رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السابع 7 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السابع بقلم نورهان ال عشري 


لم يكن الذنب ذنبي بل كان قدرًا معتد لم أقوى على عصيانه .

واخترت بكامل أرادتي أن أموت بعينيك حامله بقلبي سرًا لا يسعني سوي كتمانه.

كم كان الأمر مؤلمًا أن أفارق و بقلبي حنين و شوق و حلم لا يقوى قلبي على تجاوزه أو حتى نسيانه.

ليتني لاقيت حتفي بين يديك ولا اهلك بقلبك الذي لم أشتهي في الحياة سوي العيش بين بُطينانه؟

تُري يا حبيبي هل ستغفر يومًا؟ وهل تُبسِط لقلبي الأمل أن يحيا بعد أن أهلكه الذنب وشانه ؟ 

ذريعتي الخوف و ذنبي هو الضعف و جزائي لا استحقه و قلبي يتضرع و ينشد بين ذراعيك الأستكانة.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


_ يا ميلة بختك يا بنتي. كان مستخبيلك فين كل دا ؟ 

هكذا أخذت رضا تولول حين قصت عليها أشجان ما حدث لتقوم آسيا باحتواء شقيقتها وهي تقول بلهجة حادة يشوبها الشماته

_ بختها مال من يوم ما اتجوزته، و أدي أخرة بهدلته فيها. 


غلت الدماء في عروق رضا التي هتفت بانفعال

_ اخرسي يا بت أنتِ. أنتِ أتجننتي شمتانه في أختك؟ 


شددت أسيا من احتواء شقيقتها وهي تقول بحدة

_ اختي في حضني اهي يا ست ماما. انا فرحانه في اللي كان ظالمها و ممرر عيشتها.


هبت رضا صارخة

_ اخرسي مسمعش صوتك. أنتِ اللي كنتِ بتملي دماغها بالكلام الفاضي. ايه عايزة تخربي عليها ؟ 


ضاقت ذرعًا بكل ما يحدُث فهتفت بحرقة 

_ كفاية بقى. ارحموني. مش قادرة اسمع ولا كلمة. 


تناثر الألم من قلبها لتذرفه عينيها على هيئة عبرات غزيرة قبل أن تقول بقهر

_ أنا اللي فيا مكفيني. 


لم يكُن مُجرد شعور بالخيانة! إنما كان خسارة فادحة لآخر شيء تملكه. كانت في السابق تُخفي مُر أيامها خلف ابتسامة هادئة و صمت حزين. تحيا ألمها في سكون دون الإضطرار إلى تبريرات تُضاعف ألمها، ولكن الآن كُشِفت جراحها للعيان، و لم يعُد في مقدورها الإختباء، فهي لم تنسى ذلك الجمع الكبير من الجيران الذي اكتظ بهم بيتها ولا نظرات النساء وهمهماتهم عن خيانة زوجها، و بعض العبارات المؤلمة مثل " اخس عليه حد يخون القمر دي؟ " " ماهي اللي كئيبة كدا و مش واخده بالها من نفسها " " ماهي لو كانت ماليه عينه مكنش طلع يهلس في البيوت المشبوهة " 

لم تستطِع تحمل ولولة والدة زوجها و لا عويل النساء من حولها فجذبت عبائتها و هرولت إلى بيت والدتها علها تجد من يحتوي وجعها الذي لا يُحتمل. 


_ خلاص يا شوشو حقك عليا. أنا أسفة. والله ما اقصد. 


هكذا تحدثت أسيا بحزن و ندم فهتفت رضا بغضب

_ قومي اعمليها كوباية لمون تريح أعصابها. 


اطاعتها أسيا و توجهت للداخل لتقابلها صابرين التي كان الحزن يتبلور فوق ملامحها و في نبرتها حين قالت

_ حقك عليا يا رضا ياختي لو اعرف اللي أشجان فيه مكنتش جبت غنى ولا جيت أبدًا.


رضا بلهفة 

_ بتقولي ايه يا صابرين؟ هي غنى مش بنتي ولا ايه؟ 


استفهمت أشجان بخفوت و نبرة مُتحشرجة

_ هي عاملة ايه دلوقتي يا خالتي؟ 


صابرين بأسى

_ مكسورة. مكسورة يا أشجان. نايمة زي الطفل الصغير وكل شويه تقوم تتخض، و كأنها لسه في الكابوس دا. 


أنهت جملتها، وهي تبكي بألم و ندم فعاتبتها أشجان قائلة 

_ مينفعش اللي أنتِ عملتيه دا يا خالتي. الدجل و الحاجات دي مبيجيش من وراها غير البلاوي. دا غير أنها كُفر بالله. 


رضا بتعاطف مع شقيقتها

_ يعني تعمل ايه ماهي كانت خايفة على خراب بيت بنتها.


أصابت جملة رضا عمق جرح أشجان التي قالت بقهر

_ يعني ايه خايفة على خراب بيتها ؟ واحدة مش عايزة تكمل تجبروها ليه؟ 


صابرين بتبرير

_ الجدع ميتعيبش يا بنتي. هتلاقي زيه منين؟ و بعدين خراب البيوت مش سهل. 


أشجان بانفعال

_ افرض هي مش مرتاحة معاه؟ 


رضا بنبرة ذات مغزى

_ و مين فينا كانت مرتاحه في حياتها في الأول يا بنتي؟ كلنا شوفنا المُر في أول حياتنا، و بعد كدا الدنيا بترتاح واحدة واحدة، و كل حاجه مع الوقت بتتغير. حتى البني أدمين


أشجان بصدمة

_ قد كدا المواضيع بسيطة بالنسبالكوا؟ في ناس بتتقهر و قلوب بتتحرق، و ياعالم هتقدر تكمل لحد ما التغيير دا ييجي أصلًا.


تجاهلت رضا أنين ابنتها و وجعها و تحدثت من واقع رؤيتها للحياة

_ ايوا بسيطة. ماهو مش مع أول أزمة الناس تجري تطلق. اومال البيوت بتتبني ازاي؟ ماهو بالصبر. 


هوى قلبها بين ضلوعها وهي تستمع الى حديث والدتها لتقول بترقُب و قلب مفطور

_ تقصدي ايه يا ماما ؟ 


صمتت رضا لثوان قبل أن تقول جملتها دفعة واحدة

_ اقصد انك لازم تصبري على جوزك يا بنتي. حتى لو هو غلطان. هو في أزمة وبنت الأصول متسبش راجلها واقع في أزمة و تمشي. لازم ترجعي بيتك. 


بهتت ملامحها حد انسحاب الدماء من وجنتيها و قالت بمرارة و كأن صبار نبت في جوفها

_ ارجع يا ماما؟ بعد كل دا ارجع؟ أنتِ. أنتِ بتقولي ايه؟ 


اقتربت منها رضا قائلة بحنو

_ يا بنتي. اخرتها هترجعي هترجعي. اومال هتربي عيالك دول ازاي ؟ اصبري و ربنا هيراضيكي. كدا ولا ايه يا صابرين؟ 


تدخلت صابرين بلهفة

_ ايوا ياختي اومال اي؟ دا يمكن اللي حصل دا هو اللي يعرفه قيمتها، وقد ايه هي بنت اصول و وقفت جنبه في أزمته. 


صاحت رضا بلهفة

_ طب والله صح. أنتِ ترجعي بيتك، وانا هروح معاكِ، و اقول لمديحة أن اعصابك كانت تعبانه، و عشان كدا جيتي عليا، و أن شاء الله يطلع منها على خير، و هتعدي، والله هتعدي، وانا بردو هشده بيني وبينه. فكرك هسكتله على عملته المهببة دي! بس الصبر أما نعرف هيحصل ايه. 


★★★★★★★★


_ ما ترد . تعرف بنات عمتك نسمة منين؟ و عرفت ازاي انها مخلفة أصلًا ؟ 


هكذا أعاد كمال صياغة استفهامه وهو يقترب من الرجال الثلاثة ليكّن أول المُتحدثين هو ياسر الذي زمجر بخشونة 

_ ما توطي صوتك يا غالي. انت لازم تسمع الناس كلها!


هتف عمر حانقًا 

_ انا عارف صوته زي الجرس كدا ليه ؟ بالع راديو! 


اقترب كمال وهو مدهوشًا من حديثهم الذي جعله يُقطب جبينه قبل أن يقول بنفاذ صبر

_ ما تفهمني انت وهو في أي؟ 


تبادل كُلًا من ياسر و عمر النظرات ليستسلم الأخير قبل أن يقص على كمال الأمر من بدايته ليهتف الأخير مُستنكرًا

_ معقول اللي بتقولوا دا؟


عمر بسخط

_ لا مش معقول احنا في الكاميرا الخفية، و كنا بنعمل فيك مقلب. اضحك يالا للكاميرا.


زمجر كمال مُحذرًا

_ اتلم بدل ما اتصل بنبيلة اقولها. 


عمر بلهفة

_ لا ابوس ايدك نبيلة مين؟ سعاد هانم هتحطني للكلاب في العشا لو عرفت أن أمي شمت خبر. 


زفر ياسر حانقًا قبل أن يتحدث بملل

_ خلاصة القول عشان نلم الليلة دي. احنا لازم نتأكد أن البنتين دول هما ولاد عمتك.


عمر بتأييد

_ هو دا الكلام. هنتأكد ازاي بقى؟ 


التفت ياسر إلى يزيد الذي يقف صامتًا بملامح مُمتعضة ولم يتفوه بحرف فوجه استفهامه إليه قائلًا

_ مكتوم يعني ! محدش سمعلك صوت؟ 


يزيد بملل

_ عشان الفيلم الهابط دا ميدخلش ذمتي بشلن. يعني ايه يكونوا ولاد عمته اللي هو بيدور عليهم و بقدرة قادر يطلعوا جيراننا لا وانا اتخانق عشان بغلة منهم! 


ابتسم كمال على حديثه و قام عمر بلكمه في كتفه وهو يقول بسخرية

_ انت ياد جايب التلامة دي كلها منين؟ كانوا بيرضعوك بيض وانت صغير بدل اللبن! 


يزيد بسماجة

_ لا، مابحبش البيض. 


زفر ياسر بحدة قبل أن يقول بخشونة  

_ انت تعرف هما ساكنين فين؟ 


يزيد بنفاذ صبر

_ ايوا في نفس البيت اللي ساكن فيه عم عزام. 


صمت ياسر لثوان قبل أن يقول بتفكير

_ كدا سهل نعرف قصتهم ايه. انا بكرة أن شاء الله هروح لعم عزام اعرف منه قصتهم ايه؟ اكيد هو زمانه عرف عنهم كل حاجه. 


عمر بلهفة

_ لا بكرة ايه؟ دانا مش همشي خطوة إلا أما اعرف الدنيا فيها ايه؟ خليني اخلص من زن جدتي. انا نفوخي ورم. 


تدخل كمال هو الآخر قائلًا بنبرة حاسمة 

_ عمر عنده حق الموضوع دا كبير ولو فعلًا طلعوا ولاد نسمة الله يرحمها يبقى الدنيا هتتقلب عندنا عشان كدا أنا شايف اننا نتحرك حالًا. 


عمر باندهاش

_نتحرك! معلش نون الجماعة دي بتعمل اي؟ 


كمال بجفاء

_ نون الجماعة دي تشملنا كلنا ماهو لو الحوار حقيقي يبقى هما وتايده بردو. يبقى الموضوع يخصنا كلنا.


عمر بحنق 

_ لا. فاجأتني بصراحة مكنتش اعرف انك شهم اوي كدا.


_و هتعرف أكتر مدى شهامتي لما اقول لنبيلة حبيبتي خبر زي دا. 


هكذا تحدث كمال فقطع حديثهم ياسر قائلًا بخشونة

_ طب ايه هنفصل نضيع في الوقت كتير! 


أجابه كمال بتفكير

_ أكيد لا. بس لازم خالد يعرف. عشان لو خبينا عنه هيطلع غباء الوتايدة على دماغنا. 


عمر بحنق

_ بص هي كدا كدا خربانه. قوله بدل ما يبلعنا، واهو على الأقل الوحيد اللي اني بتخاف منه. 


نظر كمال إلى ساعته قبل أن يقول 

_ طب استنوني هنا خمس دقايق و راجعلكوا.


عمر بامتعاض

_ اتفضل، وياريت مترجعش مش هنزعل. 


تدخل يزيد مُضيفًا بحنق

_ طب بقولكوا ايه عشان نبقى على نور كدا لو البغلة دي طلعت قريبتكوا اللي بتدوروا عليها تمن النضارة بتاعتي عليكوا.


تبادل كُلًا من ياسر و عمر النظرات ليقول الأخير بتهكُم

_ انا من رأيي تسكت بالبوسة اللي في خدك و ايه اللي في عينك دا كمان؟ دول زوقوك يا عرة الدكاترة. 


يزيد بجمود

_ احمد ربنا أنهم زوقوني انا، و مروقوش بنت عمتك. 


تدخل كمال القادم من الخلف بسخرية موجهًا حديثه الى عمر

_ الواد اللي لسه ابن امبارح علم عليك. دايمًا كاسفنا كدا. 


لم يُعطيه ياسر مجال للرد إذ قال باستفهام

_ انت لحقت قولتله؟ 


كمال بتوضيح

_ كتبتله رسالة وبعتها على الواتس و قولتله يفتحها وأما نرجع هفهمه، بس اهو أديتو علم عشان نعرف نروح نشوف القصة دي .


ياسر باختصار

_ يبقى يالا بينا. 


توجه الرجال الثلاثة إلى بيت عزام و حين لاح المبنى من بعيد تفاجئوا بتلك التي كانت تهرول من داخل البيت إلى الشارع و صوت نهنهاتها يخترق سكون الليل حولهم، وصوتًا آخر يتوسل إليها بالعودة 

_ أشجان. يا أشجان استني. 


توقفت آسيا على أعتاب عمارتهم تناظر رحيل شقيقتها بقلب مفطور من الوجع على حالها. لا تعرف ماذا حدث بالظبط في الداخل ولكنها تعلم طريقة والدتها في التعامل مع مثل تلك الأمور و حتمًا فلم تحتمل شقيقتها و خرجت بلا عودة. 

لازالت على حالها تقف أمام الباب تحتضن جسدها من نسمات الهواء الباردة وهي ترتدي ذلك البنطلون القصير و فوقه تيشيرت بنصف كم و خصلاتها تتمايل خلفها بدلال تحمل رائحها المميزة غافلة عن تلك العيون التي تلتمع بإعجاب خفي، ولكنها تنبهت حين سمعت أحدهم يُناديها من الخلف

_ أسيا. 


التفتت أسيا لتتفاجئ حين وجدت ياسر وبرفقته يزيد، ولكن كانت الصدمة حين وجدت كمال معهم و رجل آخر لم تتعرف إليه 


_ اسيا ايه؟ دي جاحدة..


هكذا تحدث عمر بإعجاب كبير، فنهره ياسر قائلًا


_ اتلم يا عمر. أسيا بنت حتتي، و بعدين جد و ملهاش في الشمال. 


عمر بمرح

_ حلو دا، هي ملهاش في الشمال وانا ماليش في اليمين. كدا نبقى متفقين. 


لم يُعجِب حديثه كمال الذي كان يُناظرها بأعيُن تجاهد حتى تخفي انبهاره بها، و استفهام مُلح دوى في عقله هل هذه الفتاة الرائعة الجمال هي نفسها تلك المرأة التي ترتاد شركته؟ كانت جميلة في كل حالاتها، ولكن الآن كانت طبيعية بدرجة مُبهرة.


_ ياسر؟ 


هكذا استفهمت أسيا بنبرة حاولت أن تكون هادئه ليُجيبها ياسر باستفهام

_ أشجان مالها؟ في حاجه ولا اي؟ 


أسيا بنبرة جامدة

_ أبدًا شدت مع ماما شوية. 


توقف الرجال أمامها لتضطر أن تقول بنبرة حاولت جعلها ودودة 

_ أهلًا يا كمال بيه. 


أجابها كمال بهدوء على عكس نظراته النارية تجاهها

_ ازيك يا أسيا. 


أجابته باختصار

_ بخير. 


قطب ياسر جبينه و صاح عمر مندهشًا

_ ايه دا انتوا تعرفوا بعض ولا ايه؟ 

ألقت نظرة خاطفة على عمر قبل أن تقول بنبرة جافة

_ كمال بيه مديري في الشغل. 


تفاجئت حين مد عمر يده إليها مُصافحًا وهو يقول بمرح

_يا محاسن الصُدف. اصل أبيه كمال خالي، وأنتِ عارفة الخال والد يعني، و مفيش فرق بين الأب وابنه، فتقدري تنسيه و تعتبريني مديرك من هنا و رايح. 


ناظرته شذرًا قبل أن تبتسم نصف ابتسامة صفراء ثم التفتت إلى ياسر الذي قال باستفهام

_ عم عزام فوق؟  


تحمحمت قبل أن تقول 

_ بابا. لا مش هنا. هو عند عم مرزوق.


دق قلبه حين استمع إلى جملتها لتُتابع بنبرة ذات مغزى

_ ماما بس اللي هنا فوق مع خالتو صابرين، و غنى. 


جن جنون نبضاته حين استمع الى حديثها، ولكنها تابعت بنبرة مُشجبة

_ أصل غنى تعبانه شوية، و خالتو جابتها تريح أعصابها عندنا كام يوم. 


لاحظ يزيد تلك النظرة في عيني شقيقه، و علم مدى تأثره ولكنه يُجاهد لأخفاء ذلك لذا قال بجمود

_ طب هنسبق انا والرجالة يا ياسر و انت ابقى حصلنا. 


تلقى نظرات نارية من كُلًا من كمال وعمر وما أن ابتعدا عن المكان حتى هتف الأخير حانقًا 

_ أنت يا أغبى اخواتك مين اللي قالك أننا عايزين نمشي؟ بتتصرف من دماغك ليه؟ 


تحدث كمال هو الآخر ساخطًا

_ الدكتور يزيد كبر و بقى بيقرر و يتصرف من دماغه واحنا تماثيل جنبه! 


يزيد بلامُبالاه 

_ دي حقيقة. انا لقيتكوا واقفين زي التماثيل قولت اتصرف. 


عمر بانفعال

_ ياخي يخربيت برودك. جايب البرود دا كله منين ياله؟


يزيد بنفس لهجته التي ضاعفت من حنقهم

_ البرود دا على فكرة ميزة مش عيب.


كمال بتهكُم

_ لا يا شيخ! 


يزيد بتأكيد

_ طبعًا. بيحمي من الذبحة و الجلطة و ضيق التنفس. البرود دا نعمة، هبة إلهية. الانسان البارد عمره طويل. إنما الإنسان العصبي دا شخص غبي مُتخيل ان انفعاله دا ممكن يغير الكون حواليه. في حين أنها كلها أقدار و العصبية وحرقة الدم دول أكتر حاجتين بيقصروا عمر الإنسان. 


عمر باستهجان

_ ياخي والله ما حد هيقصر عمري غيرك. انا مُشفِق على اللي عايشين معاك. 


طافت عيني عمر على كُلًا من ياسر وآسيا ليهتف باستهجان

_ مش عارف ليه حاسس انك طرقتنا عشان اخوك يخلاله الجو ؟


يزيد باختصار

_دي حقيقة.


خرجت الكلمات مندفعه من بين شفاه كمال 

_ هو في بينه و بينها حاجة؟


يزيد بنفي

_ مش هي. بنت خالتها! 


عمر بصدمة

_ ايه دا هو ياسر مرتبط؟ 


يزيد بملل

_ كان مرتبط. حاليا بيضرب نفسه بالجزمه أنه ارتبط. 

عمر باستفهام

_ يعني ايه مفهمتش؟ هو مرتبط ولا لا؟ 


تدخل كمال مُنهيًا ذلك الجدل قائلًا بنفاذ صبر

_ ملناش فيه يا عمر. دي حاجه تخص ياسر لوحده، وهو الوحيد اللي من حقه يحكي عنها. 


أنهى جملته تزامنًا مع رنين هاتفه مُعلنًا عن اتصال قادم من خالد الذي قال بحدة وهو يتوجه إلى سيارته

_ فينكوا يا كمال؟ 


_ موضوع طويل يا خالد يخص نسمة أخت عز الدين بيقولوا أن ليها بنتين عايشين هنا. اما ارجع احكيلك التفاصيل


خالد بخشونة

_ لو وصلت لحاجة عرفني.


_ تمام. بس متقولش حاجه قدام رحيم لحد ما نتأكد إذا كانوا هما ولا لا. 


خالد باختصار

_ متخافش. انا عند العربية، وهو لسه جوا. 


كان خالد يتوجه إلى سيارته ممسكا هاتفه حين شاهد ذلك الظل لإمرأة هزيلة تحتضن كتفها و تسير محنية الظهر و من انتفاضة جسدها تبدو و كأنها تبكي، و لم تلحظ تلك الحفرة التي كادت أن تسقط بها لولا تلك اليد القوية التي سندتها لكي لا تقع ليصل إلى مسامعها نبرة خشنة اجفلتها

_ حاسبي. 


رفعت أشجان وجهها لرؤية ذلك الغريب ولكن عينيها لم تبصران ملامحه جيدًا في هذه العتمة حولها و بداخل قلبها، ولكنه على عكسها أذهلته ملامحها الحزينة و عينيها اللتين حاوطهما الحزن حتى حفر أخاديد الأسى حول تجويفهم و تلك الدماء التي احتلت بياضهم، فمن يراها يُقسم بأن تلك المرأة افنت عمرها باكية

تركتها يداه قبل أن يقول بخشونة

_ أنتِ كويسة؟


لم تُجيبه بل ازادات ارتجافة جسدها ليُردف قائلًا

_ طب محتاجه مساعدة ؟


إجابه مُتألمة خرجت من بين شفتيها التي غزاها التشقُق و الجفاف

_ محتاجه معجزة. 


قالت جملتها و التفتت تُغادر من أمامه و هي تبكي بقهر تنعي حياتها السابقة و أيامها القادمة و داخلها تتمنى لو تهبط من السماء صاعقة لتنتزع روحها و ينتهي كل هذا العذاب. 


لازالت عينيه تُلاحقها حتى اختفت في أحد الأزقة. لتأمره نزعته الذكورية في تتبعها حتى يعرف إلى أين تذهب تلك البائسة؟ ليجدها تقف على أعتاب أحد الأبواب ترفع رأسها إلى السماء ثم تتوجه إلى داخل المنزل. ليعود أدراجه إلى سيارته بملامح مُتجهمة ولسان حاله يسأل ما الشيء الذي يُمكن أن يجعل المرأ مُحطم بهذه الطريقة؟


اللهم افتح علي فتوح عبادك العارفين، اللهم انقلني من حولي وقوتي وحفظي إلى حولك وقوتك وحفظك، اللهم اجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا♥️


★★★★★★★★


_ قوليلي يا أسيا أنتِ تعرفي البنت اللي اسمها جميله و اختها شروق اللي ساكنين فوق السطوح عندكوا؟


رفعت أحد حاجبيها قبل أن تقول بجفاء

_ معرفهمش اوي. بتسأل عنهم ليه؟ 


 يعلم كم هي ذكية، ولن تُعطيه ما يُريد بسهولة لذا أجابها بامتعاض 

_ يزيد اتخانق عشان واحدة منهم النهاردة.


أسيا بلهفة 

_ ليه حصل ايه ؟ 


لهفتها أكدت له بأنها على علاقة وطيدة بهم لذا أجابها قائلاً 

_ في شباب عاكسوها و يزيد شافهم و اتخانق معاهم عشانها، و كتبه و تليفونه ضاعوا في الخناقة، فكنت عايز اعرف منها أي معلومات عنهم.


تلكأت الكلمات على شفتيها قبل أن تقول بنبرة خافتة

_ البنتين دول أغلب من الغُلب يا ياسر، و ملهمش حد ولا ليهم في المشاكل، فلو هتعمل مع العيال دي حاجه يبقى برا عنهم.


ياسر بفظاظة

_ عقدة لسانك اتفكت و طلعتي تعرفيهم يعني!


أسيا بحنق

_ معرفهمش بس. دول في غلاوة أشجان وغنى.


تبدلت ملامحه و تلبدت عينيه بسُحب الألم الذي تجلى في نبرته حين قال بجفاء

_ هي عاملة ايه دلوقتي ؟ 


أسيا بحزن

_ تعبانه. كل شويه تسخن، و تقوم مخضوضة و بتصرخ. مرعوبة لسه من اللي حصل، و مش قادرة تتخطاه. 


احتار كيف يشكو وجعه لأجلها، و أمنيته التي تُرهقة في أي يكُن هو من يُطمئنها، و حين أوشك على الحديث سمع صرخة آتيه من الأعلى فرفع رأسه إلى الشرفة بقلب مفطور و روح مزقها الألم، فضغط بقوة على أسنانه حتى كاد أن يطحنها في محاولة لتجاوز ذلك الحريق داخله لتباغته أسيا حين قالت

_ بتنادي عليك يا ياسر، وهي نايمة بتقعد تقول اسمك.


حاول استجماع جأشه قبل أن يقول بنبرة قاسية

_ تنادي على جوزها. 


آسيا برجاء

_ غنى عايزة تطلق، و محدش هيقدر يساعدها غيرك. 


كانت عينيه تغافله و ترتفع إلى الشرفة عله يلمحها، من كل قلبه يتمنى لو يراها الآن، ولكنه مُجبر على قمع كل ما هو يخصها بداخله لذا قال بجفاء 

_ ما تطلب الطلاق.


آسيا بحزن

_ طلبت. بس هو مش راضي يطلقها.


هل تريد ان تُصبيه بجلطة قلبية ؟ حديثها يُشعل نيران غيرته الهوجاء، وهو الذي يُريد التخلص منها كي يحيا لذا هتف بجفاء

_ طب ما الراجل متمسك بيها. عايزة ايه تاني؟ 


اغتاظت من حديثه، وهو الذي يتبلور ألمه بوضوح في عينيه، و كأنها غبية لن تعلم أنه مازال يعشقها لذا هتفت بحدة

_ ياريت تركن الماضي على جنب ووو


قاطعها ياسر بقسوة و حسم

_ الماضي مات، وانا مبقتش فاكره. لو كانت عايزة تطلق تبعت ابوها للحاج جابر يقوله، و لو لقاها على حق هيقف جنبها. 


لم يُعطيها الفرصة للحديث إنما تابع بجفاء

_ عايز اقعد مع شروق و اختها؟ قولي لوالدتك تسبقني على فوق عندهم. 


ابتسامة مكر لونت ملامحها و عينيها، و كأنها تُريد اخباره بأنه حتمًا لن يتخلى عنها لذا قالت باختصار

_ ثواني. 


التفتت تنوي الدلوف إلى الداخل وهي تتقصد تجاهل ذلك الذي كان يُناظرها على بعد عدة خطوات لتخطو إلى داخل المنزل دون أن تلقي عليه نظرة واحدة، فاغتاظ من وقاحتها و كز على أسنانه ليتوجه ياسر إليهم قبل أن يقول باختصار

_ هنقابلهم. 


مرت عدة دقائق قبل أن تطل أسيا برأسها من البوابة وهي تقول باختصار 

_ اتفضلوا. 


صعدت إلى الأعلى و توقفت عند بابا شقتهم وهي تقول موجهه حديثها لياسر

_ ماما مستنياكوا فوق.


تقدم الرجال الأربعة وقد تعامل كمال بالمثل ولم يُكلف نفسه بإعطائها نظرة واحدة، ولصدمته لم تُبالي هي الأخرى به فهتف بوعيد من بين أسنانه

_ وحياة أمك لهكدرك بس الصبر. 


تفاجئت جميلة حين وجدت رضا تصعد إلى الأعلى وهي تُنادي عليها

_ شروق. يا شروق. 


_ نعم يا خالتي. شروق بتصلي.


اجابتها رضا بتقريع

_ تعالي ياللي جيبالنا الكلام. اتخانقتِ مع مين النهاردة ياللي تتشكي ؟ 


جميلة بذُعر

_ والله ما اتخانقت. دا واد متني كدا. كان بيتخانق مع شوية عيال صيع. انا مالي؟


لم تكُن تعرف بأن الرجال الأربعة يقفون أمام باب المنزل ليقول يزيد بصدمة

_ عيل متني! 


هتف عمر بشماتة

_ أنا لو منك مدخلش. 


يزيد بحنق

_ يدخل عليها قطر البعيدة انا اللي غلطان. بس تصدق. انا كدا اتأكدت انها من الوتايده وش. نفس قلة الأصل بتاعتهم.


صاح ياسر بصوت جهوري

_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته . 


رضا بلهفة

_ و عليكم السلام ورحمه الله وبركاته. تعالى يا ياسر. اتفضل يا ابني. 


ثم التفتت ناظرة إلى جميلة وهي تقول بتقريع

_ الواد جابلك ولي أمره. الله يسامحك. 


دلف ياسر إلى الداخل و خلفه كمال يليه يزيد ثم عمر الذي ما أن خطى إلى داخل المنزل حتى خرجت شروق التي انكمشت ملامحها باندهاش حين شاهدته، فهتفت باستفهام

_ هو في ايه يا خالتي ؟ 


رضا بخفوت

_ اقعدي وأنتِ تفهمي، و أنتِ كمان يا جميلة تعالي اقعدي. 


كان عمر يشعُر بأنه يعرف تلك الفتاة ولكنه لا يتذكر أين شاهدها ؟ لذا لم تتزحزح عينيه عنها قيد أُنمُلة، وهذا ما جعل الغضب يتصاعد إلى رأسها، ولكنها سرعان ما انتبهت إلى حديث ياسر الذي قال بخشونة

_ معلش يا أنسة شروق جينا من غير معاد بس حصل مشكلة صغيرة كدا مع جميلة اختك ويزيد اخويا، فكان لازم اعرف منها شويه حاجات. 


شروق بنبرة هادئة تُلازمها دائمًا

_ ولا يهمك يا استاذ ياسر. اتفضل اسأل و جميلة هتجاوبك.

التفت ياسر إلى جميلة قائلًا بنبرة هادئة

_ ممكن تحكيلي ايه اللي حصل بالظبط النهاردة مع الشباب دول؟ 


قصت له جميلة ما حدث وسط انتباه الجميع، وما أن انتهت حتى قال ياسر باستفهام

_ شوفتيهم قبل كدا الشباب دول ؟ 


جميلة بخفوت

_ ايوا شوفتهم في مدرسة الصنايع اللي جنبنا، لكن والله عمري ما كلمتهم أبدًا.


امتدت يد شروق تحتوي يد شقيقتها وهي تقول بنبرة هادئة

_ محدش طلب منك تحلفي. أنتِ مش موضع شك ولا اتهام. أستاذ ياسر بيسألك عادي. 


أُعجِب الجميع بهدوء تلك الفتاة و رزانتها و أولهم. هو لم يكُن اعجاب انما اندهاش فهو لم يُقابل بحياته فتاة في هدوئها، ولكن فجأة أضاء عقله حين تذكر بأن هذه الفتاة هي ذاتها التي قابلها يوم الحادث ، و تلك الفتاة جميلة هي من كاد أن يدهسها، فخرجت الكلمات من فمه مدهوشة حين قال

_ أيوا افتكرتك. أنتِ البنت اللي اتخانقت معاكِ، يوم ما كنت جايلك يا ياسر. 


هنا تدخل يزيد قائلًا بتهكُم

_ كمان اتخانقت معاك. دا أنتِ جميلة مشاكل بقى! 


هتفت جميلة باندفاع وحنق

_ لا يا عسل اسمي جميلة صابر. 


استغل ياسر الأمر وقال باستفهام

_ جميلة صابر ايه؟ 


أجابته جميلة باندفاع قبل أن توقفها يد شقيقتها 

_ جميلة صابر عبد التواب الجيار.


توقفت الأنفُس و تبادل الرجال النظرات لثوان قبل أن يهتف عمر قائلًا 

_ يا محاسن الصُدف. تصدقوا طلعنا قرايب! 


هوى قلب شروق بين قدميها لتناظره بصدمة قابلها بالتهكُم حين قال

_ أنا الدكتور عمر عز الدين الوتيدي. ابن خالكوا البشمهندش عز الدين الوتيدي. 


اللهم أنت حسبي في من ظلمني ومن أذاني و من جار على حقي، و من اغتابني، و من قال في ماليس في، و أنت حسبي ونعم الوكيل، اللهم إن عبدًا من عبادك قد ضرني و ضره لن يبرى أبدًا فأرني فيه ما يُرضيك ويُرضيني ولا يُرضيه. 


★★★★★★★★★


مر أسبوعًا كان كارثيًا على الجميع الذين يُخيم الصمت على وجوههم، ولكن هُناك حرائق مُشتعِلة داخل الصدور، و لهذا حسم مرزوق أمره حين طلب من جابر الصياد أن ابنته تبغي الطلاق ليقرر عقد تلك الجلسة التي كان يحاول بشتى الطُّرُق الهرب منها، ولكن منذ متى وهو يهرُب؟


_ يا حاج عبد الحفيظ الحاج مرزوق جالي و قالي أنه عايز تخرجوا بالمعروف زي ما دخلتوا بالمعروف. 


هكذا تحدث جابر الذي كان يجلس في تلك القاعة الكبيرة التي تضُم الكثير من الرجال من بينهم شيوخ و كبار رجال المنطقة ليفضون النزاعات بين المتخاصمين 

_ معروف اي؟ هو الغدر في معروف يا معلم جابر؟ 


كان هذا الصوت الغليظ لعبد الحفيظ الصباغ الجالس في مقابلة مرزوق الذي لم يكُن راضيًا ولكن حالة ابنته لا تسمح بأي جدال آخر يكفيه أنها لم تعود إلى بيته الا بعد أن أخبرتها والدتها بأنه اتفق مع جابر حتى يُطلقها من زوجها

_ غدر ايه يا معلم عبد الحفيظ اللي بتتكلم عنه؟ 


هكذا استفهم جابر ليُجيبه عبد الحفيظ بغلظة

_ الست هانم بنته سرقتنا وهربت على بيت اهلها. اهتاج مرزوق من حديثه وهتف غاضبًا 

_ الكلام دا مش حقيقي. انا بنتي جتلي بالجلابية اللي عليها. لا معاها أبيض ولا أسود.


صاح عبد الحفيظ بوقاحة

_ لا ياخويا خش في عبي خش. مش بعيد تكون أنت اللي مخططلها وهي نفذت.


تعاظم غضب مرزوق الذي هتف بصوت جهوري

_ عندك يا عبد الحفيظ. احنا مش حرامية، و لا محتاجين منكوا حاجه، واوعى تفكر تغلط فيا ولا في بنتي. 


عبد الحفيظ باستفزاز

_ بنتك دي ناكرة للجميل. اللي تولع في شقتها وتهرب بالشكل دا تبقى بت ناقصة رباية ملقتش راجل يقولها عيب. 


هب مرزوق واقفًا وهو يصيح بانفعال

_ انا بنتي متربية أحسن تربية. 


صاح جابر بحدة

_ أهدى يا مرزوق، وانت يا عبد الحفيظ بلاش لتجريح وإهانة. بدل الحياة استحالت يبقى تخرجوا بالمعروف. 


عبد الحفيظ بانفعال

_ معروف ايه اللي بتتكلم عنه ؟ بقولك ولعت في البيت و هربت. تقولي معروف! 


_ بنتك عملت كدا ليه يا مرزوق؟ 

التفت جابر موجهًا حديثه إلى مرزوق الذي لم يكُن يعلم ما الذي عليه أن يفعله في تلك اللحظة، فهو حتى الآن لا يعلم لما أقدمت ابنته على فعل ذلك، ولكنه مجبر على الإجابة، وقد استغل عبد الحفيظ حيرته حين قال ساخرًا

_ طبعًا معندوش حاجه يقولها. مش بقولك مخططلها وهي بتنفذ! 


صاح جابر بصرامة

_ ما تدي الراجل فرصة يتكلم يا عبد الحفيظ عمال تلاحق عليه في الكلام كدا ليه؟ 


صمت عبد الحفيظ مُكرهًا فالتفت جابر إلى مرزوق ليُلاحظ ملامحه التي تنم عن قلة الحيلة، فأضاف ليُنقذه من هذا الموقف

_ الكلام دا مش نافع. عاملين تناطحوا في بعض، ولا بتحلوا ولا بتربطوا. انا عايز صحاب الشأن هما اللي يتكلموا وكل واحد يقول مشكلته ايه؟ 


بهتت ملامح رأفت الذي كان صامتًا منذ بداية الجلسة تاركًا زمام الأمور إلى والده كما هي العادة والذي اهتز داخلياً ما أن سمع اقتراح جابر ولكنه تذكر حديث زوجته قبل أن يأتي إلى تلك الجلسة

_ طب ما تقولهم وايه يعني؟ معهاش دليل. كل كلامها فنكوش. ماهي بقت مدام خلاص. يعني لو فتحت بقها نقدر نخرسها العمر كله. 


_ وانا موافق. 


كان هذا صوت عبد الحفيظ الذي طالع مرزوق بتحدي ليقول الأخير بقلة حيلة

_ بس غنى تعبانه شويةووووو


جابر بحسم

_ القاعدة دي ملهاش لزوم من غير وجودها يا مرزوق أن كنتوا عايزين تخلصوا. 


ازعن مرزوق لطلبه قائلًا

_ اللي تشوفه يا حاج جابر. 


صاح جابر في أحد الخدم الذي هرول إلى الداخل فأمره قائلًا

_ شيع حد من الغفر لبيت عمك مرزوق يروح للست مراته يقولها الحاج جابر عايز غنى هنا شويه. 


اطاعه الحارس و هرول إلى الخارج ليُنفذ أوامره.


لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين♥️


★★★★★★★★


تقف في شرفتها تستند على الإطار الخشبي برأس أثقلته الهموم و صدر احترق من فرط ألمه حتى حُطامها لم ينجو من هذه المآسي التي تُحيط بها من كل حدبً وصوب. حتى الذكرى الوحيدة التي كانت تُهديء من حالها مُحرم عليها أن تسترجعها بينها و بين نفسها طالما هي زوجة ذلك الوغد، والذي لا تعرف هل ستستطيع النجاة منه أو لا؟ 


_ غنى. 


كان هذا صوت والدتها فالتفتت تُناظرها بلهفة علها تنطق بتلك الكلمة التي تتوقف عليها حياتها، ولكن الأخيرة قالت بحزن

_ المعلم جابر باعت عايزك. 


جن جنون دقاتها و تسارعت أنفاسها و تلعثمت الحروف على شفاهها حين قالت

_ عايزيني ليه؟


صابرين بنبرة مُشجبة 

_ مقالش. بس أكيد عشان تقعدي في القاعدة معاهم. 


اهتزت جفونها حين تدافعت العبرات بمقلتيها لتخرج نبرتها مُتحشرجة حين قالت

_ مين اللي بره؟ 


_ يزيد .


خرجت إلى حيث ينتظرها يزيد الذي كان الامتعغض باديًا على ملامحه، ولكن حالتها جعلته يقول بلهفة

_ ايه يا غنى؟ أنتِ طالعة من القبر بكفالة ولا اي؟ 


نجحت كلماته في رسم ابتسامة بسيطة على ملامحها قبل أن تقول بتهكُم مرير

_ ياريت ادخله و ارتاح يا يزيد.


يزيد بنبرة حادة

_ اجمدي كدا. اومال لو بقالك ست سنين بتمحني زي العبد لله كنتِ عملتي ايه؟ فكيها كدا وصلي على النبي. 


غنى بخفوت

_ عليه أفضل الصلاة والسلام. 


سارت معه إلى البيت إلى أن توقفت أمام تلك البوابة الضخمة و شعرت بأن دقات قلبها كادت أن تُحطِم ضلوعها، فالتفتت الى يزيد قائلة بشفاة مُرتجفة

_ مين اللي جوا؟


_ في القاعدة الحاج جابر و معاه رجالة معارفه، و ابوكي، و اللطخ اللي أنتِ متجوزاه و أبوة. 


هكذا تحدث يزيد بنبرة جادة قبل أن تتحول الى تقريع حين تابع 

_ بالله عليكِ دا منظر؟ دا تحسيه موقوف نموه يا شيخة، ولا راضع لبن سحالي، فخلته شبههم. 


كادت أن تضحك على حديث يزيد ، و تُخبره بأن الأمر أكبر من ذلك بكثير، ولكنها اكتفت بالصمت، على الرغم من تلك الأسئلة التي تطن بعقلها كالذُباب و على رأسهم " هل هو بالداخل أم لا؟ " لكنها اكتفت بالصمت لتسير خلف يزيد الذي قام بالطرق على باب الغرفة ثم فتحه ليدلف إلى الداخل مُلقيّا السلام و من ثم غادر تاركًا غنى التي كادت قدماها أن تتلاشى من فرط الخوف ليأتيها صوت جابر الهادئ حين قال

_ تعالي يا غنى يا بنتي.


تقدمت غنى إلى داخل المكان ولم تفت عليها نظرة رأفت التي تُشعِرها بأنه على وشك قتلها، لتتوجه رأسًا إلى والدها الذي اقترب يُمسِك يدها و يُجلسها بجانبه. ليتحدث جابر قائلًا

_ دلوقتي أنا هوجه كلامي لغنى و رأفت ياريت هما بس اللي يردوا عليا. 


اومأ الجميع بصمت ليتوجه جابر بحديثه إلى غنى قائلّا بنبرة حانية و نظرات مُطمأنة

_ قوليلي يا غنى أنتِ ليه عايزة تطلقي؟ 


حاولت استجماع كل ما تملك من شجاعه قبل أن تقول بنبرة جامدة

_ هو انا كنت متجوزة أصلًا ! 


الفصل الثامن من هنا

تعليقات



×