رواية شفق الممالك ( كاملة جميع الفصول ) بقلم ملك الحريري


 رواية شفق الممالك الفصل الاول 


كانت الرياح تعصف بجبال "فاليرا" العالية، تصدر أصواتًا كأنها همسات من عوالم أخرى، تخبر بحكايات لم يُسمع بها من قبل. في تلك القرى الصغيرة التي تنتشر على سفوح الجبال، كانت الحياة هادئة، بسيطة، لكنها تخبئ أسرارًا لم يتجرأ أحد على كشفها. 

في قرية "أرين"، حيث الصخور الرمادية تحاصر المنازل الخشبية، كانت "لورا" تجلس قرب النافذة في كوخها الصغير، تنظر إلى السماء الملبدة بالغيوم الداكنة. كانت تعلم أن هناك شيئًا غريبًا في هذا اليوم؛ فالهواء كان ثقيلًا، وكأن الطبيعة نفسها تنتظر حدثًا جللًا. 

-"لورا!" نادى صوت والدتها من المطبخ.
-"نعم، أمي؟"
-"أحضري الحطب من الخارج، العاصفة قادمة، ونحتاج لتدفئة هذا المنزل." 

ارتدت لورا معطفها الثقيل وخرجت إلى الساحة الأمامية، حيث كانت قطع الحطب مكدسة في زاوية قريبة من المنزل. ولكن، بينما كانت تلتقط القطع، شعرت بشيء غريب. الأرض تحت قدميها بدت وكأنها تهتز برفق، والهواء حولها أصبح مشحونًا بالكهرباء. 

رفعت نظرها إلى السماء، فرأت مشهدًا مذهلًا. كان شفق غريب يلون السماء بألوان غير طبيعية: أرجواني، أزرق، وأخضر. لم يكن هذا شفقًا عاديًا؛ كان ينبعث منه وهج خافت أشبه بالنبضات. 

-"ما هذا؟" همست لنفسها. 

لكن قبل أن تتمكن من التفكير أكثر، شعرت بيد ثقيلة على كتفها. استدارت لتجد "إيثان"، صديق طفولتها، يقف خلفها.
-"إيثان! لقد أخفتني!" قالت وهي تضع يدها على صدرها.
-"آسف، لم أقصد. لكن... هل رأيت السماء؟" قال وهو ينظر إلى الأعلى بعينين متسعتين.
-"نعم... لم أرَ شيئًا كهذا من قبل. ما الذي يحدث؟" 

تردد للحظة، ثم قال بصوت خافت:
-"سمعت حديثًا في السوق... يقولون إن هذه الظاهرة علامة على أن شيئًا عظيمًا سيحدث. البعض يعتقد أنها نذير شؤم." 

شعرت لورا بوخزة في صدرها، لكنها تجاهلتها وقالت بجرأة:
-"أوه، هذه مجرد خرافات. لا شيء سيحدث." 

لكنها لم تكن مقتنعة بكلماتها. 

بعد ساعات قليلة، وبينما كانت الأسرة تجلس حول الموقد في المساء، حدث ما لم يكن في الحسبان. اهتزت الأرض فجأة بعنف، وسُمع صوت أشبه بانفجار بعيد. هرعت لورا إلى الخارج لتجد أن السماء قد انقسمت إلى نصفين، ودوامة من الأضواء تتشكل في مركزها. 

-"لورا! عودي إلى الداخل!" صرخت والدتها من الخلف، لكن لورا كانت مسحورة بالمشهد. 

وفجأة، انطلقت شعاع من الدوامة نحوها مباشرة، ليغمرها نور قوي. شعرت بحرارة غريبة تسري في جسدها، كأن كل خلية فيها تستيقظ. وحين فتحت عينيها، وجدت نفسها في مكان آخر تمامًا. 

كانت تقف في ساحة واسعة، محاطة بأبراج شاهقة من الكريستال، وفي السماء كانت النجوم تلمع بشكل لم تره من قبل. اقترب منها رجل غريب يرتدي رداء أزرق، عينيه تلمعان كأنه يعرفها منذ زمن طويل. 

-"أخيرًا... لقد وصلتِ." قال بصوت هادئ ولكنه يحمل هيبة.
-"من أنت؟ وأين أنا؟" سألت وهي تشعر بالارتباك.
-"أنتِ في قلب الممالك... حيث يتحدد مصير العوالم. لقد اخترناكي، يا لورا، لتحملي العبء الأعظم."

كانت كلمات الرجل تتردد في عقل لورا كصدى بعيد: "لقد اخترناكِ لتحملي العبء الأعظم." شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وأدركت أن شيئًا أكبر من أن تفهمه يحدث. 

-"اخترتموني؟ من أنتم؟ وما هذا المكان؟" سألت لورا، محاوِلة استجماع شجاعتها، رغم أن قلبها كان ينبض كطبل في صدرها. 

ابتسم الرجل الغريب ابتسامة خفيفة، ثم رفع يده بحركة بطيئة، فظهرت أمامه خريطة ثلاثية الأبعاد للممالك الخمس، كل واحدة منها محاطة بهالة من لون مختلف. 

-"اسمي آرينوس، وأنا أحد الحراس القدماء. هذه هي الممالك الخمس التي تتحكم في توازن هذا العالم. النار، الماء، الهواء، الأرض، والظلام. لكل مملكة حاكم يتحكم في عنصرها، ولكل عنصر دوره في حفظ النظام. لكن... هناك خلل حدث، وبدأت قوى الظلام بالتوسع بشكل خطير." 

تقدّم آرينوس خطوة نحو لورا، ونظره ينغرس في عينيها مباشرة:
-"وأنتِ... أنتِ من تحملين مفتاح التوازن. لديك القدرة على التحكم في كل العناصر." 

تراجعت لورا خطوة إلى الخلف، غير قادرة على استيعاب ما تسمعه:
-"هذا مستحيل! أنا مجرد فتاة عادية. لا يمكن أن أكون جزءًا من كل هذا!" 

أشار آرينوس إلى السماء فوقهما، حيث كانت دوامة من النجوم تتحرك ببطء:
-"الشفق الذي رأيته في قريتك كان نداءً لكِ. إنه يظهر فقط لمن يمتلك هذه القوة. كل حياتكِ الماضية كانت تحضيرًا لهذه اللحظة." 

شعرت لورا بثقل كبير على صدرها. ماذا يعني أن تكون هي المختارة؟ هل ستترك حياتها الطبيعية وكل ما تعرفه؟ وقبل أن تتمكن من التفكير أكثر، اقترب آرينوس ووضع يده على كتفها. 

-"لا تقلقي. رحلتك لن تكون وحدك. ستتعلمين استخدام قوتك، وستواجهين تجارب ستكشف حقيقتك. ولكن عليك أن تدركي أن الوقت ليس في صالحنا. الظلام يزحف، وإذا لم تتحركي الآن... ستنهار الممالك جميعها." 

قبل أن تتمكن لورا من الرد، بدأ المكان من حولها بالتلاشي تدريجيًا، كأنه يذوب في الهواء. سمعت صوت آرينوس يبتعد، لكنه كان واضحًا:
-"ابدئي رحلتك من مملكة النار. هناك ستجدين الإجابات الأولى. لكن احذري... ليس كل من يقابلكِ سيكون صديقًا." 

وجدت نفسها فجأة عائدة إلى قريتها، حيث كان الجو هادئًا بشكل غريب. وقفت عند الباب الأمامي لمنزلها، محاولة استيعاب ما حدث، لكنها شعرت بشيء غريب في جسدها. يداها كانتا مشحونتين بطاقة غريبة، وكأن شرارات خفية تتراقص على أطراف أصابعها. 

-"لورا! هل أنت بخير؟" كان صوت والدتها يأتي من الداخل، لكن لورا لم تستطع الرد. كانت أفكارها مشوشة، وعقلها مليء بالأسئلة. 

اقترب منها إيثان مرة أخرى، ولكن هذه المرة كان نظره مختلفًا، كأنه لاحظ شيئًا غريبًا عليها.
-"لورا... ماذا حدث؟ أنتِ تبدين... مختلفة." 

نظرت إليه بعينين مضطربتين وهمست:
-"إيثان... أحتاج مساعدتك. هناك شيء يجب أن أفعله... لكن لا أعرف من أين أبدأ." 

كانت تلك اللحظة بداية مغامرة ستحمل لورا إلى أماكن لم تحلم بها، وستضعها في مواجهة أعداء وحلفاء، وأسرار ستغير كل ما تعرفه عن نفسها والعالم. 

تعليقات



×