قصة الغولة والاخوين الفصل الثاني
...... كانت زوجة الاب تشير في كلامها إلى مكان إذا تركهم فيه أولاده لن يبقوا أحياء لكثرة السباع والوحوش والاغوال لموجودة هناك فيه
لاذ الرجل بالصمت وأخذ يفكر في نتائج موافقته على رأيها قبل أن يقول لها: إذا عليك بأعداد ما يتزودون به في غربتهم من كعك ودقيق
هبت المرآة من مكانها مسرعة والفرحة تغمرها فور سماعها موافقته على التخلص من أبناؤه و قامت لساعتها تدقق الطعام وتعد الكعك وتولى هو بنفسه وضع الكعك والدقيق في كيسين منفردين أحكم ربطهما ثم قام بوضعهما عند إحدى زوايا الحجرة
وذهب إلى طفليه يلاطفهما ويسامرهما على غير عادته ، فاستغربا منه تصرفه هذا الذي لم يعهداه منذ تزوج بالأرملة استمر يلاطف أبناؤه واخذ يقص عليهما الحكايات وهما لا يصدقان أن أباهم هو الذي يجلس معهم ويغدق عليهم من عطفة الأبوي الذي افتقداه منذ زمن طويل و أعادهم إلى حياتهم الأسرية في عهد أمهم ،
وكم كان سرورهما وحيرتهما معا عندما فاجأهما بقولة : في الصباح سآخذكم معي في نزهة إلى بلاد بعيدة لتتعرفوا عليها فسأله الولد الذي تعلقت عيناه بعيني أبيه ببراءة قائلا وهل ستقص علينا القصص كل يوم ؟
أشاح الرجل بوجهه عن أبنه يتقي نظراته البريئة المتعلقة بعينية وإجابة قائلا : نعم سأقص عليكم كل يوم قصة فدفعته براءته إلى سؤاله مجددا :ولن تتركنا هناك لوحدنا ؟
فرد أبوة بنبرات متلعثمة : لن أترك اترككم لوح....لوحدكم وكأن الرجل خشي أن تتغلب عواطفه نحوهم على عواطفه اتجاه خالتهم فيتراجع عن قراره في التخلي عنهم
فقال منهيا الحديث بينهم : الوقت متأخر هيا اذهبوا للنوم لكي تستيقظوا مبكرين
فرح الطفلان بعودة أبيهما أليهما ليسبغ عليهما ما ألفاه منه من عطف وحنان قبل زواجه من المرأة التي كانت تلاحظ الجو العائلي الذي ساد بين الرجل وطفليه
والذي اخذوا خلاله يتبادلون القصص والحكايات فيما بينهم فاستغلت انشغالهم هذا وعمدت إلى الكيسين التي أودع فيهما الأب لحسن التطواني زاد الطفلين من كعك ودقيق وقامت بإفراغهما من محتوياتهما وملأت الأول بالرماد بدلاً من الدقيق وملأت الثاني بالتبن الجاف بدلا من الكعك ثم أعادت ربطهما من جديد ووضعتهما في مكانهما
في صباح اليوم التالي هم الأب بأيقاظ الطفلين ليصحبهما إلى خارج القرية فوجدهما جالسين في انتظاره على أحر من الجمر حيث كان الشوق للرحلة مع والدهم
قد طرد النوم من عيونهما باكرا حمل الأب الكيسين على ظهره وسار والطفلين يسيران بجانبه نحو المكان الذي وصفته له زوجته
اخذ خلال سيرهما يسرد عليهما القصص والحكايات ويجيب على أسئلتهما التي يطرحونها علية حتى وصلوا إلى رابية صغيرة تطل على واد فسيح وعلى قمة هذه الرابية كان يوجد جرفا صغيرا فاستقر رأي الأب أن يجعل من هذا الجرف مأوى للطفلين وان يتركهما هناك
فقال لهمـا : ما رأيكم لو قعدنا هنا نرتاح بعض الوقت ونأكل غذاءنا في هذه الجرف لم يعارضه أي منهما فوضع الكيسين في الجرف وقعد إلى جانب الطفلين .
واخذ يحدثهما ويخادعهما ريثما اطمأنا إليه وحان موعد فراقهما وعودته للبيت فقال لهمـا مدعيا رغبته في قضاء حاجته انتظراني قليلا ريثما أذهب خلف تلك التلة وأعود قال ذلك ثم قام متجهاً نحو المكان الذي أشار إليه ليأخذ بعده طريقه عائدا إلى البيت من دونهما
بقي الصغيران ينتظران عودة أبيهما ومضت الساعة والساعتان دون أن يعود عندها فقـال الولـد لأختـه : أنا جائـع استنكرت أخته أن يكون له بطنا خاصة به ولا يهتم بعودة أبيه ليأكلوا معا
فنهرته قائلة تجيبه : انتظر قليلا أبونا على وشك العودة وسنأكل معا أذعن لها الولد واستمر يشاركها انتظار عودة أبيهم ليأكلا معا انقضت ساعات أخرى وأخذت الشمس تميل نحو الغروب وأباهم لم يعد
ضاقت الفتاة هي الأخرى وعصر الجوع أمعائها وأدركت بأن أبيهما قد غدر بهما ولم يرافقهما إلى ذلك المكان إلا ليتخلص منهما فقالت لأخيها : لا أظن أن أبونا سيعود بعد هذا الوقت والأحسن لنا أن نبدأ بالأكل
قالت ذلك ومدت يدها إلى كيس الكعك القريب منها ثم فتحته لتخرج منه بعض أقراص الخبز فإذا بها تجده ممتلأ بتبن يابس ثم تناولت الكيس الثاني لتخرج ما بداخله من دقيق فإذا بها تجد بداخله رماد نظرت إلى وجه أخيها ونظر هو إلى وجهها والتصقا ببعض في صمت ينتظران المجهول
بينما هما في التصاقهما ذلك وعيونهما تتطلع نحو الأفق شاهدا طائرا كبير الحجم أبيض اللون يرفرف في الهواء ويقترب منهما شيئا فشيئا ليهبط بجانبهما على باب الجرف
فذعرا وخافا منه وازدادا التصاقا ببعض
.
....... بينما كان الأخوين في التصاقهما وعيونهما تتطلع نحو الأفق شاهدا طائراً كبير الحجم أبيض اللون يرفرف في الهواء ويقترب منهما شيئاً فشيئاً ليهبط بجانبهما على باب الجرف
فذعرا وخافا منه وازدادا التصاقا ببعض
ولكن سرعان ما ذهب الخوف عنهما وتلاشت وحشتهما عندما سمعا الطير يخاطبهما بصوت ألفاه وأحباه وتعلقا به كثيرا يقول لهمـا : لا تخافا يا أبنائي فأنا جئت إلى هنا لمساعدتكم لأن امكم أوصتني قبل أن تموت لكي أحميكم
وقد جئت الان لحراستكم عندما رأيتكما وحيدين في هذا المكان الذي تتخذه الوحوش مأوى لها صمتت قليلا لتعاود قولهـا : منذ ان توفيت أمكم وأنا أتابع حياتكم
فرح الطفلان وانسا بحضور هذا الطائر العجيب التي قدما لهما ما أحضرته معه من طعام فأخذا يأكلان منه وهم يبتسمان لبعضهما وينظران إلى وجهها وهي تراقبهما بصمت
أخذت الفتاة تسرد عليها كل ما جرى لهما بعد موت امها وهي تستمع لكلامها وعندما شبعا من الآكل غلبهما النعاس و ناما وهي تدفئهما بجناحيها وتطرد عنهما الوحوش التي تحاول الاقتراب من باب الجرف بمنقارها
وقبل طلوع الشمس أيقظتهما من النوم وودعتهما وهي تقول لهما محذرة : سأعود إليكما في المساء كل يوم مع غروب الشمس وأوصيكم أن تكونا حذرين فلا تكلما أحد أو تخبراه أنني أجيء لزيارتكما
فطمأنتها الفتاة بأنهما سيلتزمان الحذر من الغرباء وعدم الحديث معهم لم يحس الطفلان بعدها بأي خوف أو غربة بعد أن اطمأنا إلى الطير وكان صوته يشبه صوت أمهما التي تهبط عليهما مساء كل يوم فأخذا يقضيان أوقاتهما بالتجوال في جنبات الوادي إلى أن يقترب المساء ليعودان إلى الجرف انتظاراً لهبوطها..
ذات مساء دفع الفضول خالتهما لمعرفة المصير الذي لقياه فتنكرت وذهبت بمفردها إلى الجرف الذي تركهما فيه أبيهما فوجدت الولد يجلس بمفرده عند باب الجرف .
فدهشت لبقائه حيا واستغربت أن يكون قد تمكن من آن يعيش بدون غذاء طيلة هذه الفترة آو أن يكون قد تمكن من النجاة من الوحوش المفترسة المنتشرة في المكان معتقدة أن الفتاة قد لقيت حتفها وبقي هو يعيش بمفرده
فأظهرت له مشاعر الود وآخذت تغمره بقبلاتها وهي تسأله : كيف تعيش هنا لوحدك يا بني أين هم أهلك و كيف يتركوك في هذا المكان الموحش ؟
أجابها الولد قائلا : أعيش هنا مع أختي
فتملكتها الدهشة وسألته قائلة أختك أين هي أختك ؟
فرد عليها الصبي : لقد نزلت إلى الوادي وسوف تعود عما قريب
فسألته مرة أخرى :واين هم اببك وامك وكيف يتركوكما لوحدكم
فرد عليها الصبي قائلا : لقد ماتت آمنا منذ زمن وتزوج أبونا من إمرأة اخرى هي من أمرته بطردنا من البيت وإحضارنا إلى هنا أدركت حينها المرأة معرفة الطفلين للمؤامرة التي دبرتها مع والدهم لحسن التطواني من اجل التخلص منهما فحاولت معرفة سر بقائهما على قيد الحياة طيلة هذه الفترة وراحت تسأله و كيف تعملوا الأكل والشرب ومن الذي يطعمكم ويسقيكم
فرد عليها الصبي: يوجد طير تهبط علينا كل مساء وهي التي
تحرسنا وتطعمنا
ملأ الحنق والغيظ عندها نفس المرأة و كتمت ذلك في نفسها وآخذت تسأله محاولة معرفة المزيد عن الطير متظاهرة عدم تصديق كلامة :
وأين تهبط هذه الطير التي تقول بأنها تأتي
فأشار لها بإصبعية قائلاً: تسقـط هنـا
فبقيت تغافله في الحديث وآخذت عدد من الإبر والأشواك قامت بغرسها في المكان الذي أشار آلية الصبي ثم انصرفت عائدة إلى القرية.
لم يخطر بذهن الصبي أن يخبر أخته عندما عادت من الوادي عن المرأة التي زارته أثناء غيابها وعن ما دار بينهما من حديث وبقي كعادته معها ينتظر قدوم الطير التي حلقت كعادتها مع الغروب لتسقط في مكانها المألوف حاملة معها الطعام والشراب الذي يتزودان به طيلة النهار
وما أن هبطت في مكانها المعتاد حتى انغرست الأشواك والإبر في جسمها وأطلقت معها أننة موجعة فزع لسماعها الطفلين وأخذ الدم ينزف من جسمها بغزارة فأخذت تتحرك نحو ألأطفال بصعوبة وهي تنظر إليهما وتسألهما من جاء لزيارتكما اليوم ؟
نفت الفتاة أن يكون قد زارهما أحد إلا أن الولد قال مؤكداً: بلى لقد جاءت امرأة لا أعرفها وأختي في الوادي فبقيت تسألني عن أهلي ومع من أعيش فأجبتها بالصدق
فقالت الطير بصوت حزين متألم: إنها خالتكما وقد جاءت لتتأكد من موتكما فلما وجدتكما على قيد الحياة وعرفت بأني أتي لزيارتكما زرعت لي الأشواك والإبر في المكان الذي أهبط فيه لتنغرس كلها في جسمي لتقضي علِي وعلى أي آمل يبقيكم على قيد الحياة قد لا أجيئكما ثانية وقد لا تشاهداني بعد اليوم