رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم فاطمة على محمد

رواية فجوة زمنية الجزء الثانى  الفصل الرابع و العشرون بقلم فاطمة على محمد


"مويرا" كانت واقفة قصاد شجرة عتيقة بحديقة قصرها، تتأملها بشرود تام، وهي بتتفحص تعريجات جذعها بانبهار قوي، ظهرت معالمه جلية على ابتسامتها الواسعة، عشان تقطع عليها شرودها ده "هيرينا" اللي اقتحمت عليها خلوتها كعادتها وهي بتردد بلهفة :

  - "مويرا"! .. لازم تساعديني. 

  

التفتت "مويرا" بجمود ناحية "هيرينا" اللي واضح عليها علامات الارتباك والتوتر، وهي بتقولها بثبات :

  - مش لازم يا "هيرينا". 

  

اقتربت منها "هيرينا" بخطواتها، لحد ما وقفت قدامها تمامًا وعلامات الغيظ ظاهرة على ملامحها وهي بتقولها :

  - لأ لازم.. معتش قدامي غيرك، الغبي "نيرون" سايباه في قصره بيحتضر، يعني مش هيقدر يساعدني، وعشان كده جيتلك، ولازم تساعديني، والنهاردة. 

  

قبضة عجيبة اعتصرت قلب "مويرا" للحظات، عشان تهز راسها باستنكار مرددة :

  - "نيرون" مين اللي بيحتضر؟!.. أخوكي؟! 

  

زفرت "هيرينا" زفرة قوية وهي بتهز راسها برفض وبتقولها :

  - سيبك من "نيرون" دلوقتي وخلينا في "فولاك". 


اشتعل غضب "مويرا"، وقدحت شراراته بأحداقها وهي بتقبض على دراعها بكل قوتها وبتقولها بغيظ اصطكت له أسنانها :

  - بقولك" نيرون" ماله؟

  

قرأت "هيرينا" غضب "مويرا" المخلوط بقلقها، واللي رسم نظراتها الزائغة، عشان تستغل ده في لحظات وهي بتقولها بلامبالاة مصطنعة:

  - بيحتضر في أوضته، حالته صعبة، جسمه اتحول لجسم هلامي، وفقد سيطرته التامة عليه. 

  

جعدت "مويرا" ما بين حاجبيها بصدمة وهي بتهز راسها بنفي وبتقولها :

  - أكيد بتكذبي، "نيرون" قوي، وجسمه بنيته قوية، إلا لو انتي بقا كان ليكي يد في الموضوع ده؟ 

  

رفعت "هيرينا" حاجبها، وهي بتمط شفايفها بلامبالاة مرددة :

  - وهو القوي مابيموتش؟!.. كلنا هنموت يا "مويرا"، حتى انتي.

  

ارتجفت شفاه "مويرا" بغضب قوي، وهي بتنفض دراع "هيرينا" من قبضتها وبتقولها بامتعاض شديد:

  - ماهي اللي تحاول تقتل أخوها الكبير، تعمل أي حاجة في الصغير، أنا لازم أروح له وأساعده زي ما ساعدني. 

  

هزت "هيرينا" راسها بنفي وهي بتجاوبها باستفزاز:

  - مش لازم يا "مويرا". 


استشعرت "مويرا" سخرية "هيرينا" لكنها لم تهتم لها، ودفعتها بعيدًا عنها وهي بتقولها بغضب :

  - مش إنتي اللي هتقوليلي إيه لازم وإيه مش لازم يا "هيرينا"،  هساعد "نيرون" يعني هساعده، له جميل عندي وجه وقت رده.

 

في لحظات كانت "هيرينا" بتقطع عليها الطريق، وهي بتعقد دراعاتها أمام صدرها مرددة بسخرية واضحة :

  - تردي جميل لـ "نيرون"!.. جديدة عليكي دي، بس عموما كل ده مايفرقش معايا، إنما حاجة تانية خالص هي اللي تفرق، واللي لو عملتيها هسيبك تدخلي المملكة بكل سلام وتساعدي "نيرون" كمان.. فما قدمكيش أي اختيار. 

 

ارتفعت زاوية فم "مويرا" بتهكم وهي بتقولها :

  - بتساوميني على حياة أخوكي؟!.. هقولك حاجة يا "هيرينا"، أنا آخر جنية في العالم ده تساوميها، خصوصًا وأنا كاشفة كل خططك القذرة، ومن زمان قوي، ده غير إنك إنتي اللي محتاجاني مش أنا، وإنتي اللي جايالي لحد قصري عشان تطلبي مني المساعدة، يبقى تفتكري بعد كل ده هخضع لمساومتك الحقيرة دي؟!

 

اتنهدت "هيرينا" بقوة وهي بتقولها بحزن مصطنع شابه بعض الكذب :

  - مسكين "نيرون" ميت ميت.. بس المشكلة مش في الموت خالص.. 

  

واحتدت نبرتها غيظًا وهي بتسترسل:

  - المشكلة في الشيطان اللي مع كل محاولة إنه يتلبسه وهو في حالته دي بيجلده بسوط من جحيم، تعرفي عمل كام محاولة لحد دلوقتي؟.. طب هيكمل كام محاولة تانية؟!.. طب تفتكري "نيرون" هيموت في المحاولة رقم كام؟

  

اشتعل غضب "مويرا" وهي بتدفعها عن طريقها بقوة مرددة :

  - وأنا قادرة أوقف المحاولات دي حالاً. 

  

= خروجك من باب القصر ده معناه موت "نيرون".. الاختيار ليكي يا سمو الأميرة. 


تسمرت أقدام "مويرا" بأرضها للحظات حاولت خلالها أن تستوعب ماقالته "هيرينا"، لتبتسم ابتسامة متهكمة وهي بتستدير نحوها بكامل جسدها مرددة بسخرية :

  - مش مستغرباكِ.

 

واتسمت نبرتها بالجديةوهي بتكمل كلامها :

  - وعندي استعداد تام أقولك أنتي حرة مع أخوكي، بس مشكلتي إني ما بنساش اللي اتعمل معايا سواء خير أو شر، وبرده زي ماهو بس بطريقتي، ولو التخلي عن "نيرون" هيكون فيه نجاته، فأنا على أتم استعداد.

 

تعالت ضحكات ساخرة بحلق "هيرينا" وهي بتقرب منها وبتقولها بتهكم:

  - غريبة قوي لما "مويرا" نفسها وبعد كل اللي عملته تكون عايزة ترد الجميل وتنقذ "نيرون"، بس طالما بقا دخلنا  في رد الجميل، يبقى مساعدتك ليا قصاد حياة "نيرون".. اختاري حالًا، لأن ماعنديش أي وقت لتفكيرك.

 

اشتعلت عيون"مويرا" بنيران الغضب وهي بتبصلها بغيظ قوي، قابلته "هيرينا" بابتسامة ساخرة. 


*******

أما "نور"، فخرجت من غرفتها تدور على "فولاك" اللي شامة ريحته حواليها حتى وهي مش شايفاه، واللي ضربات قلبها بتصرخ بين ضلوعها شوق ليه، كان فيه حالة عجيبة مسيطرة عليها في اللحظة دي، لكنها مش لاقية تفسير منطقي ليها غير إنه واحشها، وقوي كمان.


وقفت قدام أوضتها للحظات تدور عليه بعيون ملهوفة، لكنه ماكانش موجود، وفي الوقت ده مر "أوتو" اللي بصلها بابتسامة خفيفة وهو بيلقي عليها التحية، لكنها كانت أسرعت بسؤالها ليه:

  - ما شوفتش جلالة الملك؟

 

هز "أوتو" راسه بنفي وهو بيقولها :

  - لأ.. بس ممكن يكون في قاعة التدريب.

 

حركت "نور" راسها بنفي وهي بتقوله :

  - ماافتكرش، لأن لو راح كان هيعدي عليا الأول عشان نتدرب سوا.

 

بصلها "أوتو" بلا ردة فعل، عشان تضيق عينيها للحظات وهي بتسأله :

  - أنا حاسة إن فيه حاجة إنت مخبيها، خاصة بعد حريق أوضة "خوان"، هو فيه خطر على "فولاك"؟ 

  

استشعر "أوتو" قلق "نور"، فانفرجت ابتسامة مطمئنة تزين محياه وهو بيقولها:

  - ومن إمتى جلالة الملك مش معرض لخطر؟!.. لكنه قدها، ودايمًا بينتصر مهما كان خصمه. 

  

بصتله "نور" بصدمة وهي بتقوله بتوتر :

  - إنت فاكر إنك كده طمنتني؟!.. دا أنت أكدت احساسي، وزودت قلقي وخوفي. 

  

أجابها "أوتو" بنبرة شابها الإعجاب :

  - اللي يعرف جلالة الملك "فولاك"، عمره في حياته مايعرف خوف.. اطمني، الملك بخير، وهيكون بخير أكتر كمان. 

  

اتنهدت "نور" تنهيدة قوية بعمق وهي بتقوله :

  - المشكلة إني خايفة عليه هو، مش خايفة من أي حاجة تانية. 


انحنى "أوتو" بشكل أثار فضول "نور"، اللي التفتت خلفها تشوف مين وراها، عشان تبلع ريقها بتوتر مجرد ما عينيها وقعت على "شمس الأخاديد" عشان تهمس داخلها :

  - إيه اللي جاب العفريتة دي دلوقتي يا ربي؟!.. "فولاك" مش هنا عشان يدافع عنك يا "نور" اعملي كده مارشدير وادخلي أوضتك واقفلي الباب في وشها ووش "أوتو" كمان، أصلها مش طالبة تقطيم دلوقتي خالص. 

  

وتقهقرت للخلف بانسحاب تكتيكي أحبطته "شمس الأخاديد" بسؤالها:

  - رايحة فين يا "نور"؟ 

  

تلجمت أقدام "نور" بأرضها وهي بترفع أنظارها تتلاقى مع أنظار الأخرى مرددة بارتباك :

  - داخلة أنام.. مش عارفة النوم كبس عليا فجأة كده ليه؟!.. بعد إذن جلالتك. 

  

أجابتها "شمس الأخاديد" بمودة :

  - تعالي نشم هوا بره والنوم ده هيروح. 

  

برقت عينين "نور" بصدمة وهي بتوزع أنظارها من بين "شمس الاخاديد" و "أوتو" اللي كان فارض كل سيطرته على ضحكته اللي حاولت التمرد عليه ، لكنه نجح في رسم الجمود على ملامحه وهو بيقول للملكة :

  - اسمحيلي بالانصراف جلالتك. 

  

هزت "شمس الأخاديد" راسها بموافقة، عشان تكز "نور" على أسنانها وهي بتقرب منه بغيظ مرددة من بينها :

  - هتروح فين وتسيبني مع العفريتة دي يا "أوتو"؟!.. دي عندها استعداد تاكلني عادي، وحياة أمك عفريتة هانم تخليك معايا. 

  

تمردت ابتسامة "أوتو" وتحررت، لكنه استدار بكامل جسده سريعًا يغادر، عشان تبلع "نور" ريقها بتوتر وهي بتفرك طرف فستانها بكفها بتردد، عشان تقولها "شمس الأخاديد" بتحفيز:

  - يلا يا "نور". 

  

حمحت "نور" بتوتر، وسحبت نفس قوي وهي بتغمض عينها وبتهمس:

  - اجمدي يا "نور" كده، هتعملك إيه يعني في نور ربنا ده؟!

  

وفتحت عينها بقوة وهي بتلحقها وبتمتم :

  - وهما دول يفرق معاهم نور ولا ضلمة.. يلا لأجل الورد. 

  

وتبعت خطوات "شمس الأخاديد" اللي توقفت بعد لحظات قدام مقعد كبير في الحديقة، وجلست أعلاه وهي بتبصلها وبتقولها:

  - اقعدي يا "نور". 

  

ابتسمت "نور" ابتسامة باهتة وهي بتقعد على مسافة منها، عشان تتنهد "شمس الأخاديد" بقوة وهي بتفاجئها بسؤال مباغت :

  - عايزة إيه من "فولاك" يا "نور"؟ 

  

تضاعف توتر "نور"، وبلعت ريقها بصعوبة وهو بتهز راسها برفض وبتقولها :

  - مش عايزة منه حاجة. 

  

=أومال إنتي لسه هنا ليه؟ 


بصتلها "نور" للحظات تراقب انفعالات وجهها الباردة، عشان تستجمع قوتها وهي بتقولها باستغراب قوي :

  - هو إنتِ مش بتحبيني ليه؟!.. حاسة إنك بتكرهيني قوي، كأني واكلة ورثك! 

  

عقدت "شمس الأخاديد" جبينها قليلًا وهي بتقولها :

  - مين قال إني بكرهك؟ 


أصبحت نبرة "نور" أكثر جدية وهي بتجاوبها:

  - تصرفاتك معايا.. من أول لحظة شوفيني فيها وإنتي بتعامليني بعدواة، مع إني كنت بساعد ابنك وقتها، وفي وضع زي ده المفروض تشيليهالي جِميلة على الأقل، مش طالبة منك إنك ترديها، لكن كل اللي عايزاه إني أعيش في سلام بينكم. 

  

سألتها "شمس الأخاديد" بجمود:

  - وعايزة تعيشي بيننا ليه؟ 

  

ارتجفت نبرة "نور" قليلًا، ولانت كثيرًا وهي بتجاوبها بشرود :

  - عشان "فولاك" هنا. 

  

=وإنتي مالك ومال "فولاك". 


أجابتها "نور" بنفس الشرود، لكن نبرتها اصطبغت بجميع ألوان العشق:

  - عشان بحبه.. بعيش إحساس عمري ما جربته، عارفة الأمان؟.. أهو ده بالظبط اللي بحسه جنبه، لكن لما بيبعد بخاف.. من يوم ما فوقتي من غيبوتك وعاملتيني بالمعاملة دي وأنا والله في كل ليلة باخد قرار إني أنساه وأسيب عالمكم ده وأمشي، لكن بصحى الصبح ألاقيه واحشني، وهتجنن وأشوفه.. بحس إني هضيع من غيره وأنا والله ما صدقت ألقى نفسي، وأكون قد حالي.. أوقات كتير بتمنى إن كل ده يكون حلم جميل هفوق منه لما أصحى، و هرجعله تاني لما أنام، على الأقل هكون نايمة في بيتي، وماتجيش تسأليني إنتِ هنا ليه؟ 

  

كانت "شمس الأخاديد" بتنصت لكلام "نور" بإرهاف، وبتأثر قوي ظهر على ملامحها، خاصة وهي بتقولها :

  - أمي ماتت وأنا عندي ست سنين، وأبويا رفض يتجوز، وعاش عشاني، لكني كتير كنت بحتاج حضن أمي، مش هقولك كان بيوحشني حضنها، لأني مش مستوعبة لحد اللحظة دي، قولت لما هتجوز ربنا هيكرمني بحماة تكون زي أمي وتعوضني الحضن ده، لكن "يونس" أمه اتوفت قبل خطوبتنا بسنة تقريبا، وأبوه قبلها بكام سنة، فماعيشتش ده، ولا هعيشه. 

  

بلعت "شمس الأخاديد" غصة قوية بحلقها، وهي بتقولها :

  - ليه مش هتعشيه يا "نور"!.. بكره تتجوزي تاني، ويكون عنده أم بتحبك، وتعوضك حضن أمك. 

  

سحبت "نور" نفس قوي وهي بتبلع مرارة غصتها، لتأكيد "شمس الأخاديد" رفضها التام لعلاقتها بـ "فولاك"، فهي لا تحبها تمامًا، ولن تعوضها عن حرمانها هذا، عشان تبتسم ابتسامة خفيفة وهي بتقوم من مكانها وبتقولها :

  - بعد إذنك، هروح أوضتي أرتاح شوية. 

  

نهضت "شمس الأخاديد" هي الأخرى من مكانها، ووقفت أمامها تمامًا، بتبصلها بنظرات عطوفة، وهي بتفتح دراعاتها ليها على مصرعيهما، مرحبةً بها في عائلتها، لترمقها "نور" بصدمة تلاشت ما أن قالت لها "شمس الأخاديد":

  - أتمنى تلاقي في حضني العوض اللي بتدوري عليه يا "نور". 

 

في لحظات كانت دموع "نور" منسابة بغزارة وهي بتبصلها بلاتصديق قبل ما تتحرر من خوفها وقلقها ده وتترمي في أحضان "شمس الاخاديد" منهارة بنوبة بكاء هيستيري، كأنها أخيرًا أخدت تصريح بالانهيار بين ايدين أمها. 


ضمتها "شمس الأخاديد"، لصدرها بقوة وهي بتحاوطها بدراعتها بحنان وبتقولها :

  -  في الغيبوبة؛ كنت حاسة بكل حاجة عملتيها معايا، حنانك وخوفك عليا كان كفيل أنه يلين قلبي من ناحيتك، اهتمامك بيا طول النهار حكالي عنه "أوتو"، حتى خناقتك مع "آشماداي" حكالي عنها هي كمان. 

  

خرجت "نور" للحظات من حضن"شمس الأخاديد" تبصلها بعتاب وهي بتقولها :

  - طب بذمتك، بحكمتك وخبرتك دي في الحياة، في حد يتجوز "آشماداي" ده؟!.. ده عفريت سمج، مش عارفة اتجوزتيه إزاي؟! 

  

زفرت "شمس الأخاديد" زفرة قوية تجعدت لها ملامحها وهي بتقولها :

  - أهو راح وبلا راجعة. 

  

اتنهدت "نور" براحة قوية وهي بتقولها :

  - ربنا نجدها "نوسة".. احمدي ربنا بقا وروحي اعمليك عمرة توبي فيها عن الجوازة دي، وبعدين واحدة زيك كانت متجوزة ملك عظيم  زي الملك "برقان" تفكر في غيره؟! 

  

ابتسمت "شمس الأخاديد"، ابتسامة واسعة وهي بتهز راسها بنفي وبتقولها:

  - الصراحة لأ، بس الوغد ده عرف يأثر عليا. 

  

ضيقت "نور" عينيها بتفكير وهي بتقولها بتساؤل:

  - إزاي بقا؟ 

  

ضربتها "شمس الأخاديد" ضربة خفيفة على كتفها وهي بتقولها :

  - بطلي شقاوة، ويلا روحي أوضتك، اتفرجي على الفساتين اللي فيها، وكمان مستحضرات التجميل والعناية بالشعر والبشرة، متأكدة إن "فولاك" ما فكرش في الحاجات دي. 

  

شهقت "نور" بسعادة وهي بتقفز من مكانها بفرحة وبتقولها :

  - انتي عبقرية والله، أنا كنت لسه هقول لـ "هيرينا" تجيبلي الحاجات دي، ماشاء الله عليها قمر، وشعرها وبشرتها قمرين. 

  

ارتخت معالم "شمس الأخاديد" قليلًا وهي بتقولها:

  - أي حاجة تحتاجيها في أي وقت اطلبيها مني.. يلا روحي شوفي الحاجة. 

  

مالت "نور" نحوها تحتضنها بقوة وهي بتقولها:

  - شكرًا. 

  

*******

أما "نيرون" فكانت حالته بتزداد سوء، فأنفاسه هدأت لحد كبير، وبالكاد ملحوظة، عشان يدخل عليه في الوقت "فولاك" اللي انقبض قلبه بقوة وهي بيشوف أخوه الصغير ثقلت أنفاسه، عشان يقرب منه بحزن قوي، وهو بيقعد على طرف الفراش جنبه يمسح على شعره برفق، وهو بيردد :

  - مش واخد عليك ضعيف كده، قوم واجمد عشان لسه قدامنا مواجهات كتير، يا هنكون فيها مع بعض، يا ضد بعض، شوف اللي يريحك وأنا معاك فيه.. بس لو قابلتك في حرب مش هحلك، يعني لازم تجمد كده وتدرب حلو قبل ما تفكر تقابلني.. وأنا كمان مستعد أدربك،  أجمد شوية كده على ما توصل القصر، "أوتو" مستنين هناك عشان يعالجك. 

  

وقام من مكانه، وانحنى ناحيته يضمه لصدره برفق، وهو بيشيله بين دراعاته قبل ما يغادر الغرفة قاصدًا غرفته. 


*******

 دقائق وكان "فولاك" بيميل ناحية سريره يحط "نيرون" فيه برفق، وجواره "أوتو" اللي كان محضر طاولة الأدوية والعقاقير اللازمة له، من بعد ما حكاله "فولاك" عن الحالة، عشان يرفع محقن كبير مملوء بتركيبة خاصة، وهو بيقول :

  - اسمحلي جلالتك. 

  

ابتعد "فولاك" عن طريق "أوتو" اللي قرب من "نيرون" وابتدى يستشعر موضع القلب، وعلى بُعد مسافة قليلة منه، وضع إبرة المحقن في جسمه، ودفع كل الدواء خلالها ببطئ شديد. 


دقائق وكان "أوتو" قد انتهى من حقنه، فاستقام بوقفته، واستدار بجسده مقابل "فولاك" مرددًا :

  - الدوا ده هيحفز جسمه تاني، يمكن يتوحش شوية، لكن بالتدريج هيرجع لطبيعته. 

  

كان "فولاك" شاردًا في وضع أخيه وهو بيستمع لحديث "أوتو"، عشان يهز راسه بموافقة وهو بيقوله :

  - سلامة "نيرون" مهمتك، اطلب كل اللي إنت عايزه، لو عايز علاج من آخر الدنيا هجيبهولك، المهم إن يفوق ويستعيد كل قوته. 

  

هز "أوتو" راسه بموافقة وهو بيقوله :

  - أوامر جلالتك، الوضع صعب، وهيطول شوية، بس إن شاء الله هيعدي منها على خير. 

  

حرك "فولاك" راسه يمينًا ويسارًا وهو بيقوله :

  - المهم يفوق، إقامتك معاه هتكون كاملة هنا في أوضتي، محدش هيعرف بوجوده غيرنا، لحد ما يستعيد كل عافيته. 

  

انحنى "أوتو" بطاعة، عشان تتعالى صوت طرقات قوية على باب الغرفة، فتحرك "فولاك" مهرولًا نحوه، ليفتحه بغيظ قوي، تلاشى حينما وجد أمامه "خوان" وعلامات الذعر والهلع مسيطرة على كل وجهه، ليعقد "فولاك" جبينه باستغراب متسائلًا :

  - في إيه؟! 

  

بلع "خوان" ريقه بغضب وهو بيقوله :

  - الأميرة "مويرا" بتقود جيش مملكة والدها وداخلة على حدودنا. 

  

ضيق "فولاك" عينيه بصدمة وهو بيقوله باستنكار قوي:

  -"مويرا"؟!.. هي دي خطتها بقا! 


واشتعلت نيران الغضب بأحداقه وهو بيقوله بحزم غاضب:

  - جهز الجيش كله، هنقابلهم، وهننتصر عليهم، حتى لو اضطريت أقتلها بنفسي. 

  

هز "خوان" راسه برفض وهو بيقوله :

  - ما ينفعش نجرد المملكة من كل الجيش جلالتك، على الأقل نسيب كتيبة للحراسة هنا في القصر. 

  

برقت عينين "فولاك" بغضب جامح  وهو بيقوله :

  - كله.. الجيش كله يا "خوان"، لازم تدفع تمن خستها وخيانتها، وتشوف جيش "فولاك" القوي. 

  

غير مقتنع بكلامه بالمرة، لكنه مضطر للإنصياع لأوامره، فهز له راسه بموافقه وهو بيقوله :

  - لحظات وهعلن حالة الطواريء في المملكة، عشان الشعب يحمي ممتلكاته. 

  

تضاعف غضب "فولاك" واحتدت نبرته وهو بيقوله :

  - قولتلك الجيش يا "خوان"، الشعب مالوش علاقة بالموضوع، عايزهم يقضوا يومهم عادي جدًا، ولو الخبر اتسرب من أي حد في الجيش هحرقه، مين ما كان يكون.. فاهم. 

  

شعر "خوان" بالغضب من طريقة "فولاك" معه، لكنه كبت غضبه هذا، وهز راسه بموافقة قبل أن ينصرف متجهًا نحو جيشه، ليدخل "فولاك" إلى غرفته في نفس اللحظة يسحب بذلته الحربية يرتديها وهو بيوجه كلامه لـ "أوتو":

  - زي ما اتفقنا.. "مويرا" أعلنت الحرب علينا وأنا خارج ألقنها درس عمرها. 

  

حرك "أوتو" راسه بموافقة، عشان ينطلق "فولاك" إلى حربه. 


*******

في الوقت ده كانت "هيرينا" بتراقب "فولاك" اللي اتاكدت من خروجه من غرفته، بعد ما سمعت كل حديثه مع "خوان" عشان تستند بضهرها للحيط وهي بتعقد دراعاتها قدام صدرها مبتسمة بسخرية وهي بتقول:

  - كنت بحسبك ذكي يا "فولاك"!.. غرورك عاميك ومخليك مش شايف غير نفسك، على ما تروح تقابل "مويرا" وترجع هتلاقي البصاصين مسيطرين على كل المملكة، وجنودي المخفيين وسط شعبك مسيطرين على القصر، أما أنا فهكون نقلت خزائن الجان لمكان ما يخطرش على بال مخلوق، وبكده أكون أول ملكة لملوك الجان، وأكون أخدت المكانة اللي استحقها.. ماكنتش أعرف إن الموضوع هيكون بالسهولة دي.. ياريتك سمعتك كلام صاحبك وسيبت كتيبة تحمي المملكة، عشان أحس بشوية متعة في الحرب.. بس يلا المهم النتيجة.. المتعة جاية جاية، وأنا بتفرج عليك وإنت مذلول قدامي عشان تحرر أمك والإنسية من ايد جنودي. 

  

وسحبت نفس قوي تشد به هامتها وهي بتلتفت يمينًا ويسارًا، قبل ما تخطو نحو قبو القصر بخطوات واثقة، متباهية، فالطريق أمامها مفتوح تمامًا. 


اقتربت "هيرينا" من سلالم القبو الرطبة ذات الرائحة الكريهة، اللي تجعد لها أنفها، لكنها كتمت أنفاسها بأطراف أصابعها للحظات وهي تسحب مشعل من علي الحائط تمده أمامها مرددة بامتعاض قوي :

  - مالقيتش غير المكان المقرف ده وتحتفظ فيه بخزائن الجن يا "فولاك" الغبي؟!.. بس عادي، هتحمل عشان كلكم تكونوا بين ايديا وتحت رجليا. 

  

وهبطت درجة درجة من درجات السلم بحذر شديد خشية الإنزلاق، حتى وصلت لنهايته، فتوقفت وهي بتسحب نفس قوي لاعت له معدتها، فأفرغت ما بها جانبًا بإعياء شديد، وما أن هدأت معدتها قليلًا، واستقرت بموضعها، حتى رفعت راسها لأعلى تسحب نفس آخر وهي تسند رأسها على كفها مرددة بوعيد :

  - أقسم إني أدفعك تمن ده يا "فولاك". 

  

واستراحت قليلًا، قبل أن تكمل طريقها إلى الغرفة المنشودة، لتقف أمامها بسعادة كبيرة وهي تراقب بابها مرددة :

  - خطوة واحدة وأحكم كل العالم، خطوة واحدة وتكون مصايرهم جميعًا بين ايديا. 

  

ورفعت ايدها تدفع بها باب الغرفة المفتوح، وهي بتمد المشعل داخلها، لتتسع عيونها، ويتدلى فكها صدمة من بريق كل هذا الذهب، وهذه الأحجار النادرة، لتركض إلى الداخل بسعادة تضع المشعل بحلقته الخاصة بمنتصف الجدار، وتلتفت ثانية نحو  صناديق الذهب المرصوصة فوق بعضها البعض، لتملأ كفيها بكثير منها مرددة بجنون :

  - خزائن الجن!.. خزائن الجن! 

  

أتاها صوته المتعالي بكبرياء وثقة :

  - كل ده ما يجيش عُشرهم يا "هيرينا". 


برقت عيون "هيرينا" بصدمة وهي بتستدير بكل جسمها ناحية مصدر الصوت، عشان تشوف قدامها "فولاك" وصحبته "خوان" اللي علامات الصدمة راسمة كل ملامحه، وجوارهم "مويرا"وعلامات الخوف والهلع مسيطرة على قسمات وجهها، فابتلعت ريقها بتوتر وهي بتهز راسها بنفي وبتقوله باستنكار شديد:

  - إنت إزاي هنا؟!.. المفروض إنك في حرب! 

  

سحب "فولاك" نفس قوي وهو بيقولها بابتسامة مستنكرة :

  - السؤال ده أنا اللي المفروض أسأله يا سمو الأميرة، إنتِ بتعملي إيه هنا؟ 

  

ضحكت "هيرينا" ضحكة مستنكرة وهي بتقوله :

  - جاية آخد حقي. 

  

رجع "فولاك" راسه لورا بتفكير وهو بيقولها بتهكم :

  - حقك! 

  

لكن "خوان"  واللي ما كانش فاهم ولا مستوعب أي حاجة من اللي بتحصل، تدخل أخيرًا في الحديث وهو بيقولهم :

  - إيه اللي بتقولوه ده؟.. وإيه المكان ده؟.. وإيه وصل "هيرينا" ليه؟ 

  

"فولاك" كان شايل هم اللحظة دي من أول دقيقة كشف فيها "هيرينا"، شايل هم اليوم اللي هيعرف فيه "خوان" الحقيقة، رغم ثقته في قوة تحمله، ورجولته في التعامل، لكنه بالأخير عاشق تعرض لطعنة غادرة من معشوقته، لكنه قرر إنه يكون جنبه في الوقت ده، ويمهد له بكل الطرق الممكنة، فسحب نفس قوي وهو بيقوله :

  - دي خزائن الجان، كل مدخرات الملوك والأمراء هنا، أنا الحاكم الأمين عليها، وأي ملك هيحصل على الخزائن دي هيكون ملك ملوك الجان. 

  

عقد "خوان" جبينه بصدمة، فلأول مرة يسمع عن هذا الأمر، عشان يردد باستغراب وهو بيبص لـ "هيرينا" بتوجس:

  - وإيه دخل "هيرينا" بالموضوع ده؟!

  

ابتسم "فولاك" ابتسامة متهكمة وهو بيقوله :

  - كانت عايزة تسيطر عليها، وتاخد مكاني، وتُخضع كل الممالك لحكمها، عشان كده اتحالفت مع "مويرا"، وعملوا تمثيلية الحرب دي عشان تفضلها المملكة هي والبصاصين بتوعها. 

  

كانت نظرات الحقد والغل والكره مسيطرة على نظرات "هيرينا" اللي بتبصها لـ "مويرا" وهي بتصك أسنانها بقوة وبتقولها من بينها :

  - وطلعت "مويرا" غبية، وضيعت تعب سنين وسنين، سنين اتحملت فيها وش "فولاك" وأنا بضحك، اتحملت فيها سخافة  "شمس الأخاديد" وأنا ساكتة، واتحملت فيها نفس "خوان" جنبي رغم إنه كان بيحرق جسمي مع كله مرة بيقرب ليا فيها.. اتحملت  كل ده ، عشان بغباءك تيجي تضيعيه في لحظة...إنتِ غبية يا "مويرا".. غبية. 

  

انفرجت إبتسامة "مويرا" تدريجيًا وهي بتقرب منها وبتقولها بتشفي واضح :

  - الغبية هي إنتِ يا "هيرينا".. الغبية هي اللي فكرت إنها ممكن تلوي دراعي، وتغصبني على حاجة مش عاوزاها، الغبية اللي تفضل تخطط سنين وسنين خطط فاشلة زيك، مش اللي تنفذ خطتها وتنجح فيها. 

  

حاولت "هيرينا" إنها تستوعب جملة "مويرا" الأخيرة، لكنها فشلت في هذا، فضيقت عينيها بتوجس وهي بتقولها :

  - قصدك إيه؟ 

  

اتسعت ابتسامة "مويرا" وهي بترجع بضهرها للخلف خطوات بسيطة، لحد ما وفقت جنب "فولاك" ، وتبادلت مع  ابتسامات النصر الساخرة وهي بتقولها :

  - يعني خطتنا إحنا اللي نجحت يا  "هيرينا". 

الفصل الخامس والعشرون من هنا

تعليقات