![]() |
رواية زهرة الجزء الثاني (ملحمة العشق والعذاب) الفصل الثامن
الصورة البهية ....الألوان المزخرفة... بريق الهيئة....أشياء تبدوا محببة للنظر ، ولكن إن أمعنا التأمل قد تضح رؤية أخرى .
يمضي النهار ويأتي الليل وتتوالى الأيام والشهور وربما السنين ولكن ربما تزل حياة أحدهم عند نقطة ما لا يستطيع تخطيها والمضي قدما .
أشرقت الشمس تزامنا مع إستيقاظه ، فهو بالكاد إستطاع النوم ساعتان ، فمثل هذا اليوم لا يستطيع أن يهنأ فكيف له ذلك واليوم سيُحدد مصير حياته القادمة ، اليوم إما يفوز أو يخسر أهم معارك الحياة بالنسبة له ، اليوم إما أن يهنأ قلبه بقرب فلذة كبده وربيع عمره إبنته الغالية التي لم تكمل العامين .... أو يفقدها وربما للأبد .
إتكأ صالح على ذراعه فوق الفراش وبيده الأخرى جذب من فوق المنضدة ألبوم صور أخذ يتفحصه بعيون مدمعة وعاد بذاكرته لذكريات عديدة مرءت عليه خلال العامين الماضيين .
عام ٢٠١٨ : ٢٠٢٠ /
منذ أن تعرف عليها ودخلت منظور حياته ، قد إعتادها كثيرا ، وبجرأتها وشخصيتها المرحة بالإضافة لتفوقها العملي إستطاعت ريم أن تجذبه لها دون أي مجهود منها .
وعلى الصفيح الآخر لقد كان صالح بالنسبة لها فتى أحلامها ، يملك من الوسامة والجاذبية وأيضا الوقار ما يجعل الفتيات تتخذه مثالا لشريك الحياة ، بالإضافة إلى صدقه ومكانته العملية والإجتماعية تجعله رجل الأحلام .
كانت نظرات الإعجاب بينهم متبادلة وظاهرة لأعين الجميع من زملائهم في العمل ، فقرر صالح أن يجعل لتلك النظرات حدا وإسماً لذا دون تردد طلب منها الحديث لبعض الوقت .
لأول مرة بحياته يشعر بهذا التوتر والقلق ، ربما نظراتها إليه مشجعة لأن يتحدث دون خوف ومطمئنة لذا تحدث بهدوء بخلاف الصخب بداخله :
_ ريم ..الحقيقة أنا إنسان دوغري وبرفض أي شكل من العلاقات الغير رسمية ، وكمان إل أقبله على أختي أقبله على بنات الناس ، أنا يا ريم معجب بيكي ، وأتمنى شعوري إن الإعجاب ده متبادل يكون حقيقي لأني عاوز أتقدملك ويبقى في بينما مسمى رسمي نقدر بيه نواجه نظرات كل الناس لينا ، قولتي إيه ؟
رغم توترها وخجلها إلا أنها تحدثت بتريث :
_ صالح أنت أي بنت تتمناك ، وأنا مش هكدب عليك ، أنا فعلا معجبة بيك ، لكن أنت فكرت كويس في طلبك ده ، يا صالح في فرق كبير جدا بينا من جهة الحالة الإجتماعية ، مش هقولك انت غني وإحنا فقرا لأننا تحت خط الفقر ، لكن واحد زيك مش هيوافق مراته تشتغل وأنا مينفعش أسيب شغلي أنا أهلي معتمدين عليا ، أبويا راجل على قد حاله مريض كبد وأمي ست على باب الله بتشتغل خياطة أربع ساعات في اليوم لأن باقي اليوم بتقضيه مع إخواتي الصغيرين إل منهم واحد ليه ظروفه الخاصة ، إنت هتقدر تعيش وسط الدوامة دي .
إبتسم صالح مطمئنا وتحدث بإعجاب :
_ واضح إن إعجابي بيكي زاد عن الأول، بجد إنتي أهلك المفروض يفتخروا بيكي ، وأنا أحترمك لما تحبي تقفي جمبهم وتسنديهم ، وعموما أهلك دول هيبقوا في عنيا مش إكراما مني ولكن ده واجب عليا ، وقبل ما تعترضي مقصدش خالص أقل منك ولا منهم أنتوا بجد على راسي من فوق ، كل الحكاية إني هبقى في مقام إبنهم ياعني هنبقى عيلة واحدة ، وإنتي لو حابة تكملي في شغلك علشانهم أنا معنديش مانع .... ها ... قولتي إيه ؟
.........
بعد أسبوع من تلك المحادثة /
توقفت سيارتين من عائلة الدمنهوري أمام منزل عائلة ريم تضم كلا من صالح ومحمود والده وعمه أدهم وأيضا عمه أشرف ، وأدهم حمدي وأحمد .
جلسوا مع والد ريم الذي في البداية شعر بالضآلة ولكن بعد قدوم وليد الدمنهوري إختلفت الأجواء .
دلف وليد متأخرا عنهم وتعجبوا لحضوره فهو أخبرهم أنه لن يستطيع الحضور ولكن ها هو أمامهم ولكن .....
إقترب وليد من والد ريم وبعد التحية جلس بجانبه مردفا :
_ تسمحلي أكون عم العروسة .
ظهرت السعادة على وجه الرجل وبعد أن كان خجلا رفع رأسه بشموخ ليتحدث وليد مخاطبا صالح :
_ أنا حبيت أحضر النهاردة كأني عم العروسة مش عمك أنت يا صالح علشان تعرف إن من يوم ما تلبس دبلتك هتكون زيها زي بناتي ومش ممكن أسمحلك تزعلها .
_ريم في عنيا يا عمو ، متقلقش ، رجالة الدمنهوري متأذيش إل منهم وريم لما نتجوز هتبقى مني .
أنهى صالح حديثه بثقة وإحترام ليسعد الجميع بحديثه ومن بعدها تم الإتفاق على كافة أمور الزواج وقدم لها صالح سلسال ذهبيا معه خاتم وإسوارة ، فقد رفضت ريم إقامة حفل خطبة حزنا على شقيقتها المتوفاة .
...........
ليلة الزواج /
مر شهرا منذ الخطبة ، وكان هذا طلب من صالح أن لا تستغرق الخطبة وقتا طويلا فهو يريد الاستقرار ، كما أنه تكفل بكل شيء .
كان يتجهز ويرتدي بدلته في غرفته لتدلف والدته ووجها مكفرا ليتساءل بنفاذ صبر :
_ في إيه تاني يا ماما ؟
نظرت له والدته بحنق وتحدثت :
_ في إني مش راضية على الجوازة دي يا إبن بطني ، بقى صالح حفيد الحاج صالح الدمنهوري كبير أعيان البلد يتجوز الجوازة دي ؟
تأفف صالحا وتحدث ببعض التعصب :
_ هو أنتي يا ماما صعبان عليكي أفضل فرحان ، جاية في يوم زي ده بدل ما تفرحي بيا وتدعيلي دعوتين حلويين بتعيدي نفس الكلام .
_أنا يا صالح مش عاوزاك فرحان ، ده أنا مش عاوزة حد في الدنيا يفرح قدك ولا حتى غيرك ، انا كان نفسي تتجوز جوازة تشرح القلب ، واحدة بنت حسب ونسب تتباها بيها قدام الناس كلها ، إنما دي بنت واحد حتى مبيشتغلش .
أنهت حديثها اللائم ليتحدث ببعض الهدوء المصطنع :
_ عارف يا حبيبتي وربنا يخليكي ليا ، بس ريم هي الإنسانة إل إختارتها تشاركني حياتي ، بالنسبة لأهلها فده شيء ميعبهاش ، ما أنا كان ممكن أتولد فقير أنا كمان ، يا ماما ريم بنت كويسة مهندسة ومحترمة وعندها أخلاق ، حاولي تتقبليها أنتوا هتعيشوا في نفس البيت .
.......
كأي بيت يمر بتخبطات ، وكأي زوجين يمرون بمشاكل كان هذا حالهم ، ما بين السعادة والتفاهم وما بين إختلاف الرأي والتجاذب في الحديث .
ولكن والدته لم تجعل حياته تلك هادئة إطلاقا ، فكانت على خلاف دوما مع ريم التي كانت بدورها تتغاضى أحيانا وأوقات تثور عليها ليتأزم الوضع أكثر .
عائد من عمله والإرهاق جليا على وجهه ، لذا لم يدلف عند والدته كعادته بل صعد إلى مسكنه وما إن أخرج مفتاح الباب حتى سمع صوت والدته من خلفه تتحدث بغضب وعتاب :
_ هي لحقت تعصيك عليا ، إشمعنا هي إل رديت عليها في التليفون ، ما أنا بتصل بيك من الصبح ، وبعدين مش خايف من عقاب ربنا لما ترضي مراتك على حساب أمك ، فكرك كده بيتك هيعمر ، إسمع مني يا بني بطني طول ما البت دي مراتك قلبي عمره ما هيرضى عنك ، دي قليلة الرباية وأنا لا يمكن أقبل بيها .
نظر صالح لوالدته بتفاجؤ فهو قد نسي أمر إتصالاتها بسبب نفاذ طاقة البطارية الخاصة بهاتفه النقال ، كما أن ريم لم تتصل به اليوم فماذا يحدث ؟
_في إيه يا حاجة ؟ أنا مش فاهم حصل إيه لكل ده ؟ كل الحكاية إني تعبان جدا النهاردة كان عندنا شغل كتير وقولت أطلع أستريح وأنزل أطمن عليكي .
أنهى صالح حديثه محاولا كبت شعور الخذلان بداخله ، فهو يشعر أن كلتاهما تجذبانه بقوة ، ريم يعترف أنها لا تقبل الإهانة ولا تريد أن تحني رأسها لأحد وربما شديدة العصبية لكن ليست بقليلة الرباية كما تطلق عليها والدته ربما هي أيضا لا تحب والدته ولكن لن تخطىء في حقها ، ووالدته لا تتقبلها بأي شكل إن كان فهي معترضة عليها منذ الخطبة بل تراها غير صالحة لتكون زوجته خاصة وهي لا تقبل بالقيام بالأعمال المنزلية بكافة المنزل وتكتفي بمسكنها فقط وهو للحق يرى أن هذا حقها .
إقترب والدته منه وتحدثت بهسيس:
_ تعرف مراتك المحترمة إل واقف تدافع عنها قدامي دي عملت إيه النهاردة ؟ الست ريم وقفت بكل جبروت تدعي علينا كلنا .
قطب صالح حاجبيه بتعجب وتساءل :
_ إيه حصل علشان تعمل كده ؟
صرخت به والدته بعنف مستنكرة :
_ هو ده إل شاغل بالك ، والله يا إبن بطني لما تروحلها بيت أبوها أقصد العِشة إل ساكنين فيها إبقى إسألها .
_ريم سابت البيت ؟
خرج سؤاله مصدوما لتتركه والدته وتهبط لأسفل قائلا :
_ خرجة بلا رجعة .
.........
عام ٢٠٢٠ /
عاد صالح من سيل ذكرياته مع رنين هاتفه فأمسك به ليجد أنه المحامي الخاص به فأجابه سريعا ليتفاجأ بحديثه :
_ أستاذ صالح مدام ريم إتنازلت عن حضانة البنت .
....................
منذ إنتهت أيام العزاء حاول أهل المنزل أن يعودوا لأعمالهم الروتينية ، فالقضية مازالت مستمرة والقاتل لم يُعرف بعد .
ها هم ولأول مرة جميعا يجتمعون معا لتناول وجبة الإفطار منذ تلك الحادثة ، فقد أصر وليد على جمعهم عله يستطع مدواة تلك الشروخ بينهم لذا حاول التحدث بلطف :
_إتفضلوا يا ولاد إفطروا ، الحياة بتستمر ويا ما هيموت ناس والباقي عليهم أنهم يعيشوا حياتهم ، وفي وقت زي ده لازم نبقى إيد واحدة ومننساش إننا دم واحد .
_بس في ناس نست ده يا عمي ، صح يا دكتور ؟ أختك فكرت في الكلام ده قبل ما تقتل أبويا ؟ أنا مش عارفة إيه الغل والحقد إل هي فيه ده ؟! للدرجة دي مش هاين عليها تشوف أب مع بناته .
كانت تتحدث بغضب وألم الفقد ، ربما لم يكن بوالد جيد لها ولكنها مازالت إبنته .
_ندى ...إحترمي نفسك وإنتي بتتكلمي .
نطق بها مازن بعنف وإقترب منها مكملا :
_ بلاش دور البنت الغلبانة إل أبوها مات مقتول والدم حامي جواها وعاوزة تنتقم ده لأنه مش لايق عليكي .
وقفت ندى مصدومة من حديث زوجها وهمت بالحديث ليقاطعها قائلا :
_ بالسرعة دي نسيتي قد إيه حور وقفت جمبنا ، أنا بقولك وبقولهالكم كلكم لو صدقتوا إن حور هي القاتلة أنا مستحيل أصدق .
إقترب مازن من عبد الرحمن وإسترسل بخيبة أمل :
_ أنا مش قادر أستوعب أنت إزاي مش واقف جمب أختك وبتساندها في عز ما كل الناس بتتهمها المفروض إنت تدافع عنها ، إنت أخ إنت .
_كفاية بقى كفاية ... كل واحد فيكم بيبصلي بإستغراب وبتتكلموا عني سواء قدامي أو من ورايا ويمكن فيكم إل بيقول عني ندل وجبان ومستحقش أكون أخ لا ليها ولا لغيرها ، بس فكرتوا بين نفسكم أنا ليه واقف بعيد مش قادر أخد خطوة لا معاها ولا ضدها ، أقولكم حاجة أنا غيران من إل قتله .
شهقة متوترة من الفتيات على حديث عبد الرحمن الغامض ليسترسل بسخرية :
_ مستغربين ، لأ انا فعلا غيران جدا من إل قتله كان لازم أكون أنا وأخد بتارنا منه ، محدش فيكم عارف حاجة ، ولأني عارف وفاهم في جزء جوايا بيقول أه حور هي إل قتلته والجزء التاني بيقول حور أنضف من إنها تكون مجرمة ، أنا إخترت الجزء ده وصدقت برائتها لكن هي وقفت وبكل هدوء قدامي في النيابة وإعترفتلي إنها قتلته.
هذه المرة لم يستطع أحد السيطرة على صدمته ليسترسل عيد الرحمن بألم ودموع :
_ فاكرين يوم العزومة يوم عيد ميلادي انا وحور دي كانت أول محاولة منها .....
عودة لوقت سابق /
كانت الأيام تمر بين أدهم وحور مفعمة بالحب ، إستسلمت حور لمشاعرها وإستمعت لصوت قلبها ، بينما هو عاهد نفسه على أن يغدقها حبا وحنان يجعلها تمحو ذكرى والده من ذاكرتها ، ولكن أيها الأدهم ربما لا تعلم ما يخفق قلبها من أجله فحبك أحد النبضات والنبضة الأخرى هي الإنتقام .
_حور أمي عازمانا على الغدا في البيت هناك ، تحبي نروح ولا لأ ؟
كانت نائمة فوق قدمه ممسكة بكتاب ما تقرؤه بينما هو يمشط شعرها بأصابعه لتغلق الكتاب تلقائية كرد فعل منها على حديثه وتعتدل في جلستها مردفة :
_أنا مش بحب البيت هناك ، بحس نفسي بيضيق ، لكن دي فرصة كويسة علشان أثبتلك إن بحاول أتعايش وأنسى .
إقترب منها وإحتضن وجهها بكفيه مردفا بحنان :
_انا مش عاوزك تثبتيلي حاجة ، عاوزك بس تبقي مرتاحة ومطمنة .
أسندت جبهتها فوق خاصته مردفة بابتسامة:
_ببقى مطمنة في المكان إل تبقى فيه ، لكن لو سيبتني في يوم هخاف وهضعف .
تعالت ضحكات أدهم بمرح وهو يجذبها لأحضانه مردفا بمشاغبة :
_ أولا أنا عمري ما هسيبك ، وبعدين بذمتك إنتي ممكن تخافي فين القطة الشرسة إل قطعت إيدين راجح ؟
دفعت نفسها أكثر لأحضانة متحدثة بإبتسامة :
_ياعني أكون شرسة مش عاجبك أكون هادية مش عاجبك ، عاوز إيه بالظبط ؟
قبل مقدمة رأسها مردفة بنبرة يغلفها العشق :
_ عاوزك شرسة وأنا بعيد عنك أي حد يفكر يقربلك لو تقدري تموتيه إعمليها أنتي حقي من الدنيا دي وياريت تبقي حقي في الآخرة كمان ، وأنا يا حوريتي بغير أوي على حقوقي ومحيبش حد يلمسك وعلى قد ما كنت متعصب ومتضايق لما قطعتي إيد راجح لأني كنت خايف عليكي على قد ما كنت فخور بيكي وراسي مرفوع لما أخد جزاته لما فكر يقربلك ، أوعديني لو حد فكر يقربلك موتيه وهتلاقيني في ضهرك سندك طول عمري .
إبتسمت حور بإنتشاء من حديثه وأخذت في إسترجاع ما حدث /
أحيانا المخاطرة تأتي بمفعول إيجابي ، فربما كانت فكرة مجنونة وخطرة تلك التي إقترحتها هي بنفسها ولكن أن تخرج وتخاطر وتقاوم وتجابه أي خطر لهو أفضل من الإختباء والإنتظار .
منذ عدة أيام وهي تداوم في المشفى مع كافة الإحتياطات الآمنية من أدهم وشقيقيها تحسباً لظهور راجح ولكن إلى الآن لم يظهر .
جالسه بغرفة مكتبها بالمشفى لتتفاجأ بإحدى الممرضات التي تقف أمامها تتحدث ببعض التوتر الذي لم تفطن سببه وهي تخبرها :
_ دكتورة في حادثة حصلت من شوية ومافيش دكتور جراحة غيرك موجود والمريض في غرفة العمليات وحالته متأخرة .
لم تنتظر حور وذهبت سريعا لغرفة العمليات بينما تلك الممرضة وقفت تبكي بإنهيار مرددة :
_ أنا آسفه يا دكتورة .
دلفت حور غرفة العمليات لكنها لم تجد أحد ، دلفت لغرفة الإفاقة الداخلية لم تجد أحد أيضا وعندما مرت بغرفة العمليات مرة أخرى من أجل أن تعود وتستفسر عن المريض الذي إختفى وجدته أمامها .
عرفته سريعا ، بينما هو وقف أمامها يلوح بأداه حادة مبتسم إبتسامة مقززة وأردف :
_ أنا بقى سمعت إنك نزلتي الشغل ولا همك حد وأنا بصراحة يعجبني النوع الشرس ده ، غفلت الحرس وأخوكي ودخلت أصلي إتفقت مع بتاع الإسعاف ماهو إبنه في ثانوي وبنته في الكلية وأمه محتاجة رعاية خاصة وطليقته رافعة عليه نفقة وقايمة فلما ياخد كام ألف قصاد خدمة صغيرة يبقى هو المستفاد ، حتى الممرضة إل جاتلك دي عرفت أضحك عليها بعد ما وعدتها إني هعلن جوازي منها ، أصل أنا بقى قبل ما ولاد الحرام يتسببوا في رفدي أيام ما كنت بشتغل هنا بكلمتين حلويين مني قدرت أخليها تبقى خاتم في صوباعي .
_تفتكر واحد بقذارتك دي ، واحد بيستغل ضعف الناس حواليه ، واحد أضعف من إنه يواجه نفسه وغيره بأخطاؤه وأفعاله القذرة ، واحد نسى إنه أقسم يمين وخان شرف المهنة ، تفتكر في عقلك الباطن إنك ممكن تخوفني .
رغم حديثها اللاذع إلا أنه نظر لها بإعجاب وأردف:
_ عجباني من يوم ما شوفتك ، ومع كل إل حصل مش هاممني حاجة غير إني أطولك وبس .
وعلى غير توقعاته صدحت ضحكاتها الفاقدة للمرح وتشدقت :
_ بتحلم ، إنسان قذر زيك وقتال قتلة ، ضعيف النفس ومتدني الأخلاق آخره إنه يحلم بحاجة زي دي ، بس نصيحة مني وأنت بتحلم خاف لأن ده هيبقى كابوس وهتعيشه لو فكرت تقرب .
ما إن أنهت حديثها حتى رأته متوجها نحوها بغضب تفادته مرة ..اثنتان ..ثلاث مرات ولكن إستطاع إمساك ذراعها وجذبها نحوه ، كانت تحاول بقوة إبعاد يده عنها ولكنه أحكم التمسك حتى أنه ألقاها فوق الفراش الموجود بالغرفة وما إن هم بالإقتراب منها حتى ركلته بقوة أسفل بطنه ليترنح للخلف عدة ثوانى كانت كافية بالنسبة لها لتستعيد رباطة جأشها وتبتعد عن الفراش ، رأته ينتوي الإقتراب منها مرة أخرى فوقعت عينيها على زر التنبيه المتصل بالميكريفون الخاصة بالمشفى فضغطت عليه سريعاً وتحدثت :
_ أوعى تفكر تقرب مني ، أنت مجرم وقتال قتلة وحق سلمى وغيرها هيظهر في المحكمة .
علت ضحكاته مردفا:
_ أنا لو آخر حاجة هعملها في حياتي هملكك ، أنا جاي دلوقتي وهدفي إني أكسرك وأذل عيونك الحلوة دي وأوعدك هتستمتعي خالص .
أنهى حديثه وإنقض في إتجاهها محاولا النيل منها ، ولكنها كانت سريعة البديهة ، في خلال حديثه أمسكت الجهاز الطبي الذي يستخدمونه في بتر أطراف الجسد وعندما إقترب وجهته نحوه ذراعه بقوة وثبات .
عم صراخه ليسمعه جميع من بالمشفى وإكتظت غرفة العمليات بالآمن بينما هي وقفت تناظر جسده الذي خار أرضا بقوة وثبات .
عادت من ذكراها على همس أدهم :
_ ياعني أقول لأمي إننا هنيجي ؟
........
في منزل آل دمنهوري/
إجتمعت العائلة من أجل الإحتفال بأدهم وحور وأيضا قامت سمية بتحضير مفاجأة عيد ميلاد لحور وعبد الرحمن .
كانت مفاجأة حقا فهما منذ وفاة زهرة لم يحتفلا أو يذكرا اليوم .
_إلا قوليلي يا حور أخبار الجواز إيه ؟
همست رقية لحور لتبتسم لها وتجيبها:
_ عمري ما توقعت إن في حد هيسألني السؤال ده في يوم من الأيام ، بس تعرفي السر مش في الجواز نفسه ، لأن ببساطة أي زواج في الدنيا بيمر بحاجات كتير وعكسها ، ياعني الفرح والحزن ، السعادة والضيق ، الراحة والألم ، كل الحياة عبارة عن كده وإحنا ال بنتغير ونختلف ونتعايش ، السر في الشخصية ، الشريك إل سلمتيله حياتك .
لو سألتوني أو إتكلمت على أدهم مش هلاقي كلام يوصف إل جوايا بس هقولك حاجة بسيطة خالص أدهم هو نصيبي من الفرح في الدنيا ، هو نصيبي من السعادة إل عشت عمري محرومة منها ، عارفة أنا مفكرتش إني ممكن أخرج مشاعري دي لحد لكن أنا من أول مرة شوفتك لما جيت البيت ده لما كنتي بتستخبي من مؤيد وأنا حسيتك قريبة من قلبي علشان كده فتحتلك قلبي وبقولك عيشي حبك أنتي وهو وإتمسكوا ببعض ومهما عدى عليكم لو فضلتوا فاهمين بعض كله هيهون .
قامت رقية فجأة بإحتضانها لتبتسم حور بسعادة بينما شاغبت ندى قائلة :
_ البت رقية دي وراها مصلحة منك يا حور .
_أيوة الحضن ده وراه إنّ .
قالتها سهر ممازحة ، لتردف سلمى بتهديد مصطنع :
_ بت يا رقية سيبي عمتي في حالها .
أطلقت الفتيات ضحكاتهم لتقول چورية :
_ياعني إحنا هنقولها عمتو إيه التعقيد ده .
_أنتوا تقولوا حور وبس ، أنا هقوم أشوف طنط سمية في المطبخ وهاجي.
ذهبت حور بإتجاه المطبخ لتبتسم الفتيات وظلوا يتهامسون على تغيرها الملحوظ .
دلفت حور فلم تجد سمية فقررت الخروج ولكن جذب إنتباهها إناء كبير يحوي فاكهة الفراولة فإقتربت وشرعت في تناول حبات الفراولة بإستمتاع .
شعرت أن هناك أحد خلفها فإستدارت سريعاً لتجد آخر شخص تتمنى رؤيته .
_شايفك أخدتي على البيت وبقيتي تتحركي براحتك ، لأ وكمان مستمتعة ، أومال إيه جو التهديدات والكلام الكبير إل كنتي بتقوليه كل ما تشوفيني ده ، ولا ده تأثير إبني أصله طالع لأبوه بيعرف يرضي الست إل معاه .
قال حديثه بخبث وإبتسامة لعوب وإقترب من إناء الفراولة وأخذ ثمرتين تناولهم مرة واحدة وإسترسل :
_ تعرفي زهرة برده كانت بتقف كده تاكل الفراولة بإستمتاع ، كنت بشوفها وبفضل أراقبها وهي بتاكل زي الطفلة الصغيرة ، لكن في مرة نبيل قطع عليا متعتي ودخل عندها ، كنت واقف حاسس بالنار بتنهش فيا وأنا شايفه حاضنها وهي بتدلع عليه وهو بيأكلها بإيده ، الدنيا كانت ليل وأنا شايفهم من الشباك واقف بره مقدرتش أدخل البيت مع إني كنت عاوز أدخل أضرب فيه وأقوله إشمعنا إنت .
نظرت له حور بصدمة من حديثه ليبتسم بخبث هامسا:
_ متستغربيش زهرة كانت الست الوحيدة إل دقلها قلبي ، من يوم ما شوفتها ولغاية النهاردة مش قادر أنسى شكلها ، ولا قادر أنسى إن مطولتهاش .
أنهى جملته بعيون ملئتها الحسرة والسوداوية وجاء ليرحل ولكنه توقف مكانه إثر صدمته من حديثها :
_ وعلشان كده ساومتها على علاجها ، لو عاوزة تاخد فلوس من فلوس بابا وتتعالج تتجوزك الأول ، تصدق فعلا كنت بتحبها أوي ، تفتكر خالو وليد لما يعرف إنك كنت عرفت مكان أخته وروحتلها مش علشان ترجعها بيتها وبيت ولادها لكن علشان تغتصبها وتاخد حق مش حقك ، واقف بكل جبروت تقول بتحبها ده أنت وصلت لرقم تليفونها ومش عارفة إزاي وكلمتها ، أنا يومها سمعتها وهي بتقولك حسبي الله ونعم الوكيل بتساومني على فلوس ولادي علشان أتعالج ، عندي أموت ولا أتجوزك ، وفعلا صحتها تدهورت لأنها رفضت تتعالج على حساب الدولة علشان متوصلش لطريقها ، ياريتنا فهمنا ده بدري ، لكن بعد ما عرفنا مين كان السبب في كل حاجة سودة حصلت في حياتنا ، قدرت بسهولة أعرف إن أنت الإنسان إل بسببه تستغنى عن خط التليفون إل كانت محافظة عليه لأنه كان آخر ذكرى من بابا ، كنت السبب في إنها تختار الموت ومتحاولش تحارب مرضها ، إستسلمت للموت ، ياعني أنت قتلتها...فاهم ياعني أنت قتلتها ، بس أنا هستغرب ليه ما أنت قتلت أخوك قبلها .
إلتفت لها بذعر وصدمة ، كان حقا في تلك اللحظة يرتجف رعبا فإقتربت منه قائلة بغل :
_ لما تشيل أنبوبة الأكسجين وتمنع عنه التنفس وهو أصلا كان بياخد آخر أنفاسه تبقى قاتل .
_إنتي ...إنتي عرفتي منين الكلام ده .
لم ينكر .. لم يحاول إبعاد تلك التهمة الخطرة عن جبهته بل تلعثم في سؤاله ليؤكد لها ظنونها .
فإقتربت منه حد الإلتصاق هامسة بأذنه :
_ حق أبويا وأمي هاخده منك بالبطيء ، هخليك تتمنى الموت من الألم .
تركته وخرجت من المطبخ لتتفاجأ بأدهم الذي كان تخشبه والصدمة الجلية على وجهه دليلا كافيا لها بأن تعلم أنه إستمع لكل شيء .
لم تستطع المكوث أكثر فخرج صوتها مهزوزا :
_ طلعني فوق حاسة نفسي هيقف .
دون حديث حملها وتوجه بها لأعلى دون الإكتراث لنداء والدته ، فصعدت سمية سريعا خلفهم وتساءلت قبل أن يغلق الغرفة :
_ مالها حور يا أدهم ؟
_ تعبانة شوية هترتاح .
كان صوته خاويا أنهى حديثه ورحلت والدته بصمت لشعورها بأن هناك شيء حدث ولكن لم ترد الضغط عليهم .
بينما هو جلس بجانبها على الفراش بعد أن مددها فوقه ونظر لها بآسف ، فهو قد رأها تدلف للمطبخ فذهب وراءها ليتفاجأ بوالده يحادثها ، كان يرغب في البداية بمنع تلك المحادثة ولكن وقف مشدوها مما يسمع .
الآن فقط تأكد أن النيران بداخلها حتى موت أبيه لن تطفئها .
_عبد الرحمن يعرف الكلام ده ؟
خرج سؤاله مهزوزا لتجيبه ببعض السخرية :
_ فاكر إنه مش رجل ياخد بتار أهله ، عبد الرحمن ميعرفش أي حاجه غير إل في المذكرات ، ورغم إنها قاسية بما فيه الكفاية لكن خليني صريحة مع نفسي لو أنا معرفش باقي التفاصيل دي كنت كرهته أه ، ويمكن كنت حاولت أأذيه أكيد ، لكن رغبة الإنتقام جوايا أكبر بكتير من مجرد أذية .
هبطت دموعها لينظر إليها بعجز لتسترسل :
_ تعرف أنا قلبي فيه إيه دلوقتي ، قلبي بيدعي عليا إني شوفتك وإستسلمت لحبك ، أنت أحلى حاجة حصلتلي وأقسى حاجة ، حبك مقيدني ، حنانك ولهفتك عليا كأنهم سوط بيقطع فيا ، حبي ليك أكبر لعنة لأن لولا وجودك كان زماني قتلته ، لحظة ما كان واقف دلوقتي لولا قلبي إل بيدق بحبك كنت قتلته من غير أي لحظة ندم ، ده القصاص ده حقي وحق أخويا بعد ما حرمنا من أهلنا .
شعر بالعجز والألم فلم يستطع الحديث ، بل تمدد بجانبها يختبأ بأحضانها كطفل صغير يخشى الظلام .