![]() |
رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل السادس
حينما نشعر بالألم نظن أن روحنا تدور في مدار ضيق للغاية مليء بالأشواك ، نتخبط هنا وهنا لتُستُنفز طاقتنا فقط ، وعندما يكون الألم مصدره رفيق الروح تشعر كأن حياتك أضحت بلا معنى، وبأنك مغفلا بذل مشاعره من أجل اللاشيء ، كأنك خُلقت لتنجرح فقط ، ولكن في الواقع ليس شرطاً أن يكن قلبك حقا مغفلا ...فقد تكن عيناك لا تستطيع رؤية الحقيقة فقط .
إستيقظت مع أذان الفجر لتشعر بالآلام في سائر أنحاء جسدها فوقفت بصعوبة وتوجهت لدورة المياة وإغتسلت بمياه ساخنة علها تريح آلامها قليلا ثم إرتدت مأزرها الخاص وتوجهت للفراش .
حينما تمددت تناشد النوم إرتطمت يدها في شيء لتنظر بإتجاهه فوقعت عيناها على أحد القطع الصغيرة من الملابس المخصصة للأطفال حديثي الولادة فجذبتها لأحضانها وشهقاتها تعلو أكثر فأكثر ودموعها لا تتوقف ، شعرت بآلام جسدها تزداد لتجذب الوسادة الأخرى الحاملة لعطره الخاص محتضنة إياها تستنشقه بقوة علها تستحضره وبالفعل بدء جسدها في التراخي تدريجيا .
عام ٢٠١٨ /
في المشفى/
واقف ينظر من النافذة بشرود عيناه بلونها المميز تقص لنا الكثير من إضطراباته الداخلية ، يشعر بحاله وكأنه مُلقى من فوق منحدر صخري وهناك بالأسفل مياه خطرة وهو لا يفقه السباحة ، غاصت ذكراه لما حدث بينه وبين زوجته التي ظن أنها عوضا عن كل ما عاشه طوال تلك السنوات ولكن هل ستكون ذلك حقا أم أنها ضربة أخرى من القدر .
(منذ يومين )
وأخيرا عادت الفتيات من رحلتهم ليعود هو وبكل لهفة للمنزل ، فهو قد إختار لنفسه المشفى مأوى له لكي يتجنب رؤية حمدي قدر إستطاعته متعللا بالعمل ، ولكن ها هي عادت ذؤبته نصفه الثاني إذا فليتنازل قليلاً ويخاطر برؤية إنسان يبغضه من أجلها.
وصل للمنزل وبريق عيناه يشتعل حماسا من الشوق ليجدها تجلس خارجاً فإقترب منها ماداً يده لمصافحتها مرددا:
_الحمد لله على السلامه.
نظرت ليده بخجل ثم صافحته بتوتر ليفاجئها بتقبيله لكف يدها بحنو فإضطربت وهي تجيبه :
_ الله يسلمك .
جلس وأجلسها بجانبه لكي لا يترك فرصة للتوترها مردفا بحماس:
_ قوليلي بقى عجبتك شرم الشيخ ؟
_ جدا جدا ، بجد المكان هناك جميل أوي ، مريح للأعصاب ومُشرق يفتح النِفس للحياة ، إنت أكيد سافرت قبل كده هناك .
قالت حديثها بحماس ليومأ لها إيجاباً مردفا :
_ فعلا روحت هناك تقريبا مرتين ، لكن مخرجتش أو شوفت المكان أنا كانت زياراتي مقتصرة على الندوات والمؤتمرات ، لكن دلوقتي شوفته بعيونك إنتي .
زحفت الحُمرة إلى وجهها لتردف بخجل :
_ خلاص لما نتجوز نبقى نروح نقضي شهر العسل هناك .
كانت تفرك في كفيها بقوة ليضحك هو متحدثا :
_ ومالك بتقوليها بكسوف كده ، إن شاء الله أنا كنت ناوي أخيرك بين شرم الشيخ والغردقة ، لكن متطمعيش مش هيبقى شهر هو بالكتير أوي عشر أيام .
_لو يوم واحد معاك أنا راضية .
قالتها سريعا لتضع كفها فوق ثغرها بصدمة مما تفوهت به ليبتسم هو بحب واضح بعينيه متحدثاً بصدق :
_ تعرفي أول مرة شوفتك فيها حسيت إني أعرفك ، ولما شوفتك تاني فرحت أوي وخصوصاً طبعا لما عرفت إنك بنت عمي وتحديدا عمو وليد ، إحنا إتربينا على حبه من غير ما نشوفه ، ماما الله يرحمها كانت بتقول أكتر حاجه ممكن تخليها تندم على بُعدها هو أخوها ، عاوزة الصراحة أنا متخيلتش إني أتجوزك بسرعة كده ، أنا أصلا كنت فاهم إني مستحيل أقدر أوصلك ، لكن موافقة عمو وثقته فيا علقتني بيه وبيكي أكتر ، إنت هدية من ربنا ليا بعد عمر قضيته وحيد ، مهما كنت قريب أنا وحور من بعض في جزء جوة الإنسان ميكملوش غير نصه التاني وإنتي يا سلمى نصي التاني ، يمكن تقولي عليا مجنون أو متهور بس أنا بحبك ، أه يا سلمى بعترفلك إني بحبك يمكن من أول لحظة شوفت فيها عيونك إتأثرت ، بقيت حاسس إن مينفعش أحب ولا أتجوز غيرك ، شعور غريب لكن جميل ، مش هخبي عليكي في الأول فكرت إنه مجرد إنجذاب لأن عمري ما كان ليا كلام مع البنات لكن لما فكرت كويس لقيت إن شعوري بيكي مختلف ومميز ، ليه إنتي معرفش لكن أعرف شيء واحد بس إن مينفعش يكون في قلبي وحياتي غيرك إنتي .
طرُبت أذناها لحديثه وإلتمعت عيناها من التأثر ، رغُبت في مبادلته حديثه ولكن صوتا ما أوقفها .
_إبن أخويا هنا ، يا مرحبا يا مرحبا ، فينك يا دكتور هو مافيش دكاترة غيرك في البلد ولا إيه علشان تحرمنا من طلتك البهية ؟
أنهى حمدي حديثه بسخرية لم تفقها سلمى ولكن عبد الرحمن شعر بها ليجيبه بسخرية أشد جذبت أنظار سلمى المصدومة إليه:
_ مش ذنبي إنك طلعت فاشل في دراستك ومن بعدها شغلك وعايش مستخبي في ضل أخوك الكبير .
إغتاظ حمدي ولكنه أردف ببرود :
_ غريبة مع إن زهرة كانت جميلة وزي النسمة مش عارف تربيتها عاملة كده ليه .
_ متجيبش سيرة أمي على لسانك ، وتربيتها دي لأنها كانت بتربي لوحدها وكانت شافت كتير في حياتها بعد شياطين الإنس مأذوها فكان لازم تربينا أقويا نعرف نوقف كل واحد عند حده .
علت ضحكات حمدي بإستهزاء ليردف بإستفزاز:
_ تعرف إن نبيل كان شبهك كده ، مش قصدي الشكل وبس أقصد لما كانت تيجي سيرة زهرة كان يتحول وعينه تبقى شرارة .
أنهى حديثه ماددا يده بغرض مصافحته مردفا بإبتسامة تحدي :
_ مش هتسلم على عمك ولا إيه يا دكتور .
_للآسف إنك عمي ، وميشرفنيش إني أسلم على واحد زيك .
ألقى حديثه بإحتقار ليتفاجأ حمدي من رد فعله فهو ظن أنه سيُحرج أمام سلمى ولكن خاب ظنه ووقف يُحادثه بجمود وقوة ، بينما سلمى تفاجأت وشعرت بالصدمة من حديثه لتمُد يدها سريعاً مصافحة حمدي من أجل إمتصاص غضبه وتمرير الموقف مردفة:
_ متزعلش يا عمو ، معلهش هو أكيد مضغوط في الشغل أو في حاجة مضايقاه ، أكيد ميقصدش ، صح يا عبد الرحمن.
قالتها وهي تنظر لزوجها عله يصحح ما قاله لكنها تفاجأت به يجذب يدها المصافحة لكف عمها بقوة ليتحدث حمدي ساخرا لكن بغضب:
_ إنت هتنمعني أسلم على بنت أخويا كمان ؟
_لأ إزاي يا عمو هو ..
كانت تريد التبرير ولكنه أوقفها بصراخه:
_ سلمى ...إسكتي ، أنا مش عيل صغير علشان تبرريلي ، وأه مش عاوزك تسلم عليها .
وضع حمدي يده بچيب بنطاله وأردف بجدية:
_ سلمى بنت أخويا وأعرفها طول عمرها مش مجرد دخيل بينا لسه من كام يوم ، سلمى مش بس أسلم عليها وممكن أحضنها كمان ومتقدرش تمنعني إنت فاهم .
هذه المرة ضحك عبد الرحمن ولكن ضحكات خاوية من المرح وأردف بتحدي:
_ وأنا بقولك أهو لا تقدر تسلم عليها ولا تقرب منها بأي شكل ، من لحظة ما بقت مراتي مقبلش واحد زيك يلمسها ، لا تقولي عمها ولا غيره لو فكرت بس تلمس إيدها حتى هكسرلك إيدك .
_عبد الرحمن إنت إتجننت ، إزاي بتكلم عمو كده ، إنت صحيح جوزي لكن مش من حقك تمنعني أسلم على عمي ولا إنك تتكلم بلساني ، عمو حمدي زي بابا ولازم أحترمه وإنت كمان تحترمه .
أنهت سلمى حديثها المنفعل الغاضب ثم وجهت ناظريها بإتجاه حمدي مسترسلة بآسف:
_ أنا آسفة يا عمو حقك عليا ، عبد الرحمن ميقصدش هو بس مضايق شوية .
نظر حمدي لعبد الرحمن بقوة مردفا:
_ ماشي يا سلمى أنا هعديها علشان خاطرك إنتي .
رحل من أمامهم بعدما أنهى حديثه متوعدا بداخله لعبد الرحمن ، بينما سلمى وقفت تنظر له لبعض الوقت ليردف بحدة:
_ أول وأخر مرة تفكري تدخلي بيني وبين أي حد ، لما أكون بتكلم خصوصا مع البني آدم ده متحاوليش تقربي مننا مش بس تدخلي ، وإياكي يا سلمى شوفي إياكي ألمحك واقفة معاه خصوصا لوحدكم وياريت لو تقطعي علاقتك بيه نهائي فاهمة .
جحدت عيناها من صدمة وأردفت بذهول :
_ إنت أكيد مش طبيعي ، في واحد يتكلم عن عمه كده ؟ ده عمى إتربيت معاه في نفس البيت عاوزني أقطع علاقتي بيه إنت واعي ومستوعب كلامك ، يظهر إن ماما كان عندها حق لما قالت إني معرفكش ولا عارفة طبعك وأسلوبك علشان أوافق أتجوزك .
_ندمتي على جوازك مني بالسرعة دي ؟
تساءل بألم قرأته لتجيبه بندم خفي :
_ إنت خوفتني يا عبد الرحمن ، أنا فجأة لقيت قدامي شخص تاني غير إل عرفته ، منتظر مني إيه ؟
نظر لها بعمق ثم تركها ورحل من حيث أتى .
(الوقت الحالي )
ظل مغمض العينين يستند برأسه فوق حافة النافذة مستغرقا في أفكاره لدرجة أنه لم يشعر بوجودها ألا أن تحدثت :
_ للدرجة دي مش حاسس بيا ؟
نظر إليها ببعض التفاجؤ ليردف بغموض :
_ مش يمكن العكس ، وإنتي إل مش حاسة بيا ؟
إقتربت منه عدة خطوات وأردفت:
_ إنت مش سايبلي فرصة أعرفك أو أفهمك ، أحيانا بحس إنك قريب مني وأوقات بشوفك بعيد حتى لو كنت شايفاك ، أنا لما شوفتك أول مرة إتوترت وقلبي دق بسرعة كنت حاسة إني كنت بجري في سباق وأخيرا وصلت لخط النهاية ، وكانت فرحتي بوصولي بتزيد وأنا حاسة إني مش بس وصلت لأ أنا كمان فزت ، كل ده في دقايق معدودة ، لما طلبت تتجوزني قولت أكيد ربنا بيحبني ولما إتجوزنا بسرعة كنت مبهورة إني بقيت معاك وإنك بقيت ليا ، شايفاك حاجة كبيرة أوي ، إحساس الآمان في وجودك بخليني أحسك أبويا وأخويا ، أنا قولت إنك هتبقى ليا كل حاجة ، بس إنت خوفتني منك ، فجأة وفي يوم وليلة من غير أي مبرر أقلاقيك بتحكم عليا أقطع علاقتي بعمي ، أنا أصلا مش فاهمة إزاي تقدر تكلم عمك كده ؟
جلس عبد الرحمن فوق المقعد بإستسلام فهو في قرارة نفسه يعلم أن معها الحق ، ولكن كيف سيقبل وجود حمدي في حياتهم ، مسح على وجهه بتعب وأردف :
_الشخص ده أنا مش قادر حتى أقول عنه عمي ، أكتر إنسان أذي أبويا وأمي في الدنيا هو ، غصب عني مقدرش أسامحه .
هي أيضا إسترخت نظراتها ، فلقد تفهمت ما يشعر به ، تعلم طِباع عمها جيدا .
نظر لها فوجدها تطالعه بتركيز شديد فدون شعور منه إبتسم لها لتبادله الإبتسام ثم أردفت بعتاب :
_ أنا قولت أجي أشوفك بدل ما أنت بتهرب من الكلام معايا ومش بتيجي البيت .
فهم عتابها فأردف بصدق إستشعرته:
_ صدقيني كده كان أحسن ، أنا جوايا حاجات كتير يمكن مع الأيام تعرفيها ، لكن كفاية دلوقتي إنك تعرفي إني مقصدش أزعلك ولا أتحكم فيكي ، أنا بحترمك لأنك مني وبقيتي ليا فاهماني ؟
نظرت له بسعادة وأماءت إيجاباً مردفة :
_أه فاهماك .
إقتربت من باب الغرفة ثم إسترسلت تحت نظرات التعجب منه :
_أنا بس كنت عاوزة أقولك إني أنا كمان بحبك .
أنهت إعترافها وخرجت سريعا مغلقة الباب خلفها لتصدح ضحكاته بمرح على خجلها وسعادة بإعترافها .
............
هل النسيان أمر سهل ؟
السؤال الصحيح هل المغفرة من السهل الحصول عليها ؟
إذا إنقطعت الثقة وذهبت أدراج الرياح هل يأتي يوما لتستوطن مرة أخرى ؟
جالسا فوق المقعد ولكن بحركته تلك يُشعرك كأنه جالسا فوق جمرا ملتهبا ، ينظر لتلك المتخذة من اللامبالاة درع حماية لها بغيظ شديد ، فهي لم تتحدث معه إطلاقا منذ كتب الكتاب ، تشعره أنها مجبرة عليه ، لولا أنه يعلم جيداً أنها تعشقه مثلما يفعل لظن حقا أنها لا ترغب به كزوج ، يعلم أنه أخطأ بحقها بفعلته تلك ولكن كان ذلك سبيله للوصول إليها ، لم يحتمل سكوتها ليردف بنفاذ صبر :
_ مش هتتكرمي عليا وتكلميني أو على الأقل تردي على سؤالي ؟
نظرت له بجمود وتساءلت ببعض الحدة :
_ سؤال إيه ؟
_سامحتيني ؟ أسيل أنا عارف إن غلطتي كبيرة لكن أنا كان ليا عذري .
قالها بإستماتة ليتفاجأ برد فعلها القوي في حديثها :
_ عذر أقبح من ذنب ، إنت ليه مفكرتش إني كنت في نفس الموقف ، واحدة وثقت في واحد وحبته وآمنته ، لكن تعرف الفرق بيني وبين والدتك إنها سلمت نفسها لحبيبها وهو خدعها ياعني هي مشتركة معاه في الذنب ، إنما أنا حبيبي كان بيخدعني وأنا ماليش ذنب ، ذنبي الوحيد إني حبيتك أوي بس .
طعنته بحديثها ذاك عن والدته ، ولكن الحقيقة أنها محقة وهو يعلم ، لذا أراد أن يغير ضفة الحديث لألا يشعر بالسوء فيفسد ما يحاول بناؤه فتحدث بمراوغة :
_ ياعني أنا حبيبك وإنتي بتحبيني أوي ؟
نظرت له ببلاهة لتقف سريعا متحدثة بتوتر :
_ فين عمتو ؟ كلمتني وقالت عاوزاني ضروري وأنا هنا علشانها هي مش حد تاني .
وقف يحادثها بلؤم :
_ ولو قولتلك عمتك مش هنا ؟
نظرت له برهبة ورجعت للخلف بتوتر وهي تنظر في جميع الإتجاهات ما عدا إتجاهه ليشعر بأنها طعنته بنصل حاد في قلبه وتهشمت روحه ، ألهذه الدرجة تخشاه ؟
نطق لسانه بما يدور داخله مرددا بألم :
_ للدرجة دي مش واثقة فيا وخايفة مني متخافيش أنا بحبك بجد والله ومش ممكن أأذيكي ؟
أدمعت عيناها متحدثا بهمس متألم :
_ الثقة كلمة كبيرة أوي أكبر من الحب ، أنا يمكن وافقت على جوازنا غير طبعا تصميم أمي لأني بحبك مش هنكر لكن صعب أثق فيك زي الأول محتاجة وقت .
إبتسم بأمل فإعترافها أنار له عتمة ظل حبيس داخلها ليالٍ طوال ، نظر لها بحب مردفا بحنان :
_ خدي كل الوقت إل محتاجاه ، أنا معاكي وهفضل متمسك بيكي لآخر العمر ، وبالنسبة لأمي فهي في المطبخ بتحضر لنبيل أكل لأنه على وصول .
_مين جاب في سيرتي .
نظر جاسر بإتجاه ابن شقيقه بيأس وأردف :
_ إنت مش هتبطل عادتك دي بقى ، مش انا قولتلك حتى لو هتفتح بمفتاحك رن جرس الباب نبه ال جوة .
قلب نبيل عينيه بملل وأردف موجهة حديثه لأسيل :
_ مش عارف متجوزاه على إيه ده ؟ ربنا يعينك؟ عامل فيها عمي بقى وعاوزني ألتزم بالتعليمات وكل الحكاية خمس ست سنين بينا ، يابنتي سيبك منه وتعالي نتجوز ده أنا حتى أحلى منه و...
لم ينهي حديثه بسبب هرولته للخارج صارخا :
_ يا سلوى ...يا سوسو إلحقيني إبنك هياكلني ، هيموت من غيرته مني .
بينما جاسر يهرول وراؤه متوعدا له وأسيل تصدح ضحكاتها مرحا عليهم .
..........
عام ٢٠٢٠/
أحيانا يصُعب على الإنسان التصديق بأن كل ما آمن به كان وهما ، ولكن من أجل المضي قدما في الحياة علينا أن نتقبل كل ما نمر به في محاولة لفهم أنفسنا وتحديد مصيرنا .
جالسا في سيارته في إحدي الطرق الهادئة نسبيا من المارة ، ممسكا في يده هاتفه المحمول يناظر صور لها قد إلتقطها بنفسه في ذاك اليوم الذي لن يستطع نسيان ذكراه أبد الدهر لتنهمر دمعاته مستذكرا ذكراه .
عام ٢٠١٨/
مرت تسعة أيام لإنتقالها لذاك المسكن ، لا تنكر أنها شعرت بالراحة النفسية والهدوء في بُعدها عن باقي العائلة ، أحيانا تشعر بالحزن لأنها إبتعدت أيضا عن شقيقها ولكن كلما يخطر على عقلها أنه أيضاً لم يقم بزيارتها مثله كباقي العائلة وأنه يكتفي بمكالمة هاتفية لا تتعدى الدقائق المعدودة يسأل عن أحوالها في رتابة يتحول حزنها لغضب ، فيبدو أن ذاك المنزل أفقدها شقيقها كما حرمها من والداها ، يزداد مقتها أكثر وأكثر لتلك العائلة .
ألقت بفرشاة شعرها بحنق ، فهي تشعر بالملل ، فجلوسها لأيام متتالية في المنزل يشعرها بالإختناق فقد منعها أدهم من الخروج لحين هدوء الوسط أي وسط يقصد هي حتى لا تعلم ولم تحاول أن تعرف كما أنها لم تحاول أن تعترض على عدم خروجها وعصيان كلامه رغم أنها تستطيع وتعلم أنه سيسمح لها لا تعرف لما تشعر بذلك ولكن تشعر أنه يتفهمها بشكل يخيفها ، فهو يتخلل لداخلها دون إرادة ، وهي تخشى وتخاف ، ولكن ليس منه بل عليه ، فبداخلها نيران سيأتي يوما وتندلع وأول من سيصاب في تلك النيران هو ، وهي لا تريده أن يتأذى .
جذبت شعرها بعنف غاضبة من حالها ، فهي تقضي يوما في التفكير به ، فكيف لا تفعل وهو لم يحاول الإقتراب منها بل أعطاها مساحة خاصة بها ، يأتي يوميا للمنزل يطمئن عليها ويجلب الطعام ثم يرحل في ليال .. وليال أخرى يدلف لغرفته كهذه الليلة ، يدلف لغرفته تاركا إياها تدلف لغرفتها الخاصة ولا يحاول حتى أن يجتذب الحديث معها ، تفهمه هذا يغضبها ويثير حنكها .
ألقت بنفسها فوق الفراش ولكن لشدة غضبها لم تنتبه وسقطت أرضا لتصرخ عاليا من الألم .
في مثل هذه الحالة بدل البكاء من الألم وجدت نفسها تضحك ، فيبدو أن أعصابها حقا قد تٓلفت ، في حين محاولتها للوقوف وجدته يفتح باب غرفتها بقوة وسرعة ويقف أمامها يطالعها بلهفة قائلا بخوف :
_فيكي إيه ؟ مالك ؟
وقفت بإضطراب فهذه أول مرة تقف أمامه بملابس بيتية وأيضا بشعرها ، فهي كانت تتعمد أن ترتدي ما يستر جسدها وتغطي شعرها أيضا ، ولكن الآن ....
_أنا كويسة ، كل الحكاية إني وقعت على الأرض .
نظر لها بتفحص بعد أن هدء خوفه قليلا ليتفاجأ بهيئتها ، فكانت ترتدى إحدى البيچامات يصل بنطالها لفوق الركبة بقليل كاشفة عن ساقيها بالإضافة إلى ذراعيها ، وأما ما جعله يذدرف ما في جوفه بتوتر هو شعرها فقد كان قصير يصل لعنقها ملمسه ناعما لونه كلون البندق .
لاحظت هي نظراته لتضطرب أكثر وتمر من جانبه قاصدة الهروب من أمامه لدورة المياه داخل الغرفة ولكنه أمسك ذراعها يمنع تقدمها .
وقفت تنظر له بتوتر ليهمس :
_لو هربتي دلوقتي مش هتفضلي تهربي طول العمر ، هييجي عليكي لحظة وتدركي إنك لازم تواجهي .
_عارفة ... لكن المواجهة لازملها إستعداد .
أنهت حديثها محاولة جذب ذراعها ليجذبها بقوة فإلتصقت به بينما هو حاوط خصرها بيده مردة بحنان :
_ إستعدي لكل حاجة بس وإنتي معايا وإنتي في حضني .
نظرت له بقلة حيلة مردفة بألم :
_ علشان أبقى في حضنك لازم حاجات كتير تتغير أولهم إنك متبقاش أدهم حمدي الدمنهوري هتقدر تغير حاجة زي كده ؟ إنت متعرفش حاجه ومش هقدر تفهمني متعذبنيش.
مد أنامله وحاوط وجهها ناظرا بعينيها لبعض الوقت تمنى كلاهما أن يتوقف الوقت ولا يمر ويحتفظوا بتلك النظرات فقط ، ولكن وجب الحديث :
_جايز مقدرش أغير إسمي لكن أقدر أفهمك .
_متقدرش ..قولتلك متقدرش .. انت مش عارف حاجة ، انت زيك زي أي رجل عاوز توصل لهدفك وبس ، بتضحك عليا بكلمتين فاهم إني هترمي في حضنك وأقولك أيوة إنت بطلي إنتشلتني من السواد إل جوايا وبحركة سحرية منك نسيت أوجاعي ، لكن لأ يا أدهم أنا جوايا حاجات أكبر من سحرك ، أنا خايفة عليك إفهم بقى وإبعد صدقني إنت أكتر واحد ممكن تتأذي .
صرخت وبغضب تحدثت ولكنه لم يهتم بل إحتضنها بقوة مانعا إياها من الحركة مردفا:
_ أيوة هتترمي في حضني ، أيوة هنسيكي وجعك ، إنتي قولتي إل جواكي أكبر من سحري لكن أنا بقولك أنا مش ساحر ، أنا عاشق ، أنا بحبك يا حور ، قولتهالك وهقولهالك وهفضل أقولها أنا بحبك ، من أول ما شوفتك بنت قوية مش بتخاف وقفت ضدي لصالحي ، مافيش رهبة في عيونها ولا إنكسار ، أنا عشقت تفاصيلك ، كنت هتجنن من علاقتك بعبد الرحمن حتى بعد ما عرفت إنه أخوكي بغير منه ، لما كان يحضنك أحس النار بتاكل جسمي ، حور إنتي قولتي أكبر من السحر مش الحب لأنك عارفة إن الحب يقدر على كل حاجة ، بس إنتي خايفة تعترفي بالحب ده بتحاولي تطمسي أي ملامح ليه .
لم تبتعد عن أحضانه بل خبأت رأسها في كتفه وهو مرحبا بها وشدد من إحتضانه لها أكثر ليسمع همسها الضعيف :
_ لازم أطمسه لأنه للشخص الغلط.
تصلب جسده فأبعدت رأسها ونظرت إليه مسترسلة :
_ ملامحك جذبتني ، شخصيتك سيطرت على عقلي ، لأول مرة في حياتي رجل يشدني ، كنت متخيلة إني عمري ما هفكر ولا هحس بالمشاعر دي ، كنت فاهمة إن الحب إل كان بين أمي وأبويا مش هيتوجد تاني ولا هيبقاله مثيل ، وأنا مينفعش أعيش مشاعر أقل من الحب ده ، وطالما مستحيل أقلاقيه يبقى خلاص ، لغاية ما مرة بعد مرة لقيت نفسي بفكر فيك ، كنت غضبانة من نفسي ، روحي مرهقة ، مش عاوزة أحب حد أنا ولا أتحب عاوزة أعيش حياتي لوحدي معايا شغلي وبس ، إنت ليه دخلت حياتي ، فاكر يوم ما ضربتك بالقلم ، بعدها أنا تعبت وأنت مشيت ، عارف أنا في اللحظة دي كنت أدركت إنت مين ، بعد ما كنت بضربك وأنا جوايا سعيدة بالنار في عيونك ، حسيت لحظتها إن قلبي هيقف لمجرد التخيل إن إل جوايا جواك إنت كمان ، لكن في لحظة واحدة كنت من سابع سما لسابع أرض لما طرأ إسمك في بالي ومقدرتش أستوعب إن الإنسان الوحيد إل كان عندي إستعداد أتنازل عن مبدأ الوحدة علشانه يبقى أكتر إنسان غلط إني أقرب منه .
أنهت حديثها المنهك وحاولت أن تتخطاه فلم تعد قادرة على الوقوف ولكنه منعها ولكن تلك المرة لم يحتضنها فقط بل ترك لنفسه العنان وقام بتقبيلها.
كان يريد أن يخفف ألمها ..أن يهون أوجاعها ..يريد أن يحفر إعترافها المطمس بقلبه ، يريد أن يزيل دمعاتها ، لم يجد طريقة سوى تلك ، فأحيانا فعل واحد يقتصر الكثير من الحديث .
في باديء الأمر تفاجأت ولكن على عكس توقعاته لم تقاومه بل تمسكت به وكأنها تطالبه بإنتشالها من الغرق ، تناشده أن ينقذها من نفسها ومن ألمها وهو خير مجيب .
كانت لهفته تزداد أكثر وأكثر بداية من سكونها بين يديه ثم إستجابتها مرورا بتجاوبها المتلهف.
لم يعلم ما عليه أن يفعل ، يخشى أن تنجرف معه في لحظة ضعف منها ، يريد أن ينفي بداخله أن تلك اللحظة ما هي سوى لحظة إنهيار وضعف ، يريد تصديق أنها ترغب به كما يرغب بها .
أبعد نفسه عنها مجبرا ليستطيعا التنفس جيدا مسندا جبهته فوق خاصتها متحدثاً بأمل :
_ حور ..متبعديش ، طول ما إحنا مع بعض هنقدر نتخطى أي حاجة ، أنا هفضل جمبك لما كل ألمك ووجعك ينتهي .
أغمضت عيناها بقوة علها تهدأ من ثوران مشاعرها وأردفت :
_ وجعي هينتهي بموت والدك ، متأجبرنيش أقول كلام مينفعش أقوله ، صدقني يا أدهم أنا بحميك أنت .
أمسك ذراعيها بعنف محركا إياها قائلا بغضب :
_ أنا مش عاوزك تحميني ، أنا عاوزك تسيبيني أحبك ، مش عاوزك تفكري إزاي تبعدي عني علشان متأذاش ، أنا عاوزك تحبيني وتعيشي الحب ده ، أنا عارف إن الطريق صعب ، فاهمك والله أنا عارف كل حاجة عملها في والدتك .
إبتعدت بقوة من بين يديه مصدومة مما قاله ليسترسل هو بآسف :
_ أنا شوفت مذكرات والدتك وقرأتها ، عارف وفاهم كل حاجة جواكي ، متأكد إنك عاوزة تنتقمي منه وجوايا إحساس إنك هتعملي كده في يوم من الأيام ، لكن عندي أمل إن حبي ليكي يشفعله وتنسيه وتخرجيه من حساباتك ومن حياتنا .
أنهى حديثه يشعر بالألم عليها فوجهها الآن يحاكي أوجه الموتى ، كان يحدق بها منتظرا لرد فعلها ليتفاجأ بتقدمها السريع وكف يدها يرتفع من أجل لطمه ، لم يتحرك أو يحاول منعها بل وقف ثابتا يستقبل ذلك بصدر رحب ، لكن هي من تراجعت في آخر لحظة وظلت تلكمه في كتفه وصدره بإنهيار وبكاء ، علت شهقاتها إلى الحد الذي جعله متيقن أن أنفاسها سوف تنقطع لا محالة ، أيقن أن إنهيارها ذاك لن يمر هكذا وبالفعل لم تمضى سوى دقيقة وشعر بتراخي يدها وسقطت مغشياً عليها ولكن في أحضانه .
حملها برفق ووضعها فوق الفراش ، ثم جذب منديلا ورقيا ونثر عليه بعض العطر وأخذ يمرره فوق وجهها إلى أن إستعادت وعيها .
وبالرغم من أنها فتحت عيناها إلاوأنها لم تقدر على الحركة أو التحدث ليردف هو بندم :
_أنا آسف ، أنا عارف إن ده مش حقي ، لكن أنا عرفتكم لما شوفت الصورة وكنت عاوز أفهم إختفيتوا ليه ، أنا قرأتها وإتألمت مع كل كلمة فيها لكن كل حرف خلق جوايا مشاعر مميزة ، لما أغمض عيني وأحس بالمشاعر دي صورتك تيجي قدام عيني ، أنا عارف إن ألمتك لكن كان لازم أعترفلك بذنب غير مقصود ، لأني ناوي أكمل حياتي معاكي ، ولو كان وجودي معاكي ذنب أنا هعمله وأنا قاصد وفاهم ، لأني بحبك ومعنديش إستعداد أخسرك أو أسيبك تبعدي عني ، إستسلمي لحضني زي ما أنا مستسلم لحبك وبتمنى حضنك وقربك ، متبعدنيش عن طريقك ، لأنه حتى لو كان مليء بالشوك هو ده طريقي وبإختياري.
أنهى حديثه ووقف منتويا الخروج ليتركها تنام ولكنها جذبت كف يده لينظر لها بتعجب وبداخله أمل لتهمس بصعوبة :
_ مش قولت مش هتسيبتي .
كانت جملتها إشارة له ليصعد بجانبها جاذبا إياها لأحضانه مغمض العينين قرير القلب بقربها بينما هي تشعر بأنها بحاجته ، يخبرها قلبها أنها وصلت لنقطة في حبه لا عودة منها ، بل عليها الإستسلام ومجاراة الموج .
إلتصقت به أكثر فشعر بها ليتقول بخفوت :
_ خايف أقرب أهد الأمل .
رفعت رأسها تنظر له بعيون نعسة متألمة وأردفت :
_ إنت إخترت الطريق ده وأنا حاولت أبعدك .. حاولت أحميك ، لكن إنت رفضت الحماية دي ، فأنا بقولك أهو لو ناوي تسيبني في نص الطريق ، لو هتتخلى عني في يوم يبقى من دلوقتي أحسن ، أنا مش هقدر أتحمل ألم بعدك بعد ما أتأقلم على وجودي في حضنك .
ظلت منتظرة إجابته عن حديثها وهو يناظر عينها بحب وحنان ليجذبها أكثر جاعلا منها زوجته قولا وفعلا ليشرح لها ولكن بطريقة خاصة طريقة الغرام واللهفة بأنه لم ولن يتركها أبدا .