رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل الخامس و العشرون 25 بقلم فاطمة على محمد


 

رواية فجوة زمنية الجزء الثانى  الفصل الخامس و العشرون بقلم فاطمة على محمد

جملة "مويرا" اللي قالتها كانت كفيلة تحرر الشيطان الكامن جوه "هيرينا"، اللي اشتعلت عينيها بلهيب الحقد والغل، ونفرت جميع عروق جسدها بشكل تقززت منه "مويرا"، أما صوتها فاتحول لـ صوت أجوف رنان وهي بتقولها بجنون:

  - يعني إيه خطتك إنتي و"فولاك" هي اللي نجحت؟!.. يعني انتوا متفقين سوا؟!.. خدعتوني؟

 

اتسعت إبتسامة "مويرا" وهي بتبصلها باستهزاء، في نفس اللحظة اللي كان فيها "خوان" بيهز راسه برفض لكل حاجة وهو بيقولها بصدمة :

  - إنتِ مين؟!.. مستحيل تكوني "هيرينا" اللي اتربيت معاها وحبيتها!.. أكيد فيه شيطان متلبسك.

 

برقت عيون "هيرينا" بقوة وهي بتلتفت ناحيته صاكة أسنانها بقوة، تكشف عن أنيابها الحادة، مرددة :

  - إنت أكبر عقاب اتعاقبته في مشواري ده، إني اتجوز جني من سلالة غير ملكية كان وصمة عار في حياتي، صورتك في خيالي كانت أكتر حاجة مقززة، أما في الحقيقة فكانت ديدان بتنهش في جسمي بكل قذارتها.. أنا بكرهك يا "خوان"، وطول سنين جوازنا كرهي ليك كان بيتضاعف يوم عن يوم، وكرهتك أكتر لما كنت بتتسلل لأوضتي كل ليلة، كأنك مستكتر عليا أرتاح منك ومن قربك مني، كنت بكره نفسي وأنا معاك، وبحتقرها وأنا بمثل عليك العشق والغرام.

 

 "خوان" كان بيسمع كل الكلام ده بصدمة مسيطرة على كل جسمه لدرجة التخدير، جسمه تقيل، رجليه قربت تفقد قدرتها على حمله، عقله رافض كل الكلام ده، أما قلبه فكان بيصرخ بين ضلوعه زي الذبيح، وهو بيهز راسه برفض لكل كلمة اتقالت، لكنها كانت مُصرة تقطع آخر شريان بينبض جواه وهي بتقوله:

  - في كل ليلة معاك كنت بفكر أحط السم في مشروبك، وأقطع جثتك بسناني، وارميها لكلاب الجن، لكني كنت بتراجع في آخر لحظة، لأنك ضماني الوحيد لوجودي في المملكة دي.

 

تمالك "خوان" ما تبقى من نفسه المنهارة وهو بيسحب نفس عميق بضيق مرددًا بسخرية :

  - ضمانك الوحيد!.. وتحطيلي السم في المشروب؟! 

  

هنا تدخل "فولاك" اللي كان بيتابع كل ده في صمت وهو بيقوله :

  - مش جديدة عليها يا "خوان"، عملتها مع أخوها قبل كده. 

  

التفت "خوان" بنظراته ناحية "فولاك" بصدمة أكبر وهو بيردد بذهول :

  - يعني إيه؟!.. يعني مش "نيرون" اللي عمل كده؟!.. دي قالتلي سكت واتحملت عشان أحمي "نيرون". 

  

ورجع بأنظاره ناحيتها مرة تانية وهو بيقولها باستنكار قوي:

  - مش ده كلامك ليا يا "هيرينا"؟! 

  

تعالت ضحكات "هيرينا" الشيطانية وهي بتقوله :

  - وإنت غبي وصدقت. 

  

اشتعلت نيران الغضب بعيون "خوان" اللي هَمَّ بصفعها لولا تدخل "فولاك" قائلًا:

  - ماتستاهلش ايدك تترفع عشانها. 

  

تصارعت نظرات "خوان" الثائرة مع نظرات "فولاك" الثابتة، وهو بيسأله بعتاب صارخ :

  - وإنت عارف كل ده وساكت؟!.. عارف إنها حاولت تقتلك ومآمن عليا معاها؟!.. 


وكمل بنبرته المتهكمة:

- وأنا اللي كنت مستغرب يومها وأقول إزاي "فولاك" سابها تمشي بسهولة؟!.. ومادفعش عنها لحظة!.. أقول لنفسي إزاي صديق عمري يتفرج عليا وأنا بهد بيتي وحياتي بايدي وهو  واقف ساكت؟!.. ما صعبتش عليك وأنا عايش مخدوع كل السنين دي؟ 

  

نظرات "فولاك" الثابتة اترسمت بخطوط العتاب زي كلامه وهو بيقوله:

  - وتفتكر "فولاك" يضحي بـ "خوان" عشان خاطر أي حاجة في الدنيا؟ 

  

صرخ فيه "خوان" بوجع :

  - أومال إيه؟.. سيبتني على عمايا ليه؟

  

هز "فولاك" راسه بنفي وهو بيقوله :

  - عمري ما سيبتك، من يوم ماعرفت بنوايا "هيرينا" وأنا محصنك ضدها، و "رنة" كانت بتراقبك طول ما أنت بره المملكة وبتبلغني بكل أخبارك، دي غير إني كنت واثق مليون في المية إنها مش هتئذيك، لأنها لسه محتاجاك عشان ترجع هنا وتنفذ باقي خطتها. 

  

قبض "خوان" على قميص "فولاك" بقوة وهو بيقوله :

  - وماقولتليش ليه؟.. ما شاركتنيش معاك ليه؟ 

  

صرخ فيه "فولاك" بقوة :

  - أقولك إيه؟.. أقولك إني سمعت أختي بتتأمر عليا مع "آشماداي" عشان يقتلني، ولا أقولك إني سمعتها وهي بتقوله إنها عايزة تشوفي وأنا بحتضر قدامها بعد ما تحطلي السم بايديها، أقولك إني شربت المشروب وأنا عارف إن فيه سم، وإني عملت كده عشان أحمي "نيرون" من شرب مشروبه بعد ماشده من ايدها،  أقولك إني مثلت إن السم بيجري في عروقي قبل ما أحس بأي أعراض عشان بس أوقع مشروب "نيرون".. أقولك إني كنت مضطر أبص في وش أختي اللي حاولت واللي بتحاول تخلص مني كل يوم عشان بس إنت بتحبها وعايز تعيش معاها؟! 

  

كل كلام "فولاك" من بعد لفظه لاسم "آشماداي" كان بالنسبة لـ "خوان" صمت طويل، فعقله توقف عند هذه اللحظة تمامًا، أما عيونه فكانت متعلقة بعيون "هيرينا" اللي اتبدلت قدامه بشيطان رجيم، عشان يهز راسه باستنكار وهو بيقول :

  - وإيه علاقة "هيرينا" بـ "آشماداي"؟! 

  

والتفت بأنظاره ناحية "مويرا" يسألها :

  - كانت بتخوني معاه يا"مويرا"؟!.. ده اللي كنتي تقصديه بكلامك؟.. "هيرينا" عاشقة لـ "آشماداي"؟! 

  

هزت "مويرا" راسها بنفي وهي بتقوله :

  - "هيرينا" ما تعرفش غير الغل والحقد والكره يا "خوان"، عمرها في حياتها ما حبت حد عشان تحب "آشماداي". 

  

صرخ بها "خوان" بعصبية جنونية:

  - أومال علاقتها بيه إيه؟.. علاقة مراتي بجوز الملكة "شمس الأخاديد" إيه يا" مويرا"؟ 

  

وزعت "مويرا" أنظارها ما بين "خوان" المُحترق بنار الخيانة، وبين "هيرينا" اللي بتابع حديثهم بنظرات ساخرة متهكمة، عشان تستقر أخيرًا بأنظارها نحو "خوان" وهي بتقوله :

  - "آشماداي" هو اللي كان عاشق لـ "هيرينا"، وكان مستعد يضحي بحياته عشانها، وكان بينفذ أي أمر تؤمره بيه وبطيب خاطر، حتى جوازه من الملكة "شمس الأخاديد" كان بترتيب منها، وأنا كنت هحذر "فولاك" من ده لكن للأسف اللي حصلي وقف كل حاجة.

  

تعالت ضحكات "خوان" الموجوعة بتهكم قوي وهو بيرفع أنظاره ناحية سقف الغرفة  بحالة صدمة قوية مرددًا :

  - "آشماداي" عاشق لمراتي؟! ، ومراتي بتستغله في تنفيذ أوامرها! ، أوامرها اللي كانت إنه يتجوز الملكة "شمس الأخاديد"! ، و "مويرا" عارفة كل ده! ، وكانت عايزة تحذر "فولاك" اللي خانته مع الإنسي، و"فولاك" طلع عامل خطة مع "مويرا"، وأنا كنت المهرج الوحيد في المسرحية دي، واللي الكل بيستهزأ بيه. 

  

وأخيرًا نزل بأنظاره ناحية "فولاك" اللي كان بيبصله بحزن قوي لحالته، وهو بيصقف له بقوة وإعجاب مرددًا:

  - جلالة الملك "فولاك" ابن الملك "برقان" العظيم، القوي، الحكيم، اللي عارف كل حاجة بتحصل في مملكته وساكت. 

  

واتسمت نبرة "خوان" بمرارة الخذلان وهو بيشاور ناحيته بسبابته مرددًا :

  - واللي كان واقف يتفرج على كل اللي بيحصل لصاحبه ومبسوط، اللي آمن "مويرا" اللي خانته على سره وخون صاحب عمره. 

  

هزت "مويرا" راسها برفض وهي بتقوله :

  - ماتظلمش "فولاك" أنا اللي طلبت منه ده، ولحد اللحظة دي ماكانش مديني الأمان، ولا واثق فيا. 

  

ورجعت بالذاكرة لبعد ما استعادت حياتها مرة تانية، تحديدًا في حديقة "فولاك" الخاصة. 


*********

"فولاك" كان قاعد في حديقته، شارد في الفراغ قدامه بغيظ قوي من "مويرا" وعودتها المفاجئة، أو بالتحديد من وقاحتها وجرأتها معاه، عشان يسحبه من شروده ده صوتها الدافي :

  - لسه فاكر مكاننا؟

 

انتفض "فولاك" من مكانه واقفًا بغضب قوي، وهو بيتلفت بكل جسده ناحيتها كازًا على أسنانه وهو بيقولها :

  - مين سمح لك تدخلي هنا؟

 

قربت بخطواتها منه بابتسامة واسعة وهي بتقوله :

  - إنت.. طول عمر المكان ده خاص بينا.

 

ابتسم "فولاك" ابتسامة متهكمة وهو بيهز راسه برفض وبيقولها :

  - طول عمر المكان ده خاص بيا أنا ، وانتي كنتي مجرد ضيفة بستقبلها فيه مش أكتر من كده.

 

ضيقت "مويرا" عينيها بصدمة وهي بتقوله :

  - أنا كنت في حياتك ضيفة يا "فولاك"؟!

 

اشتعلت عيناه غضبًا وهو بيجاوبها:

  - وضيفة تقيلة كمان، حاولت أتقبلك وأعاملك معاملة الأميرات، لكنك اختارتي معاملة العشيقات، وروحتي فضلتي إنسي وغد على جلالة الملك "فولاك" بذاته. 

 

تجمعت الدموع في عيون "مويرا" سريعًا وهي بتهز راسها برفض:

  - عمري ما فضلت حد عليك، لكنه كان وغد وأهانني، واتحداني وأنا قررت أعلمه درس ما ينساهوش لآخر عمره، لكن الموضوع اتطور بشكل سريع وفجأة لقيت نفسي قدام محاكمة كبرى ..


وارتفعت نبرة "مويرا"، بوجع قوي :

  - مش هنكر إني غلطت، وغلط كبير قوي، ومش هنكر إن غروري وكبريائي اللي استفزه الإنسي ده كانوا هما  نفس السبب إني أحل لعنتي على المملكة، لكن إنت  كمان غلطت، بدل ما تيجي تسألني روحت قدمت طلب محاكمة في المحكمة الكبرى ، وبتهمة شنيعة زي الخيانة، أنا أخون يا "فولاك"؟!

 

تعالت ضحكات "فولاك" المتهكمة وهو بيجاوبها :

  - بتطلعيني غلطان؟! ، وبتقولي إني استفزيت غرورك وكبريائك؟!..و بتسأليني إذا كنتي تخوني ولا لأ؟!..

 

احتدت نظراته الصارمة لها وهو بيجاوبها بنبرته الحازمة مرددًا:

  - آه تخوني يا "مويرا".. وخونتيني مع الإنسي الوضيع "يونس".

 

هزت "مويرا" راسها بنفي وهي بتقوله :

  - أقسم لك بالله ما حصل، أنا جنية حرة عمري ما أخلى مخلوق يمسني بدون زواج، لكني عيشت الحقير ده الوهم مش أكتر، لإنه تهاون بيا من أول لحظة شافني فيها على البحر، عشان كده عيشته الوهم، وكنت ناوية أوصله للجنون لولا تدخلك وطلبك تقديمي للمحاكمة.. إنت اللي غدرت بيا، ونسيت مين هي الأميرة "مويرا" يا جلالة الملك.

 

هدأت ثورة "فولاك" الداخلية نوعًا ما، فهو لم يخان، ولم تأتي "مويرا" على كرامته، لكنها كانت تتلاعب بالجميع، لكنه مازال لم يستوعب صمتها في المحكمة، وقبولها بالحكم، عشان يسألها بذات النبرة الغاضبة:

  - جاية تقوليلي الكلام ده دلوقتي ليه؟!.. وماقولتهوش في المحكمة يومها ليه؟

 

ابتسمت "مويرا"، ابتسامة مكسورة وهي بتقوله:

  - لإنك إنت اللي تهمني في كل العالم ده، وكمان يهمني إن صورتي قدامك ما تتهزش، أما بقا ليه ما اعترفتش بالكلام ده في المحكمة، لأنك سيد العارفين عقوبة استخدام قوتنا الخاصة في وهم وضرر البشر، تجريدنا من كل القوة دي، وأنا الموت عندي أهون من إني أعيش زي كرسي بدون أي مهارات ولا قدرات، وقتها الخدم في المملكة هيكون مميز عني، وإنت جلالتك كمان كنت هتحتقرني، عشان كده اخترت الموت بإيديا ولا الموت بالحياة بقرار أحمق من المحكمة. 

  

زفر "فولاك" زفرة قوية وهو بيبصلها بغيظ من غرورها وتعاليها اللي كان السبب في كل ده، عشان يهز راسه بتساؤل :

  - عايزة إيه يا "مويرا"؟!.. فاكرة إني بكلامك ده هسامحك وأقولك يلا نرجع ولا كأن أي حاجة حصلت؟ 

  

هزت "مويرا" راسها بتأكيد وهي بتقوله :

  - أيوه تسامحني، لأني أنا اللي غلطت وأنا اللي إتأذيت، لكني مش طالبة منك رجوع، لأني عرفت بحبك للإنسية، وهي الصراحة تستاهل حبك ده، كانت خسارة في الإنسي الوضيع، مش عارفة اتجوزته إزاي بحقارته دي؟! 

  

اتنهد "فولاك" براحة بعض الشيء وهو بيسحب نفس قوي للداخل وبيقولها :

  - اعتبريني سامحتك، ولو حابة تكملي حياتك معانا في المملكة هنا يبقى تلتزمي بقصرك وحدوده وأنا موافق على كده ، أما لو كرامتك مش هتقبل بالحكم ده فاتفضلي ارجعي مملكتك وأنا مسئول عن الهدنة اللي بين شعبك وبين العفاريت. 

  

انفرجت إبتسامة "مويرا" وهي بتقوله :

  - تفتكر "مويرا" ممكن تسيب مكان من غير ما ترد الجميل لصاحبه؟ 

  

ضيق "فولاك" عينيه باستغراب قوي وهو بيقولها:

  - مش فاهم!.. جميل إيه؟!.. وصاحبه مين؟

  

سحبت "مويرا" نفس طويل بعمق وهي بتشرد في الفراغ قدامها مرددة بغيظ قوي:

  - "هيرينا".. واللي عملته معاك، واللي لسه بتعمله عشان تسيطر على المملكة. 

  

رفع "فولاك" حاجبه بدهشة وهو بيعقد ساعديه أمام صدره متسائلًا بتهكم مصطنع :

  - و"هيرينا" بقا عملت إيه معايا؟! 


 ابتسمت "مويرا" ابتسامة خفيفة وهي بتقوله :

  - تمام.. هعمل نفسي مش فاهمة إنك فاهم قصدي كويس وبتلاعبني، وهكلمك على المكشوف، أنا عارفة إن "هيرينا" هي اللي حطت لك السم في المشروب وحاولت تتخلص منك، وكمان عارفة السر ورا جوازها من"خوان"، وعارفة كل مخططاتها مع "آشماداي"، وما استغربتش لما فوقت ولقيتها موجودة هنا في المملكة، وكمان "آشماداي" متجوز جلالة الملكة "شمس الأخاديد". 

  

مط "فولاك" شفايفه بلامبالاة مرددًا :

  - وبعدين؟!  

  

بصتله "مويرا" بنظرات جدية زي كلامها:

- عارفة ومتأكدة إنك مصدق كل كلامي ومهتم بيه ، لكنك بتبين عكس ده تمامًا، وعشان كده هقولك إن "هيرينا" الخناق لو ضاق عليها هتتجنن وتثور وهتدور على الشيطان عشان تتحالف معاه، فخليني أنا أكون الشيطان ده. 


هز "فولاك" راسه برفض وهو بيقولها:

  - وإيه اللي مخليكي واثقة قوي كده إني ممكن أثق فيكي مرة تانية وأديكي الأمان؟

  

قربت "مويرا" أكثر من "فولاك" وهي  بتشاور ناحية خافقه مرددة بنبرة رقيقة وعينيها تتحدى عيناه بنظرات طويلة، ثاقبة، مرددة:

  - عشان ده لسه جواه حتة ليا بتصدقني، أنا مش عاوزة منك أي حاجة غير إنك تساعدني أرد جميلك، وبعدها نتكلم في أي حاجة تانية. 

  

شرد "فولاك" في بحور عينيها للحظات يبحث داخلهما عن طيف كذب يرفض به كل هذا العرض، لكنه لم يجد سوى صدقها الذي عاهده معها، ليهز راسه بموافقة مرددًا بتحذير :

  - أقسم لك إني لو حسيت منك لحظة غدر واحدة؛ لهعمل اللي المحكمة فشلت فيه يا "مويرا". 

  

ابتسمت "مويرا" ابتسامة واسعة براحة قوية وهي بتمسك عنقها بيدها مرددة :

  - وعدي برقبتي، بس خلينا في المهم، لازم الكل يتأكد إنك بتكرهني، وإني جاية أدور على حقي فيك حتى لو قصاد ده حياة الإنسية "نور". 

  

تشجنت جميع عضلات "فولاك" اللي قبضت على يد "مويرا" بكل قوته مرددًا بغضب قوي:

  - حياة "نور" ما تسويهاش حياة كل مخاليق الأرض، حد بس شيطانه يوزه او يصورله إنه ممكن يمسها، ويشوف أنا هعمل فيه إيه. 

  

تألمت "مويرا" بوجع شديد، وهي بتتملص من بين ايديه بتأوه مرددة :

  - مش هعملها حاجة والله، أنا بس بقولك ده اللي هوصله لـ "هيرينا" عشان تصدقني، لأنها كمان بتكره "نور" وبتكره وجودها هنا. 

  

لانت قبضة "فولاك" تدريجيًا حول دراع "مويرا"، لكن نيران الغضب في عينيه تضاعفت، وهاجت وهو بيردد بتوعد:

  - "هيرينا".. دخلتي برجلك لحقل ألغام نشط، اتحملي عواقب حقدك وغلك اللي صبرت عليه سينين. 

 

شردت "مويرا" هي الأخرى وهي تتحسس موضع يد "فولاك" مرددة :

  - هتدفع تمن كل ده، وهتشوف بعينيك. 

  

وعادت "مويرا" مرة تانية من شرودها للوقت الحالي على صوت "خوان" اللي بيصرخ فيها :

  - وإنتي إيه دخلك في حياتنا عشان تطلبي منه كده؟

  

قتمت نظرات "مويرا" اللي طوفت ملامح" خوان" بغضب مرددة :

  - اللي دخلني حياتكم هو نفسه اللي خلاني أعمل مسرحية عليك عشان بس أحذرك من "هيرينا"، حتى لو بشكل غير مباشر، لأني كنت متأكدة من ذكاءك اللي مش هيعدي جملة زي اللي قولتها يومها، زي ما أنا كنت متأكدة من عشقك ليها اللي عاميك عن حقيقتها طول الوقت، مع إنها كانت باينة زي الشمس. 

 

نار "هيرينا" اللي استعرت كانت وقود لشيطانها اللي اتغلب عليها تمامًا، وظهرت صورته الدميمة بشكل واضح للجميع، لتتسع عيون "خوان" صدمة وهو بيتراجع للخلف خطوة واحدة، عشان ياخد وضع الاستعداد للهجوم اللي كان حتمي، وهو بيوزع نظراته ما بين "فولاك" و "مويرا" اللي أخدوا  هما كمان وضع الاستعداد تلقائيًا وعيونهم مرتكزة على عيون "هيرينا" اللي زمجرت بوحشية وهي بتفرد جناحاتها لأعلى، منكسة راسها قليلًا، وموجهة قرنيها نحو صدر "فولاك" اللي اندفعت نحوه بكل قوتها صارخةً بصوت شيطاني مدوي :

  - حان وقت موتك أيها الوغد "فولاك". 

  

ارتفع "فولاك" لأعلى يتفاداها بغضب كاسح وهو بيدور حولها، ليقف خلفها مباشرة مرددًا بوعيد:

  - أخيرًا ظهرتي قدامي بهيئتك الدميمة عشان أقدر أحرقك، صورة "هيرينا" بس هي اللي كانت منعاني من ده طول السنين دي. 

  

استدار الشيطان بكل جسده يواجه "فولاك" ولُعاب الشر سايل على جنب فمه الدامي، وهي بيقوله بغيظ قوي :

  - كنت مستني إنك تقتلها في أي لحظة عشان أتمكن منك، وأسيطر على جسد أقوى ملك في العالم، يومها كنت هكون مُخلد ليوم الدين، لكنك كنت متحكم في ردود أفعالك بشكل مستفز، كنت بارد رغم معرفتك بحقيقتها  كاملة. 

  

ارتفع "فولاك" لأعلي قليلًا، عشان ينقض بقبضته القوية أعلى راسه ما بين قرنيه تحديدًا، ليختل توازن الشيطان ويترنح قليلًا، و"فولاك" بيصيح به مستهزءًا :

  - فاكر إني ممكن أنولك الشرف ده بسهولة، كنت عارف إنك متلبسها، وإنك كمان تلبست "نيرون" لفترة، وإنك كنت السبب في كل أفعاله الشيطانية، لكنك أضعف بكتير من إنك تتملك من جلالة الملك "فولاك". 

  

لكمة "فولاك" استفزت الشيطان بشكل قوي، وأصابته بخلل شديد في التركيز، خاصة بعد الإصابة اللي عملتها اللكمة دي في جسم "هيرينا"، فاتجه بأنظاره نحو "مويرا" و"خوان" اللي كان مصدوم من اللي حصل لـ "نيرون"، واللي كان بسبب "هيرينا" وشيطانها، اللي استقر اختياره أخيرًا على "خوان" عشان يحاول أنه يتلبسه، ويستخدم جسده القوي في مواجهة "فولاك". 


في لحظات كان الشيطان خارج من جسد "هيرينا" اللي اتصابت بشق طولي في راسها، وقعت بسببه أرضًا غارقة في دمائها، عشان يستشف "فولاك" نية الشيطان، فقطع عليه الطريق تمامًا، وهو يقف في المسافة الفاصلة ما بين الشيطان وبين "خوان"، لتثور ثورة الشيطان اللي ابتدى يتخبط بين جنبات الغرفة وهو بيصرخ بزئير قوي غاضب، ليصيح "فولاك" هو الآخر :

  - الشيطان في أضعف حالاته رغم وحشيته، إياكم يدخل جسد حد فيكم أو يتمكن منه، "مويرا" حاوطي نفسك بالهالة بتاعتك، و"خوان" أدخل معايا جوه الهالة، لازم نكون سوا ونقضي عليه. 

  

هزت "مويرا" راسها بموافقة وهي بتستحضر هالتها الخاصة تتحصن بيها، في نفس الوقت اللي "خوان" اقتحم هالة "فولاك" اللي فتحتها له للحظة واحدة، عشان تتعانق قبضاتهما بقوة، قبل أن يصرخا بحماسة منقضين على الشيطان اللي ارتفع نحو سقف الغرفة زائرًا بهم كوحش جريح. 


ضربة قوية من هالة "فولاك" تصدى لها الشيطان ببراعة وهو يدوي بضحكاته الساخرة، لترمقه "مويرا" بغضب شديد وهي بتسحب نفس قوي حبسته في صدرها للحظات، قبل ما تجمع كرة ضخمة من حمم الجحيم، وتنوي أن تقذفها نحو الشيطان، لولا صرخة "فولاك" المحذرة لها:

  - إياكِ يا "مويرا"، مجرد فتحك للهالة عشان تقذفي كرة الجحيم دي هيتمكن منك، وده اللي هو عايزه، حربك ليه من جوه الهالة بس، يا تنسحبي من الحرب دي كلها. 

  

هزت "مويرا" راسها برفض وهي بتقوله صائحةً:

  - ما اتعودتش أهرب من حربي مهما كان التمن يا "فولاك". 

  

وبالفعل فتحت هالتها للحظات وهي بتقذف كرة الجحيم ناحية الشيطان اللي ابتسم بظفر وهو بيتفادى الكرة، وبيركض نحوها، ليقتحم هالتها، لولا "فولاك" اللي قطع عليه الطريق وحرمه من تحقيق هدفه للمرة التانية بعدما تصدى له، ليجن جنونه، ويندفع نحو "فولاك" و "خوان" بكل طاقته، فاصطدم بهالة "فولاك" القوية للمرة الثالثة، واختل توازنه مرة أخرى، فسقط أرضًا جوار "هيرينا" الفاقدة لوعيها، ليتلبس جسدها مرة أخرى، وينهض به واقفًا وهو يصيح بـ" فولاك":

  - الظاهر إني اتهاونت بيك وبقوتك يا "فولاك"، لكننا لسه فيها، يا أسيطر على جسمك، أو جسم أي حد فيكم، يا تحرقني أنا و"هيرينا" سوا. 

  

تعالت ضحكات "فولاك" الساخرة وهو يصيح به :

  - يبدو إنك أغبى مما تصورت. 

  

وانقض بكل قوته نحوه يصطدم به مرة أخرى، ليجد "خوان" قد حرر يده من قبضته، وغادر الهالة، لينقض عليه بسيل جارف من اللكمات الغاضبة وهو يصرخ به مستشاطًا:

  - بحق كلمة لحظة حبيتك فيها، وبحق كل دقة في قلبي كانت عشانك، وبحق كل يوم اتحرق قلبي في بُعدك عني، وبحق كل دقيقة عشتها مخدوع معاكي.. قد كل الحب اللي حبتهولك كرهتك يا "هيرينا"، وكرهتك أضعافه كمان، قصاد كل لحظة استغفلتيني فيها بكرهك أضعاف، كل نظرة من عيونك كانت بتبصلي بعشق مزيف كرهتك وكرهت نفسي فيها. 

  

كانت صيحات  "خوان" من أعماق قلبه، وكلماته كانت بحُرقة سالت لأجلها دموع "مويرا" اللي فكت تحصين هالتها، وحاولت تقرب منه توقفه عن لكماته اللي دَمى لها جسم "هيرينا" وتهشمت كل عظامه، لكن ايد "فولاك" حالت بينها وبين ده وهو بيهز راسه برفض وبيقولها :

  - سيبيه يطلع كل غضبه عشان يقدر يعيش أيامه الجاية. 

  

بصت "مويرا" لـ "فولاك" بحزن وهي بتقوله :

  - مش هيقدر ينسى إنه قتلها بايديه. 

  

حرك "فولاك" راسه برفض وهو بيقولها :

  - بالعكس.. ده هيكون عزاه الوحيد، واللي بيه هيحس إنه خد تاره منها ومن شيطانها. 

  

توقفت "مويرا" بحزن وهي بتبصله بأسى، وبتراقب غضبه اللي كان بيصبه في لكماته على الشيطان صارخًا :

  - كل لحظة كرهتيني فيها مش همحيها من ذاكرتي، عشان أشحن نيران غضبي لحد ما قابلك تاني. 

  

تراخى جسد "هيرينا" وسقطت أرضًا جثة هامدة، عالقًا داخلها شيطانها، لكن لكمات "خوان" كانت لسه لم تُشبع رغبته في الانتقام، ودم "هيرينا" الملطخ ليده ووجه لم يُزيده إلا حقدًا وكرهًا، فنزل أرضًا على ركبتيه، وأكمل ما بدأه، ليقترب منه "فولاك" يمسك يده المعلقة بالهواء مرددًا :

  - كفاية يا "خوان".. "هيرينا" ماتت خلاص. 

  

استفاق "خوان" على كلمة "فولاك"، ليرفع أنظاره نحوه بصدمة للحظات قبل ما يرجع بيهم مرة تانية ناحية جسد "هيرينا" اللي ابتدى يضمر بشكل عجيب، وتقل كتلته لحد ما وصلت لنقطة صغيرة في حجم حبة العدس ومن بعدها تلاشى تمامًا، ليسمح "خوان" أخيرًا لجسده بالانهيار أرضًا، وهو يصرخ بحرقة قوية باسمها:

  - "هيرينا ". 


التفت "فولاك" ناحية "مويرا" الباكية بنظرات ذات مغزى فهمتها على الفور، لتغادر الغرفة سامحة لهما بالانفراد ببعضهما البعض، ليجلس "فولاك" أرضًا إلى جوار صديقه وهو يربت على كتفه مرددًا :

  - "خوان" اللي أعرفه ما يبكيش على ست مهما كانت. 

  

رفع "خوان" عيونه المغيمة بدموع الانكسار مرددًا :

  - بس دي "هيرينا" يا "فولاك".. "هيرينا" اللي فتحت عينيا على الدنيا دي لقيتها قدامي، اللي كبر حبها في قلبي مع كل نفس بتنفسه، اللي حلمت إنها تكون ليا في يوم من الأيام ، وإن عيالي تكون منها هي. 

  

بلع "فولاك" ريقه بغصة قوية وهو بيهز راسه برفض مرددًا :

  - هي ماكانتش تستاهل قلب زي قلبك ده يا"خوان" ، ولا جني بطل زيك، لأنها قابلت كل الحب ده بجحود وغدر، اجمد يا صديقي، إنت أقوى من كده بكتير، وأنا بطمن طول ما إنت قوي وصالب طولك، إياك تنكسر عشان خاطر مخلوق. 

 

طافت نظرات "خوان" المقهورة عيون "فولاك"  المطمئنة، واللي فتح دراعاته يرحب بصديقه داخلهما، ليرتمي "خوان" بأحضانه مستمدًا منه قوته، وطاقته للأيام القادمة. 

الفصل السادس والعشرون من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1