رواية لعنة الخطيئة الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل الثاني والخمسون بقلم فاطمة أحمد 

تجهم وجه صفوان أكثر لكن قبل أن ينطق أكمل سليمان من تلقاء نفسه بصوت هادئ وهو يدرك جيدا بأنه على وشك تحقيق انتقامه في هذه اللحظة :

- من سنين، أنا اتعاونت مع حكمت وقدمتلها كتير وبالمقابل هي غدرت بيا وموقفتش معايا لما وقعت في مشكلة واتنفيت من البلد.

تعرف انا ساعدتها فـ ايه ؟ في سرقة حق جدك.


- انت بتقصد ايه يا ***


زمجر صفوان بجنون وقد منعته بصيرته العمياء من ملاحظة أن سليمان يستغله من أجل سحب الجميع لقعر الظلام، فأضاف الآخر بشماتة :

- جدك كان هو المفروض يستلم العمودية من بعد العمدة الكبير بس أنا سرقت الوصية اللي مكتوب اسمه عليها وحكمت هانم زورتها عشان تحصل ع كل حاجة.


سسمع اعتراف سليمان بحقيقة تزوير الوصية وأحس كأنه صُعق كهربائيا !

ابتعد عن ذاك المكبل ببطء غير قادر على استيعاب ما سمعه، ثم أدار جسده ببطء ليجد آدم واقفا عند الباب عيناه داكنتان كأعماق بئر مظلمة، وملامحه جامدة كالصخر وهو يغمغم بصوت قاتم لا يحمل أي أثر للخوف والتوتر :

- الحقايق دايما ليها طريقة غريبة فـ إنها تظهر، مش كده يا ابن الشرقاوي؟


*** داخل المجلس.

كان الجو مشحونا والصمت يغلف المكان لكن الشحنات السلبية تكاد تنطق من شدتها في المنتصف يجلس العمدة على مقعده نظراته هادئة لكنها تحمل ثقل الحُكم، وبجواره وقف آدم برأسه المرفوع ومنكبيه العريضين ووجهه الأسمر لا يعكس أي شيء، فقط برود قاتل.

أما على الجانب الآخر، وقف صفوان متأهبا عيناه تشتعلان بالغضب، وجهه مشدود وكأنه على وشك الانفجار.


- أنا كنت عارف ومتأكد، محدش صدقني والكل قال اني بفتري عليكم بس الحقيقة اتكشفت اهي وعرفت أن بجد عيلة الصاوي سرقت حقنا.

نطق كلمات تقدر بغضا وشماتة وكأنه امتلك الكون باِكتشاف هذا السر، ثم نقل بصره إلى العمدة وحدثه باِتهام بائن : 

- انت طول الفترة ديه كنت بتعرف وقاعد على الكرسي ده، عارف ان العمودية أصلا كانت لعيلتي بس سكت عشان تحميه ؟ ما شاء الله على العدل اللي طول عمرك بتتكلم عنه يا عمدة.


قابله هذا الأخير بهدوء جليدي لكنه يحمل ثقلًا لا يُقاوم :

- والعدل اللي انت بتتكلم عنه لو كان اتقال بالطريقة الغلط في الوقت الغلط كان زمانك مش واقف هنا دلوقتي، كان زمان البلد غرقانة في الدم.


صرخ صفوان بعصبية وتعجرف وهو يشير للواقف أمامه :

- متقولش دم ! الدم سال لما جدته المصون سرقت العمودية من جدي، لما الوصية اتزورت، لما عيلتي اتظلمت وسكتوا غصب عنهم، وحضرتك عرفت من سليمان بس مقولتليش لأنك دايما بتفضل آدم ع الكل وبترضيه ع حسابنا.


لم يرد العمدة مباشرة، فقط ظل يرمقه بنظرة محنكة وكأن نوبات الغضب أمامه لا تؤثر فيه، بل يجيد التعامل معها كما لو كانت جزءًا من حياته.


ساد الصمت فدخل آدم في المواجهة بثبات ونبرة صوته منخفضة لكنها مليئة بالتحدي الهادئ :

- وصوتك العالي ده هيصلح اللي فات ؟


التفت إليه بسرعة، يطالعه بعينين محتنقتين بالغيظ لأن رغم الموقف الذي وقع فيه عدوّه لكنه لم يتأثر، مازال قويا لا يتزعزع !


- وأنت فخور بنفسك يا ابن سلطان الصاوي قاعد قدامي بكل برود وكأنك مش من نسل اللي سرقوا حقي ؟


- أنا مش فخو. ولو كنت ملاحظ فأنا مش قاعد على الكرسي ده ومش هقعد لأني لما عرفت الحقيقة مقدرتش أكمل فغلط غيري.


- لما عرفت، اتخليت ! كأنك لما ترمي العمودية خلاص كده مسحت العار فاكر ده هيكفر عن اللي حص ولا فاكر لما تقول جدتي غلطت يبقى خلاص ؟!


تنهد آدم بعمق محاولات السيطرة على انفعالاته وعلى كل حال فقد كان صمته مرعب أكثر من الكلام، ليقترب منه على حين غرة ويميل للأمام بينما يتلفظ كلماته بعناية :

- لأ مش هيكفر عن اللي حصل بس الفرق بيني وبين ناس غيري اني لما اكتشفت الحقيقة مكملتش فطريق الغلط، ومحاولتش ارمي المسؤولية ع غيري ولا استغليت حد عشان أخفيها، ايوة صحيح اللي انت عرفته مش سهل بس احنا بردو مكنش سهل علينا والندل اللي اسمه سليمان كل هدفه انه يولع النار بين العيلتين اكتر ويقعد يتفرج علينا وهو مبسوط علشان كده خبينا عنك، مؤقتا.


تأفف صفوان بخنق وعقب عليه باِستهزاء :

- زي العادة آدم سلطان هو الوحيد اللي بيفكر بعقله وبيعرف مين بيخطط ومين لأ وطبعا هتطلعني أنا المتهور اللي مبفهمش مش كده ؟


العمدة الذي بقي صامتا وهو يراقب المشهد أحكم القبض على عصيه ثم نظر لصفوان نظرة مباشرة تملؤها الهيبة وكأنه لا يرى أمامه شابًا غاضبًا، بل مجرد عاصفة يحاول احتواءها فتشدق برصانة تحمل نغمة تحذيرية خفية :

- غضبك مفهوم يا صفوان بس خذ بالك من كلامك أنا سكت لأن الموقف كان يستدعي السكوت ولو كنت اتكلمت وقتها، مكنتش البلد شافت غير الدم والخراب.


- وايه اللي اتغير لما سكت لغاية دلوقتي ماهو انا كشفت كل حاجة بنفسي وغضبي لسه زي ماهو وأسوء بس حضرتك لسه واقف بتحمي آدم.


- أنا مش محتاج حماية يابن الشرقاوي ومعملتش حاجة ولا غدرت بحد وهاجمته من ورا عشان احتاج لإني أخاف واتخبى، ياريت متخلطش بيني وبينك.


كاد الاثنان يتناطحان فوقف العمدة وهدر بلهجة القائد الذي لا يقبل الجدل :

- كفاية انتو الاتنين، وياصفوان أنا كنت بحمي البلد كلها بما فيها عيلتك. ولو كنت شايف انك تقدر تحل الموضوع بالعصبية، فكر تاني عشان انت بتلعب بالنار.


تأفف بغيظ وأشاح يوجهه ضاغطا على فكه بقوة ثم نظر لغريمه كمن يحاول التمسك بأي حجة لمهاجمته مجددا وبالفعل لم يتأخر عن هذا :

- انت حتى لو سيبت العمودية مش معنى كده انك برأت نفسك وأنا مش هسكت وهتشوفو.


قابله آدم ببسمة سطحية بالكاد شقت جانب شفته ولكنها ليست إلا ظلا لشيء أكثر قتامة، وردد :

- اعمل اللي بتقدر عليه ومتقصرش أنا كده كده اتخليت عن كل حاجة ومبقاش يهمني ... بعد اذنك ياعمدة انا اتأخرت ع البيت.


أنهى جملته بهزة رأس خفيفة وغادر فاِعتصر صفوان قبضته ولحق به أما العمدة بقي واقفا يطالع الفراغ بنظرة مبهمة غامضة حتى نطق :

- يعني عملت اللي في دماغك ياولد الصاوي ومهمكش حد.


_________________

خرج من المبنى الكبير وشقَّ طريقه وسط تلافيف الظلام الموحشة متجها إلى سيارته لكن خطواته توقفت بغتة حينما أرهفه حدسه بأنه مراقب فاِستدار إليه هاتفا :

- اظاهر انك لسه مخلصتش كلامك يابن الشرقاوي ونارك منطفتش.


رمقه صفوان ببغض ثم اقترب منه وهو يقول :

- هتشوف ناري بجد لما افضحك وافضح عيلتك قدام الكل وساعتها لا تجارتك ولا سمعتك هيفيدوك.


توقع صفوان أن يغضب ويتوتر لكن الآخر قابله بجمود تام فشعر بقلبه يستعر استفزازا وهذا ما جعله يبصق كلماته المهينة عندما أوشك آدم على فتح باب سيارته :

- فاكر لما كنت بفضل اقول انكم سرقتونا وانت تقعد تتريق وتطلعني كداب ومجنون؟ اهو اخيرا اتعرف اني كنت بقول الحقيقة.


لم يعقب ولم يمنحه حتى شرف نظرة استنكار، بل اكتفى بتثبيت عينيه للأمام متجاهلًا وجوده وكأنه لا شيء لكن صفوان لم يكن ليقبل بهذا التجاهل فهو لطالما انتظر مثل هذه الفرصة حتى يطعن، ويحرق، ويُشعل نيران الشماتة !


خطا خطوة نحوه، نبرته تغدو أكثر استفزازا بينما يضيف :

- إيه مش قادر ترد؟ خليفة العمدة الكبير اللي شايف نفسه أعلى من الكل طلع جبان؟


ظل آدم في صمته، يُحكم قبضته حتى تيبّست مفاصله غير أنه أبى أن يمنحه لذة رؤيته غاضبا، بيد أن غريمه كما لو كان شيطانا يعرف من أين تُلدغ النفس، أكمل بنبرة أشظ احتقارا :

— مش غريبة على عيلة زي عيلتك من أكبر لأصغر فرد فيها، مزورين وخونة حكمت زورتها وأنت وأبوك ورثتو كدبها !


في اللحظة التي تلت آخر جملة نطقها صفوان تشنج بعنف عندما التف آدم على حين غرة وقبض على قميصه بعنف ثم جذبه بقوة حتى ارتطم جسده بالسيارة خلفه، فاهتزّت تحت صدمة الضربة وصدر صوت معدنيّ حاد ارتج له المكان. 

اقترب آدم أكثر، حتى أصبح أنفاسه الساخنة تلسع وجه صفوان المنتفض بصدمة ثم برطم من بين أسنانه المطبقة بقوة :

- خد بالك من كلامك وأوعى تجيب سيرة أبويا انت فاهم ؟


- ليه متعصب ماهي دي الحقيقة وأنا طول عمري كنت بحاول آخد حق عيلتي اللي سرقتوه يبقى المفروض تحترمني.


قبضة آدم اشتدت على قميصه حتى كاد يمزقه، وخرج صوته قاتما :

- كنت هتحرمك بجد لو انت كنت راجل وحاولت تاخد حقك بشرف ... كنت واجهت ! مش الأول تستغل حريم بيتك علشان توقعني وتطعني بسكينة متسممة وتولع في البيت اللي انا فيه وبعدين ترجع تغدر بيا برصاصة من ورا زي الجبناء.


أطلق صفوان ضحكة لم يكن فيها مرح بل ازدراء خالص ثم قال وعيناه تلمعان بتكبر :

- وأنا أهو بعد ما خطتي في قتلك فشلت، دورت ورا سليمان لحد ما لقيته غصب عنكم وعرفت الحقيقة… الحقيقة اللي كنتو بتحاولوا تدفنوها تحت الأرض !


في هذه الأثناء حانت من آدم ابتسامة غامضة مشوبة بالسخرية فاِستطرد يستهين به :

- انت فاكر انك لقيت سليمان بمجهودك ؟


- اومال ازاي !

علق مستنكرا لكن تهكم آدم جعل تلكؤه يضمحل رويدا حتى ضيق عيناه مستدركا بنزق :

- بتقصد ايه يابنتي الصاوي هتقولي انك انت خليتني ألاقيه ومكنتش خايف الحقيقة تظهر.


تحولت ابتسامته الساخرة إلى برود قاتل وأصبح وجهه قناعا من الصخر حين أزاحه عن سيارته وركب بعدما رمى عليه آخر جملة منهيا بها الحوار بصوت قاطع:

- الحقيقة أنا اللي زهقت من دفنها وأنا اللي قررت تنكشف لان ببساطة مبقتش تفرق معايا.


ثم رحل ببساطة !!

_______________

ومثلما وعد صفوان، فقد كشف الحقيقة أمام جميع أهل البلدة ورجال المجلس وانتشر الخبر بسرعة كاِنتشار النار في الهشيم حتى أصبح الجميع يعلم أن السيدة حكمت قامت بتزوير الوصية الأصلية وأخذت العمودية من يد جد صفوان الشرقاوي...

بالطبع نزل الخبر كقنبلة عليهم ولم يصدقوا ما يُقال حتى جاء آدم بنفسه وأعلن أن الإشاعات صحيحة وهذا سبب تخليه عن منصب خليفة العمدة لأنه "حسب رأيه" فهو لا يستحقها.


واليوم هاهو عقد اجتماعا مع رجال المجلس وطفق يردد بتعجرف أن عائلة الصاوي لا تستحق المكانة التي حصلت عليها وانتهى بقوله :

- أنا بشوف أفضل عقاب ليهم اننا ننفيهم من القرية ونمنعهم يدخلولها تاني. 


سكت الحضور وبدأوا يتواصلون بالأعين دون تعليق فحدق فيهم صفوان وقال :

- خير أنا شايفكم سكتو. 


 تنحنح أحدهم ونظر إليه هاتفا بلهجة جادة :

- احنا كلنا تفاجأنا من اللي حكمت هانم عملته ومحدش فينا كان متوقعها بس معتقدش أن قرار النفي صحيح.


- ومش صحيح ليه يا حاج انتو مس مستوعبين اللي حصل ولا ايه ازاي عايزين عيلة الصاوي تفضل قاعدة معانا !!


- لا احنا كلنا عارفين حجم الغلطة اللي بتكلف رقاب ديه بس آدم مبيستاهلش يتعمل فيه كده اينعم هو حفيد الست حكمت وفرد من الصاوي بس احنا مبنقدرش ننكر جهوده في القرية وفضله على ناس كتير بتشهدله بأخلاقه وكرمه.

قالها رجل آخر من الحضور وهو يوافق رأي الأول فضرب صفوان بقبضته على الطاولة المستديرة وصاح برعونة وعصبية :

- أخلاق ايه وزفت ايه اظاهر ان ابن سلطان لعب في دماغكم وخلاكم متفكروش بمنطق.


ساد صمت ثقيل بعد صرخة صفوان العصبية لكن نظرات رجال المجلس نحوه لم تكن كما توقع، لم يبدُ عليهم التأثر بكلماته بل على العكس طفقت علامات الانزعاج تظهر على بعضهم خاصة كبار البلدة الذين لم يعتادوا على هذا الأسلوب الفظ في الحديث.


تنحنح أحد الشيوخ الكبار، رجل ذو لحية بيضاء وهيبة واضحة ثم قال بصوت جهوري يحمل وقارا وصرامة :

- خفض صوتك يا ولد الشرقاوي المفروض أسلوبك يبقى أحسن من كده، احنا مش قاعدين في ساحة معركة.


ازدرد صفوان ريقه، لكنه لم يهدأ بل رد باِنفعال أهوج :

- مع احترامي ليك يا حاج بس احنا نتكلم عن ناس سرقوا حقنا وانتو لسه عندكم رحمة ليهم ؟!


- الناس اللي بتتكلم عنهم هما نفسهم اللي وقفوا مع البلد في أشد الأوقات وانت عارف ده كويس.


قاطعه رجل ثالث كان يجلس على يمينه ثم استطرد يقول بحزم :

- ايوه الست حكمت غلطت وغلطتها كبيرة وتعتبر جريمة بس ليه آدم يتحاسب على شيء معملوش ؟ ده أول واحد تخلى عن الكرسي لما عرف الحقيقة رغم كان ممكن يخبيها ويستمر في الحكم بس هو متصرفش بالغدر.


نفخ صفوان بضيق وقد تصدع رأسه من مناقشة هؤلاء الشيوخ فأضاف هذه المرة بنفاد صبر واضح :

- يا ناس فوقو ده حفيدها، يعني واحد منهم وزي ما جدته كتبت اسم جوزها في الوصية بدل اسم جدي جيه هو وعمل نفس الشي معايا وخد العمدية مني.


رد عليه رجل مسن بلهجة باردة:

- بص احنا عارفين انك متعصب وحقك بس كون جده خد العمودية من جدك فده مبيعنيش ان آدم رجع اخد العمودية من اديك انت.


- تقصد ايه وضح كلامك.


- خلينا متفقين انكم انتو الاتنين كنتو مرشحين لمنصب خليفة العمدة بس آدم اتعين بتصويت من أغلب أهالي البلد مش لأنه من عيلة الصاوي أو بصفته ابن وحفيد العمدة يعني كان ممكن انت كمان تكسب بس محصلش والمنصب راح لـ...


قاطعه هذا الأخير بحدة رافعا يده في الهواء وكأنه يريد إيقاف الحديث :

- لا لا انت بتقولي إن المنصب راح لآدم لأنه يستحقه ؟ ده كلام مش منطقي احنا كلنا عارفين ان الناس صوتتله لأنه حفيد العمدة مش لأنه الأصلح !


رد عليه الشيخ ذو اللحية البيضاء بهدوء، لكنه لم يخفِ نفاد صبره خاصة وهو يعلم بجميع ما ارتكبه صفوان في السابق ومازال يقوم به :

- والناس اللي صوتتله دول مين مش هما نفسهم أهل البلدة اللي انت دلوقتي بتحاول تفرض عليهم رأيك غصب.


- أنا أحق واحد بالمنصب وأكتر راجل بيستحقه بس مش فاهم انتو ليه لسه متحيزين وواقفين معاه رغم اللي عرفتوه عنه.

جلجل باِنفعال وعينين مظلمتان فتابع نفس الرجل بنبرة موحية تحمل جرأة لا انهزاما :

- احنا بنقف مع الحق يابني والزعامة الحقيقية لازم تكون رمز للحكمة والهدوء مش البلطجية والتار.

ولو جينا للاستحقاق فلما أهل البلد شافوا ان ولد سلطان الصاوي مشي بإرادته من فترة طويلة، ليه محدش فيهم طلب منك تستلم مكانه ؟ اسأل نفسك السؤال ده قبل ما تتهمنا بالتحيز.


هنا علت بعض الهمهمات بين الرجال وشرعت نظراتهم تتجه نحو صفوان بريبة فأحس وكأن الأرض تهتز تحته، لكنه لم يكن مستعدًا للتراجع ليهدر بخشونة :

- كل الكلام ده ميغيرش ان عيلته أخدت حاجة مش من حقهم ! والنفي هو أقل عقاب ممكن يحصلو عليه وغصب عن الكل.


وقف الحضور واحدا وبدأوا بالمغادرة واحدا تلو الآخر بينما ظل هو في مكانه يحدق فيهم بذهول وغضب مكتوم. كان يريد الصراخ، الاعتراض، لكنه أدرك أن كل ما يقوم به سيذهب سُدًا.

خرج الجميع من القاعة تاركينه وحده ومقلتاه تنضحان بالغضب ليقبض صفوان على يديه بشدة ويتمتم لنفسه :

- مش هيخلص الموضوع هنا… مش هخلصكم بسهولة ياعيلة الصاوي.


في الحقيقة هو لم يكن يتوقع أن يجد هذا الكم من الرفض نهائيا ولم يكن مستعدا للخروج من المجلس خالي الوفاض، حيث أن عقله رسم له خيالات عن آدم وهو يُهان مع عائلته ويتلقى الاِستحقار من أهل البلدة لكنه فوجئ بموقف رجال المجلس ناحية ابن عائلة الصاوي وأدرك أنه لن ينجح في محاولته قلب البلدة ضد آدم الصاوي.


زفر بحقد وقلب مليء بالسواد هامسا :

- انت عملتلهم ايه عشان يحبوك ويحترموك بالشكل ده !!


_________________

في بيت الصاوي.

استند على حافة الشرفة الواسعة ممسكا بيده الأخرى هاتفه، وطفق يستمع لحديث الطرف الثاني حتى أنهى المكالمة بهدوء فظهرت نيجار من خلفه وسألته بريبة :

- انت كنت بتكلم مين في حاجة ؟


التف آدم إليها ورفع حاجبه ثم أخفضه مجيبا :

- ابن عمك صفوان عمل جمع كبار البلد واقترح عليهم انهم يطردونا عقابا على جريمة التزوير.


شهقت برهبة فتابع آدم موضحا لها :

- اكمل المشهد


ومثلما وعد صفوان، فقد كشف الحقيقة أمام جميع أهل البلدة ورجال المجلس وانتشر الخبر بسرعة كاِنتشار النار في الهشيم حتى أصبح الجميع يعلم أن السيدة حكمت قامت بتزوير الوصية الأصلية وأخذت العمودية من يد جد صفوان الشرقاوي...

بالطبع نزل الخبر كقنبلة عليهم ولم يصدقوا ما يُقال حتى جاء آدم بنفسه وأعلن أن الإشاعات صحيحة وهذا سبب تخليه عن منصب خليفة العمدة لأنه "حسب رأيه" فهو لا يستحقها.


واليوم هاهو عقد اجتماعا مع رجال المجلس وطفق يردد بتعجرف أن عائلة الصاوي لا تستحق المكانة التي حصلت عليها وانتهى بقوله :


أنا بشوف أفضل عقاب ليهم اننا ننفيهم من القرية ونمنعهم يدخلولها تاني.


سكت الحضور وبدأوا يتواصلون بالأعين دون تعليق فحدق فيهم صفوان وقال :


خير أنا شايفكم سكتو.


تنحنح أحدهم ونظر إليه هاتفا بلهجة جادة :


احنا كلنا تفاجأنا من اللي حكمت هانم عملته ومحدش فينا كان متوقعها بس معتقدش أن قرار النفي صحيح.


ومش صحيح ليه يا حاج انتو مس مستوعبين اللي حصل ولا ايه ازاي عايزين عيلة الصاوي تفضل قاعدة معانا !!


لا احنا كلنا عارفين حجم الغلطة اللي بتكلف رقاب ديه بس آدم مبيستاهلش يتعمل فيه كده اينعم هو حفيد الست حكمت وفرد من الصاوي بس احنا مبنقدرش ننكر جهوده في القرية وفضله على ناس كتير بتشهدله بأخلاقه وكرمه.

قالها رجل آخر من الحضور وهو يوافق رأي الأول فضرب صفوان بقبضته على الطاولة المستديرة وصاح برعونة وعصبية :


أخلاق ايه وزفت ايه اظاهر ان ابن سلطان لعب في دماغكم وخلاكم متفكروش بمنطق.


ساد صمت ثقيل بعد صرخة صفوان العصبية لكن نظرات رجال المجلس نحوه لم تكن كما توقع، لم يبدُ عليهم التأثر بكلماته بل على العكس طفقت علامات الانزعاج تظهر على بعضهم خاصة كبار البلدة الذين لم يعتادوا على هذا الأسلوب الفظ في الحديث.


تنحنح أحد الشيوخ الكبار، رجل ذو لحية بيضاء وهيبة واضحة ثم قال بصوت جهوري يحمل وقارا وصرامة :


خفض صوتك يا ولد الشرقاوي المفروض أسلوبك يبقى أحسن من كده، احنا مش قاعدين في ساحة معركة.


ازدرد صفوان ريقه، لكنه لم يهدأ بل رد باِنفعال أهوج :


مع احترامي ليك يا حاج بس احنا نتكلم عن ناس سرقوا حقنا وانتو لسه عندكم رحمة ليهم ؟!


الناس اللي بتتكلم عنهم هما نفسهم اللي وقفوا مع البلد في أشد الأوقات وانت عارف ده كويس.


قاطعه رجل ثالث كان يجلس على يمينه ثم استطرد يقول بحزم :


ايوه الست حكمت غلطت وغلطتها كبيرة وتعتبر جريمة بس ليه آدم يتحاسب على شيء معملوش ؟ ده أول واحد تخلى عن الكرسي لما عرف الحقيقة رغم كان ممكن يخبيها ويستمر في الحكم بس هو متصرفش بالغدر.


نفخ صفوان بضيق وقد تصدع رأسه من مناقشة هؤلاء الشيوخ فأضاف هذه المرة بنفاد صبر واضح :


يا ناس فوقو ده حفيدها، يعني واحد منهم وزي ما جدته كتبت اسم جوزها في الوصية بدل اسم جدي جيه هو وعمل نفس الشي معايا وخد العمدية مني.


رد عليه رجل مسن بلهجة باردة:


بص احنا عارفين انك متعصب وحقك بس كون جده خد العمودية من جدك فده مبيعنيش ان آدم رجع اخد العمودية من اديك انت.


تقصد ايه وضح كلامك.


خلينا متفقين انكم انتو الاتنين كنتو مرشحين لمنصب خليفة العمدة بس آدم اتعين بتصويت من أغلب أهالي البلد مش لأنه من عيلة الصاوي أو بصفته ابن وحفيد العمدة يعني كان ممكن انت كمان تكسب بس محصلش والمنصب راح لـ...


قاطعه هذا الأخير بحدة رافعا يده في الهواء وكأنه يريد إيقاف الحديث :


لا لا انت بتقولي إن المنصب راح لآدم لأنه يستحقه ؟ ده كلام مش منطقي احنا كلنا عارفين ان الناس صوتتله لأنه حفيد العمدة مش لأنه الأصلح !


رد عليه الشيخ ذو اللحية البيضاء بهدوء، لكنه لم يخفِ نفاد صبره خاصة وهو يعلم بجميع ما ارتكبه صفوان في السابق ومازال يقوم به :


والناس اللي صوتتله دول مين مش هما نفسهم أهل البلدة اللي انت دلوقتي بتحاول تفرض عليهم رأيك غصب.


أنا أحق واحد بالمنصب وأكتر راجل بيستحقه بس مش فاهم انتو ليه لسه متحيزين وواقفين معاه رغم اللي عرفتوه عنه.

جلجل باِنفعال وعينين مظلمتان فتابع نفس الرجل بنبرة موحية تحمل جرأة لا انهزاما :


احنا بنقف مع الحق يابني والزعامة الحقيقية لازم تكون رمز للحكمة والهدوء مش البلطجية والتار.

ولو جينا للاستحقاق فلما أهل البلد شافوا ان ولد سلطان الصاوي مشي بإرادته من فترة طويلة، ليه محدش فيهم طلب منك تستلم مكانه ؟ اسأل نفسك السؤال ده قبل ما تتهمنا بالتحيز.


هنا علت بعض الهمهمات بين الرجال وشرعت نظراتهم تتجه نحو صفوان بريبة فأحس وكأن الأرض تهتز تحته، لكنه لم يكن مستعدًا للتراجع ليهدر بخشونة :


كل الكلام ده ميغيرش ان عيلته أخدت حاجة مش من حقهم ! والنفي هو أقل عقاب ممكن يحصلو عليه وغصب عن الكل.


وقف الحضور واحدا وبدأوا بالمغادرة واحدا تلو الآخر بينما ظل هو في مكانه يحدق فيهم بذهول وغضب مكتوم. كان يريد الصراخ، الاعتراض، لكنه أدرك أن كل ما يقوم به سيذهب سُدًا.

خرج الجميع من القاعة تاركينه وحده ومقلتاه تنضحان بالغضب ليقبض صفوان على يديه بشدة ويتمتم لنفسه :


مش هيخلص الموضوع هنا… مش هخلصكم بسهولة ياعيلة الصاوي.


في الحقيقة هو لم يكن يتوقع أن يجد هذا الكم من الرفض نهائيا ولم يكن مستعدا للخروج من المجلس خالي الوفاض، حيث أن عقله رسم له خيالات عن آدم وهو يُهان مع عائلته ويتلقى الاِستحقار من أهل البلدة لكنه فوجئ بموقف رجال المجلس ناحية ابن عائلة الصاوي وأدرك أنه لن ينجح في محاولته قلب البلدة ضد آدم الصاوي.


زفر بحقد وقلب مليء بالسواد هامسا :


انت عملتلهم ايه عشان يحبوك ويحترموك بالشكل ده !!


في بيت الصاوي.

استند على حافة الشرفة الواسعة ممسكا بيده الأخرى هاتفه، وطفق يستمع لحديث الطرف الثاني حتى أنهى المكالمة بهدوء فظهرت نيجار من خلفه وسألته بريبة :


انت كنت بتكلم مين في حاجة ؟


التف آدم إليها ورفع حاجبه ثم أخفضه مجيبا :


- ابن عمك صفوان عمل جمع كبار البلد واقترح عليهم انهم يطردونا عقابا على جريمة التزوير.


شهقت برهبة فتابع موضحا لها :

- بس اللي مكنش متوقعه ان الناس ترفض كلامه ومحدش وافق على اللي كان بيحاول يعمله.


استرجعت نيجار براحة أنفاسها براحة وهي تفكر أنه من الطبيعي أن يتم رفض قرار صفوان، فسُمعة آدم ومكانته بين الأهالي لا يمكن أن يزولا بهذه البساطة.

لكن مع ذلك بقيت نظراتها قلقة وهي تقترب منه:

- طب ايه اللي هيعمله صفوان دلوقتي هو أكيد مش هيسكت.


ابتسم آدم بسخرية وهتف بروية بينما يدس الهاتف في جيب سرواله :

- فعلا صفوان مش النوع اللي يستسلم بسهولة وأنا متأكد إنه مش هيهدى إلا لما يحاول يوقعني بأي طريقة مع اني خلاص أعلنت انسحابي والمفروض يركز ع ازاي يوصل للي عاوزه مش يدور ع طريقة يأذيني بيها.


نظر إليها وهي متجهمة كعادتها حينما لا يعجبها شيء ما فمسح على وجنتها بخفة وبرطم :

- في سؤال شاغل بالي انتي ليه مردتيش بنفس تصرف ابن عمك لما عرفتي الحقيقة بقصد انتو الاتنين كنتو بتفكرو بنفس الطريقة ناحيتي وبتكرهو عيلتي مش فاهم ليه متعصبتيش.


- ومين قالك متعصبتش؟ لا أنا جدا لأن ستك حكمت لعبت على عيلتي من زمان وخدت حق جدي بالغش واتسببت في انها تخلق العداوة ديه، بس عارفة كمان ان انت ملكش ذنب وطول عمرك بتكره الخداع والكدب وده اللي خلاك تسيب المنصب بتاعك.


- طب انتي مبتتمنيش من جواكي ان صفوان ياخد مكاني.


- معرفش بصراحة أنا بعد ما اتجوزتك فهمت أن القلب النظيف والشجاعة هما القوة الحقيقية، والجدعنة هي انك تكون سند لأهل بيتك وتعطف عليهم وتساعد المحتاج وترجع الحق لصاحب الحق، لو جه يوم وصفوان بقت عنده الصفات ديه هنبسط ساعتها لأن البلد هتكون فأمان معاه ... بس المشكلة انها مش موجودة في حد غيرك.


ردَّت نيجار بصدق مطالعة عيناه العسليتان وقد انعكس ضوء الشمس عليهما فأصبحتا خلاَّبتين تأسران القلب، ليبتسم آدم ويضغط على يديها مغمغما بنبرة رخيمة :

- نسيتي حاجة كمان ... الانسان بيقوى لما يكون عنده حد يتسند عليه وبيقف جمبه في المرة قبل الحلوة ... وأنا محظوظ من الناحية ديه.


أنهى كلامه وهو يقبل ظهر يدها ببطء مرسلا لها إشارة أنها هي الشخص الذي يُقويه فتبسمت نيجار ممنية نفسها أن تسمع كلمة "أحبك" من فمه يوما ما، لقد تحسنت علاقتهما بالفعل وأصبحا قريبين من بعضهما كما استطاعت كسب ثقته لكن آدم لم ينطق بتلك الكلمة مجددا وكأن لسانه أقسم على ألا يقولها مجددا ...


تهدلت ملامح وجهها بأسى ولم تستطع من شعور الحزن من الزحف إليها فاِنتبه الآخر وكاد يسألها إلا أن مجيء حكمت قطعه لينظر لها حفيدها بتأهب متوقعا أن يسمع لومها الحانق واتهاماتها بأنه هو السبب في حالة العائلة، بيد أن السيدة المعروفة بجبروتها صدمته هذه المرة عندما تحدثت بصلابة :

- حدد ميعاد مع الجماعة عشان يجو يطلبو إيد البت.


- بتقصدي مين.

تساءل آدم بسذاجة وكأن طلَّتها المسالمة زيادة عن اللزوم قد أصابت استيعابه بالهوان لتعقد حاجبيها بامتعاض لا يخلو من الحزم :

- ماتفوق كده معايا يا ولد أنا هقصد مين غير اختك ليلى.


ثم استدارت وعادت إلى غرفتها ببساطة كما جاءت تاركة حفيدها يحدق في أثرها مفكرا بجدية أن جدته أُصيبت بخطب ما أثر عليها وهذا ما جعلها توافق من تلقاء نفسها على خطبة حفيدتها من الشاب البسيط بعدما أقامت الدنيا مصرحة برفضها القاطع.

أما نيجار فدحرجت عيناها في المكان ثم همست بصوت خافت :

- ديه أعراض الخرَف ولا شكلها القيامة هتقوم.

_________________

وكما كان الحال فقد حضر محمد مع شقيقه ووالدته إلى سرايا الصاوي لكي يطلبوا يد ابنتهم الوحيدة، كان محمد مرتبكا رغم محاولته السيطرة على انفعاله لكن حلقه الجاف ورؤيته للسيدة حكمت ترمقه بحدة لم يساعداه فتنهد بتقطع وانحنى لأذن أمه هامسا لها :

- أنا خايف الست حكمت ترفض أو تحاول تقلل مننا لو حصل مش هقدر امسك نفسي وساعتها هخسر ليلى.


نظرت له المرأة ذات الملامح الطيبة وربتت على ساقه مجيبة إياه :

- متقلقش ان شاء الله خير ياحبيبي ومحدش بيقدر يقلل منكو لأن عيالي بيرفعو الراس وألف واحدة تتمناهم.


قطع حديثهم كلام السيدة التي جلست بوقار وسألته :

- ايه اللي يخليني أوافق ع جوازك من حفيدتي يا محمد. 


قبل أن يجيبها، بادرت والدته بالكلام بثقة تحمل فخرًا واضحا :

- ولدنا متربي والناس كلها بتشهد بأخلاقه، معروف عنه الجدعنة والشهامة وشغيل مبيكلش حق حد وبيخاف ربنا.


لم تعلق هي ولم تهز رأسها حتى، فقط بقيت تنظر إليه نظرة متفحصة جعلت العرق يتسلل إلى جبينه، وبعد لحظات من الصمت المربك عادت تسأله بغموض :

- وهتديها ايه؟ ليه حتى نوافق نديك بنتنا الوحيدة.


استوعب فورا قصدها، لم يكن سؤالها عن المال والأملاك -على غير عادتها- كانت تريد ضمانا آخر استوعبه آدم سريعا بينما جلس محمد مستقيما واستجمع شجاعته مرددا عميق صادق :

- هديها كل حاجة، احترمها واحبها، أخاف عليها أكتر من نفسي. ليلى مش مجرد بنت بتجوزها، دي هتبقى شريكة حياتي والنص التاني مني.

هتكون هي الأولى والأخيرة عندي وهعمل المستحيل عشان تكون أسعد واحدة في الدنيا.


توقفت حكمت عن التحديق فيه ولكن لم يبدُ على ملامحها أي تعبير واضح، ظلت صامتة للحظات حتى بدأ فاروق ومحمد وأمه يتبادلون نظرات التوجس، وحتى آدم وعمته بدآ يفكران في أنها ستفتعل مشكلة أو تهينهم بكلمة قاسية.


إلا أنه ولسبب ما كان هناك شيء خفي في تعابيرها ... شيء أشبه بظل رضا خفيف ... نظرة أقرب إلى الاقتناع أو ربما استحضار لذكرى قديمة أثارتها كلمات محمد الصادقة.


مرت لحظات أخرى من السكون المدقع قبل أن تأخذ الجدة نفسا عميقا وتلتفت للخادمة قائلة بنبرة هادئة :

- نادي العروسة.


تحركت أم محمود سريعا تلبي طلبها بينما تعجبت نيجار من الكلمة التي نطقتها وهمست بداخلها متسائلة ... هل وافقت هذه السيدة المتجبرة بالفعل ؟!


بعد دقائق دلفت ليلى متهدلة بفستان أزرق محتشم ينزل على قدِّها بتناسق وقد صففت شعرها متوسط الطول بتسريحة ناعمة فبدت كما العادة فتاة جميلة رقيقة.

راقبها محمد ببلاهة وعجز عن إبعاد عينيه عنها حتى عندما وضعت صينية الضيافة وجلست فوكزه فاروق بكوعه ونبهه من بين أسنانه :

- شيل عينيك من عليها الله يخربيتك هيقوم أخوها دلوقتي ويطخك في نص دماغك.


حمحم بحرج وبعد لحظات انسحب الجميع وبقي العرسان بمفردهما في الداخل، جلس محمد مقابلا ليلى مباشرة يراقبها وهي تخفض رأسها بحياء، عيناها تهربان منه كلما حاول الإمساك بنظرتها وكأنها ليست نفس الفتاة القوية التي لم تخفض عينيها لأحد من قبل.


كان قلبه يخفق بسرعة ولم يستطع دحض ابتسامته قبل أن يهمس لها بصوت يحمل شوقا وفرحة :

- مصدقاني يا ليلى؟ أنا وفيت بوعدي ليكي ... مش مصدق اني أخيرا هطلب إيدك رسمي، وانك هتبقي حلالي.


رفعت ليلى نظرها إليه ببطء، عيناها تلمعان بخجل يتخلله الحب ثم ردّت بنبرة بالكاد تُسمع :

- كان حلم يا محمد… وبيتحقق دلوقتي.


في الخارج عند باب قاعة الاستقبال، وقف آدم بذراعين معقودتين على صدره، حاجباه مقتضبان وهو يراقب المشهد بصمت حتى زفر وهو يتمتم لنفسه بضيق :

- شكلنا تسرعنا… ليلى لسه صغيرة.


قبل أن يغرق أكثر في أفكاره، سمع ضحكة ناعمة خلفه فاِلتفت ليجد نيجار تقف وراءه وتنظر إليه بنظرة مشاكسة وابتسامة مائلة :

- هو انت غيران ؟


برطم باِعتراض وكأنه لم يفهم سؤالها :

- غيران من ايه ؟


اقتربت منه قليلًا، ترفع رأسها راشقة إياه بنظرة ماكرة تحاول قراءة أفكاره :

- مش عارفة… بس شكلك مش عاجبك الوضع كأن حد خد منك أميرتك ... ولا نقول انه خدها خلاص 


قطب آدم جبينه بحدة ووجد نفسه يعجز عن إنكار كلامها بسهولة وقبل أن يقول شيئا ظهر مراد الذي كان يتحدث مع عمته في الطرف الآخر من الممر، والتقط قطعة حلوى من الطبق الذي تمسكه نيجار بعدما استأذنها فلانت ملامحها وسألته :

- ايه رأيك ؟


قضم القطعة متلذذا بطعمها ثم هتف بإطراء :

- تجنن بس مش غريب، واحدة بجمالك أكيد بتعمل حاجات جميلة زيها.


جاءه الرّد من آدم سريعا وهو يرفع رجله ويدفع بها ساق مراد بخفة، مما جعل الأخير يترنح قليلًا وهو يضحك مستمعا لزمجرته المغتاظة :

- وانت كمان لم نفسك في إيه؟


ضحكت نيجار مستمتعة بمشاهدة غيرة زوجها المتجهم بينما مراد رفع يديه مستسلما، لكن عينيه كانتا تلمعان بمرح :

- مالي طيب ماهو الحلو قدامي وأنا راجل صريح… قلت رأيي وبس.


تأفف آدم بخنق وأمسك مرفق نيجار حتى تقف بجانبه، أما في الداخل،ط فكان محمد يهمس لليلى مجددا، وكأن لا شيء آخر موجود في العالم غيرها :

- الحلم لسه مكمل يا ليلى.


ووسط كل الفوضى في الخارج وبين انزعاج آدم واستفزاز مراد له، كانت ليلى تشعر بأن كل شيء هادئ عندما سمعت تلك الكلمات.

الفصل الثالث والخمسون من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1