رواية انت لي والا الفصل الثالث
"اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك"
كان يسير في الطريق بخطوات ثقيلة، فكان كعادته ذهب ليزور قبر زوجته الحبيبة، عاد يحمل هما تنشق له الجبال، فبين أضلعه يحمل سرا يكاد يزهق روحه، ظل على حالة التيه التي جعلته لا يلاحظ هذا الذئب المتربص له، يرقبه بعينين غادرتين، وعندما هم بدخول منزله استوقفه بصوته الخبيث الذي يبغته الجميع
-يا عم "كارم" ايه أحوالك، يا ترى كنت عند قبر المرحومة
نظر نحوه بكره فهذا الشاب ليس سوى فتى سيء السمعة، يبيع الممنوعات ويتاجر بها، حتى أنه قد سجن لعدة سنوات، وهاقد عاد مرة أخرى ليلقي بسمومه بين الناس كشيطان رجيم
كارم: أيوة يا "عابد" خير عاوز حاجة مني عشان أنا مش قادر أقف كتير
لم تخبت ابتسامته الكريهة لتظهر أسنانه المصفرة من أثار التبغ، لم يبالي بنبرته الكارهة بل تحدث بعزم
عابد: أنا مش هطول عليك، أنا بس عاوز منك طلب صغير خالص مش هيكلفك حاجة
ضيق عينيه بتعجب من حديثه
كارم: طلب ايه؟!
دار حوله كذئب متربص بفريسته ليتفوه بحديث جعل ضربات قلبه تزداد
عابد: عاوز اتجوز "حور"، بالذوق بقي بالعافية مش مهم
طالعه بغضب شديد فهذا الوقح كيف له أن يتطاول ويتحدث معه في أمر كهذا، من أذن له باستباحة النظر لصغيرته، ليمسكه من تلابيب ثيابه
كارم: انتَ اتجننت عوزني اجوز بنتي لواحد بتاع مخدرات وكمان خريج سجون، انت اتجننت، امشي من هنا وإياك تتعرض لبنتِ انت سامع ولا لأ
نظر في عينيه بعنف ليصدم ومن شدة صدمته شل تفكيره
عابد: مش لما تكون بنتك من الأساس
صدمة ألجمت لسانه عن الحديث، بماذا يهذي هذا الأبله، وكيف له أن يتحدث في أمر كهذا، بل الأهم كيف علم بهذا الأمر؟
أكمل قائلا
عابد: مستغرب صح، بتقول الواد "عابد" عرف السر الكبير ده ازاي، بسيطة كنت قاعد وراك وانت في المقابر، وبتشكي همك للرحومة، وازاي..
قطع حديثه عندما هم بسرد السر الذي خبأه ولم يبح به لأحد
كارم: اخرس متنطقش ولا كلمة زيادة، إبعد عن بنتِ وانا هعمل لك اللي انتَ عاوزه
اقترب من أذنه يمس بهسيس حية رقطاء
عابد: قلت لك مش بنتك، ولو موافقتش هقول لولادك الاتنين الحقيقة
تركه وغادر ليصارع دقات قلبه التي ازدادت، سره الذي حبسه بين أضلعه لسنوات، سيدلوا به هذا الوضيع، لم يستطع الوقوف ليرتقي درجات السلم ببطء شديد لم يتمكن من فتح باب شقته ليخر صريعا يمسك قلبه بعنف شديد ليغيب عن الوعي، لاحظه رفيقه ليهرع نحوه يتوجه به للمشفى
★—————★
في إحدى أكبر شركات الهندسة العريقة، يجلس على مكتبه، أمامه أدواته، منكب على مشروع قد وُكِّل إليه ليقيس مهاراته، ظل يعمل بكل مهارة وتركيز حتى أنه لم يستمع لصوت هاتفه الذي ظل يدق مرارا وتكرارا، عاد لأرض الواقع عندما وجد شخص يقف أمامه ينظر له بتمعن شديد، جفل عندما وجد مديره يقف على رأسه ينظر بتمعن لطريقته في العمل، شعر أنه يذكره بذاته في مثل عمره
نظر له بتمعن شديد يشعر وكأنه قد رءاه سابقا، ليتحدث معه
محمود: واضح فعلا إنك مهندس شاطر يا "محمد" كلمات المدح اللي سمعتها من "مصطفى" عنك مش كلام وبس
تحرك أمام الأوراق المرسومة بعناية ليطالع الرسومات المعمارية الخاصة به ليجدها أكثر من ممتازة،
- الدقة اللي انا شايفها دي متخرجش غير من مهندس شاطر، كدة بقي أنا مطمن إن المشروع اللي انت هتسافر له هيتنفذ على أكمل وجه
اتسعت ابتسامته بصدمة من حديثه، فهذا يعني أنه قد نال الموافقة وسيتولى رئاسة المشروع الأهم في تاريخ الشركة
محمد: حضرتك بتتكلم جد، أنا اللي هتولى مسؤولية المشروع ده
نظرة الحماس التي طفقت من عينيه جعلته يشعر أنه يقف أمام نفسه; ولكن بعمر صغير، ليقرر دعمه نفسيا فهو يعلم مقدار هذا الدعم
محمود: أيوة طبعا يا بشمهندس، بس لازم تعرف إن ده مش مشروع سهل، ده مسؤولية كبيرة، لازم تهتم بكل تفصيلة، ودلوقت تقدر تجهز نفسك عشان السفر للموقع آخر الأسبوع
اتسعت ابتسامته ليؤكد له أنه سيكون على قدر المسؤولية
محمد: بإن الله يا فندم، وأوعدك إن عمري مهخذل ثقتك دي، والمشروع هيتسلم على أكمل وجه
محمود: واثق يا "محمد" كفاية نظرة الحماس اللي شايفها في عيونك دي
تركه وغادر ورأسه يدور بالتفكير في هذا الشاب الذي يشبهه، حماسه، ونظراته، يشعر بالراحة نحوه، فهو في مثل عمر ولده الذي إن كان موجودا كان سيصبح مثله، مسح دمعة خائنة كادت تظهر للعلن، ليقابل شقيقه في طريقه، ليخبره بما حدث
محمود: عندك حق يا "مصطفى" فعلا مهندس شاطر، خلاص كدة انا عرفته إنه هيتولى المشروع الجديد، وهيسافر آخر الأسبوع
مصطفى: تمام، أنا صراحة شفت في حماسه ده طاقة كبيرة ولازم نستغلها، عارف بيفكرني بيك
أماء له بابتسامة فقد شعر بنفس الإحساس،
محمود: حسيت بده، تفتكر لو " مازن " موجود كان هيبقي زيه كدة،ولا كان هيكون زي "مراد"
ربت على كتفه يواسيه ويواسي ذاته، ليقرر إخراجه من دائرة الماضي التي ستفتح عليهم جراحا لم تلتئم
مصطفى: يلا يا "محمود" نكمل شغلنا، وربنا يصبر قلوبنا
جلس بابتسامة فرحة والحماس يشع من عينيه، لا يصدق تواضع صاحب العمل; الذي رغم ثراءه لم يتعالى أو يتعجرف، بل حدثه بكل بساطة وود، عاد لعمله مرة أخرى متناسيا هاتفه الذي توقف عن الدق
★—————★
يقفون أما بوابة الجامعة بعدما أنهوا اختبارهم الذي كان شديد الصعوبة، لكنهم تجاوزوه بسلاسة، فقد اجتهدوا في المذاكرة
تنهدت براحة تشكر ربها على اجتيازها لهذه المادة
حور: الحمد لله ربنا عداها على خير، أنا كنت مرعوبة
أيدتها في حديثها فقلقها كان مثلها تماما
روح: عندك حق ده انا مش مصدقة بجد كان عندي فوبيا من المادة دي، بس الحمد لله المذاكرة جابت نتيجة
نظرت لهما بضحكة غير مكترثة
رهف: انا بقي كنت مطمنة شوية، الملاحظات اللي "شريف" عملها ليا أنقذتني، بصراحة مخه ذري
نظرا لها بسقم ويأس من طريقتها الخاطئة
حور: يا بنتِ أنا حذرتك من الموضوع ده، يا "رهف" مينفعش اللي انت بتعمليه ده، شريف ممكن ميكنش واخد الموضوع مجرد صداقة
نظرت لها "روح" تأيدها في حديثها الذي تشعر أمرا خفيا قررت توضيحه لها لتقرر ما تشاء
روح: شوفي يا "رهف" كل كلمة "حور" قالتها صح، انتِ أيوة واخدة الموضوع صداقة ومساعدة; لكن اللي انا شايفاه وحاساه غير كدة، "شريف" بيحبك واللي بيعمله معاكي مش مجرد مساعدة، ده بيحبك
نظرت لهم بصدمة لتعريتهم لمشاعر حاولت تجاهلها، كانت دوما تحاول وأد هذا الإحساس، حاولت التشويش كعادتها على الحديث
رهف: أكيد بيتهيأ لكم، انتوا عارفين إن موضوع الحب ده مش في دماغي أساسا، وبعدين كبروا دماغكم من الموضوع ده
حور: احنا حذرناكِ وفهمناكِ الصورة، مفيش صداقة بين ولد وبنت، وانت حرة
قطع حديثهم صوت هاتفها يعلوا لتتعجب من رقم جارتهم لتجيب سريعا; ولكن ما سمعته جعلت قلبها يهوي لتنساب الدموع من عينيها،
تعجبا لحالها لتسألها "روح" وهي تمسك يديها تسألها عما حدث
- في ايه يا "حور" مالك حصل ايه؟
تساءلت رهف بقلق لحالتها التي تبدلت للانهيار
رهف: في ايه يا "حور" مالك ؟! التيليفون اللي جالك ده
قطعت حديثهم وهي تخبرهم بدموع
حور: بابا وقع وودوه المستشفى، أنا مش عارفة اعمل ايه، هكلم "محمد"
أمسكت الهاتف بيدين مرتعشتين تحاول طلب رقم أخيها; لكن ارتعاشة يديها جعلتهم يأخذوا الهاتف من يدها، أحدهما تهاتف أخيها، والأخرى تسندها حتى لا تسقط
وضعت "روح" الهاتف على أذنها، وما هي إلا ثوان قليلة وكان يجيب على شقيقته بمحبة، جعلتها تجيبه بتوتر
روح: بشمهندس " محمد" أنا "روح" صاحبة "حور" هي جات لها مكالمة بتقول لها إن باباكم تعب ونقلوه المستشفى، وهي منهارة
نهض من على مقعده بصدمة، لتختفي علامات الابتسامة من على وجهه، ويتساءل بقلق
محمد: إيه.. ازاي ده حصل، و "حور" فين؟
نظرت نحوها بحزن لتجيبه
روح: هي كويسة احنا قدام الجامعة لسة، انا مش هسيبها هاخدها ووصلها بس هي طلبت نبلغك عشان هي منهارة
أخذ يلملم متعلقاته ويغادر سريعا محاولا أخذ إذن بالمغادرة
محمد: تمام معلش يا أنسة "روح" خليكم معاها وانا جاي على طول، مع السلامة
أغلق الهاتف وتحرك بسرعة ليجد عدة مكالمات فائتة من رقم أحد جيرانهم، ليشعر بالقلق يتسرب لأوردته
أخذاها وغادرا معها يوصلاها للمشفى، هاتفت والدتها تخبرها بما حدث حتى لا تأتي وتنتظرها أمام الجامعة، لتخبرها أنها ستأتي للمشفى لترى حالة المريض، وحتى تقف لجوار هذه الفتاة التي يطمئن قلبها إليها
★——————★
مرت سويعات قليلة تركها ترتاح قليلا، جلس على حاسوبه يبحث عن معلومات عن عدة أشخاص، كان عمله يمثل شيئا كبيرا له، شعر بأنينها لينهض فزعا عندما علا صوت تألمها،
مراد: "نور" مالك يا حبيبتي، انت شكلك مش طبيعي
أغمضت عينيها والألم يزداد لم تستطع احتماله، لتضم قدميها بشدة إلي صدرها
نور: الحقني يا "مراد" مش قادرة هموت
جلس لجوارها يربت على وجهها يحاول تخفيف ألمها
مراد: اهدي بس يا حبيبتي انتِ حاسة بإيه
نور: ءاه مش قادرة حاسة إني بولد وروحي بتطلع الحقني
لم تستطع كبت صرخاتها أكثر لتتعالي بشدة وصلت لها بالأسفل، لتصعد بهلع ترى ما ألم بها، لتجد ابنها يحمل زوجته والألم يكاد يفتك بها، لتهرع نحوه تسأله عما بها
ناهد: مالها "نور" يا "مراد" في ايه
حدثها سريعا وهو يغادر بها دون أن يتوقف
مراد: تعبانة أوي يا ماما أنا هاخدها المستشفى
لحقت به سريعا
ناهد: أنا جاية معاك يا ابني، كلم "حياة" تقابلنا هناك بسرعة
أعطاها الهاتف بعدما استقر رأس زوجته على قدميها، يخبرها أن تحادثها لأنه سيقود بسرعة شديدة
مراد: خدي اطلبيها انا هسوق ومش هعرف اكلمها
أخذت الهاتف من يده تطلب رقمها الذي ردت عليه بعد ثوان قليلة
حياة: مراد يا
ناهد: الحقينا يا "حياة" انا ومراد جايبين نور وجايين المستشفى تعبانة أوي، غالبا ولادة مبكرة
نهضت فزعة من حديثها الذي بث الرعب في قلبها; لكنها أرادت طمأنتها
حياة: اهدي يا "ناهد" وانا هجهز العمليات وهبلغ الدكتور بتاعها، عشان حالة قلبها
أغلقت الهاتف وأبلغت زوجها الذي حضر هو وشقيقه على الفور،وعند وصوله ترك السيارة مفتوحة وأدخلها على وجه السرعة، وجد زوجة عمه التي ترجاها أن تسعفها وتخفف ألمها
مراد: "حياة" ساعدي "نور" تعبانة اوي أنا..
ربتت علث يده وهي تنخفض ببصرها نحوها
حياة: إهدي ومتقلقش أنا معاها وبإذن الله خير
تركتهم وتوجهت للداخل لتغلق باب غرفة الجراحة التي توارت خلفها لساعات طويلة، وسط قلق الجميع، مضت الساعات ثقيلة عليهم جميعا حتى انفرج باب الغرفة ليعلن عن ظهورها الذي كان كطوق نجاة لهم جميعا، خرجت تحمل طفلا صغيرا وضعته بين راحتيه ليشعر بالسعادة
حياة: مبروك يا "مراد" جات لك بنوتة زي القمر
نظرت للصغيرة بفرحة
ناهد: يا روحي مبروك يا "مراد" بقيت أب يا حبيبي
ربت والده على كتفه بمحبة وفرحة
محمود: مبروك يا حبيب أبوك بقيت أب عشان تعرف قيمة أبوك
ضحك على شقيقه الذي لا يتوانى عن مشاكسة ابنه
مصطفى: مفيش فايدة فيك يا "محمود" بطل مناكفة فيه، مبروك يا "مراد"
نظر نحوهم لم يدرك كيف أدمعت عيناه فرحة، تذكر زوجته ليعطي الطفلة لوالدته يسأل عن زوجته التي لم تخرج بعد
مراد: طنط " حياة" "نور" عاملة ايه لسة مخرجتش ليه هي كويسة طمنيني
تنهدت بأسي وهي تخبره
حياة: هي لسة جوة حالتها صعبة، القلب مقدرش يتحمل صعوبة الولادة; لكن الدكتور "سالم" قدر يسيطر على الوضع، وهتنتقل للعناية المركزة، لازم تفضل يومين تحت الملاحظة
صدمة جعلت عينيه تتسع من الصدمة
مراد: إيه ! انتِ بتقولي إيه هي كويسة صح
حياة: بإذن الله هتكون كويسة أدعوا لها
جلس بتهالك على المقعد خلفه بحزن ويأس فهو يعلم حالتها جيدا وقد حذرها من هذا الحمل