رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل السابع 7 بقلم رانيا عثمان البستاني


رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل السابع 

أن تنجرف مشاعرنا بإتجاه الرياح دون هوادة لهو الهلاك الحتمي .

أن يجعل الإنسان من شخص آخر محورا لحياته لهو أقصى مراحل العشق .

عام ٢٠٢٠ /

تململت في نومها بسبب شعورها بحاجة الدلوف لدورة المياة نظرت في ساعة هاتفها لتجد أن التوقيت يشير إلى ما بعد أذان الظهر بقليل ، تعجبت لذلك فهي استغرقت في النوم دون حركة ، ودون إرادة منها ذهبت ذاكرتها لأول يوم تستيقظ بين أحضانه :

 عام ٢٠١٨/ 

مر الليل عليهم يعترفون لبعضهم البعض بمشاعرهم دون التفوه بكلمة تاركين لغة العيون والجسد تتحدث .

إستيقظ من نومه وشعور لذيذ مريح يتخلل حواسه ، لا يصدق أنهم إتحدا أخيراً ، نظر بجانبه تحديدا فوق ذراعه ليجدها تغط في نوم عميق وعلى وجهها إبتسامة رقيقة فحاول جذب هاتفه الذي وضعه فجراً فوق الكومود بجانب الفراش وفتحه سريعا في خشية وكأنه يسرق شيئا ما ثم شرع في إلتقاط عدة صورة لها ، بينما هي لا تشعر بشيء وإنما كانت تغوص في أحلامها.......

كانت تعدو بخفة تحاوطها الحقول الزراعية بآمان يتمثل في والدها الذي يعدو خلفها قائلا بمرح :

_ همسكك يا حور 

علت ضحكاتها مردفة بطفولية:

_ مش هتقدر يا بابا أنا أسرع منك .

.....

كان جالسا أرضا يحتمي في ظل شجرة كبيرة تحوي فاكهة البلح وبجانبه إناء كبير يحوي فاكهة البلح وأيضا الموز وهي وشقيقها يمرحان حوله ويأتيان له يطعمهما بيده من الفاكهة ليعودا لمرحهم مرة أخرى .

....

تلك الأرجوحة التي صنعها خصيصا من أجل زهرته محبوبته أجلس عليها نبتتي عشقه وظل يؤرجحهم وضحكاتهم تملأ المكان من حولهم .

تململت في نومها فعلم أدهم أنها على وشك الإستيقاظ فتصنع النوم سريعا ، كان يخشى عينيها ، لا يريد رؤية الندم بهما ، وأيضاً لا ينكر أن بداخله يريد معرفة ما ستفعله.

ثوان وصدق حدسه وفتحت عيناها وما زالت الإبتسامة على ثغرها مما جعلها تتعجب من شعور الراحة الذي أثرها فهي منذ سنوات لم تذق مثل هذه الراحة ، حركت رأسها لتقع عيناها عليه لتتسع إبتسامتها دون إرادة منها وفي هذه اللحظة بالتحديد علمت أنها عشقته وليس مجرد رجل يجذبها أو أنها تكتفي بشعور الحب ، فما بداخلها له شيء أعمق وأقوى بكثير ،وبالرغم من لذة هذا الإحساس إلا أن إنقباضة قلبها أشعرتها بالخوف .

إقتربت منه أكثر محاولة أن تحفر ملامحه بعمق داخلها للمرة التي لا تعلم عددها ، فهي بداخلها تصدق أن يوما ما لن ترى تلك الملامح .. أن ذلك القلب الذي ينبض تحت كف يدها بجنون مستشعر وجودها لن ينبض عشقا لها كما كان تلك الليلة ، هذه الليلة التي سوف تظل تتذكرها لآخر عمرها .

خرجت منها تنهيدة تحمل أعباء أفكارها ، حاولت النهوض علها تنعش رأسها بالماء البارد فتستطع بعد ذلك أن تفكر بشكل سليم بعيدا عن تأثيره عليها ، لتقع عيناها على تلك العلامة المميزة تحت كتفه من الأمام ، ما إن تيبست عيناها فوق تلك العلامة حتى شعرت بالغثيان ودون شعور منها حفرت أصابعها في جسده وكأنها تود أن تقتلعها .

فتح عينيه يناظرها بتعجب تحول لصدمة عندما رأى دموعها تهبط في صمت ونظرات الكره والتقزز تملأ عيناها .

_للدرجة دي ندمانة وقرفانة مني ؟

خرج سؤاله المصدوم المتألم ليفيقها من بئرها المظلم فتبتعد عنه سريعا كمن لدغتها أفعى تنظر له ولألمه الظاهر في عينيه تارة وأخرى لآثار يدها فوق تلك العلامة بصدمة .

كانت جالسة فوق الفراش بينما هو مازال نائما لم يقدر حتى على الحركة من قوة الصدمة بينما هي حاولت التهرب من عينيه ووقفت سريعا منتوية الفرار من أمامه ليجذبها سريعا ببعض العنف الغير مقصود متسائلا بنبرة قوية ولكن يشوبها الألم :

_ ردي عليا ندمانة ؟

_لأ ... قرفانة .

خرجت إجابتها سريعة دون التفكير في عواقب تلك الجملة السامة ليقف سريعا مبتعدا عن الفراش ، يشعر بأن قلبه قد طعن وأن روحه ستغادره من شدة ألمه .

جذب ملابسه وما إن إقترب من الباب سمع همسها :

_ أدهم .

دونا عن إرادته توقف جسده مقاوما له ، فهمسها الضعيف بإسمه تغلغل روحه ، ولكن جرحها لكبريائه ورجولته أقوى من أن يتنازل لذلك حاول جعل صوته متزنا مردفا :

_ أنا آسف إني وصلتك للإحساس ده ، أوعدك مش هتتكرر .

أمسك مقبض الباب من أجل الخروج ليسمع صوت تهشم زجاج ، نظر لها بصدمة ليجدها قد ألقيت قنينة المياة الزجاجية أرضا بكل قوة تهشمت ولكن صوت شهقاتها الذي يعلو مرة تلو الأخرى حتى أصبح نفسها ثقيل أجبره على العودة لها ليجذبها لأحضانه دون حديث .

إستمر بكاؤها لمدة دقائق حتى هدأت قليلا فأبعد رأسها ناظرا في عينها باحثاً عن إجابة لتلك التخبطات .

توقع رؤية كل المشاعر الممكنة بعينيها إلا تلك النظرات التي أغشت بؤرتيها.

كانت تنظر له بلهفة وشوق ، أجبرته نظراتها على الإقتراب منها وتقبيلها عله يخفف ألمها .

وبالرغم أنه يعلم بأنه يخاطر بما تبقى وإن تبقى من كرامته قبلها بحب وشغف ، ولأنه يعلم جيدا أنه سيندم إن واصل الإقتراب إبتعد عنها دون التفوه بكلمة ولكن توقف في منتصف الغرفة قبل أن يهرب بعيدا عندما إستمع لجملتها المتألمة :

_ هو كمان عنده نفس الوحمة دي .

لم تكن ترغب في الحديث ، تعلم أنها إذا أفضت مكنونات داخلها سوف تجرحه وتؤلمه عندما يستمع لحديثها ، ولكن هذا أفضل من أن تطعن رجولته وكرامته لذا إسترسلت حديثها بعد أن رأته ينظر إليها متسائلا :

_غصب عني لما شوفتها إفتكرته ، غصب عني قرفت ، لكن والله مش منك .

إقترب منها وجلس بجانبها بعد ما فطن عما تتحدث فهو يعلم أن تلك العلامة موجودة عند أبيه وقد ورثها وشقيقتيه أيضاً ، لذا تمهل في الحديث يخشى ما ستقوله ولكن عليه الإستماع والتفهم هذا ما وعدها به ، لذا بكل ما يستطيع من هدوء تساءل :

_ شوفتيها إزاي ؟

نظرت له وعيناها تذرف الدموع مردفة :

_ أنا قولتلك هتتألم وهتتوجع ، قولتلك إبعد في أول الطريق ، أنا مش هقدر أعمل حاجة غصب عني هتتوجع مني يا أدهم ، دلوقتي إتألمت وكنت هبقى السبب يمكن في إنك تكره نفسك وكل يوم هتعيش الاحساس ده ، هقولك تاني لو مش هتقدر تمشي معايا الطريق ده سيبني دلوقتي أحسن ، أنا عارفة إن بعد إل حصل لا أنا ولا أنت هنبقى زي الأول ، بس على الأقل ألم دلوقتي أهون من بعدين .

ما إن أنهت حديثها حتى جذبها إليها يبثها عشقه وليذهب الندم إلى الجحيم ، لا بد له أن يخبرها بطريقة قاطعة أنه لن يتركها ولن يتخلى عن عشقها مهما كان طريقها شائكا .

.....

حبيبي فلتسمح لي أن أقول لك حبيبي ، فأنت من أعلن قلبي التمرد من أجله ، ولكن أستحلفك أن لا تجرحني ، أعلم أنني أبدو بذلك الطلب أملك من الأنانية ما يكفي لجعلك تسخر مني بل وتكرهني ، فأنا أطلب منك عدم جرحي وأخبرك في المقابل أني سوف أجرحك مرارا وتكرارا ، ولكن صدقني أن تلك الجروح سوف تمر على قلبي أولا قبل أن تمسك ، صدقني أنا أملك من المتاعب والألام بقلبي ما يكفي للموت ، ولكن جرحك أنت لي حتى الموت لا يكفي لشفائه .

نائمة في أحضانه تدفن رأسها في صدره بينما هو يمسد فوق ذراعها بحنان .

_ ممكن تجاوبيني على سؤالي ؟

خرج حديثه متخوفا لتضم نفسها له أكثر وتتحدث بخفوت :

_ شوفتها اليوم إل حاول فيه يعتدي على أمي ....

شعرت بتصلب جسده ولكنها إسترسلت حديثها وأخبرته ما أخبرت به سمية من قبل .

_يومها أنا معرفتوش لكن لما أنت جبتني للبيت شوفته وعرفته ، وعلى فكرة هو كمان عرفني أو على الأقل شك ، نظراته كانت بتقول كده.

لم يتحدث ولكن سرعة تنفسه كانت كفيلة لتعلمها كم يعاني مما سمعه ، فلم تستطع فعل شيء سوى إحتضانه أكثر وهو خير مرحب بها .

عام ٢٠٢٠/

وقفت وتوجهت لدورة المياه ثم وقف بعد ذلك تحت صنبور الماء ولم تهتم بنزع ملابسها بل وقفت كما هي تتساقط عليها المياة في حالة من اليأس والألم .

........

في منزل آل دمنهور /

العائلة مجتمعة ولكن الصمت يخيم على الجميع .

_حد عرف يوصل لأدهم ؟

تساءل وليد بقلق ناظرا لأحمد وصالح ليومأ إثنيهم بالنفي ، لتقف سمية متحدثة بقهر وألم :

_ هتفضلوا قاعدين كده وإبني مش عارفة راح فين ؟

_ هنعمل إيه بس ؟ إحنا دورنا عليه في كل مكان ومالوش أثر .

تحدث بها مازن بإنفعال فهو قد ضاق ذرعا بهم جميعاً.

_الله ينتقم من إل كانت السبب ، قتلت واحد وضيعت التاني .

متزعلش مني يابني بس أختك دمرت العيلة .

أنهت منار والدة صالح حديثها الموجهة لعبد الرحمن لتنهرها إبنتها الجالسة بجانبها بصوت خافض:

_ إيه يا ماما الكلام ده ؟ إحنا لسه متأكدناش إن حور هي إل قتلت عمو حمدي .

نظرت لها والدتها بحنق وهمست بنفاذ صبر :

_ بت إنتي هتفضلي خيبة لغاية إمتى ؟ من مصلحتك إن حور تتسجن في قتله لأن وقتها مستحيل أدهم هيبقى عليها والسكة تفضالك وإل معرفتيش تعمليه السنين إل فاتت تعمليه دلوقتي وهو في أضعف حالاته وتعلقيه بيكي ، شغلي دماغك دي شوية شاطرة بس ترفضي العرسان لغاية ما هتعنسي جمبي.

صُدمت سهر من حديث والدتها فلم يخطر ببالها ما تتحدث به ، حتى أنها لم تعد تفكر في أدهم بتلك الطريقة من الأساس فوجدت حالها تجيبها بدفاعية :

_ أنا مش قليلة أو ضعيفة علشان أقبل أو أستغل بعدها وضعفه زي ما بتقولي ، وبعدين أدهم بيعشق حور ومستحيل يبعد عنها زي ما مستحيل تكون حور قتالة قتلة ، دي دكتور ناجحة وطيبة جدا إنتي متعرفيش حور دي ساعدتني قد إيه وأنا بقى بصراحة مش مصدقة أي حاجه بتتقال عنها .

_يا خبتك في ولادك يا منار واحد راح جاب حية تعيش في وسطينا وواحدة هتفضل زي البيت الوقف .

نظرت سهر لشقيقها بيأس من حديث والدتها ليبادلها نظرات الإرهاق والملل.

_بعد إذنك يا خالو أنا هاخد ندى ونروح .

نطق بها مازن بجدية علم بها وليد ومن يعرف مازن جيدا أن تلك الأزمة بينه وبين زوجته مازالت قائمة .

لم تمهله ندى فرصة للحديث لتقف محتدة متحدثة بإنفعال : 

_ أنا مش راحة في مكان ، ده بيتي زي ما هو المفروض بيتك إنت كمان ، وبعدين يا أخي مافيش نظر مش شايف الظروف مش واخد بالك إن أبويا ده إل مات .

ترقب الجميع ما يحدث بعيون جاحطة فالموقف بينهم يتأزم مع مرور الوقت .

وقفت چورية تجذب ذراع شقيقتها منبه إياها بينما مازن ظل يناظرها قليلا قبل أن يقول بجمود :

_ علشان تعرفي إن عندي نظر خليكي قاعدة هنا عندك عالطول ، وأنا هروح بيتي .

رحل مازن غير مكترث لأحد ولكن بقلبه غصة مؤلمة لا يعلم هل ستُزاح تلك الغيمة السوداء من داخله يوما ما .

بينما في الداخل صعدت ندى لغرفتها هاربا من نظراتهم وحديثهم وتبعها الفتيات من أجل مواساتها.

إقترب جاسر من عبد الرحمن وسأله:

_ إنت روحت إطمنت على أختك ولا زيك زيهم صدقت إنها قتلته ؟

نظر له عبد الرحمن بضياع وأردف بعد برهة:

_ في حاجات كتير يا جاسر إنتوا متعرفوهاش.

_والحاجات دي تخليك تصدق إن حور مجرمة ؟

نظر عبد الرحمن لمؤيد المتداخل في الحديث وأردف بشرود :

_ الحاجات دي تخليني أنا أشك في نفسي مش في حور بس .

نظر أمامه بشرود وظل يتذكر ويسترجع ذكرياته مع شقيقته وخاصة آخر سنتين .

عام ٢٠١٨ /

يقف أمام باب منزل أدهم وحور هو وأحمد وصالح الذي أخذ يتذمر متأففا:

_طيب أنتوا وجايين تزوروا أختكم جايبيني معاكم ليه ؟ إيه قلة الذوق بتاعتكم دي ماهي كده هتتحرج مني ومش هتبقى واخدة راحتها في الكلام .

نظر له إثنيهم وعلى وجههم إبتسامة لتبرق عين صالح بفهم ليقول بصدمة :

_ إنتوا قاصدين ده ، عاوزينها متاخدش راحتها في الكلام ليه ؟ هببتوا إيه منك ليه ؟

حك أحمد رأسه بحرج وأردف :

_ أنا من يوم كتب الكتاب معرفش عنها حاجة تقريباً غير إل بسمعه منكم ، ومكلمتهاش حتى في التليفون ولا مرة وبصراحه محروج منها بس والله كان في مشكلة بيني وبين چورية منكدة عليا ده غير المأمورية الأخيرة .

_كل دي حجج يا أستاذ وإنت لولا عارف كده مكنتش تبقى محروج كده ، وإنت يا دكتور عملت إيه ؟

أنهى صالح سؤاله بسخرية ليتحدث عبد الرحمن بخفوت :

_ أنا بكلمها كل يوم لكن المكالمة تعتبر تقضية واجب مش أكتر ، تقريباً أكبر مكالمة كانت خمس دقايق ، أنا عارف إني بعدت عنها الفترة الأخيرة تحديدا من يوم ما إجتمعنا في البيت ده ، وهي حاسة بكده ، لكن أنا حاسس إني ضعيف أوي في حاجات يمكن مقدرش أقولهالكم لكن قدام نفسي حاسس إن لازم يبقى ليا رد فعل تاني ، خوفت مشاعري دي تتعرى قدامها .

_وتفتكر هي مش فاهمة وعارفة كل إل أنت بتقوله ده ؟

كانت السخرية تقطر من حديثه للدرجة التي جعلت عبد الرحمن ينظر له بسخط وأردف :

_ بصراحه بقى أدهم قالي أبعد الفترة دي وأنا لقيتها فرصة .

_أه أدهم المكار عاوز ميبقاش في وشها غيره ، لأ لعيب برده. 

ضحك أحمد في نهاية جملته ليوأد صالح ضحكته بحديثه الشامت :

_ طب وريني بقى إنت وهو هتعملوا إيه لما يلاقيكم قدامه من غير علمه .

أخذ يطلق صوت صافرة من فمه مستمتعا بنظراتهم الحانكة صاعدين الدرج كلا منهم يفكر إستجابة حور لرؤيتهم.

أخذ أدهم يتململ وهي بأحضانه ، فصوت طرقات باب المنزل تعلو شيئا فشيئ إلا أن إستيقظا كلاهما .

_إنت مستني حد ؟

نطقت حور بتساؤل فهي منذ إنتقالها لهذه الشقة لم يزورها أحد ليجيبها بنفي :

_لأ ...هقوم أشوف مين .

طبع قبلة فوق رأسها وإرتدى منامته سريعا وخرج من باب الغرفة مغلقها خلفه وهو يتحدث بصوت عالٍ نسبيا :

_ طيب ...

توقف الرنين وما إن إقترب فتح الباب سريعا ليتحدث ثلاثتهم في ذات الوقت :

_ مساء الخير .

نظر لهم أدهم بحنق وأردف بصفاقة:

_ في حد يزور حد من غير ميعاد وقبل ما يستأذن ؟

نظر له ثلاثتهم بحنق ليتحدث صالح بإستفزاز:

_ تصدق إنت حلال فيك الزيارة فعلا .

_هو إحنا جبنا في وقت مش مناسب ولا إيه ؟

نطق بها أحمد بإبتسامة بلهاء ليجد كف عبد الرحمن تلكمه في ظهره متحدثا من بين أسنانه :

_ لم نفسك إنت بتتكلم عن أختك .

نظر له أحمد بملل مردفا:

_ ياعني هو أنا بسأل مين ده جوزها ، وبعدين أقعد بقى بخيبتنا أنا وأخت الأستاذ مطلعة عيني ومصممة كل حاجة في الشقة تتغير وده معناه إن ميعاد الفرح مش دلوقتي ، وإنت وسلمى رافضة تطلع من البيت وسيادتك مصمم تخرج تعيش بره مش عارف ليه مع إنه بيتك ؟

نظر له عبد الرحمن بصدمة وأردف:

_ إنت عرفت الكلام ده منين ؟

نظر له أحمد بغرور مصطنع مردفا:

_ إنت ناسي إني ظابط قد الدنيا ولا إيه ؟ وبعدين العيلة دي أنا عرفتها كويس وما شاء الله النكد بيجري في دمهم .

_تصدق إنك مهزق .

أنهى صالح جملته ثم نظر لأدهم الذي تشتعل عيناه غضبا وأردف بسماحة :

_ هنفضل واقفين على الباب ولا إيه يا أدهومة ؟

كانت نظراته كفيلة لتجعلهم يبتسمون في توتر ليتحدث أحمد سريعا:

_ متنساش إن سلاحي الميري معايا ، هقولهم خاطف أختى وكنت بنقذها.

_هو أنت غبي ، خاطفها إزاي وهي مراته ؟

نظر أحمد لعبد الرحمن وأردف :

_ والله أنت مش جدع بدل ما تقف في ضهر أخوك ، أصلك متعرفش الأستاذ ال واقف قدامك ده قدم على القوات الخاصة وقبلوه للياقته البدنية العالية لكن طبعاً حضرته إنسحب ومسك شغل العيلة زي ما أنت شايف ، ياعني لكمة واحدة منه وقول على نفسك يا رحمن يا رحيم.

_هتفضلوا ترغوا كتير ولا هتتدخلوا بدل ما هقفل الباب في وشكم .

ما إن أنهى أدهم حديثه حتى وجدهم ثلاثتهم بالداخل جالسين فوق الأرائك كأطفال مهذبة .

بالداخل سمعت حور صوت شقيقيها فإرتدت ملابسها ومن فوقها ملابس الصلاه (الإسدال) تحسبا لوجود أحد آخر وقد صدق حدسها عندما خرجت ووجدت صالح أمامها .

ألقت السلام عليهم ثم جلست بهدوء بعيدة نسبيا عنهم .

لاحظ أدهم تلك الفجوة بعينيها فأردف:

_ تعالى يا صالح معايا نجيب عصير من جوة .

نهض صالح من مكانه منتويا الدلوف لتقف حور متحدثة بإحترام :

_ خليكوا إنتوا ، ثم رحلت من أمامهم ليقف عبد الرحمن ناظرا لأدهم الذي أماء له إيجاباً مشجعا ليدلف ورائها .

ما إن خطت قدماه للداخل وبينما هي تحضر الكؤوس تحدثت :

_ تعرف الفترة إل فاتت دي إفتكرت ماما الله يرحمها كتير ، كانت دايما تقول هييجي اليوم وكل واحد فيكم هيبقاله حياته الخاصة ، حياة مع نصه التاني بس أوعوا لما ييجي اليوم ده تبعدوا عن بعض ، بلاش مشاغل الحياة دوامة أفكاركم تشغلكم عن بعضكم ، إفتكروا دايما إنكم أكتر من توأم ، أنتوا نفس واحد ودم واحد وروح نبيل فيكم ، بس يظهر إنك نسيت .

_حور أنا ...

حاول التحدث ولكن قاطعته مسترسلة:

_أنا مقصدش بعدك أو إتصالك الروتيني ، أنا هنا بتكلم عن هروبك مني ، أنا فاهماك يا عبد الرحمن ، عارفة إنك خايف من نظرتي فاهم إني هفتكرك عاجز وضعيف ، لكن أنا شايفاك قوي يمكن أقوى مني ، إنت بتقابله وتتعامل معاه وبتبقى معاه في نفس البيت وبتقدر تواجهه وتتعايش مع وجوده ، إنما أنا فوجوده بيعملي إضطراب ، لما أشوفه بحس بروحي بتنسحب مني ، إنت مش ضعيف يا عبد الرحمن ولا أنا هشوفك ضعيف أبدا ، إنت من حقك تعيش حياتك بالشكل إل ترتاح فيه ، فاهمة إنك حبيت سلمى وعاوز تبدأ معاها طريق جديد ....حياة بعيدة عن المشاكل وأشواك الماضي وصدقني بتمنالك تعيش الحياة إل تتمناها .

_ وإنت يا حور ، ناوية تعيشي حياتك ولا هتفضلي حابسة نفسك جوة قوقعة الماضي ؟

نظرت له قليلة ثم إبتسمت مردفة :

_ لسه من ثواني قايلالك كل واحد حر يعيش بالشكل المناسب ليه .

_وأنتي الشكل المناسب ليكي إنك تقفلي على نفسك وتهربي من حياتك مع أدهم علشان أطلال وإنتقام هيهلكك ، الأول كان عندي إستعداد أنتقم من كل واحد في العيلة دي ، لكن يا حور ال كانت السبب في كل حاجة ماتت ، وبالنسبة للقذر إل إسمه حمدي فلو إتكلمنا أو حاسبناه على عمايله مع ماما فده مش هينفعنا في حاجة ، لأن ببساطة الكلام عنها هيوجعنا ، عيشي حياتك مع أدهم يا حور ، أدهم بيحبك وهيقدر ينسيكي كل حاجة .

إمتدت يدها تناوله كؤؤس العصائر وسألته مباشرة :

_ علشان كده إنسحبت ، علشان أصدق وآآمن إن مافيش وماليش غيره وأأقرب منه ، وفكرك إني لو قربت ودوقت حلاوة حبه يبقى كده خلاص ، تعرف يا عبد الرحمن المشكلة فين ، المشكلة إني فاهمة وبتفهم كل شخص حواليا لكن محدش قادر يفهمني ولا يعرف جوايا إيه .

نظر لها بإستفسار نطقه لسانه:

_ ياعني مشاعرك لأدهم مش كفيلة تخليكي تبدأي حياة جديدة ، بلاش تبقي أنانية يا حور أدهم ميستاهلش منك الوجع ؟

بعيون دامعة أردفت :

_ إنت ناسي أدهم يبقى إبن مين ؟ عاوزني أنسى بيه وبحبه أكتر حاجة هفضل فاكراها كل ما أبصله ، حب أدهم ده كفيل يدمرني ويحيني ويموتني ، حبي ليه كفيل يبقى لعنة عمري ، إنت عارف معنى إني أحب إبن أكتر شخص بكرهه وأتمنى موته وقبلها كل حاجة وحشة ممكنة في الدنيا تحصله ، إنت متخيل عذابي وأنا بتمنى قرب أدهم وفي نفس الوقت عاوزة أبعده وأهرب منه ، بلاش تحكم عليا يا عبد الرحمن ، مش هطلب منك تفهمني لكن بطلب منك متحكمش عليا ، وبالنسبة لأدهم أنا مصدقة ومؤمنة جوايا إن هييجي يوم من الأيام وهيبعد ، ورغم قربنا ورغم المشاعر إل بتتكلم عنها دي إلا إن الألم هيبقى أشد .

دلف أدهم تزامنا مع جملتها الأخيرة ليرمقها بعتب تجاوزته هي وأبعدت ناظرها عنه ليردف عبد الرحمن:

_ أنا هخرج العصير بره .

إقترب أدهم منها محتضنها ليصبح ظهرها مقابل لصدره وهمس في أذنها :

_ بحبك ..بحبك ومش هسيبك مهما يحصل سامعة .

خفق قلبها بشدة فواقع كلماته أثرت كل حواسها .

_أدهم 

نطقت بها في ولهة ليديرها جاعلا وجهها يواجهه وأردف :

_ عارف إن الطريق بينا لسه طويل بس صدقيني مهما أقع هفضل متمسك بيكي .

أنهى حديثه مقبلا عينها اليسرى ثم جانب شفتيها وإسترسل :

_ خلينا نخرج للمجانين إل بره دول وبعدين هقنعك وأثبتلك إني مش هسيبك بطريقتي .

أنهى حديثه بعبث جعل حمرة الخجل تزحف لوجهها بينما مشاعرها إتجاهه تدغدغ داخلها .

في الخارج /

إرتشف ثلاثتهم أكواب العصير ليتحدث صالح من بين أسنانه :

_ عاجبكم الموقف ده أنا غلطان إني جيت معاكم وسمعت كلامكم ، والله أدهم ليه حق يجري وراكم بالكرباج .

ضحك أحمد وأردف :

_ بصراحة كنت فاهم إن أدهم أسد وسي السيد في نفسه، بس طلعت حور مسيطرة .

_طب خلي بالك بقى من نفسك للأسد يعضك .

قالها أدهم بتهديد ليضحك عبد الرحمن وصالح بشماتة بينما حور كانت تنظر ليده المحاوطة لكفه حتى أمامه يرفض تركها ، شعور لذيذ يسري في عروقها .

_طبعا أنتي زعلانة مني وليكي الحق ، بس أنا قولت أبقى عندي إحساس وأسيب العرسان لوحدهم ، بالك أنتي لما چورية قلبي تحن عليا وتقبل نحدد ميعاد الفرح ونتجوز مش عاوز أشوف وش أي حد نهائي ، سيبوني بقى أخد فرصتي .

أمسك أدهم علبة المناديل الورقية التي أمامه فوق الطاولة وألقاها في وجهه متحدثا بغيظ :

_ ما تحترم نفسك يا بني آدم .

_مراتي ياحبيبي عندك إعتراض ، إنت المفروض تبقى فرحان بلهفتي على أختك بس أنت هادم اللذات.

وقف سريعا يتجنب سلسلة المفاتيح الذي ألقاها أدهم في إتجاهه لتعلو ضحكات صالح بشماتة بينما عبد الرحمن يراقب نظرات حور لأدهم بأمل .

مر الوقت ووقف الثلاثي من أجل الرحيل ووقف أدهم يودعهم بينما حور دلفت لوضع الكؤوس الفارغة في الداخل .

هبط صالح ومعه أحمد بينما عبد الرحمن وقف يحادث أدهم قائلا :

_ حور مشتاقة لبابا ، إحنا إتربينا على حبه وحنانه ، أمي كانت تقول إني أقرب لقلبها لأني شبهه وإنه كان بيحب حور ومتعلق بيها لأنها شبهها، فحور عاشت حياتها كله تتمنى حنانه ، أنا بقولك الكلام ده علشان أوصلك إن حور محتاجة حنان أكتر من الحب .

تبسم له أدهم بتفهم فرحل داعياً لشقيقته بالراحة والسكينة .

دلف أدهم ليجدها قد إنتهت من غسل الكؤوس وتجفف يدها وما إن رأته تساءلت :

_ أدهم ممكن تقولي مانعني من الخروج ليه ؟

إبتسم أدهم وإقترب منها جاذبا إياها من خصرها متحدثا بمشاغبة :

_طب بذمتك إنتي حد يقدر يمنعك عن حاجة إنتي عاوزاها ؟

إبتسمت بدلال لم تعلم أنها تملكه ، فيبدو أنه قادر على إستخراج الكثير من المشاعر بداخلها .

رأي إبتسامتها فتحدث بلهفة :

_ضروري ياعني تعرفي ولا أنفذ كلامي وأثبتلك بطريقتي إني مش هسيبك .

علت ضحكاتها لتخترق قلبه بمتعة ليس لها مثيل ليقتطف شفتاها بقلبة شغوفة قبل أن يبتعد بعد مدة مردفا بحب :

_ عمري ما تخيلت أحب كده ولا قلبي يدق بالشكل ده .

جذبته ودلفت لداخل غرفتهما وهي تقول :

_تعرف إنك بتعذبني بمشاعرك دي .

جلست فوق الكرسي وجلس قبالتها لتسترسل :

_ إيه هي الأوضاع إل كان لازم أستنى لما تهدى علشان أخرج .

قطب حاجبيه وتحولت ملامحه للجدية فعلمت أن ما سيقوله يشعره بالإنزعاج .

نظر لها ثم بدأ في سرد ما حدث :

_ نوارة ماتوا .

شهقة قوية خرجت منها كرد فعل لما سمعته ليسترسل :

_ بإختصار نوارة كانت راحة تقابل أمين لقت معاه واحدة تانية ، ثارت وإتعصبت وإتخانقت معاه كانت الست التانية ال كانت معاه هربت ونوارة الجنون مسكها إنه بيخونها شوفتي السخرية ، وللآسف جوزها كان ماشي وراها وهي متعرفش إنه رجع من الشغل ودخل وسمع كل حاجة بينهم وسمع إعترافهم بكل خيانتهم ، فطبعا زيه زي أي رجل في الموقف ده حاول ياخد حقه ، أمين هرب في إتجاه الشارع ومقدرش يلحقه ونوارة هربت برده لكن لحظها طلعت على السطح وهو طلع وراها ومن خوفها منه رمت نفسها ماتت في وقتها ، طبعا الناس إتلمت والموضوع إتعرف والشرطة إتدخلت ، وحاليا أمين لسه هربان ، وأنا مش هخاطر بيكي وأنا عارف إنك هدفه .

_قد إيه الموقف صعب على أهلها.

نطقت بها حور بحزن ليردف أدهم :

_ راضي إدمر وعقله خف ، لأن زوج نوارة عرفه كل إل سمعه وطبعا عرف إنه ظلم مراته ، إنما أمه جالها جلطة .

حل الصمت لمدة دقيقتين لتقطعه حور متحدثة :

_ أدهم مش يمكن خروجي للشغل يبقى طُعم لراضي ؟

نهض أدهم من مكانه وأردف بعنف :

_ حور أنا مش هاخطر بيكي 

 

وقفت حور وإقتربت منه محتضنة خصره ليتصلب ظهره متأثرا بلمستها ، بينما هي لا تعلم من أين أتتها تلك الشجاعة للإقتراب منه بهذا الشكل ولكن كل ما تفكر به هو أنها تريد قربه .

هدأت من أنفاسها وأردفت بتعقل :

_ يا أدهم طول ما أنا مش بخرج هو مش هيخرج لأن يظهر بشكل ما بيعرف تحركاتنا وبياخد حذره ، ياعني خروجي هيحركه ، وطبعا هيحاول يقرب مني ووقتها يبقى وقع في الفخ برجليه لأني طبعا عارفة ومتأكدة إنك مش هتسيبني كده ، بس أنا عاوزة أنبهك لحاجة بلاش تعرف حد ياعني كأن خروجي ده أمر طبيعي وخلاص وبلاش تتكلم مع أي حد في الموضوع ده.

أدار نفسه لمقابلتها وحاوط خصرها هو الآخر وأردف بتعجب :

_ ليه كل ده ؟ ليه تخرجي من الأساس وتعرضي نفسك للخطر ؟ وليه مش عاوزة حد يعرف ؟

وضعت رأسها فوق صدره تستمع بإنتشاء لصوت دقات قلبه وأردفت بهدوء :

_ لأن حق سلمى لازم يرجع ، أنا حاسة إن ذنبها طوق ملفوف حواليا لازم حقها يرجع ، ولأن أكيد إل بينقل تحركاتنا من حوالينا .

شعرت بتشنج جسده لتسترسل في محاولة للمزاح:

_ إحنا هنفضل نتكلم في الموضوع ده طول اليوم ، أنا جوعت على فكرة ، بسمع إنك طباخ ماهر ، ما تعمل الغدا أصل أنا مكسلة .

ضمها إليه بحب دافنا رأسه بعنقها مغمغما:

_ غالي والطلب رخيص .

............

عام ٢٠٢٠/

يقولون لا نستطيع معرفة قيمة الأشياء التي بحوزتنا سوى عندما نفقدها 

جالسة بصدمة جلية على وجهها ، عيناها لا تستطع حتى ذرف الدموع ، وجهها شاحب ، من يراها يخشى أن تكن تلك الأنفاس المتعبة آخر أنفاسها .

ينظر لها الجميع ما بين مشفق وحزين على حالها ، ولكن هناك أيضا عيون طامعة في جمالها ، فبالرغم حزنها وصدمتها إلا أن جمالها لايزال طاغيا ، جمالا ورثته عن والدتها التي لم تكن تعلم عنها شيء ، والآن جمالها هذا نقمة عليها كما كان سابقا نقمة وسببا لهلاك والدتها. 

وبالرغم من أن المجلس كله نساء جاؤا لكي يقدموا لها التعزية في والدتها التي لم تحتمل ما سمعته منها وتوفيت إثر أزمة قلبية .

كانت حالة سِدرة يرثى لها لا تستطيع أن تتنفس بشكل صحيح ، لا تشعر بنظرات النساء من حولها ولا الحقد الدفين في نظراتهم على جمالها ، فمنهم من تتعرض يوميا للمشاكل الزوجية بسبب مدح زوجها في جمال تلك الفتاه الشابة التي لو علموا بمآساتها لربما أشفقوا على حالها .

كانت أفكار سدرة تدور حول شيء واحد وهو آخر حديث دار بينها وبين والدتها ، تلك السيدة طيبة القلب التي إكتشفت منذ سنتين أنها ليست سوى خالتها التي تولت تربيتها بعد أن تخلصت والدتها من حياتها بعد إنجابها .

خلال السنتين تغيرت أحوالها كثيرا ، وكانت شديدة الغضب والتمرد ، كانت في بعض الأحيان تتعمد الإساءة لكل شيء وكل شخص ، كانت تحادثها بقوة وقلة إحترام ...والآن تتمنى لو تعود إليها مرة أخرى ، لا تصدق أنها السبب في موتها ، فآخر حديث بينهم لم يتحمله قلبها لتسقط مغشية عليها وتلفظ أنفاسها بعد أن وصلت للمشفى العام في مدينتهم....

قبل يوم /

دلفت مهرة غرفة سدرة التي تقطن بها منذ أيام لا تخرج منها سوى للوضوء فقط وكأنها وهبت حياتها للصلاة والبكاء ، تشعر أن هناك أمر جلل يقيدها ، لذا إتخذت خطواتها وتقدمت بثبات تحدثها :

_ سدرة ...أسلوبك ده معدش ينفع يابنتي ، حياتك بقالها سنتين متغيرة ، أسلوبك وكلامك وقولت ماشي صعب برده إل عرفته ، لازم أقدر وأفهم علشان مخسرش بنتي ، لكن بقالك كام يوم حالك متبدل ، ده غير موضوع الشغل الخاص ال بقالك فيه فترة وأنا لا أعرف مع مين ولا فين ، بت إنتي إتعدلي في قعدتك وإحكيلي مالك .

نظرت لها سدرة ولم ترى أمامها تلك المرأة التي أفنت عمرها لتقوم بتربيتها ، ذاك الألم بداخلها أعمى عيناها عن كل شيء لتقف واثبة بقوة في مكانها مردفة :

_عاوزة تعرفي مالي ..تمام هقولك ، كل الحكاية إني كنت هضيع لولا ربنا بعتلي النجدة ، بس إل جوايا وكسرتي أكبر من أي حاجة .

لم تفهم مُهرة حديثها وإنهيارها ، لتقترب منها ممسكة بذراعيها تهزها بعنف :

_ بت أنتي إتكلمي عدل أحسن ليكي بدل ورب الكعبة إل معملتوش وإنتي صغيرة أعمله دلوقتي وأضربك لما يبانلك صاحب ولا أنتي فاهمة إنك خلاص كبرتي عليا .

زاد نحيبها ودموعها مما أشعل نيران القلق بقلب مهرة لتتحدث سدرة كمن سُلب عمرها :

_ كان هيغتصبني ، نفس إل حصل مع أمي كان هيحصل معايا .

لم تحتمل مهرة حديثها لتسقط أرضاً ، تاركة سدرة تعض أصابع الندم على فراق قصف بما تبقى من مقاومتها .

.........


وأه من غرام أذاب ضلوع القلب وأصبحت الروح هشة من بعده ، آمنت يوما وكان خطأي الوحيد هو إيماني ذاك ، آمنت به وبعشقه وقلت لربما تتفتح الزهور بداخلي يوما ما وتلك الطحالب السوداء تختفي .

وقفت بملل وتعب تحضر لها كوبا من عصير البرتقال عله يروي ظمأها ويهدأ من نيران جوفها ، ولكن أبت الذكريات أن تتركها ولو قليلا تستنشق هواء السكينة .

عام ٢٠١٨/

ذهبت لعملها أخيرا بعد إنقطاع أيام طوال ، كان حماسها كحماس أول يوم عمل لها ، كانت شعلة نشاط من هنا لهناك ترعى المرضى وتتكاتف من أجل مساعدة الناس .

مر اليوم عليها وإقترب موعد الإنصراف ولم تره أبدا ، بداخلها خيم الحزن وخيبة الأمل ، فهي قد ظنت أنه سوف يأتي إليها أكثر من مرة ، ولكن يبدو أن عقلها أصبح مراهقا ينتظر أفعال تجعله يحلق عاليا .

رحلت أخيرا وإنتهى يوم العمل ولكن لم ينتهي بالنسبة لها ، فهي بعد أن عادت للمنزل وأبدلت ثيابها وبعد عدة محاولات منها لتناول الطعام أدوا إلى الفشل فهي لا تعلم عنه شيء ولا تعرف أين هو ، حاولت لمرة واحدة فقط خانتها يداها وأجرت إتصالا له ومن ثم أغلقت الهاتف ، إن أتى وإنتشى بفعلتها تلك فلتوأد تلك السعادة وتخبره أنها أجرت ذاك الإتصال بالخطأ .

كانت مستغرقة في أفكارها وتنظر للتوقيت بخيبة أمل وألم فالوقت تعدى منتصف الليل .

وما إن نويت الوقوف والتوجه للغرفة من أجل محاولة النوم والإسترخاء فاقدة الأمل في وجوده هذه الليلة حتى وجدته أمامها .

لم تصدق عينيها ، كانت تظن أنه عاد لطبعه وتركها بضع ليال وحيدة في المنزل .

رأى صدمتها ولهفة عينها ففطن ما تفكر به ليردف بمشاغبة:

_ تبقي مجنونة لو فكرتي إني كنت هسيبك لوحدك أو إني هبعد بعد كده ، الحاجة الوحيدة إل تبعدني عنك بعد ما إجتمعت بيكي هي الموت .

لم تستطع الوقوف أكثر إقتربت سريعا وإحتضنته بقوة جعلته يتأوه .

أبعدت رأسها لتجد الألم مرتسما فوق وجهه ويده تضغط فوق كتفه فتعجبت .

ولكن نظرات الحب بعينيه أخبرتها بكل شيء ، كانت عيناه براقة تحوي الكثير من الأقوال والحديث .

بيد مرتعشة أزاحت ملابسه لتستطيع رؤية كتفه وما إن إستطاعت حتى جحدت عيناها من الصدمة فكانت هناك لفافة طبية حول كتفه .

نظرت له بعيون براقة تملؤها الدموع ليتحدث بحب:

_ قولتلك مقدرش أغير إسمي ، لكن قولتلك إني مش ناوي أبعد بعد ما قربت ، يمكن هفضل طول عمري إبنه ، لكن لما يبقى فيا حاجة منه بتوجعك لازم أغيرها ، أنا كنت بعيد عنك طول اليوم مش لأني هسيبك أو إنك شغف وصلت ليه زي ما فكرك خانك ووهمك بده ، أنا كنت طول اليوم في عيادة دكتور تجميل بزيل العلامة من جسمي ، لازم أشوف في عينك نظرة اللهفة لكل حتة فيا زي ما أنا بحب كل حتة فيكي ، مقدرش كل مرة تبقى في حضني أوجعك بشكلها ، ولا أقدر أشوف نفس النظرة في عينك ، العملية دي إثبات صغير مني إني متمسك بيكي ، إثبات عشقي ليكي ، أنا مش عاوز منك غير أنك تسيبيني أحبك بطريقتي وتكسري الحواجز بينا .

كان يتحدث وعيناه تفيض بالكثير والكثير من الحب ، بينما عيناها هي تذرف الدموع .

تبكي ألما من عشقه متيقنة أن مصيره الهلاك ..تبكي حبا يزهر ورودا بقلبها تخشى تصديق نموها ...تبكي فرحة بحباً يغدقها به وحنانا تتعطش له .

في هذه اللحظة قررت أن تترك العنان لعشقها..أن تحرر نفسها من قيود تُهلكها ، حتى وإن إفترقا يوما ما ، فلتعش معه كل لحظة تستطيع إقتناصها من العمر متلذذة بطعم عشقه .

لذا ودون إنتظار رفعت نفسها إليه تقبله بعشق وجنون ، مرحبة بإثباته .
 الفصل الثامن من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1