رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم دينا جمال


 رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل الواحد والعشرون

ليلة طويلة كانت ، ليلة انتهت بعد عناء أخيرا ألقوا القبض على رزق بالكثير من التهم الذي ستوصله لحبل المشنقة ، ولكن ربما لكبر سنه سيكون المؤبد كافيا ويقضي سنواته الأخيرة بين جدران السجن لا أحد يعلم بعد ، نزل من السيارة أمام منزله عمه هناك حيث ترك زوجته لحين عودته من المهمة التي كُلف بها فجاءة ، الأمر لم يضايق زوجته تماما ، فهي تحب زوجة عمه كثيرًا ، ابتسم أغمض عينيه لبرهة زوجته الجميلة الفاتنة الرقيقة ، أغلى كنز أمتلكه حظه السعيد من الدنيا ، ملك الحبيبة زوجته الجميلة  التي أهدته أسعد وأجمل هدية قد يحصل عليها طفلته الصغيرة «براءة » صاحبة العامين بريئة كاسمها ، جميلة كوالدتها ، مشاغبة مثله ، احترق قلبه شوقا وهو يقف بالخارج تحرك يدخل سريعا ، كان الصباح لا يزال باكرًا ظن أنه سيجد الجميع نيام المكان هادئ حوله ، توجه إلى غرفته هو وزوجته ولكنه ما أن دخل أبصر ملك تجلس أمام ابنتهم تُمسك بلعبة تلاعبها بها ، صفقت الصغيرة سعيدة ما أن رأته تردد فرحة :
- بابا بابا بابا
ضحك عمر سعيدًا تحرك إليهم يحمل ابنته على ذراعه يحتضنها يقبلها ، أميرته الصغيرة ضحكة قلبه ، اقتربت ملك منه متلهفة وقفت أمامه تنظر إليه فلمعت عينيها فرحًا جذبها بيده الأخرى يعانقها التصق رأسها بصدره ولفت ذراعيها حول جزعه تتنهد تتمتم :
- الحمد لله أنك بخير يا عمر ، كنت قلقانة عليك أوي ، طمني المهمة اللي كنت رايحها تمت على خير 
أبعدت رأسها قليلا تنظر لوجهه فرأته يبتسم كعادته حين ينظر إليها حرك رأسه لأعلى وأسفل يقول باسمًا :
- مش أنتِ دعيتيلي يا ملوكة كان لازم طبعا ربنا يكرمني وتتم على خير يا حبيبة قلبى
أحمر وجهها كما عهدها تخجل من أي غزل يقوله رغم مرور أربع سنوات ويزيد على زواجهم ، قرب رأسه منها يضعه على كتفها تنهد يتمتم سعيدًا :
- تعرفي يا ملك ، أنا كل مرة بشوفك فيها بحس أن السعادة اتخلقت عشاني ، ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي وما يحرمني منك أبدًا 
___________
بعد ليلة طويلة لم يترك ابنته ، هو فقط اتصل بوتر وأخبرها أن كايلا معه وبخير ، ما حدث بالأمس أرعبه من فكرة تركها حتى مع وتر ، أخيرا انتهوا من كابوس رزق ، ولكن الإدارة غاضبة للغاية من تصرف حسن ، مما يعني أن الأمر لن يمر مرور الكرام ، تنهد متعبا دخل إلى البيت يحمل كايلا النائمة بين أحضانه ، رأى وتر تجلس أمامه عينيها غائرة وجهها مجهد ، هرعت إليه ما أن رأته تأخذ الصغيرة من بين أحضانه فتملمت كايلا تتمتم بنزق :
- مامي كوكي عايزة تنام 
ابتسمت وتر تدمع عينيها كاد قلبها يتوقف أو ربما توقف في الساعات الماضية جبران أخبرها أن الصغيرة بخير ولكنها لم تكن لتصدق حتى تراها وتحتضنها ، نظرت لجبران فرأت عينيه مصوبة إلى أمنية الجالسة بعيدًا ، ترميه بنظرات غريبة غير مفهومة أبدًا ، مدت يدها تربت على ذراع جبران فنظر إليها وأعطاها ابتسامة شاحبة يطلب منها :
- وتر جهزي نفسك أنتي وكايلا العربية مستنيانا برة هنرجع القاهرة يلا يا حبيبتي
حركت رأسها توافق سريعا أخيرا ستخرج من هذا الجحيم ، لا يؤلم قلبها سوى الصغير سعد الذي سينفطر قلبه ، تنهدت تحمل صغيرتها تصعد لأعلى في حين اقترب جبران من أمنية جلس على المقعد أمامها وقبل أن ينطق بحرف بادرت هي تقول :
- أنا كنت عارفة أنك شغال مع الحكومة أنت وصاحبك اللي مشي ، سمعتكوا وأنتوا بتتكلموا في الترب ، وعشان أنا قبلك عايزة أخلص من ظلم والقرف اللي شوفته على أيدين رزق ما أتكلمتش ولا فتحت بوقي ، أنا بس اللي مش قادرة أفهمه ، إزاي بالبساطة دي تسلم أبوك !
- عشان هو أصلا مش أبويا 
قالها جبران بهدوء مما جعل عيني أمنية تجحظ ذهولا تردد مصعوقة :
- يعني إيه مش أبوك 
لم تكن أمنية ستعي تفاصيل الحادثة القديمة لذلك قرر تبسيط الأمر لأكبر قدر ممكن فأردف يقول :
- زي ما سمعتي يا أمنية ، جبران ميت من سنين ، البوليس ضرب عليه نار في مطاردة بينهم وهو بيسلم حشيش ، ولحظي إني شبهه أنا مش ظابط أنا إنسان عادي جداا نجار صاحب معرض موبليا ، وقبلت بالمهمة دي عشان خاطر يتقبض على رزق بعد كل البلاوي اللي هببها ، عشان كدة أنا كنت دايما حذر في التعامل معاكي ، وأدي بطاقتي
وأخرج من محفظته بطاقته الأصلية باسم مراد ظافر نور الدين ، أمسكت أمنية بالبطاقة تنظر إليها مصعوقة عقلها يرفض ما يسمع تمامًا ، ولكن ما حدث أكثر من جديد انتهى كابوس رزق وكابوس جبران في يوم واحد ذلك أكثر مما كانت تتمنى ، انتبهت على صوت جبران أو مراد يقول :
- بصي يا أمنية أنا عارف إن اللي بتسمعيه دا ، صعب وصادم ، بس بصيله من ناحية إيجابية ، أنتي خلصتي من رزق وقرفه ، وجبران بعد كل اللي عمله فيكي ، ودلوقتي كل فلوس وأملاك رزق هتروح لسعد لأنه الوريث الوحيد وأنتي هتكوني الوصية عليه ، وأنا أي وقت تحتاجيني فيه هتلاقيني ، ربنا يعلم أنا بحب سعد قد إيه 
سعد !!
هتف باسمه حين لمحته عينيه يقف بعيدا يتلصص عليهم ومن الدموع التي تُغرق وجهه عرف جبران أنه قد أستمع إلى كل ما قيل 
هب واقفا يتحرك ناحيته فهرب الصغير يركض لحقه جبران في الحديقة وقف أمامه ينزل على ركبتيه يتحدث متلهفًا :
- سعد بتجري ليه يا حبيبي 
تحركت عيني الصغير على وجهه تنزل منها الدموع :
- أنت مش بابا مش كدة ؟
حرك رأسه للجانبين سريعا يردف :
- لا يا حبيبي أنا هفضل بابا يا سعد
ولكن الصغير لم يصدقه ، لم يصدق وقد استمعت أذنيه لما دار بين الرجل أمامه وبين والدته ، نزلت الدموع من عينيه تحشرج صوته من أثر البكاء يهمس بحرقة :
- لاء مش بابا ، أنا سمعتك وأنت بتتكلم مع ماما ، بابا مات ، إنت مش هو ، أنت كنت بتضحك علينا ، أنت بسببك جدو اتحبس ، أنت ليه بتكرهنا كدة 
توسعت حدقتي جبران ذهولا يحرك رأسه للجانبين ينفي ما يقول الصغير ، مد يده يمسك بذراعيه برفق بين كفيه يردد سريعا :
- لاء يا سعد أنا مش بكرهك ، بكرة تكبر وتفهم أنا عملت كدة ليه ، الحاجة الوحيدة اللس عمرها ما هتتغير إن أنا هفضل بابا دايما 
تتابعت دموع الصغير بحرقة يحاول جذب ذراعيه من بين يدي جبران يصرخ فيه :
- لاء أنت كداب ، كداب وبتضحك عليا أنا مض عيل صغير ، أنا فرحت أني هيكون عندي أب زي صُحابي ، أنا فرحت أوي لما شوفتك وحضنتك وأنك مش قاسي زي جدو ما بتزعقش فيا دايما ، بس أنت طلعت بتكدب عليا
حاول الصغير نزع ذراعيه جاهدًا ولكن جبران جذبه لأحضانه يعانقه أغمض عينيه فنزلت الدموع من خلف جفنيه يعتذر له :
- أنا آسف ، آسف يا سعد ، آسف يا إبني
استكان الصغير بين أحضانه لعدة لحظات يبكي قبل أن يباغته ويدفعه بعيدًا عنه يصرخ في وجهه :
- أنا بكرهك وعمري ما هسامحك
وركض إلى الداخل ، تحرك جبران يحاول اللحاق به حين أوقفته أمنية تطلب منه ألا يفعل :
- سيبه دلوقتي معلش ، وهو لما يهدى أنا هتكلم معاه ، سعد بس اتعلق أوي بيك 
وذلك أكثر ما يحرق قلبه أنه خذل الصغير ، غص صوته ألمًا يحادثها :
- أنا مش هسيبه صدقيني ، غلاوته في قلبي زي كايلا ، أنا هرجعله تاني وتالت وعاشر ، ولو تحبوا تجيوا تعيشوا في القاهرة يكون أحسن بعيد عن المكان دا بكل ذكرياته وقرفه 
شردت أمنية في كلمات جبران تحرك رأسها توافق ، ربما هي فعلا تحتاج لبداية جديدة بعيدًا عن الماضي الأليم 
_____________
وصل بعد ساعات إلى شقته التي تزوج فيها ، يحاول أن يعتصر عقله ولكنه لا يتذكر شيئا ، لا يتذكر سوى أنه استيقظ فجاءة وجد تلك الملعونة نائمة جواره ، وأنها تخبره أنها قد تزوجها أول ما فعله أنه طلقها وألقاها خارج بيته ، وهرع يسافر إلى المكان الوحيد الذي يظن أنه سيجد حياة فيه ، وصل أخيرا صعد يركض على سلم البيت إلى أن وصل فتح الباب ينادي باسمها بعلو صوته :
- حياة ، حياة أنتي فين يا حبيبتي ، حيا
وقف وتسمرت قدميه حين رأى قطعة ثياب ممزقة من ملابس حياة ، مد يده التقطها ينظر إليها لحظات وتوسعت حدقتيه فزعا حين أعاد عقله سريعا ما فعله ، انتفض مصعوقا يرتد للخلف يرمي القطعة من يده يصرخ مرتعبا :
- لالالا أنا مستحيل أكون عملت فيها كدة ، مستحيل اكون أذيتها كدة عمرها ما هتسامحني عمرها ، وبعدين إزي ، إزاي عملت فيها كدة وأنا مش حاسس ولا عارف ولا حتى فاكر ، أكيد ما عملتش كدة ، أكيد ما أذيتش حياة 
ولكنه عاد ينظر للفوضى حولها أغمض عينيه تنزل دموعه فتجسد المشهد حي أمامه تلك المرة كان يقف بعيدًا يشاهد نفسه وهو يعتدي على الفتاة الوحيدة التي أحب ، لم يكن إليه وإنما توجهت مقلتيه إلى تعابير الألم والذعر والخذلان على وجه حياة ، اخترق اذنيه صوتها وهي تتوسله وهو لم يستمع ، فتح عينيه وسقط أرضا على ركبتيه يبكي بحرقة ، لا شيء سيشفع له عندها غلطة بشعة لم يكن يعرف حتى أنه أرتكبها !
_____________
على ذكر حياة ، فها هي هناك تجلس في شرفة شقة أيمن عينيها معلقة بموج البحر الهادئ ، تشعر لأول مرة بالهدوء والأمان ، عقلها يعصف بالكثير من الأفكار ، ربما كان أيمن هو الخيار الأمثل وهي الحمقاء التي تخلت عنه ، لمار زوجته تعيش في سعادة لا مثيل لها ، ولديهم طفل رائع الجمال اسمه« محمد » انتبهت حين دخلت لمار الشرفة تبتسم كعادتها تقول سعيدة :
- على طول قاعدة لوحدك يا حياة ، يا عم عبرنا قدرنا ، ادينا اهتمام ، إحنا دكاترة هنا
ضحكت حياة بخفة تنظر للصغير صاحب الخمسة أشهر بين يدي لمار ، لاحظت لمار نظرتها السريعة فاقتربت منها جلست على المقعد جوارها تعطيه لها تقول سعيدة :
- تعرفي أن الواد حمادة حبك أوي ، أكتر مني تقريبا الواطي 
ومن جديد كان الرد من حياة ضحكة خافتة صغيرة قبل أن تحرك عينيها للصغير بين أحضانها ، تشعر بسكون غريب يجتاحها حين تضمه إليها فقط ، لفت رأسها إليه تسألها : 
- هو انتي اتعرفتي على أيمن إزاي يا لمار ؟
ما إن قالتها انفجرت لمار في الضحك ومن ثم بدأت تقص لها اللقاء الأول بينها وبين أيمن 
Flash back
تحرك في طرقات المستشفى شاردا لا يعرف أهو حزين على فراقها أم سعيد لأنه لم يفرق بين عاشقين لم يكن أبدا ليرضى بأن يتزوج فتاة قلبها مع آخر كيف يفعل ذلك 
أجفل من شروده حين ارتطم بشخص ما دون أن يشعر ، أراد أن يعتذر فبادر صوتها يردف محتدا :
-مش تفتح يا أستاذ أنت 
انتبه ينظر لصاحبة الصوت ليرى أمامه فتاة تقريبا في منتصف العشرينات بأعين خضراء واسعة وشعر أشقر داكن تتئزر معطف الأطباء الأبيض عقد جبينه يسألها متعجبا:
-أنتِ دكتورة معانا هنا أنا أول مرة أشوفك
- طب ما أنا أول مرة اشوفك 
غمغمت بها بابتسامة صفراء ساخرة ليرفع حاجبيه مدهوشا من طريقتها ، حمحمت محرجة حين أدركت أنها تتحدث باندفاع كعادتها :
-أنا قصدي أيوة أنا دكتورة لمار لسه متعينة في قسم الأطفال 
ابتسم يمد يده يصافحها يغمغم :
- في نفسي قسمي يعني نورتي يا دكتورة
توسعت ابتسامة لمار لتصافحه تغمغم سعيدة:
-بجد والله طب كويس ، أصل دكتورة لينا قالتلي روحي دوري على دكتور أيمن وهو هيساعدك ويشرحلك كل حاجة ، بس سر بينا واوعى تطلع عصفورة من اسمه كدة حسيته بنى آدم قفيل ، أنت شكلك طيب ، أنت اسمك ايه بقي
لا يصدق تلك المجنونة التي تقف أمامه جعلته ينفجر ضاحكا في رواق المستشفى يضرب كفا فوق آخر ، ظل لحظات يضحك قبل أن يهدأ قليلا نظر للمعطف ليتذكر أنه نسي وضع بطاقة التعريف الخاصة به ، أخرجها من جيب معطفه يضعها في يدها نظرت لبطاقته وكان مشهدها لا يوصف حين أبصرت اسمه على سطح البطاقة ، أصفر وجهها تحادث نفسها تقريبا  حمحمت تنظر اليه ترسم ابتسامة واسعة على شفتيها :
- ايه دا مش ممكن دكتور أيمن ، دكتورة لينا قالبة عليك الدنيا ورايا بسرعة 
Back
انفجرت من جديد تقول من بين ضحكاتها :
- كان ماشي سرحان مش عارفة سرحان في إيه ، بس كان مز المزز وهو سرحان ، أنا كنت عارفة شكله أصلا بس بستعبط عليه ، بس يا ستي وقعنا إحنا الاتنين زي الجرادل في حب بُعض ، وهو كان فيها الراجل الغامض التقيل بسلامته ، روحت خليته واقف وسط زمايلنا بنتكلم روحت قايلة فجاءة على فكرة أنا متقدملي عريس وهتخطب قريب وهعزمكوا كلكوا على خطوبتي ، كان لازم تشوفي شكله وشه أحمر وعينيه وسعت ، كان شكله مسخرة بجد ، في نفس اليوم كان متقدملي ، وجرت الأمور كما خُطط لها 
- أه يا جزمة من غير رباط يعني ما كنش فيه عريس متقدملك وكنتي بتشتغليني
هتف بها أيمن مصعوقًا وهو يدخل للشرفة ، وقفت لمار عن مكانها اقتربت منه تكتف ذراعيها أمامها :
- لاء يا حبيبي كان متقدملي بس كان غتت هو وأمه فطردتهم ، بس قولت اشتغلك بردوا ، إيه مش عاجبك ولا إيه ، أوعى يكون مش عاجبك 
ضحك أيمن يائسا يلف ذراعه حول رقبتها يمازحها :
- عاجبني يا صاحبي أنا أقدر أقول غير كدة ، يلا اخلعي أعملينا فطار 
ضحكت لمار تومأ برأسها قبل أن تتحرك سريعا للداخل ، وتحرك أيمن يجلس على نفس المقعد ينظر لحياة يبتسم يحادثها :
- عاملة إيه يا حياة ، طبعا لمار واكلة دماغك 
ابتسمت حياة تحرك رأسها للجانبين :
- بالعكس ، دي هي اللي مالية المكان بهجة
ابتسم وحرك رأسه يوافقها ، شردت عينيه للحظة فتبدلت ابتسامته لأخرى عاشقة تنهد يردف :
- عندك حق هي اللي مالية حياتي بهجة وفرح ، عارفة أحلى حاجة في لمار إيه ، أنها عرفت تخلينا أصحاب بعد الجواز ، فبنعرف نتكلم ونتناقش ومهما زعلنا واتخانقنا بنقعد مع بعض ونلاقي حل 
أصدقاء! ، تتذكر أن زياد أخبرها في أحد المرات أنه يريد منهم أن يكونا كالصديقين ولكن دائما ما كانت ترى حاجز يمنعها من ذلك ، ربما هو فقط الماضي ، ولكن الآن بعد ما فعل زياد فلا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل سيجمعهما معًا مرة أخرى ، نظرت لأيمن تحمحم محرجة تطلب منه :
- أيمن ، أنا مش هينفع أفضل قاعدة هنا معاكوا ، أنا عارفة أنك كريم ونبيل يا أيمن بس دا بيتك أنت ومراتك ، وكمان أنا آسفة مش هقدر أكون عالة عليك ، أيمن صدقني أنا محتاجة أشتغل ، عشان ما أحسش إن دايما لازم يبقى حد هو اللي مسؤول عني أو بيصرف عليا ، أنا عايزة أبقى مسؤولة عن نفسي وبصرف على نفسي ، أنا كنت ممرضة على فكرة لما كنت عايشة برة مصر ، بس مش معايا الشهادة للأسف 
لا أوراق رسمية يعني أنها ستخضع للمسائلة القانونية فورًا أن فكرت أن تعمل في مهنة التمريض ، الأمر يحتاج لعمل حُر ، لف رأسه لها وابتسم يحرك رأسه يوافقها :
- عندك حق ، أنتي مش لازم تعتمدي على أي حد ، مش لازم تسيبي أي حد يتحكم فيكي ، أنا هتصرف ما تقلقيش 
قاطعهم دخول لمار وهي تحمل صينية ينبعث من الأطباق فوقها رائحة شهية للغاية تعلو بصوتها تتحدث بكل ثقة :
- والآن مع المفاجأة الكبرى اووووه ، أكل الشيف شربيني يبكي في الزاوية بعد ما شاف حلاوة أكلي
ضحك أيمن يحرك رأسه يائسا ، نقلت حياة عينيها بينهم تتمنى لو كانت تملك حياة مثلهم 
___________
يعرف أن ما فعل لن يمر مرور الكرام ولم يعد يهتم ، يشعر بأنه يغرق في فوهة سحيقة من الفراغ لا يشعر بأي مشاعر لا غضب لا حزن لا ضيق لا فرح وكأن مشاعره توقفت فجاءة ، نزل من السيارة يتحرك لمكتب رئيسه المباشر دق الباب ودخل يؤدي التحية يتحدث بكل هدوء :
- صباح الخير يا أفندم ، حضرتك عاوزني 
قام الرجل من خلف مكتبه يتحرك صوب حسن وقف على بُعد عدة خطوات منه يسأله محتدًا :
- أنت مُدرك إنت عملت ايه يا حسن ، عملت زي الجندي الجبان اللي لما لقى المعركة ابتدت رمى السلاح من أيده وجري وقال يلا نفسي ، أنت عارف أنك باللي عملته دا عرضت حياة جبران ومراته وبنته للخطر ، كان ممكن جداا العملية تبوظ أو جبران يتكشف ، وأخيرًا عصيت كل الأوامر مع إني بعتلك تحذير قبل ما تمشي ، بس بردوا عملت اللي في دماغك إحنا مش بنلعب هنا يا بيه ، اتخانقت مع مراتك وطلقتها تروح تصلحها بعد ما العملية تخلص ، مش تسيب الجمل بما حمل دي تصرفات عيل صغير مش ظابط في مأمورية ، كنت فاكرك هتتعدل يا حسن ، بس واضح أني كنت غلطان ، اتفضل يا بيه أنت متحول للتحقيق وموقوف عن العمل لحين الانتهاء من التحقيق ، أنت بس عشان قدمت كتير مش هيوصل التحقيق للفصل ، اتفضل روح يا حسن بيه وهنبلغك بميعاد التحقيق وأتمنى أشوفك عشان ما يبقاش موقفك زي الزفت، اتفضل
لم ينطق بحرف لم يدافع عن نفسه ، لم تتغير تعابير ، لم يشعر حتى بالحزن أو الضيق ، هو فقط حرك رأسه يوافق وتحرك يغادر المكان ، إلى سيارته قادها إلى قصر كمال هناك حيث تربى ، نزل وقف في الحديقة تلف حدقتيه تجوب المكان ، يمر ما حدث له كشريط عرض سريع يذُكره بكل لحظة ألم وخوف عاشها ، أراد أن يشعر بالخوف بالحزن بأي شيء ولكن النتيجة كانت عكس ما توقع ، لم يشعر بأي شيء فراغ موحش من المشاعر ،وكان بات فجاءة آلة لا تشعر ، ابتسم ساخرًا يتحرك للداخل دس المفتاح في قفل الباب ودخل يضيء الإنارة حوله ، تحركت عينيه تلقائيا إلى باب المطبخ هناك حيث رأى جميلة السيدة الحنون التي ربته والذي ظن لسنوات طوال أنها والدتها ، هناك رآها تُنهي حياتها بسبب تجبر وطغيان كمال ، تحرك إلى غرفة المكتب لا يتذكر أنه دخلها يومًا ، فتح بابها ودخل رائحة الغرفة خانقة ، التراب يملأ كل ركن فيها ، فتح الإنارة ودخل يتوجه إلى مكتب كمال جلس هناك فوقعت عينيه على المرآة المقابلة للمكتب ، نظر لنفسه وهو يجلس على المكتب ، تبدلت الصورة أمام عينيه للحظة ورأى كمال بدلا عنه ، المضحك في الأمر أن كمال لم يعد يخيفه ، هو الآن لا يخاف إلا من نفسه ، يشعر وكأن بداخله بركان من المشاعر الساخطة مُغلق بقشة هزيلة على وشك أن تتداعى وينفجر البركان ، دق الهاتف في جيب سرواله فأخرجه ينظر للرقم ، قطب جبينه حين أبصر كلمة رقم خاص ، فتح الخط فسمع صوت غليظ يتحدث ساخرًا :
- حضرة الظابط حسن ، قد إيه أنت شخص مجتهد ومميز وذكي ، عشان كدة أنا حابب ألعب معاك ، هبعتلك لغز ولازم تحله 
تنهد حسن ساخرا يرد :
- اقفل يلا 
- استنى بس يا حضرة الظابط ، ما انت لما تحب اللغز مش هتكسب فلوس ، أنت هتكسب حبيبة القلب أمل ، اللي أنا خطفتها !
هب حسن واقفا يقبض على الهاتف في يده يصرخ غاضبا :
  -أتمنى تكون بتهزر عشان لو ما طلعتش بتهزر هقطعلك تذكرة خروجك من الدنيا ، ألو ألو
الوغد أغلق الخط أسرع يركض إلى سيارته يحاول الإتصال بهاتف أمل ولكنه مُغلق ، وصل إلى العمارة السكنية حيث شقته هو وأمل ، صعد يركض وجد باب الشقة مكسور والأثاث مبعثر فوضى تملأ كل رُكن ، دخل يركض هنا وهناك ينادي بعلو صوته يبحث عن أمل ولكن لا أحد ، انتبه حين دق هاتفه من جديد وعلم أنه الوغد نفسه فتح الخط سريعا يرد فسمع نفس الصوت الغليظ يسخر منه:
- طبعا روحت البيت وقلبت عليها الدنيا ، مش مصدقني يا أبو علي هو أنا بردوا هكدب عليك ، أخس عليك يا سونة ، دلوقتي لو حابب تشوف أمل تاني لازم توافق تلعب معايا 
قبض حسن على الهاتف في يده يرد سريعًا :
- موافق بس مش هنفذ أي حاجة قبل ما اسمع صوت أمل واطمن عليها
والرد كان الصمت لعدة لحظات قبل أن يسمع صوت أمل وهي تبكي بحرقة تتحدث خائفة :
- حسن أنت فين يا حسن ، أرجوك أنا مش فاهمة حاجة وخايفة أوي ، تعالى خدني يا حسن 
قبض على الهاتف في يده غاضبا من نفسه للمرة الثانية لم يستطع حمايتها ، تنهد بعمق يحاول أن يهدئها :
- هجيلك يا أمل ما تخافيش ، خلي بالك من نفسك يا حبيبتي ، أنا آسف إني سيبتك يا أمل ، آسف أوي 
- قد إيه أنت طيب ونبيل يا حسن بيه ، هبعتلك تفاصيل لعبتنا في رسالة سلام 
____________
انفجرت أمل في الضحك تنظر لميرا شقيقة حسن في الرضاعة وياسين زوجها قبل أن تردد:
- دا إحنا حسن هيولع فينا لما يعرف أننا بنشتغله 
حركت ميرا رأسها توافقها ، شقيقها على الأغلب سيقتلهم ثم سيعذبهم ، انتبهت حين أردف ياسين يقول يتبرأ منهما :
- أنا هعترف عليكوا من قبل أول قلم أصلا ، أول ما الاقيه داخل هقوله خطة أختك ومراتك أنا ابن ناس مش حمل بهدلة 
ضحكت ميرا في حين شردت عيني أمل تفكر في الخطة الغريبة التي وافقت ميرا عليها ، ورد فعل حسن إن اكتشف أنها كانت فقط خدعة على الأغلب سيأكلهم ولكنها ستفعل أي شيء ليعود حسن لها 
_____________
بعد الثالثة بقليل على كورنيش النيل  يجلس طه تجاوره صبا ينظر لها يبتسم وتلمع عينيه عشقًا صبا الجميلة التي أحب ، نقطة النور في المستنقع الذي انغمس فيه ، منفذ الهواء لقلبه لا يعرف كيف سقط في حبها بتلك السرعة ولكنه يشعر بأنه يحبها بكل ذرة فيه ، وهي تجلس أمامه كوردة بريئة ندية يحمر وجهها خجلا ، حمحم يقول سعيدًا :
- عارفة يا صبا من أول مرة شوفتك فيها لما اتعينت في المستشفى وأنا مشدودلك ، انتي عارفة إني الأول كنت فاكرك أنا آسف يعني خارسة ما كنتش بشوفك بتتكلمي خالص ، في عز القرف اللي أنا فيه يا صبا أنتي نسيم الهوا البارد اللي بيطبطب على قلبي
ابتسم وزاد وجهها أحمرارًا فركت كفيها قبل أن ترفع وجهها له ابتلعت لعابها تحاول أن تشجع نفسها تهمس خجلة :
- أنا كمان كنت مشدودالك من ساعة ما شوفتك في المستشفى ، أنت مختلف غير الكل ، طيب ومش مغرور ، وعلى طول بتساعد الناس ، بس أنا دايما حاسة أنك حزين ومخنوق ، صدقني افتحلي قلبك وأنا بحفظ السر
أراد أن يخبرها ، أراد أن يشاركها ولكن خوفا عليها لم يستطع أن يفعل تنهد يحرك رأسه :
- ما أقدرش يا صبا خوفا عليكي ، المهم دلوقتي أنا عايزة اتجوزك بس مش هينفع دلوقتي لازم أخلص من ولاد الكلب دول الأول ، تعرفي يا صبا أنا ما كنش ينفع أحب أبدًا ، ولكن معاكي حاسس إني ما فيش قدامي أي اختيار تاني غير أني أحبك 
تبدلت نبرته لأخرى حزينة للغاية يهمس بحرقة :
- بعد موت أختي ، كنت فاكر إني هفضل أشوف الدنيا باهتة ما فيهاش مشاعر ، لكن لما شوفتك لونتي الحياة في عينيا 
تلعثمت أثر ما قال ترد متوترة :
- على فكرة أنا ما بعرفش أرد على كلامك دا وبيكسفني أوي 
ضحك عاليا ومد يده يُمسك بكف يدها يجذبها لتقف يردف :
- طب تعالي أنا عازمك على الغدا في مطعم سوشي تحفة 
_____________
استيقظ أولا فتح عينيه فرآها نائمة بين أحضانه ، ارتسمت ابتسامة خاملة على شفتيه ما أن حرك يده على خصلات شعرها برفق فتحت عينيها مذعورة تنظر حولها هنا وهناك إلى أن تأكدت أنهم في البيت فعاد الأمان لها من جديد ، نظرت له وابتسمت تردف سعيدة :
- مش مصدقة أننا رجعنا البيت يا جبران كانت فترة بشعة أوي ، الحمد لله أنها خلصت 
اومأ برأسه يوافقها أخيرا انتهى العذاب وسيعود لحياته الطبيعية وهو يحمل في قلبه غصة رهيبة ، غصة خلفها الصغير سعد ، انتبه على صوت وتر وهي تقول.:
- أنا مش صعبان عليا غير سعد ، الولد دا مالوش ذنب 
أغمض عينيه يرد بحرقة:
- ما تفكرنيش يا وتر مش قادر أصلا أنسى نظرة عينيه ولا عياطه ، لو أمنية ترضى أخده يعيش معانا هنا ، بس مش هتوافق أنا عارف 
فتح عينيه ينظر لها يسألها عن ابنتهم :
- صحيح كايلا عاملة إيه ؟ ما تقومي يا وتر تصحيها وألبسي أنتي وهي وتعالي نخرج نوديها الملاهي ولا النادي ، بعد اللي شافته دا 
رأتها وتر فكرة أكثر من رائعة لذلك هبت سريعا من الفراش تتحرك إلى غرفة ابنتهم هناك حيث تركتها نائمة ، فتحت باب الغرفة تنظر إلى الفراش فرأته فارغًا ، قطبت جبينها قلقة وقبل أن تنادي باسم ابنتها لمحت عينيها كايلا تقف في نهاية الغرفة كالتمثال متجمدة توجه وجهها للحائط ، اقتربت وتر منها تقول :
- كوكي يا حبيبة ماما واقفة كدة ليه يا حبيبي ؟ كوكي 
والصغيرة التفتت تنظر لوتر شعرت وتر بالقلق حين رأتها لسبب لا تعرفه نظرات عيون كايلا كانت ثابتة وجهها جامدة فتحت الصغيرة فمها فخرج من بين شفتيها صوت رجل أجش غاضب يهدد.:
- قوليله يرجع عن اللي في دماغه وإلا هنموت كايلا 
شهقت وتر مرتعبة قبل أن تخرج من بين شفتيها أعلى صرخة قد تصرخها يومًا 
____________
جلس على المقعد أمامه طبق طعام يقطع قطعة اللحم بالسكين بخفة قبل أن يغرز فيها الشوكة يقربها من فمه يتناولها ، دق هاتفه ففتح مكبر الصوت يجيب بكلمة واحدة :
- لقيتوها
رد عليه الطرف الآخر :
- ايوة يا وحيد بيه هي في اسكندرية عند دكتور اسمه أيمن بس ما نزلتش من البيت من ساعة ما جت
مسح فمه بمحرمة من القماش قبل أن يضعها جانبًا يردد ساخرًا :
- مش مشكلتي بتنزل ولا بتطلع بكرة تكون عندي 
- أمرك يا وحيد بيه 
أغلق وحيد الخط يضجع للخلف يضع ساقًا فوق أخرى يبتسم ساخرًا ملَّ للغاية من تقمص دور النبيل ، دور سخيف كطبق طعام فاخر لا يوجد به ذرة ملح واحدة ، لم يعد يستسيغ طعمه بعد الآن ، هو لم يُخلق هكذا تلك طبيعته حاول التطبع بغيرها ولكنه فشل ، وأشتاق بشدة للعب معها أمام صندوق الأفاعي ، أشتاق لرؤيتها تبكي وتتوسله ، أشتاق لسماعها تصرخ وتترجاه وهو يغتالها ، ولم يعد يطيق صبرًا لكل ذلك القدر المحبب لقلبه من المرح ، انتبهت حين دُق باب مكتبه فإذن لمساعدته بالدخول ، دخلت الفتاة تتحدث على عجل :
- وحيد بيه ، بعد نص ساعة افتتاح الملجأ ودار المسنين ، ولازم حضرتك تكون موجود
ابتسم في هدوء وقام يلتقط سترة حلته يرتديها يعقد أزرارها يقول باسمًا :
- أكيد طبعا ، اتفضلي أنا جاي وراكي 
خرجت مساعدته ليضحك هو ساخرًا ، وحيد بيه رجل الأعمال الخير يفتتح كل اسبوع مشروع خيري جديد يبرهن به نبله وحسن خُلقه للجميع ، كما أنه بات عضوًا في لجنة الدفاع عن حقوق المرأة ومحاربة العنف ضد السيدات وتلك أكثر فكاهة مضحكة فعلها في تاريخه 
_____________
جلس طه أمام صبا في المطعم ، ينظر لها يبتسم وهي تأكل ، تحاول أن تُمسك بالعصيان بشكل صحيح ، حتى هو لا يعرف يُمسك بهم بشكل صحيح فعلق ضاحكًا :
- يا بنتي أنا نفسي ما بعرفش أكل بيهم والله كُلي بالشوكة 
ابتسمت تومأ برأسها تختلس النظرات إليه وتلمع عينيها ويرقص قلبه فرحًا ، حمحم فجاءة يردف :
- هروح الحمام خمس دقايق وجاي
ابتسمت تومأ برأسها وتحرك هو صوب المرحاض دخل فلم يجد سوى شاب يمسح المرايا تحرك طه صوب الحوض يغسل يديه فسمع الشاب يتحدث بصوت هامس :
- اسمها مار ، واسمها بينهم التعلبة ، واسمها الحقيقي مارسيليا ، خد بالك لأنها هي اللي بتوصل كل أخبارك ليهم ، ما تتخدعش بوش الملاك 
وترك المرحاض وغادر في حين وقف طه ينظر لانعكاس صورته في المرأة مصعوقًا ، لا يصدق أنها كانت تخدغه كل تلك الفترة ، لا يصدق أنها شيطانة لتلك الدرجة ، إذا هي من قامت بتصوريه حين تخلص من المخدرات ، وهو من كان يخشى عليها منهم ، «مار» اسم وصل له كثيرا ولكنه لم يرها ابدًا ، ولكن أكتشف أنه أحب حفيدة مارسليو ، الشيطانة حبيبة جدها ، الثعلبة التي بفضل دهائها دخلت أطنان من المواد المخدرة للبلد !!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1