رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثامن 8 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثامن بقلم نورهان ال عشري 


الإثم الثامن ❤️‍🩹 بعنوان " رغم أنف الكبرياء "


حاربت كل شيء لأجلك و حاربتني أنت لأجل لا شيء، وحين ظننت بأنك انتصرت، و ظننت أنا بأنني استطعت تجاوز هزيمتي أمامك. سخر منا القدر مرة أخرى حين وضعنا في مواجهة ضارية بين حقائق دُفِنت بأعماق قلوبنا، و أوهام اعتقدناها ثوابت قد نتكيء عليها ذات يوم، وبين كل هذا و ذاك وجدتني انصاع خلف غايةٍ مزعومة بأن النجاة أمام عينيكِ هي انتصاري الحقيقي، أو رُبما هلاكي الذي لا أمل من الغرق به.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


_ هو انا كنت متجوزة أصلًا!


تفجر بارود كلماتها في المكان الذي طغى عليه الصمت لتجحظ العيون تترقب باقي جملتها التي ردعها تهديد أهوج كمم صوت أستغاثتها لمدة عامين.

_ هو أنتِ فاكرة انك حتى لو صرختي وقولتي بعلو حسك للناس كلها أن جوزك مقربلكيش حد هيصدقك! ولا انا هدي فرصة لحد يصدقك؟ ولا الناس وقتها هتتعاطف معاكِ؟ تبقي غلطانه. أنتِ بقيتي مدام يا عنيا. عود الكبريت انطفى خلاص، و حتى لو قولتي و الناس صدقتك عارفة هيقولوا عليكِ ايه؟ بت سافلة قليلة الرباية. بتتكلم في حاجات عيب، فلمي نفسك بقى أحسن ماالبسك أنا العيب، و اخلي سيرتك أنتِ و أهلك لبانه في بق الخلق. 


_ يعني ايه الكلام دا يا غنى ؟ 


هكذا استفهم جابر، فرغمًا عنها رفعت رأسها لتصطدم نظراتها بأعيُن يتوهج بها الشر كتوهج الشمس في السماء، فتفشى الذُعر في جسدها لتلتفت إلى والدها الذي كانت نظراته تحترق غضبًا و كأنه يلومها على هذا الوضع. كانت تتمنى لو تستمد العون منه ولكنه في الحقيقة خذلها هو الآخر، فأعادت بصرها الى جابر الذي شعر بالأسف على انكسارها بتلك الطريقة و خاصةً حين قالت

_ أنا مش قادرة استحمل عيشتهم، و عايزة أطلق. 


هنا صرخ عبد الحفيظ بغلظة

_ سمعت بودانك يا معلم جابر؟ اهي مش لاقيه حاجه تقولها. 


جابر بحزم

_ وبعدهالك يا عبد الحفيظ. ما قولنا ادينا فرصة نسمع من الناس. اخد الولاد على جنب عشان اعرف اسمع منهم ولا انت ايه رأيك؟ 


تفشى الخوف بأوردته أن يجتمع بتلك الفتاة و ولده الذي لا يعرف كيف يتصرف و من المؤكد أنه سيُفسد كل شيء لذا قال مُكرهًا

_ ادينا سكتنا. ياك نسمع حاجة مفيدة. 


شعرت بقبضة حديدية تكاد تُحطم رسغها و صوت والدها المتوعد يقول بجانب أذنها

_ ما تتكلمي يا بت أنتِ. ايه اتخرستي! عاجبك شكلنا في وسط الخلق؟ الراجل بهدلني وانا عامل زي العيل الصغير مش عارف ارد عليه. 


استفحلت وخزات الألم بسائر جسدها و استوطنت قلبها الذي انفطر في تلك اللحظة لتصدع ذلك الجدار الذي من المُفترض أن تستند عليه، فتناثرت العبرات من مقلتيها حزنًا جعل جابر يقول بنبرة هادئة ولكنها حاسمة و كأنه يُخبرها بأن هذه هي فرصتها الوحيدة للنجاة 

_ غنى. أنتِ بتقولي عايزة تطلقي، و عشان تطلقي يا بنتي يبقى لازم تكون عندك اسباب قويه و إلا تلقي بتظلمي ابن الناس معاكِ. خراب البيوت مش سهل، و احنا كلنا النهاردة قاعدين عشان نعرف أسبابك ايه؟ يا تقولي اللي عندك يا تقومي تروحي مع جوزك. 


جن جنونها حين تخيلت أن تذهب إلى هذا الجحيم مرة أخرى، فخرجت الكلمات من فمها مندفعة مرتعبة

_ الراجل دا مش جوزي. دا سجاني. انا مش عايزة اعيش معاه، ولا هو ولا أهله. انا مشوفتش يوم حلو معاهم من يوم ما اتجوزت. 


جابر بهدوء و عينيه تبثها الأمان الذي تحتاجه 

_ احكيلنا يا غنى بالتفصيل عشان نقدر نفهم. 


غنى بانفعال 

_ أنا معرفوش اصلًا. على طول يا اما مسافر في شغل يا اما في المحل يا اما قاعد من أهله تحت. انا معرفش اي حاجه عنه، ولا هو يعرف اي حاجه عني. كمان بيمد أيده عليا. 


تدخل عبد الحفيظ بغضب 

_ أكيد عشان قليلة الأدب. 


هتفت غنى بانفعال

_ ابنك هو اللي جبان. مبيعرفش يتكلم بلسانه فبيمد أيده.


جابر باستفهام 

_ طب و ليه مشتكتيش يا غني؟ 

 

غنى بحدة

_ ماهم كانوا بيبقوا سامعين تحت . 


عبد الحفيظ بوقاحة 

_ محصلش !


غنى بانفعال 

_ لا حصل كلكوا كنتوا بتسمعوا، ولا مرة حد فيكوا قاله عيب.


لم يُمهِل جابر عبد الحفيظ الفرصة للحديث إذ بادر بالهجوم

_ الكلام دا مظبوط يا عبد الحفيظ ؟ انت كنت عارف أن ابنك بيضرب مراته و مبتقولوش عيب؟ 


عبد الحفيظ بانفعال

_ عرفت قبل كدا، و متكلمتش عشان محرجهاش، ولا اصغرها. 


لمع الخُبث بمقلتيه حين أردف بمكر

_ قولي يا جابر لما الواحد يعرف أن مراته بتسرقه، و ينبهها مرة و اتنين وتلاته و بردو تعمل العملة هيعمل فيها ايه؟ 


فزعت من قسوة ذلك الاتهام و هتفت بانفعال

_ والله ما حصل. انا حتى معرفش هو بيشيل فلوسه فين؟ 


أوشك عبد الحفيظ ان يُجيبها لينفتح باب الغرفة، و يُطل عليهم ياسر الذي كان يرتدي جلباب أبيض يّظهر طوله الفارع و تقاسيم جسده القوي فطافت عينيه الحادتين على جميع الموجودين قبل أن يقول بنبرة خشنة قوية 

_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.


رد الجميع السلام عليه و رحبوا به بحفاوة ماعدا عبد الحفيظ و ولده و بالطبع هي، فقد أرادت في تلك اللحظة أن تتلاشى من الحياة على أن يراها في ذلك الموقف المُهين. اقترب ياسر بخطوات موزونة و احتل مكانه بجانب جابر الذي كانت نظراته غامضة تغاضى عنها ياسر الذي قال بفظاظة

_ وقفتوا ليه؟ كملوا. 


كاد عبد الحفيظ ان ينفجر من شدة الغيظ حين رأى ياسر الذي كانت عينيه يتماوج بهم الوعيد و الغضب مما جعل جابر يحاول قطح حرب النظرات الدائرة و يوجه حديثه إلى غنى قائلًا 

_ يعني أنتِ يا غنى محصلش مشكلة بينك و بينك جوزك بسبب أن أخدتي فلوس من وراه قبل كدا؟ 


غنى باندفاع

_ والله ما حصل. 


هتف عبد الحفيظ بغلظة 

_ كدابه، و الدليل انك لما ضربك اخر مرة بسبب الفلوس اللي سرقتيها خططي و رسمتي و ولعتي في الشقة علشان تاخدي الفلوس اللي قلبتيه فيها و تهربي.


كان يكظم غيظه بأعجوبة كي لا يُحطم رأس ذلك الحقير و خاصةً حين سمع أنينها وهي تنفي بشاعة ما يتهمها به 

_ انا مشيت بالجلابية اللي عليا فلوس ايه؟ حرام عليك والله ما خدت منكوا ولا جنية. 


عبد الحفيظ بتخابُث

_ و الدهب اللي لقيناه في دولابك بعد ما مشيتي و كل فواتيره تواريخها بعد جوازك جبتي فلوسه منين؟ تكونيش كنتِ بتشتغلي من ورانا؟ ولا ابوكي كان بيجيبلك الألفات واحنا مش داريين؟ 


هوى قلبها ذُعرًا من حديثه و قالت بقهر

_ دهب ايه ؟ انا معرفش انت بتتكلم عن ايه؟ انا حتى شبكتي مجبتهاش. 


لم يعُد يحتمل نبرة صوتها المُعذبة، ولا أنينها الذي يتردد صداه بقلبه، و كذلك خُبث ذلك الرجُل الذي ظن بأن مكره سيُنجيه ولكنه باغته حين قال

_ هو انت يا حاج عبد الحفيظ مش لسه قايل من شويه أنها خططت و ولعت في شقتها عشان تهرب بالفلوس اللي سرقتها؟ 


عبد الحفيظ بتأكيد

_ ايوا الكلام دا حصل. 


ياسر بمكر

_ منين بقى هتاخد الفلوس و تسيب الدهب اللي بيثبت انها كانت بتسرق ابنك! اللي خلاها تسرق يبقى هتسرق كل حاجه. مش هتسبلك دليل تمسكه عليها ولا انا كلامي غلط يا رجالة؟ 


تعالت همهمات الرجال و على رأسهم جابر الذي قال بتأييد

_ كلامك عين العقل يا ياسر. ايه قولك في الكلام دا يا معلم عبد الحفيظ؟ 


لم يحسب عبد الحفيظ حساب لدهاء ياسر الذي كان الوعيد يطل من نظراته، فابتلع ريقه بصعوبة قبل أن يهتف بغضب

_ والله بقى دي حاجة انا معرفهاش. البت دي ولعت في شقة ابني و خدت فلوسه و هربت، وانا عندي شهود شافوها بتهرب و معاها شنطة الفلوس في ايديها. 


غنى بصدمة 

_ شهود ايه و شنطة فلوس ايه؟ والله ما حصل. 


عبد الحفيظ بوقاحة

_ هتعرفيهم لما يروحوا يشهدوا عليكِ قدام النيابة. 


تدخل ياسر بصوت غاضب و كأنه يريد أن يُخرِسها عن الحديث مع هذا الوغد

_ قولي يا حاج عبد الحفيظ الشهود دول شافوها وهي خارجة من بيتك؟ 


عبد الحفيظ بتخابُث مصحوب ببسمة صفراء

_ مش بس وهي خارجة من البيت دول شافوها وهي عند المحطة بتركب و جاية على بيتهم. 


وقع الذئب في تلك الحفرة التي صنعها بيديه. ابتسم ياسر بدهاء قبل أن يقول بتقريع

_ كمان شافوها وهي عند المحطة! طب ايه قولك بقى أن اللي جايبها بيت اهلها حسن ابن اخوك! 


انتفض عبد الحفيظ من مجلسه وهو يقول باستنكار

_ بتقول ايه؟ حسن ! 


ياسر بقسوة

_ ايوا حسن. 


عبد الحفيظ بغضب

_ و عرفت منين ؟ حسن لا يمكن يعمل كدا! 


ياسر بجفاء

_ حسن صاحبي، و يومها عدى سلم عليا و شرب معايا الشاي، و عمومًا مش بيقولك المية تكدب الغطاس . تقدر تسأل حسن هو يعني بعيد عنك! 


عبد الحفيظ بتلعثُم

_ انت بتقول ايه يا جدع انت؟ حسن مين اللي أسأله، ولا انت بتقول كدا عشان عارف أنه مسافر بيعمل عمره. 


وصل إلى النقطة التي أرادها لذا قال بتهكُم

_ و يعني هي السعودية بعيدة؟


قام بإخراج هاتفه وسط نظرات ترقب من الجميع و صدمة من جانبها، فهي لم تتخيل أن يقف جنبها بتلك الطريقة حتى أنها ظنت بأنها في حلم إلى أن سمعت صوته وهو يحادث حسن قائلًا بمرح

_ ازيك يا ابو علي. عامل ايه يا غالي ؟ 


كان يفتح مُكبر الصور ليصدح صوت حسن في أرجاء المكان

_ بخير يا وتيدي. عامل ايه ياصاحبي؟ 


ياسر بخشونة

_ الحمد لله في نعمة. الحاج عبد الحفيظ قاعد معايا وكان عايز يسألك على حاجة مهمة يا ابو علي. خد هو معاك اهو. 


رفع أنظاره الى عبد الحفيظ الذي كانت ملامحه باهته من فرط الصدمة ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل وهو يرى ياسر الذي يرفع يده بالهاتف ليتحدث مع حسن، فابتلع حنقه قبل أن يقول بنبرة مُتحشرجة

_ ايوا يا حسن. 


_ ازيك يا عمي. عامل ايه ؟ 


عبد الحفيظ بجفاء

_ كويس. قولي يا حسن. هو انت فعلا اللي جبت غنى على بيت أهلها يوم الحريق. 


لم يتردد حسن في الأجابه 

_ ايوا يا عمي انا اللي وصلتها بيت أهلها. 


لم يكُن ليسأله عن أي شيء بعدها فقال بجفاء

_ طيب يا حسن. خلاص. 


ولكن ياسر لم يكُن ليُضيع تلك الفرصة من يده، فهتف بتهكُم

_ ايه يا حاج عبد الحفيظ هو كدا بس اللي عايز تعرفه من حسن؟ 


عبد الحفيظ بتلعثُم

_ وهو حسن يعرف ايه يعني ؟ 


ياسر بقسوة مُغلفة بالهدوء

_ هنعرف منه حالًا. قولي يا حسن انت لما خدت بنت الناس من بين عمك و ودتها بيت أهلها كان معاها حاجة؟ شنطة مثلا! 


حسن بنفي

_ لا خالص. 


اومأ ياسر برأسه و على شفتيه ابتسامة ساخرة قبل أن يقول بقوة

_ متأكد ؟ افتكر كويس. 


حسن بتأكيد 

_ ياعم بقولك لا. دي حتى كانت بلبس البيت، و أمي هي اللي جابتلها عباية من بتوع البنات اخواتي تلبسها عشان تروح. هو في ايه يا ياسر ؟ 


ياسر بابتسامة ظفر

_ ولا حاجه يا غالي، افتكرنا عند النبي و متنسناش من دعواتك، ولما ترجع بالسلامة نبقى نتقابل. 


اغلق ياسر الهاتف تزامنًا مع حديث جابر الذي قال بجفاء

_ أية قولك في الكلام دا يا معلم عبد الحفيظ؟ 


لا يعرف ماذا عليه أن يقول في تلك اللحظة فكل شيء كان يسير على ما يُرام و فجأة انقلب كل شيء بسبب ذلك القناص الذي استغل فريسته ببراعة حين قال بتهكُم

_ كفاية على الحاج عبد الحفيظ كدا، و خلينا نسمع من صاحب الشأن. 


تسلطت جميع الأنظار على رأفت الذي انسحبت الدماء من أوردته، فهو لا يجرؤ على الحديث أمام كل هذا الجمع و يشعر بالتوتر الذي يجعله قد يُزيد الأمر سوء، و لكن كل شيء كان يسير ضده حين تدخل جابر قائلًا 

_ ايه يا رأفت رأيك في الكلام دا ؟ 


كانت عينيه تسير بغير هدى على وجوه الجميع ولا يعلم ما الذي عليه أن يقوله ليلتفت إلى والده الي ناظره بخوف لم يُساعده ليُعيد أنظاره الى جابر قائلًا بتلعثّم

_ عايزني اقول ايه؟ انا مش عارف. هي اللي مشيت انا معرفش مشيت ليه؟ 


ناظر الجميع بعضهم البعض باندهاش على عكسه تمامًا كانت نظراته قاتمة مغلولة يبغي سفـ.ك دماء ذلك الرجُل الذي كان ليشعُر تجاهه بالشفقة لولا أنه كان بديلًا له. الألم الدامي في صدره انطبع على نظراته على عكس ملامحه الجامدة و كأن ما يحدُث لا يعنيه. 

_ هو انت يا ابني مكنتش قاعد معانا من أول القاعدة؟ يعني ايه مشيت ليه؟ 


هكذا صاح جابر باندهاش ليبتلع رأفت ريقه قبل أن يقول بارتباك

_ لا طبعًا قاعد. بس بفهم منها يعني. 


تعاظم الحنق بداخل جابر الذي التفت إلى غنى قائلًا 

_ أنتِ صحيح ولعتي في شقتك يا غنى؟ 


شعرت بالارتباك والتوتر خاصةً عندما ارتفع رأسه يناظرها لأول مرة منذ أن دلف إلى القاعة، فتجمدت الحروف على شفتيها لثوان قبل أن تقول بنبرة مُتحشرجة

_ ايوا. 


صُدِم جابر من تأكيدها للأمر ثم قال باندهاش

_ طب و ليه عملتي كدا يا بنتي؟ 


هاهو الأمر يصُب مرة أخرى في بوتقة هلاكها. لا تعلم ما الذي عليها أن تقوله في هذه اللحظة؟ فالعواقب وخيمة، وهي لم تعُد تستطِع تحمُل كل هذا العذاب تتمنى لو كان هناك شخصًا واحدًا يُمكنها اللجوء إليه ولكن لا أحد.

_ عملتي كدا بقصد ولا من غير؟ كنتِ بتطبخي فالحريقة قامت ولا أنتِ اللي ولعتي في الشقة؟ 


كانت نظراته و كلماته بمثابة إنقاذ لها في تلك اللحظة المروعة لتهتف بتلعثُم

_ لا . لا انا . انا كنت بولع البخور الصبح زي كل يوم، و حطيته جنب الستارة في الأوضة، وخلت جوا طلعت لقيت الدنيا مولعة. 


اعتدا عبد الحفيظ في جلسته وهو يصيح بانفعال

_ أنتِ كدابة. 


تراجع جسدها للخلف بذُعر من فعلته، ولم تحسب حساب لغضب ذلك النمر الذي كشر عن أنيابه قائلًا بحدة

_ كدا انت غلطت يا عبد الحفيظ. 


برقت عيني عبد الحفيظ من مناداته له دون لقب ليُتابع ياسر مُستغلًا الموقف لصالحه

_ لما تغلط في بنت الناس ومرة و اتنين و عشرة قدام الناس و تتهمها بالباطل يبقى كدا غلط، و محدش في الرجالة اللي قاعدين دول هيقبل بالغلط دا يحصل . 


هنا تدخل أحد الرجال مؤيدًا لحديث ياسر

_ ما تهدى بقى يا حاج عبد الحفيظ. انت من وقت ما بدأت القاعدة وأنت عمال تتهم في بنت الناس وكل كلامك كذب. دا ميرضيش ربنا. 


هتف مرزوق الذي شعر بأن موقفه قد صار اقوى 

_ انا ساكتله بس عشان خاطركوا، و عايز حقي و حق بنتي منه.


التفت جابر ناظرًا إلى رأفت الذي كان صمته مُثير للحنق و للشك

_ يا رأفت انت سامع كلام والدك، و سمعت كلام مراتك، وعرفت هي مشيت ليه؟ عايز اسمع منك يا ابني زي ما سمعت منهم.


التفت الجميع إلى رأفت الذي لم يتذكر في تلك اللحظة سوى كلمات والدته قبل مجيئه إلى هذا المكان

_ اوعاك توافق انك تطلقها . البت دي متضمنش لو فلتت من بين ايدينا مش بعيد تقر على كل حاجه. دي لازم ترجع هنا عشان اضمن أنها عمرها ما تفتح بقها أبدًا، و بعد كدا اغورها في ألف داهيه


خرج صوته مندفعًا بطريقة اجفلت الجميع

_ انا عايز مراتي. 


لا إراديًا وقعت عينيها على وجهه الذي تصدع جموده للحظة و تحول لطوفان من الغضب الذي تجلى بذلك العرق النابض بصدغه، فلم تُمهِل نفسها الوقت إذ قالت بنبرة مغلولة

_ و أنا مش عايزاك. انا عايزة أطلق. 


لم تفلح كلماتها في تهدئة غضبه ولا إخماد تلك النيران الشاعلة بصدره، فلجأ للصمت كي يُعطي نفسه القدر الكافي للتحكم في فوران جسده الذي شعر به جابر فتحدث بجمود قائلًا

_ فكري يا غنى يا بنتي.


غنى باندفاع و نبرة يشوبها التوسل

_ فكرت، و خلاص النصيب اتقطع لحد كدا.


اغتاظ منها رأفت و ود في تلك اللحظة أن يفعل بها ما كان يفعل من قبل ليتبلور الشر في نظراته ونبرته حين قال

_ مش بمزاجك، و مش هطلقك.


صدح صوت رن في أرجاء الغرفة من فرط قوته و جهامة نبرته

_ و فين رجولتك لما تقبل على نفسك تعيش مع واحدة مش عيزاك؟ 


انطفأ ثقاب الشجاعة اللحظية التي انتابته ليجد نفسه لا يعرف كيف يُجيبه ليهتف بانفعال 

_ و أنت مالك؟ 


كان الأمر يبدو هزليًا حد الألم الذي تضاعف بصدره وهو ينظر إلى هذا الجرذ الذي فضلته عليه. الأمر مُهين و موجع حد شعوره بأن رئتيه تعجز عن استقبال الهواء فسحب قدرًا كافيًا منه كي يهدأ ليستمع الى صوت عبد الحفيظ الذي أراد إنقاذ موقفهم بعد حماقة ابنه

_ واحنا موافقين نطلق. 


أعاد جابر أنظاره الى رأفت قائلًا باستفهام

_ سمعت ابوك بيقول ايه يا رأفت؟ 


_ اه سمعت. 

جابر باستفهام

_ و ايه رأيك فيه ؟ 


رأفت باندفاع

_ ماشي خلاص هطلق. 

كان هذا الصبي يُحير الجميع الذي بدأ بعضهم يتفهم بأنه مجرد شبه رجل يعتمد على والديه غافلين عن حقيقته الكارثية، مما جعل جابر يتحدث قائلًا

_ ربنا سبحانه و تعالى قال في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } صدق الله العظيم، و بما أن النصيب خلاص اتقطع بينكوا يبقى تخرجوا بالمعروف زي ما قال ربنا. 


عبد الحفيظ بغل

_ و المعروف دي اللي هو ايه يا حاج جابر ؟ 


أجابه جابر قائلًا

_ تدي بنت الناس حقوقها يا حاج عبد الحفيظ دا اللي ربنا قال عليه. 


عبد الحفيظ بانفعال

_ كمان؟ مش كفاية هي اللي طالبة الطلاق و هتخرب بيت ابني! كمان عايزيني ادفع لها دم قلبي؟ 


جابر بحدة

_ جرى ايه يا حاج عبد الحفيظ؟ مش دا شرع ربنا؟ 


عبد الحفيظ بحدة

_شرع ربنا على راسنا، لكن هي يا حبيبي مجبتش حاجه تاخدها، و كمان احنا مكناش عايزين نطلق. إنما هي اللي مُصرة، و بدل مُصرة يبقى تتنازل.


تدخل مرزوق بانفعال 

_ يعني ايه الكلام دا؟ 


عبد الحفيظ بتجبر

_ يعني بنتك تبري ابني من كل حاجه. دا لو عايزة تطلق! 


إلى هنا تخطاها الأمر و صار تجبر و ظُلم بين لم تقبل به، و خاصةً أن ذلك الرجل كان مُتبجح بطريقة أثارت حنقه ليقول بجفاء

_ بقى يا حاج عبد الحفيظ ياللي لسه راجع من العمرة بتساوم الناس يا يتنازلوا عن حق بنتهم يا مش هتطلق! هي دي أخلاص المعلمين! لو مش خايف من ربنا طب حتى خاف على سمعتك!


عبد الحفيظ بغيظ

_ اومال يبقى موت و خراب ديار! بقولكوا مجابتش حاجه؟


تدخل جابر قائلًا بحدة

_ محدش جبرك تكتب قايمة لما هي مجابتش حاجه، و بعدين هو في ايه يا عبد الحفيظ عايز الناس تقول الحاج عبد الحفيظ الصباغ كل حق طليقة ابنه! 


تدخل أحد الرجال الجالسين و الذي كان تاجرًا كبيرًا و من ذوي النفوذ في منطقة مجاورة

_ الكلام دا مينفعش يا عبد الحفيظ. ربنا مقالش كد، و بدل الحياة استحالت يبقى كل واحد ياخد الله له لكن اللي بتقوله دا ميرضيش عبد ولا رب. 


للمرة الثانية يُحشر في الزاوية بسبب ذلك الرجل الذي قلب جميع الأحداث و وضعه في خانة الخاسر لينصاع رغمًا عنه إلى حديث المتواجدين قائلًا بجفاء

_ و المطلوب؟ 


أجابه جابر قائلًا

_ تاخد قيمتها كاملة يا اما فرش يا اما فلوس، و مؤخرها و دهبها. 


عبد الحفيظ بحنق

_ انا مش هطلع قشايه من بيت ابني. شوفوا القايمة تتقدر بكام وأنا هدفع. 


هتف جابر قائلًا

_ كدا يبقى متفقين. يا معلم مرزوق تجيب قايمة غنى بكرة و تجيلي، وانا هقدرها و اكلم الحاج عبد الحفيظ، و بإذن الله الجمعه الجاية نجيب الشيخ سمير يطلق، وانت تاخد حق بنتك متفقين. 


أومأ الجميع و انتهت الجلسة، فكان هو أول من غادرها، لتقع نظراتها المُتألمة الحزينة على جسده الضخم من الخلف و الذي يُنافي هشاشة قلبه المكلوم الذي يبغي الصُراخ حتى تتقطع أحباله الصوتية، فهذه المرة فاق الأمر حدود احتماله، فمن يُصدِق أن تلك الجلسة التي كان يحكُم بها هي جلسة طلاق حبيبة التي طعنته في ظهره و فضلت آخر عليه! 


اللهم إني أسألك فرجًا قريبًا، وصبرًا جميلًا، ورزقًا واسعًا، والعافية من البلايا، وشكر العافية والشكر عليها، وأسألك الغنى من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، اللهم إني أسألك بحق السائلين، وبأسمائك العظمى والحسنى أن تكفني شر ماأخاف وأحذر ♥️


★★★★★★★★★


جالسة في غرفة أطفالها تحتضن جسدها بيدها وعينيها تنظر إلى البعيد تُفكِر هل من مخرج يُمكنه أن يجعلها تغادر هذا العالم المليء بالخُذلان و القهر؟ هل يُمكِن أن تعود بالزمن إلى الخلف لسبع سنوات و تعرب ذلك اليوم قبل أن توافق على الزواج من هذا الرجل؟ 

استفهامات مؤلمة لأن إجاباتها هي المستحيل بعينه، فهي خُلِقت لكي تُعاني فقط، تتألم فقط. دون حتى أن تملك القدرة على الاعتراض كل ما تستطيع فعله هو أن تحيا ألمها و وجعها بصمت، و قد كان هذا حالها بعد مرور أسبوعين على تلك الفاجعة التي حدثت لهم تتابع ما يحدُث بصمت وسط نظرات كارهة من تلك المرأة التي تنتظر اي بادرة منها حتى تُفرغ بها جميع شحنات قهرها على ابنها الضال

_ أشجان. 


انتفض جسدها حين سمعت اسمه فأخذت تتلفت يمينًا و يسارًا وهي تتمنى لو كانت تحلُم لتجد طفليها يهرولان إلى الخارج، فتبعتهم وهي تتمنى لو يخيب ظنها ولا تجده أمامها، ولكنه لم يخِب فهاهي وجهًا لوجه معه يناظرها بعينين تُحاكي الشيطانين في نظراتهم ، و نبرته التي حادثها بها بعد أن فرغ من عناق أطفاله ليتوجه إليها قائلًا

_ ايه يا أشجان مش هتسلمي عليا ولا ايه؟ 


كان الذُعر يكتنفها فلم تُعطي أي مؤشرات حيوية فقط تتمنى لو يختفي ثانيةً ولكنه كان يقترب و كأنه يقصد أن يؤكد وجوده أكثر ليقف أمامها مُباشرةً يدنو منها رويدًا رويدًا حتى احتضنها بقوة جعلت النفور يتفشى في سائر جسدها و خاصةً حين قال بجانب أذنها 

_ وحشتيني. 


توقف عقلها عن العمل لثوان قبل أن تتراجع عنه تناظره بصدمة فامتدت يديه تُعيدان خصلة هاربة خلف أذنها وهو يقول بنبرة خافتة ظاهرها الشكوى باطنها مُفزِع

_ شوفتي اللى عملوا فيا؟ باعوني


ازداد اتساع بؤبؤ عينيها بصدمة من حديثه مما جعل الكلمات تخرُج من فمها مُتقطعة

_ يعني اي؟ 


اشتدت نبرته كما اشتدت أصابعه المُحيطة بكتفها حين قال

_ بلغوا عني، و سلموني. ولاد ال…..


أشجان بعدم فهم

_ هما مين؟ 


اتغرزت أصابعه في لحمها وهو يقول من بين أسنانه

_هعرفهم. مسيري هعرفهم، و ساعتها حتى الموت مش هيرحمهم مني. 


شهقة قويه خرجت من جوفها إثر قسوته على جسدها و انهمرت العبرات من مقلتيها خوفًا من نظراته وكلماته التي توحي بالكثير ليتحقق مُبتغاه، فتابع بنبرة مُدججة بالوعيد

_ ألا قوليلي يا شوشو. تعرفي مين اللي بلغ عني؟ 


اخد جسدها ينتفض اثر ضغطه عليها و كلماته المُرعبة لتظل تهز رأسها يمينًا و يسارًا بينما الكلمات بدت و كأنها تخشى الخروج من بين شفاهها، فلم يُعد جسدها يتحمل كل هذا الضغط لتتلاشى أقدامها و تسقط بين يديه فاقدة للوعي، فقام برفعها بين يديه و على وجهه ابتسامة ماكرة لنجاح مُخططه. 


اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك. شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر♥️


★★★★★★★★★


_ أنا مبسوط منك أوي يا آسيا. الميزانية اللي عملتيها متقولش انك لسه مُتدربة. 


هكذا تحدث وائل موجهًا حديثه إلى أسيا التي أجابته بامتنان لا يخلو من التحفُظ

_ ميرسي لحضرتك. شهادة اعتز بيها.


وائل بصدق

_ مش بجاملك على فكرة، و عشان تتأكدي انا بعتها لمستر كمال و هو طلب يشوفك. 


كانت تتحاشى مقابلته منذ ذلك اليوم إلى أن اتخذت قرارها بالابتعاد عن هذا الرجُل و السير بخطٍ ثابته في طريق مستقبلها حتى تُحقق ذاتها و لكنها لن تنسى الماضي أبدًا

اومأت برأسها قبل أن تشكره بتحفّظ وتتوجه إلى حيث ينتظرها ذلك الرجل الذي تشعر بأنه ثقيل على قلبها دون أن تعرف السبب، فاستأذنت من مديرة مكتبة والتي تعرفت إليها في وقت سابق

لتسمح لها بالدخول فقامت بطرق باب الغرفة فجاءها إذنه بالدخول لتقوم بالدلوف إلى الداخل بخطوات واثقه كانت أحد مُميزاتها بالنسبة إليه، فأخذت عينيه تُطالعها بإعجاب أتقن إخفاؤه خلف قناع من الجمود الذي تجلى في نبرته حين قال

_ اتفضلي اقعدي. 


جلست أسيا على المقعد المقابل للمكتب الخشبي وهي تقول بتحفُظ

_ مستر وائل قالي أن حضرتك عايزني. 


كمال بجمود

_ فعلًا. وائل بعتلي الميزانية اللي عملتيها للشركة، طبعًا هي محتاجة تعديلات كتير بس في المُجمل كويسة. 


اغضبتها طريقته في الحديث و التقليل من شأن عملها ولكنها حاولت تصنُع الجمود وهي تقول

_ تمام. حضرتك كنت عايزني في ايه؟ 


اغتاظ من جمودها ولكنه لم يُعلِق بل تابع باختصار

_ هحتاجك معايا هنا عشان نظبطها سوى. 


اتسع بؤبؤ عينيها من فرط الصدمة التي جعلتها تقول باستفهام

_ يعني ايه مفهمتش ؟ 


كمال بخشونة

_ بعد التدريب هيبقى ليكِ شغل اكسترا هنا معايا أنا و تيم المحاسبة، و طبعًا هيكون ليها مقابل طبعًا.


اغتاظت من حديثه فهتفت باستفهام

_ طب افرض انا معنديش وقت فاضي؟ 


كمال باختصار

_ تفضي.


أسيا باستفهام

_ بمعنى ؟


كمال بجفاء

_ معتقدش أن في فرصة أحسن من انك تكوني بتشتغلي في شركة زي شركتنا عشان تفضي نفسك ليها. 


كانت تود في تلك اللحظة أن تقتلع عيني ذلك الوغد، فقد كانت تنظم أوقاتها بين التدريب في الشركة وبين شغلها الخاص في خدمة العملاء لأحد الشركات العقارية حتى تستطيع توفير احتياجاتها من ملابس فخمة و عطور و أدوات زينة، ولكن هذا الرجل الآن أفسد كل شيء الآن و يجب عليها أن تُعيد تنظيم أوقاتها مرة أخرى لذا سحبت نفسًا قويًا قبل أن تنصب عودها وهي تقول بجفاء

_ تمام. اي أوامر تاني؟ 


كمال باختصار 

_ لا. 


أسيا بنفس نبرته 

_ عن اذنك. 


التفتت تنوي المغادرة و لكنها توقفت إثر جملته التي باغتها بها

_ أخبار شروق ايه؟ 


لم تستطِع منع نفسها من الالتفات إليه وهي تقول بنبرة جافة يشوبها التهكُم

_ لسه على موقفها. مش عايزة تعرفكوا أبدًا. عن اذنك. 


أنهت جملتها وغادرت تزامناً مع صوت سلمى المُرحب

_ أهلًا يا ميريهان هانم. الشركة نورت. 

ميريهان بتكبر

_ أهلًا . روحي هاتيلي الكافية بتاعتي.


حالًا يا فندم.


كانت تود الصراخ في تلك اللحظة فكلما أرادت التخطي و متابعه. حياتها تظهر لها تلك الحية من جديد، ولكنها تلك المرة لن تسمح لها بالتغلب عليها بل ها هي فرصتها ببدأ انتقامها وقد كان هذا اغواء لم تستطِع مقاومته لذا صبغت نظراتها بالاحتقار الذي يتنافى مع نظرات ميريهان المدهوشة حين وقعت على أسيا التي كانت رائعة في هذه التنورة البيضاء التي تصل إلى ركبتيها و فوقها ذلك الجاكت الذي بنفس لونها و أسفله قميص بلون النبيذ الذي أظهر لون بشرتها النحاسية مُطلقة العنان لخصلات شعرها لتُحيط بها كسلاسل من الذهب ذو اللون البني

_ أنتِ بتعملي ايه هنا؟


هكذا تحدثت ميريهان بصدمة قابلتها آسيا بالتهكُم 

_ انا في مكاني الصح. أنتِ اللي بتعملي ايه هنا؟ 


ميرهان بغيظ

_ مكانك في شركتنا ازاي ؟ مفهمتش.


أسيا بغرور

_ انا بتدرب هنا و لسه من شويه بس متعينة في تيم المحاسبة هنا. 


ميرهان بصدمة

_ ايه ؟ يعني ايه الكلام دا؟ 


آسيا بتشفي

_ اللي سمعتيه يا روحي. مستغربة ليه؟ عشان محدش بعتلك تدربي في الشركة هنا بالرغم من أنها شركتكوا! معلش يا روحي اصلهم مبيدربوش هنا غير المتفوقين. 


ضاعفت جرعتها في السخرية منها وهي تقول بتهكُم

_ يا حرام حتى شركتكوا مقبلتش بيكِ؟ تصدقي صعبتي عليا! 


جن جنونها فلم تستطِع الصمت أكثر، و فجأة ظهرت سلمى أمامها وهي تحمل الصينية يتوسطها فنجان من القهوة، فقامت ميريهان بحمله و إلقائه فوق أسيا التي تراجعت للخلف مذعورة قبل أن تصرُخ بفزع. 


اللهم يا مسهل الشديد ويا ملين الحديد، ويا منجز الوعيد، ويا من هو كل يوم في أمر جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق، بك أدفع ما لا أطيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، رب لا تحجب دعوتي، ولا ترد مسألتي، ولا تدعني بحسرتي، ولا تكلني إلى حولي وقوتي♥️


★★★★★★★★★


كانت مُنهمِكة في تنظيف المكان تحاول بشتى الطرُق فعل أقصى مجهود بدني يتحمله جسدها حتى تهرُب من حصار الاستفهامات الذي يحيط بعقلها منذ ذلك اليوم المشئوم، فها هو ما هربت منه صار حقيقة ملموسة أمامها توقفت عن العمل وهي تتذكر كل حدث قبل أسبوع


عودة إلى السابق


_ أن. انت بتقول ايه؟ 


هكذا هتفت شروق بتلعثُم ما أن فجر عمر بارود كلماته في المكان لتتجمد أوصالها حين تابع

_ انا عمر الوتيدي يا شروق. ابن خالك عز الدين الوتيدي. اللي بقاله سنتين بيدور عليكوا.


حاولت استجداء شجاعتها حتى تستطِع اخراج صوتها الذي كان مبحوحًا حين قالت

_ لو سمحت احنا ملناش حد بعد بابا و ماما الله يرحمهم.


عمر بجفاء

_ غلطانه، و عشان عارفة انك غلطانه هربتي.


شروق بنبرة قاطعة بالرغم من هدوئها

_ مهربتش، و مسمحلكش.


هنا تدخل كمال يحاول تهدئة الموقف قائلًا بتعقُل

_ ممكن يا أنسة شروق تفهمينا أنتِ ايه مشكلتك معانا بالظبط ؟ 


صمت لثوان قبل أن يقول بنبرة يشوبها الود

_ نسيت اعرفك عليا. انا كمال الوتيدي تقدري تقولي اني انا و والدتك الله يرحمها ولاد عم. 


سحبت نفسًا قويًا داخلها قبل أن تقول بجمود 

_ أهلًا بحضرتك. بس بردو ارجع وتقولك اننا ملناش أهل بعد والدي و والدتي. 


عمر بتهكُم

_ والله لو تحبي انا ممكن اخدك السجل المدني اوريكِ تاريخ العيلة الكريمة. 


حاولت شروق كظم غيظها من ذلك السخيف لتقول بنبرة يشوبها الحدة

_ مش محتاج توريني دا. محتاج تفهم كلامي. حتى لو السجل المدني بيثبت انكوا اهلنا. احنا مش معترفين بيكوا أهل لينا. 


كان يزيد يُتابع الحديث بملل قبل أن تستوقفه جملة شروق الأخيرة ليُتمتم بسخرية

_ الصراحة عندها حق انتوا تعروا بلد.


زفر ياسر بحدة قبل أن يقول بخشونة 

_ طب ممكن تفهمينا ايه مشكلتك بالظبط مع أهل والدتك ؟ 


شروق بنبرة جامدة تتنافى مع ذلك الألم الجلي بنظراتها 

_ تقصد والدتي اللي رموها و مفكروش يسألوا عنها ولا مرة عايشة ولا ميتة؟ في خير و لا في شر! أهل والدتي اللي لما راحت عشان تشوفهم واحنا اطفال في ايديها خلوا الخدم يطردوها. اه و بالمناسبة اللي عمل كدا الست سعاد هانم اللي هي مفروض جدتي و امها، و عز الدين بيه اللي مفروض خالي و اخوها. 


التفتت تناظر عندما تفوهت بجملتها الأخيرة ثم احتدت نبرتها حين تابعت

_ والدتي يا دكتور عمر وهي بتموت طلبت انها تشوف والدتها، ولما اتصلت عليها رد عليها عز الدين بيه رد عليا و قالي قولي لأمك أنها ماتت من زمان واحنا دفناها و خدنا عزاها. عرفتوا بقى انا ليه بقولكوا ملناش أهل بعد ابويا و أمي! 


صمت مُطبق أحاط بالجميع جراء حديثها الخالي من الرحمة و وجعها الذي تنفطر لأجله القلوب، ولكنها لم تعتد على الشفقة ولا تُريدها لذا تابعت بنبرة قوية 

_ ياريت تنسى يا دكتور عمر انك جيت هنا و انك قابلتنا، و ياريت كمان محدش يعرف بوجودنا احنا مش قد أذاكوا. نورتونا. 


أنهت جملتها و التفتت الى شقيقتها التي كانت تبكي في صمت و هتفت بنبرة حاسمة

_ يالا على جوا يا جميلة. 


عودة إلى الوقت الحالي


حاولت قمع عبراتها التي لم تتوقف منذ ذلك اليوم المشؤوم، فقد عادت ذكرياتها المريرة مع والدتها التي ذرفت الكثير من العبرات بين ذراعي طفلتها تارة مشتاقة لذويها و تارة مقهورة من تخليهم عنها. لذا كان تقبلهم أمرًا مُستحيل بالنسبة لها. 

طرق قوي على باب البيت جعلها تكفكف عبراتها قبل أن تتوجه لرؤية من الطارق فتفاجئت من إمرأة ترتدي ثياب باهظة تناظرها بترفع و عينيه تبعثان الرهبة في النفوس مما جعلها تقول باستفهام

_ اهلا يا هانم . حضرتك عايزة مين؟ 


تحدثت نبيلة بصوتًا رفيع حاد و عينين كانت تغرقها بنظرات غير مُريحة بالمرة

_ أنتِ شروق؟ 


_ ايوا انا. حضرتك مين ؟ 


ابتسامة صفراء ارتسمت على خطي شفاهها الرفيعين قبل أن تقول بغرور

_ انا نبيلة الوتيدي. 


رغمًا عنها شعرت بموجه من الخوف تجرفها، ولكنها حاولت الثبات قدر الإمكان وهي تقول

_ اقدر أفيدك بحاجة؟ 


نبيلة بنبرة ناعمة

_ طب مش هتقوليلي اتفضلي ؟ 


تراجعت شروق للخلف كي تُفسِح المجال لها بالمرور وهي تقول باختصار

_ اتفضلي.


بخطوات رشيقة مُتمهلة دلفت نبيلة للداخل وهي تُلقي نظرات استكشافية على المكان الذي يوحي بمدى المستوى المُتدنى من الحياة التي تحيا بها فتيات غريمتها، وقد لاحظت شروق ذلك لذا قالت بجفاء

_ لو خلصتي فرجة عالشقة اتفضلي اقعدي. 


ابتسمت نبيلة ابتسامة ساخرة قبل أن تلتفت إلى شروق قائلة بنبرة ناعمة ولكنها أجفلتها

_ انا مش جاية اقعد. 


_ اومال جاية ليه؟ 


نبيلة بنبرة خالط نعومتها تهديد خفي

_ انا جاية اقولك كلمتين و ماشية على طول. عشان عارفة أن سعاد الوتيدي مش هتبطل ولا هتسكت، فقولت اجي أعقلك.


اتفرجت شفاهها بابتسامة ساخرة قبل أن تقول بهدوء 

_ عقليني. 


نبيلة بنبرة خطرة مُدججة بالوعيد

_ ملكوش مكان بيننا زي ما امكوا مكنش ليها مكان بيننا، و حياتنا مش بتاعتكوا ولا شبهكوا و عشان منكررش قصة امك مرة تانية. ابعدوا عننا، و تحديدًا عن ابني.


جاء دور شروق لتغمرها بنظرات استكشافية و كأنها ترُد لها فعلتها قبل أن تقول بنبرة مُهينة

_ سبحان الله قد ايه المظاهر خداعة. لما فتحت الباب و شوفتك قولت ايه الست النضيفة دي! بس لما عرفت أنتِ مين عرفت أني اتخدعت فيكِ. زي ما أمي زمان اتخدعت فيكِ.


نبيلة بابتسامة ماكرة

_ طب حلو . امك حكيتلك عني. كدا قصرتي عليا نص المسافة، ماهي اكيد بدل حكيتلك عني تبقى قالتلك اني مبيهمنيش حد، وان محدش يقدر يقف قصادي أو يعاديني. 


لم تشعُر بالخوف إنما بالكره الذي شع من بين كلماتها حين قالت

_ لا الحقيقة مقالتش عنك كدا. هي قالت حاجة تانية.


ارتفع أحد حاجبيها وهي تناظر شروق بترقُب لمعرفة ماذا ستقول فباغتتها الأخيرة حين قالت باحتقار

_ قالتلي انك شخص بيتغزى على الخيانة، و كسر الناس و تدميرهم، و في دماغك ان دا هي هيرمم النقص اللي جواكي، و يخلي الناس تشوفك أحسن واحدة في الدنيا . بس في الحقيقة أن اللي بيحصل عكس كدا، وان الناس بتتعامل معاكِ إجبار و اتقاء لـ شرك مش اكتر. لكن ولا حد بيحبك ولا حد عمره هيشوفك أحسن واحدة. 


نالت إهانتها من نبيلة التي انقبضت ملامحها و احتدت نظراتها بطريقة توحي بأنها على وشك قتلها، ولكن عوضًا عن ذلك جاءت نبرتها ساخرة حين قالت

_ كويس انها عرفتك أن الناس بتتقي شري، فياريت تكوني عارفة أن أي محاولة انكوا تحطوا رجليكوا في الفيلا عندها هتبقى كإنكوا دخلتوا النار بالظبط، و اي تفكير في انكوا تاخدوا جنية واحد من فلوسنا صدقيني مش هتلحقوا تتهنوا بيه. 


ابتسمت شروق بسخرية تجلت في نبرتها حين قالت

_ تصدقي ماما مقالتليش انك بخيلة اوي كدا! 


تبدلت ملامحها للجدية و نبرتها للحسم حين أردفت

_ عمومًا اسمعيني كويس. لا اسمكوا ولا فلوسكوا فارقينلي انا و اختي، والكلام دا قولته لأبنك لما كان هنا، و ياريت يبطل ينطلنا هنا كل شوية، و رجاء بقى شخصي مش عايزة اشوف وشك هنا تاني. اتفضلي. 


كانت إهانة بالغة ولكن المُريح بها أنها تعلم يأن تلك الفتاة تكرههم بشدة ولن تُفكر في المجيء عند عتبة بابهم لذا اومأت بصمت قبل أن تتوجه إلى باب الغرفة ولكنها توقفت إلى جانب شروق لتقول بصوت يفح شرًا 

_ بجملة الحاجات اللي امك نسيت تقولهالك عني. اني قرصتي و القبر، فنصيحة بقى من مرات خالك بلاش تدخلي القبر على أيدي زي امك. 


أنهت جملتها و توجهت إلى الخارج لتفتح باي الشقة و إذا بها تصطدم برؤية سعاد الوتيدي أمامها. 


★★★★★★★★★


_ هتحضر القاعدة النهاردة بردو يا ياسر؟ 


هكذا استفهام هيام بغضب فلم يُجيبها ياسر انما التفت إلى الجهة الأخرى يرتدي جلبابه وهو يقول بجفاء

_ هروح اجيب روضة من المحطة و اجي لو عايزة تيجي معايا الحقي اجهزي. 


اغتاظت من تجاهله لحديثها ولكنها تعلم من نظراته بأنه يُريد الهرب لذا لم تُزيد من الحديث في الأمر انما قالت باختصار

_ هستناك لما تيجي. 


اومأ بصمت و توجه إلى الخارج ليستقل سيارته و إذا بهاتفه يرن فقام بالإجابة عليه قائلًا بمرح

_ أيوا يا روضة أنتِ فين ؟ 


_ انا قربت انزل في المحطة اهو انت فين؟ 


ياسر باختصار

_ هتوصلي تلاقيني مستنيكِ. 


روضة بمرح

_ معقول ياسر الوتيدي بجلالة قدره جاي يقابلني! 


ياسر بمرح

_ دانا اجبلك الوتايدة وتد وتد يقفوا يستنوا روضة هانم الصياد. 


فجأة تجمدت يده المُمسِكة بالهاتف حين سمع ذلك الصوت الخافت من خلفه يهمس باسمه

_ ياسر. 

الفصل التاسع من هنا


تعليقات



×