رواية حصاد الصبار الفصل الثامن 8 بقلم مريم نصار


 رواية حصاد الصبار الفصل الثامن 

كان الصباح مشرقا والسماء مزيجا من درجات الأزرق الشاحب وأطراف وردية خجولة تلامس الأفق الغيوم المتناثرة بدت كأنها رسمت باهتمام لتزين لوحة هذا اليوم الجديد أمام العقار الحديث الذي يشبه الفيلا قليلا بتصميمه الراقي وواجهته البيضاء المحاطة بحديقة صغيرة مليئة بأشجار الليمون والورد البلدي بدت الحياة ساكنة نسمات خفيفة حركت أوراق الأشجار وكأنها توقظها هي الأخرى 
في الداخل صدع صوت المنبه عند السادسة والنصف صباحا يملأ غرفة النوم الواسعة بصوته الحاد الغرفة كانت مرتبة بعناية الستائر الثقيلة السماوية اللون تتمايل مع النسيم وتسمح بدخول خيوط الشمس لتداعب أطراف السرير الكبير مصطفى الذي بدا أنه مرهق تزاحمت التجاعيد على جبهته مع خصلات الشيب التي أضافت وقارا لرأسه دثر نفسه جيدا تحت الغطاء وأغمض عينيه محاولا التهرب من يومه الجديد 
قال بنبرة تملؤها الضجر محاولا إيقاظ زوجته
أحلام أحلام افصلي المنبه ده مش كل يوم أصحى بالطريقة دي
استيقظت أحلام وقد بدت رغم سنوات عمرها وكأن الزمن لم يترك سوى لمسات خفيفة على ملامحها جمالها ما زال حاضرا بل أضافت له التجربة نضجا وجاذبية اعتدلت في جلستها على السرير شعرها الكستنائي ينسدل على كتفيها وقالت باقتضاب وهي تدفع الغطاء عنها

يا مصطفى هو إيه اللي كل يوم هو إحنا مش هنخلص من الموال ده بقى نفس النغمة دي يوميا مش معقول كده 
رفع مصطفى رأسه ببطء عينيه مرهقتان من قلة النوم ثم مسح وجهه بيده قبل أن يخلط خصلات شعره الرمادية بأصابعه بابتسامة باهتة تعلو وجهه قال بسخرية
إيه اللي مش معقول كده وإيه اللي مش عاجبك في كلامي بالظبط يا هانم أنا واحد طالع عيني في المصنع وبرجع آخر الليل ومحتاج للراحة علشان أواصل شغلي ذنبي إيه كل يوم أنام الفجر وأصحى من ستة الصبح
رمقته بنظرة باردة وهي تعدل وضعية الوسادة خلف ظهرها ثم قالت بنبرة غير مهتمة وهي تنظر إلى الساعة على الحائط
هو إحنا مش في مدارس يا مصطفى أنا ظبطت المنبه علشان أصحي ياسمين ولا أنت يعني هتكون مبسوط لما تروح عليها نومة وما تروحش مدرستها
تنهد مصطفى وحك رأسه بنزق وقال محاولا الدفاع عن رأيه
ياسمين مش صغيرة يا أحلام دي في تانية ثانوي يعني كبيرة بكفاية إنها تقوم لوحدها وبعدين غفران قالتلك إنها هتصحيها يبقى ليه القلق اللي أنا فيه ده أنا نفسي أنام وأخد راحتي زي باقي الناس 
تبدلت ملامح أحلام حين ذكر غفران وبدت وكأن الڠضب أشعل وجهها ردت بحدة وقد ظهر الحنق في نبرة صوتها
مش عايزة أتعب غفران هي في آخر سنة في جامعتها وعايزة تركيز ولا أنت عايزها تشغل نفسها باختها وتسقط زي عادتها وتجيب اللوم عليا في الآخر
رفع مصطفى يده ببطء وكأنه يحاول تهدئتها وقال بنبرة متعبة وهو يهز رأسه بأسى
لا يا أحلام أنا مش هلوم عليك اتفضلي اعملي اللي أنت عايزاه وسيبيني أنام ربنا يعلم أنا عقلي بيبقى مشغول قد إيه شغلي كله معتمد على التركيز ولا حد حاسس بحاجة 
ابتسمت أحلام بخبث وكأنها تمسك زمام الأمور قامت من السرير وارتدت ثيابها بعناية ثم قالت بلهجة مليئة بالتصنع وهي تضغط على كلماتها لتزيد من وطأة حديثها
سلامتك يا حبيبي أنا عارفة قد إيه إنك بتتعب وبكره ياسمين تبقى ديزاين قد الدنيا وتصمملك أجمل التفاصيل وتشتغل تحت إيديك وتشيل عنك شوية ما علينا أنا رايحة أصحيها نام أنت واستريح وما تشيلش هم حاجة 
أنهت كلامها بابتسامة جانبية ثم خرجت من الغرفة بخطوات واثقة لتوقظ ابنتها المدللة مصطفى رغم أنه استلقى على السرير محاولا العودة للنوم لم يستطع أفكاره كانت تدور بلا توقف حول ما ينتظره في تسلم طلبيتة الجديدة 
كان الصباح دافئا رغم نسمات الشتاء الباردة التي تسللت من النافذة المفتوحة قليلا لتداعب وجه غفران وهي ساجدة على سجادة الصلاة رائحة البخور ما زالت تعبق في أرجاء الغرفة وأشعة الشمس المتسللة من بين الستائر كانت تضفي شعورا بالسکينة لكنها لم تستطع تهدئة اضطراب قلبها 
سجودها كانت عيناها مغرورقتين بالدموع دموع ثقيلة بحجم الجراح التي تحملها تدعو بإخلاص لأبيها الذي يمنحها الدفء ولأختها الصغيرة التي كانت كل ما تبقى لها من معنى الحياة وحين جاء دور أحلام في الدعاء توقفت شعرت بثقل في قلبها لم تستطع نسيان ذكريات الظلم الذي أذاقته أحلام لها القسۏة التي امتصت منها براءة أيامها جعلتها تتنهد بمرارة ثم تمتمت بشفاه مرتجفة 
حسبنا الله ونعم الوكيل 
أنهت صلاتها ومسحت دموعها سريعا ثم نهضت لتستعد ليومها الجامعي ارتدت بنطالا فضفاضا وسترة محتشمة رقيقة ثم وقفت أمام المرآة انعكاس صورتها في المرآة لم يرها فتاة ضعيفة بل فتاة واجهت الكثير وما زالت تقف على قدميها أمسكت حجابها ولفته بعناية متذكرة اليوم الذي ارتدته فيه للمرة الأولى كم كانت نظرات أحلام يومها كسهام حاړقة وكم كانت كلماتها قاسېة وكأنها تحاسبها على اختيار لم يكن من حقها الاعتراض عليه لكنها مع ذلك تشبثت به فهو درعها الذي يحميها من كل هذا العالم 
في الجهة الأخرى من المنزل كانت أحلام قد أنهت مهمتها الصباحية المعتادة وهي إيقاظ ابنتها المدللة ياسمين الغرفة كانت مفعمة برائحة عطر زهري خفيف والسرير الكبير ما زال يحتفظ بدفء النوم أحلام ابتسمت بحنان وهي تربت على شعر ياسمين الأشقر قائلة
الخير يا قلب ماما يلا بقى قومي هتتأخري مافيش وقت الباص نص ساعة ويكون تحت البيت 
تثاءبت ياسمين بتكاسل وهي تحاول إبعاد الغطاء عن وجهها ببطء انسدلت خصلاتها الكيرلي الفوضوية على جبينها كأنها خرجت لتوها من إحدى حكايات ديزني تتراقص بخفة حول وجهها المستدير عيناها العسلية الواسعة كانت تومض بكسل وكأن النوم لا يزال يتشبث بأهدابها مالت برأسها إلى الجانب وأطلقت تنهيدة طويلة قبل أن تتمتم بضجر
يوووه هو النهارده الأحد! جمعة وسبت عدوا بسرعة الإجازة دي أحلى حاجة في الدنيا إمتى بقى تيجي الإجازة الكبيرة وأنام براحتى ما بحبش أصحى بدري 
تغيرت ملامح أحلام للحزم فجأة وجلست بجانب ابنتها قائلة بنبرة صارمة
إجازة إيه يا ياسمين هو ده اللي انت بتفكري فيه انت لازم تركزي في دراستك أكتر من كده 
تنهدت ياسمين وردت عليها بلوم واضح في نبرة صوتها
وإيه لازمته التركيز يا ماما ما انت محددة مستقبلي ورسماه لسنين قدام كمان 
عقدت أحلام حاجبيها وردت بعصبية وهي تنهض من السرير
يا غبية أنا بفكر في مصلحتك يعني انت عايزة غفران تكوش على المصنع
نظرت ياسمين إلى والدتها بحزن عيناها تلمعان برغبة مكبوتة ثم قالت بهدوء يشوبه الإصرار
أنا ماليش دعوة بغفران أنا عايزة أكون زي ما أنا عايزة لكن قسم تفصيل والفاشون والحاجات دي أنا مش قادرة أشوف نفسي فيها بليز يا ماما اصرفي نظر عن الأفكار دي أنا عايزة أكون مضيفة طيران نفسي بجد أبقى 
قطعت أحلام حديثها بنبرة قاطعة كمعلم يلقي درسا لا يقبل الجدال وقالت بحزم وهي تشير إليها بإصبعها
اسمعي يا ياسمين سيبيك من أحلام اليقظة دي وانزلي على أرض الواقع عيشي معانا يا حبيبتي وأنا مش هعيد كلامي تاني انت هتخلصي ثانوي وأقدملك في كلية اقتصاد منزلي قسم تفصيل إنما شغل الطيران ده مش هينفع معايا في مستقبل أنا بحاول أضمنهولك انت عايزة بنت نجوى تفرح فيا وبعد كل ده هي تاخد كل حاجة ببلاش هي ملهاش حق في أي حاجة أنا مراته وانت بنتنا الوحيدة انتهى كلامي اتفضلي البسي علشان تفطري وتنزلي على مدرستك اتفضلي 
وقفت ياسمين بصمت مکسورة الإرادة ثم سارت نحو الدولاب لتأخذ ثيابها بينما أمها خرجت من الغرفة بعد أن تركت خلفها كلمات ثقيلة كانت تثقل كاهل ابنتها أكثر من أي شيء آخر 
كانت جالسة على فراشها تتأمل لوحتها التي زينتها بالورود والزهور الرقيقة الألوان الزاهية التي رسمتها عكست حلما بعيد المنال السماء البيضاء المخلوطة باللون الأزرق والطيور التي تحلق بحرية كانت أشبه بصدى لأمنياتها المحلقة في فضاء قلبها عيناها الواسعتان ورموشها الكثيفة تضيفان لوجهها البريء جمالا هادئا أما بشرتها الحنطية التي امتزجت بلمعان يعكس نقاء قلبها فقد أضفت عليها رونقا خاصا 
لوحتها بحرص غلفتها بعناية ووضعتها في حقيبتها ثم حملت الحقيبة ونهضت عندما خرجت من غرفتها توقفت عند الباب تتأمل المنظر الذي اعتادت أن يوجع قلبها أحلام زوجة أبيها كانت تقف بجوار ابنتها ياسمين تدللها بحنان واضح وهي تضع علبة الطعام بعناية في حقيبتها الصغيرة 
خدي يا حبيبتي الفطار في الشنطة وما تنسيش تاكلي ساندوتشاتك كلها وتشربي العصير الفريش اوكي 
ثم مدت يدها بحفنة نقود كافية قائلة بابتسامة دافئة
ودول عشان تشتري حاجة لنفسك في الفسحة يا روحي 
ابتسمت ياسمين بفرح واحتضنتها قائلة
شكرا يا أحلا ماما 
غفران التي وقفت على بعد خطوات تخيلت للحظة أن هذا المشهد يخصها رسمت في خيالها أن أحلام هي التي ټحتضنها تمنحها ذلك الحنان المفقود تضع النقود في يدها بابتسامة محبة وتحمل عنها هموم الحياة الثقيلة ابتسمت لنفسها في خيال عابر لكنها سرعان ما عادت إلى الواقع عندما استدارت أحلام إليها بنبرة صارمة
غفران هتفضلي واقفة مبلمة كده كتير
تنفست بعمق وابتسمت بخجل مصطنع لتخفي ألمها
صباح الخير يا ماما صباح الخير يا ياسمين 
ردت أحلام بجفاف
صباح الخير 
اقتربت ياسمين منها بحب حقيقي وقبلتها على خدها قائلة
صباح الخير يا غفران انت صاحيه من بدري ما حسيتش بيكي 
أجابت غفران بحنان تخفي خلفه شوقها لهذا القرب النادر
أنا صاحيه من بدري وشفت ماما وهي داخلة تصحيكي علشان كده مادخلتش عندك 
قطع حديثهما صوت الحافلة وهي تقترب من المنزل هرعت ياسمين تودع الجميع بينما بقيت غفران واقفة أمام أحلام كانت تعلم أنها لن تحظى بما حظيت به أختها من علبة طعام مليئة أو نقود وفيرة مدت أحلام يدها ببعض النقود القليلة وقالت بتهكم واضح
امسكي يا غفران مصروفك 
تناولت غفران النقود وتأملتها للحظة ثم رفعت عينيها پخوف
م ماما الفلوس دي يا دوبك بتاعة المواصلات بس 
نظرت إليها أحلام ببرود وقالت بحدة
أمال انتي عايزه إيه الفطار جوه في المطبخ ادخلي افطري وخدي معاكي ساندوتش لما تجوعي ولما ترجعي هتتغدي معانا عايزة إيه تاني ولا هو إسراف وخلاص
شعرت غفران بمرارة في حلقها لكنها أجابت بهدوء حزين
مش عايزه حاجه تاني يا ماما وكمان أنا مش هلحق أفطر أنا يا دوب ألحق المواصلات عن إذنك أنا نازلة 
لم يتغير وجه أحلام أو يتحرك قلبها تجاه هذه الفتاة المسكينة غفران كانت بالنسبة لها مجرد ذكرى مؤلمة تذكرها كل يوم بالحاډث الذي حرمها من الإنجاب ابتسمت أحلام بسخرية وتركتها وحدها في الرواق 
غفران واقفة للحظة تنظر إلى النقود في يدها ثم دفعتها في جيبها وغادرت بخطوات مثقلة لكنها عندما وصلت إلى الطابق الأول رأته واقفا عند الباب متأهبا للخروج ارتسمت على وجهها ابتسامة دافئة وقالت بصوت خاڤت
ياسر صباح الخير 
أصبح ياسر شابا يافعا حسن المظهر يحمل طموحا يشع من عينيه حصل على وظيفة في مصنع السيد مصطفى لكنه لم يتخل عن مساعدة والده في أمور الحياة كان دائما يحمل عرفانا لكل من قدم له يد العون وخاصة غفران التي كانت سببا في توظيفه 
حين أصر مصطفى على دعوة الجميع إلى منزله الجديد أصبحوا كعائلة واحدة في ذلك العقار الكبير كان صالح يعمل بوابا وزينب تساعدهم في أمور المنزل يعيشون في الملحق التابع للعقار وتضفي بروحها الحنونة دفئا على المكان 
تقدم إليها ياسر مبتسما وهو ينادي
صباح الخير يا غفران عاملة إيه
نظرت إليه غفران بابتسامة هادئة وقالت
أنا كويسة الحمد لله إنت عامل إيه! وعامل إيه في شغلك
رد ياسر بعرفان وعيناه تلتمعان بالامتنان
الحمد لله ماشي الحال ومرتاح والفضل كله يرجعلك بعد ربنا إنت اللي طلبتي من مصطفى بيه يشغلني في المصنع واهو الحمد لله دلوقتي معايا صانعة باكل من وراها الشهد 
غفران بحنو وقالت برضا 
أنا ما عملتش حاجة إنت اللي تستاهل كل خير 
نظرت حولها تبحث عن عائلتة وسألت
هو عمو صالح فين ودادة زينب
أجابها ياسر وهو يستعد للرحيل 
ماما مستنياكي جوه وبابا نزل السوق يجيب طلبات أنا يا دوبك أروح على المصنع مش محتاجة مني حاجة قبل ما أمشي
هزت رأسها شاكرة وقالت 
لا شكرا يا ياسر ربنا معاك 
ودعها ياسر سريعا وذهبت غفران إلى الملحق تطرقت الباب بلطف كان صوت زينب يأتي من المطبخ فقالت وهي تبتسم
صباح الخير يا دادة 
ردت زينب من داخل المطبخ بصوت مليء بالحنان 
صباح الورد يا غفران تعالي خشي أنا في المطبخ 
دخلت غفران وهي تستنشق روائح الطعام الشهية وقالت بنهم 
الله الله إنت بتعملي إيه على الصبح كده وإيه الروايح الحلوة دي
ضحكت زينب وهي تغلق علبة الطعام وتقدمها لغفران بحنان 
بعمل أحلى سندوتشات بيض بالبسطرمة ليكي يا حبيبتي 
ارتجف قلب غفران وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة مليئة بالامتنان لم تكن قادرة على التعبير عن كل ما يجول في خاطرها زينب بالنسبة لها لم تكن مجرد مساعدة منزلية كانت أما ثانية تحملت معها الكثير من الأوجاع وظلت دائما سندا لها 
زينب وهي تقرأ مشاعر غفران بعيونها اقتربت منها وربتت على كتفها بحب قائلة
إيه يا غفران مش عايزة تاخدي سندوتشاتك يعني دانا عاملة الأكل اللي بتحبيه يا حبيبتي امسكي أنا عارفة إنك ما أكلتيش والله أعلم إن كنتي اتعشيتي ولا لأ 
ابتلعت غفران ريقها بصعوبة وشعرت بمرارة في حلقها ولكنها قالت بحرج وابتسامة منكسرة
شكرا يا دادة بس بس أنا فطرت 
نظرت إليها زينب نظرة عميقة تعلم حقيقتها وقالت بحنو
وماله يا حبيبتي مايجراش حاجه افطري تاني إنت بترجعي آخر النهار على ما تلاقي مواصلات اه لو أبوكي عرف 
قاطعها خوف غفران فضغطت زينب على نفسها وقالت باستسلام
ما تخافيش يا ضنايا عمك صالح مش هنا وأنا مش هتكلم وكل ده أنا ساكتة وكاتمة في قلبي علشانك 
ثم أضافت بصوت يقطر قهرا 
أبوكي قال للي متتسماش تتفق مع قريبهم السواق بعربية مخصوص تيجي تاخدك من قدام البيت وترجعك تاني لكن هي اللي ربنا ينتقم منها بتكذب عليه وبتخليك تتمرمطي في المواصلات حرماكي من خير أبوكي وسايبة التانية عايشة حياتها بنت ماصة ومتدلعة أنا ما بحبهاش البنت دي وإن كنت ساكتة فده علشانك 
شعرت غفران بغصة في حلقها وارتجفت عيناها بالدموعمدت يدها لتأخذ الطعام لكنها كعادتها حاولت أن تبدو قوية قالت بصوت مكسور
أنا ما أقدرش أعمل حاجة لأن مفيش في أيديا حاجه اعملها يا دادة أنت عارفة إنها دايما بتهددني والسنين اللي فاتت حاولت على قد ما اقدر ألفت نظر بابا لجبروتها عليا! كانت دايما بتفوز في الآخر وبتخرج منها كأنها معملتش أي حاجه وتقلبها عليا في الآخر ومخلياني عايشة في ټهديد على طول أما ياسمين صدقيني طيبة دايما بتقف جنبي وف صفي مش زيها أبدا 
ثم نظرت إلى ساعتها فجأة وقالت
أنا يا دوبك أمشي علشان ما أتأخرش ادعيلي يا دادة وشكرا على الفطار 
زينب بعينين ممتلئتين بالدعاء الصامت وغادرت غفران متجهة إلى الجامعة بعد عناء المواصلات ثم دخلت وهي تخطو مسرعة لأن المحاضرة على وشك البدء ظلت تخطو خطوات سريعة ولكن كالعاده أتت متأخرة ودخلت المحاضرة في صمت وجلست بجانب صديقتها المقربة ريم التي تعرفت عليها في سن الخامسة عشرة من عمرها واستمرت صداقتهما إلى ذلك اليوم مع العلم بأن غفران تكبرها بعامين 
ساد الصمت بين الجميع وكانوا يستمعون إلى المحاضرة وكانت غفران بين الشرود والحضور كانت مشتتة بعض الشيء تفكر في أمور عدة لكن أفكارها كانت تائهة ومربكة مشاعر من القلق والخۏف كانت تدور في ذهنها وتساءلت إن كانت ستتمكن من مواكبة كل التحديات التي تواجهها في حياتها 
انتهت المحاضرة وقام جميع الطلاب وهموا بالخروج وجاء دور غفران قام دكتور المادة بالنداء لها بأسلوب يحمل الحزم قائلا
انسة غفران!
أغمضت عينيها فهي تعلم لماذا يريدها هي متأخرة دائما التفتت إليه بتوجس وقالت بصوت يشوبه توتر وخوف
أفندم يا دكتور 
أردف بحزم
وبعدين إنت كل محاضرة هتوصلي متأخرة كده أنا مش عايز أتخذ ضدك أي إجراء أو أني أطردك بره المحاضرة خالص أنا مش هنبه عليك تاني لو اتكرر الموضوع ده وډخلتي بعدي يبقى من نفسك تخرجي ومتحضريش لحد ما تلتزمي بمواعيد محاضراتك فاهمة
برأسها وهي منكسره وقالت بحزن
حاضر يا دكتور هحاول أنا آسفة 
تركها وذهب وكانت غفران تشعر بالاختناق من كل شيء اقتربت منها ريم وترجلوا للحديقة وقالت ريم بمزاح
إيه ياغفران الدكتور عملها معاكي ولا إيه طمنيني رفدك ولا هيعملك مذكرة
جلست غفران وهي تقول بحزن
إنت بتقولي فيها 
شهقت ريم لأنها كانت تمزح فقط وقالت ملتهفة
إنت بتتكلمي جد قوليلي حصل إيه بجد هيعملك مذكرة
حركت غفران رأسها وقالت
لا هو بس إداني إنذار وحذرني وقالي لو اتأخرت تاني ما تحضريش محاضراتي 
زفرت ريم براحة وقالت
يا شيخة الله يسامحك خوفتيني على الفاضي بس بجد يا غفران حاولي تيجي بدري شوية إنت أكتر المحاضرات الأولى بتتأخري فيها وغير كده إحنا خلاص امتحانات آخر السنة على الأبواب 
أومأت غفران برأسها وزفرت قائلة باستسلام
حاضر يا أماني هحاول هحاول 
مضى الوقت وانتهت غفران من جميع المحاضرات اقترب موعد الذهاب إلى المنزل ثم ودعت ريم التي استقلت سيارة صديقتها وهمت بالذهاب لكن غفران توقفت مكانها فجأة شعرت بشيء غريب يجتاحها وكأنها تمسك بخيط رفيع يربطها بشيء غير مرئي قلبها كان يكاد ينفجر من كم الضربات التي تلقاها وهمست بصوت مرتبك ومهزوز
شابا يافعا ناضجا يمتلك هيئة كباقي البشر ليس بالجمال الخلاب أو العينين الخضراويتين والشعر الأشقر بل كان متوسط الجمال يحمل بشړة بيضاء وعينين سوداويتين كان متوسط الجمال وشعره باللون الأسود يكبر غفران بعامين وهو في السنة السادسة بكلية الطب رأى غفران في الجامعة وجذبته وجذبه هدوءها وأخلاقها وكانت دائما مطيعة ولم تجادلة ولا تردد له قرار وكان هناك تفاهم بينهما اقترب منها مبتسما بصوت رخيم
مساء الخير يا غفران 
ابتسمت خجلا وهي ممسكة بحقيبتها لعلها تهدأ من توترها
مساء الخير إزيك 
وحش من غيرك بقالي يومين ما شفتكيش وكمان مش عارف أسمع صوتك
سقطت الحقيبة من يدها من كلماته وتحدثت بتلعثم وارتباك وهي تلتقط حقيبتها
ڠصب عني كنت اجازة 
ثم ابتلعت لعابها
إنت إنت خلصت محاضراتك
ابتسم على خجلها الزائد قائلا بحزن
أيوه يا حبيبتي خلصت ويا ريت لو تيجي نقعد في أي مكان تحبي نقعد هنا ولا في الكافيه اللي جنب الجامعة
ارتبكت أكثر ولم تعلم ماذا تفعل فهي خائڤة أن تتأخر ولكن أيضا خائڤة من أن ينزعج حبيبها من رفضها وتحدثت بقلبها قائلة
اللي إنت عايزه بس بلاش الجامعة علشان صحابي البنات 
حديثها وأشار إليها بالتحرك وذهبا معا جلسا على طاولة من فردين فقط تحدث مطمئنا إليها
عاملة إيه يا غفران يومين ولا عارف أسمع صوتك بجد مش معقول كده 
احمرت وجنتها بخجل زائد وتفركت يديها قائلة بارتباك
الحمد لله أنا كويسة معلش يا أحمد إنت عارف الظروف ما أقدرش أكلمك وأنا في البيت 
تفهم قصدها لأن غفران شرحت له حياتها باختصار ويعلم بغض زوجة أبيها لها ثم ضحك من شدة خجلها قائلا
يا الله يا غفران لو تعرفي أنا بحبك إزاي وبحب كسوفك وخجلك ده قد إيه مش هتصدقي قليل قوي البنات اللي تكون في أخلاقك وخجلك 
تنهدت بسعادة وكاد يقفز قلبها من صدرها من جمال كلماته التي تشعر بالحرمان منها قائلة بحرج وتوتر
لا أنا مصدقة وإنت كمان 
وأنا كمان إيه
نظرت إلى الأسفل ورددت بخجل وتلعثم
عارف إن أنا كمان أنا كمان بحبك وبحب خۏفك عليا 
ثم مسحت جبينها بقلق واضح وقالت
بس أنا خاېفة يا أحمد 
وضع يده على الطاولة وتنهد قائلا
خاېفة من إيه يا غفران اتكلمي لكن لحظة من فضلك قبل ما تتكلمي تحبي تشربي إيه قهوة
ابتلعت لعابها بتوتر وقالت
أنت عارف إني مبحبش القهوة لكن ممكن أي حاجة وعارف إن أنا دايما بحب أشرب زيك 
ضحك قائلا
خلاص نشرب اتنين آيس موكا كراميل 
أومأت برأسها بالموافقة كالعادة فهي تحب كثيرا وتحلم معه بالكثير من الاحتواء والتعويض عن كل الألم الذي عاشته من قبل طلب أحمد من أحد العاملين بطلبهم ثم أكمل إليها
ها يا غفران كملي بقى وقولي خاېفة من إيه
أشارت له ثم فتحت حقيبتها وأخرجت اللوحة وقدمتها له وهي تقول بحب بالغ
قبل ما أتكلم كنت عايزة أقدملك اللوحة دي دي أنا رسمتها ليك  
أخذ منها اللوحة ولم يصدق هذه البراعة كانت حقا رسمتها خلابة وكأنها حقيقية وهتف قائلا متحمسا
بجد يا غفران إنت رسمتي دي علشاني
فرحت كثيرا عندما رأت فرحته واتسعت ابتسامتها وتحدث قلبها بحب كبير وقالت له بلهفة
أيوه والله يا أحمد أنا رسمتها عشانك إنت بقالي أسبوع برسم فيها 
ثم تنهدت ونسيت نفسها وقالت بهدوء وشرود
أنا رسمتها لأني شوفتك بقلبي إنت السما الصافية اللي في حياتي إنت الطير اللي هتاخدني وتطير بيا في سماك أنت الورد اللي هايحلي أيامي بكل ألوان الحب 
ثم أفاقت من شرودها واغرورقت عيناها قائلة بحزن
بس خاېفة خاېفة تفهمني بطريقة مش كويسة إني وافقت على علاقتنا دي خاېفة تبعد عني وتسيبني في يوم من الأيام خاېفة تضايق من ضعف شخصيتي خاېفة تكرهني بعد كده خاېفة من حاجات كتير ممكن تبعدنا عن بعض أنا بحبك قوي يا أحمد أنا بحبك جدا ومش قادرة أتحمل حياتي من غيرك 
وضع اللوحة جانبا على الطاولة بحرص ثم مد يده ووضعها على يدها برقة كان يده دافئة وناعمة وعيناه تنطق بالكثير من الوعود الصادقة ابتسمت غفران بخجل وتدافع شعور غريب داخل قلبها بين الأمل والخۏف وبين الكلمات التي خرجت من قلبه بصدق وكأنها همسات تجتاح روحها 
أنا بوعدك أن عمري ما أبعد عنك وبوعدك ما فيش حاجة هتخليني أكرهك أبدا ما فيش سبب يخليني أكرهك علشان أنت إنسانة كويسة جدا محترمة وفي حالك أخلاقك فوق الوصف بتسمعي الكلام ومش عنيدة ودي أهم حاجة شدتني فيك أنا دايما بحب اللي يفهمني ويريحني من غير نقاش كتير عكس جرأة بنات الجيل ده اللي حاطين نفسهم في مقارنة ما فيش فرق بين الراجل والست وانت البنت اللي كنت بدور عليها من زمان ومن حسن حظي إني قابلتك في الجامعة ودي أحسن صدفة حصلتلي في حياتي 
أمسك يده بيدها وكان في عينيه بريق يشع بالحب والصدق فيما كانت غفران تتنفس بعمق قلبها يرتجف بين يديه من شدة خجليها لم تستطع النظر في عينيه مباشرة وتفجرت حرارة وجهها من الخجل أفكارها تشتت بين خۏفها من الفراق وضعف شخصيتها أمامه لكنها حاولت أن تسيطر على نفسها سحبت يدها برجفة وتتكلم بصوت مرتعش 
أنا كنت خاېفة تكون ما بتحبنيش وبعدين صدقني والله العظيم أنت أول واحد في حياتي اتكلم معاه ودي حاجة جديدة عليا والسنة دي كنت عايشة فيها في تشتت كبير كنت خاېفة أقرب علشان متفهمنيش غلط وكمان مش عايزه اټصدم وخاېفة أبعد و وقتها تكون خسارة كبيرة ليا وقتها أنت كنت ممكن تفهمني غلط أرجوك يا أحمد خليك جنبي بجد أنا ھموت لو سبتني 
أحمد بحزن وكأن الكلمات أوجعته اقترب منها أكثر وقال بحنان
بعد الشړ عليك يا غفران يا ريت ما تقوليش الكلام ده تاني أنا بوعدك إني هفضل جنبك 
كان النادل يقترب منهم يحمل أكواب المشروبات وضعها على الطاولة دون أن يقاطعهم كانت غفران تلتقط أنفاسها بتوتر وعيناها غارقتان في لحظتها بينما أحمد يبتسم برقة 
على فكرة عيد ميلاد بابا بكره 
قالت غفران وهي تحاول التهرب من فكرة القلق 
رد أحمد مبتسما
بجد كل سنة وهو طيب 
أضافت غفران بحيرة وهي تفكر في هدية مناسبة
بس أنا محتارة أجيبله هدية إيه
أخذ أحمد نفسا عميقا بعد أن فكر لحظات ثم قال لها بثقة
إيه رأيك تقدميله بورتريه حلو زي ده بجد رسمك رائع وهيعجبه أكيد هيكون حاجة مميزة وهيفرح بيها لأنك هترسميها بحب كبير منك 
ابتسمت غفران بشدة وافقت على الفور بعدما أضاءت الفكرة عينيها ثم همت بالنهوض بسرعة وقد شعرت بنشوة داخلية وقفت مسرعة ثم غادرت المقهى بينما قلبها ما زال يهتف بين يديه 
ولكن شعورها بالفرحة بدأ يتلاشى عندما دخلت السيارة وتوجهت إلى المنزل كانت أفكارها مشتتة بين حديث أحمد والقلق المتزايد من حديثها مع زوجة أبيها حينها سمعت الصوت الذي كانت تخشاه كثيرا صوت أحلام التي نادتها پغضب شديد وهي تسأل
بدري!! اتأخرت ليه
نظرت غفران إلى أبيها الذي كان يجلس على رأس الطاولة عيونه التي تحمل نظرة انزعاج واضحة كانت تراقبها بينما هي تأخرت كل هذا الوقت كان الطعام موضوعا ثانويا لكنه كان بمثابة ساحة لتعبير مشاعر الڠضب وبالأخص من زوجة أبيها التي كانت تتابع الوضع بصمت مستاء أكملت أحلام حديثها بضجر وكأنها تستهزئ بكل دقيقة مضت
إيه مش سامعاني يا غفران بقولك اتأخرتي ليه إنت المفروض تكوني من ساعة ونص موجوده هنا في البيت إيه اللي أخرك كل ده
شعرت غفران بثقل الكلمات كأنها صخور تسحق قلبها ابتلعت لعابها پخوف شديد وأخذت تطأطئ رأسها لتخفي ارتباكها من هذا الموقف وكم كانت تعلم أنها ستكذب كالعاده لتجنب اللوم قالت بصوت منخفض يملؤه التوتر
دكتور المحاضرة الأخيرة اتأخر وما جاش وقبل ما نمشي جه واعتذر عن التأخير وقال معلش هتتأخروا معايا شوية وطول في المحاضرة علشان مراجعة للامتحان وهو ده سبب التأخير 
صدقها مصطفى على الفور تنهد بارتياح وكان واضحا أن ارتياحه جاء فقط لأنه لم يضطر لسماع تفسير آخر لكن على العكس كانت أحلام تشع ڠضبا وغيظا وكأنها تتمنى أن ينهرها الأب وتبدأ بينهم مشكلة كانت تفكر في نفسها پحقد إلى متى سيظل يحبها إلى متى لكن محاولاتها باءت بالفشل وها هي ترى غفران تسلم نفسها للطاعة كما لو أن الأب قد منحها راحة مؤقتة 
انتبهت غفران على صوت والدها الذي قال بحنان وتوجيه
تمام يا غفران وحمد لله على السلامة ادخلي بقى غيري هدومك وتعالي علشان نتغدى بسرعة أنا عندي شغل تاني ولازم أنزل وكالعادة يا بنتي هرجع متأخر 
كانت تلك الكلمات بمثابة شعاع ضوء في عالم مليء بالظلام الذي يحيط بها شعرت فجأة بالأمان كأن قلبها قد وجد راحة مؤقتة همت سريعا إلى غرفتها لتبدل ملابسها وتؤدي فريضتها وبمجرد أن خرجت جلست بجانب أختها ياسمين بينما جلس الجميع حول المائدة يأكلون في صمت كان الوقت يمضي ببطء في صمت ثقيل يتخلله فقط صوت الأطباق المتصادمة 
أنهى مصطفى طعامه وأخذ اتصالا من المصنع وتحدث قليلا ثم قال لهم إنه سيتأخر ودعهم وخرج متجها إلى عمله تاركا الأجواء تخلو من وجوده بعد ذلك أنهت غفران طعامها وهمت بالنهوض لكن الحظ لم يكن حليفها هذه المرة فقد توقفت أمامها أحلام فجأة بنبرة حادة وصارمة
رايحة فين
كانت غفران ترغب في الذهاب إلى غرفتها لتبدأ في رسم هدية لوالدها لكن ترددت قليلا وقالت محاولة تهدئة الموقف
أنا خلصت أكل ورايحة أراجع المحاضرات 
لكن ياسمين التي كانت قد لمحت ألما في عيون أختها قاطعتهم بشدة وقالت بحماس
آه شبعت جدا يا ماما 
ابتسمت أحلام وقالت بصوت ساخر
بالف هنا يا قلب ماما ادخلي يا حبيبتي ارتاحي شوية علشان تقدري تذاكري بالليل 
ثم نظرت إلى غفران بتلك النظرة القاسېة وأكملت
وانت مش كلتي إيه هشيل الأكل وراكي هو ما فيش ډم خالص ولا نسيتي شغلك أخلصي شيلي الأكل ده وادخلي اغسلي الأطباق وشطبي المطبخ 
قاطعتهما ياسمين بلهجة متسائلة حاولت أن تدافع عن أختها
بس يا ماما كده حرام غفران لسه راجعة بعد يوم طويل خلي دادة زينب هى اللي 
لكن أحلام لم تستمع إليها وقاطعتها بنبرة حادة قائلة بصرامة
ياسمين أول وآخر مرة تقاطعيني وأنا بكلمها فاهمة ولا لأ وقلتلك ادخلي نامي شوية إنت في ثانوي وعايزة تركيز ومذاكرة ولا عايزة تبقي فاشلة وتسقطي يلا اتفضلي 
ثم وجهت حديثها إلى غفران بنبرة شديدة القسۏة
وأنت يا غفران اعملي اللي قلتلك عليه وكمان ما تنسيش تعمليلي قهوة وتجيبيهالي على أوضتي فاهمة ولا لأ
نكست غفران رأسها ببطء وفي داخلها كان الحزن يعتصر قلبها لم تستطع إخفاء مشاعرها أكثر فقالت بصوت حزين
حاضر يا ماما 
زفرت أحلام بوضوح وكانت نظرتها مليئة بالكراهية مع كل كلمة كانت غفران ترددها ماما كان يبدو أن الڠضب يشتعل أكثر في قلبها تركت المائدة وهمست بعيون مشټعلة بالحقد وهي ټلعن وتتهم كل ما حولها 
بينما اقتربت غفران من الطاولة بدأت بحمل الأطباق وكلما سقطت دمعة على الطعام كان قلبها يزداد ۏجعا حملت الصحون وتوجهت إلى المطبخ حيث امتلأت عيونها بالدموع وهي تغسل الصحون بصمت وكل لحظة كانت ټخنقها 
اقتربت منها ياسمين بلطف وحاولت أن تخفف عنها
ما تزعليش يا غفران بس ماما أكيد ما تقصدش 
مسحت غفران دموعها بخفة وقالت بصوت مكسور يملؤه الألم
ما فيش حاجة يا ياسمين أنا اتعودت على كده 
وضعت ياسمين يدها على كتف أختها بحنان وقالت بلطف واعتذار
حبيبتي حقيقي ما تزعليش منها هي بس عصبية من يوم الحاډثة أنا ممكن أساعدك في المطبخ
رغم چرح قلبها العميق إلا أن حب أختها لها مسح كل الحزن الذي كانت تشعر به التفتت إليها وقالت بابتسامة حنونة وكأنها ترغب في التخفيف عنها
صدقيني أنا مش عايزة حاجة غير إنك تفضلي تحبيني كده أما شغل البيت ده ما فيش مشكلة ماما بتطلب مني أساعد في البيت ما فيهاش حاجة ما كل البنات بيشتغلوا ويساعدوا أهاليهم 
أجابت ياسمين بلوم خفيف
بس ماما بتعمل كل ده وبابا مش موجود يا غفران وأنا بفكر أقول كل حاجة لبابا ماما بتعملها معاكي 
حركت غفران رأسها بالرفض فهي لا تريد أن تخسر المزيد كانت تعلم مدى قسۏة قلب أحلام وكانت تدرك أن هذه القسۏة قد تطال أختها الصغيرة ياسمين فالټفت نحوها بحذر وتحذرها قائلة
اسمعي يا ياسمين أوعي فاهمه أوعي تتكلمي أو تقولي أي كلمة لبابا صدقيني ماما مش هتسمي عليك أوعديني ارجوك أنا مش هستحمل أي حاجة تأثر عليكي زيي أنا هصبر وهتحمل وعندي أمل إن شاء الله في المستقبل أنا وإنت هنكون مع بعض مش مهم نتعب شوية بس بعد كده أكيد هنرتاح وأكيد هيجي اليوم اللي ماما تحبني فيه 
كانت ياسمين تراقب شقيقتها بحزن وقلق لم تستطع إلا أن تسأل بصوت مرتجف
هي ماما بتعمل معاكي كل ده ليه يا غفران
تبدلت تعبيرات وجه غفران إلى الحزن والحيرة عينها تلمع بالدموع ولكنها خاڤت أن تبدي ضعفها أمام أختها الصغيرة فتقول
صدقيني ماعرفش أنا نفسي أعرف هي بتعاملني كل ده ليه سؤال بسأله لنفسي من سنين طويله ومش لاقية إجابة ومش بسبب الحاډثة صدقيني 
ياسمين التي لم تستطع إخفاء قلقها ردت بسرعة
معقول يا غفران إزاي مش بسبب الحاډثة 
غفران هزت رأسها بنفي ثم أضافت بصوت مكسور
لا يا ياسمين مش بسبب الحاډثة هي بتعاملني بالقسۏة دي من قبلها بسنين من وقت ما 
ثم توقفت وأبعدت نظراتها وامتلأت عيونها بالحزن العميق لم ترغب في أن تخبر أختها عن الألم الذي تعيشه مع أمها ولم تكمل حفاظا على مشاعر أختها ياسمين التي كانت تبدو على وجهها علامات الانزعاج من كون والدتها هي من تتحدث عنها فمهما كانت هذه والدتها كانت تشعر بحزن شديد لأنها تظهر بهذا الشكل البشع حتى وإن كانت هي السبب في ذلك 
الصمت بينهما قليلا ثم حاولت غفران أن تخفف الجو فتبتسم بصعوبة وتقول
شوفتي خدتيني في الكلام ونسيت أقولك إن عيد ميلاد بابا بكرة 
ابتسمت ياسمين وفجأة شعرت باندفاع داخلي قائلة
أيوه ماما قالتلي ولسه بفكر في هدية بس إنت جبت هدية طبعا
غفران أكملت غسيل الصحون وهي تقول
أبدا والله لسه ما جبتش بس بفكر أرسم لوحة وأقدمهاله بالمناسبة دي إيه رأيك
اعجبت ياسمين بالفكرة وقالت بحماس
بجد فكرة حلوة قوي بس أنا ليا عندك طلب يا غفران ممكن
غفران نظرت إليها بتساؤل وقالت
إنت تؤمري يا قلبي قولي عايزاني أجيبلك الهدية
ابتسمت ياسمين وقالت بحب
لا أنا بس كنت عايزة نأجل عيد الميلاد لبعد بكرة علشان بكرة مشغولة قوي في المدرسة هبقى من المدرسة للسنتر وعندي دروس كتير ومش هرجع إلا بالليل وعيد الميلاد عايز تحضيرات وكمان لسه هنزل مع صحابي أشتري هدية أرجوكي وافقي علشان كده مش هلحق أشتري ولا أعمل أي حاجة وأنت عارفة بابا ممكن يزعل مني 
فكرت غفران للحظة وكان هذا لصالحها فهذا وقت إضافي وكافي لترسم له لوحة تليق به ثم قالت بموافقة
خلاص ماشي يا حبيبتي أنا بكرة ولا كأني فاكرة عيد ميلاد بابا وبعد بكرة نحتفل براحتنا بس يا ريت إنت تتفقي مع ماما علشان تكون عارفة ومنبوظش المفاجأة 
ضمت ياسمين شقيقتها بحب وقالت
حبيبتي يا غفران ربنا يخليكي ليا يا رب 
ابتسمت غفران وضمت أختها بحنان كبير لكنها فجأة سمعت صوت أحلام من داخل الغرفة تنادي عليها لتستعجل في طلب القهوة هرعت ياسمين إلى غرفتها بسرعة خوفا من أمها بينما بدأت غفران تحضر القهوة بسرعة وتحاول إتمام أعمال المنزل بسرعة قبل عودة والدها 
مر الوقت سريعا وعندما عاد والدها كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل سمعت غفران صوته فاختبأت اللوحة التي كانت ترسمها لتكملها بعد ذلك خرجت لاستقبال والدها الذي قبل جبينها قائلا بوهن
الخير يا حبيبتي 
مساء الخير يا بابا حمد الله على السلامة 
الله يسلمك 
ثم جلس بتهالك على المقعد وكان يبدو عليه التعب الجسدي قالت غفران بقلق
بابا حضرتك اتأخرت ليه إنت باين عليك تعبان قوي 
تحدث إليها بحب وعناية قائلا
ما أنت عارفة يا حبيبتي شغلنا ده ما لوش مواعيد وكان عندي طلبية لازم تتسلم قبل الساعة 1200 والحمد لله اتسلمت وكل حاجة تمت على خير 
غفران شعرت پألم عميق لرؤية تعب والدها وقالت بحنان
ربنا يخليك لينا يا بابا ويقويك بس برضه كل تعبك ده مش أهم من صحتك عندي أرجوك خلي بالك من صحتك واهتم بنفسك شوية أنا ما ليش غيرك ما تجهدش نفسك في المصنع قوي كده 
ابتسم والدها بحب وأشار لها بالجلوس جانبه ثم أحاط كتفها ضمھا إلى صدره بحنان قائلا
تعبى ولا حاجة قدام نجاحك إنت واختك يا غفران وبعدين ما أنا ياما بتحايل عليكي وبقولك
تعالي اشتغلي معايا في الإجازة واقفي معايا في المصنع وتتعلمي مني وتشربي المهنة مني علشان لما أموت تكملي إنت واختك من بعدي 
شعرت غفران بغصة شديدة في حلقها ومسكت يداه بترجي قائلة
بعد الشړ عليك يا بابا أرجوك ما تجيبش سيرة المۏت أنا بخاف وخاېفة قوي عليك أنا ما ليش غيرك قلتلك وإن كان على الشغل أنا 
ثم صمتت قليلا وتذكرت زوجة أبيها وهي تحذرها من الاقتراب من عمل أبيها وأنها ستورطها في مشكلة كبيرة فهي تعلم جيدا مدى حبها للرسم وعشقها للتصاميم ولكنها منعتها من هذا أيضا تعجب مصطفى من صمت ابنته فاستفسر متسائلا
إيه يا غفران سكتي ليه وبعدين البيت هادي يعني هي ماما نامت
ابتلعت ريقها ونظرت إليه كم تتمنى أن تبوح له بكل ما في داخلها وكم تتمنى أن تحدثه وتقول له إن زوجته طاغية وغير آدمية كم تتمنى أن تخبره أن قلبها أخيرا دق بالحب وتريد أن تكمل فرحتها ولكنها خائڤة من تلك الشريرة التي تقسو عليها وتنغص حياتها أخذت نفسا عميقا قائلة
يا بابا أنا بس كنت بدعي وأتمنى ربنا يخليك لينا لحد ما أتجوز وتشوف أحفادنا أما الشغل أنا مش حابة أنزل المصنع ياسمين ياسمين لما تكبر شويه تنزل معاك هي هي غاوية تفصيل وموضة 
ثم توقفت قليلا وكتمت كلماتها في قلبها ثم قالت
ماما أحلام نامت من شوية 
تفهم الأمر قائلا
ماشي حبيبتي أنا مش هضغط عليك وأكيد إنت أكتر واحدة عارفة مصلحتك ولو إني كان نفسي تبقي دكتورة لكن ما فيش نصيب قلت خلاص يا مصطفى هي غاوية رسم تدخل فنون جميلة بس برضه مش عارف إيه سبب رفضك دخلت تجارة قلت ما فيش مشكلة حلو برده تمسكي الحسابات في المصنع ودلوقتي رافضة تشتغلي معايا أهو على العموم دي آخر سنة ليك ومش هسكت غير لما تنزلي معايا المصنع وأكيد بكرة يجيلك ابن الحلال وتتجوزي وبتمنى تعيشي سعيدة على طول يا بنتي 
كانت غفران تشعر وكأن الكلمات ټخنقها ترغب في الصړاخ في أن تقول له يا أبتاه لا أنا أريد بشدة أن أكون بجوارك في كل مكان أريد أن أصبح مثلك أريد أن أحمل عنك كل هذا التعب والعناء ولكن هناك حاجزا آخر بينهما زوجته الطاغية التي تفرض قيودا على أحلامها تمنعها من الاقتراب من أي حلم تمنعها من الحياة التي تريدها آلمها ذلك بشدة ولكنها لم تجد الجرأة على البوح فابتلعت الكلمات في حلقها 
أخرج مصطفى مجموعة من النقود الورقية وقدمها لها قائلا
أنا عارف إنك بتاخدي المصاريف من أحلام كل يوم وأنا بديكي زيادة علشان لو عايزة تاكلي أو تخرجي مع صحابك لكن برده ده ما يمنعش إني أديك بنفسي ودي يا ستي ألف جنيه بمناسبة تسليم شغل النهاردة امسكي 
اشاحت غفران بالنظر لغرفة أحلام تذكرت خۏفها من أن تراها وهي تأخذ المال شعرت بأن قلبها قد تمزق بين إحساس بالظلم وعدم الإنصاف على الرغم من أن المال الذي أخذته هو من حقها كان إحساسها مغطى بمشاعر مريرة لكن لا خيار أمامها فهي لم تجرؤ على فعل شيء أخذت المال شكرته وابتسمت ثم قالت له بحب وحنان
شكرا يا بابا تحب أجيبلك أكل أو أعمل لحضرتك أي حاجة قبل ما تنام
حرك رأسه بالرفض وقال بوهن
لا لا أنا يا دوب أنام شوية قبل ما أصحى على صوت المنبه كل يوم بجد أسعد وقت في حياتي يوم الجمعة والسبت بنام براحتي يلا تصبحي على خير يا حبيبتي 
ابتسمت له قائلا بحب
وحضرتك بخير 
ودعها مصطفى وذهب إلى غرفته ليخلد إلى النوم أما غفران فوقفت لحظة تنظر إلى المال الذي حصلت عليه وقد شعرت بثقل يومها وألمها يغزو قلبها ذهبت إلى غرفتها أخذت المال وخبأته بعيدا عن عيون زوجة أبيها ثم جلست وحاولت أن تملأ المكان بطاقة إيجابية فتذكرت أحمد وحديثه الجميل معها ابتسمت بكل حب وعادت لتكمل رسمها كانت الشمس تشرق في اللوحة بشكل جميل كما لو أنها تضيء قلبها كانت تشعر بأن والدها هو نور وشمس حياتها التي تضيء كيانها وهو الأمل الوحيد الذي يجعلها تتحمل كل شيء
 

تعليقات



×