رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم دينا جمال


 رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل الثاني والعشرون 

- قوليله يرجع عن اللي في دماغه وإلا هنموت كايلا 
شهقت وتر مرتعبة حين خرجت تلك الكلمات  من فم ابنتها الصغيرة بصوت أجش مخيف لرجل غاضب ، قبل أن تخرج من بين شفتيها أعلى صرخة قد تصرخها يومًا ، أثر صرختها سقطت كايلا أرضا فاقدة للوعي ، وجاء جبران يركض لداخل غرفة ابنتهم ، توسعت حدقتيه ذعرا حين رأى ابنته ملقاة أرضا ووتر تقف أمامها تنظر إليها مرتعبة كأنها ترى وحشا ، هرع إلى ابنته حملها بين ذراعيه لف رأسه إلى وتر انفعل يحادثها غاضبا :
- أنتِ واقفة متنحة وبتبصي للبنت كدة ليه ، وسيباها مغمي عليها 
وضع ابنته على الفراش ، يمسح على وجهها برفق شديد يحاول إيقاظها :
- كايلا ، كوكي اصحي يا حبيبة بابا 
كان يظنها مريضة أو فقدت وعيها ، أو مسها أذى ولكنها بدأت تفتح عينيها واستيقظت وابتسمت في وجهه تقول ناعسة :
- جبلان سيب كوكي تنام ، كوكي كانت بتلعب ونامت هناك جنب اللعب 
تنفس الصعداء حين فهم ما حدث كايلا كانت تلعب ونامت جوار ألعابها كما تفعل دومًا ، صرخة وتر هي ما أرعبته وظن أن الصغيرة أصابها سوء ، شد الغطاء يدثرها جيدًا ، يقبل جبينها ، تحرك ناحية وتر التي تقف مكانها متجمدة تنظر ناحية ابنتهم مذعورة ، تحرك ناحيتها أمسك بيدها يشدها لخارج الغرفة تحرك بها إلى الصالة وقف أمامها يسألها قلقا :
- مالك يا وتر صرختي ليه دا أنتي صرعتيني افتكرت البنت جرالها حاجة بعد الشر ، وبعدين دخلت الأوضة لقيتك متنحة ، وتر في إيه يا حبيبتي احكيلي 
ارتعشت شفتيها حين تذكرت المشهد الذي حدث قبل قليل فقط ، ارتمت بين أحضانه تبكي تتمسك به ، خرجت الأحرف من بين شفتيها ممزقة تماما ولكنه إستطاع أن يفهم بضع كلمات ، فضحك ابعدها عنه يمسح الدموع عن وجهها بخفة يمازحها : 
- دا إيه فيلم الرعب دا يا وتر ، دخلتي لقيتي كايلا باصة للحيطة ، وبعدين لفتلك وصوتها بقى صوت راجل ، ومين بقى اللي يرجع عن اللي في دماغه ، أنا !! ، وتر احنا اللي بعد اللي حصلنا الفترة اللي فاتت من حقك تشوفي تهيئات مش هلومك ، لو قولتيلي دخلت لقيت كايلا بتطير ، اقعدي ريحي وأنا هروح اجبلك كوباية عصير 
وتحرك إلى المطبخ تاركًا إياها ترتجف ، لا يمكن أن يكن ما رأته مجرد هلاوس أبدا ،انتبهت حين شعرت بحركة سريعة جوارها ورأت جسد صغير يقف بعيدا ينظر إليها ، ابتلعت لعابها مرتعبة تهمس :
- كايلا ، أنتي صحيتي يا حبيبتي
ولكنها لم تحصل على رد فقامت من مكانها ، قدميها ترتجف ، قلبها ينتفض ، كل ذرة بها ترتعش ، تحركت ناحيته ولكنها لم تجد أحد لم يكن هناك أي شيء كادت أن تبكي من الخوف ، صرخت حين وضع جبران يده على كتفها ، فعقد جبينه يحادثها قلقا :
- مالك يا وتر ، واقفة كدة ليه ، وكل شوية تصرخي ليه ؟
مدت كف يدها المرتجف تمسك بكف جبران ، اهتزت مقلتيها ذعرا تهمس مرتعبة :
- في حاجة غلط بتحصل يا جبران ، أنا عارفة أنك مش مصدقني وشايف أن اللي بقوله دا تخاريف أو هلاوس ، بس والله في حاجة غلط بتحصل ، كايلا فيها حاجة مش مظبوطة ، بص ما تصدقنيش بس ما ينفعش نسيبها بايتة لوحدها ، هاتها تنام جنبنا ، أو حد فينا ينام جنبها 
تنهد قلقا على وتر أكثر من كايلا ، فهو لم يرى أي مما قالت ، ربما ما حدث أثر بالسلب على نفسية وتر ، ابتسم يمسح على رأسها بخفة يطمأنها :
- أنا هنام جنب كايلا النهاردة وأنتِ ارتاحي ، أنا عارف أنك بتعملي كل دا عشان تنامي على السرير لوحدك يا سوسة 
ارتسمت ابتسامة مرتعشة على شفتيها ، قبل جبنيها وتحرك ناحية غرفة ابنتهم ، ابتسم ما أن رآها تغط في النوم كالملائكة ، تسطح جوارها يمسح على رأسها بخفة وهي تغط في النوم سمع صوت ضعيف يخرج منها قرب أذنه من فمها يستمع لما تقول فسمعها تتمتم :
-جدو سفيان ، ما تمشيش يا جدو ، ما تمشيش ، بابا جه ، تعالى نلوح مع بابا 
عقد جبينه يزفر أنفاسه متضايقا ، يكاد يجن ليعرف كيف عرفت ابنته باسم سفيان ولما تظل تكرره دومًا ، كاد أن يغمض عينيه حين لمحت عينيه ضل يمر سريعا من أمام عينيه فتح عينيه واعتدل جالسا لف رأسه هنا وهناك لم يكن هناك شيء كما يجب أن يكون ، تنهد ينفض تلك الفكرة السخيفة عن رأسه يبدو أنه تأثر فقط بما قالت وتر ، تمدد من جديد يضم ابنته لأحضانه ما كاد يُغمض لينام سمع همس بالقرب من أذنه ، صوت غريب عميق يتحدث بكل غضب :
- ما حدش هيقدر يحميها مننا لو ما رجعش لينا تاني
فتح عينيه مفزوعا ينظر حوله هنا وهناك لا شيء نظر لصغيرته التي تتوسد صدره رآها ترفع رأسها تنظر إليه ترتسم ابتسامة غريبة مخيفة على شفتيها تحدثت بصوت راجل غاضب :
- جدو سفيان السبب يا بابا 
صرخ مرتعبًا ، انتفض ينظر حوله مذعورًا ، كان حُلما مخيفا من الجيد أنه كان فقط حُلمًا 
________________
 -اسمها مار ، واسمها بينهم التعلبة ، واسمها الحقيقي مارسيليا ، خد بالك لأنها هي اللي بتوصل كل أخبارك ليهم ، ما تتخدعش بوش الملاك 
وترك المرحاض وغادر في حين وقف طه ينظر لانعكاس صورته في المرأة مصعوقًا ، لا يصدق أنها كانت تخدغه كل تلك الفترة ، لا يصدق أنها شيطانة لتلك الدرجة ،  كان يخشى عليها منهم ، «مار» اسم وصل له كثيرا ولكنه لم يرها ابدًا ، ولكن أكتشف أنه أحب حفيدة مارسليو ، الشيطانة حبيبة جدها ، الثعلبة التي بفضل دهائها دخلت أطنان من المواد المخدرة للبلد 
خرج من المرحاض ينظر لصبا الجميلة البريئة تجلس هناك على الطاولة أمام عينيه ، منذ عدة دقائق فقط كان يظنها أنها المعني الحي للبراءة على وجه الأرض ولكنه اكتشف الحقيقة ، أن الجالسة أمامه ما هي ألا حية رقطاء ، حرباء تتلون فخدعته وأجادت خدعتها ، شعر بالغضب الشديد مر أمام عينيه سريعا ما حدث وفهم أنها كانت السبب هي من صورته وهو يلقي بالمواد المخدرة ، هي من كانت السبب منذ البداية ، ولكنه ليس بأحمق ليكشف لها أنه علم حقيقتها ، تحرك ناحيتها وقف أمام الطاولة وابتسم ، فرفعت وجهها له وابتسمت على استحياء ؛ فضحك يعلو بصوته يسخر منها أمام جميع رواد المطعم :
- هو أنتِ فاكرة أن أنا ممكن أحب واحدة زيك بجد !!
جحظت مقلتيها ذهولا خاصة حين توقفت جميع الأصوات وصوبت جميع الأعين إليها ، أما هو فأكمل يطرق الحديد وهو ساخن :
- أنتِ مين يا حتة بتاعة أنتِ عشان أحبك ، حتة عاملة نضافة ، أنا اللي نضفتها وخليتها سكرتيرة مكتبي ، أنا زهقت ومش عايز أشوف خلقتك تاني ، فاكرة أن أنا بحبها وهتجوزها فعلا ، لاء يا حلوة أنا ما أحبش اوسخ نفسي ، أنا لما اتجوز هتجوز واحدة شهبي ، مش حتة عاملة ، آه أنا دفعت الحساب لأني عارف أكيد أن الملاليم اللي معاكي مش هيكفوا تدفعي الحساب
وتحرك يغادر المكان ، تاركًا إياها في موقف لا تحسد عليه ، تعمد فعل ذلك تعمد إهانتها بأسوء شكل ممكن حتى تغضب ، وحين تغضب ستُخطئ وهو سينتظر الخطأ الذي سيلف حبل المشنقة حول رقاب الجميع 
قبضت بأظافرها على المحرمة القماش على الطاولة تضرم نيران الغضب كل ذرة بها الوغد الأحمق المخنث كانت تخدعه فخدعها ، ستريه من هي ، ستريه 
وقفت عن مكانها نظرات الجميع مصوبة إليها ، ذلك المطعم كتب نهايته للأبد في تلك الحظة ما أن خرجت من باب المطعم رأت سيارة سوداء تقف أمامها فجاءة فتحت الباب ودخلت فأبصرت الجوكر يجلس ينتظرها على الأريكة بالخلف ، جلست جواره لم ينطق بحرف يعرف انها في أشد حالاتها غضبا الآن ، لف رأسه إليها وتحدث بكل حذر : 
- ما ينفعش تقتليه 
كانت شرارة الإنفجار لفت رأسها إليه وصرخت غاضبة :
- عارفة أنه ما ينفعش ، عارفة أن مارسيليو هيقلب الدنيا لو اتمس منه شعرة ، عارفة أنه الحفيد المفضل ، مش محتاجة اسمع أي حاجة من دي خالص ، بس حقي مش هسيبه ، وزي ما هزقني قدام الكل في المطعم ، أنا هزقه قدام الكل في الدنيا كلها ، مش هخليه يرفع وشه في حد تاني ، بس نخلص من العملية دي بقى 
رفعت جسدها وتحركت تفتح درج صغير في السيارة أخرجت منه زجاجة صغيرة بها مادة شفافة وسرنجة ، اعطتهم له ، نظر لها متضايقا لم تكن في حالة تسمح له بالجدال معها ، ملأ السرنجة بما في المادة وحقنها في ذراعها ، ابتسمت ساخرة تريح رأسها إلى الأريكة للحظات قبل أن تفتح عينيها مدت يدها إلى جيب سترته تخرج منها علبة سجائره وقداحة ، وضعت سيجارة بين شفتيها تشعلها نفثت الدخان في وجهه وابتسمت قبل أن تعود لجلستها السابقة تدندن وهي تضحك :
- وسيجارة جابت جيوان وجيوان جاب حباية ، حباية جابت شريط وابتدت الحكاية 
________
تسطحت إلى الفراش تتطلع لسقف الحجرة ارتسمت ابتسامة باهتة حزينة على شفتيها حين تجسدت صورته أمام عينيها ، اشتاقت له وبشدة ، لا تصدق أنه تركها وطلقها ، تعرف أن ما فعلته أغضبه وأنه خطأ جسيم وتقسم أنها لن تعيده من جديد ، كل ما عليها الآن هو تنفيذ خطة ميرا ، شقيقة حسن حتى يعود حسن إليها ، تشتاق له لدرجة أنها تود أن تذهب هي إليه الآن ، سمعت صوت الباب يُفتح فظنتها ميرا لفت رأسها صوب باب الغرفة فرأت حسن يقف هناك عند الباب يطالعها بنظرات فارغة خاوية من أي حياة ، اعتدلت جالسة سريعًا ما أن رأته تنظر له متوترة أما هو فمد يده وأغلق الباب وتحرك ناحيتها وقف أمام الفراش يدس يديه في جيبي سرواله وابتسم ساخرا يردف يتهكم منها :
-فكرة خايبة مهروسة في أفلام كتير ، ما تتدخلش على ظابط ، دي ما تدخلش على عيل صغير ، بطلي فرجة على أفلام يا أمل ، أنتِ مش البطلة اللي البطل هيسيب حياته عشان يجري وراها وينقذها 
كلماته القاسية أصابت قلبها بشدة ، قامت من مكانها تحركت إليه وقفت أمامها تنظر إليه تملأ الدموع عينيها تهمس بحرقة :
- بس أنا كنت البطلة يا حسن ، كنت البطلة اللي البطل كان معلق حياته بيها ، وهمل كل حاجة عشان يتجوزها ، دلوقتي شيلتني من دور البطولة ويا ترى حطيت مين مكاني
ابتسم ساخرا يرفع كتفيه لأعلى قليلا  يتحدث بلا مبلاة :
- لسه ما لقتش البطلة المناسبة ، لو تعرفي حد مناسب رشحيهالي ، أهم حاجة تكون بتسمع الكلام وما بتسلمش ودنها لكل من هب ودب 
حسن وكلماته القاسية التي يتعمد بها جرحها بشدة ، ولكنها لم تكن لتدعه ينتصر ، ابتسمت في هدوء همهمت تردف سريعا :
-ايوة أنا أعرف وممكن أقولك اسمها وعنوانها واديك رقم موبايلها كمان ، بس الأول ترشحلي إنت حد من زمايلك أو من صُحابك أنت أكيد أدرى بالمناسب منهم ، أنت ليك نظرة بردوا
رأت وجهه يحمر غضبا وعينيه تجحظ ، وفكه يشتد ، فطرقت الحديد وهو ساخن تزيده غضبا حين أردفت تقول سريعا وكأنها وجدت أخيرا حل المعادلة :
- اااااه تصدق صح ، أنا دلوقتي فهمت ، تصدق ممكن ، إحنا ما خلفناش السنين اللي فاتت دي عشان أصلا ما كناش هنكمل مع بعض ، ويمكن مكتوب أن كل واحد فينا يتجوز حد تاني ويخلف منه ، تفسير منطقي ما تنكرش 
كلماتها لم تزيده إلا غضبًا ، تحرك ناحيتها أمسك بذراعها يصرخ في وجهها غاضبا :
- أنتِ عايزة مني ايه بالظبط ، ما تبعدي عني بقااااا ، أنا مش طلقتك ، على الله اسمع عن أي فيلم هندي عملتيه تاني يا أمل ، صدقيني مش هعديه
لم تخف مما قال ، لم تكن جملة الخوف منه هو تحديدا موجودة في قاموس مشاعرها ، نظرت مباشرة لعينيه تسأله :
- هتعمل إيه ساعتها يا حسن ؟
ارتبك من سؤالها ،اهتزت حدقتيه لعدة لحظات قبل أن يترك ذراعها عاد خطوتين للخلف يتحدث بنبرة فارغة تماما من الحياة : 
- ابعدي عني يا أمل ما تدخليش حياتي تاني ، بعد إذنك خليكي برة حياتي ، أنا مش عايزك جواها تاني 
اهتزت مقلتيها بعنف لا تفهم ما به حسن بات يزهدها ينفر منها ، يكرهها ... حتى وإن اخطأت ولكن ليس لتلك الدرجة أبدا ، رأته يتحرك صوب باب الغرفة لتتحدث سريعا تسأله مرتعبة من الإجابة :
- حسن هو أنت بقيت بتكرهني ؟!
توقفت يده على المقبض لف رأسه لها ، نظرة عيني حسن تغيرت كثيرا ما به باتت نظراته فارغة وكأن الحياة نُزعت منها ، فتح فمه وتحدث :
- يوم ما القلب يكره نبضاته ، ساعتها أنا هكرهك يا أمل 
وفتح الباب وخرج وجذبه خلفه ولكنه لم يغادر بل ظل واقفًا مكانه يتذكر أول مرة رأها فيها  كانت تقف على العربة بصحبة والدتها ليقترب هو منهم استند على عمود الإضاءة المجاور لهم وبنبرة سوقية للغاية غمغم :
-بقولك يا أبلة اعمليلنا توليفة سندوتشات كدة من أيدكِ الحلوين أوي دول ، بس اعملي عدد بقى أحسن في قطيع هياكل والحساب عندي
نظرت إليه من أعلى لأسفل متقززة من طريقته الغريبة في الحديث يبدو وأنه قد تعاطى شيئ توا ليتحدث بتلك الطريقة الغريبة ، لتتدخل والدتها في تلك اللحظة :
- حاضر يا معلم حسن عنينا ليك ولرجالة المعلم جبران 
ابتسم حسن يتفحص أمل بنظراته قبل أن يغادر لتلتفت بجسدها بالكامل إلى والدتها تسألها :
-مين دا يا ماما وبيتكلم كدة ليه ومين الناس اللي جت الحارة فجاءة دي ومين الشمام اللي كان واقف دا
تنهد سيدة تكمل تقطيع ما في يدها تغمغم:
-من كام يوم لما كنتِ عند خالتك ، جه المعلم جبران ومعاه رجالته وحطوا أيديهم على المنطقة شكله راجل عوق يا أمل الحكومة نفسها مش عارفة تسلك معاه ربنا يسترها على الأيام الجاية 
وقبل أن تردف والدتها بكلمة أخرى أصفر وجهها تنظر خلف أمل لتسمع الأخيرة صوته الساخرة يأتي من خلفها :
-خلصتي السندويشات يا ست سيدة ولا كنتِ بتشرحي للأبلة بقى أنا المعلم حسن على سن ورمح يتقال عليا شمام ماشي يا أبلة هعديهالك عشان خاطر عيونك اللي مش عارفين لونها ايه بالظبط دي
وضحك عاليا التفت تنظر إليه حانقة ليلتقي فيروز عينيها بعينيه الزرقاء الحادة لتبتلع لعابها مرتبكة في تلك اللحظة شعرت بلكمة غريبة صدمت قلبها وقلبه معا !!
انتبه من شروده يتنهد ساخرا من نفسه قبل الجميع 
______________
هناك في الإسكندرية قرابة منتصف الليل خرج أيمن من غرفة النوم وقد بدل ثيابه بأخرى ، تحرك إلى الصالة حيث تجلس لمار بصحبة حياة تشاهدان التلفاز ، عقدت لمار حاجبيها تسأله :
- ايه دا يا أيمن رايح فين دلوقتي ؟
ابتسم في هدوء يتحرك صوب باب المنزل يردف :
- في مشكلة في المستشفى ساعة بالظبط وراجع ، ما تفتحوش الباب لحد أنا هفتح بالمفتاح لما أجي ، مش هتأخر
ابتسمت لمار تومأ برأسها ، غادر أيمن وما هي إلا دقائق فقط وسمعوا دقات على باب المنزل ، عقدت لمار حاجبيها تردف مرتابة :
- ما افتكرش أيمن لأنه معاه مفتاحه 
تحركت تنظر من الثقب الصغير في الباب فرأت ثلاث رجال ضخام الجثة يقفون أمام الباب ، توسعت حدقتيها ذعرًا من أن يكونوا عصابة لصوص ، تأكدت من أن الباب مُغلق ابتعدت للخلف تنظر لحياة خائفة اقتربت منها تهمس مذعورة تهمس بصوت خفيض :
- دول ناس شكلها غريب يا حياة ،أنا هطلب البوليس ، وأنتي كلمي أيمن خليه يرجع 
دب الذعر قلب حياة هي الأخرى ولكن قبل أن تقوم أي منهن بحركة واحدة ، كُسر باب المنزل وظهر الثلاث رجال أمامهم ، تحرك أحدهم مباشرة صوب لمار لف ذراعه حول رقبتها أخرج سلاح يضعه على رأسها ، ينظر صوب حياة يتحدث بكل احترام :
- مدام حياة ، أرجوكي انزلي معانا بكل هدوء ، لو عايزة تحافظي على حياة المدام والطفل الصغير
انتفضت حياة مذعورة تحرك رأسها سريعا لن تكن السبب في مقتل لمار وطفلها وهما لا ذنب لهما في شيء ، رأت لمار تحرك رأسها للجانبين وكأنها تطلب منها الرفض ، تطلب منها البقاء ارتسمت ابتسامة ذبيحة على شفتيها تتحدث بنبرة تنزف ألما :
- أنا عارفة حظي من زمان يا لمار مش مكتوب في حياتي تقريبا إني اعيش زي أي انسانة عادية 
رفعن رأسها تنظر للرجل تطلب منه بنبرة حادة :
- ابعد عنها وأنا كدة كدة جاية معاكوا ، بس أنا ما اضمنكوش 
وفعل الرجل ما طلبت بالضبط ترك لمار وتحرك يصطحب حياة هو ومعه لأسفل دون أن يمسها أحد وكأنهم حرس لا خاطفين ، فتحوا لها باب السيارة الخلفي ، من شكل السيارة الفخم ، عرفت لمن ستعود ، ما أن باتت بالداخل باغتها أحدهم ووضع منديل مبلل بمخدر على أنفها وهي لم تقاومه مقدار ذرة بل أغمضت عينيها وفقدت الوعي 
____________
أما هناك فعلى أحد المقاهي جلس أيمن وأمامه زياد ، يدور بينهما حديث هام ، حديث يتولى دفته أيمن بكل هدوء وتعقل :
- زياد أنا لولا أن أنا عارف ومتأكد أنك بتحب حياة ما كنتش قولتلك أبدا أنها عندي هنا ، زياد إنت طريقة تعاملك مع حياة غلط كلها ، حياة لازم تعيش وتخرج وتتعامل مع الناس وتشتغل عشان مخها يتفاعل في أحداث ، لكن اللي أنا فهمته أن حياة فارضة على نفسها العزلة في البيت ، وأنت الموضوع جاي على هواك أنا آسف في الكلمة ، وفي الأغلب أنت شايف أنك متطمن عليها وهي في البيت ، بس دا مش صح ، عقلها مستفرد بيها وبيفكرها بكل ذكريات الماضي البشعة وبيعيد ويزيد فيها ، عشان كدة حالتها بتسوء ما بتتحسنش فهمت ، أرجوك ما تكررش الغلطة دي تاني ، ويلا قوم معايا الموبايل فصل شحن وأنا سايبهم لوحدهم 
أيمن محق في كل كلمة قالها ، المصيبة الكبرى فيما فعله هو ، وهو لا يدري انه فعل لن تسامحه ببساطة أبدا ، توقفت سيارته أسفل منزل أيمن ، نزل منها يتحرك خلف أيمن إلى أعلى ، لف زياد رأسه هنا وهناك يسأله :
- هو أنت قاعد في العمارة دي لوحدك ؟
حرك أيمن رأسه لأعلى وأسفل يردف :
- دي عمارة جديدة معظم الشقق اتأجرت بس بتتشطب ، الصبح بتبقى الدنيا دوشة جداا فيها من العمال الموجودين في كل شقة ، إنما دلوقتي هدوء زي ما أنت شايف 
ما إن وصل أيمن للطابق توسعت حدقتيه ذعرًا حين رأى باب شقته مكسور ، ركض يدخل للشقة فرأى لمار تجلس في منتصف الصالة تحتضن طفلهم تبكي مذعورة ، أقترب منها يسألها مرتعبًا :
- لمار في ايه ، إيه اللي حصل ؟
تتابعت شهقاتها كلما حاولت الحديث اختنقت في بكائها وزادت من ضم صغيرها لها ، ألتقط أيمن كوب من الماء جعلها ترتشف القليل قبل أن تبدأ في البكاء تخبرهم بما حدث:
-كسروا باب الشقة ودخلوا ، ما لحقتش أكلم البوليس ، هددوا حياة أنهم هيموتوني أنا ومحمد لو ما راحتش معاه ، خافت علينا وراحت معاهم ، خطفوها يا ايمن خطفوها !!
_____________
فتحت مقلتيها تتطلع للسقف أمامها لا تتذكر ما حدث أو كيف جاءت لهنا ولكن المكان مألوف ، مألوف بشكل لم ينساه العقل أبدا ، تتذكر تلك الغرفة جيدا 
هنا حيث اختطفها المختل وليد أول مرة من بيت اللواء قبل عدة سنوات ، شهقت مرتعبة انتفضت حين فُتح الباب وظهر وليد بهيئته التي تعرف ، لم تقتنع يومًا بتلك الحكاية الزائفة أنه شقيقه التؤام النبيل فهي خير من تعرف الوغد أمامها ، الابتسامة الكبيرة على شفتيه تعرفها ، حركة عينيه الخبيثة تحفظها ، ذلك الوغد هو وليد
تحرك شفتيه تهمس باسمه :
_وليد
ضحك عاليا يحرك رأسه لأعلى وأسفل قبل أن يخطو لداخل الغرفة دفع الباب بقدمه فأغلقه ، أقترب منها يفتح ذراعيه على اتساعهما يقول مبتهجًا :
_ وحشتني يا حياة قلبي ، أنتي الوحيدة اللي ما صدقتيش تقريبا إني وحيد ، الدنيا كلها صدقت وبصمت بالعشرة ما عدا أنتِ ، إحنا اللي بينا بردوا مش قليل 
اقترب أكثر يعانقها فجاءة يعتصرها بين ذراعيه صرخت مرتعبة تحاول دفعه بعيدًا عنها ولكنه كان يقبض جسدها كالحية تعتصر فريستها :
_ ابعد عني أنت عايز مني ايه تاني ، مش كفاية كل اللي عملته فيا
حرك رأسه للجانبين احكم قبضته على ذراعيها يمسك بهما خلف ظهرها ، مرر كف يده الآخر على وجنتها برفق ارتعشت مقلتيه تسارعت أنفاسه يهمس بنبرة يُغرقها الهوس:
_ أنتِ بقيتي زي الإدمان في دمي يا حياة مش عارف أبعد عنك ، عايزك قدامي طول الوقت ، عايز اشوفك احضنك ، المسك 
توسعت حدقتيها هلعا حين ادركت مغزى كلماته الخبيثة حركت رأسها ترفض اغتياله لها ، اما هو فابتسم في جنون قبض على ذراعها يجذبها خلفه يخرج بها من الغرفة يردد سريعا:
_ لازم تشوفي أنا حضرت ايه عشانك
دخل بها إلى غرفة بعيدة متطرفة ما أن باتت داخل الغرفة وابصرت ما أمامها صرخت بكل قوتها ، صرخت حتى اختفت 
أنفاسها ، صندوق الأفاعي الكابوس الذي هاجمها لسنوات ها هو حي أمامها ، بمنظره المرعب البشع المخيف ، نظرت إليه مرتعبة تتوسله باكية مذعورة :
_ خرجني من هنا أبو أيدك خرجني من هنا ، أنا مش هستحمل أشوفه تاني 
صرخت من جديد حين دفعها بعنف ، دفعته القوية جعلت وجهها يلتصق بزجاج الصندوق ورأت الأفاعي تحاول الهجوم ولكن الزجاج يمنعها ، صرخت تزحف بجسدها بعيدا ، سمعت صوت الباب يُغلق ، ورأته يقترب يديه تحل ازرار قميصه يكرر نفس الجملة بنفس النبرة وكأن الزمن لم يتحرك للحظة حتى :
_ اشتقت للعب مع الصغيرة أمام صندوق الأفاعي !!
اقترب خطوة وأخرى وزحفت هي للخلف خطوة وأخرى إلى أن ارتطم ظهرها بصندوق الأفاعي فباتت الأفاعي خلفها والشيطان أمامها ، لم يحتمل عقلها الخوف أكثر فقدت الوعي من شدة الخوف ، تهدل جسدها أرضا ، فانتفض مذعورًا هرول إليها يربت على وجنتها بخفة يحادثها مرتعبًا :
- حياة ، حياة ، اصحي يا حبيبتي ، خلاص هخرجك من هنا خلاص
حملها بين ذراعيه يخرج بها سريعا من الغرفة إلى غرفة النوم حيث استيقظت جلس على الفراش وهي بين أحضانه ، ألتقط زجاجة عطر يحركها أمام أنفها لهفة ، رائحة عطره أيقظت عقلها مفزوعًا ، فتحت عينيها فشخصت ذعرا ما أن رأت نفسها بين أحضانه ، حاولت دفعه ولكنه أحكم سيطرته عليها يحادثها مترفقا :
- بس يا حبيبتي اهدي ما تخافيش إحنا في اوضتنا ، مش هدخلك هناك تاني أبدا 
انفجرت في البكاء تحاول دفعه بكل ما أوتيت من قوة ولكنه أحكم سيطرته على جسدها بشكل كامل حتى ترى الصورة من بعيد ، لعاشقة تبكي بين أحضان حبيبها 
______________
استيقظ جبران مفزوعا على صوت وتر تصرخ ، هب من فراش ابنته لم تكن في الغرفة هرع إلى الصالة فرأى كايلا تقف أمام وتر التي ترتعش خوفا حرفيا ، جسدها يرتجف بعنف اقترب خطوة وأخرى فسمع صوت أجش غليظ يخرج من فم ابنته :
- أنا عايز سفيان ، لو ما جاش هقتلها 
وقف جبران متجمدًا مكانه ينظر لإبنته الصغيرة مرتعبًا ، وهي تناظره بنظرات حادة قاسية لا تخرج أبدًا من طفلة في مثل عمرها ، زادت دقات قلبه حد الفزع حين تحدثت بصوت أجش مُخيف :
_ أنت لسه واقف يا بابا ، مش قولتلك أنا عاوزة جدو ، عاوزة جدو سفيان 
انتفض جسد جبران لا يفهم ما يحدث ، عقله توقف عن استيعاب ما الخطب الذي أصاب ابنته ، تحركت شفتيه يتحدث مرتعبًا : 
_ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مالك بس يا كايلا ، مالك يا حبيبتي  
انتبه على دقات على باب المنزل معها توسعت ابتسامة كايلا بشكل غريب قبل أن تقول وهي تضحك :
_ أهو جه ، افتح لجدو يا بابا 
لف رأسه للباب خلفه تحرك يفتحه فتوسعت حدقتيه ذهولا حين أبصر سفيان يقف أمامه ، مظهره رث مخيف وكأنه خرج من قبره توًا ، عينيه ثابتة غريبة تخبره أن الشخص أمامه فقد بصره على الأرجح ، صدمة رؤية سفيان أطاحت ما بقي من ثباته فصرخ ما أن رآه :
_ أنت عايش إزاي ولا أنت جن ولا ايييه ، وبنتي حصلها ايه
حرك سفيان العصا في يده يتحسس الطريق أمامه دون أن ينطق بحرف ، ما أن دخل خطى عدة خطوات إلى أن بات أمام كايلا وابتسم بكل هدوء يتحدث : 
_ أنا قدامك اهو يا غدار !!!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1