رواية عشق الذئاب الفصل السادس و العشرون 26 بقلم اسراء على


 رواية عشق الذئاب الفصل السادس و العشرون



من يفقد ثروة يفقد كثيراً 
ومن يفقد صديقاً يفقد أكثر 
ومن يفقد الشجاعة يفقد كل شيء.

ظل جامد في مكانه..عيناه لا ترمشان وكأنها تجمدت عن الحركة..ليفيق أحمد من شروده على صوت رائف وهو يقول بصوت جدي للغاية

-سبيها تمشي..عاوز تعمل أي حاجة أنا هنا لكن مش قدامها..بلاش قدامها

صوته!!..كيف حدث هذا!!..ألم يقتله مُنذ ثوان..أكان هذا كله ما صوره خياله المريض بالإنتقام!!..شعر بالخدر يسري في أوصاله..وبؤبؤي عيناه يتحرك على وجهه وصدره الذي لم يصب بخدش قط..بالطبع يتخيل..بالطبع يتمنى من داخله قتله ولكن واقعه أحال دون ذلك..ليردف بجمود

-وأكتشفت إنك بتكدب عليها هى اللي هتدفع التمن..

نظر له بتهديد واضح وصريح..ثم تركه ورحل..وعقله لا يستوعب ما حدث مُنذ قليل..جدية رائف في الحديث واضحة..ثقته وإصراره جعلا عقله في تشتت واضح..رحل وعقله يُفكر في نقطة واحدة..ألا وهى
"كيف أنها قريبة منه ومن زوجته!!"..هذا ما عليه إكتشافه...

************

إستدار رائف بجسده..ليطمأن على المختبئة خلفه..ليجد بشرتها أصبحت باهتة..والضعف قد تمكن من ملامحها..عيناها المتورمتين من كثرة البكاء..وقبل أن ينطق بكلمة..كانت فاقدة الوعي..ليتلقفها بين ذراعيه..وقلبه يتآكله الخوف عليها..حملها بين ذراعيه برقة..ثم ركضت قدماه وكأنها تُسابق الرياح..

نزل سريعاً وهو يركض أعلى الدرج..أنزلها برقف وأسندها من خصرها ليمنعها من السقوط..أخذ يبحث في جيبي بنطاله عن مفاتيح سيارته ولكنه لم يجدها..زفر بضيق ليتذكر أنه تركها بالمنزل..وبدون أي تفكير حطم زجاج النافذة ثم فتح الباب..وضعها بحنان وربط حزام الأمان الخاص بها..ثم تحرك لمقعده وأدار محرك السيارة..ليقول لها بقلق واضح

-حبيبتي إتحملي..شوية هنوصل المستشفى..

الخوف المُتقافز من عينيه عليها..وقلبه المُتألم..جعل قيادته مُتخبطة..وكاد أن يقوم بأكثر من حادثة..وضع يده على وجنتها وقال ليطمأن نفسه

-أجمدي عشان خاطري...

****************

أنفاسه المُختنقة..نبهت عقله على قلة الأكسجين..مما دفعه كغريزة بالبقاء لكي يصعد من أسفل الماء..وأخيراً صعد وأستند بمرفقيه على حافة حوض السباحة..دلك عينيه ليُزيل عنها الماء العالق بها و الذي يُعيقه من الرؤية..ليجد ظل يحول دون وصول أشعة الشمس لعينيه..رفع رأسه لتتسع عيناه من الدهشة وقال بنبرة مصدومة

-هايدي!!
-نظرت له وقالت بمرح:أه يا سيدي تخيل

إستند بكفيه وضغط عليهما ليرفع جسده من الماء..وقال بتساؤل

-في حاجة ولا إيه
-أجابته بعتاب:لاقيت سي طارق مش بيسأل قولت أسأل أنا.

سار في إتجاة أحد المقاعد الخشبية..ليلتقط المنشفة المُلقاه بـ إهمال ليُجفف جسدها بها..وفي ظل ذلك حدثها بنبرة عادية

-معلش..أنتي عارفة الظروف

إرتعش جسده عندما تلامست بشرته الخشنة مع بشرتها الطرية والناعمة ليُغمض عيناه بـ إستمتاع تارك العنان لجسده بحق ملامستها له..فوجدها تجذبه بخفوت وقالت برقة

-طب تعالى نقعد نتكلم
-تنهد وقال:طيب

جلس أمامها ولا زالت يدها مُمسكة به..لتقول بخفوت وتساؤل جاد

-في إيه يا طارق..متغير ليه
-نظر لعينيها وقال:أنتي عارفة الوضع
ربتت على كفه قائلة:عارفة..بس فيه حاجة تانية
-عقد ما بين حاجبيه وقال:حاجة إيه
-أخذت نفس عميق وقالت:جايز عشان المؤتمر اللي إتعما مثلاً
-إتسعت عيناه بدهشة وقال:مش قصدي
-وجدها تضغط على يده وقالت بجدية:لأ كدا يا طارق..صدقني أنا محستش بحاجة لما رائف حكى عن جوازه..ودا أكدلي إن مشاعري كانت وهم بالنسبالي..

وجد يده بلا وعي يضغط على يدها..فـ سألها

-زعلانة!!
-قطبت حاجبيها قائلة:من إيه؟!!
-أخذ نفس عميق ثم قال:يعني من موضوعي أنا ورائف
-إبتسمت برقة وقالت:دي حاجة تخصك أنت وعيلتك..ومليش الحق أدخل أو أزعل..فمش تسألني إذا كنت زعلانة أو لأ..عشان دا مش حقي..

نظر لها بـ إمتنان وعيناه تلمعان بحب جارف..وكل خلية بجسده تُطالبه بضمها إلى صدره..ثم تشدق بنبرة عذبة

-مش عارف أقولك إيه؟!!..
-ضحكت بمرح وقالت:قولي تعالي أعزمك ع الغدا
قهقه بشدة ثم قال بمزاح:تعالي أعزمك ع الغدا..
-دفعته في كتفه بخفة:طب يلا
-إبتسم وقال:ماشي

نهض وتحرك ناحية الفيلا..وعلت إبتسامة على وجهه..أقل وصف لها إنها سعادة..فقدومها اليوم وطلبها وصاله..محت تلك الهواجس التي عصفت برأسه سابقاً....... 

****************

وصلت سيارة رائف أمام مشفى الأسيوطي..صف سيارته بـ إهمال ثم نزل من سيارته وإلتف سريعاً ناحية مقعدها..حل عنها حزام الأمان خاصتها ثم حملها برفق شديد وسار بها..ضمها لصدره بحنان ورغم عدم خطورة جرحها إلا أن قلقه وصل عنان السماء..قرب رأسه من أُذنها وهمس بها

-خلاص يا قلبي..وصلنا..خليكي قوية..

ركض بسرعة البرق حتى وصل لداخل المشفى ثم زعق بصوت جهوري أفزع الجميع

-أنتو يا بهايم..يا حيوانات حد يجي بسرعة

هرولت إليه ممرضة..تحاول تهدئته

-إهدى يا رائف بيه..هنعمل كل اللي أنت عاوزه
-نظر لها نظرات نارية أحرقتها..ليقول بحدة وهو يتجه لغرفة الجراحة:حد ينادي لدكتور محي..بسرعة إتحركوا

ثم ركض سريعاً..ناحية الغرفة المنشودة..دفع الباب بقوة بقدمه ثم دلف..وضعها أعلى الفراش بحنان..نزل لمستواها وقبل جبينها ثم توجه لغسل يديه وتعقيمها..ثم إرتدى زي الخاص بالجراحين..

في تلك الأثناء دلف والده الغرفة ومعه طاقم الممرضين الذي ما أن أخبرته الممرضة بما حدث حتى هرول إلى الغرفة..حدثه محي بجدية

-ٱطلع أنت يا رائف وإحنا هنتصرف
-أتاه رده:لأ 
-مسح محي خصلات شعره وقال بهدوء:يا بني هتعمل إيه هنا وأنت مش عارف حاجة
-ليرد وهو يرتدي القفازات البلاستيكية بيديه قائلاً:أومال أنا جايبك ليه
-محي بضيق:يا بني أسمع الكلام
-أجابه رائف بحزم:لأ

وأمام حزم إبنه وإصراره..لم يجد بداً من الإذعان لطلبه..صرف الباقي ثم بدأ هو و ولده في إجراء جراحة بسيطة..لم يمتهن رائف الجراحة من قبل..هو لم يمتهن أساساً مهنة الطب المُجبر عليها..ولكن لأجلها مارسها فلكل قاعدة شواذ..وكانت هى..هى من تستطيع قلب حياته رأساً على عقب..التخلي والتمسك بـ أشياء لم يكن يستطيع التخلي عنها..أو التمسك بشئ هو لا يحبه......

*******************

وصل أحمد لمنزله يجر أذيال الخيبة خلفه..كم حلم بموت رائف..ولكن لم يكن قتله سوى وهم..أو حُلم لا يهم..ولكنه لم يستطع تنفيذ ما أراد..ليدخل في دوامة أخرى ألا وهى ظهور نهلة وأنها على قيد الحياه..وصل أمام الباب..أخرج مفاتيحه ثم فتح الباب ودلف...

وجد زوجته التي تكبره بـ 8 سنوات تجلس في إنتظاره. كم يبدو وجهها كالخمسين في عمرها ولكنها لم تكن سوى سيدة في السادسة والأربعون من العمر..لها هيبة و وقار لم يلاحظه حتى اليوم..وهى تنتظره بهدوء..نهضت من جلستها وتوجهت ناحيته بخطوات قلقة..بعد أن رأت هيئته المزرية..وقفت أمامه وسألته بتوجس

-مالك يا أحمد

وما كان رده سوى أن إرتمى في أحضانها وقال بتعب

-تعبان يا سوزي..تعبان

مسحت على خصلات شعره بحنو أمومي وقالت بقلق

-بس مكنتش كدا قبل ما تخرج
-شدد من إحتضانه وقال:أديكي قولتي قبل ما أخرج
-أبعدته عنها وما زالت تحتضن وجه بين راحتيها:مالك يا أحمد قلقتني

ظل يوزع بصره عليها حتى إستقر على شفتيها المُلطخة بحمرة مغرية..ليندفع برأسه ناحيتهما وبدأ في تقبيلها ويده تنزع ملابسها بهدوء..حملها بين يديه ليقول 

-أنا محتاجك
-نظرت لعيناه التي تحتاجها لتقول بحنو:وأنا جمبك

ثم دلفا إلى الغرفة لينغمسا معاً في عالم خاص بهما.......

******************

إنتهى رائف ومحي من تقطيب جراحها ومداواتها..نادى على ممرضين لكي يحملاها..ولكن رائف زمجر بغضب عاصف وقال بحدة

-لو فكرتوا بس تحطوا إيديكوا على مراتي..هقطع رقابيكوا 

جحظت عينا الرجل وإرتعشت أطرافهم خوفاً من علامات الشر والغضب المرتسمة على وجهه..ليتنحنح محي بقوله الرزين

-خلاص يا رائف..شيلها أنت وهو هيوريك أوضتها

أشار على أحدهم الذي إبتلع ريقه بصعوبة بالغة..حمل رائف زوجته برفق تنافى مع غلظته مُنذ ثوان..نظر إلى الممرض بعيناه القاتمة وقال بجفاء

-وريني الزفتة 

سار الممرض أمامه وحبات العرق تتلألئ على جبينه وبين حاجبيه..فنظرات رائف كانت قاتلة..سار بخطى مرتعشة حتى وصل إلىالغرفة المنشودة ليقول بتوتر

-آآ..الأوضة أهيه يا رائف بيه..

نظر له رائف بنارية..فذلك الرجل كان على وشك لمس زوجته..دلف بها و وضعها أعلى الفراش بحنان..ثم دثرها جيداً..ليجد خلفه ممرضة تطلب منه بلطف

-لوسمحت يا رائف بيه..ممكن تخرج عشان أغيرلها هدومها وأركبلها المحاليل

أماء برأسه عدة مرات..ثم إنحنى قليلاً ليُقبل جبينها بعدة قُبلات هادئة..ليردف بهدوء

-ثواني وجيالك..

مسح على رأسها بحنان..وبالرغم من سكونها ونومها..إلا أنه متأكد بأنها تسمعه وتشعر به........ 

*****************

دلف محي إلى مكتبه..وجلس على مقعده ليُنفس عما به..شعر بقوة العلاقة التي تربطه بهذه الفتاه..هذا العمق النابع من سنوات عديدة..ليست رابطة زواج فحسب..ولكنها الصداقة التي نشبت بينهما مُنذ زمن..نادم هو لترك والدته فعل ما يحلو لها..أمسك هاتفه وحكى زوجته 

-منال..أمي عندك
-أتاه صوت منال قائلاً:أيوة يا محي..في حاجة!!
-رد عليها بجدية:لأ..بس تعالوا كلكوا بكرة ع المستشفى..
-تعجبت كثيراً من طلبه لتقول:طب ليه!!
-تنهد بضيق وقال:منال إسمعي اللي بقولك عليه
-زفرت بيأس وقالت:طيب يا محي..حاجة تانية!!
-أجابها بـ إقتضاب:لأ..سلام
-سلام...

أغلق الهاتف ثم ألقاه بـ إهمال على المكتب..مسح عدة مرات على وجهه ثم صعد إلى رأسه من الأمام إلى الخلف وصولاً لعنقه الذي دلكه بعنف..ليسمع طرقات خفيفة على الباب..ليقول بهدوء

-أدخل

ثوان ودلف أحد العاملين بالمشفى ليتحدث بعملية

- في حالة وصلت يا دكتور محي..ومحتاجين حضرتك
-رد محي بتعب:طيب جاي وراك...
-تمام يا دكتور

وإنسحب العامل بهدوء..زفر محي بتعب وقال

-يارب..قويني ع اللي جاي

ثم.نهض وقلبه متوجس خفية مما هو مُقدم عليه.........

******************

جلس رائف بالخارج ينتظر خروج الممرضة لكي يدلف إلى زوجته..لمح أحدهم يخرج من غرفة رحمة..التي لا تزال على حالتها الساكنة..شعر بدقات قلبه تتسارع فجأة..أغمض عينيه في محاولة لإخماد ذلك الشعور الذي ينغرس كغمد في صدره..يؤلمه بشدة..ظلت عيناه مُسلطة على رحمة حتى إنغلق الباب عليها..وأختفت عن أنظاره..

نهض عن مقعده بخطى متبطأة..حتى وصل لمقبض غرفتها كاد أن يُديره..إلا أن خروج الممرضة من غرفة زوجته أخرجته مما هو مُقدم عليه..توجهت الممرضة ناحية رائف وقالت بهدوء

-أنا خلصت..حضرتك تقدر تدخلها

أماء برأسه..فذهبت هى..عاد بنظره ناحية الغرفة مرة أخرى..وهذه المرة أدار المقبض..ومع فتح الباب وذلك الصرير الخفيف حتى علت ضربات قلبه وإرتعش جسده بقوة..زلزلت كيانه..

دلف إلى الداخل ثم وقف أمام فراشها يتأمل تلك المرأة التي ربته ولم تطالبه بشئ..عاملها بأبشع الطرق..حتى يتفاجئ يوماً ما بأنها والدته..زفر أنفاس حارة وقال بقتامة

-يوم ما أعرف إنك أمي..يحصلك كدا....

إرتعشت يداه وهو يحاول تلمس يدها..لتغلب عليه العاطفة المُفتقدة وأمسك كفها المُجعد..ولكن سريعاً ما تركه..ليقول بيأس

-صعب عليا أحس بيكي..أنتي سبتيني يعملوا كدا فيا...

قالها ثم رحل..ليسمع صوتها الخافت المُتعب يُناديه

-رائف....

ظن أنها مجرد هواجس..وأكمل سيره إلا أن صوتها الضعيف عاد يصدح مرة أخرى 

-رائف....إبني........

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1