رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل السادس عشر 16 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل السادس عشر 

حديثك سجادةٌ فارسيّه.. 
وعيناك عصفوتان دمشقيّتان..
 تطيران بين الجدار وبين الجدار.. 
وقلبي يسافر مثل الحمامة فوق مياه يديك، ويأخذ قيلولةً تحت ظل السّوار.. 
وإنّي أحبّك.. 
لكن أخاف التّورط فيك، 
أخاف التّوحد فيك، 
أخاف التّقمص فيك،
 فقد علمتني التّجارب أن أتجنب عشق النّساء

إرتجفت أوصال سُليمان وهو يرى جاسر الصياد كما المُعتاد.. يجلس فوق كُرسيه يبتسم بـ شيطانية مُخيفة ليتراجع بـ خوف ثم قال وهو ينظر حوله بـ نظرات زائغة

-أنت دخلت هنا إزاي!.. وإزاي سمحولك تدخل هنا!!... 

حك جاسر ذقنه بـ تفكير وهو ينظر إليه بـ إستهجان ثم قال بـ عبث لا يخلو من الإزدراء

-جاسر الصياد يدخل الحتة اللي عاوزها وفـ أي وقت أما بقى دخلت إزاي؟… 

نظر حوله ثم ضحك وأشار بـ يدهِ إشارة تدل على المال ليقول بـ هدوء قاتم

-زي ما الفلوس عملتك أمير هنا.. هي نفسها اللي عملتني ملك ودخلتي هنا… 

شبك جاسر أصابعه وهو يتكئ بـ مرفقيهِ فوق المقعد ثم قال بـ خُبث 

-بس إيه دا يا راجل!.. إيه الكرسي دا؟.. خُد بالك مش عندي فـ المكتب زيه.. وبفكر أجيب واحد من اللي هو بيلف لوحده ده.. زي الكرسي بتاعك بـ الظبط… 

قبض سُليمان يده ثم قال وهو يتراجع إلى الحائط بـ خوفٍ مما هو قادم

-جاي ليه يا جاسر يا صياد!... 

تجاهل سؤاله ثم تطلع جاسر حوله بـ نظراتٍ مُستهجنة مُغلفة بـ السخرية ثم قال بـ عبث وهو ينهض مُتجهًا إليه

-يا أخي دا أنت فاضلك شوية نسوان وتقلبها دريم بارك...

لم يرد سُليمان بل بقى أمامهِ صامتًا حتى تحولت ملامح جاسر إلى أُخرى مُتوحشة، مُخيفة بـ قسوتها ثم هدر بـ صوتٍ جهوري غير آبهه لحقيقة تواجده بـ السجن المصري

-جاي آخد روحك بـ إيدي.. سيبتك تعيش زي ما أنت شايف هنا ولا أمير زمانك.. ودا رأفة مني مش أكتر.. أصل يا حرام هقتل واحد محكوم عليه بـ مؤبد ليه!... 

تقدم جاسر ثم صفعه بـ قوة على حين غُرة فـ لم يتداركها سُليمان.. ليُمسك تلابيبه و دفعه إلى الحائط فـ تأوه بـ ألم لقوة الضربة.. بينما الآخر تتراقص شياطين الإنس والجن حوله فـ أكمل بـ صوتٍ مُميت، حاد في قوته

-لكن تيجي لحد أذية عيالي يبقى عليك السلام.. الآخرة أولى بيك يا غالي 
-صرخ سُليمان حتى ينجده أحد:أنا مجتش جنب عيالك… 

قبض جاسر على عنقهِ وشدد عليه ثم همس بـ فحيح مُرعب

-أنت متعرفش اللي بيكدب بيروح النار ولا إيه!.. تحب أثبتلك بـ نفسي!... 

نطق عبارته الأخيرة بـ غلظة أرعبت ذلك المُختنق والذي يُحاول بـ إستماتة الإفلات من بين يديهِ ليصرخ بعدها بما يسمح له صوته المُختنق 

-إلحقوني المجنون دا عاوز يقتلني
-ذم جاسر شفتيه وقال:تؤتؤتؤ مجنون إيه!.. ينفع تشتمني يعني أزعل منك!... 

إبتسم جاسر إبتسامة شريرة ثم همس بـ فحيح مُفزع يُذيب الأعصاب 

-اسمي جاسر الصياد.. إفتكر الاسم دا كويس.. أحفره فـ زوايا عقلك عشان كل أما تسولك نفسك تقف قُصادي.. تعرف إن عذابي مش هيكون هين أبدًا… 

إبتعد جاسر عنه ثم عدل ثياب سُليمان وقال بـ نبرتهِ العابثة وهو يُحدق به بـ نظرات قاتمة عكس نبرته

-أنا جيت أحذرك بس.. وإعرف إنك لو فـ بطن الحوت هجيبك.. إبعد عن سكتي يا سُليمان عشان مكلكش بـ سناني… 

أغلق جاسر أزرار سترته ثم قال وهو يبتعد في إتجاه الباب بـ مُزاح أجوف لا ينم عن خير أبدًا

-خُسارة مينفعش أقتلك هنا.. صحيح دافع فلوس خسارة فـ جتتة أهلك.. بس أنا ليا حدود برضو… 

أشار إلى أحد العسكر المُنتشرين ليفتحوا له ثم خرج و وقف أمام سُليمان الواقف خلف القُضبان ليقول قبل أن يرحل 

-متخافش أوي كدا يا سُلي إحنا مهما كُنا ولاد عمة والضفر ميطلعش من اللحم.. أو يطلع وساعتها هطلع لحمك صدقة للكلاب… 

*************************************

-أنا لو معمول ليا عمل عشان أقابلك مكنتش هشوفك بالسرعة دي… 

هتف بها سُفيان وهو يدلف إلى مقهى المشفى التي آتى إليها من أجل زيارة أحد مرضاه الذي يُعالجه فزيائيًا ليجدها جالسة بـ مفردها تحتسي كوبًا من الشاي وبعض المخبوزات الطازجة 

كانت شاردة بـ إبتسامة رائعة يراها لأول مرة.. إتكئ إلى الحائط خلفه وتساءل تُرى هل هو سر هذه الإبتسامة؟.. يأمل.. حقًا يأمل أن يكون سر هذه الإبتسامة الخلابة والتي ستجعل مهمته القادمة هو جعلها تبتسم.. لأ شئ أكثر سوى ليرى تلك السلاسل الذهبية التي تنبعث من إبتسامتها وتُشاركها عيناها الذهبية

عدّل من ثيابه حيث كان يرتدي كنزة قُطنية من اللون الدُخاني ويعلوه قميص أزرق مفتوح أزراره وبنطال چينز ضيق أظهر ساقيه المُعضلة.. ثم مسح على خُصلاتهِ وأرجعها إلى الخلف وتقدم منها

كانت لاتزال شاردة بـ البعيد وجعل ذلك يتساءل لما هي بـ المشفى!.. إقترب بـ خطواتٍ بطيئة حتى وقف أمامها يتأملها قليلًا قبل أن يهتف بـ صوتٍ عال أفزعها

-مش معقول الصُدف دي… 

نظرت إليه مُجفلة ثم عقدت حاجبيها بـ غضب قائلة بـ عبوس

-على فكرة مش لطيف اللي عملته دا… 

إبتسم سُفيان ثم سحب مقعدًا وجلس فوقه لتقول هي بـ إمتعاض 

-أنا مش سمحتلك تقعد
-إرتفع حاجبيه بـ دهشة ثم قال بـ عبث:يظهر إنك لسه زعلانة مني!... 

مطت شفتيها بـ إستنكار ثم قالت وهي تلتقط قطعة من المخبوزات لتضعها بـ فمها

-وأزعل منك ليه!.. أنت عملت حاجة تزعل!... 

ولكن قبل أن تصل القطعة إلى فمها كانت يده قد سبقتها ونزعتها منها ثم قال وهو يرفع القطعة أمامها بـ مُزاح

-أولًا يعني عيب تاكلي قدام حد وهو بيكلمك… 

زفرت بـ غضب وكادت أن تلتقط قطعة أخرى ولكنه سحب الطبق من أمامها لتصرخ بـ صوتٍ خفيض بـ حدة

-بلاش سماجة
-لم يلتفت لما قالته بل أكمل:ثانيًا بقى أنا عملت اللي عملته اليوم دا عشان السوبر ماركت مكنش فيه حد مش بيبصلك.. ودا ضايقني فـ إتصرفت بـ الطريقة اللي مش لطيفة دي خالص… 

ظهر على وجهها الإنزعاج ليُكمل حديثه بـ هدوء وإبتسامة لطيفة سبرت قلبها

-وعمومًا أنا أسف لو كُنت زعلتك بس محبتش حد يبصلك بصة مش ولابد… 

ظلت تنظر إليه طويلًا بـ ملامحها المُعقدة دون أن تنفرج فـ إتسعت إبتسامتهِ ثم قال وهو يضع يده على صدرهِ

-سماح بقى… 

زفرت بـ يأس ثم مدت يدها وقالت بـ خفوت

-طب هات الطبق الأول… 

ضحك قليلًا ثم أعاد الطبق إليها وقال بـ مُزاح

-يعني خلاص خلاص!! 
-إبتسمت ريتاچ أخيرًا وقالت:خلاص.. خلاص… 

ظهر الحماس جليًا على وجههِ وبقى يُحدق بها وهي تأكل بـ إبتسامة خجولة قبل أن تقول دون النظر إليه

-طب مش هناكل معايا ولا هتفضل تُبصلي!... 

إتكئ بـ مرفقهِ إلى الطاولة و وضع يده أسفل وجنته وقال بـ وضوح ودون تردد

-هفضل أبصلك… 

سعلت عندما علق الطعام بـ حلقها حتى إحمرت وجنتيها فـ أسرع بـ إعطاءها الماء ثم أردف بـ قلق

-أنتِ كويسة!!... 

إرتشفت الماء ثم أومأت بـ خفة قبل أن تقول بـ خفوت وخجل مُتجاهلة ضربات قلبها التي تخطت حاجز المعقول

-أنت قولت إيه! 
-إبتسم وقال بـ مكر:إيه! 
-عبست بـ خجل:سُفيان!!!... 

تحولت إبتسامته إلى أُخرى عميقة جعلت كُل كيانها يرتبك ثم قال وهو ينهض مُلتقطًا قطعة مخبوزات ومضغها

-متسأليش كتير والإجابة هتيجي لوحدها… 

أكان عليه أن يرحل ويتركها لحيرتها الآن؟!.. لم تسأله حتى لمَ هو هُنا

***************************************

إتسعت عيناها بـ إرتياع وهي تسمع منه ذلك الطلب بـ تلك النبرة فـ حاولت إبعاد يدها عنه ولكنه تمسك بها ثم قال بـ هدوء

-مالك! 
-إبتلعت ريقها وتساءلت:أنت لسه تحت تأثير البنج! ولا أنت واعي لـ اللي بتقوله؟! 
-ضحك وقال:تحبي أسمعلك جدول الضرب عشان تتأكدي إني فـ وعيي!... 

وضع يدها الحُرة خلف عُنقها ثم قالت بـ توتر قلما ينتابها وهي تنظر مُباشرةً بـ عينيهِ 

-صُهيب بابا مش هيسمحلي آصلًا 
-تنهد وقال بـ صوتٍ أجش:بس دا مش بـ إيدينا.. مش من حق حد يحرمنا من مشاعرنا
-أردفت جُلنار بـ إستهجان:هاي هاي يا عم الشاعر.. إيه اللي وصل الحوار الحته دي!... 

ضحك  ليتأوه بـ ألم مُفاجئ ثم قال وهو يعود بـ نظرهِ إليها

-أڤورت مش كدا!... 

أومأت بـ إبتسامة ليُكمل صُهيب حديثة وإبهامه يتحسس نبض رسغها

-بس أنا بتكلم جد!.. عاوزك تحبيني يا جُلنار.. من حقي إنك تحبيني…

ظلت تنظر إليه بـ عينيها الخلابتين واللتين تعكسان حماس إستطاع قراءته بـ سهولة ناهيك عن نبض رسغها المجنوني والذي شابه في حماسته لمعان عيناها.. ثم تنازلت وقالت بـ خفوت جرئ

-خليني أحبك… 

إبتسم صُهيب لعينيها ثم شدد على يدها وهمس بـ صدق و نبرةٍ قوية 

-وعد إني أخليكِ تحبيني 
-وأنا مستنياك توفي بـ وعدك… 

ضحك صُهيب وكاد أن يرد إلا أن دلوف الطبيب تتبعه الممرضة أسكته ولكن حرب النظرات بينهما ظلت قائمة إلى أن قطعها الطبيب وهو يسأل المُمدد فوق الفراش أمامه

-الحمد لله يا بطل.. إحنا كنا فين وبقينا فين
-الحمد لله
-بينما أكمل الطبيب حديثه:بس برضو هنحطك تحت عنينا لحد أما نطمن على وضع الكِلية و نقدر الوضع.. بس هتحتاج الإهتمام الفترة اللي جاية… 

إستدار الطبيب إلى جُلنار ثم قال بـ إبتسامة بشوشة

-حضرتك مراته مش كدا! 
-أجاب صُهيب بـ تنهيدة:ياريت
-زجرته جُلنار بـ عينيها قائلة:صُهيب!!... 

تأفف صُهيب ثم أجاب وهو لا يحيد بـ نظرهِ عنها

-مكتوب كتابنا
-عادت تزجره:صُهيب 
-ليعود ويُجيب:مخطوبين طيب! 
-صُهيب!!!... 

إرتفع حاجبي الطبيب ثم عاود الإستدارة ناحية صُهيب الذي أجاب وهو يمط شفتيه بـ لا مُبالاة

-ضاربين ورق عرفي من ورا أهلها… 

ضربت جُلنار الأرض بـ قدمها بـ غيظ ثم هدرت بـ حنق وهي تنظر إلى الطبيب الضاحك 

-مفيش حاجة من دي يا دكتور.. دا إحنا بنعطف عليه
-ضحك صُهيب وقال بـ مُزاح:مكنش دا رأيك من شوية يا بنت الصياد 
-رفعت حاجبها الأنيق بـ تحفز ثم قالت:ملكش دعوة يا روح قلب بنت الصياد
-غمزها بـ عبث وقال:منا عارف إني روح قلبك وعقلك يا زهرة الرمان… 

إبتسمت جُلنار وأخفضت رأسها بينما حمحم الطبيب ثم قال وهو يضع سماعته الطبية حول عنقهِ مُتجهًا إلى الخارج

-يظهر إننا جينا فـ وقت غير مُناسب… 

رفعت جُلنار رأسها سريعًا ثم قالت بـ تدارك وهي تتبع الطبيب

-لأ خالص دا هو الهرمونات بس مبهدلاه شوية
-أتاها صوته العابث:تعالي هنا وأنا أوريكِ الهرمونات دي تقدر تعمل إيه… 

ضحكت جُلنار بـ جنون  لتنظر إليه تتوعده ثم أكملت طريقها إلى الخارج قائلة بـ صوتٍ وصله فـ جعله يضحك بـ قوة مُتألمًا 

-أنا جاية معاك يا دكتور دا أصله مش مضمون.. يظهر الضربة اللي فـ وشه صابت العصب السمبساوي… 

*************************************

يسير بـ الممر مُبتسم الثغر.. لم يكن ليصدق أنه سيُقابلها هُنا.. ولكنه قابلها.. وعند تلك النقطة ضرب جبهته ثم قال بـ إستنكار

-إزاي نسيت أسألها هي بتعمل هنا إيه!... 

أكمل سيره وهو يبحث عن رقم الغُرفة المُفترض أن يتواجد بها مريضه ثم أكمل قائلًا 

-لو خلصت اللي بعمله بعدري ممكن ألحقها وأبقى أسألها وأقعد معاها… 

أثناء بحثه فُتح باب غُرفة وبـ الصدفة وقعت عيناه على المريض ليعقد حاجبيه بـ صدمة ثم. تساءل وهو يتجه إلى تلك الغُرفة 

-هو بيعمل إيه هنا دا!!... 

أوقف المُمرضة ثم تساءل وهو يُشير بـ رأسهِ إلى المريض

-هو هنا من أمتى!
-رفعت المُمرضة كتفيها وقالت :من إمبارح بالليل.. بعد إذنك عندي شغل… 

أومأ لها فـ تركته ورحلت ليدلف هو إلى الداخل ثم توجه إلى فراش وحاول إيقاظ المُمدد عليه قائلًا بـ صوتٍ خفيض خشية أن يفزعه

-صُهيب!!.. صُهيب !!...

فتح صُهيب عينيه ليجد سُفيان يقف فوق رأسهِ فـ قطب جبينه وتساءل بـ تعجب

-سُفيان؟!.. بتعمل إيه هنا! 
-شُغل… 

حدق به سُفيان مليًا ثم تساءل بـ تعجب

-أنت بتعمل إيه هنا! 
-أجاب صُهيب بـ سُخرية:أبدًا يا سيدي طلعت حامل وحبوا يطمنوا عليا… 

تأفف سُفيان بـ غيظ ثم جذب المقعد ليجلس أمام الفراش وأردف بـ مُزاح جامد

-أنا مش عارف أبويا بيحبك ليه! 
-رد صُهيب:أهو أنا برضو يا أخي بسأل نفس السؤال.. أبوك بيحبني ليه!... 

حك سُفيان خُصلاتهِ ثم تساءل بـ إهتمام

-يا بني إيه اللي حصل فهمني
-إعتدل صُهيب بـ صعوبة وقال:حوار كدة هفهمهولك بعدين.. المهم… 

تأوه صُهيب لينهض سُفيان ويقوم بـ مُساعدته حتى إعتدل ليتنهد الأول ثم تساءل بـ إهتمام

-قولي أبوك عمل إيه فـ اللي طلبته! 
-جلس سُفيان وقال:عرف كل اللي أنت عاوزه يا سيدي
-قست عينا صُهيب وتساءل:والأخبار؟! 
-أخذ سُفيان نفسًا عميق وقال:أولًا عمك فـ السجن محكوم عليه بـ مؤبد لعدة قواضي وطبعًا مش محتاج أقولك مين اللي سجنه… 

نظر صُهيب بعيدًا يبتلع غِصة بـ حلقهِ ثم عاد ينظر إلى سُفيان وقال بـ هدوء عكس الثورات التي تموج داخله

-جاسر الصياد
-أومأ سُفيان وأكمل:عبد الرحيم فاكره!... 

قطب قليلًا مُتذكرًا إلا أنه قال بـ النهاية وهو يُشير بـ يدهِ

-أخو جدتي.. سناء الهواري
-بالظبط.. تعرف إنه مات أو بـ معنى أصح إتقتل من فترة طويلة قبل حتى ما عمك يدخل السجن مش كدا!... 

أومأ صُهيب لتشتد قبضته حول الملاء ليربت سُفيان على يدهِ حينما لاحظ الغضب الذي يحوم حول حدقتيه المُظلمتين ثم أكمل بـ هدوء

-عمك اللي قتله.. كان مفكر إنه هياخد كل حاجة بس عبد الرحيم اللي هو بـ مثابة جدك كان كاتب كل حاجة لبنته عشان عارف سليمان ونفسه… 

أغمض صُهيب عيناه ثم قال بـ صوتٍ جاف، أجوف لا يحمل أيَ مشاعر تنتمي لعالم البشر

-وكان مفكرني أهبل همشي وراه مغمض
-قطب سُفيان جبينه وتساءل:قصدك إيه! 
-وضح قائلًا بـ جمود:الـ**** اللي معرفش صلتها إيه بـ عمي فهمتني إن جاسر الصياد هو اللي قتل عبد الرحيم ومش بس كدا أخد كُل أملاكه
-وأنت صدقته! 
-نفى صُهيب قائلًا:الحقيقة شكيت بس مصدقتش.. أما من فترة لما إتعرفت على أبوك هو اللي حكالي كل حاجة عن عيلتي واللي عبد الرحيم قاله عنهم… 

صمت صُهيب غير قادر على المُتابعة.. فـ تفهم سُفيان حالته ولم يشئ الضغط عليه لذلك ربت على ذراعهِ وقال بـ إبتسامة

-المهم يا عم قوم بـ السلامة وإبقى إستفسر من الباشا شريف كل حاجة.. ولو إحتاجته رقبته سدادة… 

لم يتلقَ إجابة بل أشاح صُهيب وجهه بعيدًا ينظر من النافذة.. ليزفر سُفيان بـ قنوط فـ شاب مثل صُهيب لا يستحق أن يُولد بـ عائلة كـ الهواري ولكن مُنذ متى يختار الإبن عائلته! 

**************************************

دلف جاسر إلى ذلك المستودع القديم ليجد عبد الرحمن مسجي أرضًا يُتمتم بـ ألفاظ نابية و بجواره أحد رجاله يغلق زر أكمام قميصه

تقدم جاسر ثم نظر إليه بـ إزدراء قائلًا بـ حدة

-أقفلوا بوقه.. إيه التلوث السمعي دا!... 

رفع عبد الرحمن رأسهِ عندما سمع صوت جاسر ثم عاد يُتمتم بـ توعد وهو ينظر مُباشرة إلى عينيهِ

-ورحمة أمي ما هسيبك يا جاسر يا صياد.. هخليك تشوف النجوم فـ عز الضُهر… 

ضحك جاسر بـ قوة ثم قال وهو ينحني إليه بـ عبث مُمسكًا بـ خُصلاتهِ 

-يا راجل تصدق جسمي قشعر من الخوف!... 

نظر إلى هيئتهِ المزرية ثم قال بـ جمود

-هدد على أدك يا شاطر.. ولما تتلم على نفسك هدد صح… 

دفع بـ رأسهِ لترتطم بـ الأرض الصلبة فـ. تأوه ثم. نهض جاسر وهدر بـ شراسة

-فاكر الشهر اللي قعدته بتنضرب بس فيه!... 

نظر إليه عبد الرحمن بـ ضعف ليُكمل جاسر حديثه وهو يبتسم بـ شيطانية مُرعبة

-المرادي مش. هيكون ضرب وبس.. لأ أنا عادل وهدلعك دلع عشان تعرف إن الله حق… 

ضربه جاسر بـ قدمهِ فـ صرخ عبد الرحمن متأوهًا بـ ضعف ثم أكمل بـ قتامة

-واللي يفكر يلمس شعرة من بنتي دا أنا أدبحه وأعمل من دمه شُربة فراخ… 

بصق جاسر عليه ثم إستدار إلى أحد رجاله وقال آمرًا

-عالجوه وهاتلوه أكل وماية.. أنا عاوزه بـ كامل صحته لدلع اللي جاي
-أومأ الرجل بـ طاعة وقال:أوامرك يا جاسر باشا… 

ألقى جاسر عليه نظرة أخيرة مُهينة ثم رحل بـ هدوءهِ المُعتادة وكأن شيئًا لم يكن

**************************************

كان يسير على ذلك الممشى الخشبي يرتدي قميص أبيض مفتوح جميع أزاراه لتُداعب الرياح طرفيه فـ يتطاير جول جزعه العلوي.. بينما يرتدي سروال قصير قُماشي الخامة من اللون الجملي واضعًا يديه بـ جيبي بنطالهِ

يركل حصوات وهمية بـ خفهِ الصيفي، شارد الذهن عمن حوله.. يُفكر بها لم تُبرح خياله وعقله.. خياله يُصور له أنها جواره تبثهُ العشق كما تفعل مع شهاب

وليس على المحروم سوى الخيال.. فـ كل ما يمتلكه هو الخيال

توقف عندما وجدة هرة صغيرة تموء بـ صوتها الرفيع ليبتسم يزن ويقترب منها.. ثم إنحنى إليها وحملها لتستكين بين ذراعيه وهو يُملس على فراءها الناعم رادفًا بـ مُشاكسة

-هربانة من مين!... 

ولكن صدمته عندما رفعت رأسها ونظرت إليه بـ عينيها الخلابتين واللتين تُذكره بـ صاحبة الخيال.. كانت عيني الهرة مُتباينة كـ چيلان تمامًا.. فغر فاهُ بـ دهشة ثم أردف وهو يُحدق بـ الهرة التي تموء بين ذراعيه 

-كل الطرق تؤدي إلى المُتباينة عيناها… 

لعنتان..أصابته لعنتي الفيروز والعسل.. وليتك لم تُقابلها فقد لُعنت بها

زفر يزن بـ تعب ثم إحتضن الهرة إلى صدرهِ وهمس 

-تعالي نشوف مين صاحبك… 

وحينما إلتفت فاجئه وجود شهاب فـ تراجع إلى الخلف مُجفلًا لهيئتهِ المزرية وعيناه اللتين تقدحان شرر ليتساءل يزن بـ تعجب مصدوم

-شهاب!.. بتعمل إيه هنا؟… 

لم يرد شهاب على الفور بل ظل يُحدق بـ يزن مُطولًا حتى نطق أخيراً بـ إبتسامة مقيتة

-لأ أبدًا وحشتني وجيت أشوفك… 

إقترب منه يزن بـ حذر ثم قال وهو يُحدق بـ عينيه الحمراوتين بـ عُمق

-أنت فيك حاجة!.. شكلك مش مظبوط… 

ربت شهاب على كتف يزن ثم قال بـ عبث وهو يجذبه ليسيرا بـ إتجاه البحر

-لأ أبدًا دا أنا حتى مبسوط جدًا وچيلان خلاص هتبقى بتاعتي… 

هوى قلب يزن بـ قوة وإستحالت ملامحه إلى أُخرى رُخامية صلبة ليقول بـعدها بـ صوتٍ جاف لا يحمل أي فرحة حقيقية

-بجد!.. مبروك
-تساءل شهاب بـ تعجب مُصطنع:ومالك بتقولها وكأن تحت ضرسك حبهان!... 

تنهد يزن بـ قوة ثم قال وهو يرسم إبتسامة جامدة على وجههِ الرُخامي

-مش تحت ضرسي حبهان ولا حاجة.. بس تعب شُغل طول اليوم
-إتسعت إبتسامة شهاب وقال:حيث كدا ظبطلنا سهرة نحتفل فيها على الإنجاز العظيم دا
-طيب… 

أبعد يزن يده صديقه ثم سار أمامه ليوقفه شهاب قائلًا وهو يغمزه بـ عبث

-من اللي فيها نسوان… 

حدق به يزن لعدة ثوان وكأنه لا يستوعب ما قيل حتى أرسل عقله إشارات لترجمة العبارة ثم تساءل بـ صوتٍ خفيض

-أنت بتتكلم جد!.. أنت عُمر ما كان ليك فـ الجو دا! 
-ضحك شهاب بـ جنون وقال:بودع حياة العزوبية… 

بداخل يزن شيئًا ما يُخبره أن هُناك خطبًا ما ولكنه لم يجد بدًا سوى مُجاراته حتى يفهم ما يحدث مع صديقه.. لذلك رفع كتفيه وقال بـ بساطة تخفي خلفها الكثير من القلق

-خلاص نسوان نسوان.. إحنا تحت أمر الباشا شهاب… 

حاوط شهاب كتف صديقه ثم سارا معًا ليقول بـ إبتسامة خبيثة لم يلمحها يزن

-أهو كدا تعجبني يا كازانوڤا 
-رد يزن وهو يُحدق به:أنت مش طبيعي النهاردة
-أجاب الآخر بـ حماس:بقولك مبسوط يا جدع.. يلا بس مدّ رجلك خلينا نلحق السهر من أوله… 

ربت يزن على فراء الهرة ثم قال وهو يتحرك أمامه

-إستناني على اليخت هروح مشوار سريع وأدبر الحفلة وأجيلك… 

أومأ شهاب وهو يلوح له ليُكمل يزن قبل أن يرحل

-متتحركش باليخت يا شهاب
-أشاح شهاب بـ يدهِ قائلًا:يا عم روح ومتتأخرش… 

حرك يزن رأسه بـ يأس ثم رحل وهو يضم الهرة إليه أكثر.. بينما تحولت ملامح شهاب إلى أُخرى شيطانية وعينان قاتمتين ليهتف بعدها بـ فحيح

-آسف يا صاحبي بس الغاية تُبرر الوسيلة… 

**************************************

قبض جاسر على قلادةِ إبنته بـ قوة ثم أكمل سيره بـ ممر المشفى حتى وصل إلى الغُرفة المنشود حينما أخبروه أسفل أنه تم نقله لغُرفة عادية بعد الإطمئنان على إستقرار حالتهِ

وصل إلى الغُرفة وكاد يضع يده على المقبض ويفتحه حينما فُتح من الداخل وظهر من خلف الباب سُفيان الذي إبتسم بـ تفاجئ وقال

-إزيك يا جاسر باشا!.. إيه أخبارك وأخبار صحتك!... 

ضيق جاسر عينيه وحدق بـ سُفيان مليًا الذي كان يحك خُصلاتهِ بـ توتر ثم قال بـ جمود 

-أنت ابن شريف! 
-ضحك سُفيان وقال:صح عرفت منين! 
-أجابه جاسر بـ تهكم:نفس سماجة أبوك ما شاء الله… 

ضم سُفيان شفتيه مانعًا نفسه من إلقاء تعليق مُناسب وهو يعلم أن جاسر الصياد سليط اللسان لا يهزمهُ أحد

دفعه جاسر من كتفهِ ثم قال بـ جمود 

-إوعى من وشي… 

إبتعد سُفيان ثم قال وهو يستدير مُحدقًا بـ جاسر 

-وأنا كمان مبسوط إني شوفتك يا جاسر باشا… 

نظر إليه جاسر بـ إزدراء ثم أغلق الباب بـ وجههِ ليقول سُفيان وهو يستدير راحلًا

-كان بيحب أبويا أوي شكله كدا… 

بينما بـ داخل إستدار جاسر لينظر إلى صُهيب والذي بـ دورهِ يُحدق به فـ سأله مُباشرةً

-ابن شريف تعرفه منين! 
-أجاب صُهيب بـ هدوء:أعرف أبوه من فترة… 

لم يهتم جاسر بل تحرك وجلس فوق المقعد مكان سُفيان ثم إتكئ على مرفقيهِ إلى رُكبتيهِ وقال بـ صلابة

-عارف عمك فين!... 

لم يكن سؤال بل كان تقرير بـ معرفتهِ بـ مكان تواجد سُليمان ليرد صُهيب بـذات الهدوء

-فـ السجن
-لم يتفاجئ جاسر بل قال:طب لما أنت عارف مقولتش ليه! 
-لأني لسه عارف حالًا… 

أومأ جاسر بـ. جمود ثم أكمل حديثه وهو  يتراجع إلى ظهر المقعد يضجع عليه بـ راحة

-أنا مسكت الـ***... 

نظر إليه صُهيب بـ تحفز ليقول جاسر دون تهتز له عضلة

-حق بنتي هجيبه منه.. أما حقك أنت حُر فيه مش همنعك
-أجاب صُهيب بـ قوة:وأنا مش هفرط فـ حقي
-مط جاسر شفتيه وقال:براحتك… 

لم يعطه جاسر فُرصة للرد بل فتح راحته و وضع بها قلادة إبنته لتتسع عيني صُهيب بـ دهشة ولكنه لم يسمح له بـ الحديث بل قال بـ هدوء دون أن ينظر إلى ملامح المشدوه أمامه

-أنت مسئول ترجع دي لصاحبتها 
-همس صُهيب بـ صدمة:أفهم من كدا إيه! 
-وأيضًا رد دون النظر إليه:اللي تحب تفهمه… 

نهض جاسر عن مقعدهِ ثم أخرج العُلبة الخاصة بـ صُهيب و وضعها جوار الفراش ثم قال وهو ينظر إليه هذه المرة وبـ عينين ذهبتين، قويتين و بـ نبرةٍ خرجت قاسية بعض الشئ ولكن في طياتها تحمل إمتنان إلتقطه صُهيب دون جهد

-أنا مديونلك.. ومش سهل إن جاسر الصياد يكون مديون لحد…

تعليقات



×