رواية انت لي والا الفصل الثاني 2 بقلم نجلاء فتحي


 رواية انت لي والا الفصل الثاني 

"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"
مجموعة من الشباب يقفون مجتمعين أما إحدى مدرجات الجامعة منتظرين لحظة الدخول لبدأ امتحانهم لليوم; ولكنهم أبعد ما يكون عن القلق من اختبار أو غيره، فقد كانوا يضحكون ويتسامرون بأريحية وكأنهم في عالم آخر بعيد كل البعد عن مادة الاختبار، ينظرون نحو هذه الفتاة تارة، ويأتون بسير الأخرى تارة، ويتفاخرون بمن استطاع إمالة قلب الأخرى تارة أخرى، وكأنهم دمًي يتلقفونهم بين أيديهم كيفما شاءوا، 
يقبل عليهم من بعيد وهو مستاء مما صار معه منذ قليل، فهو لا يطيق وجود هذه الفتاة التي تسمى "حور" حول معشوقته "رهف" عندما أبصروا حالته أدركوا أنه حديث كل يوم ليبدأوا بإدراج السم في العسل كحية رقطاء تبخ سمها في شراب أحدهم دون أن يراها أحد
....: مالك يا "شريف" جاي قرفان كدة ليه على الصبح
نظر له بنزق فهو ليس في وضع يسمح لهم بإقامة مهزلة عليه اليوم،
شريف: بقلك إيه يا عم" إياد" أنا قرفان ومش طايق نفسي فبلاش طريقتك المستفزة دي عشان أنا على أخرِي
نظروا لبعضهم البعض بنظرة خبيثة فهم يعلمون مابه، ليهم أحدهم بحديث آخر يجعله يزيد من اشتعاله،
......: في إيه يا "شريف" هي "رهف" نفضت لك ولا إيه
نظر له شزرا "شريف" : متقدرش، أنا مخنوق من البت اللي اسمها "حور" دي عيلة باردة، دي كل متشوف وشي تبص لي بقرف زي مكون ضرتها، حاجة تقرف
إياد: هو بصراحة عندك حق، هي بت مستشيخة وعاملة لنا فيها الست الشيخة، ده مفيش واحد في الكلية كلها مالي عينها، هي والبت اللي اسمها "روح" كمان زيها وأمر رغم إنها من عيلة غنية يا أخي، اللي أنا مستغرب له هما ازاي مصاحبين "رهف" 
شريف: قصدك إيه؟!
إياد: قصدي إنها مش زيهم مش محجبة، وكمان مش متزمتة زيهم 
شريف: فكك منهم هما ميهمونيش أنا اللي تهمني "رهف" وبس  هما حرين بعيد عني، أنا اللي بيخنقني انهم لما بيشفوني كأنهم شافوا عفريت
"إياد" بخبث: صح اللي يهمك "رهف"
ثوان قليلة وكان الجميع يقبع داخل لجان الاختبارات ليحدد كل منهم مصيره
                ★—————★
في إحدى المناطق الراقية تسكن إحدى أغنى عائلات المجتمع، عائلة ذات بصمة كبيرة في عالم الاستثمارات بشتى أنواعها، منزل كبير يحيطه صور ضخم من الخارج كان كقصر بني في العصور الوسطى، يحده من الخارج غلاف من الطبيعة الخضراء الخلابة التي تمتع العين بالنظر إليها، وداخله طريق ممهد شُقّ خصيصا لأجل مرور السيارات يصل إلى درجات قليلة للدخول من باب هذا الصرح الجميل; لكن هذا الجمال لم يكتمل فبداخل المنزل تقبع عائلة "الزيان" التي نهلت من الحزن أنهارًا منذ تلك الحادثة وهناك حالة من الحزن تسيطر عليهم جميعا خاصة سيدات هذا القصر، فمهما مر عليهم من أوقات فرحة إلا أنها يشوبها الحزن، فكما يقال" فرحة لن تكتمل إلى أن يشاء الله"
يجلسون متراصين حول مائدة الطعام بهدوء طاغي على جميعهم، يترأسهم الأبن الأكبر لهذه العائلة الذي تولى ترأسها منذ وفاة والدهم، لجواره  أخيه الأصغر فليس له سواه  وزوجته وطفلتهما غادرا باكرا لامتحاناتها، ولا يوجد سوى شاب في السادسة عشر من عمره، وعلى الجانب الآخر زوجته وولده الحبيب الذي لم يحبذ الأعمال الاستثمارية وفضل الدخول للكلية الحربية، ليصبح إحدى ضباط المخابرات المخضرمين، تجلس لجواره زوجته الحبيبة وهي على وشك وضع مولدهما، فهي في نهاية شهرها التاسع، يدور حوار بينهم بهدوء
......: "روح" و"حياة" مشيوا بدري يا "مصطفى" 
يترك ما في يده وهو يجيب أخيه باحترام متبادل بينهما،
مصطفى: أيوة يا "محمود" مشيوا من حوالي نصف ساعة "روح" عدها امتحان وقلقانة طول الليل فمامتها فضلت تكون معاها لآخر وقت عشان تطمنها، وهتروح المستشفى على طول
"محمود" بهدوء: كويس ربنا معاها ويوفقها، المهم جهزت كل حاجة بخصوص مشروع الإسكان الجديد، أنا مش عاوز في غلطة ده مشروع كبير ولازم ناخد بالنا كويس
أكد على حديث أخيه بجدية لا يشوبها شائبة،
مصطفى: لا متقلقش من الناحية دي اطمن، في مهندس جديد متعين عندنا من شهرين عامل مخطط رائع أنا مجهزه كان في شوية تعديلات خلصها وهعرضه عليك النهاردة في الشركة
نظرت لهم بنزق مت حديث العمل الذي لا ينقطع ليلا ونهارا
.......: كفاية بقي انتوا الاثنين كلام في الشغل، إيه مش بتزهقوا منه
نظر لها ولدها بابتسامة فهو يعلم سيبدأ شجار كل يوم، لتحول نظرات زوجها نحوها بابتسامة تنضح حبا وعشقا لرفيقة دربه التي ساندته طوال حياته في حلوها ومرها، والتي رغم عذابها منذ تلك الحادثة إلا أنها لم تتواني عن تقديم دعمها الدائم له، فهي الآن على مشارف الخامسة والأربعين من عمرها ومع هذا لم يخبت رونقها وجمالها، بعيونها السوداء الحالمة التي يعشقها، وما زادتها خطوط العمر إلا جمالا،
محمود: " ناهد" يا حبيبتي خلاص بطلنا كلام في الشغل، ها عاوزة نتكلم في إيه
نظرت نحوه بحب وخجل لم يخبت يوما، 
ناهد: مفيش بس أقعدوا من غير كلام في الشغل، كفاية عليكم طول النهار
نظر نحوها ولها بنظرة خبيثة وهو يحدثها
...... : كلمتين حلوين وجبتي ورا يا نونا، لا أنا كنت مستني الخناقة الصراحة
نظر له والده شزرا من بخ حديثه الخبيث في أذن والدته
محمود: وانت مالك يا "مراد " باشا مراتي واحنا حرين اطلع منها انتَ خليها تِعمر
ابتسامة مشاكسة تشكلت على وجهه وهو يحاول إغاظة والده،
مراد: ليه بس يا بابا، ده انا "مراد" ابنك حبيبك وبعدين نونا لازم تاخد موقف كل حاجة شغل كدة فين الاهتمام بقي، بصراحة يا ماما الاهتمام مبيطلبش ولا إيه
نظر له عمه بابتسام جاهد ألا يخرج صوت ضحكاته على مشاكستهما المعتادة، ليغمز له "مراد " بطرف عينيه ليؤيد حديثه
بضحكات كادت تخرج عنوة ولكنه آثر السيطرة عليها،
مصطفي: الصراحة يا "محمود" الاهتمام مبيطلبش
نظر لأخيه بعيون متسعة وهو يراه يسايره في حديثه
محمود: انت كمان هتجاريه في كلامه ده، طالما الاهتمام مبيطلبش  إعمل حسابك يا باشا أنا هاخد أجازة واسافر برة يومين
اتسعت عينيه بفزع فهذا أشد عقاب قد يواجهه يوما
مصطفى: لا يا "محمود" كله إلا كدة انتَ حر انتَ وابنك أنا ماليش دعوة يلا سلام، قوم يا "حمزة" عشان اوصلك الأول
اتجه نحو أذنه وهو في طريقه للخارج: مش ناقص توريط مع أبوك إلبس انتَ لوحدك انتَ ضابط ومخابرات إنما أنا غلبان، يلا سلام، سلام يا "ناهد" 
تنهض وهي تعطى "حمزة" صندوقا به طعام
ناهد: ثواني يا "مصطفي" خد يا "حمزة" ماما كانت مجهزاه لك من بدري يا حبيبي، خلي بالك من نفسك
يأخذه منها بابتسامة محبة،
حمزة: شكرا يا ماما ناهد، بعد إذنكم، سلام عليكم
يغادر مع والده بذات الابتسامة التي خص بها ابن عمه وأخيه الأكبر فهو يحلم أن يصير مثله يوما
غادر خلفهما مقبلا رأسها بمحبة حتى ينهي عمله، لتعود لمجلسها وهي ترى نظرات متألمة على وجه زوجة ولدها، فهذه الفتاة الجميلة صاحبة الخلق الرفيع زرعت محبتها في قلبها فكانت تعتبرها كابنة لها، لاحظ زوجها أيضا بعض إمارات الألم التي تراودها بين لحظة وأخرى ليقرر سؤالها
مراد بقلق: مالك يا "نور" في حاجة بتوجعك؟ حاسة بإيه
تنظر لوجهه المحبب إليها الذي عشقته منذ أن وقعت عينيها عليه، بعيونه السوداء الكحيلة، ووجهه المنمق الذي رسمه الخالق فأحسن تصويره، لتجيبه بابتسامة
نور: مفيش حاجة يا "مراد" أنا كويسة يا حبيبي متقلقش، بس تعب الحمل والشهر الأخير انت عارف متعب شوية
ناهد بقلق: يا "نور" يا بنتِ لو تعبانة قولي انتِ وضعك مفيش في مجال للمماطلة
نظرت نحوها وعينيها إغرورقت بالدموع فهي مريضة قلب وقد منعها الطبيب من الحمل وحذرها من خطر الحمل والإنجاب عليها لضعف عضلات قلبها، ليمسك يدها بحب وهو يسندها لتصعد لغرفتهم حتى ترتاح قليلا
مراد: طب قومي معايا ارتاحي شوية ولو حسيتي بأي وجع ولو بسيط هنروح فورا للدكتور، ومش عاوز اعتراض
انصاعت لأمره بهدوء فهي تعلم رفضه لهذا الحمل من بدايته، فلم تشأ معارضته، ليصعدا غرفتهما تحت نظرات والدته التي حمدت الله أنه لن يذهب لعمله اليوم، فلديها شعور بالقلق يكاد يفتك بقلبها ولا تدري له سببا

تعليقات