رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الحادي عشر بقلم إسراء على
بينما أنت تركض فوق تلك اللوحة مُطيحًا بـ مَنْ أردت
تذكر أنك مُجرد بيدقًا في لوحةِ الشطرنج
هو المُتحكم الوحيد بها…
فركت قوت يديها بـ توتر و خوفٍ رهيب من ذلك الصمت الذي سحب روحها و نزعها من جسدها في لمح البصر ناهيك عن نظراته القاتمة التي تبتلعها رويدًا و بـ تمهل مُرعب و كأنه يستمتع بـ إستنزاف المُتبقي من روحها، حاولت قوت أن تتحاشى نظراته و لكنها كانت كـ المخالب تتشبث بها و تعتزم إقتلاع عينيها
و حينما طال الصمت و شعرت أنها ستلقى حتفها في التو، حمحمت و أغلقت جفنيها تستجمع شجاعتها الهاربة ثم قالت بـ نبرةٍ لا تكاد تخرج
-أنت سمعتني!...
ذلك التمثال الحجري المُهيب الصامت يكاد يجعل عظامها تذوب خوفًا، ألا يكتفي بـ أنها أهدرت كرامتها - هي إبنة الشيخ راغب - ! و لكنها قدمت و حسمت أمرها فـ لا طائل من التراجع الآن، لذلك قبضت كفيها المُتعرقين ثم أعادت حديثها
-لو مسمعتش مُمـ…
قاطعها صوتًا جهوري رغم نغمته التي خرجت لا تكاد تتخطى باب مكتبه، و لكن لشدة قسوتها و برودها شعرت و كأن أُذنها تنزف
-سمعتك…
رفعت رأسها بغتةً و نظرت إلى ملامحهِ الرُخامية، الخالية تمامًا من المشاعر ثم فغرت فمها تنوي توضيح موقفها المُحرج و الذي يُفسره وجهها المتورد إلا أن أرسلان أكمل بـ سُخريةٍ سوداء
-و يا ترى عينك مجابتش إيدي و شافت إني متجوز! ولا هي مركزة على وشي بس!!...
توهج وجهها بـ الإحمرار القاني و خجلها يزيدهُ هو سوءًا، و لكنها لن تسمح له بـ إهانتها أكثر من ذلك، لتُضيّق عينيها ثم ذمت شفتيها و قالت بـ برودٍ حاولت به الوصول إلى مستوى الجبل الثلجي الجالس أمامها
-شوفت و معنديش مشكلة…
رأت حاجبه يرتفع بـ إستهجان فـ إستطردت دون إهتمام رغم ذلك الإحتراق و الوخز الذي ينخر كرامتها
-أنا مش هتجوزك لسبب رومانسي، أنا محتاجة أكون على اسمك لفترة
-هتف بـ بساطةٍ و برود:اسمي مش جمعية خيرية عشان كُل من هَب و دَب يستخدمه…
يا إللهي ذلك المُتعجرف القاسي يكاد يخنقها دون استخدام يده فقط نظراته و حديثه يكفي، فركت جبينها لقد آلمها رأسها فقط خلال خمس دقائق مِن مُقابلته لتتنهد قوت و تقول بـ هدوءٍ لا تمتلكه
-حتى لو قولتلك دي مسألة حياة أو مُوت!!...
تلك النظرة التي رمقها بها جعلتها تتسمر مكانها و شعرت بـ إنحسار الهواء عن الوسط المُحيط فـ تأبى رئتيها التنفس، حاولت الحديث و توضيح ما يدور في ذهنها الفارغ إلا أن الكلمات رفضت الخروج خوفًا و إنتظرته هو ليبدأ فيما نسته هي
تنهد أرسلان و تراجع في مقعدهِ ثم هتف بـ صوتٍ ثقيل، قاسي النبرة
-و هو أنا اللي همنع المسائل دي! ساحر أنا!
-نفت سريعًا و كأنها إستعادت القُدرة على الحديث فـ قررت إستغلالها:مش مش قصدي، أنا بس، أقصد إحنا محتاجين مُساعدتك
-أنتوا مين!
-أجابت:أنا و أبوي، و عيلتي كلها…
هروبها من براثن ذئب جعلها تلجأ إلى أفعى تلتف حول أسدٍ ضاري ينهش و يترك دون رحمة، لم تكن تظن أن ذلك الأمل الذي كان يتشبث به والدها قبلها هي ينسل بـ هذه السهولة، أرادت النجاة و التشبث فقط لتهرب من براثن عابد ذلك اللقيط الذي كاد أن يسلب منها ما يُبقيها حية
هربت مُبتعدة عن ديارها و منزلها و عائلتها و حبٍ رفضته لذلك الطبيب الذي كان عاشقًا لشقيقتها، تحطمت و أبت أن تكون ورقة يتقاذفها العشق فـ تخسر حياتها كما خسرت قلبها، و للحق تقول لو كان عابد يعلم بـ عشقها السري لذلك الطبيب لقتله و كرهتها شقيقتها لذلك، فـ إختارت الفرار
ليأتي هذا الشخص و يدهسها هو الآخر دون أن تجد مُنقذ واحد يُخرجها مِما هي فيه، و كأنها سقطت في بحرٍ من الرمال المُتحركة كُلما أرادت النجاةِ و الهرب وجدت نفسها تغرق أكثر و ما يكون منها غير الإستسلام حتى تجد خلاصها
أحنت رأسها و أخفت عبراتها التي سقطت فوق يديها ثم قالت بـ صوتٍ أجش ينُم عما تشعر به من تخبط و يأس
-أبوي الشيخ راغب حكى عنك كتير و قالي أقدر أعتمد عليك، الخير مبيتنساش…
رفعت رأسها و نظرت إلى عينيهِ اللتين قتمتا أكثر و لم تأبه لكرامتها المهدورة بـ الفعلِ ثم أكملت و كأنها تتوسل موافقته
-و قالي أرسلان الهاشمي مبينساش الخير أبدًا، هتقدر تنسى اللي عمله الشيخ راغب عشانك!...
رده الوحيد كان تشنج فكه و غضبٍ ظهر جليًا في عينيهِ بل و عروقه التي ظهرت و نبضت تُخبرها أن تهرب، إلا أنها تشبثت بـ آخر ذرة تمتلكها من الأمل الزائف و إنتظرت قوت بـ صبرٍ حتى وجدته ينهض فـ جفلت و تراجعت في جلستها و الخوف يعتريها أكثر
وجدته يلتف حول المكتب و يقترب منها حتى وقف أمامها تمامًا فـ تراجعت أكثر و ضمت يديها إلى صدرها خوفًا، ليس لأنه مُتزوج لن يعبث معها خاصةً و أن والدها أخبرها أن أرسلان الهاشمي لا أحد يأمنه، هو ذاته لا يأمن نفسه
الخوف يجعل جسدها يرتعش و مع ذلك عيناها أبت أن تهرب على الأقل تجعلها في إستعدادٍ إن حاول فِعل شيءٍ بغيض، و قد كان إذ مال أرسلان إليها و إستند بـ كفهِ إلى ظهر مقعدها و إنحنى حتى بات على بُعدِ إنشات منها، جعلت منها تبتلع صرخة رُعبًا مِما قد يظنه مَنْ بـ الخارج
إلا أن أرسلان لم يأبه، بل إرتسمت على معالمهِ قساوة غير معهودة، ثم فتح فمه و هسهس بـ نبرةٍ باردة، رافضة عرضها المُثير لضحك
-جيتِ للشخص الغلط…
هوى قلبها و توسعت عيناها بـ صدمةٍ، ليبتعد أرسلان فجأة ثم وضع يديه في جيبي بـِنطالهِ و قال بـ نبرةٍ ثلجيةٍ جعلت الصقيع يضرب جسدها فـ يقتلهُ يأسًا
-السكة دي بطلتها من زمان، شوفِ حد غيري يا شاطرة…
عاد إلى مقعدهِ و جلس ثم قال و هو يبدأ في فتح بعض الأوراق بـ نبرةٍ و كأن ما كان لم يحدث أبدًا
-بلغي الشيخ راغب سلامي و قوليله أرسلان الهاشمي اللي قابلته من كام سنة معتش موجود، و خيره هيترد بـ اللي أنا عايزه، مش اللي أتجبر عليه…
في عبارتهِ الأخيرة رفع بصره لها و رمقها بـ نظرةٍ جعلتها تنتفض و تقف خائفة ثم أكمل أرسلان و هو يُعيد بصره إلى الأوراق أمامه
-و دلوقتي الباب قدامك عندي شُغل و مش فاضي، متنسيش تقفليه…
وجدت عبراتها تتساقط كـ الجواهر من عينين مُكحلتين ثم قالت بـ قهرٍ و هي تخرج راكضةً
-أنت بني آدم خسران و هتخسر، طالما قلبك حجر صدقني هيجي عليك وقت و هتمر بـ مرارة الإحتياج…
و إن ظنت أن أرسلان الهاشمي ستؤثر فيه بضع كلمات هو يعلمها تمام العلم فـ رُدِت خائبة، إذ نظر إليها بـ سُخريةٍ شرسة قبل أن يُعيد تركيزه إلى ما كان يقوم به ثم قال بـ نبرةٍ جامدة
-متنسيش تقفلي الباب وراكِ…
و رحلت قوت بعدما جلبت معها آمالًا و إنهارت فوقها، حملت في قدومها إليه ذكرياتٍ بشعة، مقيتة عملت تلك التي تقبع في منزلها مُصابة بسببهِ المُستحيل لتمحي بعضًا من قساوة الماضي
أعطته عشقًا
أعطته منزل
أعطته عائلة
و الأهم أعطته أمانًا و سكونًا لم يكن ليحصل عليه مع غيرها، فـ كيف يطعنها طعنة نافذة ستأخذ روحه قبلها؟ لم يكن ليفعلها و إن كان العالم كله ليفنى
*****
سمعت رحمة صوت جرس الباب يدق فـ تعجبت قليلًا في وقتٍ كهذا قُصي لا يعود إلى المنزل و وليد بـ مدرستهِ، نظرت إلى الساعة لتتحقق من الوقت ثم نهضت لتفتح الباب، بـ حذرٍ فتحته و إستعدت لترى من الزائر إلا أن لمُفاجأتها لم تجد أحدًا
نظرت في الأرجاء و لكن لا علامة على وجود شخصٍ ما، تعجبت أكثر و لكنها هزت كتفيها قد يكون أحد أطفال البناية و يهدف إلى المُزاح معها، لتُغلق الباب ثم عادت ز جلست
ما أن جلست حتى سمعت صوت الجرس من جديد حينها نهضت سريعًا و فتحت الباب بـ غضبٍ قائلة بـ حدةٍ
-و بعدين بقى!!...
نظرت في الأرجاء و لكن كـ نفسِ النتيجة السابقة لا أحد، زفرت و خرجت من شقتها و بحثت حولها في المكان لتنتفض على صوت باب شفتها يُغلق، إلتفتت رحمة و حدقت بـ الباب بـ صدمةٍ، لقد تُركت بـ الخارج
ركضت تُحاول فتح الباب و لكنه كان مُغلق بـ إحكام، ظنت رحمة أن ربُما الهواء قد أغلقه رغم صعوبة فِعل ذلك و ضمت كنزتها إلى نفسها أكثر تهدف إلى حماية نفسها
هي بـ الخارج عزلاء و كأنها شُردت عن مأواها، زفرت رحمة و أرجعت خُصلاتهِا ثم قالت بـ توتر و حنق
-و بعدين فـ الوقعة دي!...
على كل تتذكر أن قُصي سيعود بعد ساعتين من الآن، ضربت جبهتها و زفرت مُقررة الإستعانة بـ حارس البناية، لتهبط رحمة الدرج بـ كسلٍ و خمولٍ حتى وصلت إلى الحارس الذي نظر إليها و نهض مُسرعًا بـ تعجب و سألها
-خير يا ست رحمة نازلة بـ هدوم البيت ليه! حاجة حصلت!...
توردت وجنتيها بـ خجل أصابها لذلك الموقف الأحمق الذي وقعت به ثم حكت مُؤخرة عنقها و غمغمت بـ إستياء
-من ناحية حصل فـ حصل
-حثها قائلًا:خير يا ست الكل سيبتِ أعصابي
-حركت فمها يُمنة و يُسرة ثم قالت:أومال أنا أعمل إيه!...
توتر الحارس أكثر و لكنها لم تدع له مجالًا لتُساوره الشكوك أكثر، فـ قالت مُوضحة
-الباب إتقفل عليا و أنا بره و مش عارفة أدخل
-سأل الحارس بعدما إرتخت معالمه قليلًا:طب معكيش المُفتاح يا ستنا!
-أغمضت عينيها و قالت:و هو إنا لو معايا المُفتاح هنزلك ليه!
-تدارك الحارس نفسه و قال:لامؤاخذة يا ست الكل، طب عايزة إيه!
-حد يفتح الباب…
قالتها و تذكرت ما حدث معها ثم قالت و هي تسأله
-صحيح، هو فيه حد طلع العُمارة، حد غريب يعني!
-قطب الحارس جبينه و أجاب:لا يا هانم، ليه خير!
-زفرت و همهمت بـ ضيقٍ:حد رن الجرس و كان السبب فـ اللي حصل…
و قبل أن يسأل عما حدث، هتفت رحمة و هي تستدير تصعد إلى الأعلى
-المُهمة هات حد بُسرعة قبل ما قُصي يرجع
-عنيا يا ست هانم…
صعدت رحمة على الدرج حتى وصلت إلى طابقها و جلست على الدرجات القليلة أمام شقتها و إنتظرت قدوم الحارس و معه الفني الذي سيُساعدها على فتح باب الشقة، و أثناء ذلك سمعت صوت خطوات أحدًا يقترب فـ نهضت و نظرت لتجد جارتها قادمة و التي تفاجأت لجلوس رحمة على الدرج
إزداد خجلها و تورد وجنتيها و ما زاد حينما سألت جارتها بـ إهتمام و فضول
-خير يا رحمة! قاعدة على السلم بـ الهدوم دي كدا ليه!...
نظرت إلى كنزتها و ضمتها إلى جسدها أكثر ثم حمحمت و نظرت إلى جارتها الفضولية و أجابت بـ نبرةٍ شبه مُنخفضة
-مفيش حد رن عليا الجرس و طلعت أشوف مين فـ الباب إتقفل و أنا بره
-ااه…
حمحمت رحمة و أدارت رأسها بعيدًا لتعرض عليها جارتها بـ إبتسامةٍ قائلة
-طب تعالي إقعدي عندي لحد ما حضرة الظابط يجي
-رفضت بـ أدبٍ شاكرة:شُكرًا، بس الحارس بيجيب حد يفتحلي الباب
-عرضت جارتها من جديد:طب حتى تعالي إقعد لحد ما الحارس يجي، بدل القعدة دي…
همّت رحمة بـ الرد و لكن قاطعها صوت الحارس و هو يقول بـ صوتٍ عال
-تعالى من هنا، شقة حضرة الظابط قُصي…
إلتفتت رحمة إلى جارتها شاكرة إياها لـ إبتسامةٍ لم تصل إلى عينيها
-أهو جه، تسلمي و شُكرًا جدًا ليكِ
-العفو يا حبيبتي، لو إحتاجتِ حاجة، كلميني و ناديني…
همهمت رحمة بـ الشُكرِ و إلتفتت حيث خطوات شخصين تقترب لتجد الحارس و معه شخصًا ما، ليقول الأول و هو يقترب من صاحبة الشقة
-جبتهولك أهو يا ست هانم و قالي مش هيتغير…
وضع الشخص البسيط يده على صدرهِ ثم قال بـ إبتسامةٍ عملية مرحة و هو يوجه حديثه إلى رحمة
-متقلقيش يا أبلة، الموضوع بسيط
-همست بـ تعجب و إستنكار:أبلة!...
رفعت نبرة صوتها ثم إبتسمت و إبتعدت عن الطريق مُفسحة له المجال للعمل و قالت بـ صوتٍ لا ينُم عن شيء
-شُكرًا…
بدأ الفني في القيام بـ عملهِ و أثناء ذلك هتف و هو ينظر إليها
-هنحتاج نغير الكالون يا أُستاذة، أدوس!
-تمام ماشي…
أومأ و لم يأخذ الأمر أكثر من خمسةِ عشر دقيقة لتفتح رحمة الباب و تتنفس بـ راحةٍ، ثم توجهت إلى طاولة جوار الباب و أعطت العامل أُجرته و كذلك الحارس قائلة
-شُكرًا بجد و آسفة على التعب
-هتف الحارس:ولا تعب و لا حاجة يا ست هانم، لو عوزتِ أي حاجة أنا تحت أمرك
-تسلم…
أغلقت رحمة الباب و إلتفتت تتكئ عليه ثم زفرت بـ راحةٍ و قالت
-الحمد لله…
سارت إلى الداخل و وقفت في الصالةِ لتجد هاتفها يصدح فـ هرعت إليه و وجدت المُتصل هو قُصي، فتحت الهاتف و ردت
-أيوة يا حبيبي
-أتاها صوت قُصي مُحتد:حبيبك إيه و زفت إيه! مترديش ليه قلقتيني!
-توترت و أجابت:آسفة والله، بس كُنت فـ الحمام…
سمعته يزفر ثم يسأل بـ صوتٍ مكتوم و كأنه يكظم غضبه
-أنتِ كويسة يعني!
-أه
-ليقول من جديد:سديم هتخرج النهاردة من المُستشفى، عايزين نروح لها بكرة و لا حاجة
-أجابت:تمام شوف إمتى و أنا أجهز
-هتف قُصي بـ نُزق:بقولك بكرة يا رحمة ركزي
-ضربت جبهتها و قالت:أه معلش مش مركزة، تمام لما تيجي نتفق
-تمام يا رحمة، مع السلامة…
أغلقت رحمة الهاتف و ألقت به بـ إهمال و توجهت إلى حيث تركز بـصرها، أسفل الأريكة المُقابلة لها يقبع شيءٍ غريبٍ لم يكن موجودًا قبل خروجها، إنحنت و سحبت ذلك الشيء فـكان صندوقًا صغيرًا غريب الشكل و غير مألوف لعينيها
ظنت أنها هدية من قُصي أو ربُما ولدها وليد و كلاهما أحمقين في المُفاجآت، إبتسمت و فتحت الصندوق لتجد به ورقة فقط فارغة لا شيء بها سوى دائرة سوداء صغيرة
تعجبت رحمة و قطبت جبينها أكثر ثم نهضت و وضعت الصندوق فوق الطاولة و حدقت به بـ إهتمام و تساؤل لم تستطع الإجابة عليه، زفرت و نهضت تنوي أن تسأل زوجها حينما يعود و قررت البدء في تحضير الطعام
و أثناء سيرها نظرت أرضًا لتُصادفها أثار أقدام تُقسم رحمة أنها ليست لأحد من هذا المنزل، توقفت في سيرها و تعالت نبضات قلبها بـ شدةٍ فـ هربت الدماء من عروقها، حبست أنفاسها و ترقبت القادم و لكن لا شيء، الهدوء هو ما خيم على الأجواء
ثانية و أُخرى ما بين الحيرة في الهروب و الإتصال بـ قُصي و بين معرفة إلى أين تذهب هذه الأثار نظرًا لأنها لم تنتهِ عند ذلك الحد فقط، توجهت رحمة إلى المطبخ مُتغلبة على خوفها و كما علمها قُصي
أمسكت سكينًا حادًا و خلعت نعليها ثم سارت على أطراف أصابعها حتى وصلت إلى الحمام، تعالت دقات قلبها أكثر و إرتجف بدنها رُعبًا و لكنها لم تتراجع الآن
تيقنت أن باب الشقة قد غُلِقَ بـ فِعلِ أحدهم و هو ذاته من كان يرن الجرس، المرحاض كان بابه مفتوح و دخلت هي إلى حيث تنتهي الأثار و كانت أمام المرآة، صوت طنين رن في أُذنيها و صدح حتى أصابها الصداع، ثم رفعت بصرها و هي تتأكد أن الرسالة ستتضح عندما ترفع رأسها
و بـ الفعل قد كان، حينما رفعت بصرها لم تأخذ لحظة و هي تصرخ و تعود إلى الخلف حتى سقطت، خائفة و كأنها رأت شبحًا إذ كانت هُناك ثلاث صور فوتوغرافية مُثبتة على المرآة لثلاثة أشخاص مجهولين لا تعرفهم مقتولين و صورة خاصة
بـ زوجها قُصي يرتدي الزي الذي حضرته له صباحًا بـ يدها بعد مُشاكسة لذيذة
قد يكون زوجها الضحية القادمة، تلك الرسالة التي إستنبطتها من ترتيب الصور
*****
الدائرة المهجورة عادت تحيا من جديد، و ما دُفن أحدهم نبشه ليجد ضالته من جديد
و أرسلان كان الضالة و الدائرة المهجورة، يعلم تمام العلم أن القادم يعني حرب إما يربح بها أو يربح فيها فـ الخسارة إختيار مرفوض تمامًا و لأن الخسارة تعني خسارة ما بناه و ليس خسارة حياته
و قد تكون هي إحدى خساراته و هذا ما لا يطيقه، الآن يعلم إما ذلك القاتل يعمل بـ شركتهِ أو يُعاونه أحد من الشركة و في كِلتا الحالتين لن يُفصح عما يجول داخله
في عصرِ اليو قد عادت زوجته إلى المنزل و لم يقدر هو على الإقتراب منها، شعور أنه سيُدنسها بعدما حدث يُرافقه كما الجاثوم تمامًا فـ ترك أمر عودتها لوالدها و زوجته و ترك لنفسه العنان ليُزيل كُل ما يعوق ذهنه عن التفكير
و الآن ليلًا يعود إلى المنزل مُتلهفًا لها، قد تكون غاضبة و بـ شدةٍ منه و قد تكون مُشتاقة له أكثر و الأكيد أنه سيضُمها إليه، سيُخبرها بـ عناقٍ أن شيءٍ لم يكن و أن تلك الإصابة كانت من وحي خيالها لا أكثر
صفّ سيارته و ترجل منها، ثم بـ الهاتف أجرى إتصالًا كان مفاده كلمةٍ واحدة من الطرف الآخر دون أن يهتف أرسلان بـ أي شيءٍ
-إعتبره حصل…
و دون رد أغلق أرسلان الهاتف و صعد إلى المنزل، ليجد مُحرم جالسًا في إنتظارهِ، همهم بـ ترحيب و قبل أن يصعد إليها أوقفه سائلًا إياه
-مجتش خدت سديم ليه!
-أجاب بـ جمودٍ:عندي شُغل
-و سؤال آخر يضرب وترًا حساسًا:و الشُغل دا يمنعك إنك تخرج بنتي من المُستشفى، اللي بـ المُناسبة دخلتها بـسببك!...
حينها إستدار إليه أرسلان بـ أعين سوداء تُطلق شرر قاتل يُحذر مَنْ أمامه مِن تخطي الخطوط الحمراء، ثم هتف بـ صوتٍ هادئ شديد البرودة و لكنه مُحذرًا بـ شكلٍ يبعث الخوف حتى في كلماتهِ المُنمقة و المُراعية
-الوقت إتأخر يا حمايا متسهرش كتير عشان خطر على صحتك، تصبح على خير
-هدر مُحرم بـ حدة:إستنى أنا بكلمك…
إقترب مُحرم بـ مقعدهِ المُتحرك و أكمل حديثه بـ صوت جهوري و لم يأبه لإستيقاظ أحدهم
-سبق و قولتلك بنتي لو إتأذت مش هخليها على ذمتك يوم واحد
-و بـ النبرةِ الباردة ذاتها:و دي حاجة الدكتورة تقررها من نفسها، مش حضرتك اللي هتسيرلها حياتها…
ضرب مُحرم على يد المقعد و هدر حتى برزت عروق نحره
-سديم بنتي و لحد آخر يوم فـ عمري حياتها ملكي و أتحكم فـ اللي شايفه فـ مصلحتها
-سخر أرسلان:و مصلحتها مش معايا!...
تبلدت معالم مُحرم و قست بـ شدةٍ حتى يظن مَنْ يراه أنه فَقَدَ إنسانيته ليقول بـ صوتٍ زلزل الوسط على الرغم من إنخفاض نبرته
-سديم من ساعة أما عرفتك و هي مبتعملش حاجة غير إنها بتخسر…
عبارة كفيلة بـ جعل ملامح أرسلان القاسية أكثر قسوة و تلبدت بـ عواصف تُنذر بـ هطول أمطار من الدماء و الرصاص، رغم ملامحه التي لا تنُم عن غضبه و ثورته، إلا أن داخله مراجل تغلي تكفي لإذابة الحديد
و رغم ذلك هتف و هو يستدير بـ صوتٍ لا ينتمي لعالم البشر بل أشبه بـ وحشٍ يجأر مُحذرًا لمَنْ يجرؤ على الإقتراب مِن مُمتلكاته الثمينة
-هي اللي تحدد خُسارتها مش أنت، و طالما راضية معايا يبقى محدش يدخل حتى لو كان أبوها…
فقط و هُنا و إنتهى الحديث، حديث لم يبدأ من الأساس و إن كانت بدايته خاطئة فـ نهايته كارثية و أكمل أرسلان طريقه إليها، لا بأس ستُزيل الأثر القاتل الذي خلفه اليوم بـ أكملهِ حتى اللحظة التي يفتح بها باب الغُرفة
فتح باب الغُرفة بـ هدوءٍ ليجدها نائمةً بـ عُمقٍ، فـ تنهد و نزع سُترته ثم إقترب من الفراش يتأمل نومها العميق، ثم مسح على خُصلاتهِا و صعد الفراش ثم إتدثر جوارها
لم يتمدد بل إتكأ بـ مرفقهِ و ظل يُحدق بها قبل أن يُداعب وجنتها ثم جفنيها حتى سمع همهمة مُتذمرة دون أن تفتح عينيها، لينحني أرسلان و يهمس بـ صوتٍ ثقيل
-جوزك وصل يا دكتورة…
عاودت سديم تُهمهم ثم هتفت بـ نعاسٍ مُتذمرٍ
-أرسلان أنت جيت!
-أجاب ساخرًا:لأ لسة لساني سبقني أما أنا لسه فـ الطريق…
سمع ضحكتها قبل أن تُعانق خصره قائلة بـ نبرةٍ أبحة إثر النوم
-طب لما توصل صحيني…
وضع أرسلان رأسه على الوسادة ثم عانق جسدها إليه أقرب و أبعد خُصلاتهِا عن أُذنها و هتف قبل أن يضع قُبلةً عليها
-قومِ يا دكتورة جعان
-زفرت قائلة:ما تقوم تاكل
-إمتعض قائلًا بـ جمود:مشوفتش أغبى منك فـ حياتي…
سمع زفرة طويلة تُنبئ عن غضب و لكنها قالت بعد قليل و هي تزيد من عِناقهِ
-أرسلان!
-أجاب و هو يُمسد ظهرها:أأمري!
-همست بـ أرقِ نبرةٍ تملُكها:بحبك…
ساد الصمتِ لمدةٍ قصيرة قبل أن يتلاعب بـ خُصلةٍ منها و أجاب بـ صوتٍ عميق، مُقتضب
-عارف…
و فقط! لماذا يُضني عليها بـ تلك الكلمة؟ لماذا يبخل بـ قولها و لو لمرةٍ واحدةٍ، فـ رفعت سديم رأسها إليه قائلة بـ تساؤل
-طب و أنت!
-تظاهر بـ عدم الفهم و سأل:أنا إيه!...
لوت سديم شدقها و لكنها تمالكت غضبها لتوضح قائلة
-بتحبني!...
نظر إليها أرسلان بـ عُمقٍ و كأنها يخترق دواخلها، نظراته دائمًا تُخبرها أنها ملكة تربعت دون غيرها على عرشهِ، أنه يملك نساء العالم أجمع بها، و لكنها كـ غيرها من النساء تحتاج إلى سماعها و تأكيد ذلك الحُب مهما كانت نظراته تقول
مسد أرسلان وجنتها بـ ظهرِ يده قبل أن يجيب بـ خمولٍ
-المفروض تكونِ عارفة
-أمسكت يده و قالت:بس محتاجة أسمعها منك…
لم يُجب أرسلان، بل قَبّل جبينها و جذبها في عناقٍ قويٍ ثم قال قبل أن يُغمض عينيه
-أنا كدا شبعت…
أيعني أنها أفقدته شهيته! أم أن عناقها أصابه بـ التُخمة فـ أصابه الشبع! و في كِلتا الحالتين غدًا ليستعد ليومٍ ملئ بـ النكدِ و الصُراخ، و لكن الآن عليها أن تستسلم لذلك العناق الدافئ الذي كان مصدره صدرهِ الواسع، القويّ لها فقط