رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثاني 2 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثاني 

حزين من لم تمر بيارق الحب في شوارع حبهِ...

همت بـ الرد عليه ولكنه لم يدع لها المجال ليقول بـ لهجة صارمة

-أسمعي ياچيلان..لما تكوني أد إنك تواجهي أبوكِ كلميني..غير كدا بلاش نفس الأسطوانة...

أغمضت عيناها ذات اللونين الغريبين ثم قالت بـ صوتها الرقيق ذو بحة أنثوية صارخة

-يا شهاب أنت ليه مش عاوز تفهم إني مقدرش أقول كدا لبابا..بلس إن جُلنار الأكبر مني لسه مش إتجوزت إزاي أتجوز أنا قبلها!...

تأفف شهاب بـ نفاذ صبر لتبتسم العاشقة بـ هيام ثم قالت في محاولة لتلطيف الأجواء

-بس أوعدك هحاول أكلمه
-رد عليها بـ ملل:أنتِ حُرة
-طب هنتقابل بكرة؟!
-وضع يده خلف رأسهِ وقال:أنا مش فـ المنيا الأيام دي..سافرت لصاحبي الغردقة
-لوت شفتيها المُمتلئتين بـ إغراء وقالت بـعبوس:أوكيه..براحتك يا شهاب..سلام...

ثم أغلقت الهاتف بـ وجههِ..لتنطلق من بين شفتيه سبه وقذف الهاتف بـ غضب

بـ ذلك الوقت خرج يزن من المرحاض يُجفف خُصلاته الداكنة ثم إقترب من صديقهِ وتساءل 

-مال وشك قلب كدا ليه!
-رد شهاب بـ إقتضاب:مفيش...

مط يزن شفتيه بـ لا مُبالاة وتوجه ناحية خزانة ثيابه لينتقي منها ثياب تليق بـحفل الليلة ليردف دون أن ينظر إليه

-مش هتيجي الحفلة!
-رد عليه بـ إمتعاض:مليش فـجو النسوان بتوعك دول...

ضحك يزن بـ قوة ثم إستدار وهو يُمسك بنطال أسود ليقول بـ خُبث

-يا عم دي حتت من اللي هي...

و رفع يده يُعبر عن أجسادهن بـ إبتسامة لعوب ليُكمل بعدها

-صواريخ يابني
-أدار شهاب وجهه وقال:إعقل يا يزن..إعقل وبلاش الطريق اللي ماشي فيه دا...

إرتدى يزن قميصه الأبيض وترك أول ثلاثة أزرار مفتوحة ثم قال وهو يُمشط خُصلاته

-وماله الطريق يا شهاب!..أنا مبغضبش ربنا ولا ماشي فـ طريق حرام..أنا بيسر شُغلي مش أكتر...

أشاح شهاب بـ يدهِ ثم قال بـ فتور وهو يعتدل مُخرجًا لُفافة تبغ

-عارف إني مش هاخد منك لا حق ولا باطل..شوف أنت هتروح فين...

سحب يزن مفاتيحه وحافظة النقود يليها هاتفه ثم إبتسم بـ سُخرية كِلاهما يسيران بـ طريق نهايته غيرُ محمود عواقبه

توجه ناحية الباب وقبل أن يخرج هتف بـ جمود

-الرك على اللي عارف إن طريقه كله خراب ومُصمم يمشي فيه...

إكفهر وجه شهاب ولكنه لم يرد بل ظل جامدًا..يعي تمامًا أنه لا يحب چيلان ولا ينوي أن يقع بـ فخ الحُب فـ حياتهِ الصعبة لا تتحمل تلك الرفاهيات

********************************

بـ المساء

أجتمع الجميع حول مائدة الطعام لتناول العشاء

جاسر يجلس بـ هيبتهِ على رأس الطاولة وجواره روجيدًا تحتل المقعد الذي تركته والدته فارغ ورحلت إلى رب كريم..حوله أولاده من أكبرهم حتى أصغرهم

وضعت الخادمة الأطباق ثم رحلت ليوجه جاسر حديثه إلى جواد الجالس على يمينهِ

-عملت إيه فـ الشركة النهاردة!
-رد جواد بـ جدية:متقلقش يا بوس..الدنيا مشت زي السكينة فـ الحلاوة...

نظر إليه جاشر شزرًا فـ ملامحهِ الجدية لا تتلائم مع فحوى حديثه أبدًا..ليُكمل جواد حديثه بـ خُبث وهو يغمز أبيه عبثًا

-متقلقش ركز أنت فـ شُغل البيت..أصله صعب أوي
-هدر جاسر بـ حدة:جرى إيه يالا ما تحترم نفسك كدا...

ضحك جواد لتتولى دفة الحديث جُلنار قائلة بـ خُبث صيادي أصيل

-أمتى يكون الواحد فراولة حد!...

أخفضت روجيدا وجهها أرضًا إحراجًا وخجل أما جاسر فـ قد إحتقن وجهه كثيرًا ثم قال بـ تهكم

-يازين ما خلفت يا جاسر...

تصاعدت ضحكات أولاده حتى چيلان الهادئة فـ أردف جاسر بـ إمتعاض

-معندكيش حاجة عاوزة تقوليها يا ست أنتِ كمان!
-أجابت چيلان ما بين ضحكاتها:لأ كفاية عليك جواد وجُلنارقاموا بالواجب...

زفر بـ غيظ مُستغفرًا ثم إلتقط ملعقته وقال آمرًا 

-كلوا..كلوا وإخلصوا وإرحموني من طلتكوا...

ضحكت جُلنار بـ صخب لتنهرها روجيدا بـ صرامة لا يُغادرها الخجل

-بس يا بنت عيب
-رد جواد نيابةً عنها:عيب بقى إيه؟..شكلكوا بقى فانلة خالص...

حرك جاسر رأسه بـ يأس ليمسح شفتيه بـ محرمةٍ بيضاء ثم هتف وهو ينهض ساحبًا روجيدا الغارقة بـ صدمتها

-طب إبقى روح شوفلك مكان تنام فيه يا قلب أبوك...

إنفجرت الفتيات بـ الضحك بينما حملق جواد بـ صدمة ليُكمل جاسر حديثه وهو يتحرك بـ خيلاء

-وإبقى إسحب وراك قوم يأجوج ومأجوج...

وعم الصمت عدا صوت خطوات جاسر الراحلة بـ برود صقيعي..بينما الباقون صامتون لا يستعِبون ما تفوه به والدهم..ويجب عليهم التنفيذ

*********************************

 

بعد عدة ساعات

بـ ذلك البيت الذي عهد إجتماعهم مُنذ الصبا..وبـ داخل المنزل الزُجاجي الذي صنعه جاسر .. يلتفون حول مائدة أرضية وُضع عليها مُختلف أنواع التسالي والألعاب الورقية..وصوت ضحكاتهم يشق عنان السماء ويكسر الصمت المُحيط

ليقول حمزةً من بين ضحكاتهِ وهو يرمق أبناء خالتهِ بـ تسلية

-يعني البيج بوس طردكم أنتوا الأربعة!
-أردفت جُلنار بـ غرور:على فكرة إحنا اللي سيبنا البيت عشان ياخدوا راحتهم
-أردفت إيلاف بـ رقتها المعهودة:خلاص بقى يا حمزة..مضايقهمش..ما أنت عارف أنكل جاسر...

مال إليها جواد ثم غمزها بـ عبث رادفًا

-أمتى يبقى بابا جاسر وماما روجيدا!
-همست بـ عدم فهم:يعني إيه؟!...

وضع يده على صدرهِ ثم قال بـ إبتسامة مُهلكة وعيناه تتوهجان بـ لونها الغريب عند إنفعالاته

-يعني أمتى يبقى زيتنا فـ دقيقنا ونلم الشمل
-أردفت إيلاف بـ حذر:جواد وبعدين!..مش قفلنا على الموضوع دا؟!...

رمقها بـ نظرة جليدية أرعبتها لتُكمل بـ توضيح

-أقصد يعني إني أكبر منك؟!
-رفع حاجبه بـإستهجان وقال:دا على أساس الشهر ونص دا قرن وربع مثلًا...

ثم قال بعدها بـ غرور مازح وهو يرمقها بـ طرف عيناه

-ثم إني أكبر من چيلان يعني أنا الكبير
-ضحكت وقالت:على أساس الدقيقتين دول سنتين مش كدا!
-أردف هو بـغيظ:قولي لنفسك يا كهرمانة...

وإبتمست بـ خجل..جواد يُدللها بـ هذا الاسم العجيب فـ دائما يُخبرها أنها تُشبه الكهرمان ذو البريق اللامع والآخاذ..وإيلاف كل ما بها يُشبهه

لون عيناها
خُصلاتها المُهلكة ذات الطول المُهيب
بشرتها الخمرية المائلة لسُمرة الرائعة
قدها الذي يُشعل النيران بـ قلبهِ
وشفتيها ذات الفتنة الغريبة..كم هاجمته بـ أحلامهِ وهو يقتنص منها حق مُحرم

تنهد جواد ثم قال بـ عبوس وهو ينظر إلى أعلى

-ما تغني يا عم حمزة...

إبتسم حمزة ثم نظر إلى تلك الغاضبة التي تتحاشى النظر إليه وقال بـ مُزاح عابث

-صاحب الكمانجة مخاصمني...

إلتفتت إليه جويرية بـ عُنف وعيناها الرائعتين تتوهج بـ غضب ناري يعلم توابعه ولكنها بقت صامتة تُحدق به بـ تلك النظرات التي تخترقه دون رحمة

تنحنت جُلنار ثم قالت وهي تلكز شقيقتها بـ خفة

-لا أبدًا مش مخصماك..دي بس بتدلع علينا...

نهض حمزة ثم جذب الكمان وجلس جوارها ليهتف بعدها بـ صوتهِ العذب

-أسف يا جويريتي...

تعشق ياء الأمتلاك عندما يتحدث ويسترضيها..ذلك الخبيث يعلم تأثير تلك الكلمة عليها بل وصوته ذي النغمة المُخصصة لها وفقط

أخفت إبتسامة مُلحة فـ الظهور على شفتيها..فـ تتعمد تذكر مشهده صباح اليوم ليرتسم العبوس بـ أبهى طلة

عَلِمَ ما يموج داخلها ليضع الكمان فوق ساقيها الرشقتين ثم همس خلسة دون أن يراه أحد

-إعزفيلي...

لا تعلم إن كان أمرًا أو رجاء ولكن نبرة صوته اللعينة تُفقدها صوابها فـ تجد نفسها تُنفذ ما أمر أو طلب لا فرق وبدأت العزف بـ أُغنية ذات تُراث لا يعلم كيف وفقت اللحن مع صوت الكمان الرقيق

ليندفع صوت حمزة العذب ، الشديد وهو يُغمض عينيه ويُغني..وكانت تعلم أنه يقصدها بـ كُل كلمة وبل وهي أختارت أحد أُغنيات "كوكب الشرق"وكأنها تُعاتبه

شرسة بـ غيرتها
رقيقة بـ عتابها
هشة بـ خصامهِ

وكيف تُخاصم من كان لها الأب ، الشقيق ، الرفيق ، و...الحبيب وإن عَلِمَ جاسر الصياد ستكون

-يا ليلة سودة ومهببة...

دارت بـ رأسها تلك العبارة وهي تتهكن ما قد يفعله أبيها ما أن يعلم بـعلاقتهما الغير مُعلنة

*********************************

في صباح اليوم التالي

إرتدى حمزة ثيابه وقد قرر إحضار جويرية من المدرسة اليوم وتوجه بها إلى أحد المُنتزهات ليُرفه عنها ومُصالحتها

إرتدى كنزة قُطنية بيضاء و بنطال من خامة الچينز ذي لون أزرق داكن ونثر عطرها المُفضل بـ غزارة

هبط الدرج ليتناول الإفطار وحيدًا فـ قد سافر والديه لقضاء العُطلة بـ لبنان وإنجاز بعض الأعمال هُناك

وضع نظارته الشمسية ثم صعد سيارتهِ وقاد بسرعةً معقولة ولكنه لم يُدرك خروجها من المدرسة ليتأفف بـ ضيق وقرر الذهاب إلى قصر الصياد

وعلى الجانب الآخر

كانت جويرية قد تملصت خفية من ذلك الحارس لتعود إلى البيت على أقدامها تتذكر أحداث أمس و كلمات حمزة ذات الشجن 

إبتسمت بـ خجل سُرعان ما إنمحى وهي تجد جُثة ضخمة تعترض طريقها .. رفعت رأسها لتُدرك نهاية الظل لتجد شخص ضخم الهيئة يرتدي عباءة و عليها شال حريري من اللون الأبيض يبتسم إبتسامة جعلت جسدها يقشعر بل وإرتعدت خوفًا فـ تراجعت إلى الخلف عدة خطوات ولكنه أوقفها بـ يدهِ وأردف بـ نبرةٍ خبيثة

-إزيك يا ست البنات!...

إبتلعت جويرية ريقها بـ صعوبة ثم همست بـ تلعثم وهي تحتضن مذكراتها بين يديها

-حـ..حضرتك..تعرفني!
-إتسعت إبتسامته وأجاب:أوماااال..عز المعرفة
-حضرتك عاوز إيه!...

تفحصها بـ نظرات أحرقتها على الرغم من براءتها ولكن عيناه كانت تشي بـ شئٍ أرعبها ثم أردف بـ فحيح

-تعالي معايا وأنا أقولك...

أخبروه عن مدى جمال بنات الصياد..أخبروه عن تلك الفتن الاتي تسير على الأرض

وعلى الرغم من رؤيتهِ لهن ولكن تلك الصغيرة حركت غرائزه بل أشعلتها وأرادها..وليته لم يفعل

تراجعت جويرية بـ رُعب ثم قالت بـ نبرةٍ مذعورة

-أسفة لازم أمشي..بابي مستنيني...

حاولت التحرك ولكنه قبض على معصمها ثم هدر و قد كشر عن أنيابهِ

-مش هنتأخر يا أمورة..تعالي متخافيش...

بحثت بـ عينيها عمن يُنجدها ولكنها لم تجد..لعنت غباءها الذي حرضها على الهرب والسير..ولعنت أكثر عندما إتخذت تلك الطُرق الهادئة و الخالية نسبيًا من البشر

إبتلعت ريقها بـصعوبة أكبر لتهتف وقد غامت عينيها بـ سحابة داكنة من العبرات

-من فضلك سيب إيدي..أنت بتخوفني...

سحبها أكثر إليه وهمس بـ فحيح

-متخافيش مني يا أمورة..مش هزعلك...

وعلى الناحية الأُخرى

عندما وجد حمزة أن الحارس لا يزال واقفًا أمام المدرسة عَلِمَ أن تلك الملعونة قد هربت..فـ زفر بـ ضيق وقرر أن يسلك الطريق الذي يسلكانه عندما يأخذها من المدرسة والتسامر بـهدوء

وما أن أبصر جويرية تقف مع أحدهم لم يتعرف على هويتهِ ولكن تكفي ملامح الذُعر المُرتسمة على وجهها فـ جعلته ينزع عنه ثوب العبث و يرتدي ذلك الثوب الذي يكرهه ونادرًا ما أن يظهر

ولذلك بدون تردد ترجل من السيارة وعيناه السوداوين قد تحولت إلى بركتين عميقيتن من الغضب 

شهقت جويرية وهي تجد ذلك الرجل يُسحب بـ قوة وحمزة يدمي وجهه بـ اللكمات ويُغدق مسامعه بـ سباب لاذع جعلها تصم أُذنيها عن سماع مدى بذائتها

ذلك الوجهه لحمزة تخشاه كثيرًا..وتؤثر ألا تراه وها هي تراه الآن بـ أبهى طلة ولكنها طلة مُرعبة

تركه حمزة بعدما فَقَدَ الوعي تمامًا ولكنه ركله بـ قوة بـ معدتهِ ثم سبه وهو يبصق عليه

-***...

إلتفت إلى جويرية المُنكمشة على نفسها خوفًا تبكي ليقترب منها هادرًا بـ عُنف سقطت على إثرهِ

-مش هتبطلي جنان بقى!..إفرضي معرفتش مكانك وملحقتكيش؟..عرفتي إيه اللي كان هيحصل!!...

أخفت وجهها بين يديها تبكي ليصرخ بـ صوتٍ دوى كـ الرعد إخترق أُذنيها

-عارفة!!!...

حركت رأسها بـ نفيٍ وهي تبكي بـ رُعب وجسدها ينتفض إلا أنه لم يرأف بها ليهبط إلى مستواها يجذبها فـ صرخت بـ ذُعر ولكنه أردف بـ جفاء

-بس مسمعش صوتك...

إنحنى يجذب حقيبتها ثم جذبها هي وإتجه إلى سيارتهِ ليعود إلى القصر

وهي بـجواره تبكي بـ نشيج حار..حمزة الرقيق والعابث تحول إلى مارد غاضب..إنكمشت على نفسها بـ خوف وآثرت كبح جماح صوت بُكاءها

نظر إليها بـ طرف عينيه فـ لعن ضعفه أمامها ليُمسك يدها فـ إنتفضت خائفة إلا أنه قال بـهدوء

-إهدي خلاص يا جويرية..محصلش حاجة
-همست بـ نشيج:بس أنا خايفة...

مسح على خُصلاتها بـ حنو ثم أردف بـ هدوء وإبتسامة رقيقة

-طول ما أنا هنا إوعي تخافي...

تعليقات



×