كيف حدث ذلك ، كان يقف بعيدًا ينظر لكايلا وهي تصرخ تنادي باسمه تبكي ، الصغيرة الذي خطط كثيرا لإيذائها هي من جعلت نقطة نور صغيرة تدب في قلبه الأسود ، جسده بالكامل يؤلمه أثر الانهيار بالكاد يستطيع التحرك ، وصل لبيته بعد معاناة دخل إلى غرفته الخاصة أشعل نيرانًا ضخمة وبدأ يُلقي فيها كل سحر صنعه ، غرضه الإيذاء والفقر والمرض والكراهية والسيطرة ، كل أذى تسبب به بدأ يحرقه ، لم يحدث ما توقعه لم يسمع الصرخات الغاضبة لن تهتز جدران البيت مما يفعل ، يقف ينظر لألسنة النيران وهي تلتهم الشر الذي صنعه ، الشر الذي يملأ روحه ، انتبه حين سمع صوت تصفيق يأتي من خلفه ، لف رأسه سريعا وارتجف جسده من رأسه لأخمص قدميه ، حين رأى من يقف خلفه لم يكن بالمخيف المفزع ، هو فقط رجل طويل القامة وسيم الهيئة ، يرتدي جلباب أسود ينظر له يبتسم قبل أن يرفع يديه ويصفق من جديد يحادثه بكل هدوء :
- برافو يا سفيان برافو ، حقيقي برافو عليك ، أبهرتني باللي عملته في المقبرة واللي عملته هنا ، بص يا سفيان أنت دخلت الطريق دا بمزاجك ، إنما تخرج منه بمزاجي أنا ، وأفتكر أنك لولايا كان زمانك دلوقتي ميت محروق في العربية وأنا اللي انقذتك ، عشان تبقى خادم مطيع ، أيد الشر اللي أنا بحركها ، وبكل صراحة شوفت أنا حقاني إزاي ، أنت عملت كتير وأنا بحبك عشان كدة هديك فرصة تانية وهتغاضى عن كل اللي أنت عملته ، قولت إيه يا سيفو نبدأ صفحة جديدة مع بعض ، إيه رأيك أرجعك رجل أعمال تاني ، أغنى 10مرات مما كنت عليه وتسافر أي بلد تانية ، المغرب الجزائر ، الإمارات ، دا أنت لو عايز تروح السعودية أوديك ، ونقفل صفحة القرية دي ، قولت إيه خليك معايا هتكسب ، أنا جايلك بنفسي ، يلا يا سيفو هات إيدك ، أنا ماددلك أيدي عشان نبدأ صفحة جديدة
وقف سفيان مكانه ينظر إليه صامتًا ، وعرضه المُغري السخي يتردد في أذنيه ، ولكن نقطة الضوء الصغيرة التي أنارتها حفيدته في نفسه لن يجعلها تنطفئ هكذا ، ربما هي فرصته الأخيرة في الحياة ، ربما عليه أن يستيقظ الآن حرك رأسه للجانبين يرفض العرض يردد بنبرة حازمة :
- لاء
ابتسم الرجل ساخرًا قبل أن يردد ضاحكا :
- يعني إيه لاء يا سفيان أنت فاكر أنك ليك توبة بجد ولا إيه ، سفيان فوق من دور بابا جدو دا ، سفيان أنت عملت اللي أنا نفسي ما عملتوش ، فاكر أنك هيتقبلك توبة بجد ؟! أنت بتفكر إزاي أصلا ، سفيان أنت داخل جهنم داخل ما فيهاش نقاش دي ، مش فاهم أنا بجد واحد عمل كل حاجة حرام في الدنيا وجاي يقولك هتوب ، وأنا المفروض الدمعة تفر من عيني دلوقتي ، سفيان أنت مالكش توبة
ارتعش جسد سفيان بعنف ، لا ينكر أنه محق ما فعله أبشع بكثير مما يتصوره عقل ، انهمرت الدموع من عينيه يقبض كفيه يردد بصوت مختنق باكي :
- قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
بدأ الغضب يظهر جليا على وجه الرجل أمامه بدأت نبرة صوته تزداد حدة وسخرية يتهكم :
- مش ممكن الشيخ سفيان ، فاكر أنه هيجيب الجون في الوقت بدل الضايع ، حبيبي فوق
فوق وارجع عن اللي في دماغك دا ، زي ما قولتلك أنت تدخل بمزاجك ، تخرج بمزاجي أنا ، أنا لسه ماددلك أيدي ، أشتري صداقتي وأنت مش هتبقى مجرد خادم هتبقى صديق مقرب ، ما تشتريش عدواتي هخلي ليلك نهار ونهارك عذاب وليلك صراخ ، هتتمنى لحظة تغمض عينيك فيها وهحرمك منها ، هعميك وهشلك ، هخليك كلب تتعفن لحد الموت ، اختار يا سفيان
أغمض سفيان عينيه يشد على جفنيه بعنف يردد بنبرة قوية :
- أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله !!
____________
فتح عينيه فجاءة يشهق بعنف ينظر حوله فرأى حورية الخادمة في بيته نائمة جواره في الفراش عارية انتفض يقبض على خصلات شعرها فاستيقظت مفزوعة تصيح خائفة :
- في إيه يا زياد ، مالك يا حبيبي
رفع يده وصفعها يصرخ فيها :
- حبيبك ايه يا **** ، فين حياة مراتي فين ، وأنتي إزاي نايمة جنبي بالمنظر دا ، أنا هوديكي ورا الشمس ، لو ما نطقتيش وقولتي اللي حصل