رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل السادس عشر بقلم إسراء على
عن كُلِ صفعة يصفعها القدر
تكمن همسة تُخبرك ألا تنحني و إلا ستخسر
-يا بنتي اللي بتعمليه دا غلط…
هتف بها مُحرم بعد تنهيدة طويلة أخبرت سديم بـ مدى سأم والدها منها، فـ تبرمت قائلة و هي تضع الصغيرة جوارها بعدما غلبها النعاس
-يا بابا دا قراري و مش هرجع فيه، أنا تعبت…
ذم مُحرم شفتيه ثم ربت على الصغيرة التي تململت و نظر إليها بـ عاطفة إجتاحته و تذكر بها سديم، ليقول بعدها بـ نزق لكرهه الحقيقة
-رغم إني مبحبش جوزك و رافض أصلًا جوازك منه لحد دلوقتي، لكن يا سديم يا بنتي هو عمره ما هيكسرك كدا، ولا عمره هيتجوز عليكِ، بعد كل السنين دي مفهمتيش
-قالت من بين أسنانها:أنا سمعته بـ وداني…
حينها فَقَدَ مُحرم رابطة جأشه ليصفع كتفها بـ ظهرِ يدهِ فـ تأوهت سديم و أكمل دون أن يأبه لنظرتها المصعوقة
-يا متخلفة أنتِ، و هل هو إتجوز! ما هو لو سمعتيه و كان نيته مكنش بررلك زي ما قلتِ و لا إستنى الوقت دا كله عشان يتجوز، دا أنتِ غبية…
صمت قليلًا و ترك سديم تفرك مكان صفعته قبل أن يستطرد حديثه و يده الأخرى لا تزال تربت على الصغيرة النائمة
-كون إني أوصل لمرحلة إني أدافع عنه فـ جوزك برئ، يا بنتي أبوس إيدك بلاش وجع دماغ وات قلب
-تبرمت سديم قائلة بـ إستنكار:دلوقتي بقيت عبء عليك و بوجع دماغك
-يا شيخة حسبي الله ونعم الوكيل فـ الظالم و الغبي…
تركهما و تحرك بـ مقعدهِ قائلًا بـ نفاذِ صبرٍ
-أنا هخش أتخمد أحسن ما ترفعيلي الضغط، عنده حق مشوفتش أغبى منك
-الله!...
هتفت سديم بـ صدمةٍ و رفض لوالدها، و تركته يدخل في صمتٍ تام، هُناك في زاويةٍ ما من قلبها تؤكد أن أرسلان لن يُقِدم على فعلةٍ كـ تلك تعلم جيدًا أن بعدها ستكون النهاية و هو يرفض نهاية دونها، يرفض أي طريق لم تكون هي في إنتظاره
و لكن سديم ملت تلك الأوضاع، وضعت يدها أسفل وجنتها و نظرت إلى إبنتها التي قد تُشبه والدها ثم هتفت بـ همسٍ يائس
-بس أنا مليت يعاملني كأني هوا، غموض فـ غموض، رف تاني مليش مكان لثقته و حاجات بتحصل من ورايا مش عايزيني أعيشها معاه…
داعبت وجنتها المُمتلئة إمتلاء شهي ثم أكملت بـ قنوطٍ و الحُزن يكسو ملامحها
-أنا حاسة إتي بعافر على الفاضي، حاسة إني بحارب هوا لوحدي، ليه محسسني بعد كل اللي مريت بيه دا إني مستاهلش إنه يعاملني كشخص يثق فيه و يشاركه اللي بيمر بيه!...
سؤال و جال بـ خاطرها لم تستطع أن تسأله لنفسها لأنها لن تستطيع إجابته، فـ قررت أن تسأله فجأة، لتهب وافقة و إلتقطت هاتفها بعدما تأكدت من نوم فتاتها جيدًا و دخلت الشُرفة، ثم أجرت إتصالًا ليأتها الرد سريعًا
رغم توترها و عضها لأظافرها، إلا أنها حاولت الحفاظ على رابطة جأشها حينما سمعت صوته الخامل بل المُتعب يرد عليها، تنفست سديم و حاولت تهدئة ضربات قلبها ثم إندفعت تسأله بلا وعي
-هو أنا مش أهل للثقة بالنسبالك!...
سؤالها و عمَّ الصمت بعدها عدا صوت تنفسه الهادر، لتسأله من جديد و هي تتحرك بـ عصبية
-أرسلان أنا مستاهلش أعيش وجعك و أعيش وقتك الصعب، بعد كل دا مش عايزني أمسك إيدك!...
و الصمت من جديد كان ردها، لتتهدل ملامحها و آزرها كتفيها في الشعور بـ الخُذلان لصمته التام، لتهتف بـ يأسٍ و نبرتها تُقطر توسل
-متستكترش عليا الرد يا أرسلان، أنا بموت بجد، أول مرة أحس بضعفي كدا…
صوت تنفسه يزداد حدة فـ هبطت عبراتها مع إزدياد معدل تنفسه، تعلم أنه الآن يُعاني فـ قررت السير وراء إحساسها كـ أُنثى و همست تطرق الحديد و هو ساخن
-و مش عايزة يكون سبب ضعفي أنت…
و السكون القاتل كان الرد الأمثل على عبارتها و كأنها كانت لهيب خامد أسفل صخرة حاولت منع اللهيب من الخروج، و لكن تلك الصخرة تفتت فـ خرج اللهيب كأنه بركان، وجدت سديم نفسها تتهاوى فوق المقعد جوارها و اليأس قتل ما تبقى من روحها
بعدما طال السكون و فقدت الأمل في رده، همست سديم و الحزن أكل قلبها و تركه فُتات
-أنا معتش بروحي مكان يا أرسلان إني أشفع لسكوتك…
و أغلقت الهاتف و سقطت من بين يديها لتدخل في نوبة بُكاء عنيفة جعلت جسدها يرتج بـ قوةٍ و كأن صاعقة ضربته، صمته يزيد من عطب قلبها هي تُريد ألا يضني عليها بـ إجابةٍ تُزهر ربيع جديد بـ قلبها
نشجت و رفعت رُكبتيها إلى صدرها و وضعت رأسها عليها و أكملت بُكاء، حتى قاطعها صوت طرق عنيف جعلها تنتفض و كادت أن تسقط، ضرب قلبها عُنفًا و توترت لشدة الطرقات و عُنفها كاد أن يقتل أنفاسها
خرجت سُمية على صوت الطرقات و كذلك مُحرم و هو يصرخ بـ حدةٍ
-مين الحيوان اللي بره دا!...
إقترب مُحرم من الباب و هدر بـ صوتٍ قوي أجفل سديم نفسها
-مين أنت يا بني آدم؟
-سديييم!!!...
توقفت ضربات قلبها و شحب وجهها فجأة على وقع صوته الجهوري، تجمدت سديم في وقفتها و كأن جسدها أبى الإنصياع لعقلها كي تتقدم و تصفعه، لا تُصدق أنه و بـ كُلِ وقاحةٍ يأتي إلى هُنا و يُنادي بـ اسمها بـ طريقةٍ زلزلت كيانها
و في ظل شرودها و تفكيرها العميق، عاد صوت الطرق العنيف و صوته الذي زادت حدته
-إفتحي…
نظر مُحرم إلى سديم الشاردة ثم قال بـ صوتٍ هادئ و كأن الإعصار الهائج بـ الخارج لا يمط له بـ صلةٍ
-لو مش عايزاه، هطرده حالًا…
نظرت إلى والدها بـ تيهٍ و بدأ عقلها في ترجمة ما قاله والدها، لتشمخ رأسها و تصاعدت الدماء فـ قالت و هي تتحرك بـ قدمين ترتعشان رغم مُحاولتها الفاشلة في التظاهر بـ القوةِ
-لأ يا بابا أنا اللي هطرده…
لم تلمح سديم نظرة السخرية في عيني والدها، ليومئ ثم أشار لسُمية و قال بـ قوةٍ
-يلا يا سُمية إدخلي
-ترددت سُمية قائلة و هي تنظر إلى سديم:بس يا سي مُحـ
-هتف بلا تراجع:يلا…
أومأت و رمقت سديم بـ نظرةٍ أخيرةٍ ثم دخلت الغُرفة و أغلقت الباب، أخذت نفسًا قويًا و كبيرًا ملأت رئتيها ثم تقدمت و فتحت الباب و على وجهها علامات تُنذر بـ الشرِ و نبرةٍ ساخطة هتفت
-أنت إيـ…
لم يسمح لها أرسلان بـ إكمال حديثها، إذ مدَّ يديه و أمسك رأسها ثم قربها إليه و ألجم لسانها السليط بـ قُبلةٍ لم تكن قُبلة فقط، بل كان إجتياح لقلبها الذي هُزِمَ أمام حربه، و إحتياج لها و لروحها التي كانت سكنًا له، كانت شفتيه تبعث لها رسائل تُعاتبها و أُخرى تصك ملكيته عليها
قُبلة تتبعها أُخرى تتبعها ثالثة، هجوم مُباغت لم تستعد سديم جيدًا له، كان مُنهِكًا لأنفاسها و سارقًا لروحها، هدم صوامع قسوتها و كأنها ذابت كما حلوى القطن تمامًا
حاولت سديم دفعه و ضربه و لكن تلك الضربات الصغيرة تم التغلب عليها و هو يُقيد يديها خلف ظهرها مما سمح لها بـ جذب جسدها إليه و الشعور بها من جديد، حينها و فقط شعر أرسلان أن لا زال على قيد الحياة
إنسلخت شفتيه عنها لتهمس بـ شرٍ آبية أن تُظهر تبعثرها أمامه
-أنت مفكر إنك هتهزني كد…
و عاود هجومه الشرس عليها، مُخرسًا أي إعتراض هش قد تنطق به، و كُلما حاولت سديم التملص كُلما سحبها أرسلان أكثر إليه حتى باتت تشعر أنه قد وجد ضلعه الضائع و يُحاول بـ كُل ضراوة إعادته إلى مكانهِ بـ قدرِ ضراوته في تقبيلها
*****
كانت غُفران جالسة بـ غُرفتها الباردة بعد زفافها الكارثي من المُسمى بـ عابد، ترتدي زيها البدوي دون أن تسمح له بـ رؤية شق صغير منها، و هو لم يقترب منها بل تباعد و كأن هُناك ما يشغله، و أيضًا هُناك ما يشغلها، فـ في اليوم كانت تقف أمام نافذة غُرفتها تلمح سليم حبيب الروح و الجسد يقف أمام المنزل ينظر حوله بـ تيهٍ جعل قلبها يتمزق إربًا، تيه يجعلها تُريد عناقه و تبًا لزواجها و تبًا للجميع، لن يملكها غيره و لن يعشقها غيره ما دامت هي على قيدِ الحياةِ
فجأة دُفِعَ الباب فـ إنتفضت غُفران و إلتفتت شاهقة على صوت خطوات غاضبة تقترب منها، فـ حاولت الوقوف بـ شموخ و لكن الخوف الذي إجتاح أوصالها لمظهرهِ الذي يتراقص حوله الشياطين جمدها و جمد الدماء بـ عروقها
دب الرُعب أنحاء جسدها و هي تراه يقف أمامها لا يفصل بينهما شيئًا سوى وشاحها الذي يُخفي وجهها عنه، ليُمسك عابد ذراعها ثم هسهس بـ صوتٍ جعلها تُغلق عينيها خوفًا
-قوت! كنتِ بتعرفي إنها هي و أبوك متفجين "متفقين" إنها راح تتزوچ من هاذا ياللي اسمه أرسلان!...
فتحت غُفران عينيها فجأة و نظرت إليه بـ غرابةٍ ثم حاولت التخلص من براثنهِ و هدرت بـ صوتٍ لا تملكه أُنثى
-ما لك دخل يا عابد، قوت ما تجرب "تقرب" منها، ليش تزوچتني!
-سخر و قال:مانه "مش" عشج يا صغيرة، هاذا بسببك تورطنا…
قبض يده أكثر و إقتربت أنفاسه منها حتى أنها إخترقت الوشاح السميك ثم أكمل و صوته يزداد خطورة
-و الآن خبريني، كنتِ بتعرفي كُل هاذا؟
-ما لك دخل…
و بـ عنادٍ أكبر كـ البغال تمامًا تحدته غُفران و رفعت حاجبها تؤكد قوة موقفها و عدم تراجعها، فـ. ضحك عابد و مال بـ رأسهِ ثم هتف من بين أسنانهِ
-إسمعي يا غُفران، أنا لي دخل في كل شيء، و هلا بريد چواب مختصر
-صرخت:بكرهك، كلنا بنكرهك، و ما تفكر إني بسمحلك تجرب من قوت، ما رح أسمحلك عابد…
لم تعِ ما حدث إلا و هي تُلقى كـ الذبيحة فوق الفراش، فـ قد أطاح عابد بها مُقيدًا إياها، يديها فوق رأسها و جسده مُلقى فوق جسدها، ساقيها تُكافحان بلا فائدة فـ جسده قيدها جيدًا، إقترب عابد بـ وجههِ و همس بـ صوتٍ حقًا شعرت بـ لحمها يتمزق لحدتهِ القوية
-بحدثك بـ لغة بتفهميها غُفران..
يده الحُرة قبضت على ذقنها الرفيع المخفي بـ شدةٍ آلمتها و استطرد
-إنتبهي لنبرتك و حديثك معي، أنا ما الطبيب ياللي من البندر، أنا عرباوي، و سيد شباب الجبيلة…
كان تنفسها حاد و كذلك نظرتها ما أن أتى بـ حديثهِ عن سليم، و هو إنتبه لذلك فـ قست عيناه أكثر و باتت أكثر حدة، فـ دنى من أُذنها و هتف بـ نبرةٍ جعلتها تبتلع أنفاسها
-بحدثك بالبندر، إتقي شري يا بنية الشيخ راغب، الدم حامي و ممكن بقتلك و بقتله جدام الجميع، و أنتِ ما بتريدي لها الطبيب يخسر حياته
-حاولت التملص صارخة:إبعد، لا تجرب من سليم، أنا إتزوچتك حتى لا تجتله، و الله ما بتركك عابد…
و كأن البراكين الخامدة إشتعلت ما أن صرخت غُفران بـ عبارتها، فـ إبتعد عابد عن أُذنها و نظر إليها قابضًا على فكها يمنعها من الحديث و هسهس بـ نبرةٍ صلبة جعلت صدرها ينقبض
-لا تلعبي على وتر ما بتجدري "تقدري" على حدته، و إذا بتريدي بتشوفين كيف عواجب "عواقب" حديثك…
صعد صدرها و هبط من فرط خوفها و تشنجها، و في حركةٍ خاطفة لم تستعبها غُفران، سحب وشاح وجهها لتظهر ملامحها الفتيّة و الحادة ليُحدق بها عابد قليلًا بـ ملامح غير مقروءة ثم قال و عيناه تدور عليها
-وشاحك هذا إذا شفته مرة تانية على وچهك، بحرقه يا غُفراني
-رفعت رأسها هتفت بـ حدة:ما بسمحلك تشوف وچهي…
تدلى رأسه حتى تلامست نتوءات وجهيهما و همس مُستمتعًا بـ عينيها المكحلتين، الجميلتين المُتسعتين
-بشوفه و بشوف حاچات تانية…
لهجة مُمتزجة بـ لُغة القبيلة و لُغة المدينة و يفعلها الحقير عن قصد ثم و بـ يدهِ الذي أطاح بـ وشاحها تحركت على عباءتها و بدأ في إزاحتها ليظهر أجزاء من جسدها فـ صرخت غُفران بـ غضبٍ و شعور قذر بـ الإنتهاك و كأن ذلك الجاثم فوقها ليس بـ زوجها
-إبتعد، إبتعد يا حقير…
دنى عابد و همس في أُذنها ضاحكًا و التسلية تتسرب من بين حروفهِ
-حدثيني بالبندر يا بنية الشيخ راغب…
تلوى جسدها الصغير أسفله و حاولت الهرب و لكنها لم تستطع، بل كانت مُجرد هباء منثور أمام قوته البدنية المُخيفة، ليضحك أكثر و بدأت يده تتلمس بشرتها فـ صرخت غُفران بـ إشمئزاز و شعور بالنفور يتحول إلى غثيان
-لا تقرب، لا تلمسني
-وضع أنفه في عُنقها و همس:أنتِ زوچتي…
ضربته رائحتها الجميلة و لم يكن يظن أن رائحتها ستكون مغوية، لم تجذبه رائحة قبل مثل ما جذبته رائحة قوت، أما الآن هو يقف أمام الغواية بـ حد ذاتها، ثم رفع رأسه التي ضربتها الثمالة و هتف ينظر إلى عينيها الدامعتين
-لا تستفزيني يا بنيّتي و إلا بثبت إني زوچك، و چسدك هذا حجي و ملكي…
ضربته الغرابة و غزى عقله التعجب مما تفوه به و لكن لا مجال للتراجع، و أثناء تساقط عبراتها المُمتزجة بـ كحلها الأسود مسحه بـ إصبعهِ و هتف قبل أن ينهض عنها
-بكرة بنسافر مصر، تچهزي…
ثم تركها و خرج من الغرفة، يتركها تنهض عن الفراش و تُلملم عباءتها المفتوحة و حاولت التحرك للنافذة حيث موعد قدوم سليم و لكنها لم تستطع فـ سقطت أرضًا و غلبها البُكاء رثاءًا لحالتها
و عجبًا لعشق تحولت خيوطه الحريرية إلى ألسنة نيران تحرق كل من لا يقترب إليها و يجعلها هي تدفع ثمن خطيئة لم ترتكبها
*****
في غُرفتها
جلست سديم تنظر بـ أعين حارقة إلى ذلك الجالس دون إن ينطق، بعدما سحبته سديم إلى الغُرفة حتى لا يراهما أحد في ذلك الوضع المُخل، جلس صامتًا و كأنه أسد حصل على وجبةٍ دسمة أصابته بـ التُخمة فـ جعلته مُسترخي
يجلس أمامها الآن بـ إسترخاء قادر على إثارة الغضب و مراجلها قد بدأت تشتعل، نهضت سديم و هي تنفخ بـ حنق حتى كادت النيران أن تخرج من فمها، فـ سخر قائلًا
-براحة على نفسك، شوية و عروقك هتنفجر
-و لك عين تهزر يا بجح!...
ثم ألقت الوسادة بـ وجههِ و لكنه أمسك بها و وضعها فوق ساقيه، صرخت سديم بـ صوتٍ مكتوم و شدت خُصلاتهِا ثم سألت
-جاي ليه!
-إجابة من كلمةٍ واحدة و بسيطة:جايلك…
توقفت يد سديم عن تمسيد شعرها و استدارت إليه ناظرة إليه بـ عدم فهم، ثم سألته بـ صوتٍ ذاهب
-ليه!...
إلتوى فمه بـ شبه إبتسامةٍ ساخرة ثم قال بـ نبرةٍ تحولت إلى واحدة سوداء
-سؤال ملوش إجابة…
حركت رأسها يأسًا و تقدمت سديم منه ثم هتفت بـ نبرةٍ مُتعبة و كأنها فقدت قوتها الخائرة من الأساس
-نفسي مرة أسمعك، نفسي مرة ألاقي إجابة على كل سؤال بسأله
-أنتِ اللي غبية مش عايزة تفهمي…
قالها بـ زمجرة فـ إنتفضت سديم صارخة، مُعلنة تمردها و رفضها الخنوع الدائم لسُخريته
-و لإمتى هفضل أفهم لوحدي! أنا عايزة أسمعك و لو لمرة واحدة بس…
تحولت نبرتها في الثانية التالية لتوسل و هي تقول بـ صوتٍ تستعطفه به
-عشان خاطري، بلاش تخسرني…
إشتعلت جمرتيه بـ سواد أخافها لشدة عُنفها و ظلامها الذي لطالما إبتلعها ثم هدر بـ صوتٍ لم يتعدَ الهمس و لكنه صمَّ أُذنيها
-و سبق قولتلك خسارتي ليكِ هتبقى بـ موتي يا دكتورة…
نهض أرسلان فـ تراجعت سديم، إلا أنه لم يتوقف بل حاصرها و أخرج مُسدسه و وضعه بـ يدها فـ شهقت سديم بـ خوفٍ و رهبةٍ إلا أنه وضع يده على يدها و همس بـ فحيح
-لو عايزة أخسرك، قدامك الحل اللي فـ إيدك دا
-صرخت سديم:أنت مجنون…
تخلصت مما بـ يدها و دفعته صارخة بـ عُنف تعدى حدود إداركها لمدى سخافة و جبروت طلبه
-معتش عندي طاقة أستحمل جنونك و لا عقدك ولا قسوتك و جبروتك…
ظلت تدفع كتفيه و هو كـ الصخر ثابت لا يتزحزح، و صوت صرخاتها تعلو
-حقيقي خايفة إني أكرهك، كفاية لحد كدا…
سقطت جالسة خلفها فوق المقعد و بكت بـ قوةٍ ثم قالت و جسدها يهتز بـ توسل تسأله الخلاص
-طاقتي خُلصت و حُبي لوحده معتش كافي يكون دافع إني أكمل، و لا بقى قادر يستحمل، الجدار اللي بنيته زمان يا أرسلان كان من صخر فـ مش هيتهد بـ سهولة، و أنا معنديش القوة إني أهده و أنت واقف مستنيني…
رفعت سديم وجهها و رأت وجهه يُظلم و هو يُحدق في وجهها الباكي دون أن يتحدث، و لكن هتفت هي بما شعر بعدها أن أُذنيه تُصفر
-طلقني يا أرسلان…
الأعاصير المُدمرة قد تكون الوصف المُلائم لأنفاسه التي تصاعدت و تضرب وجهها، حدقتا عينيه كانت تشتعل بـ نيران سوداء مصدرها الجحيم، و بروز عروقه المُرعبة تُنبئ عن إندفاع ناري للدماء، و صوتٍ كان أكثر من مُرعب هتف
-على جُثتي
-ضحكت و قالت:يبقى هخلعك…
و كأن مشاعرها تبلدت حتى خوفها منه تبلد أمام قساوته، لترفع سديم كتفيها قائلة بـ هدوءٍ تبدو كـ إمرأة بلغت نهاية المطاف لتجده بئر أجوف تعوي ذئاب ضارية به
-أنت وصلتني لنهاية ملهاش رجعة أبدًا، و أنا خلاص معتش حاسة إني هستحمل، حاسة إني هموت لو كملت…
أمسك ذراعيها و ضغط عليهما بـ قوةٍ كادت أن تُحطم عظامها و هدر بـ نبرةٍ جهوري
-قولتلك مش هتجوزها، كل اللي سمعتيه دا ملوش أساس
-أغمضت سديم عينيها و قالت بـ خفوتٍ:عارفة…
لم يتوقع أرسلان إجابتها السهلة و فاجئته أكثر و هي تُكمل بـ صوتٍ فَقَدَ الحياة
-مشكلتك إنك فاهم غلط، مشكلتي مش إنك هتتجوز، مشكلتي إنك يا أرسلان قاسي و غامض و سكوتك دا كان أكبر سبب لـ اللي إحنا وصلناله دا…
إبتسمت سديم و ليتها لم تبتسم، كانت إبتسامة فارغة، لسعته فـ ترك يدها وتراجع خطوة، لتستطرد
-لوم نفسك متلومنيش، أنا تعبت حقيقي و خسرت يا أرسلان أكتر ما كسبت، و إكتشفت إني مينفعش أكمل لأني هخسرك لو كملت و أنت هتخسرني…
هبطت عبرة منها و إبتسامتها تزداد إتساعًا و معها يزداد الفراغ و أكملت تحت أنظاره التي أصابت جسدها بـ رجفةٍ
-إكتشفت إن حُبك مكنش مكسب…
تدلى رأسها و هو يبدو أن خسارته ستكون فادحة، هتفت دون أن تنظر له و لكن صوتها الذي تشقق و تصدعت روحه المفعمة
-إخسرني دلوقتي بدل ما تخسرني قدام، عشان خاطري إديني الخلاص، حُبك بالنسبالي بـ حبل بيخنقي و بيسحب الروح مني…
أجهشت سديم بـ البُكاء و صرخت تضرب صدرها بـ قوةٍ ثم قالت من بين بُكاءها و هو يقف أمام كـ تمثال حجري فاقدًا للحياةِ
-أنا بموت خلاص، إرحمني عشان خاطري، لو بتحبني إرحمني، خلاص معتش فيا روح بسببك…
ذلك التمثال الفاقد لأبسط معاني الحياة، وقف بـ جبروتٍ أمامها ثم هدر بـ كُلِ قسوةٍ رغم أن نبرته كانت خافتة و لكن هديرها كان قابضًا للروح قبل أن يرحل
-لو حياتك معايا معناها الموت، فـ أنا هموتك معايا و مش هسمحلك تعيشي…
و رحل و للغرابة أنه لم يُخلف وراءه خواء و لم تشعر بـ الفراغ فـ الحقيقة أن سديم حقًا ماتت و السكين كان عشقه لها
*****
بعد مرور عشرة أيام
بعد رحيله من منزلها ذاك اليوم، كان أرسلان يتردد على منزل والدها يوميًا، يُراقبها بلا هوادة أو كلل علها تُنفذ تهديدها حقًا و تخلعه، و لكنها حقًا كانت أضعف من ذلك، كانت أجبن مما قد تُقدم عليه، لذلك أرخى دفاعاته تجاهها
و لكن اليوم و حين بعث رقم مجهول صورتها بـ منزلهِ المشؤوم و هي مُقيدة شعر أن الحياة تنحسر و تقف على حافة هاوية مكونة من شظايا زُجاج، حينها فقط شعر أرسلان و أن سديم ستتركه حقًا و سيخسرها للأبد
"الساعة تلاتة العصر تكون موجود عندي و إلا ودعها"
الغباء أن تُحب و تضع قلبك رهنًا لذلك العشق، فـ تجد نفسك ضعيفًا تاركًا نقاط ضعفك واضحة ليضربك خصمك بها، تُرخي دفاعاتك و تخسر، ليته لم يُحبها قط
لم يكن هو أرسلان الهاشمي ذلك الشيطان الذي حصل على إنتقامهٍ سابقًا بـ أكثر الطرق إرضاءًا لروحهِ المُتعطشة للدماء و الآن يستطيع القول أن أرسلان الهاشمي في أضعف حالاته
ضرب المقود و هو يلعن غباءه مُتناسيًا ذلك الحقير الذي يُفسد صفو حياته و إنحسر تفكيره فقط فيها و كيف ألا يخسرها، كان يقود مُسابقًا الرياح و هاتفه يصدح فـ أجاب صارخًا
-أنت فين!
-أجاب قُصي بـ صوتٍ جهوري:أنا فـ الطريق، أرسلان أنا جايلك متتهورش هنقبض عليه خلاص
-مش هتاخده حي…
كان صوته أسود و ظلامه الدامس يجعل تهديده أكثر إخافة، ليهدر قُصي
-فكر فـ سديم…
أخرج أرسلان زئيرًا ثم ألقى بـ الهاتف دون أن يرد، حتى توقفت السيارة ليرتجل منها و ركض المسافة التي لم تستطع السيارة التغلب عليها
كان يركض بلا هوادة عله يستطيع الوصول إليها في الوقتِ المناسب، لأول مرة يشعر أن عقله فارغ، و كأن أصابه الشلل، إما يخسرها هي أو يخسر روحها و في كِلتا الحالتين تعد خسارة فادحة كبيرة له
وصل إلى المنزل و هو آخر مكان قد يريد التواجد فيه، ذلك المنزل الذي بدأ فيه كابوسه حتى و إن كانت النيران أكلت الحوائط إلا أن أثار الحادث لا تزال حية، مُشتعلة بـ قلبهِ
الآن الزمن يُعيد نفسه و لكن جراحه ستكون من نصيبها، و النيران ستطاله و تكون هي الضحية، توقف أرسلان أمام المنزل ثم دفع الباب المهترئ و الصرير يصم أُذنيه، و أول ما وقعت عليه عيناه كان هي
-أرسلان!...
همسة ربما لم تخرج بصوتٍ و لكن كان لها وقع قاتل على قلبهِ، تجمد أرسلان في وقفته و هو يراها جالسة، مقيدة بـ مقعد متهالك و البُكاء تارك أثر لاهب على روحهِ قبل وجنتيها
-تعالى إتفضل، دا بيتك فعلًا يا أرسلان باشا…
تقدم و فتح الباب على مصرعيهِ و وقف أمام أرسلان ثم همس بـ فحيح جعل الآخر ينظر إليه بـ أعين بركانية
-هي هتعيش الماضي بدالك…
لم يرد أرسلان بل تحولت نظراته إليها و سألها بـ صوتٍ قاتم
-أنتِ كويسة!...
حركت رأسها نفيًا و نظرت إلى أحد الأركان، لينظر هو إلى مكان نظرها لتزداد قتامة عيناه و قد فهم أرسلان خطته الدنيئة، لينظر إليه بـ أعين نارية قادرة على إذابة العظام و هدر بـ صوتٍ حاد قادر على شطره إلى نصفين
-و ديني و ما أعبد هتتمنى إني أرحمك بـ الموت
-قهقه الآخر و قال:لما نشوف الأول هنخرج من هنا إزاي…
أشار لعدة رجال، فـ خرجوا جميعًا و أمسك إثنين بـ أرسلان دون أن يُقاوم و أخر أخرج مُحرم من تلك النُقطة، لتصرخ سديم قائلة
-و النبي بلاش عشان خاطري هو ملوش ذنب، إقتلني و سيبه
-متستعجليش…
إقترب منها و أخرج مُسدس ثم حلّ قيودها أمام أرسلان الذي يُتابع المشهد بـ ثباتٍ يعي داخله أنها لن تخرج من هُنا سديم التي أحبها، لن تخرج حقًا على قيدِ الحياةِ، أنهضها و وقف ينظر بينهما و قال هامسًا بـ خُبثٍ
-و عشان غلاوتك الكبيرة عنده، هسيب ليكِ حق الإختيار
قام بـ وضع السلاح بـ يدها ثم تحرك ليقف خلفها و همس في أُذنها
-يلا إختاري، الموت هُنا هو نجاتك…
كان سديم مُخفضة رأسها و خُصلاتهِا مُتناثرة تحجب عن الجميع بُكاءها الصامت، حتى خرج صوته هادرًا
-إرفعِ راسك…
نبرته أجبرتها على رفع رأسها و النظر إليه، كانت ضعيفة و مُشتتة و الثواني التي تمر كما لو أنها نصلٍ حاد ينحر جسدها بـ خُبثٍ، و زرقاويها مُقابل سوداويه التي تخترقها جعلت من جسدها يرتجف مما هو مُقبِل
أبعد ذلك الحقير خُصلاتهِا و همس مُجددًا بـ إبتسامة مقيتة و عيناه تُحدقان بـ أرسلان الواقف بـ ملامح قاتمة و كأنها تُمثل الجحيم
-وريه شطارتك يا دكتورة سديم…
أمسك يديها و جعلها تقبض على المُسدس ثم إتسعت إبتسامته و كأنه مُصاب بـ الجنون و أكمل
-إختيارك هيحدد مين اللي هيعيش…
كتمت أنين مُدوي و فجأة أمسكت المُسدس و قامت بـ توجيهه لأرسلان الذي لم يرف له جفن و لم يجفل بل حدق بها بـ نظرتهِ التي لم تتغير بـ قتامتها و قساوتها، و حينها إنفجرت باكية ثم قالت صارخة
-أنا آسفة، أنا آسفة…
عم الصمت و كان خانقًا، مُخيفًا و لكنه قطعه أرسلان بـ صوتٍ هادئ و كأن ما يحدث ليس له تأثيرًا بـه
-متعيطيش، لما تكونِ بتوجهي مُسدسك لحد متعيطيش عشان متغلطيش…
و الآخر إنبعثت منه ضحكاتٍ تقشعر لها الأبدان ثم قال بـ نبرةٍ مجنونة، تستمع بِمَا يحدُث الآن
-عملتها إزاي تمسك سلاح و أول حد رفعته عليه، كان أنت…
و هل من المُفترض أن يجفل أرسلان أو يشعر بـ الحُزن؟ كلا، فقط ملامحه تزداد قتامة كـ جحيم مُستعر يستعد لإبتلاع الجميع دون هوادة و جُلَ ما يهتم به، هي
جسدها المُترجف سَكَنَ فجأة و تهدلت ذراعها فـ عقد حاجبه بـ تعجب، بينما أردفت سديم بـ تمتمة شبه مفهومة
-مش هو أول واحد رفعته عليه…
تلك الغبية، العقدة الطفيفة التي ظهرت على جبينهِ أنبأت ذلك الواقف خلفها أن تلك الفتاة لن تقوم بـ المُهمة المطلوبة فـ هتف و هو يأخذ المُسدس من يدها مُتنهدًا
-إجابة غلط…
رفع المُسدس في إتجاه عشوائي و لم يسمح لأحد بـ التفكير قائلًا بـ نبرةٍ وحشية
-هنا الإختيار إجباري و لازم حد يموت عشان الباقي يعيش…
و من كان عليه أن يموت لأجل البقية، الأحبِ إلى قبلها