رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل الواحد و العشرون بقلم فاطمة على محمد
اقتربت "هيرينا" متهادية بخطواتها نحو "آشماداي" الذي كان بيطوفها بنظراته الولهة، عشان تقف قصاده بابتسامة خفيفة وهي بتقوله :
- طمني.. قابلت "شمس الاخاديد"؟
انفرجت إبتسامة "آشماداي" الماكرة، وهو يرفع زاوية فمه مرددًا بسخرية تامة :
- كانت زعلانة مني!.. أصلها فاقت من غيبوبتها ما لقتنيش قدامها، بس أنا شيلت الليلة كلها لملكها المبجل.
ضيقت "هيرينا" عينيها بتركيز، لمحاولة استيعاب ما يرمي إليه "آشماداي"، اللي استرسل في كلامه :
- فهمتها إنه رماني في السجن من أول لحظة شافني فيها وهي مغمى عليها، وإن الإنسية هي اللي مسيطرة عليه سيطرة تامة.
مطت "هيرينا" فمها بسخرية وهي بيتسأله:
- وصدقت؟!
هز "آشماداي" راسه بإيجاب وهو بيجاوبها بثقة عظيمة :
- صدقت طبعًا.. هي ما بتحبش الإنسية من أول لحظة شافتها فيها، ده غير إن "فولاك" فعلًا اتغير معاها من يوم ما عرف بجوازنا، تحديدًا من يوم ما جيت المملكة، وأعلنت قدامه جوازي من "شمس الأخاديد" زي ما اتفقنا.
سحبت "هيرينا" نفس قوي بغيظ أقوى، وحبسته بصدرها للحظات،قبل ما تزفره مع كلماتها الساخطة وهي شاردة بالظلام أمامها :
- كان لازم علاقتهم تتوتر، وده عمره ما كان هيحصل من ناحية "شمس الأخاديد" اللي بتحب ابنها أكتر من نفسها، واللي عندها استعداد إنها تفديه بحياتها، إنما طبيعي جدًا إنه يحصل من "فولاك"، اللي كبرياؤه عنده أهم من أمه ذاتها، واللي كنت متأكدة إنه هينفيها بعيد عن المملكة مجرد ما يعرف خبر جوازكم.
واحتدت نبرتها الغاضبة بحقد شديد وهي بتسترسل بكلامها :
- وفعلًا أصدر الأمر بنفيها، لكن إيه اللي حصل خلاه يرجع في تنفيذ الأمر!..ده اللي هيجنني لحد دلوقتي.
ورفعت "هيرينا" أنظارها ناحية "آشماداي" بحنق قوي مرددة :
- كنت فاكرة إنك هتقدر تسيطر عليها، وإنها مش هتقدر تستغنى عنك، لكني اتفاجئت برد فعلها، اللي خالف كل توقعاتي، عارف أكتر حاجة مستغرباها في الموضوع ده؟
حرك "آشماداي" راسه يمينًا ويسارًا بتساؤل صامت، جاوبته "هيرينا" على الفور :
- رد فعلها بعد ما فاقت من الغيبوبة، ده غير إنها فاقت بكامل صحتها وعافيتها، رغم إن العقار اللي أخدته بيعمل شلل كامل لكل الجسم، يعني يدوب العيون اللي تتحرك، إنما دي فاقت كأنها صاحية من حلم جميل.
ارتجفت الشفة العلوية لـ "آشماداي" بغيظ قوي وهو بيردد بحنق :
- "أوتو".. الطبيب "أوتو" اللي اتدخل بسرعة وقدر يديها مصل مضاد.. مش عارف طلع لنا ده منين؟!.. كان كبير الأطباء بيعمل كل اللي عايزينه، آه كان طماع ومادي وحقير، بس كان بينفذ كل أوامرنا.
زفرت "هيرينا" زفرة طويلة بعمق وهي بتتأمل الظلام الدامس أمامها مرددة بوعيد :
- دوره جاي، رغم إني حاولت أكتر من مرة أخلص منه، لكنه محارب قوي، وأنا كنت مستهونة بيه.
كور "آشماداي" قبضته بغيظ شديد وهو بيردد بصوت شيطاني :
- أنا قادر إني أحرقه مكانه، إديني الأوامر وأنا كفيل بيه.
اتجهت "هيرينا" بأنظارها الغاضبة ناحية "آشماداي" تنهره بغيظ حانق :
- دورك أنا رسماه، إياك تفكر تتعداه، مهمتك "شمس الأخاديد"، وإنت فشلت معاها مرتين، التالتة هتكون الأخيرة، فُرصك عندي كلها انتهت يا "آشماداي".
بلع "آشماداي" ريقه بتوتر شديد وهو بيقرب منها يغدقها بنظرات عاشقة مرددًا :
- هعمل كل اللي إنتِ عايزاه، بس اقبليني عاشق، أنا بعمل كل ده عشان بحبك، اتجوزت "شمس الأخاديد" بس عشان أساعدك في خطتك للفوز بالعرش، وواجهت "فولاك" واستفزيته عشان أدخل القصر وننتقم منه.. أنا مش شايف في الكون كله أنثى غيرك يا "هيرينا".
تعالت ضحكات ساخرة من حلق "هيرينا" وهي بتطبطب على كتفه بتهكم قوي مرددة من بين ضحكاتها :
- حب إيه يا "آشماداي"؟! .. الحب ده ما أعرفوش، ولا محتاجة أعرفه، أو يمكن أنا مش شايفة في الكون ده كله حد يستاهل حبي غيري، عشان كده ما بحبش غيري، وبعمل كل حاجة عشان أسعد نفسي.
واحتدت نبرتها بغضب قوي وهي بتقوله :
- السعادة اللي اتحرمت منها طول عمري، كنت دايمًا هوا موجود في حياة الملك "برقان"، ما كانش شايف غير "فولاك" و "نيرون"؛ حتى "خوان"! .. كان بيتهتم بيه أكتر مني، مش فاكرة مرة اتبسط إنه شافني، ولا مرة أثنى عليا زي أي أب، أنا بيتهيألي إنه ما كانش يعرف إني موجودة من الأساس، عشان كده قررت أفرض سيطرتي على الكل، وأقولهم إني موجودة، الوحيد اللي فشلت معاه كان "فولاك" عشان كده فكرت أحطله السم في المشروب، لكني فشلت.. بس ملحوقة، أديني رجعت المملكة، والقصر وأقدر أحاول تاني وتالت وعاشر، لحد ما أقعد على كرسي العرش، وأحكم كل ممالك الجان، وأثبت للملك "برقان" إني الأفضل من بين كل اللي كان يعرفهم.
طوفها "آشماداي" بنظراته وهو بيهمس جوارها :
- إنتِ فعلًا الأفضل يا "هيرينا"، وهتحكمي العالم كله وأنا معاكِ.
زفرت "هيرينا" زفرة قوية بلامبالاة وهي بتجاوبه بجدية مغايرة لمجرى الحديث :
- تخليك جنب "شمس الأخاديد" طول الوقت، لازم تكون تحت عينينا لحد ما تيجي اللحظة المناسبة، اللي هتودع فيها عالمنا مع ملكها "فولاك" العظيم.
هز "آشماداي" راسه بموافقة، عشان تغادر "هيرينا" بخطاها الواثقة.
*******
في صباح اليوم التالي؛ كانت "نور" بحديقة القصر، قاعدة على المقعد المقابل لحديقة "فولاك" الخاصة، تتأملها بشرود تام، وخافقها يثور بين أضلعها شوقًا، عشان يقرب منها "أوتو" بابتسامة حافية مرددًا :
- صباح الخير.
اتنهدت "نور" تنهيدة قوية وهي بترفع أنظارها البشوشة نحو "أوتو" مرددة بحفاوة:
- أهلًا بك يا طبيب.
وتحركت لأقصى طرف المقعد وهي بتشاور ناحية الطرف الآخر قائلة بابتسامة واسعة:
- اتفضل أقعد.
سحب "أوتو" نفس عميق وهو يجلس جوارها مصوبًا أنظاره نحو حديقة "فولاك" مرددًا :
- جميلة! .. مش كده؟
اتجهت "نور" بأنظارها ناحية "أوتو" تراقب محط أنظاره مرددة بتنهيدة حارة:
- مش بالمكان يا طبيب، بالأشخاص والذكريات، واللحظات الحلوة.
رفع "أوتو" وجهه نحو السماء متنهدًا بحرارة وهو يردد بشوق كبير :
- صح.. بالأشخاص واللحظات الحلوة.
لاحظت "نور" تأثر "أوتو" القوي، فالتفتت بجسدها نحوه وهي ترمقه بنظرات متفحصة للحظات قبل أن تردد :
-ده الموضوع كبير قوي، حب جامد يعني زي ما بنقول!.. مين هي؟.. وإمتى؟.. وفين؟.. إنسية ولا جنية؟.. جاوب بسرعة.
هبط "أوتو" بأنظاره نحوها وهو يبتسم ابتسامة واسعة على فضولها القاتل الذي سيطر على كامل تركيزها، عشان يجاوبها بتلقائية :
- هو مش هي.
برقت عينين "نور" بصدمة قوية، تحولت سريعًا لامتعاض أقوى، وهي بتنزوي بجسدها في طرف المقعد مرددة باستياء تمكن من حروفها وملامحها:
- إنت منهم؟!.. فعلًا المظاهر خداعة.
راقب "أوتو" ملامح "نور" بعدم فهم وهو بيحرك راسه يمين وشمال بدهشة مرددًا باستغراب قوي:
- من مين؟!.. ومظاهر إيه؟ أنا مش فاهم حاجة!
استشعرت "نور" صدق "أوتو" في حديثه، فلانت ملامحها بشكل تدريجي وهي تبتلع ريقها بتوتر مرددة بتساؤل:
- جاوبني الأول؛ إنت تقصد إيه بـ هو مش هي دي؟!
سحب "أوتو" نفس قوي بحنين صادق، زفره مع كلماته المشتاقة :
- جلالة الملك "برقان".
قالها "أوتو" وسكت طويلًا، عشان تبصله "نور" بترقب للحظات قبل ما تحرك سبابتها أمام وجهها أفقيًا بحركة دائرية وهي تردد :
- كمل.. بلاش تقولي كلمتين وتسكت، بدل ما شيطاني يصورلي حاجات تخليني أرجع العالم بتاعي في لحظة، وأنسى اليوم اللي شفتكم كلكم فيه.. فالله يسترك كده إعملي جملة مفيدة تبينلي كل الحقايق.. إيه حكايتك بقا مع الملك "برقان"؟
مال "أوتو" براسه يمينًا وهو يشرد في الماضي البعيد مرددًا :
- جن صبي مرمي في الغابة، شارف على الموت، أو بالأصح كان بيحتضر، كان حاسس بوجع شديد، ونار أشد بتنسلخ من جسمه، قاوم على قد ما يقدر، لكن مقاومته مكانش لها أي فايدة.. سامع صهيل خيول حواليه، لكنه مش قادر يستغيث بيهم.. لحد ما الأصوات بعدت، ومابقاش هناك مفر من الموت.
كانت علامات الحزن والألم مسيطرة على ملامح "نور" اللي انفعلت مع الحكاية، عشان تهز راسها بوجع مرددة :
- وبعدين.
حرك "أوتو" راسه بألم مسترسلًا :
- استسلم للموت، وبطل مقاومته، يمكن مات وقتها.
تجمعت الدموع بعيون "نور" بحزن قوي وهي بتسأله :
- أخوك؟
بلع "أوتو" ريقه بغصة قوية في حلقه مرددًا بحشرجة للحظات :
- أنا.
جعدت "نور" جبينها بدهشة مرددة باستغراب شديد:
- إيه؟!.. إزاي وإنت قدامي أهو؟!
ابتسم "أوتو" ابتسامة خفيفة وهو بيجاوبها:
- فتحت عيني فجأة لقيت نقطة نور جاية من بعيد قوي، غمضتها وفتحتها أكتر من مرة لحد ما الصورة وضحت قدامي، ولقيتها مشعل متعلق في جدار كهف أنا نايم على سرير جواه.. حاولت استكشف المكان حواليا عشان أعرف أنا فين، لكن ماكانش فيه حاجة محتاجة استكشاف، يدوب سرير مصنوع من جذوع الشجر، ومشدود فوقيه فرشة صوف، وجنبي كرسي خشب صغير مرصوص عليه أدوية، وغير كده مافيش.. حاولت أقوم من مكاني لكني كنت حاسس بدوار قوي.
سكت "أوتو"، للحظات طالت، فأشعلت فضول "نور" اللي هتفت باهتمام قوي :
- وبعدين.
زفر "أوتو" زفرة قوية وهو بيجاوبها بابتسامة باهتة :
- استسلمت لضعفي وبقيت في السرير، ماهو أكيد اللي أنقذني وعالجني مش مستنى أفوق عشان يئذيني.
ابتسمت "نور" ابتسامة واسعة وهي بتفرقع أصابعها بظفر مرددة :
- صح جدًا.. كمل.
هز "أوتو" راسه بهدوء مستطردًا :
- عدى الوقت ولقيت جني ذو هيبة ووقار ظهر قدامي فجأة، وابتدى يهتم بيا، وكان سعيد جدًا إني استعدت وعيي، وعرفت منه إني صارعت الموت لشهور، وإن رجوعي للحياة كان بمعجزة.
رفعت "نور" حاجبها بتفكير للحظات وهي بتسأله بترقب حذر :
- الملك "برقان"؟
هز "أوتو" راسه بموافقة مرددًا بنبرة ممتنة :
- بنفسه.. تخيلي ملك يهتم بجني صغير بيصارع الموت لشهور، ويجوب الأرض شمال وجنوب عشان يجيب ترياق الشفا، يواجه الموت عشان يجيب برعم من "عين الشيطان" ويستخدمه ترياق يشفيني.
رددت "نور" بشرود متعجب :
- "عين الشيطان"؟!
ابتسم "أوتو" ابتسامة واسعة مرددًا بأريحية تامة :
- جلالته اللي حكالي عن سحرها، وعن قوتها في الشفا، عملني كمان أحضر منها الترياق.. علمني الطب وكل أسراره، علمني الحرب وفنونها ودهائها، علمني الحب ولغته، كان ملك عظيم، هيفضل مديون له بعمري لآخر نفس فيا، الدين اللي لو فضلت أسدده لجلالة الملك "فولاك" طول حياتي مش هوفيه.
اتسعت ابتسامة "نور" العاشقة وهي بتهمس بنبرة حالمة :
- عشان كده "فولاك" فيه كل الصفات الجميلة دي، كنت بتعجب وارثها من منين وأمه "شمس الأخاديد"، ما كنتش أعرف إنه والده يتحب أكتر منه.
في اللحظة دي كان هناك زوج من العيون العاشقة تلتهم قسمات وجهها، ونيران الغيرة تشتعل في فؤاده، فتلك الإنسية سلبت قلبه وعقله، والآن تلهو بأوتارهما وهي تبتسم تلك الإبتسامة الساحرة لهذا الطبيب الأحمق، ليخطو نحوهما بخطوات متزنة ظاهريًا وهو يبتسم ابتسامة مصطنعة موجهًا كلامه لـ "أوتو":
- اطمنت على صحة جلالة الملكة "شمس الأخاديد"؟
انتفض "أوتو" من مجلسه واقفًا باحترام شديد وهو ينحني براسه مرددًا :
- جلالتها كانت لسه نايمة.. همر عليها وأطمن جلالتك.
هز "فولاك" راسه بخفة مرددًا :
- روح افحص جلالتها، وطمني.
حرك "أوتو" راسه بموافقة قبل ما يغادر الحديقة، عشان تودعه "نور" بابتسامة خفيفة، اشعلت آخر فتيل من غيرة "فولاك"، اللي اتحرك مواجهًا لها يحجب عنها رؤيته وهو يردد بنبرة مغتاظة:
- خلاص مشي يا "نور".
ارتفعت "نور"، بأنظارها العاشقة نحوه تتأمله للحظات صمت طالت، لكن صوت" فولاك" العاشق قطعها قائلًا :
- مالك؟!
انفرجت إبتسامة "نور" وهي تُجيبه بسعادة غامرة :
- بحبك قوي، وواثقة فيك قوي، وحاسة معاك بالأمان قوي.
تراقص قلب "فولاك" طربًا بين أضلعه، وهو يطوفها بنظراته المتيمة، مختزلًا المسافة الفاصلة بينهما لإنشات قليلة، وهو يميل نحوها هامسًا بتحذير عاشق :
- إياكِ أن تلهي بأوتار قلبي ثانية، فقد وقع أسير عينيك، والآن يريد أن يقتنص شفاهكِ الوردية بقبلة جامجة تنقطع معها أنفاسنا، وتنتهي كيفما أريد أنا.
قربه منها مُهلك في جميع الأحوال، أما همسه هذا فنيران دافئة تُذيب جليد قلبها، لتجعله خاضعًا لجموح عشقه، لكنها استفاقت من هذا أخيرًا بخجل شديد وهي تدفعه بكفها بعيدًا عنها مرددةً بتوتر قوي :
- إنت غلس جدًا على فكرة.
وركضت مهرولة نحو غرفتها، لتترك عاشق متيم خلفها يراقبه زوج من العيون الحاقدة.
*******
أما "خوان" واللي كان في طرف الحديقة الخلفية، تكسو ملامحه علامات الغيظ والغضب، ليزفر زفرة قوية وهو يلتفت ناحية سور الحديقة الجانبي، قبل أن يتحرك بهمة ساخطًا، عشان يوقفه صوتها الأنثوي:
- اتأخرت عليك؟
استدار "خوان" بكامل جسده ناحية مصدر الصوت، يطوفها بنظراته الغاضبة، عشان تقرب منه بابتسامة واسعة مرددة :
- كان لازم أهرب من "نيرون"، متتبع كل خطواتي بشكل مستفز.
زفر "خوان" زفرة حانقة وهو بيبصلها بضيق مرددًا :
- عايزة إيه يا "مويرا"؟
اقتربت منه لمسافة قليلة وابتسامتها مزينة لمحياها البشوش مرددة :
- عارفة إنك أكتر واحد هتقدر تساعدني إني أستعيد "فولاك".
رفع "خوان" زاوية فمه بابتسامة متهكمة مرددًا بسخرية:
- تستعيدي "فولاك" إزاي؟.. دا إنتِ واحدة خنتيه، وفضلتي إنسي عليه، وبعدين إحنا ما بنسامحش في خيانة.
زمت "مويرا" شفاهها بتفكير عميق صاحب نظراتها الضيقة وهي بتقوله :
- مابتسمحوش في خيانة!.. خليك فاكر الجملة دي كويس.
ضيق "خوان" عينيه بترقب مرددًا :
- يعني إيه؟
هزت "مويرا" راسها بنفي مرددة :
- مش مهم.. خلينا في "فولاك".. أنا عايزاه يرجعلي، أنا متأكدة إنه لسه بيحبني، وغضبه مني غيرة وغيظ مش أكتر.
تعالت ضحكات "خوان" الساخرة في الأرجاء، وهو بيجاوبها من بينهما :
- بيحبك؟!.. وغيرة؟!
وتوقفت ضحكاته بشكل كامل وهو بيسترسل بحديثه:
- "فولاك" مش شايفك من الأساس عشان يغيير عليكي، لأنه ببساطة بيحب "نور".
اشتعل الغضب بأحداق "مويرا" وهي ترمقه بحقد قوي مرددة :
- "فولاك" يحب الإنسية؟!.. دا أنا أقتلها وأوزع أشلاءها بين العوالم، وإنت متأكد إني أقدر أعمل كده، بس محتاجة منك مساعدة بسيطة.
فهم "خوان" مقصد "مويرا" فقرر اللعب معها قليلًا، ليتصنع عدم الفهم مرددًا :
- مش فاهم.
قطعت "مويرا" المسافة الفاصلة بينهما؛ حتى أصبحت في مواجهته تمامًا وهي تقول بجدية صارمة :
- استدرجلي الإنسية لخارج القصر، وأنا هقوم بالباقي.
ضيق "خوان" عينيه باستفهام مرددًا:
- هتعملي فيها إيه؟
ابتسمت "مويرا" ابتسامة شيطانية وهي تجاوبه:
- هعمل فيها زي ما عملت في جوزها، يعني تقتل نفسها بإيدها، وأنا واقفة اتفرج عليها وبشرب نخب الانتصار.
سألها "خوان" بجدية:
- يعني المطلوب مني أجيبهالك لحد عندك، وإنتِ تخليها تقتل نفسها وتشربي نخب انتصارك فوق رُفاتها؟
هزت "مويرا" راسها بإيجاب، عشان تتبدل ملامح "خوان" لحظيًا وهو بيقبض على عنقها بقبضة فولاذية مرددًا بغضب متهكم :
- سايبة العوالم اللي خلقها ربنا كلها، وجاية تطلبي مني أنا إني أأذي "نور"، اللي اتكفلت بحمايتها من أول يوم لمست رجلها فيه أرض المملكة، واللي اعتبرتني أخ ليها.. جاية إنتِ بكل بساطة تطلبي مني أخون!.. وأخون مين؟!.. "فولاك"!.. اللي مستعد يضحي بروحه عشاني!.. واللي أنا مستعد أفديه بعمري..
تحشرجت أنفاس "مويرًا" بقوة وهي بتدفع يد "خوان" بعيد عنها بأيديها المتشجنة، لكنه كان حجر صوان ثابت، لم تستطيع أن تزحزحه ميللي واحد، عشان يكمل كلامه الغاضب بتهديد شديد اللهجة :
- عايزك بس تفكري بينك وبين نفسك مرة تانية في الموضوع ده، وأنا قسمًا بربي لأشيل قلبك من بين ضلوعك بإيدي دي، وأحرقه قدام شعب المملكة، وأوزع ترابه في كل الأنهار الجارية.. لو حابة تطلعي الشيطان الخامد جوايا، حاولي تقربي من "نور".
ودفعها بعيد عنه بكل قوته وهو بيبصلها بامتعاض شديد، قبل ما يغادر المكان.
*****
في قصر الملك "العيلان"، كان يعتلي عرشه يملي التعليمات الأخيرة على جنوده، ليدخل إليه أحدهم مرددًا بإنحناءة شديدة:
- سمو الأميرة "هيرينا" تطلب الإذن بالدخول جلالتك.
انتفض "العيلان" من مجلسه بابتسامة واسعة وهو بيشير لرجاله بالإنصراف في نفس الوقت اللي سمح لها بالدخول، عشان يقابلها مهللًا بحفاوة :
- أهلًا بيكي يا سمو الأميرة.
والتقط كفها يدمغ قبلة طويلة على ظهره، لتطوفه هي بابتسامة واسعة مرددة :
- أهلًا بجلالتك.
استقام "العيلان" بوقفته يرافقها إلى المقعد المجاور لكرسي العرش خاصته مرددًا :
- غيابك طال علينا سموك!
ابتسمت "هيرينا" وهي بتلتفت ناحية باب الغرفة، والذي عبره بعض من الجنود الحاملين لصناديق كبيرة محملة بالمجوهرات والأحجار الكريمة، مرددة :
- هدية بسيطة لجلالتك.
أشار "العيلان" لجنوده بأن يتركوها وينصرفوا، عشان يلتفت نحوها مرة أخرى مجرد ما اطمئن قلبه لإنصرافهم وهو بيردد بابتسامة واسعة :
- خيرك سابق سموك، وبعدين أنا وجنودي رهن إشارة منك، وفي أي وقت.
انفرجت إبتسامة "هيرينا" بسعادة وهي بتقوله :
- ده تعبير عن امتناني ليك، تنفيذك للخطة بكل خطواتها كان مظبوط بالميللي، والمسرحية دخلت على الجميع ، وأديني رجعت لـ "خوان"، ورجعت مملكتي مرة تانية.
مال "العيلان" بجذعه نحوها قليلًا مرددًا بابتسامة ماكرة:
- لو تحبي نحول المسرحية دي لحقيقة بعد ما تحققي أهدافك أنا موافق، بس تحبيني زي ما هحبك.
طوفت "هيرينا" ملامح وجهه بإمعان شديد وهي بتتنهد تنهيدة حارة متستنكرة :
- يعني "خوان" بوسامته وجاذبيته ماقدرش يحرك دقة واحدة في قلبي، فعايز تيجي إنت وتطلب مني إني أحبك؟!
واتغيرت نبرتها لأكتر جدية وهي بتسترسل:
- اللي بينا شغل ومصالح مش أكتر، يعني إنت بتقدملي خدمة وبتاخد تمنها، فـ إياك تطمع في أكتر من كده، عشان ساعتها هتخسرني وللأبد، وبعدين أنا قولتلك ميت مرة إني مابحبش حد غير "هيرينا".
اعتدل "العيلان" في جلسته، واستقام بجسده بابتسامة غير مبالية مرددًا :
- قولت أجرب حظي معاكِ للمرة الأخيرة.
هزت "هيرينا" راسها بنفي مرددة بصرامة :
- أولها زي آخرها عندي، قراراتي واحدة، وقناعاتي واحدة، وأهدافي واحدة.
استرخى "العيلان" بمجلسه وهي بيسند طرف ذقنه على قبضته مرددًا باستياء بعض الشيء:
- عارف يا سمو الأميرة، ياريت أعرف سبب تشريفك ليا بالزيارة؟.. بيتهيألي إننا نهينا حسابنا آخر مرة.
زفرت "هيرينا" زفرة قوية وهي بتشاور بايدها ناحية الصناديق، ونظراتها متعلقة بأنظار "العيلان" مرددة بجدية:
-ده عشان الإتفاق الجديد.
بصلها "العيلان" بتمعن وهو بيسألها:
- المطلوب؟
جاوبته "هيرينا" بعملية:
- جنودك تكون مستعدة للدخول في حرب بأوامر من "نيرون".
اعتدل "العيلان" في جلسته مرددًا بتوتر :
- أنا اديت الأوامر لجنودي بالانسحاب من معاه.
اشتعل غضب "هيرينا"، وبرقت عيناها بناره التي أشعلت جميع المفروشات حولها بطريقة أرهبت "العيلان" ذاته، عشان يقوم من مكانه بذعر، يقف مقابل لها وهي بيقوله بصوت آجوف مُخيف :
- مين إداك الأوامر بكده؟
بلع "العيلان" ريقه بهلع وهو بيتراجع للخلف قليلًا مرددًا بتلعثم:
- أنا فقدت جنود كتير بسبب الشيطان اللي لبس "نيرون"، ماعتش عندي استعداد أفقد جنود أكتر.
تحولت ملامح "هيرينا" الأنثوية لملامح شيطانية، بعيونها الكبيرة القاتمة، وتلك الحرافيش التي غطت كامل جلدها، وأظافرها التي تحولت لحوافر ملتوية، وهي تقترب منه مرددة بصوتها الرنان:
- دفعت دية كل جندي إتقتل، ومستعدة أدفع دية كل جنودك لو ماتوا، بس أوصل لكرسي العرش.
برقت عيون "العيلان" بذعر قوي من "هيرينا" وهيئتها التي يراها عليها لأول مرة، عشان يهز راسه بموافقة صامتة، لتهدأ هي بشكل تدريجي، وتعود لهيئتها ثانية وهي تتراجع للخلف متنهدة بأنفاس متلاحقة كمن كانت تركض في سباق دولي.
تراجعت خطوات أخرى؛ حتى جلست على مقعدها وهي تشاور ناحية مقعد "العيلان" مرددة :
- اجلس يا جلالة الملك.
هز "العيلان" راسه بموافقة وهو بيتحرك ناحية مقعده يحتله بخوف شديد منتظر تعليماتها القادمة بصمت تام، عشان تقوله بجدية وكأن شيئًا لم يكن :
- جنودك تستعد للحرب اللي هتدخلها مع "فولاك" وجيشه بأمر مباشر من "نيرون" اللي عايز يستعيد حبيبته "مويرا".
هز "العيلان" راسه بموافقة وهو يراقب انفعالات وجهها اللي ابتدت تلين كثيرًا، قبل أن تنهض مغادرة للغرفة، ويتنهد هو براحة شديد متناولًا كأس من الشراب البارد من جواره، يدفعه داخل حلقه دفعة واحدة.
********
انتهى الطبيب "أوتو" من فحص "شمس الأخاديد" تحت أنظار "آشماداي" اللي كان بيراقبهم بغيظ دفين، خاصة لما استقام "أوتو" بجسده مرددًا:
- كل وظائف جلالتك الحيوية شغالة على أتم وجه، تقدري تخرجي للحديقة تشمي هوا نقي، وده هيكون مفيد لجلالتك في الوقت ده.
ابتسمت "شمس الأخاديد" ابتسامة ممتنة لـ "أوتو" مرددة :
- ممنونة لك يا طبيب، وجودك أصبح مهم في حياتي.
بدالها "أوتو" بابتسامة خفيفة مرددًا :
- تحت أمر جلالتك في أي وقت.. اسمحي لي بالمغادرة.
هزت "شمس الأخاديد" راسها بموافقة، عشان يغادر "أوتو" في نفس الوقت اللي قرب منها "آشماداي" ونيران الغيرة تتقاذف في أحداقه مرددًا بسخرية :
- وجودك أصبح مهم في حياتي!.. تغازلين جني آخر في وجودي؟!.. الواضح إن وجودي أصبح بلا أي أهمية لكِ!
نهضت "شمس الأخاديد" من فراشها متجهة صوب مرآتها تعدل من خصلاتها النارية، وهي تطوف هيئتها بإعجاب شديد مُجيبة:
- أنا مدينة للطبيب بحياتي، هو اللي أنقذني في الوقت المناسب، في نفس الوقت اللي كنت إنت فيه مرمي في السجن.
احتدت نبرة "آشماداي" بغضب قوي مرددًا :
- ابنك هو اللي رماني في السجن ده.
سحبت "شمس الأخاديد" قنينة عطرها تنثر شذاه حول عنقها، وأعلى صدرها مرددة بلامبالاة:
- مش هتفرق كتير.
ارتسمت معالم الصدمة على وجه "آشماداي" اللي ردد باستغراب قوي:
- يعني إيه؟!
وضعت "شمس الأخاديد" قنينة عطرها مرة اخري وهي تردد :
- اللي فهمته يا "آشماداي".
وقف مقابلًا لها وهو يسحب نفس عميق ملأ به صدره للحظات قبل أن يردد مستنكرًا :
- اللي فهمته!.. طب أنا مش هقدر أعيش في المملكة هنا، وبما إنك بقيتي أفضل ياريت ننفذ أمر النفي.
مطت "شمس الأخاديد" شفاهها بلامبالاة مرددة بثبات :
- نفذه إنت، أنا مش هسيب مملكتي.
