رواية شفق الممالك الفصل الثاني
قضت لورا تلك الليلة تتقلب في سريرها، غير قادرة على النوم. كل ما حدث معها كان يبدو وكأنه حلم، لكنه كان حقيقيًا إلى درجة مخيفة. فكرة أن لديها قوة لم تكن تعلم عنها شيئًا كانت تثقل صدرها، خاصة مع كلمات آرينوس التي ظلت تتردد في عقلها: "ابدئي رحلتك من مملكة النار."
مع أول خيوط الفجر، نهضت لورا من سريرها. نظرت إلى يديها، فرأت نفس الشرارات الخفيفة التي ظهرت الليلة الماضية. أدركت أنها لا تستطيع البقاء في قريتها. كان هناك شيء ينتظرها في مكان بعيد، وكانت تعلم أن البقاء لن يؤدي إلا إلى تعريض من تحبهم للخطر.
ارتدت معطفها، وحملت حقيبة صغيرة وضعت فيها بعض الطعام والماء. وقبل أن تخرج من المنزل، توقفت للحظة أمام غرفة والدتها. فتحت الباب بهدوء، فرأتها نائمة بسلام. شعرت بوخزة في قلبها، لكنها أغلقت الباب بهدوء، متعهدة بالعودة عندما تنتهي من هذه المهمة.
في الخارج، كان إيثان ينتظرها عند مدخل القرية، كما طلبت منه الليلة الماضية.
-"لورا، هل أنتِ متأكدة من هذا؟ السفر إلى مملكة النار ليس بالأمر السهل. الطريق طويل وخطر."
-"أعلم، إيثان. لكن يجب أن أفعل هذا. لا أستطيع شرح الأمر الآن، لكنني بحاجة إليك بجانبي."
أومأ إيثان بجدية، وقال:
-"إذن لنترك القرية قبل أن يلاحظ أحد."
بدأ الاثنان رحلتهما، وكانت الشمس بالكاد تشرق على الأفق. الطريق إلى مملكة النار كان محفوفًا بالمخاطر، خاصة أن ممالك العناصر لم تكن في سلام. في السنوات الأخيرة، بدأت التوترات تزداد بين الحكام، وكان المسافرون غالبًا ما يتعرضون للهجوم من لصوص أو جنود ممالك معادية.
بعد أيام من السفر
كانت الصحارى التي تفصل قريتهم عن مملكة النار شديدة الحرارة. الرمال تمتد بلا نهاية، والهواء كان جافًا إلى درجة تجعل التنفس صعبًا. لورا شعرت بالإرهاق، لكنها لاحظت شيئًا غريبًا: لم تكن الحرارة تؤذيها كما كانت تؤذي إيثان.
-"إيثان، هل أنت بخير؟" سألت وهي ترى علامات الإرهاق على وجهه.
-"سأكون بخير... لكن كيف تتحملين هذا الجو؟ حتى أنا بالكاد أستطيع الوقوف."
لم تعرف لورا كيف تجيب، لكنها كانت تشعر بأن هذه الحرارة مألوفة، وكأنها جزء منها. قررت عدم الرد، لكنها أدركت أن قوتها ربما بدأت تظهر بشكل أكبر مما كانت تتوقع.
عند غروب الشمس
بينما كانا يسيران بين كثبان الرمال، ظهرت أمامهما مجموعة من الرجال المسلحين. كانوا يرتدون دروعًا سوداء، وعلى دروعهم رمز مملكة الظلام. وقف أحدهم أمامهم قائلاً بصوت عالٍ:
-"توقفوا! هذه المنطقة تحت سيطرتنا. إذا أردتم المرور، عليكم دفع الثمن."
حاول إيثان التحدث معهم، لكنه أدرك أنهم لن يتركوهم بسهولة. فجأة، تقدم أحد الرجال نحو لورا، محاولاً الإمساك بها. وفي تلك اللحظة، حدث شيء غريب.
شعرت لورا بحرارة شديدة تتدفق في جسدها، وبدون وعي، رفعت يدها. انطلق منها انفجار من اللهب، جعل الرجال يتراجعون بخوف. كان وجه لورا متفاجئًا تمامًا، لكنها شعرت بقوة غير مألوفة تجتاحها.
-"ما هذا؟!" صرخ أحد الرجال، ثم هربوا بسرعة.
نظر إيثان إلى لورا بدهشة، قائلاً:
-"لورا... ماذا فعلتِ؟"
لكنها لم تجب. كانت يداها ترتجفان، وعيناها تركزان على الشرارات المتطايرة من أطراف أصابعها. أدركت أن هذه هي البداية فقط، وأن رحلتها إلى مملكة النار ستكون أصعب مما توقعت.
وقفت لورا تحدق في يديها المرتعشتين، وكأنها ترى نفسها لأول مرة. الشرارات المضيئة والحرارة التي شعرت بها كانت دليلاً على أن ما قاله آرينوس كان حقيقيًا. هذه القوة، التي لم تكن تتخيل وجودها، قد أنقذتها للتو.
-"لورا..." قال إيثان بصوت خافت وهو ينظر إليها بدهشة. "هذا ليس طبيعيًا. كيف فعلتِ ذلك؟"
نظرت إليه لورا بعينين مرتبكتين:
-"لا أعلم. حدث الأمر فجأة. أشعر أن هناك شيئًا داخلي يتحرك... شيء لا أستطيع السيطرة عليه."
اقترب منها إيثان ووضع يده على كتفها، محاولاً طمأنتها:
-"مهما كان هذا، نحن بحاجة لفهمه. ربما تكون هذه القوة السبب في اختيارك لهذه الرحلة. لكن علينا أن نكون حذرين. إذا علم أي أحد بما حدث هنا، قد نكون في خطر."
هزت لورا رأسها موافقة، لكنها كانت تعلم أن الوقت لن ينتظر.
معسكر الصحراء
مع حلول الليل، قرر الاثنان التوقف والراحة قبل مواصلة رحلتهما نحو مملكة النار. أشعل إيثان نارًا صغيرة للتدفئة، بينما كانت لورا تجلس بالقرب منها، تفكر في ما حدث.
-"إيثان، هل تعتقد أنني مستعدة لهذا؟ الرحلة تبدو أكبر مني. ماذا لو فشلت؟"
نظر إليها إيثان بجدية، وقال:
-"لورا، لا أحد يولد مستعدًا. الشجاعة ليست في معرفة كل الإجابات، بل في الاستمرار رغم الشكوك. لديك شيء مميز، وقد رأيت ذلك اليوم. ربما تكونين الوحيدة القادرة على إنقاذ الممالك."
شعرت لورا ببعض الطمأنينة من كلماته، لكنها لم تستطع التخلص من القلق الذي يسكنها.
الفجر التالي
استيقظا على صوت خطوات ثقيلة تقترب. خرج إيثان من خيمته بسرعة، ووضع يده على سيفه، بينما تبعت لورا نظراته. ظهر أمامهما رجل يرتدي عباءة رمادية طويلة، وجهه مخفي تحت غطاء رأس، لكنه كان يحمل هالة غريبة.
-"من أنتما؟ وما الذي تفعلانه في هذه المنطقة؟" سأل بصوت عميق.
-"نحن مسافران فقط. لا نبحث عن مشاكل." رد إيثان بحذر، وعينه على يد الرجل التي كانت تمسك بعصا طويلة مزخرفة برموز غريبة.
-"مسافران؟ هذه الأراضي ليست مكانًا مناسبًا للسفر العادي. خاصة بالنسبة لشخص مثلكِ..." قال الرجل وهو ينظر مباشرة إلى لورا، وكأن عينيه تخترقانها.
شعرت لورا بوخزة قلق، وسألته:
-"ماذا تعني؟"
اقترب الرجل بخطوات بطيئة، ثم توقف على بعد أمتار قليلة منهما.
-"أعني أنني أشعر بالقوة داخلكِ، يا فتاة. قوة نادرة، لكنها غير مستقرة. إن كنتِ تظنين أن رحلتكِ ستنتهي بسهولة، فأنتِ مخطئة. أمامكِ اختبارات كثيرة، وأولها... هو البقاء على قيد الحياة في مملكة النار."
قبل أن تتمكن لورا من الرد، رفع الرجل عصاه، فانبعث منها ضوء أخضر باهر. شعرت بقوة غريبة تسحبها، وبدأت الأرض تهتز تحت قدميها. حاولت أن تقاوم، لكن عيناها التقتا بعيني الرجل، ورأت فيهما شيئًا لم تفهمه.
-"هذا ليس وداعًا، بل بداية." قال الرجل قبل أن يختفي فجأة، تاركًا لورا وإيثان في حيرة وخوف.
نظر إليها إيثان قائلاً:
-"ما الذي يحدث؟ ومن هذا الرجل؟"
لكن لورا لم تكن لديها إجابة. الشيء الوحيد الذي عرفته هو أن رحلتها أصبحت أكثر خطورة، وأن كل خطوة تقربها من مملكة النار ستزيد الأمور تعقيدًا.