رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الخامس عشر
وأنا أعلم يا عزيزتي أن الله يؤلف بين الأفئدة…
فـ كُنتِ أنتِ لي…
ترجل جاسر من السيارة ثم ركض إلى داخل الصحراء وهو يرى ظل يقف وإثنين جالسين.. أخرج مُسدسه وأطلق عدة طلقات نارية بـ الهواء ثم أكمل ركضه
وجد جُلنار جالسة أرضًا تبكي و وجهها شاجب، مُرتعب وعيناها مُتسعتان بـ هلع.. لـ تُظلم ملامحهِ بـ قسوة بالغة ثم إقترب منها ليسمع همسها الخافت
-إلحقني يا بابا…
جثى على رُكبتيهِ ليجد صُهيب فاقد الوعي و وجههِ ينزف وكذلك جانبه.. ضيق عيناه وهو يعي مكان الإصابة
مدّ يده وسحب المدية من جانبه ثم هدر بـ رجالهِ بـ صوتهِ الجهوري
-تعالوا بسرعة شيليوه…
تحرك إثنين من رجالهِ ورفعا صُهيب من أسفل ذراعيهِ.. بينما جاسر أمسك جُلنار من مرفقيها ورفعها أمام ناظريهِ.. يُحدق بها بـ نظرات فحصتها شاملة حتى توقفت عند كنزتها المشقوقة و من فوقها قميص يبدو أنه يخص صُهيب
إسودت عيناه بـ ظلام قاتم تُقسم جُلنار أنها رأت بهم ما يُذيب العظام.. ولكن حين جذبها كان بـ حنو بالغ وضمها إلى صدرهِ فـ سمعت تأوه يخرج من بين شفتيهِ لتعود بـ البُكاء هامسة
-حصله كدا عشان ينقذني يا بابتي.. مخفش ومترددش إنه ينقذني…
حفرت أظافرها بـ ظهرهِ وظلت تبكي بـ قوة وجسدها يهتز بـ عُنف.. ليربت جاسر على ظهرها وخُصلاتِها ثم قال بـ وعيد
-و ديني وما أعبد لأكون مسففه تراب الأرض…
لم تسمعه جُلنار بل إبتعدت عنه وقالت بـ نشيج باكي
-يلا عشان نلحق صُهيب.. عشان خاطري مش عاوزة يحصله حاجة
-حاوط وجهها وقال بـ خشونة :مش هيحصله حاجة يا حبيبتي متقلقيش…
أومأت بـ رأسها ثم جذبت طرفي القميص إلى صدرها و إتجهت جوار والدها الذي حاوط كتفيها بينما عيناه ترسمان إنتقام بـ أبشع الطُرق وأكثرها قسوة وألمًا
كانت السيارات تشق الطريق الخالي، الموحش بـ سُرعة خُرافية تُسابق الريح حتى وصلت إلى المشفى التي يُحتحز بها شقيقها
ترجلت مع والدها ومن خلفهم بـ السيارة التي أمامهم رجال جاسر تحمل صُهيب والذي بدى وجهه شاحب.. وضعت يدها على شفتيها بـ ألم تكتم شهقة كادت تشق سكون الليل
ربت جاسر على كتفيها ثم جذبها خلفه دون أن يتبع رجاله فـ همست جُلنار بـ إستفهام
-إحنا رايحين فين!
-أجاب جاسر بـ جمود وجفاء:أظن مش هتدخلي المُستشفى كدا…
وصلا إلى المرحاض عن طريق يخلو منه العاملين والرواد ثم أدخلها ومدّ يده بـ ثيابٍ قد حضرها مُسبقًا فـ أمسكتها بـإرتعاش ودلفت
نزعت جُلنار قميصه الأبيض وظلت مُحدقة به بـ أعين تجمع بها عبرات ذرفتها بـ بذخ.. ثم قربتها من أنفها تشتم عطره الرجولي الصارخ وهمست بـ نشيج خافت
-آسفة…
ثم نزعت كنزتها المشقوقة وحدقت بـ عظمتي الترقوة المُدمغتين بـ علاماتهِ المُنفرة لتتحول ملامحها إلى النور والتقزز.. لتفتح صنبور المياه و بدأت في غسل تلك المواضع
حاوط تلك العلامات الزرقاء إحمرار نتيجة حك جلدها بـ قسوة أوكشت على سلخ جلدها عن جسدها.. وحين يأست إتكأت إلى الحوض و تنفست بـ قوة هامسة لنفسها بـ تعنيف
-مش وقت إنهيار.. صُهيب جوه بيحارب عشان يفضل عايش وأنا هنا لازم أحارب ومنهرش.. مش هضيع اللي عمله عشاني…
أخذت نفسًا عميق ثم أكملت نزع ثيابها لترتدي ما أحضره والدها.. كانت عبارة عن قميص قُرمزي طويل إلى إلى مُنتصف فخذيها وأكمام قصيرة مشقوقة من الأعلى فـ أظهرت حُزء بسيط من منكبيها.. ومن الأسفل بنطال أسود اللون من خامة ثقيلة ضيق بـ إتزان
عكصت خُصلاتهِا الكتسنائية المُشعثة على هيئة جديلة أسدلتها على كتفها الأيسر.. ثم قذفت ثيابها المُمزقة والمُتسخة بـ سلة المُهملات ولكنها حملت قميصه بين ذراعيها تضمه إلى صدرها
عاودت أخذ نفسًا عميق ثم فتحت الباب لتجد جاسر يقف مُتحفزًا.. لتبتسم هي بـ إتزان مُهتز ثم قالت بـ خفوت
-أنا كويسة يا بابتي.. يلا عشان أشوف صُهيب…
نظر إليها جاسر مُطولًا بـ غموض ولكنه أمسك يدها وجذبها خلفه حتى وصلا إلى غُرفى الجراحة.. حيث تقبع روجيدا بـ عينين مُتورمتين وصدر ينهج بـ إنفعال وحينما أبصرت جُلنار ركضت تُعانقها ثم بكت قائلة بـ إبتسامة
-الحمد لله إنك كويسة يا قلبي.. الحمد لله والشُكر لله يا جُلنار…
عانقتها جُلنار بـ قوة ثم دفنت وجهها بـ كتف روجيدا وهمست بـ حزن وإنفعال
-هو هنا بـ سببي.. أنا اللي عملت فيه كدا
-ربتت روجيدا على خُصلاتهِا وقالت بـ حنان:هُششش متقوليش كدا.. دا قدر وربنا كاتبه يستحيل تغيريه.. إدعي إنه يقوم بخير…
أومأت بـ إرتعاش فـ أبعدتها روجيدا ثم أجلستها فوق المقاعد المُتراصة أمام الغُرفة.. ربتت على ساقيها وقالت بـ إبتسامة
-هروح أكلم جاسر وأطمنك على صُهيب…
أومأت بـ رأسها دون أن تنظر إلى والدتها لتُقرب القميص أكثر إليها وعبراتها تأبى التوقف
توجهت روجيدا إلى جاسر الذي يقف بـ ملامح يصعب تفسيرها.. ولكنها آثرت عدم تفسيرها حيثُ ستكون أكثر رُعبًا إذا فهمتها
دون حديث عانقته بـ كل قوتها وهي تُتمتم بـ الحمد والشُكر لعودتهما سالمين إليها.. إرتفعت يده بـ بُطئ تُحاوط ظهرها ثم همس بـ جمود
-خُد بالك منها ومن الكُل.. هتأخر شوية
-همست بـ عتاب خائف:جااااسر!!.. بلاش إنتقام كفاية بقى…
ابعدها عنه ثم أمسك ذراعيها بـ قسوة آلمتها ثم هدر بـ خفوت مُرعب
-دي بنتي عارفة يعني إيه بنتي!.. والـ***اللي لمسها هخليه يخسر دنيته وأخرته…
ودون أن يسمح لها بـ الحديث رحل ولكن أوقفه صوت الطبيب الذي خرج فـ إتجه إليه جاسر وتساءل بـ جدية وجفاء دون النظر إلى روجيدا التي تنظر إليه بـ رجاء مُتوسل
-إيه أخباره!
-أجاب الطبيب بـ عملية:إحنا حاليًا بنعمل العملية لكن الكلى مُتضررة.. مش هقدر أجزم إذا كُنا هنقدر ننقذها ولا هنخسرها لأنه لسه بدري على الموضوع دا.. كمان جرح وشه عميق وإحتمال يسيب أثر فـ وشه…
أومأ جاسر بـ ملامح مُكفهرة بينما مدّ الطبيب يده. أعطى شيئًا ما لجاسر وقال بـ هدوء
-لاقينا دي فـ جيبه ودي لاقينها فـ إيده.. أو بمعنى أصح ملفوفة حولين رسغه…
ثم مدّ يده بـ باقي مُتعلقاته ولكن جاسر ظل يُحدق بـ قلادة إبنته التي بين يديه بـ ظلام أرعب الطبيب فـ رحل دون حديث
قبض جاسر على القلادة بـ قوة ثم إلتفت ليرحل دون حديث مُخلفًا وراءهِ بردٍ قاس بـ قلب روجيدا.. قلب أنبأها أن القادم أكثر قسوة وألمًا
***********************************
صعد الدرج بـ خطواتٍ مُتثاقلة و ملامحهِ مُكفهرة، سوداء.. كانت بين يديهِ.. بين أحضانهِ.. يتذوقها بين شفتيهِ.. كانت بعيدة كُل البُعد ولكنها قريبة بـ ذات الوقت.. كانت ستكون ملكه.. له وحده
إلا أن كُل شئ تبخر.. هي.. شغفه.. إمتلاكه لها.. قوته.. حياتها.. كُل شئ كان بين يديهِ.. ليأتي ذلك الصُهيب ويسرقها منه في لحظة خاطفة
توقف أمام باب المنزل ليضربه بـ عُنف صارخًا دون أن يأبه لـ صوتهِ
-غبي.. غبي.. غبي…
وقارن كُل سبة بـ ضربة قوية.. ثم وضع جبهته على الباب وهمس بـ صوتٍ مُخيف
-هي ليا.. ومش هتكون لغيري.. أبدًا.. أبدًا…
دلف إلى الداخل ليخلع قميصه تبعه بنطاله ثم توجه إلى المرحاض ليأخذ حمامًا ساخنًا ليستعيد بعضًا من قوتهِ حتى يتسنى له التفكير
وبعد فترة قصيرة.. وقف أمام المرآة يلف حول خصرهِ منشفة ونظر إلى حرج جبهته بـ القُرب من منابت سعره.. على الرغم من الدماء التي نزفها بـ غزارة إلا أن الجرح لم يكن بـ العُمق المؤذي.. ضحك بـ صخب ثم قال بـ إنتشاء مريض
-مراتي مكنش ينفع تكون غير قوية كدا…
فتح صندوق الإسعافات الأولية جوار النافذة وأخرج إبرة و خيط المُخصص للجروح وبدأ بـ خياطتهِ بـ حرفيا كما تعلم.. كان يتأوه قليلًا ولكن كُلما تذكر ملمسها بين يديهِ ينسى الألم ويتذكر تلك اللحظات الخاطفة التي تمتع بها
إنتهى من تضميد جراحه ليغسل يده من بقايا الدماء ثم توجه إلى الخارج
توجه إلى غُرفتهِ ثم وقف أمام مرآة كبيرة ومدّ يده يُشعل الأضواء.. ما كاد أن يفتحها حتى إتسعت عيناه بـ صدمة وهو يرى.. يرى جاسر الصياد خلفه وملامحه كانت نذير شر.. كانت قاتمة بـ درجة مُخيفة وعيناه تشتعلان بـ جحيم مُستعر نصر كُل الإصرار على القتل
وقبل أن يعي أي شئ كانت يد جاسر تقبض على رأسهِ ثم دفعتها إلى المرآة بـ قوة جبارة تهشمت على إثرها.. بينما عبد الرحمن سقط أرضًا لقوة الضربة
عاد وجهه ينزف من جديد ولم يكد يفيق من تلك الضربة المُفاجأة حتى عاجله جاسر بـ أُخرى بـ ساقهِ قاصدة معدته.. ركلة جعلته يبصق الدماء
نظر إليه جاسر من عليّ وملامحه الشيطانية تحكي ألف قصة عن إنتقام.. ثم أردف بـ هسيس قاتم، أسود كـ نظراتهِ الجحيمية
-غلطتي إني سمحتلك تعيش.. وأنا مبغلطش مرتين…
ثم عاجله بـ ضربة من قدمة أصابت وجهه فـ فَقَدَ الوعي.. نظر إليه جاسر مُطولًا ثم خرج من الغُرفة ومنها إلى باب منزله ليأمر رجاله بـ غلظة
-هاتوه وحصلوني…
أومأ الرجلين ليغلق جاسر زر سترته السوداء ثم نظر إلى الداخل حيث إختفى رجليه ليبتسم بـ قساوة ورحل
*************************************
إستيقظ بعد فترة لا يعلم إن كانت طويلة أم قصيرة ولكن ما يعلمه أنه يشعر بـ صُداع فتاك يكاد يسطر رأسه إلى نصفين
وما يعلمه علم اليقين أنها نهايته لا مفر.. رفع رأسه ونظر إلى عيني جاسر المُحدقة به بـ شيطانية دون حديث.. إبتلع ريقه بـ صعوبة وحاول النهوض إلا أنه وجد نفسه مُكبلًا بـ قيدٍ حديدي فوق مقعد حديدي مُهترئ.. لأ يزال يرتدي منشفته والتي إتسخت من كثرة الأتربة التي تم سحبه عليها
باغته حديث جاسر حينما قال بـ سُخرية قاتلة
-مكنتش متوقع إن الكُرسي المصدي دا يستحمل تور زيك…
إقترب منه جاسر ليضع يده خلف عنقه يتكئ إلى ظهر المقعد ثم قال بـ همسٍ مُستهجن
-دا ملوش غير دليل إنك فاضي من جوه…
ضرب جاسر عضلات صدره بـ قوة ثم إقترب يضع أُذنه عليها وإبتعد قائلًا بـ إبتسامة لا تحمل أي أثر للمرح
-مش بقولك فاضي.. في صوت غريب طالع من جوه…
تجهم وجهه سريعًا وظهرت ملامح الشر جلية على وجههِ ليهدر بـ صوتٍ غليظ. أفزع الحمام القاطن بـ ذلك المستودع القديم
-دفعولك كام!...
لم يدعي عبد الرحمن عدم الفهم بل أجاب ضاحكًا ضحكة تُثير الغثيان
-محدش دفعلي حاجة.. أنا جيت أرجع حقي.. حقي اللي أنت سرقته مني…
حرك جاسر رأسه بـ موافقة قبل أن يصفعه بـ قوة جعلت أنفه تنزف من جديد ثم أعاد سؤاله من جديد
-دفعولك كام!...
جعد عبد الرحمن أنفه يسحب نفسًا ثقيل ثم قال وهو يبتسم إبتسامة مقيتة
-الحق بيرجع من غير فلوس.. بس لازم يرجع بـ تمن…
حك جاسر ذقنه قبل أن يلكم ذقنه من الأسفل بـ قسوة ثم عاد يردف بـ برود
-أنا مورايش حاجة غيرك.. ماطل زي ما أنت عاوز…
حينها صرخ عبد الرحمن بـ غضب ثم هدر بـ شراسة وهو يُحاول تخليص نفسه من ذلك القيد المُحكم
-جُلنار ملكِ أنا.. فاهم يا جاسر يا صياد!.. جُلنار هتكون ليا أنا وبس.. غصب عنك أو بـ رضاك…
مسح جاسر على أسنانهِ بـ غضب.. و شيطانية نظراته سيطرت عليه بـ كل جوارحه.. وحينها لم يعي لنفسه وهو يلكم عبد الرحمن بـ كل قوتهِ التي يملكها حتى سقط ذلك الجالس أرضًا
لهث جاسر بـ تعب ليأتي أحد رجاله ويُعدل من المقعد ثم رفع رأس عبد الرحمن المُتهدل فوق صدرهِ.. كان وجهه تحول إلى خارطة من الألم وصدره الذي لم يسلم من لكمات ذلك الوحش حتى تكسرت ثلاثة أضلع
حدق به جاسر بـ نظراتٍ مُرعبة، حادة كـ السيف حتى شعر عبد الرحمن أنها شهوت ملامحه ثم هدر بـ صوتٍ مُخيف على الرغم من هدوءهِ
-فين سليمان!...
لم يرد عبد الرحمن بل دار بـ وجههِ عنه يبصق الدماء من فمهِ وعاد ينظر إليه بـ صمت
وضع جاسر يده بـ خصرهِ ثم قال وهو يُحرك رأسه علامةً على نفاذ صبره
-أنت اللي جبته لنفسك…
فتح جاسر كفه لذلك الحارس.. والذي سُرعان ما أخرج إبرة تحتر على سائل شفاف.. ليفتح جاسر غطاءها ثم قال بـ فحيح
-أنا راجل بيحب الحق.. وباله طويل زي التعبان.. بس لما يقفش بيزّعل الناس منه أوي…
ضرب الإبرة بـ سبابتهِ ثم أمسك بها بـ قبضتهِ وبـ كُل قوتهِ غرزها بـ فخذ عبد الرحمن الذي نظر إليه بـ ذهول
نزع الإبرة من ساقهِ ثم قذفها على طول ذراعهِ.. ثم إتكأ إلى ظهر المقعد الحديدي قائلًا بـ خُبث وهو ينظر إلى ساعتهِ
-عارف إيه دا!...
ضرب جاسر جبهته ثم قال بـ مُزاح قاسي وهو يضحك بـ صوتهِ كله
-وصحيح هتعرف منين وأنت كُنت أدبي!!...
إبتعد عنه وعن نظرته الذاهلة والتي بها من الخوف ما جعل جاسر ينتشي ثم قال وهو يضع يديه بـ جيبي بنطاله
-على العموم مش هتبعك كتير.. دا يا سيدي سمٌ قاتل.. يعني ديتك عشر دقايق بـ الكتير وتودع…
إلتوت عضلة فك عبد الرحمن بـ غضب منبعه خوفه من الموت وكانت تلك نُقطة ضعفه.. وحين قرر الكلام همس بـ جمود
-معرفش…
لم يعِره جاسر إهتمام بل نظر إلى ساعتهِ وقال بـ لا مُبالاة
-باقي من الزمن تسع دقايق…
تسارعت أنفاس عبد الرحمن ولكنه ظل على صمتهِ.. فـ جذب جاسر مقعد وجلس عليه قائلًا بـ تسلية
-وأدي قاعدة.. مش بقولك مش ورايا حاجة غيرك…
بدأ عبد الرحمن يتحرك بـ عصبية ويُزمجر بـ غضب ولكن جاسر كان يُصفر بـ إستمتاع.. الدقائق تمر وكُلما زاد خوف عبد الرحمن كُلمل إتسعت إبتسامة جاسر المُخيفة
نظر إلى ساعة يدهِ مرةً أُخرى ثم قال وهو يمط شفتيه بـ أسف مُصطنع
-باقي من الزمن دقيقتين.. يابني إعمل حاجة حلوة فـ الدقيقة اللي فضلالك!...
ولكنه ظل على حالهِ.. ليرفع جاسر كتفيه ثم نهض بـ بساطة إلا أن صوت عبد الرحمن قصف من خلفه هادرًا
-هقول.. هقول
-إستدار إليه جاسر بـ ملامح مُخيفة:سامعك…
إبتلع عبد الرحمن ريقه ثم قال بـ أعين زائغة
-فـ السجن…
إرتسمت إبتسامة خبيثة على شفتي جاسر ثم إستدار ليرحل فـ هدر عبد الرحمن بـ تشبث
-أنا جاوبتك.. عالجني من السم بقى…
وقف جاسر على أعتاب المستودع قبل أن يستدير وعلى وجههِ إبتسامة ماكرة ثم قال بـ عبث
-سم إيه يا راجل أنت صدقت.. دي ماية H2O يعني…
شحبت ملامح عبد الرحمن وإتسعت عيناه بـ ذهول قبل أن يُكمل جاسر بـ نبرةٍ خطيرة
-لما بعوز أقتل بستخدم إيدي.. الضعيف هو اللي يستخبى ورا طُرق هبلة زي دي…
ثم تركه ورحل ولكنه همس بـ شيئٍ لحارسهِ الذي إومأ بـ طاعة قبل أن يرحل وقال غامزًا إياه
-أتمنى يعجبك الدلع اللي هتدلعه كمان شوية.. وأنت حلو و بـ فوطة كدا…
ولم يكن عليه أن يسأل عن نوع "الدلع" فقد ظهر جليًا نوايا جاسر الصياد على وجهِ حارسه الذي نزع سُترته وتبعه بـ قميصهِ
*************************************
دلفت غُرفة العناية المُركزة بعدما خرج من غُرفة الجراحة مُنذ ساعتين.. كانت ترتدي الزي المُعقم وهي تبحث عنه بـ عينين مُرتجفتين حتى وجدته نائمً فوق فراش أبيض تُحيط به الأجهزة الطبية وصوتها كاد يصم أذنيها يُصيبها بـ الصُداع
إبتلعت ريقها ثم تقدمت منه حتى وقفت جواره تمامًا.. حدقت بـ وجههِ المكدوم وذلك الجُرح المُمتد حتى عُنقه والغريب أضاف إليه جاذبية وشراسة تليق بـ صُهيب الهواري
رفعت أناملها تتبع الجُرح بـ رقة وعيناه تذرفان العبرات وكأنها الشئ الوحيد الذي تستطيع فعله.. ثم صدره المُوصل بـ عدة أسلاك تتحقق من حالة قلبه الصحية حتى إنحنت عيناها إلى جانبه المُصاب
تذكرت حديث الطبيب وهو يُخبره بـ إختصار أنه بذل قُصارى جُهدهِ ليستطيع النجاة بـ كُلى سليمة ويتبقى جزء المُقاومة والنجاة عليه
مدت أصابها الرقيقة لتُمسك كفه بـ خفة قبل أن تنحني إلى مستوى وجهه هامسة بـ ألم
-الدكتور قالي إن جزء المُقاومة عليك.. عشان خاطري متستلمش.. عشاني مش عشان نفسك…
وبـ يدها الأُخرى مسحت على خُصلاتهِ الناعمة ثم أكملت بـ حُزن
-آسفة إني كُنت السبب.. لو هتعيش بس أكون بعيدة عنك أنا موافقة.. متدخلش حياتي ولا تحميني بس تبقى كويس…
أغمضت عيناها ثم إقتربت تُقبل زواية عينه اليُمنى وعادت تُحدق به قبل أن تنظر إلى يدهِ التي قبضت على خاصتها بـ خفة ثم همسة خرجت كـ الأنين إسترعت إنتباهها لتتسع عيناها وهي تجد عينيه المُتعبتين تنظران إليها بـ تشوش
-جُلنار!!...
ضحكت جُلنار وهي تنظر إلى عينيه المُجهدة وقالت بـ سعادة
-صُهيب!.. أنت كويس!
-أومأ بـ جُهد وتساءل:أنتِ كويسة؟!
-أومأت عدة مرات وقالت:بقيت كويسة لما فتحت عينك…
إبتسم إبتسامة صغيرة ثم حدق بـ وجهها الذي ظهر عليه أثر صفعات وشِفاها السُفلى المشقوقة لتُظلم عيناه بـ غضي ثم تساءل بـ خشونة مُجهدة
-قربي هنا…
ضحكت وهي تقترب بـ رأسها منه ليرفع يده بـ ضعف ثم مسح على وجنتها وعيناه تزداد ظلام لترتعش هي لملمس يده الباردة وكذلك لذكرى الصفعات والأحداث التي تلتها.. إلا أنها تماسكت وقالت بـ تردد
-أنا كويسة
-همس بـ جمود:ضربك؟
-تشنجت قائلة بـ قوة:ممكن نفكر فـ دا بعدين.. لما نطمن عليك الأول
-ولكنه عاد يهمس بـ شراسة:مد إيده عليكِ…
كان دورها لأن تُحاوط وجنته ثم قالت بـ صدق وعيناها لا تُفارق خاصتهِ
-رديت له بدل القلم عشرة.. وبدل الضربة مليون.. جُلنار الصياد محدش يتجرأ ويمد إيده عليها إلا وتكون رادة عليه بـ أضعاف…
إبتسم صُهيب إبتسامة رائعة وكأنها تغزلت به الآن ثم قال وإبهامه يسير على وجنتها بـ نعومة
-الحمد لله إنك بخير
-تنهدت ثم قالت بـ إبتسامة:آسفة.. عارفة إن الأسف مش كفاية بس محتاجة أعوضك…
ظل صامتًا بعض الوقت وعيناه تسيران على ملامحها بـ لهفة وإشتياق بينما ضربات قلبه تتصاعد بـ حماس وسعادة كونها بـ خير أمامه.. تبتسم وتعتذر.. بل وعيناها تذرفان الدمع من أجلهِ
رفع إبهامه ومسح عبرة علقت بـ أهدابها ثم قال بـ جدية وصدق
-دموعك غالية يا زهرة الرُمان.. فـ إوعي تنزل إلا على حاجة تستاهل
-قطبت جبينها وتساءلت:وأنت مش حاجة تستاهل!
-أجاب بـ بساطة:أنا شخص مش حاجة
-عادت تقول بـ قوة:وعشان أنت شخص تستاهل.. بكيت عليك وببكي وهبكي…
ضغطت على يدهِ ثم عادت تقول وفيروزها يشع بـ إشتعال أفتنهُ
-بس الإعتذار والبُكى مش تعويض.. قولي أعوضك إزاي!!...
حدق مُطولًا بـ عُمق شديد يُشابه عُمق المُحيط.. عُمق أربكها فـ تخاذلت عيناها للحظات ثم إستعادت ثباتها فـ أردف بـ صوتٍ خافت، رجولي ونبرة أقل ما يُقال أنها تحملك إلى عالم الخيال.. بل هي نبرته كانت خيالية وكأنها لا تنتمي لعالم البشر
-حبيني!!!...
*************************************
-زي ما سمعت يا سليمان صُهيب بقى كارت محروق وبقى صبي لجاسر الصياد وبنته…
إكفهرت ملامح سُليمان بـ غضب أسود جعل ملامحهِ تسود بـ ظلام مُخيف ولكنه قال وهو ينظر إلى كاريمان
-مش لازم جاسر الصياد يعرف إن صُهيب بقى كارت محروق.. إحنا هنركنه لوقت عوزة…
أومأت موافقة ليقترب منها قائلًا بـ خفوت
-أما حاليًا ركزي مع الواد الظابط.. عاوز أعرف أخباره…
إبتسمت بـ مكر ثم إقتربت هي الأُخرى منه ثم قالت بـ صوتها الرفيع
-أخباره كُلها هتعجبك أوي
-إتسعت إبتسامة شيطانية وهو يقول بـ سعادة:إشجيني
-أبعدت خُصلاتهِا وقالت بـ مكر:راح إتقدم للبت اللي بيحبها بس يا حرام جاسر رفضه وطرده طردة الكلاب.. هايم يا عيني عشان ينتقم لكرامته…
ضحك سُليمان بـ قوة ثم قال بـ نعومة وهو يسير بـ إبهامهِ على وجنتها ثم شفتيها
-مُهمتك. تبردي ناره.. بعد أما المتعوس التاني معرفش يعمل حاجة
-غمزته بـ مكر قائلة:أوامرك يا سُلي…
ثم نهضت وإقتربت منه تُقبل وجنتيه ورحلت.. بينما سُليمان ظل جالسًا و ملامحه تشتعل وهو يتخيل كيف ستكون نهاية جاسر وما أن يُحقق إنتقامه الذي طال لسنوات يأس من عدها
بعد فترة طويلة نهض ليسحبه العسكري إلى محبسهِ.. حسنًا لم يكن كما هو المُتعارف ولكن المال يفعل الكثير خاصةً وأن الفساد يتشعب حتى تمكن من الجذور ليصل إلى أماكن من المُفترض أنها تُحارب الفساد
كان محبسه عبارة عن غُرفة ذات رفاهية خاصة.. يبدو أنه دفع الكثير من المال ليحصل على تلك الرفاهية التي لا يحظى بها الكثير
فتح العسكري الباب بعدما تبادل أطراف الحديث مع سُليمان ثم دلف بـ هدوء.. ولكن ما كاد إن يخطو خطوة واحدة حتى تسمرت قدماه وإتسعت عيناه بـ ذهول مصدوم وهو يرى ذلك الشخص يجلس فوق كُرسيه واضعًا ساق فوق أُخرى يبتسم بـ شيطانية ثم أردف بـ خُبث
-مُفاجأة…
إبتلع سُليمان ريقه بـ صعوبة ثم همس بـ إهتزاز و خوف
-جاسر الصياد!!!!...