رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل العاشر 10 بقلم إسراء على


رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل العاشر بقلم إسراء على


في بعضِ الأحيان قد يكون وجهي العُملة واحدًا
أجدحدهما يعني الربح و الآخر يعني الخسارة
و كِلاهما يقع في منطقة، أنه هو الخاسر الوحيد… 

-غُفران أنتِ كدا بتبيعيني مش بـ الرخيص لأ، أنتِ بتبيعي بـ بلاش… 

هدر بها سليم و هو يهز غُفران بين يديهِ و عينيه تُطلقان شرر قادح و قادر على إضرام النيران في البادية بـ أكملها، ثم ضغط على ذراعيها و أكمل بـ نبرةٍ شابهت هدير الرياح في كهفٍ خاوٍ

-أنا مقدرش أسيبك كدا، و لو على أبوكِ أنا هتحدى أي حاجة عشانك… 

كان بُكاءها سلاحها الوحيد و مُناجاتها الصامتة له، عله يفهم أنها تُضحي من أجلهما معًا، الخيار ليس بـ يدها و إن رفضت سيهلكان معًا دوم رحمةً أو شفقة و ستكون الطعنة من والدها و لن تلومه فـما تفعله الآن في عُرف العادات مُحرم 

أمسكت يده و توسلت بـ عينيها المُكحلة ثم قالت بـ صوتٍ مُتهدج لأول مرة يرى تلك الأبيّة في حالةٍ يُرثى لها لهذه الدرجة 

-سليم عشان خاطري إفهم، أنا ساويت هذا عشانا… 

ضحك بـ قتامةٍ و سُخريةٍ سوداء ثم قال و يده تشتد على ذراعيها حتى خرج تأوه منها و لكنه كان أصم عنه

-متقوليش عشانا بس، أنتِ اللي حابة تبيعي… 

فقدت غُفران أعصابها و ضربت صدره هادرة بـ حدةٍ رغم العبرات الي أبت إن تتوقف

-لو كُنت حابة أبيع كُنت ساويتها من زمان يا طبيبي، لكني إختارتك و هتظل إختياري الوحيد… 

رُغمًا عنه وجد قلبه يخفق و يرق لساحرته، ليُخفف من قبضتهِ عليها و تحولت نبرته القاتمة إلى أُخرى متوسلة تتسول منها إجابةٍ واحدةٍ ستكون خلاصهما

-طب طالما أنا إختيارك ليه هتخليني أحارب لوحدي! ساعديني يا غُفران و خلينا نهرب… 

شهقت غُفران و حاولت التملص منه، ما يطلبه الآن جنون سيندم عليه فيما بعد سيكون هلاكهما أسرع مما يظن، غضبت و بكت و ضربت ثم قالت صارخة و قواها تخور بين يديهِ 

-أنت بتحاول تسرع موتنا و هلاكنا! إتُركني يا سليم إتُركني الله يرضى عليك… 

تجمدت تعابيره فجأة و تصلبت يداه يأبى أن يتركها تسقط ثم هتف بـ جمودٍ و كأنه تحول إلى تمثالٍ حجريّ لا يحمل الحياةِ 

-هسألك سؤال و جاوبي عليه، و إجابتك هعرف إذا كانت صادقة ولا لأ… 

حدقت به غُفران بـ حيرةٍ و تعجب و قلبها يخفق لِما هو قادم و إنتظرت سؤاله الذي خرج بـ نبرةٍ لم تعرفها و لم تسمعها منه قط

-أنتِ بتحبيني بـ نفس درجة حُبي ليكِ!!... 

فغرت فمها لـ سؤالهِ الغير متوقع، رغم الغضب الذي أصابها إذ أنه لا يثق بـ مقدار عشقها له بعد و الإحباط الذي نجم عن سؤالٍ لم يكن عليه أن يسأله إلا أنها دفعت صدرهِ و هدرت 

-سؤال غبي مثلك بالظبط يا طبيبي، كيف بتريد چاوب! 
-لم يجفل بل هتف دون تزعزع بـ إصرارٍ عنيد:جاوبي يا غُفران… 

ذمت شفتيها بـ غضبٍ ثم أمسكت تلابيبه و قربته منها في حركةٍ لم تُدرك توابعها بعد و هتفت بـ نبرةٍ تُشبه نبرتهِ و لهجة أهل الحضر تطغى عليها 

-لو بتحبني بـ نفس الدرجة اللي بحبك بيها، مكنتش هتستحمل تعيش… 

ثانية واحدة فقط و إستعاب عقله عبارتها ثم إرتسمت إبتسامةٍ شقية على ثغرهِ الرجولي ثم قال هامسًا و هو يقترب أكثر بـ صوتٍ أذابها دون أن تدري

-يبقى إستحملي إقتحامي… 

إتسعت عيناها بـ دهشةٍ و تجمدت و هي تراه يقترب، رغم رفض كُل المنطق لِما يحدث و لكن رغبتها الخائنة في تجربةِ شيءٍ مُثير خاصةً مع رفيق روحها طغى عليها و ألغى كُل منطق و عقلٍ

ما أن وجد سليم إستسلامها حتى إندفع أكثر حتى يمنع أي تراجع و ذلك الشيء الذي تمناه يحدث، يشهد الله أنه حاول أن يعف نفسه عنها و أن يكبح جموحه تجاهها و لكن رغبته هربت من معقلها

ما أن مست شفتاه شفتيها حتى كاد أن يلتهمها إلا أن ألم حارق أصاب ساقه فـ شهق و سقط أرضًا، شهقت غُفران و هي تجد سليم ساقطًا أرضًا يُمسك ساقه و هي تنزف! 

وضعت يداها على فمها و كادت أن تجثو إليه إلا أن يد قوية أمسكت ذراعها بل و عصرها بـ قوةٍ فـ صرخت ألمًا، نظرت غُفران إلى تلك اليد ثم إلى صاحبها لتجده عابد، يُحدق بها بـ نظراتٍ قاتلة أوشكت على إلتهام روحها و إلقاءها في قبرٍ موحش 

إقترب منها و هسهس بـ فحيحٍ جعل جسدها يرتعد و هي تتيقن الآن أن لا مفر منه و من براثن ذلك الضبع المُسمى عابد 

-يا بنية الشيخ راغب، إيش يقولي عن خطيبتي و هي تجابل رچل ثاني غير زوچها ها!... 

حاولت التملص منه و الفرار إلى سليم المُقيد بـ رجلين يُمسكاه بـ قوةٍ و هو يحاول الإفلات صارخًا بـ اسمها، إلا أن عابد كان يحكم قيده حولها جيدًا و أكمل بـ صوتٍ مُخيف

-الثمن هذا بيندفع بـ الدم يا بينة الشيخ، و الدم بيكون طار
-إتُركني… 

صرخت و حاولت الفرار و كُلما حاولت نبش هو أظافره في لحمها لتتأوه أكثر، ثم نظر إلى سليم و هدر بـ صوتٍ تردد في أنحاء الصحراء و إختبأت الحيوانات في جحورها إثر جهوريته

-بحادثك بـ لُغتك يا طبيب، اللي يقرب من ست تخص رجل تاني بيكون عندي التمن موته
-صرخت غُفران بـ توسل:لأ الله يرضى عليك يا عابد لا تأذيه
-غُفراااان!!...

و على صوت هدير سليم إلتفتت إليه فـ وجدته يُحدق بـ عابد بـ كُرهٍ شديد أكثر مما تكنه هي 

-مش هسمحلك تاخدها مني… 

إبتسم عابد بـ خُبثٍ و فجأة أمسك خصر غُفران و جذبها إليه حتى إلتقصت به، فـ تحولت ملامحها إلى رُعبٍ تام و تقزز كسا ملامحها، و بين خُبثه و ملامحها إسودت عيني الراقد أرضًا و شعر بـ الدماء تغلي داخله بينما ينطق عابد بـ نبرةٍ أشد خُبثًا و شماتةً

-أنا أخذتها خلاص، إبعد عنها و إلا جُثتك هرميها لديابه… 

ترك خصرها و أمسك معصمها ثم جرها خلفه قائلًا بـ صوتٍ صارم و هو يرحل 

-يا رچال، علموه كيف يقرب من زوچتي… 

صرخت و هي تعي جيدًا ما يعنيه عابد بـ حديثهِ فـ حاولت التملص و هي تُثبت قدميها بـ الرمالِ و هي تنظر إلى الخلف ترمق ما يحدث بـ بُكاءٍ عنيف، و يدها الأُخرى تخدش يد عابد الذي لم يتزحزح و كانت هي غافلة عن ملامحهِ السوداء 

-عابد أرجوك إتركه، رح أسوي اللي بتريده بس لا تساوي فيه هذا… 

توقف عابد عن السير ثم إلتفت إليها و قال بـ نبرةٍ غليظة جعلت قلبها يهوى أرضًا 

-نتزوچ بعد يومين و رح إنسى اللي شوفته اليوم… 

هربت الدماء من وجهها و كادت أن تسقط و لكنه لم يسمح فـ رفع ذراعها حتى يحول دون ذلك و إقترب جسدها منه فـ همس مُتخابثًا

-إيش قولك يا بنية!... 

وضع جبينه على جبينها و نظرت هي من طرفهِ عينها إلى سليم الذي يُكال إليه الضربات ثم أغمضت عينيها و هي غير قادرة على المُتابعة أكثر لتقول بـ قلة حيلةٍ و نبرةٍ فقدت الأمل بـ الحياةِ 

-موافقة… 

إبتسم عابد بـ ظفرٍ ثم أشار إلى رجالهِ ليتوقفوا عن ضربهِ و بـ الفعلِ قد كان، ثم قبض على فكها و قال مُحذرًا بـ نبرةٍ لن تنساها ما دامت حية

-من هذه اللحظة، بتنسيه تمامًا يا غُفران، هلا أصبحتِ ملكِ أنا عابد… 

و ليتها ظنت أن كُل ملكٍ يستحق ملكة، بل كانت جارية يشتهي تعذيبها وقتما شاء

*****

خرج تأوه طفيف، باهت ينُم عن صاحب هذه الأهة المُنهك و المُتعب بـ شدةٍ ثم فتحت سديم عينيها و تأوهها يعلو معها، الألم يحرق كتفها بـ قوةٍ و كأن أحدهم يحرقها حية، أهذا ما يشعر به المقتول ما أن تخترق جسده رصاصة! مؤلم و موحش بـ شدةٍ 

نظرت حولها تتبين المكان و الزمن فـ وجدت النهار لا يزال قائمًا ثم نظرت إلى يسارها لتجد أرسلان ينظر إليها مُتجهمًا بـ ملامحهِ القاتمة المُعتادة فـ حاولت تلطيف الأجواء رغم ألمها الغير مُحتمل لتقول بـ نبرةٍ ضعيفة 

-زعلان ليه! أنا اللي إتضربت مش أنت… 

قطب أرسلان جبينه أكثر بـ حدةٍ، كان يضع كفيه المضمومين أسفل ذقنهِو مرفقيه يضعهما فوق رُكبتيهِ، ليتنهد قائلًا بـ صوتٍ قاتم بـ سُخريتهِ المُعتادة

-أنا من ساعة أما عرفتك و أنا بسأل إزاي خرجتِ من الإبتدائية بـ مستوى ذكاءك المُنعدم دا يا دكتورة!... 

ذمت سديم شفتيها و تحسست كتفها المُصاب ثم قالت بـ تبرمٍ و هي تُدير رأسها بعيدًا عنه 

-الحق عليا بحاول أخفف عنك
-هتف بـ برودٍ أغاظها:متحاوليش تاني، أنتِ بتيجي تكحليها تعميها… 

رمقته بـ نظرةٍ قاتلةٍ و فتحت فمها تُريد الحديث إلا أنها منعت نفسها مِن قول ما توده ثم فتحت شفتيها من جديد و قالت بـ غمغمةٍ و كأنها طفلٌ يتدلل على والدهِ

-دا بدل ما تقولي حمد لله على السلامة يا حبيبتي، ياريتني أنا ولا أنتِ، أي كلمة حلوة تهون عليا وجعي… 

لو كان أحدهم سابقًا أخبرها أن أرسلان قد ترتسم عليه ملامح الألم لضحكت بـ ملئ شدقيها لسعدت أم ذلك الحجر القاسي يحمل المشاعر كما البشر و لكن ما رأته الآن جعلها تتألم أكثر، كأنها تلقت لكمة قوية في موضع الإصابة 

لم تكن تعلم أنها ستشعر بـ هذا الألم لمُجرد ملامح إرتمست دون أن تستشعرها، الذنب يلوح بـ الأُفق يُكمل لوحة الألم و لمسةً أخيرةً من الغضب الكثير من الغضب البُركاني الساحق 

مدت سديم يدها و إبتسمت بـ وهنٍ ثم قالت تُحدق بـ وجههِ القاسي و شفتيه التي إشتدت في خطٍ يُعبر عن مدى جُهده في كبح بُركانه من الثوران

-أنا كويسة يا أرسلان… 

خرجت ضحكة هازئة تُعبر عن تيقنه من كذبها الواضح إلا أنها لم تأبه لذلك و أكملت مُمسكة بـ كفهِ و تسير عليه بـ تمهل بـ غرض طمأنته

-أنا كويسة عشان معاك و هفضل كويسة، بس أنت خليك جنبي… 

لم يكن بصره مُسلطًا عليها، بل على يدها التي تُمسد ذراعه فـ تنازل القاسي و أمسك يدها و في بادرةٍ شهقت لها سديم كا يُقبل كفها بـ قوةٍ ثم دنى أكثر منها و همس بـ نبرةٍ شرسةٍ في جمودها 

-لو مفكرة إني هسيبك بـ سهولة فـ دا فـ أحلامك 
-رغم خفقات قلبها لفعلتهِ إلا أنها ضحكت قائلة:دا حتى لو سبتني فـ الحلم… 

إنتعش قلبها لزوايةِ فمه التي شبه إرتفعت و لكنها كانت أكثر من كافية لتتطمئن أنه بـخير، إقترب أرسلان أكثر و وضع جبينه على جبينها و همس بـ صوتٍ قاس يحمل وعود تعرفها جيدًا و تخافها

-مش هسيب اللي أذاكِ… 

سحبت كفها الذي كان أسير يده ثم وضعته على وجنتهِ و قالت بـ توسلٍ و كأنها على وشك البُكاء، كان توسل صادق تخشى توابع وعوده و الحرب التي ستبدأ دون أن تنتهي

-عشان خاطري يا أرسلان متعملش كدا، سيب البوليس يجيب حقي، أنا مش هقبل أخسرك تاني… 

و الخسارة تعني هُنا أن يخسر نفسه من جديد، أن يعود إلى الجحيم و الذي سابقًا كان ملجأ لا يعرف مكانًا غيره، و هي لا تُريد ذلك، هي تُريده كما هو الآن لن تسمح له بـ العودة إلى الوراء من جديد حتى و إن إضطرت إلى سجنهِ في كهفٍ لا يعرف طريقه أحد

فتح أرسلان فمه ليتحدث و لكن سديم لم تسمح له إذ وضعت يدها على شفتيهِ و همست بـ صوتٍ تعلم أنه لم يستطيع مقاومته 

-لو بتعتبرني حياتك متعملش حاجة، خاف على نفسك قبل عليا، عشان لو خسرت نفسك هتخسرني… 

قتمت عيناه و تحولت إلى بئر سحيق ملئ بـ الصرخات و التي تعني الرفض و لكن كيف له ألا يرضخ لتلك الملكة؟ كيف أن يرفض توسل لأُنثى تراه حياتها و مأمنها؟ كيف ألا يقول أجل فقط من أجلها؟ 

قَبّلها أرسلان بـ قوةٍ يغزو كُل إنشٍ بها دون أن يدع لها مجالًا لـ الإعتراض و الرفض أو مُحاربة هجومه السلميّ و سلاحه الفتّاك، ثم إبتعد عن شفتيها قسرًا و كم يؤلمه الإبتعاد عنهما و قال بـ نبرةٍ لن تستطيع المُضيّ قُدمًا بعدها 

-خسران فـ كل حُروبي معاكِ… 

إنهمرت العبرات دون أن تبذل جُهدًا في كبحها و لأول مرة تكره خسارته و إنهزامه أمامها، هي تعلم أنه في داخلهِ مراجل تغلي و قلبه الأسود سيظل مُشتعلًا و لكن سلامته و حياتهما المُستقرة أهم مِما يشعر به الآن، أنانية و تعلم ذلك و لكن تلك الأنانية هي السيبل الوحيد للحفاظ عليه كما هو

قاطعهما صوت طرقات ثم دلفت المُمرضة مُبتسمة و لم يُكلف أرسلان نفسه عناء الإبتعاد عنها ثم قالت و هي تقترب من سديم 

-أخبارك إيه يا دكتورة! 
-أجابت:فُقت، بس هحتاج مُضاد حيوي
-هتفت المُمرضة و هي تُخرج إبرةٍ طبية:أكيد يا دكتورة متقلقيش… 

قامت بـ حقن المحلول الطبي بـ المُضاد الحيوي لتخفيف الألم ثم نظرت إلى أرسلان و قالت 

-الظابط وصل بره و مستني الدكتورة تفوق عشان ياخد أقوالها… 

قبل أن تسمح لأرسلان بـ الحديث و الذي سيكون الرفض هتفت سريعًا و هي تتجنب نظراته التي تحرقها حية

-ماشي خليه يدخل… 

أومأت المُمرضة و رحلت تجلب الشُرطي لتنظر إلى أرسلان بـ بلاهةٍ و كأنها لم تفعل شيء، ليُهسهس من بين أسنانهِ بـ نبرةٍ جعلت بدنها يقشعر

-الرصاصة مخلصتش عليكِ، بس أنا اللي هخلص عليكِ… 

إستشعرت سديم خطورة ما قامت به إلا أنه قد فات الأوان إذ دخل الضابط و الذي قال بـ إبتسامةٍ سمجة تُشبه شخصيته 

-حمد لله على سلامتك يا دكتورة سديم… 

نظرة تحذيرية من أرسلان أن تُفكر فقط في الرد عليه و وصلها التحذير كاملًا و كأنها فهمت توابعه، فـ إكتفت بـ إيماءةٍ بسيطة تتصنع الإنهاك و التعب، ليقترب الضابط و يجلس جوار أرسلان ثم قال

-بعد إذنك محتاج أتكلم معاها لوحدنا… 

أتمزح! تدلى فك سديم لطلبهِ السخيف و شديد الخطورة في ردِ فعل زوجها و قد كان حدسها مُحقًا إذ صعقه أرسلان بـ نظرةٍ حادة، شرسة كـ أسدٍ ينوي الإنقضاض على فريسةٍ غبيةٍ و شديدة الإستفزاز فقط عليه قتلها دون أكلها ليتخلص منها، و تجنبت سديم تداعي الموقف لتقول مُسرعة و هي تُمسك يد أرسلان بـ خوفٍ حقيقي قد يُفسره الضابط على أنه خوفٍ مِما حدث لها و لكن الحقيقة هي خائفة مِما قد يُقدم عليه زوجها

-لأ أنا خايفة و مش عايزاه يُخرج
-إعترض الضابط قائلًا:مينفعش يا دكتورة، أنا باخد أقوالك… 

إحتدت نظرة أرسلان و قتمت ملامحهِ كما إشتد فكه في غضبٍ أسود يليق بـ وحشٍ على وشكِ الفتك به، و لكنه هتف بـ نبرةٍ هادئة و لكن هدوءها جليدي، مُخيف 

-هو أنا هغشها! إتفضل يا حضرة الظابط خُد أقوالها لأني مش همشي و أسيبها لوحدها… 

لوى الضابط شدقه بـ غضبٍ و لكنه إبتلع ما قيل ثم نظر إلى سديم و سألها

-إيه اللي حصل! تقدري تحكِ اللي أنتِ فكراه!... 

بدأت سديم في سرد ما حدث بـ توترٍ بالغ و خوفٍ إجتاح أوصالها كُلما تذكرت ما حدث و لكنها لم تتوقف، و في خضم الأسئلة التي أنهكتها توقف الضابط و قال بـ صوتٍ هادئ

-مش هضغط عليكِ أكتر من كدا واضح اللي حصل إمبارح لسه مأثر عليكِ، نكمل بكرة فـ القسم… 

صدح صوت هاتف الضابط و أجاب في همهمة و إقتضاب، ثم رمق أرسلان نظرة مُبهمة و لكنها لم تكن مُبهمةً له إذ يعرف ما تعنيه، ليُغلق الهاتف و قال مُبتسمًا بـ إستفزاز

-خلصنا مع الدكتورة، بس للأسف حضرتك مُضطر تشرفنا فـ القسم
-صرخت سديم:قسم! ليه إيه اللي حصل!... 

لم تتشتت نظرات أرسلان عن الضابط بل ظل مُسلطًا نظراته الساخطة عليه و سأله بـ نبرةٍ جامدة كـ جمود الصخرِ الصلب

-مين اللي إتقتل!... 

يعرف جيدًا أن ما أن إتصلت الدائرة لم تنقطع إلا حينما يخُط هو بـ ساقهِ داخلها، شهقت سديم و شعرت أن روحها ستُغادرها لم يكد يفيق من إصابتها حتى يأتيه نبأ قتل آخر، ما يحدث سيجعلها بل سيجعلهما يُقتلان بـ بُطءٍ سادي

بينما الضابط قال بـ صوتٍ بارد

-موظفة عندك، و لاقوا صور خاصة بيك و بيها فـ البيت… 

إقترب الضابط من أُذن أرسلان و همس بـ خُبثٍ يُريد إثارة غضب الآخر و لكنه خيب ظنه فـ رد فعل أرسلان البارد لم يتغير بل إزداد برودة

-حكاياتك مع موظفاتك البنات كتير أوي، يا ترى مراتك الدكتورة تعرف بـ علاقاتك… 

رمقه أرسلان بـ نظرةٍ جليدية، قاتمة شعر الضابط و كأنها تُثِقب روحه و تجثم على رئتيهِ فـ لا يستطيع التنفس، إلا أن نبرته كانت خاوية خواء أشد إخافة من نظراتهِ

-يلا نروح القسم قبل ما يقفل يا حضرة الظابط… 

همّ أرسلان بـ الرحيل و لكن صوت سديم المُلتاع أوقفه

-أرسلان!!!... 

توقف و هو موليها ظهره و لم يُظهر تعابيره التي تجعل كُل من ينظر إليها 
يخر صريعًا، و تشنج عضلاته أظهر مدى غضبه و جماح جنونه الذي كاد أن يفلت من معقلهِ، لتخرج نبرته تُعبر عما يجول داخله من مُشاعر مُحطِمة لقلبها في هدوءها و برودها الذي آلم روحها 

-هبعت سُمية و رحمة يكونوا معاكِ، و المُمرضة هتفضل جنبك لحد ما هما يوصلوا… 

هكذا فقط ثم رحل مُخلفًا وراءه مشاعر ثقيلة كانت أشد ألمًا من جرحها الغائر

*****

في اليومِ التالي 

يسير هو داخل الشركة و النظرات تتسلط عليه و كأنه نجم سينمائي يكتسح الساحة بـ شُهرته الخلابة، تلك النظرات تعني الشك و أن مُديرهم قاتل

سُرعان ما إنتشر خبر موت شروق المطرودة قبل يومين و الجميع يعلم هوية القاتل و لم يكن أحدًا سواه، تعابيره السوداء و نظراته التي تُلهب الوسط لشدة النارية التي تخرج منها جعلت الجميع غير قادر على الحديث

توقف أرسلان فجأة ثم إلتفت إلى الجموع و بـ نبرةٍ تردد صداها في أنحاء الشركة بـ قوتها و صلابتها كأن لا شيء قد حدث

-المعنيين بـ الإجتماع المُتفق عليه، يحصلوني على الأوضة… 

و دون كلمةٍ أُخرى تركهم و إتجه إلى غُرفة الإجتماعات يفتح الباب على مصرعيهِ و المُتحاذق هو فقط من يتأخر عن القدوم خلفه، علت همهمة من موظفة ناقمة و هي تقول

-إجتماع إيه اللي نحضره و إحنا مش مستعديين! 
-لكزتها زميلتها و همست بـ تحذيرٍ:لو مش عايزة تطردي، متتكلميش و حاولي تعومي التيار… 

تأففت و تبعت الجميع دالفين إلى الغُرفة و كأنما يُساقون إلى الموتِ، حينما دخلوا كان أرسلان يجلس على رأس الطاولة و ملامحهِ لا تُنذر بـ الخير، بل مَنْ يراها يتيقن أن إذا أخطأ أحدهم يعني هلاكه

أشار أرسلان إلى أحدهم و قال بـ صوتٍ غليظ

-أنت، إبدأ العرض…

المُشار إليه كاد أن يفقد وعيه من شدة التوتر، و أشار إلى نفسهِ بـ بلاهةٍ و قال و كأنه ينفي عنه تهمة شنيعة

-مش أنا اللي مسئول
-بـ نبرةٍ جمدت الدماء في أوصال الجميع:مش هكرر كلامي… 

يا إللهي من الواضح أن اليوم لن يمر مرور الكرام، سينجو مَنْ يُكتب له النجاة و سيهلك من كُتِبَ له الهلاك، نظر الشاب إلى رُفقاءهِ بـ إستنجاد و لكن الجميع وقف بـ قلة حيلة فـ لم يجد بدًا سوى التقدم و ليقضي الله بـ أمرهِ، لم يكن عليه أن ينظر إليه بـ إتهامٍ في المقامِ الأول

بدأ بـ توتر في عرض محتويات القُرص الصلب و لكن بدلًا من أن يظهر المُحتوى العملي، ظهرت محتويات الصور الخاصة بـ الموظفة الميتة و رب عملهم و الصدمة أوشكت على قتلِ الجميع 

كان رهانه الصامت على ذلك و قد تيقن من حدسهِ و شكوكه، الغضب يعميه و هو يجلس دون حراك و دون الإلتفات إلى صدمة الجميع و نظراتهم الزائغة لبعضهم البعض

صوت الهمهمات يعلو من حولهِ و هو يدري جيدًا لِمَ، عيناه التي تُحدق في الشاشةِ التي تعرض صورًا لم تكن له البتة مع تلك التي أُتِهم في قتلها هي أيضًا كانت مثارًا للحديث الخصب و الشائعات الدسمة التي لن تنتهي أبدًا 

عيناه كانت جحيمية و تثور كـ البُركان الناري، حارقًا كُل ما يقترب منه و تأثيره يمتد لأبعد البعيد، ملامحه الداكنة و التي تزداد قتامة كُلما سمع همهمة بغيضة كانت مثالًا فعالًا لِما قد يُقدم على فعلهِ من جريمةٍ حقيقيةٍ و بـ أبشعِ الطُرق و أكثرها قساوة

نهض أرسلان عن مقعدهِ ثم أمسك جهاز التحكم من موظف يرتجف أمام تنين ينفث نيران باردة جمدت قلبه و روحه و أغلق جهاز العرض ثم إلتفت إلى الطاولة و التي يجلس عليها عدد من الموظفين، ليقول بـ نبرةٍ بثت الرُعب في نفوس المتواجدين 

-أنا لو حسيت مُجرد إحساس إن حد منكم بيفكر فـ اللي شافه مش همحيه هو بس، لأ دا أنا همحي كُل اللي يتشددله من الوجود… 

نظر الجميع إلى بعضهم البعض دون أن يجرؤ أحدًا على التفوه بـ حرفٍ من شأنهِ إيقاعهم بين براثنهِ، ثم أغلق أرسلان زر حلته السوداء و أكمل بـ نبرةٍ غليظة لا تخرج سوى من وحشٍ كاسر

-و اللي عمل حركة هبلة زي دي، هخليه عبرة لمن يعتبر… 

نظر إلى الجموع و ملامح القلق تعتريهم ثم قال بـ نبرةٍ باردةٍ كانت كـ الصقيع في مُنتصف الصيف

-أظن كلامي واضح و مفيهوش حاجة مش مفهومة!... 

بـ تردد أومأ الجميع ليبتسم إبتسامةٍ في القاموس تعني الهلاك ثم إستطرد بـ النبرةِ الباردةِ نفسها 

-الإجتماع إنتهى و عايز الشُغل على مكتبي كمان نُص ساعة، و عالله الشُغل ميدخلش دماغي… 

و ترك الجميع في حيرةٍ من أمرهم و خرج من الغُرفة و كأنه كان في قبرٍ شديد الظُلمةِ أطبق على أنفاسهِ و إتجه إلى غُرفةِ مكتبه ثم جلس فوق مقعدهِ و كُلما مرت ثانية زادت قتامة عينيه و طغت على روحهِ حتى تلوثت

كيف يجب عليه مواجهة تلك الأعاصير التي تضربه واحدة تلو الأُخرى حتى أنهكت خلاياه؟ كيف يواجهها و هي تضرب نقاط ضعفه بلا رحمة و ظن ذات يومٍ أنه لا يمتلك واحدةً؟ 

قام بـ حَلّ رابطةِ عُنقه و تنفس بـ بُطءٍ حتى هدأت خلاياه ثم بعد قليل جاءه طرق مُتردد و كأن صاحب هذه الطرقات يخشى مُواجهة من خلف هذا الباب، ثوان و دلفت المُساعدة الشخصية و هي تقول بـ توتر

-في واحدة عايزة تقابل حضرتك بره
-سأل بـ صوتٍ صارم:مين؟ 
-إبتلعت ريقها و قالت بـ جهلٍ:كُل اللي قالته إنها بنت الشيخ راغب، و حضرتك هتعرف الباقي… 

توسعت عيناه فجأة و سكنت ملامحه في صدمةٍ و تجمد فكه و كأنه يصر عليه مانعًا نفسه من قتل أحدهم، قبض على يدهِ و قال بـ صوتٍ خطير رغم إنخفاض نغمته 

-خليها تدخل… 

أومأت المُساعدة و إختفت لحظاتٍ ثم دلفت بعدها فتاةٍ قصيرة تنظر أرضًا، أشار أرسلان للمُساعدة بـ الرحيل فـ فعلت و أغلقت الباب، بينما ظل هو يُحدق بها مُطولًا ثم هتف بـ بُطءٍ شديد و نبرةٍ جعلتها تجفل

-الشيخ راغب باعت بنته بنفسها! دا معناه حاجة خطيرة!... 

فركت قوت يديها بـ توترٍ بالغٍ ثم نظرت إلى أرسلان في حركةٍ جريئةٍ منها، لتُصدم هي بـ وسامتهٍ السوداء و ملامح خشنة لا تليق سوى به، أرسلان الهاشمي و قوة اسمه تعني خطورة شديدة 

لمحت إبتسامةٍ ساخرة ترتسم على وجههِ القاتم و بـ نبرةٍ أكثر سُخرية هتف

-أكيد الشيخ راغب مبعتكيش عشان تقيمي شكلي! 
-إرتجفت و هتفت بـ صوتٍ ذاهب:مـ مُمكن أقعد!... 

خرجت ضحكة هازئة من فمهِ جعلتها تغتاظ داخلها إلا أنها إبتلعت سُخريته و إتبعت يده التي أشارت بـ الجلوس، ثم شبكت يديها تمنع إرتجافها و قالت بـ نبرةٍ خفيضة شديدة الخجل 

-والدي قالي إني أقدر أعتمد عليك لو حصل حاجة و إحتاجتك، عشان كدا بعتني القاهرة
-رد بـ بساطةٍ:على حسب عايزة إيه!... 

و قبل أن تفتح فمها أوقفها بـ يدهِ ليقول بـ صرامةٍ و صوتٍ أخافها

-ياريت دُغري عشان مش فاضيلك و لا الوقت يسمح… 

فغرت فمها لذلك الفظ غليظ القلب و المشاعر، لقد أخطأ والدها في الإعتماد على شخصٍ يمتلك شخصية تُشبه شخصية القاسي الجالس أمامها، لملمت شتات نفسها و قررت بث القوة في نفسها ثم رفعت رأسها بـ شموخٍ و لم تهتز لملامحهِ التي تسخر منها بـ وضوحٍ و قالت بـ نبرةٍ قوية تعرف ما تُريده جيدًا رغم غرابة الطلب و الخجل من النفسِ الذي يحمله السؤال

-إتجوزني…

شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم


تعليقات



×