رواية شفق الممالك الفصل الثالث 3 بقلم ملك الحريري


 رواية شفق الممالك الفصل الثالث  


بعد اختفاء الرجل الغامض، استمرت لورا وإيثان في رحلتهما، لكن ظلال كلماته كانت تلاحقهما. الطريق إلى مملكة النار بات أكثر وعورة، والحرارة لا تطاق إلا بالنسبة للورا، التي شعرت بأنها أصبحت أكثر اندماجًا مع البيئة المحيطة. 

كان الليل قد حلّ عندما وصلا إلى حدود مملكة النار. أمامهما، ارتفعت أسوار سوداء شاهقة، تشتعل على أطرافها ألسنة اللهب. البوابات الكبيرة كانت محروسة بجنود يبدون وكأنهم مصنوعون من الحمم البركانية. 

-"كيف سندخل؟" تساءل إيثان بصوت قلق.
لكن لورا تقدمت بثقة غريبة، وكأنها تعرف ما يجب فعله. وضعت يدها على البوابة المعدنية المشتعلة، ولم تشعر بأي ألم. على العكس، شعرت بحرارة مألوفة تتدفق في جسدها. فجأة، تراجعت ألسنة اللهب عن البوابة، وانفتحت ببطء. 

نظر إليها إيثان بدهشة:
-"كيف فعلتِ ذلك؟" 

-"لا أعلم... لكنه كما لو أن هذه المملكة تعرفني." 

داخل مملكة النار
كانت المدينة مليئة بالبراكين الصغيرة والشلالات الحارقة التي تتدفق بدلاً من المياه. الهواء مشبع برائحة الكبريت، والسكان يحملون سمات غريبة: عيون متوهجة، وشعر يشبه ألسنة اللهب. 

بينما كانا يسيران في الشوارع، اقترب منهما رجل يبدو كأنه قائد محلي. كان يرتدي درعًا أحمر داكنًا، وعيناه مشعتين باللون البرتقالي.
-"أنتِ... أنتِ من كنا ننتظره." قال بصوت عميق.
توقفت لورا ونظرت إليه بحذر:
-"تنتظرني؟ من أنت؟ وكيف تعرفني؟" 

-"أنا زيرون، قائد حراس مملكة النار. منذ سنوات طويلة، توقعت نبوءة أن وريثة اللهب ستعود يومًا لتعيد التوازن إلى الممالك. وها أنتِ هنا." 

قبل أن تتمكن لورا من استيعاب كلماته، أشار زيرون نحو قصر شاهق في وسط المدينة، قائلاً:
-"لكن قبل أن تثبتي أنكِ الوريثة الحقيقية، عليكِ مواجهة الاختبار النهائي." 

الاختبار النهائي
قاد زيرون لورا وإيثان إلى داخل القصر، حيث كانت غرفة ضخمة مليئة بالحمم البركانية. في منتصف الغرفة، وقف تمثال عملاق مصنوع من الحجارة السوداء، وعلى صدره جوهرة متوهجة. 

-"هذه جوهرة اللهب المقدسة. للحصول عليها، عليكِ مواجهة حارسها. فقط من تحمل دماء النار الحقيقية تستطيع التغلب عليه." 

قبل أن تتمكن لورا من الرد، بدأ التمثال بالتحرك. عيونه اشتعلت باللون الأحمر، واندفع نحوها. 

-"لورا، احذري!" صرخ إيثان محاولاً حمايتها، لكنه وجد نفسه عاجزًا أمام قوة الحارس. 

شعرت لورا بالخوف، لكنها أدركت أن الوقت ليس مناسبًا للشك. ركزت على الشعلة التي شعرت بها داخلها، ورفعت يديها. فجأة، انطلقت منها أعمدة من اللهب، أحاطت بالتمثال. 

بدأ التمثال يتراجع، لكنه استجمع قوته وهاجم مجددًا. استمرت المعركة لساعات، حتى شعرت لورا بقوتها تبلغ ذروتها. صرخت بصوت عالٍ، وأطلقت موجة من النار النقية، قضت على التمثال تمامًا. 

الجوهرة المقدسة
اقتربت لورا من الجوهرة المضيئة، ووضعت يدها عليها. شعرت بدفء غريب يجتاح جسدها، وكأنها أصبحت جزءًا من هذه الأرض. التفتت إلى زيرون، الذي انحنى أمامها، قائلاً:
-"لقد أثبتِ أنكِ وريثة اللهب. لكن رحلتك لم تنتهِ بعد. عليكِ الآن استخدام هذه القوة لإنقاذ الممالك من الظلام." 

نظرت لورا إلى إيثان، الذي كان يقف مذهولًا، وقالت:
-"لقد بدأنا، إيثان. هذه فقط البداية."

بعد أن أمسكت لورا بالجوهرة المقدسة، شعرت بتدفق قوة عظيمة داخلها، وكأنها كانت مفقودة طوال حياتها. شعرت بوهج يجري في عروقها، ورأت انعكاسًا لنفسها في الجوهرة، لكن الوجه الذي ظهر لم يكن وجهها المعتاد. كان وجه امرأة قوية، متوهجة، وعيناها مشتعلة كألسنة النار. 

وقف زيرون أمامها بخشوع:
-"لقد حصلتِ على قوة أسلافك، يا وريثة اللهب. الآن عليكِ توحيد الممالك وإعادة التوازن الذي فقدناه." 

لكن إيثان تدخل بخوف:
-"زيرون، ماذا تعني بإعادة التوازن؟ لماذا كل هذا يقع على عاتق لورا؟" 

نظر زيرون إلى إيثان بجدية وقال:
-"الظلام الذي يهدد ممالكنا قد نشأ بسبب انقسام الممالك وتخليها عن العهد القديم. فقط وريثة النار يمكنها أن تعيد الوعد وتوحد الجميع. الجوهرة ليست مجرد قوة، إنها عهد ومسؤولية." 

شعرت لورا بثقل الكلمات، لكنها حاولت أن تخفي ترددها. التفتت إلى زيرون وسألته:
-"ما الذي عليّ فعله الآن؟ كيف يمكنني توحيد الممالك؟" 

أشار زيرون إلى خريطة كبيرة معلقة على الحائط، تظهر الممالك الأربع: مملكة النار، مملكة الهواء، مملكة الماء، ومملكة الأرض.
-"كل مملكة تمتلك جوهرة مقدسة، مثل هذه التي حصلتِ عليها. عليكِ جمع الجواهر الأربع ووضعها في قلب العالم، حيث يمكنها أن تنير الظلام وتعيد التوازن. لكن حذري، حراس الظلام يعرفون بمهمتكِ الآن، وسيفعلون كل ما بوسعهم لإيقافكِ." 

الطريق إلى مملكة الهواء
بعد أن شرح زيرون مهمتها، أعطى لورا خريطة سرية تقودها إلى مملكة الهواء، حيث يجب أن تواجه الحارس التالي. ودّعها زيرون بحذر، قائلاً:
-"تذكري، هذه ليست مجرد معركة جسدية. كل مملكة ستختبر قلبكِ وإرادتكِ. لا تدعي الشكوك تهزمكِ." 

بدأت لورا وإيثان رحلتهما من جديد، لكن هذه المرة، كان الصمت يسيطر عليهما. كان إيثان واضحًا أنه قلق بشأن ما ينتظرهما، بينما لورا كانت تحاول جاهدة أن تخفي اضطرابها. 

عند حدود مملكة النار، وقبل أن يدخلا أراضي مملكة الهواء، تعرضا لهجوم مفاجئ. مجموعة من الكائنات المظلمة، تشبه الظلال، أحاطت بهما. كانت تلك الكائنات بلا وجوه، لكنها تملك أعينًا حمراء متوهجة. 

-"لورا، احذري!" صرخ إيثان وهو يستل سيفه. 

لكن لورا لم تعد الفتاة الضعيفة. رفعت يدها وأطلقت موجات من اللهب تجاه الظلال. كان القتال مريرًا، لكنها استطاعت أخيرًا التغلب عليها. 

بعد أن انتهى القتال، نظر إيثان إليها بدهشة وقال:
-"أنتِ تصبحين أقوى في كل مرة، لورا. لكنني أخشى أن هذه القوة ستجعلكِ هدفًا لكل شيء مظلم." 

ابتسمت لورا بخفة، لكنها شعرت في داخلها بعبء أكبر. لم تكن المعركة مجرد اختبار للقوة، بل كانت تذكيرًا بأن رحلتها لن تكون سهلة.

بينما كانت لورا وإيثان يقتربان من حدود مملكة الهواء، كانت غيوم ثقيلة تغطي السماء، وكأنها تحذر من عاصفة قادمة. كان كلاهما يدرك أن هذه ليست سوى البداية، وأن الأعداء الحقيقيين لم يظهروا بعد. 

تعليقات



×