![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثالث عشر بقلم إسراء على
عليهم الرحيل فـ بقاءهم يعني الغرق سويًا…
-يا آنسة قوت وجودك هنا فـ الوقت دا مينفعش، خصوصًا بعد رفضه كُنتِ سبتيني أتصرف…
قوبل حديث أيوب بـ التجاهل التام، قوت لم و لن تستمع سوى لحديث أبيها و هي لم تُخبره رفض أرسلان، إما النجاة أو الهلاك لشخصٍ مثل عابد و إن كانت تعني نهايتها، لذلك لم تهتم لرفضه الفظ و الغليظ رغم غضبها و إستياءها إلا أنها لم تتراجع
بينما أيوب يسير خلفها بـ نفاذِ صبرٍ ثم تنهد و أسرع مُمسكًا يدها مُوقفًا إياها عنوة ثم قال بـ نبرةٍ لا تخلو من الجدية و الإهتمام
-قولتلك و وعدتك إني هتصرف و هقنعه، ليه بقى العند و التصرف بـ طريقة غلط و هتكون النتيجة صفر لينا!...
حاولت قوت جذب يدها و هي تنظر إليه بـ أعين تتقد غضبًا و حنق، ثم هتفت بـ نبرةٍ ساحقة تنُم عن تصميم و إصرار لن يسحقه أحد
-كُل ما تصرفنا بُسرعة، كُل ما خرجنا من رحمة عابد، كفاية اللي شوفته…
هي مُحقة خاصةً بعدما أخبره الشيخ راغب بـ آخر تطورات الموقف و الأحداث، و إقتراب عابد من غُفران و ربُما استخدامها كـ بطاقةِ مُساومة عليها، فـ ما كان منه سوى مُحاولة التدخل و السُرعة في إيجاد حلٍ و لكن قوت قد سبقته
أخرج تنهيدة مُطولة و أطبق على يدها أكثر ثم قال بـ نبرةٍ شديدة الحذر و بها نغمة إطمئنان
-آنسة قوت أنا مُدرك تمامًا لموقفك، بس اللي مش قادر أفهمه ليه أرسلان الهاشمي بالذات!
-مش فاهمة!...
حتى و إن بدى على صوتها التعجب الحقيقي إلا أن الإرتجاف الذي تابع نبرتها و إهتزاز عينيها أنبأه أن الأمر لا يقتصر على الحماية القوية التي ستحصل عليها القبيلة، بل شيءٍ لا يدركه أيوب أبدًا، على الأقل حتى تُخبره قوت
بدى مُصرًا ليعرف و لكن عليها الكذب كما أخبرها والدها، و ذلك السر الذي سيكون طيّ الكتمان لن يكتشفه أحدًا فـ همست تحت نظرات أيوب المُدققة و المُترقبة لإجابتها
-أبوي قالي إنه ليه خدمة منه، و لازم يردها
-مال أيوب بـ رأسهِ و هتف بـ بديهية:و أنا كمان خير الشيخ عليا و الطلب مش صعب…
فغرت فمها و حدقت به بـ غرابةٍ و كأنها لم تفطن لذلك التفكير سابقًا، ليستطرد أيوب حديثه بـ نبرةٍ ذات مغزى
-دا جواز يعني كان من الأسهل إنه يطلبه مني، إلا لو أنتوا عايزين الشخص دا بـ عينه…
دفعت قوت يده و تحركت إلى مرآب السيارت فـ أوقفها أيوب و قد تفاقم غضبه
-أنا عايز رد، و رد مُقنع…
أبعد ناظريها عنه و إتخذت من الصمتِ حليف، فـ ضرب فخذه بـ يدهِ الحُرة مُعبرًا عن إستياءه ثم إستطردت بـ يأسٍ
-على الأقل عشان أقدر أساعد…
هو مُحق حتى الآن كان أيوب خير المُعين في المدينة الغريبة عنها، لم يسأل و لم يتطرق أحاديث لم تكن شأنه، بل و كان مُطيعًا بـ شكلٍ أذهلها، يستحق أن يفهم حتى و إن كانت لا تستطيع الوثوق به، أرادت حقًا الحديث و البوح و لكنها لن تستطيع، على الأقل حتى يأذن لها والدها
إلتفت بـ رأسها إليه و حدقت به بـ أعين أكثر يأسًا منه ثم فتحت فمها تنوي الحديث بـ الحقيقة إلا أنه خرجت حقيقة أُخرى و ليست كذبة
-عشان هو الوحيد اللي هيقدر يحمينا فعلًا
-سأل بـ نبرةٍ مجنونة:يعني إيه! فهميني…
قبل أن تستطيع القيام بـ أي رد فعل سمع أيوب صوت خطوات قادمة فـ أمسك يدها و سحبها إلى رُكنٍ مُظلمٍ خلف أحد الأعمدة، يتكأ هو بـ ظهرهِ إليه و هي بين أحضانه مولية ظهرها له
يد على فمها تمنع إصدار صوت، و الأُخرى تدعم جسدها، قلبها ينبض بـ عُنف لسببين أولهما المُفاجأة و هذا السبب الرئيسي -هذا ما تعتقده على الأقل- و الثاني أنها لم تكن بـ قُربِ رجلٍ هكذا من قبلِ
إتسعت عيناها و أُختُطِفتْ أنفاسها حينما إقترب أيوب بـ فمهِ منها و همس بـ صوتٍ تحذيري
-بلاش أي صوت و إهدي لحد ما نشوف مين دول…
ما كان منها إلا أن تومئ و صوت النبضات العال تخشى أن يصله و يستشعره و لم تعلم أن نبضاتهما إختلطت معًا
*****
الخطوات كانت تتردد صداها وسط صمت رجلين إفتعلا شجارًا إنتهى بـ خطأ لم يكن من المُفترض حدوثه أسفر عن موتِ شخصٍ ليس عليه الموت، فـ سأل الآخر و هو يُحدق أمامه دون أن يرف جفنه
-هو مات!
-رد صاحب العصا بـ إبتسامةٍ ثُعبانية:هو مش عايزه ميت…
لينظر إليه ثم إستطرد حديثه و هو يضرب عصاه فوق كتفهِ عدة ضربات خفيفة
-فـ متخافش مش هقتله
-هدر بـ صوتٍ مكتوم:بس هو سايح فـ دمه فوق و محدش فـ الشركة…
ألقى المجهول العصا ثم أمسكه من تلابيبهِ و دفع به إلى الحائط و هدر بـ هسهسة مُخيفة
-إسمع يالا لو خايف عليه اوي كدا روح ساعده و خليه ساعتها يخلص عليه…
أراد الحديث و لكن الآخر ضغط على عُنقهِ بـ ساعدهِ ثم أكمل بـ صوتٍ تحذيري مع ملامح قاتمة
-ليك جزء تعمله من غير ما تدخل، و إحنا لينا دور نعمله و اللي عليك تسكت
-هتف بـ نبرةٍ ذاهبة إثر الضغط على عُنقهِ:و الإتفاق!
-أجاب الآخر:هيتنفذ لو سمعت كلامنا…
حدق به كثيرًا بـ أعين غاضبة و شديدة الجنون إلا أنه أومأ على مضض، ليبتعد الآخر بعدما رمقه بـ نظرةٍ أخيرة و إلتقطه العصا ثم رحل
و لم يكن على القاتل أن يثق بـ الشيطان
ثم رحلا دون أن يشعرا بـ المُختبئين يستمعان في الظلام لحديثهما، و بعد إخفتاءهما خرجا سريعًا لتهتف قوت بـ نبرةٍ حادة
-يلا يا أيوب بُسرعة، شكله هيموت…
لم يحتج أيوب إنتظار أمر قوت لأنه بـ الفعل قد سبقها، و بدأ بـ الفعل في البحث عنه حتى وجد جُثة مُمدة على الأرض تحت إضاءة خافتة، لتشهق قوت و تصرخ و صراخها يتردد صداه في أنحاء المكان
-يا نهار أسود!...
توقف ركض أيوب أمام أرسلان الفاقد الوعي ليجثو بـ القُربِ منه ثم وضع يده أمام أنفهِ، ليتنهد بـ حرارةٍ و قال بـ إرتياح
-لسه عايش
-نظرت قوت إلى الدماء و قالت في حالة إعياء:يعني هنسيبه هنا عشان لسه عايش، يلا ناخده المُستشفى ولا أي حاجة…
همّت قوت بـ وضع يدها على أرسلان إلا أن أيوب هتف وهو يُبعد يدها بـ صرامةٍ
-معندناش حريم بتلمس رجالة…
رفعت قوت حاجبها و نظرت إليه بـ عدم تصديق ثم غمغمت بـ تعجب حقيقي و نبرةٍ مُتضايقة
-واللي أنت عملته من شوية! كُنت بتمسك فراخ ولا حاجة!
-أصاب أيوب الحرج و قال مُدافعًا عن نفسهِ:كان موقف مُفاجئ
-بجد!!
-أجاب مُسرعًا:اه والله…
رأت بـ شكلٍ طفيف إحمرار أُذنيه فـ أدارت وجهها و إبتسمت ثم قالت ترأف بـ حالتهِ
- هنسسب الراجل سايح فـ دمه كدا و نفضل نتكلم!
-لأ طبعًا، هشيله…
رغم قوة بنية أيوب إلا أنه لم يستطع رفع أرسلان لضخامته و فُقدانه الوعي الذي جعل وزنه يزداد أكثر، لاحظت قوت عدم مقدرته على حملهِ فـ عرضت قائلة
-أساعدك!
-و الرفض كان قاطعًا:لأ…
زفرت قوت و قررت عدم التدخل لتضع وجنتها فوق كفها و همست
-بس عالله مايموتش عما تشيله…
بعد عدة مُحاولات نجح أيوب في حمل أرسلان على ظهرهِ، و سار به إلى الخارج لتسأله قوت
-تفتكر مين اللي كانوا عاوزين يتقلوه دول!
-سأل وهو يبحث عن أحد في مُحيطهِ:حد أكيد ليه طار معاه…
ثم سأل وهو ينظر إلى قوت
-هو ليه أعداء كتير؟!
-أجابت:معرفش…
بـ فطنةٍ، فهمت قوت الغرض الحقيقي من سؤالهِ، حتى و إن كانت تعلم من هو أرسلان الهاشمي هي لا تعرف عنه الكثير، لطالما كان غامضًا و مُتباعدًا، تلك الفترة التي قضاها كانت تُراقبه من بعيد
كان شخصًا تراه كثيرًا ولا تفهم سوى القليل، هذا و إن إستطعت فهمه و لذلك كان محورًا لفضولها دومًا و مُراقبتها له سرًا رغم تحذير والدها عدم الإقتراب منه إلا ما كان منها سوى التسلل و البحث عنه
نظراته المُدققة لها لم تخفَ عنها و لكنها قررت تجاهلها تمامًا و أكملا الطريق إلى المشفى لإسعاف ذلك الذي على وشك الموت
*****
ركض قُصي إلى المشفى يلهث حتى وصل إلى موظفة الإستقبال و سألها بـ صوتٍ لاهث و كلماتٍ غيرِ مفهومة
-اللي، جه من شويه، دا اللي….
-أشارت الموظفة بـ يدها و قالت :واحدة واحدة يا أُستاذ، مش فاهمة منك حاجة…
إتكأ بـ يدهِ إلى الحاجز بينهما و إستعاد أنفاسه ثم تساءل
-كان فيه شخص مضروب على راسه و جه المستشفى
-تذكرت الموظفة و هتفت:قصدك اللي كان شايله واحد دا و معاه واحدة!
-أيوة
-فـ الطوارئ الدكتور بيخيط جرحه و بعدين هيروح للأشعة…
أشارت إلى غُرفة الطوارئ ليشكرها و يتتبع إلى حيث أشارت ثم بحث بـ عينهِ عن وجود أرسلان إلا أنه لم يجده بين الحاضرين، وضع يده بـ خصرهِ و أخرج هاتفه ليتصل به
صدح صوت هاتف أرسلان من أحد الحاضرين فـ بحث عنه حتى وجد رجلًا يُخرج الهاتف و قبل أن يُجيب تقدم منه قُصي و سأله بـ إندفاع
-فين أرسلان!
-نظر إليه أيوب بـ تفاجؤ و سأله:حضرتك مين!
-عرّف قُصي عن نفسهِ:أنا قُصي، أخوه، هو فين؟ و هو كويس و لا لأ!
-طمأنه أيوب قائلًا:متقلقش الدكتور بيخيط الجرح و شوية و هيعمل أشعة…
إرتمى قُصي جالسًا فوق الأرض، لم يكن يعتقد في أقصى أحلامه جموحًا أن يخشى إصابه أخيه بـ مكروهٍ، و لن ينسى ما شعر به حينما أتاه إتصال يفي بـ وجودهِ بـ المشفى دون إدلاء تفاصيل و هذا أثار المزيد من الرُعبِ داخله
مسح قُصي على وجههِ ثم رفع إلى رأسهِ يمسح على خُصلاتهِا و رفع بصره إلى أيوب و سأله بـ صوتٍ مُتعب و كأنه وصل حده
-هو إيه اللي حصل!...
نظر أيوب إلى قوت أولًا التي هزت كتفيها دلالةً على أنها لا تعرف ماذا تقول، فـ قرر إخباره الحقيقة كاملةً دون ذكر سبب زيارتهما له في هذا الوقت المُتأخر
-إحنا كُنا جايين لصاحب الشركة فـ مسألة كدا، و بعدين لما وصلنا جراچ العربيات لاقيناه واقع على الأرض و راسه بتجيب دم
-مشوفتش اللي عمل كدا!...
هُنا و الحيرة إكتنفته ايُجيب نافيًا أم يقُص عليه ما حدث أيضًا و هُنا سيضع نفسه محل شك جديد هو لا يحتاجه في الوقتِ الحالي، لذلك أجاب بـ مراوغة
-لأ، إحنا لما وصلنا كانت حالته كدا…
تنهد قُصي بـ عصبية، تماسكه على وشك الإنهيار و قوة تحمله كادت أن تنتهي لأحداث اليوم التي إنتهت بـ فُقدان رحمة عقلها و حالتها الغريبة التي جعلته من الصعب تركها و خاصةً أن شقيقها خارج المدينة، كُل تلك الأحداث التي وقعت على عاتقهِ اليوم جعلته في حالةٍ يُرثى لها
لذلك حاول أن يبتسم بـ إمتنان فما خرجت إلا واحدة مُنهكة تُعبر عن شقاء اليوم ثم هتف بـ نبرةٍ خفيضة
-شُكرًا ليك، متعرفتش بيك!
-صافحه أيوب و قال:أحمد…
همهم قُصي و بعد لحظاتٍ خرج الطبيب ليتحرك أيوب أولًا فـ عَرفَ أنه الطبيب المُتولي حالة أخيه لينهض هو الآخر و إتجه إليه يسأله
-أخباره يا دكتور!
-هتف الطبيب مُجيبًا:إحنا خيطنا الجرح، و هيعمل أشعة نتأكد بيها إن مفيش إرتجاج أو أي مُضاعفات
-شُكرًا…
تركهم الطبيب و دخل قُصي يبحث عن شقيقهِ في أحد الأسِره ليجده جالسًا يُحدق بـ الفراغ بـ نظراتٍ قاتمة، سوداء، توقف قُصي و ثبتت نظراته على أرسلان و الضمادة تلتف حول رأسهِ تُعلن عن إصابة قوية تبدو و كأنها قد أتلفت ما تبقى من سيطرته على النفس و هذا ظهر جليًا في نظراتهِ
إقترب منه و وضع يده على كتفهِ و سأله مُباشرةً
-مين اللي عمل كدا!...
رفع أرسلان بصره و حدق بـ قُصي بلا تعبير و كأن وجهه عبارة عن صخرة جامدة لم تؤثر بها عوامل الحياةِ و بعد لحظاتٍ هتف بـ نبرةٍ باردة، خاوية كـ بئرٍ جاف
-عندي صُداع
-و أنا مسألتكش عامل إيه!
-رد أرسلان ساخرًا:دا أنا بفهمك الأصول…
وضع قُصي يديه في خصرهِ و حرك رأسه بـ يأسٍ ثم إقترب و جلس جوار أرسلان فـ دفعه و قال بـ جمود
-الجو حر، إبعد شوية
-هدر قُصي:يا أخي إيه البرود دا! أنت كُنت هتتقتل، فكرك ضربة زي دي كانت هتبقى سهلة!...
نظر أرسلان إلى قميصهِ الغارق بـ دماءهِ ثم إلى قُصي و قال
-أنا لو مُت فـ هيكون عشان دمي إتصفى مش أكتر
-أعاد قُصي سؤاله و لكن بـ نبرةٍ أكثر إتزانًا:مين اللي عمل كدا
-مط شفتيه و قال بـ جهلٍ:لو كُنت أعرف، كُنت هفضل قاعد كدا!
-هتف أخاه بـ قوةٍ:عشان أنت عارف، فـ أنت قاعد كدا…
حك أرسلان أنفه و أدار وجهه لا ينوي الحديث، و لكنه سأل دون أن يلتفت لأخيه
-مراتي عرفت!
-أجاب قُصي:لأ اللي إتصل، لاقى اسمي أول حاجة فـ رن عليا…
صمت و نظر إلى أرسلان الناظر بعيدًا و سأله
-كُنت هتتصل بيا فـ إيه و تراجعت!...
ساد الصمت من جهة أرسلان و لم يكن ينتوي الحديث إلا أن قُصي سأل من جديد و أضاف تهديدًا يعلم أنه سينجح
-كُنت هتتصل بيا ليه يا أرسلان، و لا أقول لسديم أنت بتخطط لحاجة!...
إلتفت فجأة و بـ نظرةٍ أجفلت قُصي لشدة قساوتها و جحيمها إلا أنه لم يتراجع و أصر على موقفهِ، و ليخرج أخيرًا حديث من فم أرسلان و لكنه حديث مُخيف و بـ نبرةٍ دوت كـ الرعد رغم إنخفاض نغمتها
-إطلع منها يا حضرة الظابط لو خايف على حياتك
-رد قُصي بـ قوةٍ و ثباتٍ:أنا مش ههرب و أسيبك…
إلا أن أرسلان لم يتركه بل تطرق لأمرٍ يكرهه كلاهما، لم يتركه ليرحمه بل ذكّره بـ خطأ لن يستطيع حتى هو أن يغفره لنفسهِ
-ما أنت هربت قبل كدا و التمن كان أغلى من إننا نستحمله…
و ساد الصمت الخانق حتى كاد إن يقتل الجميع عدا صوت تنفس قُصي العال و إهتزاز جسده الذي جعل الفراش يهتز، و لكن لم يشفق أرسلان عليه فـ أكمل بـ صوتٍ جامد شديد الجفاء
-متعود أشيل لوحدي و أتحمل الغلط لوحدي، وجودك ملوش لازمة…
نادته المُمرضة لعمل الأشعة فـ نهض أرسلان دون أن ينبث بـ بنت شفة ثم و في منتصف الطريق هتف بـ نبرةٍ قاتمة
-أنت عندك عيلة، خاف عليها، أنا مش محتاجك…
*****
ألقى الهاتف فوق المكتب و و عاد بـ ظهرهِ إلى الخلف و زفر بـ ضيقٍ و قال بـ تأفف
-هذا الغبي
-إيش فيك يا قاسم!...
تنهد قاسم و أشار لأبيهِ لأن يجلس أولًا فـ جلس و إستطرد ناظرً إلى ولدهِ الغاضب
-يا ولدي، ذات الخرَّاف "الحديث"! أرسلان الهاشمي!
-أومأ قاسم و رد: يا أبوي بريد أجتله، هذا العجرب أفسد علينا كتير…
ظهر الإمتعاض على وجههِ أبيهِ، هو لا يحب الحديث خاصةً عن أرسلان الهاشمي، ذلك الشيطان الذي ظهر فجأة في مُحيط القبائل هُنا و زعزع مكانتهم وسط القبائل و رحل، بل و أفسد عليهم الكثير من الأعمال حتى تركوها
رغم مُضي السنوات العديدة إلا أن قاسم لم ينسَ ما حدث و لم ينسَ تلك الندبة التي خلفها على جسدهِ و عبارته التي حُفرت في أذهان الجميع
"عشان ديمًا تفتكر مين هو أرسلان الهاشمي، و لو نسيت هاجي أفكرك"
تلك العبارة التي حفزت غضب قاسم أكثر و أقسم أن يُذيق ذلك الشيطان الويلات، مال الشيخ عزيز على مكتب قاسم و هدر من بين أسنانهِ
-يا ولدي، الأولاد إما تجارة أو عوض أو خسارة، و أنا ما بريد خسارتك
-هتف قاسم بـ تصميم:ما بتخسرني يا أبوي، ذقن الشاكي
-قاطعه عزيز بـ قوةٍ:قاسم، اقهر "توقف" هذا ما بينتهي سوى بالدم…
قبض قاسم على يدهِ و نهض ثم قال قبل أن يخرج بـ صوتٍ قوي إرتجت له حوائط المنزل
-أنا بريد الدم يا شيخ عزيز…
ثم خرج من المنزل تحت نظرات والده الغاضبة و الحزينة في الوقت ذاته، هو يعلم أن كبرياء و غرور الرجل البدوي، رجل صحراء لا يهمه سوى كبرياءه، و هذا سيعود عليه بـ الموتِ ما رآه سابقًا من أرسلان يجعل جسده يقشعر و كأنه جسد تجرد من كُل معاني الإنسانية، و كأن الشيطان تجسد به
*****
فتحت سديم الباب فـ قد رحل والدها اليوم بعد إصرار قوي منها، فما كان من بقاءهِ سوى الشجار و العراك مع أرسلان و بـ كثرةٍ، و ما أن رأت أرسلان حتى شهقت و لطمت بـ يدها قائلة بـ صدمةٍ
-يا مصيبتي!
-رفع أرسلان حاجبه و قال ساخرًا:جرى إيه يا دكتورة هو أنا راجعلك بـ ست فـ إيدي!...
دفعه قُصي بـ خفةٍ و قال بـ نبرةٍ باردة
-أُدخل و بلاش كلام ع الباب…
أوقفته سديم من الدخول و سألته بـ قلقٍ أكلها حتى النُخاع
-مش هتدخل غير لما تقولي…
فقط نظر إليها أرسلان دون حديث بينما قُصي هتف بـ تعب
-سديم بعدين، خليه يرتاح الأول و نبقى نحكيلك…
كانت الدماء المُتناثرة على ثيابهِ مشهد مُثير للغثيان، أمسكت ذراعيه و همست بـ توسل دون أن يراها قُصي إذ أجحم جسد أرسلان الرؤية عن أخيهِ
-أرسلان أنت كويس! أنا بقيت خايفة، أنا مرة و بعدين أنت أنا آآ…
أوققها أرسلان عن الحديث بعدما وضع يده على وجنتها ثم هتف بـ نبرةٍ قوية و نبرةٍ تخللتها جعلت الصمت يكتنفها
-أنا كويس…
عانقها و كأنها كانت تنتظر هذا العناق، على الرغم أن رائحة الدماء تزكمها إلا أنها لم تتخلَ عن عناقهِ، فـ سار بها إلى الداخل و جلس ثلاثتهم لتسأله من جديد بعد مرور بعض الوقت
-ممكن أعرف فيه إيه و مين اللي عمل فيك كدا!!
-كلمة واحدة:حرامي
-نعم!!...
سألت بـ ذهول و عدم تصديق، ليرد أرسلان بـ نبرةٍ خاوية لا تنُم عن شيء
-أه، عادي يعني
-سألت بـ غباءٍ:كان عايز إيه الحرامي!
-سخر مُجيبًا:إتنين شاورما
-غضبت سديم فـ صرخت:أنت بتهزر! شايف دا وقته؟!
-ليُجيب بـ بساطةٍ:و دا سؤال برضو يا دكتورة! هو الحرامي هيكون عايز إيه!...
عضت شفاها تُجبر نفسها على التحلي بـ الصبرِ و الإعتياد على برودة أرسلان فـ سألت من بين أسنانها
-قصدي يعني يسرق إيه!
-أجاب و هو يُعيد رأسه إلى الخلف:العربية
-صرخت:سرقها!
-لوى شدقه و رد:لأ
-فاق بروده تحملها فـ هتفت بـ نفاذِ صبر:كفاية برود و هزار بقى، أنا أعصابي مش مستحملة…
نظر إليها من طرف عينه ثم أغلق عينيه و رد واضعًا ديه على عينيه
-مبهزرش، مكنش فيها بنزين فـ معرفش يسرقها، إتغاظ ضربني…
أخفت سديم وجهها خلف يديها و هي تتأكد أن أرسلان كاذب، جسدها ينتفض بـ غضبٍ و تُريد لكمه بـ شدةٍ بل و ضربه بـ عصا على إصابتهِ عله يفيق، همّت بـ سؤالهِ و لكن صوت قُصي أوقفها وهو يسأل
-فين رحمة!
-تنهدت و أجابت بـ قنوط:نايمة…
أومأ قُصي و نهض و أخرج هاتف أرسلان ثم قال بـ نبرةٍ متوسلة
-خلي بالك منها يا سديم معلش، و أنا هضطر أمشي
-ليه!
-مينفعش أفضل هنا، و كمان رحمة حاسس إن وجودي هو اللي موترها، بكرة هشوف فيها إيه…
نهضت سديم و لكن يد أرسلان أمسكت خاصتها بـ قوةٍ جعلتها تتأوه و سأل بـ نبرةٍ ساحقة كادت أن تُهشم عظامها
-رايحة فين!
-أجابت و صوتها يئن ألمًا:هوصله…
نظر إلى قُصي بـ نظرةٍ باردة توازي برودة نظرته له ثم قال و صوته يُقطر سوادًا
-هو عارف طريق الباب…
ظل قُصي يُحدق به حتى قبض على يدهِ و مشاعره السلبية تتفاقم فـ هتف و هو يبتسم بـ برودٍ
-حمد لله على السلامة يا أرسلان…
وضع هاتف أرسلان فوق الطاولة و إستدار يرحل، فـ ترك أرسلان يد سديم على حين غُرة و نهض يتبع قُصي ثم أوقفه قائلًا
-خُد مراتك من هنا و أمشي
-صرخت سديم بـ غضبٍ:أرسلان…
هُنا و دوى صوت أرسلان في جميع أنحاء المنزل حتى أجفل الجميع و كان على القمة، سديم التي لم تُصدق أن أرسلان يختصها بـ تلك النبرة و بـ هذه الطريقة
-إخرسي أنتِ و متدخليش…
شعرت بـ العرق البارد يسير على طول عمودها الفقري و يكاد الذهول يبتلعها و كذلك قُصي الذي كان نصيبه من الذهول ليس بـ هينٍ، فـ تقدم منه و هتف بـ صوتٍ لا يكاد يُسمع
-أرسلان إهدى…
دفعه أرسلان بـ قوةٍ ثم إقترب منه و هسهس بـ نبرةٍ خطيرة
-لو خايف على مراتك، خُدها و إختفي، يا إما مش هيطلع عليها نهار…
إتسعت عينا قُصي و إرتجف جسده ثم نظر إلى أرسلان بـ تيهٍ و عقله غير قادر على إستيعاب ما تفوه به الآن، و لكن ما يظنه أن أرسلان أبعد كُل البُعد عن تهديدهِ، هذا أشبه بـ تحذير قوي، تحذير قد يكون حبل النجاة
همس بـ صوتٍ ذاهب و كأنه لا ينتمي إلى ضابط إعتاد الصُراخ طوال الوقت
-قـ قصدك إيه!
-قُصي!
-صرخت سديم:رحمة!!...
إلتفت الإثنان على إثر صرخة سديم و ظهور رحمة التي يهتز جسدها و كأنها على وشك الإنهيار، و لكن ما أثار رُعب قُصي، كان ذلك السكين الذي تحمله و تُشير به إلى أرسلان
كانت رحمة في حالةٍ من عدم الإتزان و الخوف، و إنكار الذات، لم تستطع مُحاربة هاجس الرُعب الذي همس بـ سُخريةٍ أنها ستخسر زوجها إلى الأبد و السبب الرئيسي ذلك الذي يقف بـ كُلِ هيمنة و قساوة يخطُ نهاية الجميع
فـ إقتربت من المطبخ و إلتقطت سكينًا ما و حدقت به دون وعيٍ ثم خرجت على إثر الصُراخ الدائر بـ الخارج، و ما أن رأت أرسلان يقترب من زوجها حتى أشعل الرُعب نيران الجنون أكثر من ذي قبل و الهاجس يتسع و يبتلعها
فـ إقتربت منهم على حين غلفة و إهتزت يدها قليلًا و لكنها أمسكت السكين و إقتربت من أرسلان بـ ملامحٍ مجنونة و هدرت و كأنها على وشك قتلهِ
-إبعد عنه، أنت قُربك من الناس بيقتلهم، و بكرة عيلتك هتموت بسببك…
لم يرف جفنًا لأرسلان و لكنه قال بـ نبرةٍ صخرية، نبرةِ شخصٍ و كأنه لم يعد يأبه للحياة
-عندك حق ولو مقتلتنيش دلوقتي، كلكوا هتموتوا…