![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الخامس عشر بقلم إسراء على
الإرتباك و الخوف من مجهول كان يعلم جيدًا أنه آتيهْ قريبًا كان يجعل نبضاته تتسارع لأجلها، ترك ما يجب عليه فعله و لاحق ما يهمه، لم يكن ليعتقد أن ذلك الخوف اللعين سيتمكن منه بعد سنوات طويلة قضاها لا يهاب ما قد يخسره
ركض أرسلان و بحث بـ عينهِ لاهثًا عليها حتى وجدها تسير مُتخاذلة بـ ثيابٍ يعلم أنها إرتدتها على عجلٍ أو ربُما هي ثياب منزل لا ترقى للخروج من المنزلِ و لاحقها شاعرًا في كُل هرولة إليها أن روحه تُغادر و أن القادم يجب أن يظل مجهول فـ النهاية باتت واضحةً أمامه، لكنه لن يسمح أن يخسر معركة كانت بـ ساحةِ قتالهِ مُنذ البداية
أمسك ذراعيها و هدر بـ اسمها مُديرًا إياها لتلتقي نظراته بـ خاصتها و ليته لم يفعل
-سديم!!...
عيناها ليست بـ غاضبة أو ساخطة، بل حزينة و الأقسى أنها مخذولة، تلك كانت صاعقة ضربت جسده فـ أشعلت النيران دون وجود منفذ لإطفاءها، هُنا و عَلِمَ أن النهاية محسومة، رغم أنه بذل الكثير من الجُهدِ ليتجنبها
نظرت إليه سديم بـ جسد مُتشنج ينفر من لمسته التي لطالما تاقت لها و عيناها تبكيان بـ حسرةٍ دون أن تجد لها رادع، و السبب في ذلك لم يكن سوى مَنْ كان سبب شقاءها
آثرت الصمت و العتاب بـ نظراتها التي كانت كـ السهام القاتلة على الحديث بـ شيءٍ لن يجلب سوى الخراب لمأوى كان مُتهالك و هي فقط من أرادت تحصينه، لذلك أراد أرسلان الحديث و هو يقبض على ذراعيها بـ قوةٍ آلمتها حقًا و كأنه يُثبت زراعته لها في أرضهِ حتى و إن كانت قاحلة و قلة مياهها تعني هلاكها
-كُل دا مش حقيقي، اللي فـ دماغك مش صح…
إن كانت في وضعها الصحي الطبيعي لكانت صدقته و إرتمت بـ أحضانهِ كما تفعل هامسة بـ "أنا أثق بك" و لكن الثقة الواهية تُبنى على أرضٍ من الرمال لا تصُلح لوضع أساس، فـ كُلما بدأت بـ وضع أول حجر وجدت الرمال تبتلعه رافضة وجوده
ضحكت سديم بـ مرارة ملأتها السُخرية و أبعدت يده بـ نفورٍ عنها
-و من إمتى أرسلان الهاشمي بيبرر موقفه! متعودتش عليك كدا
-تبلدت تعابير وجهه و هو يقول:عشان تفهمي
-هدرت بـ صوتٍ جلب الأنظار لهما:مش عايزة أفهم، أنا خلاص تعبت و مع كل محاولة معاك كُنت بخسر، و بخسر معاها حتة من نفسي…
تراجعت خطوة إلى الخلف على إثر إقترب أرسلان إثنتين دون أن يُمسكها و هدر هو الآخر بـ صوتٍ ملأته القسوة كـ عادتهِ لن يرضخ
-و بعدين! إيه اللي جبرك السنين دي كُلها! ممشتيش ليه لما قولتلك إمشي!...
لم تُصدق قساوته و جبروته حتى و في ذلك المشهد السريالي القديم، فما كان منها سوى الضحك بـ يأسٍ، ثم هتفت و قلبها يتفتت إلى قطع و شظايا تنهش في صدرها بـ صوتٍ لن تُخرجه سوى جثةً هامدةً
-لأني حبيتك و مكنش ينفع أحب غيرك، لأني عرفتك و عرفت إني مش هكون غير معاك، لأني آآ…
لم تجد ما تقوله و ثباتها الواهي إنقشعت غمامته فـ أكملت و هي تُهدل ذراعيها و تضرب بهما فخذيها بلا حول أو قوة
-لأني غبية و فكرت إن حُبي هيغيرك، مكنتش أعرف إني زي الغريق إتعلق بـ قشاية ملهاش وجود، و لو كانت موجودة فـ أنت قطعتها…
أخفت وجهها خلف يديها غافلة من وجهٍ تكسرت ملامحه و حلت تعابير لم يتلبسها وجهه القاسي قبلًا، قبل أن تتنهد و تُبعد يديها ثم إستطردت بـ صوتٍ فَقَدَ لذة الحياة
-أنا كُنت جيالك أقول، إن مهما حصل هفضل أحبك و أثق فيك، لأنك ولا مرة أذتني و لا خذلتني، بس يظهر زي ما أنت قُلت أنا دكتورة و غبية…
ضمت سُترتها إلى صدرها و ألقت نظرة رفض أن يرضخ لفحواها فـ حرك رأسه نافيًا و أمسكها بـ قوةٍ أودع بها هوسه، ثم هسهس و عيناه تطل بـ سوداويها على جحيم ستنعم به إن فكرت في الرحيل
-مش هسمحلك أبدًا إنك تمشي، هسيبك فـ حالة واحدة بس…
رغم إرتجافها و خوفها الذي ظهر في جفلة جسدها إلا عينيها كانتا ميتتين و إستمعت بـ فتورٍ إلى حديثهِ الذي زاد قسوة مع قساوة ملامحهِ
-هيكون بـ موتي يا دكتورة، يا إما موتك أنتِ
-حاولت دفعه و هدرت:أنت مجنون…
إقترب هامسًا بـ أُذنها جاعلًا بدنها يرتعش لسببين الخوف و آخر آثرت الظن بـ أنها تجهله
-من زمان و أنتِ عارفة، و إختارتِ جنوني…
إبتعد ثم أمسك ذقنها بـ تملك دون قوة مُفرطة و همس بـ فحيح كان يُخيفها في الماضي و الآن أصبح يفعل بـ وطأةٍ أشد و أعنف
-يبقى تستحملي نتايج إختيارك يا دكتورة، لأن زي ما قولتلك مش هسمحلك أبدًا…
توسعت عيناها بـ قوةٍ حتى كادتا أن تخرجا من محجريها، و أبعدت وجهها عن مرمى نظراته المُميتة و همست بـ صوتٍ ذاهب
-مش هسمحلك أنت تخوفني و لا تتحكم بيا، روح لعروستك عيب تسيبها لوحدها
-جأر بـ صوتٍ كادت أن تسقط على إثرهِ:سديم!! متقوليش كلام مش هتقدري على عواقبه…
أمسك جسدها بـ قوةٍ و لكنها دفعته بـ أقوى ما تمتلك من عناد و هو تركها فقط لأنه يُريد ثم قالت بـ نبرةٍ حاسمة و إستدارت ترحل
-اللي تحملته معاك يخليني أستحمل أي نتايج…
إستدارت بـ ملامح أرهقها الحُزن و أكلها الخُذلان ثم أكملت بـ نبرةٍ خاوية كـ منزلٍ هجره قاطنيه
-حتى لو كانت النتايج دي، هي النهاية…
و بـ قسوةٍ أشد من قساوتهِ رحل بعدما لمح عبرة خذلتها و سقطت تُنعيها لفقدها ما كانت تتوق إليه و تسعى جاهدة لتحقيقه، تخاذلت ساقاه و أسقطته أرضًا و جلس على جانب الطريق و و أنبأته إرتجافة يده الغريبة عنه، أنه خسر
و هل هُناك خسارة توازي خسارته أمام عبراتها؟
لقد قُضي الأمر و عليه أن يسقط من علياءهِ الآن فـ الحرب على وشك النهاية و دارت دفة الفائز في هذه الحرب الذي ظن أنه يُمسك مقاليدها
*****
يقولون ليلة الزفاف هي ليلة تُتوج بها الفتاة كـ ملكةٍ إذًا لماذا تشعر و كأنها جارية تُساق إلى سُلطانها الطاغية؟ لما تشعر و كأن ثوب الزفاف ما هو إلا قيد يسحب الحياة منها تدريجيًا، لقد كانت ليلة يعلم جميع من بها أنها كارثية، و لكن يجب على الجميع الرقص و التظاهر بـ السعادةِ المُطلقة
لقد تُوجِتْ غُفران كـ جارية لأكثر الرجال حقارة و قسوة، و تركت قلبًا ملكومًا يُناظر تلك الأضواء المُبهرجة و الوليمة المُقامة و التي تضم علية القبائل و كان أحد المدعوين و لكن كيف يحضر عزاء قلبه و يُرثي حُبه الذي ضاع هباءًا!
النيران تُطلق في الهواء فـ تُصدر صوتًا مُخيف يعوي على إثرهِ الذئاب، فـ رحل دون أن يراها فـ هو يخشى أن تُحسم النهاية مُبكرًا دون أن يُعلن إستسلامه بعد
و تلك الأجواء تستمر حتى عقد القران و هُنا حان وقت لقاء عروسه، فـ حمحم و طرق الباب بـ قوةٍ ثم هدر عابد بـ صوتٍ جعل الصمت يُخيم على نسوة المنزل
-بريد أچلس مع عروسي…
إتشح النسوة بـ أوشحتهن و خرجن يركضن من أمامهِ حتى والدتها التي ربتت على ظهرها و قَبّلتها ثم همست
-ما بريد إتركك، لكن عادات الجبيلة شيء بيتقدس…
تماسكت غُفران و أومأت لوالدتها ثم رفعت بصرها إلى ذلك الذي طلَّ عليها بـ عباءةٍ بيضاء و زيه التقليدي الذي لا يليق سوى به، ذئب شرس بـ ملامحٍ أشدِ شراسةٍ و عنفوان، جعلها لولهة تُؤخذ بـ مشهدهِ قبل أن تستعيد رزانة عقلها و تسيح بوجهها عنه
ليقترب عابد و يقف أمامها ثم أمسك يدها بـ رقةٍ لا تليق مع قسوة قسماته إلا أنه أبعدت يدها سريعًا و تشنج جسدها، فـ زفر بـ نفاذِ صبرٍ و هدر بـ صوتٍ جهوري لن يسمعه الحاضرين بـ الخارج إلا أنه أصم مسامعها
-إسمعيني زين يا بنية الشيخ راغب، أنا كيف الطبيب اللي عشجج
-هتفت بـ شراسةٍ جعلت عينيها تقدحان شرر:بس عشجت قوت، و بتعمل كُل هذه الأشياء
-قاطع حديثها:إحذري حديثك يا صغيرة ، من اليوم أنتِ زوچتي…
صمت قليلًا و قرر التخلي عن قسوتهِ و صوته الجهوري، فـ وضع يده أسفل ذقنها و رفع رأسها ليُجبر قدحيها للنظر إليه ثم أكمل حديثه بـ صوتٍ أكثر هدوءًا
-يا بنية الشيخ راغب، بتركك تعتجدي "تفكري" اللي بتريديه، لكني رجال و هذا الزواج ماله علاجة بـ قوت
-إهتاجت غُفران و نهضت صارخة:بتكذب يا حقير…
هُنا و حُلِتْ قيود تماسكه لينهض هو الآخر مُمسكًا بـ يدها و هدر بـ صوتٍ أرعبها و جعلها تنكمش أمام صخامة جسده و ضراوة تعابيره القاحلة كـ تلك الصحراء
-بتبغي نحكي بـ لُغة البندر! يمكن بتفهمي كيف الطبيب ياللي بيعلمك!....
توسعت عيناها في دهشةٍ و نخر الخوف روحها لتستكين تمامًا و قد تمكن الرُعب من أوصالها، ليُكمل حديثه بـ نبرةٍ خشنة، قاسية كـ صخرة تتوسط الرمال الناعمة
-حلو، بالأساس بنسافر مصر و نتعامل بـ الأساس دا يا بنية الشيخ راغب
-همهمت بـ ملامحٍ مُتبلدة:إيش بتريد؟
-ضحك ساخرًا و همس بـ أُذنها:حدثيني كيف ما بتحدثي الطبيب…
حاولت الإبتعاد عنه و دفعه إلا أنه وضع يده حول خصرها و جذبها أكثر إلى جسده فـ تستشعر صلابة عضلاته التي تسحق طراوة جسدها و استطرد حديثه بـ تحذير مُخيف
-يا صغيرة، خلقي ضيق كيف شج الإبرة، و عشان كدا سايريني
-ضربت صدره باعدة إياه:إبعد
-قهقه عابد و قال:فهمتِ أخيرًا يا صغيرة…
قبض عابد على ذقنها مُجبرًا إياها على النظر إليه ثم حرك إبهامه على أحمر شفتيها حتى لطخ ما حول فمها ثم إقترب و أنفاسه الهادرة تلفح وجهها فـ تُشعله
-و لحد ما ملّ، و لاقي قوت وقتها بتركك…
حدقت به بـ صدمةٍ صعقتها فـ أومأ و أكمل بـ صوتٍ مُتخابث كـ أفعى و كأنه يزحف بـ بُطءٍ مُميت إلى عُش العصفور ليسرق بيضته
-و بتساعديني إجبارًا و إلا بوشي بيكِ، و ساعتها نشوف كيف الشيخ راغب راح يعاجبك، أو الجبيلة كلها إيش بتفكر فيكِ
-همهمت بـ صدمةٍ:كان هذا هدفك بالبداية!...
حدق مطولًا بـ قدحيها الثائر بـ غضبٍ مُثير ثم حرك إبهامه أكثر ليهبط إلى أسفل مُلوثًا ذقنها بـ أحمر الشفاه ثم ضغط على خصرها أكثر و هتف بـ نبرةٍ غامضة
-بيكون أحسن تفكري كدا…
غير مفهوم و كاذب، هُناك حقيقة يجب أن تُكشف ما أن تنقشع عباءة الستر، أبعد عابد يده عنها و تحرك إلى خارج الغُرفة ثم قال قبل أن يُغلق الباب
-إچهزي يا أميرة، راح يچي الفارس و بيهرب بكِ بالفرس الأبيض…
ألقى نظرة أخيرة لم تفهم فحواها و لكنه قبل أن يخرج أقدم على فعلٍ جعلها تستشيط غضبًا و خجلًا، إذ مسح أثر أحمر شفاهها في عباءته البيضاء هذا دليل لِما يُفكر فيه
ألقت بـ نفسها فوق الأريكة الأرضية و قضمت أظافرها ستخسر في معركةٍ لم تكن على أُهبة الإستعداد لها، و ما يُثير رُعبها حقًا هوسه بـ قوت الذي إندثر فجأة و ظهر فجأة أيضًا، و اليقين يُخبرها أنه يُعاني من خللٍ ما في رأسهِ
و الأقرب أنه تزوجها ليصل إلى قوت و هي الطريق الأمثل لجذبها له
*****
و في غفلة و تملك صريح و واضح أمام الجميع، أمسك عابد يد غُفران و أمر النسوة بـ إطلاق الزغاريد و النيران تُطلق من حولهن، بينما السامر يُنشد الغناء و الرجال ترقص و الأصوات تتعالى
كأنما يُساقون على مسرح و عليهم إبداء السعادة المُطلقة بـ إجبارٍ، ليس فقط خوفًا من عابد و لكن ذلك الشخص القوي و الذي أخذت هيمنته و سطوته تتسع و تُسيطر على العديد من القبائل فـ أصبح الآمر و الناهي، و أمره كان "ليسعد الجميع"
حاولت غُفران سحب يدها و لكنه أطبق عليها و أجبرها على النظر إلى الراقصون أمامها ثم دنى منها و همس بـ صوتٍ قوي رغم خفوت نبرته
-شاهدي يا صغيرة، كل هذا لأجلك، هذه ليلتك يا عروس
-نظرت إليه بـ تقزز و همست بـ صوتٍ سمعه جيدًا:حقير…
لم يغضب عابد و لكنه إبتسم فقط، ثم رفع يده ليصمت الجميع و هدر بـ صوتٍ عال
-الليلة إنتهت، راح أخذ عروسي…
و بـ كُلِ صلفٍ و تجبر، جذبها دون أن يدعها تودع أهلها أو حتى يُسلم هو عليهم، بل و كأنه إنتزع ما هو حقٌ له فقط، و أثناء سيره أوقفه قاسم و الذي على إثره تشنج فك عابد و لكن الآخر لم يأبه بل هتف بـ حبورٍ لم يبتلعه أيً منهما
-مُبارك يا عابد، مُبارك يا زوجة أخوي
-رد عابد بـ جمودٍ:الله يبارك فيك يا قاسم
-قهقه قاسم و قال:عچيب بتحدثني بالبندر!...
لم يرد عابد بل إندفع بـ جسدهِ يحجب عينا قاسم عن غُفران المُتشحة بـ وشاحها ثم هتف دون أن ينظر إليه
-بريد نرچع داري، لأجل عروسي يا قاسم
-ضاقت عيني قاسم و هتف مُتخابثًا:بنزورك و بنبارك عن جريب…
صر عابد على أسنانهِ و لم يرد بل جذب غُفران إليه و ذهب بها إلى سيارته و قبل أن يفتح بابها همس بـ سُخريةٍ
-كان بودي يكون فرسي، لكن بوكِ الشيخ راغب رفض…
ثم أشار بـ رأسهِ لتصعد السيارة فـ نظرت غُفران إليه شزرًا ثم صعدت دون أن تتحدث، ليُغلق عابد الباب و إلتف ليصعد و لكن قبل أن يفتح الباب وجد يدًا تمنعه فـ إستدار و وجد قاسم يقترب و يهمس بـ صوتٍ جمده أرضًا
-ياللي جلبك عشجها يا زينة الرجال، بالبندر…
إلتفت عابد إليه و ملامحهِ الخطيرة تلتحم مع شرارة عينه فـ جعلت منه مثال للبركان الثائر و لكن قاسم أكمل بـ عبارةٍ سحقته
-بتحتمي بـ الشيطان، دير بالك راح ياخذها…
ربت على كتفهِ و أكمل بـ سُخريةٍ شطرت عابد إلى نصفين مُشوهين
-و أنت بتاخذ شجيجتها و ما بتوصلها…
و إختفى كـ سراب قيّد صاحب الوهم في صخرةٍ ظن أنها ملجأ و لكنها لم تكن سوى فخ قاتل يُناسب أوهامه
*****
إستمعت لنصيحة سُمية أن تلتقيه بعد رفضها المُستمر للقاء و أن تتخذ خطوة ربُما من خلالها تستطيع الوصول إلى قرارٍ حكيم، و قررت الإذعان لأمر لا لطلب أرسلان بـ اللقاء و لكن هذه المرة بـ شروطها فـ أخذت زمام الأمور و طلبت لقاءه في الوقت المناسب لها و المكان المريح لها، لقد مضت ثلاث ليالٍ و عبراتها رفيقتها الوحيدة و حُزنها يُخيم على ملامحها فـ يجعلها ذابلة و السبب الرئيسي هو ذلك الجالس أمامها
و ها هي تجلس بعدما أمرها بـ كُلِ صلفٍ و روعنة أن تلتقيه و توقف تلك الـ "مهزلة" و إلا سيحدث ما لا يُحمد عُقباه، فـ سديم كانت تتدلل و ترفض اللقاء مرةً بعدما تُخبره بـ القدوم ثم تعتذر و تتركه جالسًا في إنتظارها لأكثر من مرة حتى فاض كيله و الحق أنها خافت حينما حادثها و هو يهدر بـ صوتٍ جعل عظامها ترتعد
-قسمًا بربي يا دكتورة إما بطلتِ العبط دا و إتعدلتِ لأكون موريكِ وشي القديم و هيكون أسوء مليون مرة…
تأبى الحديث و هو يُضني عليها بـ كلمةٍ واحدةٍ تستطيع من خلالها إلتماس عُذرٍ و لكنه يرفض بل يأبى الخنوع لها و إن كانت لمرةٍ واحدةٍ قد تحد تلك الخصومة و تعود لها الحياة التي سلبها أرسلان بـ صمتهِ الذي يؤكد ما سمعته حتى و إن كانت تثق به
رسالة تركها لها و قرأتها بـ ملامحٍ مصدومة جعلت الثقة تتهدم و لكنها أبت فـ أرسلان يستفزها فقط كان بعدها هجوم حاد منها أن تلتقي به و هذه المرة كان بـ طلبٍ منها و طلبها لم يكن سوى إراحةً لقلبها و روحها لتعلم من خلاله هل سيفعل فحوى الرسالة و الزواج من تلك الحرباء أم ستظل الملكة الوحيدة
الصمت الخانق كان يُحيط بهما من كُلِ جانبٍ، هي تنظر إليه بـ أعين شريرة تكاد تُطلق رصاصات حية تجعله يخر صريعًا، و هو يُقابل تلك النظراتِ بـ أُخرى هادئة، شديدة البرودة و كأنها تحمل شتاءًا لا ربيع له، و السُخرية تُحيط بها كـ قطراتِ ندى من حمضٍ حارقٍ
حتى فَصَلَ هذا الصمت صوت النادل و هو يقول بـ تهذيب
-تحبِ تشربِ إيه يا فندم!...
لم تُجب سديم بل ظلت نظراتها مُصّوبة تجاه أرسلان، فـ أجاب هو نِيابةً عنها قائلًا بـ سُخريةٍ مُعتادة
-هاتلها عصير، عشان تكبه فـ وشي…
تجمدت يد النادل عن التدوين و رفع حاجبه بـ تعجب، لتتخلى سديم عن صمتها لتهتف بـ حنقٍ
-لأ عايزة قهوة سُخنة أشوه بيها وشه…
كاد النادل أن يسُبهما لمُزاحهما السخيف و لكن تلك النيران المُشتعلة منها و الرياح الباردة التي تضربه منه، جعلاه يصمت و في حيرةٍ أردف بـ توتر و إبتسامةٍ مُتكلفةٍ
-طيب هستأذنكوا أسيبكوا شوية لما تفكروا فـ الأسلحة اللي هترشوها على بعض و أبقى آجي بعدين، بعد إذنكوا…
و تركهم النادل في الفوضى التي أحدثاها و ظلت سديم صامتة، ليتلاعب أرسلان بـ مفاتيحهِ و قال بـ هدوءٍ مُثير لـ الإستفزاز
-طلباني عشان أسمع جمال سكوتك، و لا وحشتك و جاية تشبعي عينك!
-هدرت بـ حدة:لا وحشتني و لا هتوحشني يا أرسلان، أنا جاية عشان نُحط حد للمهزلة اللي بينا و نتطلق…
توقفت يد أرسلان عن اللعب و نظر إليها نظرة جمدتها، قبل أن ترتخي معالم وجههِ و هتف بـ صوتٍ هازء
-أه تمام، طبعًا طبعًا…
رغم الرجفة التي سرت بـ جسدها من نظرتهِ إلا أنها صرخت حتى أنها جذبت الأنظار إليها
-أنا مبهزرش، معتش طايقة العيشة دي، مش كُل شوية ست جديدة كفاية اللي إتخرب قبل كدا
-هدر بـ صوتٍ هادئ و لكنه كان مُرعب:صوتك، صوتك ميعلاش…
صرت سديم على أسنانِها و لم تستطع قول المزيد، لقد ملت و تفتت أحلامها التي بنتها في مُخيلةٍ حمقاءٍ لفتاةٍ ساذجة، لقد تحملت معه قسوة و جفاء في السنواتِ الماضية حتى ظنت أنها أُنهكت و حان وقت الرحيل
قبضت سديم يدها و إبتلعت مرارة تُشبه مرارة العلقم ثم هتفت بـ صوتٍ ميت
-أنا مش قادرة أستحمل أكتر من كدا، كفاية عليا كدا
-هتف بـ برود:و المطلوب!...
آلمها قلبها لبرودةِ و قسوته حتى في تهديدها بـ الإنفصال عنه، حتى و إن كان يعلم أنها ليست صادقة فـ عليهِ أن يُظهر و لو قدرٍ قليلٍ من التمسك بها، و لكنها هزت رأسها لأعلى و أسفل ثم قالت بـ نبرةٍ لا تحمل الحياة
-عايزة حُريتي يا أرسلان، أنا بطالبك بيها دلوقتي…
ساد الصمت الثقيل بينهما و خشت أن تنظر إليه فـ تجد ملامح باردة و غير عابئة فـ يُصيب قلبها أكثر بـ الحُزن، إلا أنها رفعتها أخيرًا لتجد نظرته قاتمة و صوته يهتف بـ تبلد رهيب
-عرضتها عليكِ قبل كدا و موافقتيش، مش من حقك تُطلبيها دلوقتي…
و قلبها الأحمق يخفق بـ قوة، إلا أن دلوًا باردًا سقط فوقها حينما أكمل فـ شحبت بـ قوةٍ
-بس لو عايزاها هتاخديها من غير ولادك
-ترقرقت عينيها بـ الحُزنِ و هتفت:يستحيل تكون إنسان، ليه بتعمل كدا!...
رغم أنها حُطِمت و بـ قوةٍ إلا أن بقايا سديم القديمة، تلك الغبية التي تهدف إلى إيذاء من آذاها هتفت بـ حدة رغم الحُزن الغالب بها
-أنا عملت إيه لقسوتك دي! أنا ربيت إبنك يا أرسلان اللي جبته من الحرام، من الرقاصة اللي كانت السبب فـ إني أموت مرتين! دلوقتي دا عقابي إني تقبلته!...
نظرته التي رماها بها كانت سوداء و كأنها جحيمٍ قاتل، نظرة كانت قادرة على إذابة عظامها و إن كان أرسلان يحمل القليل من اللُطف مُنذ لحظاتٍ فـ قد إختفى و حل محله قسوة لم تختبرها قبلًا حتى في بدايةِ زواجهما، كانت تعلم جيدًا كيف تؤذيه و أن هذا الرُكن من حياتهِ السابقة يكرهه، لم يكن موضعًا للحديث قبلًا لأنه كان خطًا أحمر غيرِ قابل لتخطيه و ها هي ترمي بـ نردها في منطقةٍ قد تعني نهايتهما
بعد ذلك الصمت الذي شعرت و كأنه يسحب أنفاسها و يجثم على صدرها هتف أرسلان بـ نبرةٍ شبيه بـ الموت، قاسية كـ صخرة قادرة على تحطيمك
-متراهنيش على مشاعري ليكِ يا سديم و لا تضمني وجودي، لأني هاجي فـ يوم و هغدر و ساعتها غدري مش هتقدري تستحمليه…
نهض مُلتقطًا مفاتيحه دون النظر إليها ثم ألقى بـ بضعِ ورقاتٍ نقدية هاتفًا بـ جمودٍ مُخيف
-أنا هسيبك تهدي يومين عند أبوكِ و بعدها لينا كلام تاني
-لترد بـ صوتٍ ذاهب يحمل الخوف و الألم:لا تاني و لا أول، كلامي مش هيتغير
-لم يهتم ليرد قبل أن يرحل:خلاص أنتِ حُرة، الباب يفوت جملين…
ثم تركها و رحل هكذا و كأنها لا تعني أي شيء، كـ حجرِ تعركل به ثم إلتقطه و ألقاه بعيدًا، حينها فقط بدأت تبكي، لماذا عليه أنه يكون بـ تلك القساوة؟ لماذا يجب عليها تحمل صخريته التي دهستها أول شخصٍ؟ و لماذا عليها أن تُحبه دون أن تحصل على المُقابل؟
و على الجانب الآخر
صعد أرسلان السيارة و جسه كُله ينتفض بـ قسوة، كانت تُحيط به هالة من النيران السوداء تبتلع حفنة من المشاعر الحمقاء التي يكنها، إتكأ إلى المقوّد و نظر إليها من الزُجاج الفاصل بينها و بين الشارع تبكي و النادل يُقدم لها مَحرمة ورقية، تلك الغبية و الحمقاء التي لا تعرف عن الجحيم الذي ينتظره، بل بـ الأحرى ينتظرهما
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم