رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل الثانى و العشرون بقلم فاطمة على محمد
نهار هادئ نسبيًا للجميع ، تحديدًا "فولاك" اللي كان قاعد في حديقته الخاصة يتأمل البراح قدامه بشرود امتزج بابتسامة ساحرة خطفت قلب "نور" اللي كانت بتقرب منه بابتسامة عاشقة رغم تعجبها من حالته، اللي عليها من ساعة تقريبًا، عشان تقعد على المقعد المقابل له وهي بتقوله بفضول نهش عقلها :
- بتضحك لمين؟!
اتسعت ابتسامة "فولاك" وهو بيتجه لها بأنظاره متنهدًا بتنهيدة حارة صاحبت كلماته:
- للطبيعة.
ضيقت "نور" عينيها بشك وهي بتقوله بتهكم مبطن:
- والله؟!.. دا أنا كنت بحسب لجنية مخفية عني.
استشعر "فولاك" غيرة "نور" الساخرة، عشان يسحب نفس قوي وهو بيقولها بمكر :
- أكيد لأ.. أنا قدامي أجمل جنية شافتها عيوني.
رفعت "نور" حاجبها بغيظ شديد وهي بتلتفت في جميع الاتجاهات حواليها بغضب مرددة :
- طب ما توريني الجنية دي وأنا أحكم بذات نفسي يا عفريت أفندي.
تعالت ضحكة مجلجلة من جوف "فولاك" سلبت عقل "نور" اللي استقرت بأنظارها نحوه متأمله ملامحه بقسمات مشدوهة، لتتهادى ضحكته تدريجيًا حتى هدأت تمامًا، وهو يردد بجرأة :
- موافق يا جنية قلب وعقل العفريت أفندي.
ومال نحوها بجذعه حتى تلاقت أحداقهما، ليهمس بعشق وله:
- تقدري تشوفيها في عيوني دلوقتي، بما إن مفيش حوالينا أي مراية.
انتفض قلب "نور" بين أضلعها بقوة، عشان تحمحم بخجل قوي وهي بتدفعه بكفها البارد الذي لاصق صدره المشتعل مرددة :
- إنت عديت كل حدود الغلاسة على فكرة.
عاد "فولاك" بظهره للخلف؛ حتى استقام بجلسته يراقب خجلها بسعادة غامرة مرددًا بوله :
- معاكِ عديت كل حدود العشق، إوعي تبعدي عني يوم يا "نور".
ومال ناحيتها مرة تانية مرددًا بجدية:
- وإلا قسمًا بربي لأتخطى كل حدود العقل والمنطق في إعادتك ليا مرة تانية.
سعادة غامرة احتلت قلب "نور"، اللي بصتله بعيون لامعة، مرددة:
- يعني مستعد تحارب عشاني بجد؟
صمت "فولاك" للحظات تأملها بها وهو يتنهد بعمق مرددًا :
- أدق أبواق الحرب في كل العالم، أحتل بلاد وممالك، أأسر ملوك وأمراء، أسن قوانين، وألغي دساتير، عشانك كل شيء مباح يا نور دربي.
اشتعلت حُمرة الخجل بوجنتي "نور"، وتسارعت دقات خافقها بتوتر قوي، وهي بتطوف قسمات وجه "فولاك" بنظرات عاشقة، هامسة بهذيان:
- بحبك.
اتسعت إبتسامة "فولاك" وتنهد بقوة وهو بيتراجع بجسده في مقعده، مغمضًا عيونه باستماع هامسًا :
- "نور".. "نور".
وبلحظة استعاد همته بشكل مفاجيء كمن استفاق على صدمة كبرى، عشان يفتح عينيه مرددًا بكلام غير مجرى الحديث :
- الجو حلو النهاردة، تحسي إنه بيضحك.
فهمت "نور" ما يحاول"فولاك" فعله، فتجاوبت معه بابتسامة خفيفة مرددة :
- معاك حق.. طمني عن جلالة الملكة" شمس الأخاديد".
هز "فولاك" راسه دون أن ينظر لها مرددًا :
- بأفضل حال
سحبت "نور" نفس قوي، زفرته ببطيء مرددة :
- الحمد لله.. هقوم أنا أشوف "رنة".
هز "فولاك" راسه بموافقة مرددًا :
- تمام.
جعدت "نور" جبينها بصدمة، فللمرة الأولى يقبل بعدها عنه، لكنها سيطرت على دهشتها ونهضت من مكانها مغادرة تحت أنظار "فولاك" الشاردة.
*******
أما "خوان" واللي كان لسه في غرفته بيرتدي ثيابه، عشان تقرب منه "هيرينا" بمنامتها المثيرة، تحتضنه بنعومة مرددة بدلال :
- حساك مهموم، أو فيه حاجة شغلاك.
فك "خوان" إيديها من حول خصره وأجلسها مقابلة له وهو يجلس على طرف الفراش ليرتدي نعله مرددًا :
- الجيش وتأمين المملكة.
اقتربت منه "هيرينا" بإغواء مرددة بلا تصديق :
- طول عمرك قائد للجيش، ومسئول عن تأمين المملكة، لكني عمري ماشفتك بالحالة دي.
سحب "خوان" نفس قوي عبأ به صدره لدقيقة كاملة قبل أن يزفره مرددًا بثقل :
- "مويرا".
عقدت "هيرينا" حاجبيها بدهشة، وجدية تحلت بها في لحظات وهي بتسأله :
- مالها؟!
سحب "خوان" نفس آخر، زفره مع حديثه :
- قابلتني إمبارح..
اشتعلت الغيرة بقلب "هيرينا"، ونهشت كل قسماتها، وهي بتقاطع حديثه مرددة بصدمة :
- قابلتك؟!.. ليه؟
تجاهل "خوان" غيرتها تمامًا وأجابها بجدية بملامح متجهمة :
- عايزاني أساعدها إنها ترجع لـ "فولاك".
ابتسمت "هيرينا" ابتسامة متهكمة وهي بتقوله :
- بعد كل ده عايزة ترجع له؟!.. وانت قولتلها ايه؟
حرك "خوان" راسه برفض وهو بيبصلها بنظرات ثاقبة مرددًا:
- قولتلها مستحيل، الخيانة ما بتتغفرش، ولا بتتنسي.
هزت "هيرينا" راسها بلامبالاة متعجبة في حديثها :
- بس ده أكيد مش السبب اللي مخليك بالشكل ده، لأنك رديت عليها، يعني عرفت ردك اللي هو أكيد نفس رد "فولاك".
صمت "خوان" للحظات يقرأ انفعالات "هيرينا" الجامدة، قبل أن يزفر زفرة قوية مُجيبًا :
- عايزة تقتل "نور"، وعايزاني أساعدها في ده.
انفرجت إبتسامة "هيرينا" للحظات لم تطل، وهي تسأله بلهفة :
- وقولتلها إيه؟
اشتعلت "نيران" الغضب بأحداق "خوان" اللي انتفض قائمًا من مجلسه وهو بيبصلها بدهشة مرددًا :
- ودي محتاجة سؤال؟!.. أكيد عمري ما هساعدها تعمل كده في "نور"، وأكيد هقف في طريقها لو فكرت تئذيها بأي شكل من الأشكال.
نهضت "هيرينا" هي الأخرى من مكانها، وهي بتبسم بتهكم قوي مرددة بسخرية:
- ده إنت عشقتها بقا؟!
جعد "خوان" جبينه بصدمة غاضبة وهو بيقبض على دراعها بكل قوته يسحبها ناحية صدره المتشنجة عضلاته ، وهو يرمقها بنظرات حارقة، مرددًا :
- مش "خوان" اللي يخون، أو يعشق وهو متجوز، الخيانة عندي لا مقبولة، ولا طبع فيا، وإلا كنت عملتها من سنين.
ونفض ايدها بعيد عنه بكل قوته، قبل ما يسيبها ويغادر الغرفة، عشان تتحسس موضع قبضته بوجع، وهي بتبصله بغضب قوي، هامسةً بوعيد :
- تماديت معايا يا "خوان"، إياك تفكر إن صبري عليك ضعف أو عشق، إنما كل شيء بأوان، وإنت أوانك جاي جاي.
********
"نيرون" واللي ابتدى يحس بضعف عام في جسمه في الفترات الأخيرة، وده على عكس العادة، ده غير قدراته الشيطانية اللي ابتدت تتلاشى تمامًا، وتلاشى معاها جزء كبير من غريزة الانتقام عنده، لكنه كان لسه جواه الجزء اللي بيفكر ينتقم من "فولاك".
دخل "نيرون" لغرفة ابنه واللي كان معاه المربية الخاصة بيه، واللي مجرد ما بصلها انحنت بخضوع وغادرت الأوضة في صمت، عشان يلتفت بأنظاره ناحية فراش "برقان" اللي كان صاحي.
قرب منه "نيرون" ببطئ، عشان يقف أخيرًا قصاده يتأمله بجمود دام لدقايق طويلة، وهو بيردد جواه :
- إمتى وإزاي؟.. وليه عملت كده؟.. من إمتى وإحنا جوانا الشر ده؟..
ابتسم "برقان" ابتسامة واسعة وعينيه متعلقة بعينين "نيرون" اللي ابتسم بشكل تلقائي، وهو بيدنو منه يحمله بين ذراعيه برفق مرددًا :
- كان نفسي أقولك إنك شبهي، أو أقولك خد كل صفاتي، لكنها مش الأفضل بيننا.
ورفعه قصاد عيونه يطوفه بنظرات صادقة لأول مرة :
- بتمنى من قلبي تكون نسخة من جدك الملك "برقان"، عشان كده سميتك على اسمه، كان ملك عادل وحكيم، كان الكل بيهابه وبيعمله ألف حساب، كنت فخور بيه وأنا صغير.
وتحرك "نيرون" ناحية المقعد المقابل لسرير "برقان"، وجلس أعلاه، وعيونه لسه متعلقة بعيون صغيره وهو بيكمل كلامه :
- حاول كتير ياخدني معاه الحروب، ومجالس الحكم زي "فولاك"، لكني ماكنتش بحب ده، على عكس "فولاك" اللي كان من صغره مرافق له في كل حاجة، حروب، مجالس، ورحلات صيد.. وده كان على هوا جدك، وكان فخور بيه، وبيتباهى بيه في كل مجلس، لحد ما صيته سمع في كل الممالك، وابتدى الكل يحبه ويعجب بيه، وهو كان يستاهل.. كان فصيح اللسان، وحكيم من صغره، كان عادل، وكان بيحبني، وبيحميني من كل أذى ممكن أقابله.
وحاد بنظراته عن صغيره، يشرد في الفراغ خلفه مرددًا بشجن قوي :
-لدرجة إنه اتحرق مكاني، وبسبب فضولي، وهوسي بكتاب التعاويذ، واللي سرقته من ورا جدك، وابتديت أقرأ طلاسمه وتعاويذه، وكانت تعويذة الاحتراق في لحظات الخطر.. يومها النار مسكت فيا، ولساني كان بيتحرك بالتعويذة ومش قادر أسيطر عليه، في اللحظة دي عمك دخل الأوضة فجأة ولقى الكتاب في ايدي، والنار ماسكة في رجليا..
برقت عيون "نيرون" بدموع عجيبة، وابتدى صوته يرتفع بانفعال قوي وهو بيكمل كلامه :
- يومها جري عليا، وشد الكتاب من ايدي بثبات، وقتها أنا غضبت منه، لأنه كان شايف الكتاب أهم مني، وحاول يحميه، وسابني بتحرق، لكنها لحظات قليلة قوي وابتدى يقلب صفحاته بسرعة رهيبة، لحد ما وقف على صفحة، حروفها طارت منها وهو بيقرأها، وكل ما يقرأ كلمة، حروفها تتحرك من الكتاب وتطير، لحد ما تتلاشى تمامًا، ومع كل كلمة كانت بتقل من التعويذة، النار كانت بتقل في جسمي، لحد ما الكلمات كلها اختفت ماعدا كلمة واحدة، مش راضية تتحرك من مكانها، ولا قادر ينطقها، الكلمة دي كانت كلمة (ذاتك)، عشان ألاقيه فجأة بيرمي الكتاب، في نفس اللحظة اللي حضني فيها بكل قوته، عشان تتنقل النار من جسمي لجسمه، وتتنقل معاها حروف الكلمة للهوا، لحد ما اختفت تمامًا.
وابتدت أنفاس "نيرون" تصعد وتهبط بقوة وهو بيقول :
- فجأة جسمي انطفى، وجسم "فولاك" ابتدت النار تشتعل فيه، وبكل قوة، حاولت أنقذه، لكني خوفت، وبعدت عنه عشان ما اتحرقش تاني، وجع الحرق صعب ماحدش يقدر يتحمله، لكن "فولاك" كان واقف صامد، وعينيه بتبصلي بثبات، وأنا برجع لورا زي الجبان، لحد ما دخل الملك "برقان"، واتصدم من منظره، وشاف الكتاب مرمي على الأرض، يومها قولتله إني دخلت عليه بالصدفة، لقيته بيقرأ في الكتاب لحد ما حرق نفسه، الملك خاف عليا من بشاعة المنظر وخرجني بره الأوضة، وابتدى يقرأ تعاويذه بكل قوة، لحد ما النار انطفت، وعمك فضل يتعالج لأيام طويلة... صوت جدك لسه في وداني، بسمعه كل يوم.. جدك مات وهو فاكر إن "فولاك" هو اللي حرق نفسه، السر ده كان بيني وبين وعمك بس.. لحد اللحظة دي.
ونزل بإيديه مسافة قليلة، قرب فيها "برقان" من حضنه، عشان يضمه لصدره برفق وهو بيتنفس بعمق مرددًا بحزن:
- أنا ماعرفش العداوة بيني وبين "فولاك" بدأت إمتى وإزاي؟!.. آخر حاجة فاكرها إننا كنا قريبين من بعض، وكنت بقلده في كل حاجة بيعملها، لكن فجأة كل حاجة اتبدلت، حتى المشاعر، الحب جوايا إتحول لكراهية، الإعجاب إتحول لحقد وغيظ وغضب، حاولت كتير افتكر إيه السبب لكني ماقدرتش، كل اللي فاكره خروجنا من المملكة بعد موت الملك "برقان"، ومن يومها كل حاجة اتبدلت.
وشدد من احتضان "برقان" وهو بيتنهد بقوة هامسًا:
-كل حاجة اتبدلت.
********
"نور" دخلت أوضتها بشرود تام، وهي بتفكر في حال "فولاك" العجيب، واللي كانت أول مرة تشوفه عليه، عشان تقعد على طرف السرير، وايدها متمسكة بعموده المعدني، وهي بتردد :
- فيه حاجة غريبة!.. "فولاك" عامل زي اللي بيتفرج على مسلسل ومستمتع بيه، حالة السكون والهدوء اللي هو فيها وراها حاجة.
كانت "رنة" متعلقة بسقف الغرفة، بتراقب "نور" اللي بتكلم نفسها بتمعن، عشان تحرك جناحاتها في الهوا، وتهبط قدامها مباشرة والتعجب مشكل ملامحها وهي بتسألها بدهشة:
- بتكلمي نفسك؟!
بصت لها "نور" بشرود للحظات قبل ما تقولها :
- بما إنك أكتر واحدة عارفة "فولاك"، تبقى إنتي اللي هتجاوبيني وترضي فضولي.
ضمت "رنة" جناحيها جانبها وهي بتبصلها بتركيز مرددة :
- اسألي، ولو عندي إجابة مش هتأخر.
اتنهدت "نور" بقوة وهي بتقولها :
- حاساه غريب النهاردة، مبتسم كده للحياة بزيادة، كأنه قاعد على شط جزيرة، وسرحان في لون السما قدامه، وده على عكس عادته، بيكون دايمًا مركز، وذهنه حاضر.
ابتسمت "رنة" ابتسامة إعجاب وهي بتقولها :
- شوفتي جلالة الملك قبل كده وهو بيلعب شطرنج؟
هزت "نور" راسها بنفي وهي بتقولها :
- لأ.. بس ده إيه علاقته باللي أنا بقوله؟
اتسعت إبتسامة "رنة" وهي بتجاوبها :
- بالعكس، الحالة اللي وصفتيها دي بالظبط بتكون حالة جلالته وهو قدام لوح الشطرنج، وخصمه فرحان بنصره المزيف، وبيوقع جنود الملك واحد ورا التاني، عشان يجي جلالته بحركة واحدة بس يوقع الملك نفسه، ويكسب الجولة، ومن بعدها الحرب كاملة.
مطت "نور" شفايفها بضيق وهي بتقولها :
- بس "فولاك"، لا كان قدامه لوح شطرنج، ولا خصم عشان ينتصر عليه.
هزت "رنة" راسها بنفي وهي بتقولها :
- بالعكس، جلالته طول الوقت قدامه لوح الشطرنج ومعاه خصومه، ودايمًا قدام عينه.
شردت "نور" للحظات تتذكر تعويذة التورية اللي حاجب بيها "فولاك" عنها المخلوقات المفزعة بالنسبالها، عشان تردد بتساؤل :
- خصمه ده شكله وحش؟.. مرعب يعني؟
ابتسمت "رنة" ابتسامة خفيفة وهي بتجاوبها بمغازلة :
- أكيد أي خصم قدام جلالته وحش، ماشوفتش طول حياتي في وسامة جلالة الملك "فولاك"، لما بيظهر قدامي بحس بقلبي بيرفرف جوايا أسرع من جناحاتي، أوقات كتير كنت بتمنى أكون جنية عشان أتجوزه، وأوقات أكتر كنت بشكر المولى إني فراشته الخاصة اللي رباها واهتم بيها، وإني الأنثى الوحيدة اللي يحق لها الاقتراب منه.
اشتعلت نيران الغيرة بصدر "نور"، اللي رفعت زاوية حاجبها وهي بتقولها بغيظ:
- أنثى إيه اللي تقرب منه يا "رنة"؟!.. أومال لو ما كونتيش فراشة؟!..وفراشة مشاغبة كمان!... لمي الدور كده وروحي دوريلك على دبور تتجوزيه، وتقضوها زن ليل نهار، إنما "فولاك" فمفيش أنثى غيري في حياته، فاهدي كده وصلي على النبي.
تعالت ضحكات "رنة"، ودوت في الغرفة وهي ترفع جناحيها جانبًا، ترفرف بهما في الهواء مرددة بمشاكسة:
- الإنسة وقعت في غرام ملك الجان.. "نور" تعشق جلالة الملك "فولاك" وتغار من "رنة" المسكينة، أرى نيران الغيرة مشتعلة بعينيك، ولهبها يتصاعد مع كلماتك يا إنسية.
وتلاشى صدى صوتها تدريجيًا مع خروجها من الغرفة، عشان تتبع "نور" أثرها وهي بتقول :
- يارب إنت رزقتني بجني كل تاء مربوطة في العالم ده بتحبه!.. هحارب مين أنا ولا مين؟.. بس الصراحة هو يتحب، ملك كده بجد وجداني، مش أي كلام يعني.
وضحكت ضحكة خجولة وهي بترمي جسدها على السرير خلفها، ساحبة شرشفه على وجهها بخجل شديد.
*******
كانت الخادمة تقف أمامها مطأطأة الرأس بحزن قوي، تقابل سيل جارف من صرخات "مويرا" الغاضبة، لتجد من تقترب منهما بابتسامة متهكمة وهي تطوفها بسخرية شديدة، عشان تحرك "مويرا" راسها للخادمة بغضب، فانصرفت على التو.
سحبت "مويرا" نفس قوي وهي بتعقد دراعاتها قدام صدرها بقوة متجهة بجسدها ناحية "هيرينا" اللي وقفت قدامها تمامًا وهي بتردد :
-"مويرا".. العائدة من الموت!
زمت "مويرا" فمها بامتعاض قوي، عشان تسترسل "هيرينا" بسخرية :
- "مويرا" الخائنة!
ابتسمت "مويرا" أخيرًا ابتسامة متهكمة وهي بتقولها:
- "هيرينا" الماكرة!
رفعت "هيرينا" يدها تلتقط خصلات شعر "مويرا" بين أطراف أناملها مرددة :
- عمرك شوفتي واحدة بتخون واحد وترجع تطلب الصفح والغفران؟!
رفعت "مويرا" حاجبها بقوة، وهي بتسحب خصلاتها برفق من بين أصابع "هيرينا" مرددة بسخرية :
- شوفت واحدة بتخون واحد وعايشة معاه بكل وقاحة.
ومالت برسها نحو أذن "هيرينا" مستكملة حديثها بسخرية:
- قوليلي يا "هيرينا".. إيه إحساس الست وهي نايمة في حضن جني وبتخونه من جني تاني؟
ارتبكت "هيرينا" للحظات وهي بتتجه بأنظارها ناحية "مويرا" اللي استرسلت سؤالها، اللي ألحقته بغمزة من عينيها :
- طب إيه إحساس الست وهي مع جني زي "آشماداي" كلنا عارفين مهنته كويس، وبنسمع عن شطارته فيها.
سيطر غضب "هيرينا" على توترها، وهي بتتراجع خطوة للخلف عشان تكون رؤيتها لـ "مويرا" كاملة وهي بتقولها:
- دا إنتِ خيالك سرح بيكي لبعيد قوي، ولا فاكرة الأميرة "هيرينا" بنت الملك "برقان" هتكون زيك؟!
تعالت ضحكات "مويرا" المتهكمة، قبل ما تعدل من موضع راسها وتستقيم به مرة أخرى، مرددة بسخرية :
- أكيد لأ.. هتكون زيي إزاي وهي اتفقت مع "آشماداي" يمثل العشق والغرام على الملكة "شمس الأخاديد"؟!.. هتكون زيي إزاي وهو متجوزة قائد عظيم زي"خوان" عشان بس تضمن وجودها في المملكة؟!.. ده غير إنها بتسيبه في الليالي وبتتسلل زي اللصوص عشان تروح تقابل "آشماداي" في الحديقة الخلفية!.. ولا هتكون زيي إزاي وهي حاولت تسم أخوها عشان تاخد عرشه؟!.. أكيد عمرها ما هتكون زيي!
اشتعل غضب "هيرينا" اللي مسكت دراعات "مويرا" بقبضتها القوية وهي بتقولها :
- كل ده كذب، أنا ماليش أي علاقة بـ "آشماداي"، ده غير إن "نيرون" الغبي هو اللي حاول يسم "فولاك".
تعالت ضحكة "مويرا" المتهكمة وهي بتقولها بسخرية:
- "نيرون"؟!.. اللي كان دُمية خيوطها كلها بين صوابعك وبتحركيها بشيطانك اللي كان مسيطر عليه؟!.. قولي الكلام ده لواحدة تانية، ما عاشتش وسطكم أكتر ما عاشت في مملكتها.
وتبدلت نبرة "مويرا" الساخرة لأخرى ساخطة وهي بتسترسل:
- واحدة كانت بتراقب الكل عشان تكتشف خباياهم، عشان تفرق بين الصالح والطالح فيهم، بين المحب والحاقد، فكانت أكتر واحدة عرفت نفوس كل اللي في المملكة دي، وأكتر واحدة فهمتك من أول يوم، حقدك كان باين قوي جوه عينيكي مهما كنتي بتمثلي، توب البراءة اللي كنتي لابساه ماكانش لايق عليكي، حقدك على "فولاك" كان باين في كل تصرفاتك.
وقربت منها قليلًا وهي بتقولها بتشفي:
- تعرفي إن نظرة الحقد اللي كانت متدارية ورا ابتسامتك في خطوبتنا كانت ترياق سعادة ليا، وأنا بشوف أحلامك كلها بتتبخر قدامك بجواز "فولاك" وتكوينه لأسرة، تعرفي أكتر حاجة مستغرباها في كل ده؟!.. إزاي واحد ذكي زي "خوان" ما قدرش يكشفك كل السنين دي؟!
تعالت ضحكة متهكمة من حلق "هيرينا" وهي بتجاوبها:
- عشان حَب، والحب أعمى، كان بيشوف تصرفاتي على إنها غيرة، وأنا كان عاجبني الإحساس ده، بس بدأت أمِل منه.
تعجبت "مويرا" من اعترافها، لكنه تعجب ما طالش، عشان تقولها "هيرينا" بلامبالاة:
- بما إن ورقي كله مكشوف قدامك، وورقك مكشوف قدامي، يبقى نتعاون سوا.
ابتسمت "مويرا" بسخرية وهي بتقولها:
- عمرك ما هتقدرى تكشفي ورقي يا "هيرينا"، بس لو تعاوننا ده فيه مصلحتي، يبقى يا أهلًا بالتحالف.
رددت "هيرينا" بجدية وحزم :
- هساعدك تخلصي من الإنسية.
سألتها "مويرا" بتعجب :
- والمقابل؟!
=العرش.
تعالت ضحكة ساخرة من "مويرا" وهي بتقولها :
- اللي هو مش هتطليه غير بموت "فولاك"؟!
أجابتها "هيرينا" بمكر:
- أو عدم أهليته.
ضيقت "مويرا" عينيها بتركيز قوي وهي بتردد باستنكار :
- عدم أهليته!
********
أما" شمس الأخاديد" واللي دخلت غرفتها تأخذ قيلولة لبعض الوقت، بعد ساعات من نهار ماشافتش فيه "آشماداي"، اتجهت أخيرًا نحو فراشها تتمدد أعلاه بكسل عجيب، لتسحب شرشفها وتغط في نوم عميق في لحظات.
بينما كان "آشماداي" يراقبها بعيون قادحة بنيران الغضب، وهو يهمس بوعيد غاضب:
- المرة دي مش هتعدي منها يا "شمس الأخاديد"، موتك هيكون مؤكد، بتبعيني وبتختاري ابنك ومملكتك؟!.. وكمان بتغازلي الطبيب الأحمق قدامي؟!.. طب شوفي مين فيهم هيقدر ينقذك من الموت دلوقتي.
واشتعلت عيونه بجمرات من نار قذفها بكل قوته نحو "شمس الأخاديد"، لكنها توقفت في الهواء على بُعد مسافة منها وكأنها ارتطمت بحاجز خفي.
ارتجفت شفاه "آشماداي" غضبًا، وحاول مرة أخرى قذف جمرة أكبر وأقوى، لكن ما حدث للأولى حدث للثانية، وللثالثة، ليزفر زفرة قوية ويخرج معها من خلف الستار الحاجب، هامسًا بحقد دفين وهو يصك على أسنانه :
- ولا حتى حصنك الحامي هيقدر يقف في طريقي.
وهرول نحوها يخترق مجالها، مقتربًا منها، يقف جوارها، في محاولة منه لقذف جمرة أخرى، لكنه فقد خواصه الآن ما أن دخل هذا المجال، لتنفض "شمس الأخاديد" شرشفها عنها بتعالٍ وكبرياء وهي تنهض من مرقدها، ترمقه بنظرات ساخرة مرددة :
- "آشماداي"! .. يا مسكين!
ارتبك "آشماداي" بقوة، ودنى منها يحاول القبض على عنقها، لكنه تسلسل بسلاسل حارقة، شلت حركته على الفور، لتتعالى ضحكات "شمس الأخاديد" الشامتة وهي تنهض من فراشها تقف أمامه مباشرة، مرددة:
- مش بقولك مسكين..
وتبدلت نبرتها في لحظة لنبرة أكتر بغضًا وهي تردد:
- غبي.. كنت فاكر إنك هتقدر تخلص مني بكل سهولة كده.
احتدت ملامح وجه "آشماداي" المُقيد وهو يتملص من بين قيوده مرددًا :
- كنت هقدر، بس لولا الطبيب الغبي اللي أنقذك ولحقك بالترياق.
تعالت ضحكات "شمس الأخاديد" الساخرة وهي تردد :
- مش بقولك غبي..
في اللحظة دي دخل "فولاك" يليه "أوتو" اللي قرب من "آشماداي" يبصله بنظرات ممتعضة وهو يردد :
- "أوتو" طبيب غبي يا "آشماداي"؟!
هاج "آشماداي" بين قيوده بصدمة كبيرة، تضاعفت عندما اقترب "فولاك" من والدته يحاوط كتفيها بذراعه مبتسمًا ابتسامة ذات مغزى وهو يعود بالذاكرة لأيامٍ قليلة، كان فيها "أوتو" يتابع حالة "شمس الأخاديد" كعادته في مناوبته الليلة، عشان يدخل "فولاك" الغرفة متنهدًا براحة يسأله:
- إيه الأخبار؟
التفت "أوتو" بأنظاره ناحية "فولاك" يجاوبه بعملية:
- المخدر ابتدى يروح من جسمها، هتفوق في أي لحظة.
سحب "فولاك" نفس قوي زفره بقوة متأهبًا لرد فعل والدته، واللي ابتدت تفوق بشكل تدريجي متمتمة :
- حقير.."آشماداي".. وغد.
اقترب "فولاك" من والدته يجلس جوارها على طرف الفراش، تحت أنظار "أوتو" المستعد للتدخل الفوري، عشان تحرك "شمس الاخاديد" جفونها بتثاقل شديد، قبل ما تفتح عيونها أخيرًا، وتشوف "فولاك" قدامها، لتنهض من مكانها تحتضنه بقوة باكية :
- "فولاك".. "آشماداي" حاول يقتلني.. "فولاك".
ضمها "فولاك" إلى صدره برفق، مرددًا :
- اهدي جلالتك.. أنا عارف كل حاجة.
ضيقت عيونها بدهشة وهي تبتعد عنه قليلًا، تطالعه باستغراب، مرددة :
- مش فاهمة.
سحب "فولاك" نفس قوي وهو بيطبطب على كتفها برفق مرددًا :
- هفهمك كل حاجة بعدين، بس اطمني، اللي حطه "آشماداي" في الماية ده كان مخدر، بدلناه بالسم اللي كان هيعمل لجسمك شلل تام.
شهقت "شمس الأخاديد" شهقة قوية بذعر، عشان يكمل "فولاك" كلامه بغضب قوي :
- الوغد لما إتأكد إنك هتسيبي المملكة حب يعطلك بأي شكل، بس كان متأكد إن موتك معناه خروجه من هنا وللأبد، وفشل كل مخططاته، عشان كده اختار سم يعملك شلل لكل جسمك.
سالت دموع "شمس الأخاديد" بغزارة وهي بتهز راسها برفض مرددة بأسى :
- كل ده ليه؟!.. دا أنا حبيته واتجوزته.
زفر "فولاك" زفرة قوية وهي بيحتضن كفها بين كفوفه برفق مرددًا :
- مش وقت للكلام ده.. خلينا في المهم، "أوتو" كان بيحقنك بالمخدر عشان "آشماداي" يطمن إن خطته نجحت، دلوقتي عايزينك تفوقي.
اشتعلت نيران الغضب بقلب وأحداق "شمس الأخاديد" وهي تردد بوعيد :
- أقسم إني أندمه على يوم ما اتولد، أدوقه كل أنواع العذاب، أخليه يشتهي الموت ولا يطوله.
هز "فولاك" راسه برفض مرددًا :
- مش هتعملي أي حاجة من دي.
عقدت "شمس الأخاديد" جبينها باستنكار، ليضغط "فولاك" على يدها برفق مسترسلًا:
- هتفوقي من غيبوبتك ناسية كل حاجة، وهتعامليه بشكل طبيعي جدًا، وهتتعاملي معايا بكل نفور، عايز الملكة "شمس الأخاديد" بقوتها وكبرياءها.
وبرقت عيون "فولاك" بنيران الغضب وهو يشرد بالفضاء خلف والدته مرددًا :
- لازم تلعبي على أعصابه عشان يفقد تركيزه، ويتهور بقراراته، دورك الأهم في المرحلة دي جلالتك
