رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل السابع عشر 17 بقلم ساره على


  رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل السابع عشر  بقلم ساره على 


و لكني لم أُرد لتلك الحياة أن تصل إلى نهايتها 
لم أستطع النجاةِ بها بل سحبتها إلى الهاوية معي
فـ لم أجنِ من عشقها سوى عذاب أبدي
و إنتهى الطريق بـ ترك اليد التي أتت و أجْلت ظلامي

"عودة إلى وقتٍ سابق" 

بعد رحيل أرسلان مُنذ أيامٍ و ذلك الثقل الذي أحاط بها و بـ قلبها وجدت نفسها غير قادرة على البُكاء و رثاء حالتها، تُنعي ذلك القلب الذي حاول مرارًا و تكرارًا التمسك بـ تلك القشة المُسماه لـ الحُبِ و إلتماس ما تبقى له داخل روحها و لكن كُل ما وجدته سديم كانت القساوة و الصمت القاتل، الصمت الذي قتل حياتهما معًا ولا يلومن سوى نفسه 

تنهدت سديم و جلست فوق الفراش قبل أن يأتي أرسلان يفتح الباب و يسألها دون أن يدخل 

-بابا فين!... 

حدقت به سديم لثوانٍ، يُشبه أرسلان الهاشمي شبه يُشعرها بـ الخوفِ أن يُشبه والده حتى في قساوته، خافت أن تعيش غيرها ما عاشته و تصل إلى مرحلة الندم كما فعلت هي، رغم أنها وجدت صعوبة في تقبُل ذلك الصغير يومًا ما و لكنها وجدت نفسها تُحبه رُغمًا عن أنفها

أغمضت سديم عينيها ثم فتحتهما و إرتسمت إبتسامة شاقة على وجهها تُحاول رمي الجمرات المُشتعلة في قلبها بـ بئرٍ تود ألا يكون جافًا ثم مدت يدها له و قالت بـ نبرةٍ حنونة 

-تعالى يا أرسلان… 

تقدم الصغير منها على تردد و من خلفهِ وجدت مؤمن يتبعه فـ ضحكت أكثر و عانقتهما ما أن وقفا أمامها ثم هتفت تودع جبين كُلًا منهم قُبلة 

-بابا عنده شغل فـ مش عارف يشوفكوا، هو بيجي كُل يوم و أنتوا نايمين و يمشي تاني عشان شغله
-ليرد أرسلان بـ غمغمة طفولية:بس عمره ما عمل معانا كدا… 

كتمت سديم أنين كادت أن يخرج مُحملًا بـ مشاعرها السلبية ثم قالت بـ الإبتسامةِ ذاتها 

-المرادي غصب عنه، بس هكلمه يجي يشوفكوا النهاردة و يلعب معاكوا
-وعد يا ماما!... 

سأل مؤمن فـ أجابت مُبتسمة و هي تُداعب خُصلاته المتموجة الناعمة 

-وعد يا روح ماما، يلا خلصوا واجباتكوا و هنروح النهاردة ناكل آيس كريم و آ
-قاطعها أرسلان بـ حماسٍ:مع بابا… 

صمتت سديم و ضمت شتفيها و أرادت النفي، و لكن أمام حماس الصغيرين لم تستطع سوى قول بـ خنوعٍ

-مع بابا… 

تهللت أسارير الطفلين ثم قَبّلا سديم و رحلا يزفان الخبر لجديهما، الذي جاء بعد قليل و دون أن يدلف الغُرفة سألها بـ صوتٍ جامد يعرف جيدًا إجابتها 

-هتقدري توفي بـ وعدك لولادك!... 

كتمت سديم شهقة شعرت و إن خرجت ستخرج معها روحها ثم قالت بـ نبرةٍ تُقطر أسى و حقد

-عشانهم هعمل أي حاجة، لكن أرسلان معتش ليه مكان فـ حياتي
-سخر مُحرم قائلًا:الكلمة دي بسمعها ديمًا بس عمرك ما أخدتِ الخطوة دي، و لا حسمتي قرارك
-هتفت بـ قوةٍ تكبح جماح غضبها:المرادي غير كُل مرة، هو خلا السكوت حياته فـ يكملها سكوت مع نفسه… 

أخرج مُحرم زفرة حارة ثم تقدم منها و ربت على رُكبتها و قال بـ نبرةٍ هادئة تحمل حنان أبوي لم تستطع إلا أن تتأثر به

-يا سديم يا بنتي أنا ربنا نجاني من الموت بـ أعجوبة و عشت عاجز بس كُنت راضي طالما أنا شايفك و ربيتك مسبتكيش لوحدك، و أنا مش عارف فـ عمري فاضل أد إيه و مش عايز أمشي و أنا قلقان عليكِ
-بعد الشر عنك يا بابا إيه اللي بتقوله دا! 
-قهقه مُحرم و قال:الموت مش شر، الموت حقيقة واضحة فـ حياتنا بس بتخوف و مش عارف أنت مستعد تموت و تواجه ربك و لا عندك عشم فـ رحمة ربنا… 

رفع مُحرم يده و ربت على وجنتها ثم استطرد حديثه 

-بعيدلك للمرة المليون هو بيحبك، يمكن طريقة حُبه غريبة و صعبة بس عُمري ما شوفت حُب كدا، أه ميمنعش إنه محتاج قرصة ودن كبيرة عشان يتعلم بس فكري برضو فـ ولادك لأنهم متأثرين بيكو
-إبتسمت سديم تُطمئن والدها و قالت:حاضر يا بابا… 

إبتعد مُحرم و هو يضع قُبلة على جبينها ثم قال مازحًا

-إنزلي هاتي شوية طلبات و إتحركِ تشمي هوا شوية، زمانك عفنتِ من القعدة… 

نظرت إليه سديم بـ أعين غاضبة ليضحك مُحرم قائلًا بـ مُزاح 

-يا مامي إلحقوني خايف… 

ثم خرج لتضحك سديم، ربُما سابقًا لم تكن علاقتها متوطدة تمامًا مع والدها و لكن لا ينفي حُبها الشديد له، بعد تلك الحادثة المُريعة زاد خوفها عن الحد و زاد حُبها الصامت له دون أن تعترف، و ربُما هذا هو العقاب العادل الذي تستحقه 

*****

إرتدت سديم ثيابها و خرجت من الغُرفة تُنادي سُمية و هي تضع مُقبلات موضوعة فوق الطاولة في فمها 

-سُمية هاتِ ورقة الطلبات عشان أنا بنسى
-أتاها صوت سُمية من المطبخ:حاضر يا ست سديم… 

مرت لحظات و أتت سُمية مُهرولة تُعطيها الورقة ثم قالت 

-دي الورقة أهي و كتبتلك البدايل عشان لو ملقتيش حاجة من دول
-تصدقي بالله! أنتِ ست بيت شاطرة، هتعلم منك 
-ربتت على كتفها و قالت:ربنا يسعدك يا ست سديم و يديم فـ بيتك الود و السعادة، متقلقيش هترجعوا تاني… 

حاولت سديم الإبتسام و حاولت إخضاع قلبها ليُصدق هذا الهُراء و لكنها لم تستطع، أبى عقلها أن يخدعها، فـ أومأت دون رد و أخذت الورقة ثم إنصرفت مودعة أطفالها

بعد ساعتين

عادت سديم إلى المنزل و هي تحمل المشتروات ثم فتحت الباب و وضعتها بـ الداخل قائلة دون أن تنظر أمامها 

-إيه كُل دا يا سُمية! دا أنا كُنت فـ نعمة… 

نزعت سديم سُترتها و ما أن رفعت و تحركت من الممر المؤدي إلى الصالة حتى خرجت صرخة منها، لم تُكتب لها النهاية، إذ وضع أحدهم يدها على فمها و همس بـ خُبثٍ 

-صوتك ولا عايزة الولاد يحسوا بـ اللي بيحصل!!... 

أخرجت سديم صرخات مكتومة و هي ترى والدها مكدوم الوجه، مُلقى أرضًا و بـ جانبه سُمية فاقدة الوعي، عاد يهمس و هو يُشدد يده حول خصرها يمنعها من الحركة 

-لسه عايشين لحد دلوقتي متخافيش… 

دب الرعب أنحاء جسدها و شحب وجهها إلى حدٍ شابه الموتى و حاولت من جديد التملص من يدهِ و لكنها لم تستطع، فٓ دنى و هتف بـ تحذيرٍ جعل حركاتها تسكن رغُما عنها 

-لو سمعت نفسك بس هقتل حد من عيالك قبل ما نمشي من هنا… 

حركت سديم رأسها بـ نفي بـ معنى ألا يفعل فـ سكنت و هدأت باكية، ليضع قُبلة خلف أُذنها لتشمئز ملامحها ثم قال بـ نبرةٍ أثارت غثيانها

-شاطرة يا دكتورة، طلعتِ بتحبي عيالك… 

دفعها بـ قوة لتسقط أرضًا أمامه ثم جثى و سديم تُحاول التراجع و الوصول إلى والدها إلا أن يده التي أمسكت ساقها و جذبتها إليه مُجددًا حالت دون ذلك، و بـ يدهِ الأُخرى ملس على شعرها فـ حاولت الإبتعاد ليُقهقه قائلًا دون أن تتراجع يده

-مكنتش متخيل إني هدخل بـ السهولة دي و إنه مش مأمنك كويس، شكلكوا معتش ليكوا أهمية عنده… 

أدارت رأسها لترى والدها فـ قبض على ذقنها و أدار وجهها إليه و قال غاضبًا و نظراتٍ أنبأتها أنه مجنون 

-لما أكون بكلمك متديريش وشك 
-سألت بـ إرتجاف:أنت مين و عايز إيه! 
-ضحك و حك أنفه مُجيبًا:أنا مين! مش مهم،عايز إيه! عايز أوصله و أنتِ الخيط الوحيد اللي هيوصلني ليه… 

نهض أمام أنظار سديم فـ أجلفت خائفة، ليقول و هو يبتسم إبتسامة مُخيفة 

-و دلوقتي يلا نمشي، هستضيفك أنتِ و أبوكِ شوية عندي… 

تحولت إبتسامته إلى أُخرى خبيثة فـ توقفت أنفاسها لفرط خوفها من القادم 

-أو إستضافته هو… 

و في مُحاولة يائسة لتهرب من بين براثنهِ أمسك بها من شعرها فـ تأوهت سديم صارخة، ليقول من بين أسنانهِ و هو يجذبها قسرًا إليه 

-كُنت عايز أمشي بـ هدوء و بـ طريقة راقية شوية، بس يظهر إنك زيه بالظبط مفيش حاجة تتم معاكوا بـ هدوء… 

صرخت سديم و ضربت بـ كعبِ حذاءها قدمه ليتأوه و لكنه لم يُفلتها، حينها إنفلت عُقال صبره و هدر بـ صوتٍ أرعبها 

-قسمًا بالله لو سمعت صوتك لكون مخلص على ولادك حالًا، أنا محبتش أطمع، إخرسي… 

بكت سديم بـ قوةٍ و شعورها بـ قلة الحيلة يقتلها فـ هسهس و نفاذ صبره يقتله  

-يظهر كدا إنك مش عايزة تعديها على خير… 

دفعها بـ قوة إلى أقرب حائط ثم أمر أحد من الرجال معه ليُخرج طفلًا فـ صرخت سديم بـ صوتٍ مبحوح، شديد الرُعب

-لأ بلاش، هروح معاك أي مكان بس بلاش تأذي حد فيهم 
-أنا أصلًا معنديش نية أأذيهم، لو كان فيه نية مكنتش هتسمعي ليهم نفس… 

وضع أنفه في خُصلاتهِا ثم همس مُتخابثًا بينما جسد سديم يرتج بـ إشمئزاز 

-أنا حاطط عيني عليكِ من الأول، لسه دورهم مجاش… 

ثم و جذب رأسها ليدفعها إلى الحائط بـ قوةٍ جعلتها تفقد الوعي، سقط جسدها ليمر جواره، و بعدها هتف بـ نبرةٍ قوية 

-بلغ قاسم بـ كل حاجة و شوفه وصل مصر و لا لسه… 

*****

استيقظت سديم أثناء الطريق ليأتي من جوارها صوتًا يقول ماكرًا مما جعلها تنتفض مُبتعدة تلتصق بـ النافذة 

-كويس إنك صحيتِ، عشان كُنت محتاجك تشوفي الطريق للمكان
-أنت واخدني فين؟ و فين بابا!... 

نظر إليها ثم مدّ يده فـ تراجعت سديم مُتحاشية أصابعه التي كادت أن تلمسها فـ أبعد يده ضاحكًا و قال 

-هتعرفي مستعجلة ليه 
-صرت سديم على أسنانها و تجاهلت ضربات قلبها العالية و سألت:بابا فين! 
-متقلقيش، بابا فـ أمان، لحد دلوقتي… 

شحب وجه سديم و مما عاشته مع أرسلان سابقًا جعلها تتيقن أن بعد هذه العبارة ستعيش كابوس يصعُب الخروج منه، فـ إبتلعت ما في جوفها بـ تردد و الخوف ينهش أحشاءها حتى أنها بدأت تشعر بـ الغثيان، همّت تتحدث و لكنه أشار قائلًا جاعلًا إياها تجفل

-أهو خلاص وصلنا… 

نظرت سديم إلى حيث أشار و ليتها لم ترَ، إذ أن شحوب وجهها سابقًا لا يُقارن مع شحوبها الآن، جسدها بدأ ينتفض و تنسحب الدماء مُعلنة هروبها و خوفها من مجهول، لن يكون فقط قاسيًا عليها بل تشعر أنها ستكون نهايته أيضًا، بعد اليوم لن يكون أرسلان لا زوجها و لا الشيطان الذي روضته، بل ما هو أسوء 

سيتحول أرسلان إلى وحشٍ بشع سيبتلع الجميع و يمحي كُل من يتجرأ و يقف في وجههِ حتى و إن كانت هي، تلك النقطة التي لا عودة بعدها تلوح أمامها قابعة داخل ذلك المنزل الذي دُفِنَ فيه الماضي بـ أسرهِ

نظرت إليه سديم و على وجهها علامات إنكار و رفض مُرتعب صارخة و هي تضربه بـ يديها المُقيدتين

-هتموت، متعملش كدا هتفتح أبواب جهنم… 

أمسك يدها و جذبها حتى بات وجهها على بُعد إنشات صغيرة من وجهِ ثم هسهس بـ صوتٍ مهووس

-و دا المطلوب، مش هتفهمي إزاي مستني اللحظة دي
-هدرت بـ هستيرية:أنت مش ممكن تكون طبيعي ولا مجنون، أنت وصلت لمرحلة ملهاش وصف… 

مسد بـ يدهِ على وجنتها و همس بـ أُذنها و كأنه يتلذذ بـ ذلك الرُعب القابع بين حدقتيها

-و دي مرحلة هوصلها لما أوصله للجحيم… 

ترك يدها فـ إرتدت سديم مذعورة تُحاول الهرب من ذلك المهووس و الذي وصل هوسه إلى حدٍ يجعلها تشعر بـ الإختناق، و بـ داخلها تردد ألا يأتي، ألا يعرف، هي سترضى بـ أي نهاية كُتِبت لها و لكن أن يعيش قساوة قصة من جديد في مكانٍ أنهى حياتهِ سابقًا هذا ما لم تتحمله أبدًا 

توقفت السيارة ليرتجل منها ثم الجالس جوار السائق و توجه ناحية سديم و التي حاولت يائسة الهرب و لكن ذلك الرجل حملها على كتفهِ مُتجاهلًا ضرباتها و التي كانت بـ مثابة فأر يتقاتل أمام أسد، بكت و رفضت و خدشت و لكن بلا فائدة، فـ قد دخلت المنزل و إنتهى الأمر

و ما أن خطت داخله حتى شعرت بـ إنقباضة قوية إنحسرت معها الحياة و إنكمش قلبها ذُعرًا، أجلسها فوق مقعد مُعَد سابقًا ثم ثبتها جيدًا، ليقترب هو منها و قيد ساقيها بـ المقعد و وضع ذقنه على رُكبتيها و نظر إليها قائلًا بـ نبرةٍ مقيتة 

-كُنت ناوي أحرق قلبك على إبنك مؤمن، و أهو يفتكر صاحبه اللي راح فطيس… 

كانت سديم في حالة هستيرية غير واعية لِما حولها و كأن ذلك الكابوس تحول إلى جاثوم مُرعب يكتم أنفاسها و يأخذ وعيها بعيدًا، نظرت إليه بـ أعين تائهة ليضحك بـ قوةٍ و أكمل 

-متخافيش مش هعمل كدا، مش دلوقتي لازم يعيش القصة تاني بس على مراحل… 

نهض و قَبّل جبينها رابتًا على وجهها ثم قال و هو يبتعد إلى حيث والدها 

-أتمنى إن الإقامة تعجبك، و عارف إنها هتعجبك… 

"عودة إلى الوقت الحالي" 

*****

تناثرت الدماء و خر مُحرم ميتًا مع رصاصة مُستقرة في رأسهِ و نظراته مُثبتة على سديم المُتسعة عيناها غير قادرة على تصديق ما حدث الآن، والدها و حبيب روحها تركها وحيدة دون إخباره أنها تُحبه

ثانية و أُخرى قبل أن تصدر عنها صرخة مذبوحة تردد صداها في أنحاء البيت الخرِب و كانت كـ السكين الحاد الذي يشطر قلبه إلى نصفين، بُكاء و عويل صادر عن جسد هوى أرضًا لا يستطيع الحراك قدر الصدمة التي ألمت بها

-بابا لأ، بابا قوم متموتش و تسيبني
-دنى و همس:روحيله… 

و لكن جسدها أبى الإنصياع و الحركة، سقوطها يعني الدمار بـ النسبةِ له، هي فقط تستطيع الصراخ و الرفض لنهاية والدها الذي لم يتوقعها، حتى و إن كان يُقدم إحتياطاته إلا أنه أرخى دفاعاته فـ الهجوم كان مُباغتًا لا دفاع عنه

نظر إلى أرسلان الذي لم يتحرك ساكنًا بل كانت عيناه ما تمنى رؤيته و إنتظره طويلًا، لترتسم نظرة مجنونة على وجههِ تزامنًا مع إبتسامةٍ هامسًا

-أخيرًا شوفتها… 

نهض أرسلان بـ بُطءٍ و إقترب منه فـ حاول أحد الحرس منعه و لكنه أشار بـ يدهِ ليتركوه، كان يتقدم بـ خُطىٍ بطئية و لكن وقعها مُخيف و صداها يصم الأذان، توقف أمامه و هسهس بـ صوتٍ قابض للروح

-هتتمنى إن الأرض تنشق و تبلعك… 

ثم بغتة أخرج أرسلان سكينًا و كاد أن يغرسها في عُنقهِ و لكن الآخر كان على أهُبة الإستعداد فـ أمسك يده و رغم ذلك لم يستطع تدارك قوته فـ تحركت السكين لتُصيب ما بين كتفهِ و عنقهِ، تأوهوو حينها أشار لأحد الواقفين ليضرب أرسلان 

صوب مُسدسه لأرسلان فـ أصابت كتفه رصاصة إخترقته، على الرغم من الألم الحارق إلا أن أرسلان لم يسقط بل ظل ثابتًا يُحاول قتل الذي أمامه، و فجأة سادت حوله معركة لم يعرف كيف ظهرت و ماذا يحدث، كُل ما جال في خاطرهِ أنها قد تُصاب في تلك المعركة

ذلك دفع ذلك الحقير و ركض إليها و لكن قبل أن يصل كانت هُناك رصاصة تستقر بـ جسدها و هي تلقتها دون مُقاومة، توقفت الحركة حوله و أُختصِرت الحياة أمامها و جسدها ساقطًا و غارقًا في الدماء، توقف الوقت و توقفت حركته معها و صوت زئيره يصدح بـ اسمها 

-سديييم!!... 

و ركض سريعًا يحمي جسدها مُعانقًا إياها و عيناه لا تأبه لحياته العُرضة للموت بل الجحيم الأسود أصبح يبتلع الجميع، خرج صوت قُصي من العدم و هو يصرخ بـ صرامةٍ 

-خُد سديم و أخرج من هنا… 

لم يبدُ أن أرسلان سمعه ليسب قُصي من بين أسنانهِ و إقترب من أرسلان و هو يتفادى الرصاصات التي تتطاير من حولهِ ثم دفع جسده و هدر

-أُخرج من هنا إخلص بسرعة، سديم محتاجة تتنقل مُستشفى… 

ضمها أكثر إلى جسدهِ و كأنه يأبى أن يسرقها أحد منه، ليزفر قُصي و حاول البحث عن ذلك الرجل و لكنه فجأة إختفى و كأنه لم يكن، عاد بـ بصرهِ إلى أرسلان ثم لكمه هادرًا

-مش وقته، أرسلان فوق… 

حينها نهض أرسلان بلا حديث و حملها ثم نظر إلى جُثة مُحرم الهامدة أمامه ليربت قُصي على كتفهِ و قال بـ نبرةٍ ثقيلة، حزينة

-أنا ههتم بـ كل حاجة، إلحق مراتك… 

لم يكن عليها أن تعيش تلك القسوة التي عاشها سابقًا، هو لم يشعر بـ ذلك السكين الذي غُرِس في قلبه إلا حينما إستدرك أن سديم ستُعايش ماضيه المُؤلم و في المكان ذاته، هذا المكان كان بدايته و نهايتها 

*****

ثمة إختيارات حينما تمضي في تحمل عواقبها، تعلم جيدًا أنها تعني خسارة أو ربما تنتهي حياتك معها 

بعد مرور ثلاثة أيام 

و بعدما تلقي هو العلاج المُناسب و تم إجراء جراحته، خرج و إتجه إلى حيث ترقد زوجته فـ أخبرته المُمرضة أن الجراحة إنتهت و تم نقل زوجته إلى غُرفة بـ الطابق الثالث

تحرك بـ ثقلٍ و قد بدأ جسده يصرخ ألمًا و عقله يستشيط غضبًا، يُشعل مراجل الإنتقام، هو لم يستدرك ما حدث معه في الساعات السابقة ، هو فقط شعر و كأنه إنسلخ عن العالم، سديم كانت و لازالت نقطة ضعفه و التي أمامها يختفي المنطق 

توقف أمام غُرفتها و لأول مرة يشعر بـ التردد في الدلوف، هي تقبع داخل تلك الغُرفة نائمة و خاسرة لوالدها، رغم أنه لم ينسَ أطفاله و إطمأن إلا أن قلبه ينهشه الغضب، أرسلان الهاشمي و لأول مرة يخسر و خسارتها كانت الأقسى، و بعد تردد حسم أمره ليدلف لأنها قد تكون المرة الأخيرة

ليدلف و يُغلق الباب خلفه، صوت الإغلاق كان مُفزع و له صدى ثقيل و مؤذي

جالسًا أمام فراشها تنام بـ هدوءٍ كـ أميرة تنتظر فارسها مُعطيًا إياها قُبلة الحياة، و لو تعلم أن فارسها لو استطاع إعطاء حياته فداءًا لها لتستيقظ لفعل عن طيب خاطر، و لكن و الآن هي لا تعي بـ العالم حولها 

مُنهك ربُما، مُظلمة تعابيره كـ ظُلمة روحه أجل، النظرة ميتة في عينيهِ كـ الفراغ المُحيط بهما الآن، هي تتألم و هو يعي ذلك ربُما أحلامها أسوء من واقعها كثيرًا، لقد فقدت ما سيجعلها تكرهه إلى الأبد

و يجعله يخسرها دون رجعة

عند ذلك الحد من التفكير المؤلم تعالت أنفاسه و ضاق صدره، لم يكن عليه أن يعشق من الأساس، كان يجب إن يُكمل طريق إنتقامه و يُنهي هذا الطريق كما خطط ألا و هو موته

وضع يده على يدها الشاحبة ثم إتكأ بـ جبينهِ على ظهرها و همس بـ صوتٍ قد يكون قاسي في ظاهرهِ و لكن باطنهِ مُعبق بـ رائحة الخزيّ و العذاب

-هو أنا ليه بيحصل كدا! أنا غلطت فين و بداية غلطي فين!... 

تمنى لو تستطع الرد عليه و لكن أيضًا تمنى ألا تتحدث، لأنه و ما أن تستيقظ يعلم جيدًا أنها النهاية حتمًا، أخرج زفيرًا قوي يحمل الكثير من المشاعر السوداء و أكمل 

-يمكن خطيئتي و ذنبي إني مسمحتلكيش تهربي… 

رفع رأسه و نظر إليها ليتجمد أرسلان و نظرته تتصلب و كأن الدماء في عروقهِ أصبحت ثلوج غير قادرة على التدفق ما أن وجد عينيها المُغمضتين مفتوحة و تُحدق به بـ نظرةٍ فارغة، شديدة الكُره تُشبه عطب روحها الملكومة بـ فُقدان آخر ما تبقى لها 

ظلت نظراتهما مُسمرة على بعضيهما دون أن تحيد حتى فتحت سديم شفتيها و هتفت بـ نبرةٍ صلب، في طياتهِ يكمن كُره و خُذلان و ربُما ما أهو أكثر 

-كان بيقولي عايز يحرق قلبك أكتر بـ إنه يقتل إبننا مؤمن… 

لم يستطع أرسلان حتى التنفس و تلك الهوه تسحق قلبه بلا رحمة، و الرغبة المقيتة في تحويل العالم أجمع إلى بؤرة جحيم مُشتعل تتأجج حتى و إن عنى ذلك موتهما معًا، و مع ذلك أكملت سديم بلا رحمة و صوتها يتحول إلى نغمة فارغة فقط مُجرد وعاء يحوي عقل بلا قلب

-ميعرفش إن قلبك عمره ما هيتحرق، لأنك معندكش قلب… 

تلقى لكماتها بلا رد فعل أو حتى تنفس يُثبت أن تلك الصخرة المُتحجرة على قيدِ الحياةِ، ليخرج أخيرًا نفسًا مُرتجف مُحمل بـ بُكاءٍ لن ينتهي ثم صرخت غير عابئة لحالتها الصحية المُتدهورة

-أنا اللي قلبي إتحرق بسببك فـ كُل خطوة، ياريتني قبلت حُريتك ليا و لا كملت معاك يوم تاني… 

و ظلت تصرخ ضاربة صدرها بـ قوةٍ و تخدشه بـ أظافرها تحت أنظاره المُظلمة قبل أن ينهض و يُحاول تثبيتها جيدًا، لتُحاول سديم دفعه هادرة بـ وجهٍ بشع يحمل كُره و نفور لا نهاية له

-أنا بكرهك ، بكرهك و مش عايزاك فـ حياتي تاني، إطلع منها و متقربش ليا تاني… 

حاولت منعه و دفعه كثيرًا حتى أنها حوّلت هجومها على نفسها إليه و ظلت تخدشه و تصفعه حتى خارت قواها، بينما نشيجها يعلو صارخة بـ نبرةٍ حارقة

-اااه يا بابا، ليه تموت و تسيبني أنا مليش غيرك… 

و تلقى هو ما بَدَرَ منها دون أن ينبس بـ بنت شفة، على عكس ملامحه الجحيمية و التي تحدثت بـ جميع اللغات، أن القادم يعني الهلاك، ثم و بـ نبرةٍ قاتمة تُشبه قساوة ملامحه 

-لسه مدفنتش أبوكِ، مستنيكِ تصحي و تدفنيه… 

و لأنه يعلم أن يديه قاتلة مُلطخة بـ دماء والدها، لن تسمح لقذر مثله بـ أن يدفنه، و لم يكن ما تفوه به سوى شعلة إنفجرت على إثرها مشاعر سديم السوداء حتى هدأت تمامًا و إنتهت بـ دخولها في سُباتٍ جديد

كان يُريد عناقها حتى تتهشم عظامها بين ذراعيه و لكنه رأى دماء والده عالقة على يديهِ تُثقل كاهله، حينها هو نفر أن يتلمسها، شعر أن ذلك الحق سُلِبَ منه و هو يستحق، ذلك الحق المُكتسب لم يعد يستحقه

سحق ما تبقى من مشاعره في تلك اللحظة و همس في أُذنها قبل أن يرحل بـ وعيد أشبه بـ عهدٍ صكه بـ الدماء 

-و روحك اللي إتحرقت دي يا سديم تمنها حرق روحي… 

*****

وضع يده على كتفها لتنتفض رحمة و تنظر لتجده قُصي، تنفست بـ راحةٍ رغم الحُزن الذي يكسي معالمها ثم أمسكت يده و سألته

-إيه أخبارهم!... 

جلس قُصي جوارها و قَبّل يدها مُمسكًا إياها ثم هتف بعد تنهيدة طويلة 

-والله مش عارف، أرسلان مش موجود فـ المستشفى لما روحت و سديم رافضة تقابل حد… 

صمت ثم نظر إلى الأطفال النائمة بعد أثار بُكاء ظاهرة بـ وضوحٍ على وجوههم ليزداد شعوره بـ الذنب و الحِمل الثقيل الذي أثقل كاهله و استطرد بـ قنوطٍ

-حتى سُمية تايهة و مش عارفة تعمل إيه، رفضت تمشي و تسيب سديم رغم حالتها الوحشة هي كمان، و هو يقوم مختفي بعد كُل دا
-حاولت رحمة تهدئته قائلة:متنساش اللي حصل معاه صعب برضو… 

شردت قليلًا و هي تُفكر ما قد يحدث إن كان ذلك التهديد الذي وصلها عن قُصي و أصابه مكروه! حينها شعرت رحمة بـ رجفةٍ تسري في جسدها و كأن روحها إنسلخت منها تاركة ندبة قوية، مُميتة، لتشهق واضعة يدها على صدرها و همهمت

-بعد الشر يارب
-فيه إيه يا رحمة؟… 

سألها قُصي بـ توجس فـ نظرت إليه و حمدت الله داخلها أنها مجرد خيالات و أنه لم يُصِب بـ أذىٍ، لتقول مُبتسمة إبتسامةٍ ضعيفة 

-ولا حاجة يا حبيبي، أنا بس خايفة من الأمور و هيحصل إيه بعد كدا 
-تنهد:خير
-سألته رحمة:طب و إيه اللي حصل بعد أما أرسلان مشي! 
-أجاب قُصي بـ هدوءٍ:قبضنا على اللي عرفنا نقبض عليه و أخدنا جُثة عم مُحرم و مشينا، التحقيقات شغالة و بنحاول نوصل لحاجة… 

أومأت رحمة دون رد و الخوف بدأ ينتشر في دواخلها من جديد، طالما أن الدفاتر لم تُغلق بعد لن يكون قُصي بـ أمانٍ و خاصةً أن ذلك التهديد لا يزال قائمًا و خوفها من المجهول يجعل قلبها خائف في كُلِ نبضةٍ ينبضها

بعدما حظت بـ الأمان و الحُب الدافء معه لن تستطيع الإعتياد على الحياةِ دونه حتى و إن كانت وردية، أمسكت رحمة يده بـ قوةٍ ثم همست و هي تضع رأسها على كتفهِ 

-قُصي أنا مش هعرف أعيش من غيرك 
-قطب جبينه و سألها:ليه بتقولي كدا… 

أخرجت رحمة نفسًا مُرتجف و قالت دون أن ترفع رأسها بل فضّلت ألا تجعله يرى تعابيرها الغائمة

-كل اللي بنمر بيه دا مخوفني، و أنت طرف فـ الموضوع، كُل القريبين من أرسلان بيتأذوا
-متقوليش حاجة زي دي تاني يا رحمة… 

وضع يده على وجنتها ثم عانقها بـ قوةٍ قائلًا بـ نبرةٍ رخيمة تحمل وعدًا لن ينتهكه أبدًا جعل الراحة تسري داخلها 

-لو زمان مكنش عندي حاجة أخاف عليها، فـ دلوقتي يا رحمة عندي عيلة لازم أحافظ على حياتي عشانها
-همست بـ خوفٍ:قلبي مش مطمن يا قُصي، الخوف دا واكلني… 

قَبّل وجنتها عدة مرات ثم همس و شفتيه موضوعة على جانب وجهها 

-الأعمار بيد الله يا رحمة، و أنا عشمي كبير إن ربنا يحفظني عشانكو… 

وضعت يدها حول خصرها و إستقر رأسها على صدرهِ ثم أغمضت عينيها قبل إن يسمعا طرقًا على الباب، ليُخبرها

-خشي جوه هشوف مين… 

رأى التردد واضحًا في عينيها ليُطمئنها مُبتسمًا 

-أنا طالب حاجات من السوبر ماركت، أكيد وصلت، خشي جوه يلا… 

نهضت رحمة، لينهض بعدها قُصي داثرًا الأطفال النائمين أرضًا ثم توجه إلى الباب و يده تُخفي خلف ظهره مُسدسه و في أتم الإستعداد لإخراجهِ إذا إحتاجه

نظر من فتحةِ الباب ليجدها فتاةٍ ما و معها شاب، بالكاد يتذكرهما، فتح الباب و قبل أن تتحدث هتف قُصي 

-أنا عارفك
-أجابت الفتاة قائلة:إحنا اللي ساعدنا أخوك… 

قطب قُص جبينه و أمسك مُسدسه و يهم بـ إخراجهِ ثم سأل مُتشككًا

-عرفتوا العنوان دا منين! 
-ليُجيب أيوب:هعرفك كُل حاجة، بس نُدخل الأول و هفهمك… 

حينها أخرج قُصي مُسدسه و وجهه نحوهما، ليقف أيوب أمام قوت يحميها، لتغلط نبرة صوته و هو يهدر بـ شيءٍ من الغضب 

-نزل سلاحك يا حضرة الظابط، إحنا جايين نساعدك و نساعد أخوك… 

بدا التردد واضح على معالم وجه قُصي و لكنه لم يتزحزح بل سحب صمام الأمان و هتف بـ تحذيرٍ قوي

-و دا يخليني أشك فيكم أكتر… 

خرجت رأس قوت من خلف أيوب لينظر إليها قُصي ثم إلى الواقف أمامه بـ جسدهِ القوي و أكمل بـ النبرةِ ذاتها 

-إيه اللي يخلي إتنين منعرفهمش يساعدوا واحد ميعرفوش عنه حاجة 
-هتفت قوت مُجيبة:لينا دين بـ رقبتنا زي ما هو عليه دين من سنين طويلة، لما كان هربان… 

إتسعت عينا قُصي و تذكر ذلك الوقت الذي هرب أرسلان فيه من السجن ليسأل بـ عدم فهم

-مش فاهم يعني إيه! 
-تنهدت قوت قائلة:دي حاجة هو بس اللي يقول عليها، إنما دلوقتي صدقني أنا عايزة أساعده… 

صمتت ثم عادت تتحدث قائلة بـ صوتٍ جدي في مُحاولةٍ لإقناعه 

-أنا معرفش مين اللي بيأذيه بس أعرف مين بيساعده، لو بتحب أخوك هتدخلني و نتكلم… 

ظل قُصي يُحدق بهما و مُشهرًا سلاحه في وجهيهما بلا تردد و عقله يصفعه بـ التفكير بلا هوادة حتى أخرج زئيرًا يُعلن إستسلامه ثم قال بعدما أخفض يده 

-إتفضلوا… 

نظرت قوت إلى أيوب و إبتسمت ثم دلفا إلى الداخل، قد تستغل هذه الفُرصة لصالحها و تحصل على مُرادها و تتخلص كذلك من المدعو قاسم، تلك الأفعى التي أهلكت حياة القبائل في البادية

قد يكون إنتقام مُشترك

الفصل الثامن عشر من هنا 

شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

تعليقات



×