رواية حرية مقيدة الفصل السادس والعشرون
زفر للمره التانيه بعد الألف وهو يطالع الجالسين أمامه بنفاذ صبر قبل أن يتحدث منهيًا الحوار:
_اللى عندي قولته وتتصرفي انتِ وبنتك بقي أنا اللى ليا بنتي ترجعلي.
نظرت سيده نحو سهر التي بادلتها النظرة بأخري ظهر بها الضيق قبل أن تتحدث سهر:
_أنا مش عارفه طلعتلنا منين انتَ وبنتك دي جتها داهيه تاخدها.
أجابها راشد منفعلًا بحده:
_انتِ تحترمي نفسك وانتِ بتتكلمي عن بنتي سامعه.. مهما كانت عندها كرامه مش زيك معندكيش ريحتها أصلًا وراميه نفسك على واحد مش طايقك.
همت سهر للرد عليه لتوقفها سيده منهيه ذلك النقاش الحاد:
_باااس..المفتاح الوحيد اللى فاضلنا عشان نقدر نوقع مابينهم هو تولين.
ظهر الأستغراب والشك على وجه سهر وهى تتحدث:
_ودي هتعمليها ازاي تولين بتحبها وجدًا كمان.
أرجعت سيده ظهرها لظهر المقعد وأجابتها بإبتسامة ماكره:
_بعض العنف مع الأطفال مبيضرش لو كان ف الغلط وف الأول والاخير هى حفيدتي وأنا أدري بمصلحتها وهعرف إزاي اخليها تعمل اللى عاوزاه حتي لو هى مكانتش عاوزاه.
لم يمر الكثير وأنتصرف يتركهم وصعد لسيارته يقودها بضيق منذ الصباح وهو يحادث ذلك المختل ولكنه لأ يجيبه فـ يأس وسأم وقرر الذهاب له..أفضل وقت ليحصل على أبنته الآن قبل أن يسترد يزيد عافيته.
وبعد مرور بعض الوقت كان قد وصل لذلك المنزل الذي يقع بتلك الصحراء الجرداء، ظل واقفًا قرابة النص ساعة حتي سمحوا له بالدخول..دخل لبهو المنزل ليستمع لصوت صراخ أنثوي شق السكون وأرهبه.!
وتابع صوت صراخها صوت سوط عنيف وزمجره شرسه جعلت الدماء تتوقف بعروقه قبل أن يمد يده يحرر رابطه عنقه باحثًا عن الهواء، التفت بفزع عندما وضع أحدًا يده على كتفه من الخلف ليجدها أحدي العاملات بالمنزل الشبيهين بفتيات الليل بـ ملابسهم القصيره والمكشوفه تلك، تفحص وجهه تلك الفتاه ذات الملامح الحاده والأعين السوداء المحاطه بزينة وجه سوداء شبيهه لرسمة أعين الفراعنه القدماء.!
تحدثت الفتاه بنبرة ظهر بها الخبث كـ أبتسامتها الجانبية التي ظهرت على شفتيها المطلتين بلون نبيذي قاتم:
_أتفضل، مسيو شعلان عشر دقايق ويجي.
أومأ راشد بتقطع وذهب يجلس حيث أشارت له وأمسك بكوب المياه الموضوع يرتشفه دفعه واحده ووضعه مكانه وهو يزفر بقوه متمنيًا تلك اللحظه التي تنتهي بها علاقته مع ذلك المختل..لكن ربما تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.
نظر بجانبه عندما استمع لصوت خطوات مقتربة ليجده هو بقامته الفارعه يرتدي بنطال أبيض وقميص ترك أزراره جميعها مفتوحه لتظهر عضلات جسده التي زينتها تلك الوشوم المخيفه.
ولأول مره يراها راشد كاملةً فـ هو يعرف رسمة الثعبان الممتد من معدته حتي عنقه لكنه وجد ثعبان أخر باللون الأخضر يلتف حول خصره، ظهر الأشمئزاز بأعينه وهو يتوقع بأن من الممكن وجود رسومات أخري على ظهره.
تقدم يجلس على المقعد الطويل الذي شابهه المقاعد الملكيه بلونه النبيذي وبنهاية كل ذراع رأس ثعبان ذهبيه، جلس شعلان بأسترخاء وتحدث ببرود:
_تاني مره متجيش من غير معاد مُسبق ياشاطر.
انحني راشد بجلسته قليلًا يجيبه بضيق:
_ما انتَ مبتردش عليا مكنش فيه قدامي غير إني أجي.
صاح شعلان بأنفعال بعدما أعتدل بجلسته وبصوت مرتفع أستمع له كل من بالمنزل:
_ محدش كان قالك عليا متفرغ لحل مشاكلك تاني مرررره ياراااشد متجيش من غير معاد سامع.!!
صمت ولم يتحدث لأنه لو تحدث سيشتعل الحديث بينهم ومن الممكن أن ينتهي برصاصه تستقر برأسه.!
جائت تلك الفتاه التي أرشدته لمكان الجلوس ووضعت صحن مسطح فوق الطاوله ومعه كأس به مشروب نبيذي وتركتهم تتجه لتقف جوار شعلان وأستقرت يدهت فوق ذراعيه بحركات مدروسه حتي هدأ وعاد لجلسته السابقة وأشار لها بالتوقف وبعدها أشار نحو الطاوله وتحدث بهدوء ظاهري:
_جهزيه.
أجابته بالطاعه وجلست على ركبتيها بجوار قدمه وسحبت الصحن أمامها وامسكت بالمظروف الشفاف الموضوع به لتفرغ محتوياته التي لم تكن سوي مخدرات وبدأت بتنظيمهم بصفوف متساويه وبعدها أمسكت بقطه نحاسيه صغيره فارغه من المنتصف ومدت يدها تعطيها له، أمسكها منها وانحني بجزعه وضع أحدي طرفي القطعه بأنفه وبحركه سريعه أستنشق المسحوق الموضوع وترك القطعه وعاد للخلف وعلى وجهه أبتسامة أنتشاء.!
نهضت الفتاه عندما سمح لها وغادرت الغرفة ليفتح شعلان أعينه بأبتسامة سوداويه:
_تجرب.؟
تحدث راشد بتساؤل:
_بودره.؟
أجابة شعلان وقد أتسعت أبتسامته أكثر:
_تـؤ..كوكاين.
ظهر الرفض على ملامح راشد وحرك رأسه بالرفض وعم الصمت لدقيقتين وعاود التساؤل:
_الشغل فيه ماشي حلو.؟
ضحك شعلان بأستهزاء وهو يعتدل بجلسته والتقط الكأس يرتشف منه بتلذذ:
_الآثار مش جايه سكه معاك.؟
ولا المطاريد عملوها معاك.؟
ولا يكونش يزيد قصر معاك ف السلاح.؟
دا انتَ حتي أبو مراته لازم يتوصي بيك.
وعلى ذكر أسمه نظر راشد له بحقد وهو يتناول الكأس الذي جلبته له الفتاه يرتشف منه بضيق:
_ماهو موقفلنا السوق والتجار هايبينه ومحدش خرج حته واحده من ساعة ما سعادته أصدر فرمان بكدا وأنا بقي مش هفضل حاطط ايدي على خدي مستني جنابه يشغل السوق تاني كان لازم اشوفلي طريق تاني..ومتقلقش صفقة الآثار كويسه والمطاريد لحد دلوقتي كويسين معايا بس مفيش مانع نشوف اي أخبار الكوكاين البحر يحب الزياده.
ترك شعلان الكأس بعدما أنهاه وحرك رأسه بالإيجاب:
_هاخد خمسه مليون مقدمًا.
حرك راشد رأسه بالموافقه وتسائل:
_يدخلولي كام.؟
همهم شعلان للحظات قبل إن يجيبه:
_الضعف وممكن أكتر.
ألتمعت أعين راشد برضاء لينهض شعلان منهيًا تلك الزياره السخيفه:
_عندي مقابلات أهم.
أومأ راشد على مضض ونهض لكنه وقف يتسائل:
_أنا مخلص كل أجراءات السفر، هتخلص الحكايه دي وتجبهالي أمتي.؟
قلب شعلان أعينه بملل وأجابه وهو يغادر:
_يوم أو يومين بالكتير، أبن الشهاوي صحته بقيت ف النازل فـ هبعتله اللى يريحه ويريحنا منه، هعفيه من مسؤوليتها وأتولاها أنا.
لم يتسمع راشد لأخر حديث شعلان لآن شعلان اختفي بداخل أحد الغرف تاركًا راشد بسعادته الغامره فـ هو يريد الحصول على ما يريد دون خسارة أي شئ وبالشجارات القادمه مع يزيد ستحدث فجوه بينهم وستستلم له بعدما تعود لأحضانه.
« _____ »
بداخل غرفة الجلوس بـ قصر الشهاوي تعم أصوات الضحكات المرتفعه لجميعهم وعلى رأسهم جليلة التي أحبت ريهام كثيرًا وتحدثت من بين ضحكاتها:
_والله ياريهام لو كان ربنا رزقني بـ أبن تاني لكنت جوزتهولك.
أختفت الأبتسامه من على وجه ريهام وتحدثت بعبس:
_جرا اي ياحجه هو أنا طايقه أبنك الأولاني عشان أبقي أطيق التاني.
شهقه صدرت من سندس وتركت كوب العصير الذي بيدها تتحدث سريعًا:
_لا لا كلوا إلا يزيد عند ماما دا خط أحمر.
لوحت ريهام بلامبالاه وهى تمسك كوب العصير تتفحصه لتعلم نكهته قبل أن تتذوق منه:
_بلا أحمر بلا فوشيا.
بينما هي صمتت فجأة عن الحديث تتابعهم بأبتسامة ويدها مستمره بالمرور بخصلات شعر تولين التي غفت فوق قدمها وبأحضانها، أصدرت تنهيده عميقه عندما فشلت بأخراجه من تفكيرها وهى تتذكر كل ماحدث ليلة أمس وحديثهم الذي أكمله بعد أن هدء بكائها، رغمًا عن شخصيته متلقبة الأحوال تلك أحبته لكنها تُفضل الأحتفاظ بها لنفسها حتي يحين الوقت.
فتحت أعينها من جديد وهى تتابع حديثهم السائد بهدوء وشرود بعض الشئ ولم يمر أكثر من ذلك وقد أتي محمود ليصتحب ريهام للمنزل نظرًا لتأخر الوقت وقد أقترب منتصف الليل وبعدها غادرت جليلة لغرفتها لأن موعد نومها قد فات منذ وقت طويل وقبل أن تصعد سندس توقفت على الدرج تتسائل ببسمه هادئه:
_مش هتطلعي تنامي ياتاج.
بادلتها تاج الأبتسامه بأخري رقيقه هادئه تجيبها:
_لسه هستني يزيد لما يجي.
لتتحدث سندس بأقتراح:
-طب اطلعي استنيه ف أوضتكم واستريحي شويه إحنا متعودين أنه بيتأخر بره وملوش معاد محدد.
أبتسمت بهدوء وأومأت بالإيجاب وصعدت تدلف لغرفتهم مغلقه الباب خلفها، جفاها النوم وكأن الفراش صُنع من الحجر أفكارها كأنها وحوش ضاريه تطاردها حتي تسببت لها بصداع حاد لتنهض أخيرًا عن الفراش وتقدمت من حقيبتها تخرج متعلقاتها وحسوبها ووضعتهم على الطاوله وجلست على الأريكه تفتحهم تحاول أشغال عقلها لكن..لأ فائدة.
أرجعت رأسها للخلف تغمض أعينها بقوه وصراع نفسي يدور بداخلها، تشعر بأنها قاسيه مع والدها لكن..لو كانت أستمعت منه لوعد صغير بأنه سيبتعد وينهي تلك الزيجه لكانت عادت له رغمًا عن قلبها ورغبتها بالبقاء والإكمال مع يزيد..لكنها لم تستمع، هي حتي الآن تعاني من أبتعادها عنه وبخيبة آمالها به وبتحطيم قلبها منه مؤلم أن يكون هناك أحدًا يحدثك عن الشرف وهو أحد الخائنين.
تشعر بفرق كبير لأ تستطيع أخفائه على نفسها أكثر من ذلك يزيد أفضل من والدها..تعلم أن والدها يحبها لكنه لم يحاول التغير من أجلها حتي ولو خوفًا عليها.!!
بل جاء يقدمها ليزيد كـ رهن حتي يعطيه أمواله، تتذكر جيدًا عندما كانت تبكي بعد الإهانه التي تعرضت لها على يد سهر سابقًا لكنه..لم يجيبها وبعدها أغلق هاتفه.
من لديها غيره لتستنجد به.!
فقط لو يبتعد عن هذه التجاره السوداء لكانت عادتة له حتى لو أحترق قلبها على فراق يزيد.
أعتدلت بجلستها ونهضت وهى تمسح دموعها الساخنه التي هبطت على وجهها وكأنها تخفف من تألم قلبها ودلفت للمرحاض تتوضئ وخرجت وشرعت بأيداء قيام الليل بخشوع تام تناجي ربها عن ما بها وأن يخفف أنقباض قلبها المؤلم الذي تشعر به وأن يعود لها يزيد سالمًا.
نهضت تنزع رداء الصلاه ووضعته بمكانه ودلفت للشرفه تبحث عن سيارته بأعين قلقه وقلب خائف تشعر بهواء بارد يثير الرعشه بجسدها وكأنها طفله تائهه بأحد الحروب دون درعها الحامي.
ظلت واقفه لعدة دقائق لكنها لم تستطيع التماسك أكثر بعدما لم يُفتح هاتفه نظرت لوقت لتجدها الواحده بعد منتصف الليل.
خرجت من الغرفه بهدوء شديد حتي لأ تزعج أحد وفتحت باب المنزل برفق حتي لأ يصدر صوتًا ولم تغلقه كليًا وتوجهت نحو أحد الحراس الذي يعطيها ظهرها وحمحمت تتحدث بصوت هادئ رقيق:
_لو سمحت.
ألتفت الحارس لها سريعًا لتضح له الرؤيه وتحدث بأحترام:
_أيوه يا هانم أمريني.
ظهر شبح الأبتسامه على وجهها بعدما جاهدت لتبتسم:
_الأمر لله، هو يزيد كل دا لسه مرجعش.؟
حرك الحارس رأسه بالنفي وهو يجيبها:
_لأ حضرتك نادر بس اللى رجع ومشي من شويه.
فركت يدها بتوتر وقلق تجاهد حتي لا تبكي وتحدثت بصوت متحشرج:
_هو نادر دايمًا معاه صح.؟
أومأ الحارس لتكمل حديثها:
_طب لو سمحت عاوزه رقمه عشان بكلم يزيد مبيردش عليا وأنا قلقانه عليه.
نظر لها الحارس ببعض الشفقه وأومأ وتوجه نحو البوابه ليتحدث اولًا مع قائد الحرس بغياب نادر ليأتي لها وأعطاها الرقم، تقدمت تعود لبوابة المنزل وهى تتصل برقم نادر حتي أجابها بالمره الثانيه لتتوقف أمام بوابة المنزل وتحدثت بلهفه وخوف:
_أيوه يا نادر أنا تاج.
أتتها أجابة نادر الذي ظهر بها الأستغراب:
_خير يامدام تاج انتِ كويسه فى حاجه حصلت.؟
تحدثت سريعًا بالنفي:
_لأ أنا كويسه مفيش حاجه أنا بس قلقانه على يزيد وهو..هو مبيردش عليا عاوزه أكلمه.
وعند ذكرها لأسمه أرتعشت نبرتها وأختنقت بالبكاء الذي جعله يشفق علي حالها وتنهد طويلًا قبل أن يجيبها بهدوء:
_للأسف مش هينفع هو تعبان ومش هيقدر يتكلم.
وقع قلبها أرضًا وفاضت دموعها وتحدثت ببكاء متألم:
_حصله أي أنا كنت حاسه إن فيه حاجه أرجوك قولي هو فين علشان أجيله.
زاد أشفاقه عليها لبكائها المرتجف هذا ليتحدث بهدوء محاولًا طمئنتها:
_اهدي بس هو كويس بكرا الصبح هخلي حد...
قاطعته برفض هستيري ترفض البقاء بعيده عنه ولو لثواني واحده:
_لا لا لا أنا عاوزه دلوقتي مش..هقدر.
زفر بتروي وأجابها:
_طب أدي التليفون لأي حد من الحرس.
سارعت نحو أحدهم تمد يدها له بالهاتف وهى تمسح فـ دموعها التي تهبط بتزايد وبروده شديده تسلسلت لجسدها وأمسكت الهاتف من الحارس الذي أبتعد قليلًا ولم تمر سوي ثلاثة دقائق ووجدت أربعة تخرج من الجراچ وتوقفت أمامها لتصعد بأولهم وهى تقبض على يدها بقوه محاوله التماسك وكتم شهقات بكائها التي تخنقها، مجرد أن أذي أصابه مؤلم لها.
بينما نادر وضع الهاتف بجيب بنطالة ونظر نحو غرفة يزيد الذي خرج منها توًا عندما صدح هاتفه حتي لأ يزعجه، يتذكر عندما كان جالسًا بحديقة المنزل ليدق هاتفه برقم غريب أخبره بأنه أحد سائقي حاملات النقل والذي رأي المشد كاملًا وعندما وجدهم ابتعدوا هبط ليجد يزيد فاقد للوعي غارق بدمائه ليتصل على الفور بالطوارئ وبعدها أخرج شريحة هاتف يزيد حتي يتمكن من التواصل مع أحد أقاربه وكان هو أخر رقم قد تحدث معه.
يزيد ذو الرأس الصلب يتذكر حديثهم الحاد عن خطورة بقائه وحده لكن الأخر لم يهتم وفعل ما يريد، جلس على المقاعد الموجودة أمام باب الغرفة وهو يشمل الطابق بنظرة راضيه بعدما أستدعي الحرس حتي يوفر أكبر قدر من الأمان له.
لكنه ضغط على أسنانه وهو يمرر يده بقوه على وجهه فـ سائق الحامله أخبره بأنه لم يستطيع رؤية أي من وجوه مهاجميه كما أن السيارة كانت لأ تحمل لائحه.
ظل يفكر بفاعلها من هؤلاء الأفاعي وقد أحتار كثيرًا بينهم ولو يمضي الكثير واستمع لصوت خطوات سريعه ليرفع وجهه وكما توقع رأي تاج تتقدم نحوه بخطوات شبه راكضه وأعينها تتسائل عن مكان تواجده، زفر اولًا وتحدث بهدوء جاد:
_أنا هسيبك تدخلي له بس هو مش هيفوق قبل ما النهار يكون طلع.
حركت رأسها بالإيجاب وهى تمسح دموعها التي تسيل رغمًا عنها وتوجهت لباب الغرفه الذي أشار له.
فتحت الباب لتتسمر قدمها عندما وجدته نائمًا على فراش المشفي وغطاء أبيض موضوع فوقه، والأسلاك المسؤوله عن قراءة المؤشرات الحيويه له موصله بجسده وكتفه الأيمن تعلوه ضماده بيضاء، رفعت يدها تضعها فوق فمها تكتم تلك الشهقه المتألمه المصاحبه لأمطار عيونها وقد أصتبغ وجهها باللون الأحمر القاني من شدة بكائها.
تقدمت منه وهى تضم شفتيها المرتعشتين بقوه حتي لأ تصدر صوتًا ووقفت بجواره تطالعه بنظرة متألمة تائهه وخائفه، مدت يدها تمسك بيده بين يديها الأثنتين تمرر أصابعها فوق كف يده الذي وضحت عليه بعض الخدوش، أحنت رأسها للأسفل وتحدثت بصوت مختنق باكي:
_متسبنيش لوحدي..يمكن اللى حصلك دا بسببي بس أنا عاوزاك أفضل واحد عشان كدا قولتلك أبعد..عشان بحبك..قوم يا يزيد قوم عشاني متسبنيش لوحدي.
أنهت حديثها بأنهيار باكي وهى تنظر له على أمل أن يفتح أعينه ويطمئنها إلا أنه لم يفعل، رفعت يد واحده تمسح دموعها بأرتجاف وسحبت أحد المقاعد ليكون ملاصق لفراشه وجلست فوقه وأعادت الأمساك بيده وهى تنظر له بصمت باكي حتي شعرت بثقل برأسها لتضعها على طرف الفراش ومازالت أعينها معلقه فوقه ويدها ممسكه بيده وكأنه طوق نجاتها التي ترفض تركه.
حتي أنتصر عليها ثقل رأسها وألمتها أعينها من البكاء لتغمضها بتخدر تام ساقطه بعالم الأحلام الذي ترأسه الأرق.
« _____ »
صباحًا.
فتحت أعينها بألم شديد عندما تحركت وشعرت بألم بفقرات ظهرها لوضعية نومها الغير صحيحة، أعتدلت فور أن فتح باب الغرفه ودلفت أحدي الممرضات بصحبة الطبيب ومعهم نادر، تحدثت الممرضه بأبتسامة هادئه وصوت منخفض:
_صباح الخير.
نهضت تاج وهى تبعد خصلات شعرها للخلف ترتبها بحركات بسيطه وبادلتها بأبتسامة صغيره:
_صباح النور.
أبدلت الممرضه المحلول الفارغ بأخر والطبيب وقف بجواره يطمئن على النبض والمؤشرات الحيوية وهى تتابعهم بأعين متراقبه وتسائلت بقلق:
_هو هيفوق أمتي.
نظر لها الطبيب بأبتسامة مطمئنه واجابها:
_ممكن ساعتين بالكتير أوي..متقلقيش هو كويس.
أطمئن قلبها قليلًا لحديثه لكن ستطمئن كليًا إن أستيقظ ورأت غابات أعينه الداكنه التي تشعر عند النظر بداخلهما بأنها سقطت ببئر عميق ولا يوجد منقذ منه..سواه.!
خرج الطبيب والممرضه وبقي نادر الذي تحدث بهدوء:
_الحرس برا مستنينك ممكن تروحي ترتاحي..
حرك رأسها بالنفي بشده وتمسكت بيده تجيبه بأصرار:
_هفضل معاه لحد ما يروح معايا.
زفر نادر بقلة حيله واخبرها بأن عليه الرحيل لبعض الوقت لوجود أعمال لا يمكن تأجيلها وأن بالخارج الكثير من الحراس وإن أحتاجت شئ تخبر أحدهم وغادر الغرفة.
أستدعت تاج الممرضه وطلبت منها رداء للصلاة ودلفت للمرحاض تتوضئ وتؤدي فرضها بأحد أركان الغرفة وشعرت بالباب يّفتح فـ خمنت بأن نادر قد عاد أو أنه الطبيب أو أحدي الممرضات واكملت صلاتها بخشوع تدعوا الله بأن يَحميه وأن يسترد صحته ويعود لوعيه.
دلفت بهدوء شديد للغرفة لقضاء مهمتها التي جائت خصيصًا لأجلها وقد تبدلت هيئتها كليًا من مساحيق التجميل الجريئه لوجه خالي من الزينه وجديله بسيطه وبالطبع رداء الممرضات.
وقع نظرها على فتاه تصلي بأحد الأركان ولكنها لم تعيرها أهتمامًا واخرجت تلك الأبره المجهزه بجيب سترتها وهي تتقدم من المحلول المعلق ونظرت لوجه يزيد المستكين وتحدث بهمس ماكر بداخلها:
_أوامر مسيو شعلان واجب تتنفذ.
رفعت يدها تنزع غطاء الأبره ورفعت يدها تهم بوضعها بعبوة المحلول لتجد يد وضعت على يدها تمنعها بحده وقد تعرفت على هويتها أنها زوجته وأبنة ذلك الراشد، تحدثت تاج بحده بالغه وهي تدفعها للخلف:
_انتِ بتعملي أي.
أجابتها الأخري ببرود شديد وثبات:
_بشوف شغلي.
همت لتمانع لتخرج الأخري سكين صغير حاد ورفعته أمامها بتهديد بارد:
_بهدوء ومن غير شوشره ياشاطره عشان متتئذيش متدخليش ف اللى هيحصل وكل حاجه هتبقي قضاء وقدر.
رغم أرتعاب تاج الحرفي إلا أنها لم تكن بالحمقاء يومًا..حركت رأسها بالإيجاب وتنحت للخلف لتتقدم الأخري ووضعت الأبرة بعبوة المحلول وخرجت سريعًا وبحرص شديد.
فور خروجها ألتفتت تاج تنظر للسلك الموصل من عبوة المحلول ليد يزيد والذي قامت بنزعه دون أن تلاحظ الأخري..لم يكن أمامها سوي أن تُظهر الأستسلام، فكرت بأن تصيح مستنجده بأحد الحراس لكن من الممكن أن تقم بأيذائها أو بأيذاء يزيد قبل أن يتدخل أحد، هوت على الأرض الصلبه تضم قدمها لصدرها تخبئ وجهها وهى تشعر بخوف شديد يحتل أوصالها.
رؤيتها لتلك الفتاه لم يريح قلبها وما زاد شكها تلك الأبره التي رأتها تمسكها بيدها، لم تفكر فـ العواقب خاصةً بعد أن شرح لها الكثير والكثير وباتت تعلم بأن أشخاص هذا العالم الأسود أبشع مما كانت تتخيل.
رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع تتمسك بيده وتحدثت بضعف:
_كفايه كدا..مش قادره أتحمل كل دا فوق طاقتي أرجوك فوق.
أعادت وجهها لقدمها من جديد ومازلت متمسكه بيده لم تعلم كم مضي من الوقت لكن الذي تعلمه جيدًا أنها شعرت بأصابعه تُمرر فوق كف يدها.
رفعت رأسها سريعًا لتجده مازال مغمض العينين لكن يده أحتوت يدها ويحرك أصابعه فوقها بطمئنينه.
نطقت أسمه بسعاده ونهضت لتجده فتح أعينه ينظر لها بأبتسامة هادئه مشتاقة وخرج صوته التي افتقدته كثيرًا بنبرة صوته الأجشه العميقه وتحدث بصوت منخفض بعض الشئ وقد ترك يدها ورفع يده يمسح دموعها من فوق وجنتها بحنو ورفق:
_وحشتيني.
لم تعلم ماذا كان يجب عليها أن تقول لكنها فعلت..لم تشعر سوي أن عليها احتضانه الآن وهذا مافعلته.
جلست على طرف الفراش ونصفها العلوي أستكان بين أحضانه وقد أنفجرت ببكاء مرير وهى تتحدث بتقطع:
_سبتني لوحدي..أنا أنا كنت خايفه خايفه اوي.
حاوطها بيده الغير مصابه يربت على خصلات شعرها وظهرها محاولًا تهدئتها ببعض الكلمات المطمئنه حتى رفعت وجهها الباكي تنظر نحوه وهى تمسح دموعها بظهر يدها:
_اي حصلك..أنا كنت خايفه عليك ومازلت، الناس دي وحشه أوي يا يزيد أنا كنت لوحدي بينهم.
بكائها وحديثها جعل الآلم تفتك بقلبه وتمني لو يسحق كل من تسبب لها بلحظة خوف، يعلم جيدًا مدي نقائها وأنها لم تتعرض لما تتعرض له معه من قبل، مظهرها مس قلبه بشده يشعر دائمًا بأنها طفلة متعلقه به، تحتمي به من الجميع وهو يحميها منهم ومن نفسه أولهم.!
أمسك يدها يقبلها برقه وتحدث بطمئنه وهدوء:
_انتِ مش لوحدك يا تاج أنا معاكِ دايمًا متخافيش أبدًا وأنا معاكِ.
ظهر على وجهها شبح الإبتسامة وهى تحرك رأسها بالنفي تجيبه بصدق تام أستشعره:
_أنا مبقتش خايفه دلوقتي عشان انتَ بقيت معايا..خليك معايا.
أومئ بالإيجاب بأبتسامة أفتقدتها بشده، نهضت تستدعي الممرضة بواسطة الزر الموضوع بجانب الفراش وظلت معه تطمئن عليه وتشعر بتبديل حالها للأفضل لرؤيتها له ينظر لها ويبتسم ويطمئنها.
عزمت على أن تخبره عن كل ماحدث لكن عندما تطمئن عليه ويعودوا للمنزل.
« _____ »
بعد مرور يومين
كان على شعلان أن يبحث عن خطة بديله بعد أن فشل بالتخلص كليًا من يزيد وفشلة مساعدته"ميلسيا" بوضع ذلك العقار السام بالمحلول المتصل بجسده.
وقد حرصت تاج أشد الحرص على رعايته رغم أنها كانت تذهب صباحًا لأختباراتها التي بدأت لكنها كانت تهتم بطعامه، ودوائه، وراحته، ورفضت رفضًا قاطعًا خروجه من المنزل.
وها هم جميع أفراد المنزل يتشاركون طعام الغداء مع يزيد الذي كانت تطعمه تاج بغرفتهم بالأعلي، وشاركهم بالطعام نادر أيضًا والجميع يبتسم على تولين الذي أضافت بهجه خاصه للطعام بعدما أصرت على أن تجلس فوق قدم يزيد وأن يطعمها هو.
طبع يزيد قبله حانيه على رأسها وتحدث بهدوء جاد:
_من بكرا الدكتور هيجي لو عرفت إنك أتهربتي من إنك تقعدي معاه هسحب الأيباد وكل حاجه ليها علاقه بالرسم.
ظهر العبوس على وجه تولين وحركت رأسها تنظر نحو تاج التي حملتها تضعها فوق قدمها هي وتحدثت برقة ولطف:
_لأ خلاص يا يزيد هي مش هتتهرب تولين حبيبة مامي شاطره وبكرا تشوفوا أنها هتتكلم أحسن واحده ف البيت دا كلوا.
نهض يزيد من فوق مقعده ليلحق باللذين غادروا غرفة الطعام وذهبوا لغرفة الجلوس:
_أنا قولت اللى عندي ياتاج براحتها بقي عاوزه الأيباد وكراسات الرسم يتاخدوا متبقاش تقعد مع الدكتور.
نظرت لها تاج بنظرات تشجعها وتحثها على الحديث لتتحدث تولين بأستسلام:
_خلاااص هقعـعـعد معاه.
قبلتها تاج ونهضت تتجه مع يزيد لغرفة الجلوس وهى ممسكه بيد تولين، دلف نادر من شرفة الغرفة ونظر نحو يزيد بنظره فهمها وتركهم وغادر معه للخارج ليتحدث نادر ببعض الضيق:
_راشد أتقبض عليه وهو بيستلم آثار النهارده ولقيوا معاه كوكايين ف العربيه.
سبه يزيد بصوت منخفض بعض الشئ وتحدث بأنفعال طفيف:
_نهاية وساخته..يستحقها، خلي شعلان ينفعه.
أجابه نادر بأستهزاء:
_يبعتله عيش وحلاوه، دي فيها إعدام وش.
لم يتلقي منه أجابه بل وجد مُثبت على شئ خلفه، ألتفت نادر ليري تاج واقفه على مقربة منهم وحالتها توضح بأنها أستمعت لهم، تقف جامده والدموع متحجره بأعينها حتي سالت بوهن شديد وتحركت شفتيها بهمس متألم مقهور:
_بابا.