رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثامن عشر 18 بقلم إسراء على

 

رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثامن عشر بقلم إسراء على




لِم ترحلين و أنتِ أملي؟ 
ألم تُخبريني أن نهاية الطريق أنا؟ 
و بداية المُفترق أسري
لِم تنكثين بـ عهدٍ صككته بـ روحي! 
ألم يكن عهد الدماء كافٍ لكِ؟ 

-مين دول يا قُصي!... 

سألت رحمة و هي تُعطيه بعض المشروبات و عيناها تتفرس ملامح الغريبين، ليقف أمامها يمنع الرؤية ثم قال بـ نبرةٍ جدية آمرًا إياها بـ الدخول 

-خُشي يا رحمة و لما أفهم كل حاجة هفهمك
-رفضت قائلة:أنا خايفة أسيبك معاهم… 

أخرج قُصي نفسًا حارًا يُعلن عن نفاذ صبره ثم قال و هو يقترب مُقبلًا جبينها 

-خُشي و متخافيش و لو حصل حاجة هنادي عليكِ تلحقيني بالمقشة 
-تغضنت ملامحها بـ حدة و غضب ثم هتفت مُستنكرة:أنت بتتريق عليا يا قُصي؟ بقى ذا جزاتي إني قلقانة عليك
-إبتسم قُصي و قال مازحًا رغم نبرته الخاوية:ما اللي بتقوليه دا مش معقول يا رحمة، أنا ظابط يا روحي و أنتِ مراتي يعني المفروض أنا اللي أحميكِ مش العكس… 

تبرمت رحمة بـ حديثٍ غيرِ مفهومٍ ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها و قالت ترمقه بـ نظراتٍ أوشكت قتله 

-ماشي يا حضرة الظابط قُصي باشا، أنت نمس و تعرف تعمل كا حاجة، أنا داخلة لرزان… 

و تحركت من أمامهِ تتركه مذهولًا ثم تمتم دون أن يفهم ما قالته الآن 

-هو إيه اللي حصل من شوية دا!... 

إستدار ثم قهقه بـ صوتٍ مُنخفض و قال أثناء سيره إلى حيث يتواجد ضيفاه

-أه صحيح دي رحمة عادي، نسيت والله… 

ثم توجه إليهما و جلس أمامهما بـ ملامح تبدلت كُليًا إلى أُخرى مُكفهرة و أكثر صرامة و تبلد عن ذي قبل، و قبل أن يتحدث أحدهما سبقهما قُصي قائلًا 

-أفهم الحوار من أوله، و إيه علاقتكو بـ أرسلان… 

و كـ حركةٍ تهديدية أخرج مُسدسه ثم وضعه على الطاولة أمامهما فـ ضحكت قوت و لكنه أكمل مُتراجعًا في جلسته مع نظرات تشعر و كأنها تخترق فـ تكتشف جميع كذباتك  

-و مظنش إنقاذك لأرسلان كان صدفة، دي مُدبرة
-هتف أيوب بـ رزانة:لأ صدفة، بس معرفتنا بيه مش صدفة… 

لم يتحدث قُصي و لكن نظرته أخبرته أن يُكمل حديثه فـ أكملت قوت بـ هدوءٍ قدرِ المُستطاع

-من عشر سنين أو أكتر مش فاكرة المدة بالظبط، أبوى جه البيت و معاه شخص متصاب، چسده كان مچروح و مانو واعي
-قاطعها قُصي:أنتوا عرب! 
-أومأ أيوب قائلًا:أيوة، و إستغربنا من وجوده عندنا… 

تذكر قُصي يوم أخبروه عن موت أرسلان بـ السجن و طُلِبَ منه التعرف على الجثة و قد فشل نظرًا لتشوه ملامح الجثة و حينما طلب فحص حمض نووي قوبل طلبه بـ الرفض و تم إغلاق تلك القضية، رغم الغرابة التي إعترته و لكنه قرر التجاهل 

في أعماقهِ راوده شعور مُتفاوت ما بين الحُزن و اللامُبالاة، فقط السبب الذي ألقى بـ عائلتهِ إلى الهاوية قد رحل و رحل معه ماضٍ مُرعب لم يستطيع التعافي منه أبدًا، إلا أن ظهوره فجأة في تلك المدينة جعل طوفان الذكرى القاسية تُشعل نيران غضبه و سخطه 

حينما تواجه معه و وقف أمامه، سأله قُصي بـ نبرةٍ تُقطر حقدًا و غضبًا 

-أنت لسه عايش!... 

و كأنه يكره فكرة بقاءه على قيدِ الحياةِ و قد رحلت عائلته، حينها رمقه أرسلان بـ نظرةٍ غيرِ آبهه، و كأنه شخصٌ لا يعرفه و كان هذا ما زاد إشتعال غضبه، عاد إلى الحياةِ بعدما مَرَّ على الجثث العديد تاركًا أثر دامي يكاد يحرق قلبه و يحوله إلى رمادٍ

مَرَّ جواره دون حديث و دون إلتفات، دون أن يُكلف نفسه عناء أن يكترث لأمر أخيه الذي أعاده من الموت، جذبه من وسط النيران لتطال أرسلان و لم يسأل عن الثمن أو التعويض العادل عن الحرق الذي كاد يكلفه حياتهِ

عاد قُصي من ذكرياته المُريرة و قبضة يده تشتد ثم نظر إلى قوت و هتف مُستائلًا 

-و بعدين حصل إيه! 
-أجابت:كان فيه واحد في قبيلتنا عايز يتجوزني و أمور شخصية مش هتطرق ليها، و الملخص إن أرسلان وقفه عند حده بس الشخص اللي كان ملازم الواحد دا لما شاف أرسلان، بعد فجأة و معتش بشوفه طول الفترة اللي قضاها عندنا… 

إسترعى حديثها إنتباه قُصي فـ إعتدل في جلسته و قبل أن يسأل استطردت قوت حديثها قائلة بعدما نظرت إلى أيوب 

-اسمه قاسم ظهر فجأة من قبيلة مجاورة لينا و بقى ليه علاقة مع الشخص اللي قولتلك عليه، و كان حاطط عينه على أرسلان 
-عايز صورة ليه
-هتف أيوب:معندناش
-زمجر قُصي بـ حدةٍ:إزاي يعني و عايزني أصدقك إزاي!... 

بدا أيوب و كأنه سيتشاجر بـ صوتٍ عال و قد بدأت ملامحه تفقد هدوءها، إلا أن قوت أمسكت معصمه دون النظر إليه و لكنها نظر إليها بـ غضبٍ، و لكنها لم تأبه فـ هتفت بـ الهدوء ذاته

-مضطر تصدقنا، إحنا مش فـ مصلحتنا إننا نكدب عليك، بالعكس أنا زيي زيك عايزة أخلص من الأتنين دول
-و كان السؤال بديهيًا:و السبب!... 

أخفضت قوت وجهها و تبلدت ملامحها بـ جمودٍ حاد ثم قالت بعد عدة لحظات إستجمعت بها برودة قاسية 

-دي حاجة خاصة بينا، لو الظروف تحتمت إني أحكي، هحكي
-ليرد قُصي بـ بلادة و قوة:الظروف بتحتم دلوقتي 
-تنهدت قوت و قالت:صدقني لو هيفيد هقولك، لكن دا مش هيفيد بـأي حاجة… 

تجنبت قوت نظراته التي شعرت و كأنها تسبر أغوارها، ليهتف بعدها 

-و المطلوب؟… 

حينها تنفست قوت بـ إرتياح أنها وصلت إلى مُبتغاها، هو ضابط و ذكي و عرف جيدًا هدفها و لكنها تخشى المُساومة و تخشى مكر شخصٍ يبدو أنه يرث نفس دماء أخيه، كلاهما ماكر

*****

نظرت سديم إلى رحمة بعدما مرّت ليلة شديدة القسوة، رغم أنها تشعر بـ أنها أصبحت وعاء فارغ لا يحوي روحها فقط قطع من اللحم لا حياة بها ثم هتفت بـ صوتٍ جاف يحمل جفاء يجعل القلب يشعر بـ إنقباضة قوية 

-هطلع عشان أدفن بابا، كفاية تعذيب ليه كدا 
-حاولت رحمة منعها قائلة بـ قلق حقيقي:سديم أنتِ لسه تعبانة مينفعش كدا… 

نظرت إليها سديم نظرة جمّدت الدماء في عروقها ثم دفعت يدها و نهضت صارخة بـ حدةٍ 

-بلا تعبانة بلا زفت، حق أبويا عليا، دمه نشف و أنا لسه راقدة هنا… 

قبل أن تتحدث رحمة، سمعت صوت طرق و بعدها دخل قُصي فـ هرعت إليه و قالت عله يوقف تلك الفاقدة لعقلها 

-قُصي وقفها عشان كدا مينفعش، الجرح لسه ملمش… 

حدق بـ سديم بـ نظرةٍ غامضةٍ ثم ربت على يد رحمة و أومأ بـ رأسهِ ليقول و هو ينظر إلى زوجتهِ بـ نبرةٍ شبه هادئة

-هكلم الدكتور و نطلعها على مسؤوليتها الشخصية… 

فغرت رحمة فمها ثم هدرت بـ حدةٍ و هي لا تعي ما يُفُكر به زوجها ربُما قد أصابه بعضًا من جنون سديم 

-أنت بتقول إيه؟ أنا معتش فهماكوا
-ساعديها يا رحمة تلبس و هنطلع كمان شوية 
-قُصي!!... 

لا تكاد تُصدق ما يتفوه به، و لكن قُصي دنى منها و همس قائلًا حتى لا تسمعه سديم، مما قلل توتر و خوف رحمة قليلًا

-متخافيش الدكتور قال تقدر تتحرك و تخرج، و أرسلان هيكون موجود مش هيسيبها
-همست رحمة و هي تنظر إلى سديم التي تحاول نزع ثيابها:بس هي لو شافته هتبقى كارثة
-ليرد بـ نبرةٍ رخيمة:متقلقيش، أرسلان عُمره ما هيكون أناني فـ حاجة زي دي و هو عارف سديم خالتها إيه دلوقتي… 

أومأت رحمة و توجهت إلى سديم تُساعدها، ليخرج بعدها قُصي و يتوجه إلى حيث يتواجد أرسلان في نُقطةٍ بعيدةٍ عن أنظار الجميع، ثم هتف و هو يربت على كتفهِ 

-سديم هتطلع، أنا هخلص إجراءات الدفن و أنت إمشي… 

لم يتحدث أرسلان بل ظلت عيناه مُعلقة من حيث خرج قُصي، فـ فهم الآخر و لم يُرِد الضغط عليه، ليتنهد و يهتف راحلًا

-لما أخلص الورق هكلمك… 

و أيضًا لم يرد أرسلان، حرك رأسه بـ آسى، لم يعُد إلى منزلهِ مُنذ اليوم الذي دخلت به سديم المشفى و ظل مُرابضًا أمام الغُرفة و فراشها أحيانًا كثيرة حتى فتحت عينيها، و حتى الآن لم يتحرك قط، نسى كُل ما يجب عليه فعله و فقط حُصِرَ إنتباهه عليها هي و فقط 

يُشفق عليه كثيرًا و لكن هو أيضًا يشعر أن أرسلان تُحاصره لعنة قوية، و كان يجب عليه تنظيف الفوضى من حولهِ سابقًا، إلا أن حلاوة الحياة معها أنسته مرارة ماضيه القاسي فقط صبّ كُل تركيزه على ترسيخ أعمدة حياته الجديدة مُتناسيًا أن الماضي لا يتم محوه أبدًا 

ظل أرسلان واقفًا بتنظر خروجها، حتى حانت اللحظة و خرجت سديم تُساعدها رحمة على الحركة، تأهبت كُل حواسه و تشنجت عضلات جسده بـ تحفز كابحًا نفسه كي لا يذهب إليها و يُعانقها 

يعلم جيدًا كيف تكرهه و أنها تحقد عليه و يعلم أنه يستحق لقد جعل من حياتها فوضى و بعد سلامها المؤقت نزعه منها ليأخذه هو و يحضتن هذا السلام روحه تاركًا إياها في مُفترق الطرق لا تملك حتى حق الرجوع و قد سلبه منها 

تحركت سديم مع رحمة لتمرا قُربه دون أن تلحظاه و لكنه شعر بـ كهرباء تسري في جسدهِ حينما إلتفتت سديم إلى حيث يقف في الظلام و نظرت نظرة قاتمة تُشبه نظراته ثم عادت تنظر إلى الأمام بـ وجهها الميت دون أن تُشفق عليه و تخبره

"أنها بخير بدونه" 

رغم قساوة وقعها على نفسهِ و لكنها بخير و هذا يكفي، كانت كـ حبيسة قفص ضيق يلمؤه الصدأ فـ أصاب روحها بـ عطبٍ و كرهت العصفورة مالكها الذي و بلا شك يهوى تعذيبها

*****

لا تُصدق أنها تقف في ذلك المكان مُجددًا بعدما ظنت أن قدمها لن تطئه من جديد، و لكنها الآن تقف أمام مقبرة عائلتها تضع أسفل الأتربة آخر فرد تبقى لها من عائلتها، رفضت أن تظل بـ المنزل رغم مُعارضة الجميع لها و لكنها لم ترضخ لهم، بل ظلت تدّعي القوة لترى والدها لآخر مرة 

على يمينها تُمسك بها رحمة و يسارها عمتها التي لم ترها مُنذ وفاة والدتها و شقيقها، تشعر بـ إختناق و كأن هُناك حبل يلتف حول عُنقها يحجم عنها الهواء، و بُكاءها كان صامتًا فقط بضع قطرات تتحرك على وجنتين باهتتين يظهر بهما عظام الوجنة 

ثم يقتحم المكان نعش والدها الذي يحمله أربعة رجال لم يكن هو منهم، حينها بدأ جسدها يهتز و تهمس بـ إرتجاف 

-بابا، متسبنيش يا بابا، عشان خاطري أنا بقيت لوحدي… 

سمعت صوتها رحمة فـ جذبت رأسها لتتكئ عليها و تربت على ذراعها ثم تهمس و هي تُقبل وجنتها 

-ربنا يرحمه يا سديم، هو فـ مكان أحسن دلوقتي… 

خرج صوتًا و كأنها طيرًا مذبوح يُخرج حشرجة تدل على خروج روحه ثم قالت بـ صوتٍ يُمزق نيّاط القلب

-ملحقتش أقوله إني بحبه، أنا بحبك يا بابا والله سامحني 
-بكت رحمة رُغمًا عنها و قالت:هو سامعك دلوقتي… 

كادت أن تنهار نظرًا لأن قواها قد خارت، ليقترب قُصي بعدما وضع النعش و إنتظر ليتم حفر القبر و إتجه إلى رحمة و همس في أُذنها 

-خُدي سديم بعيد شوية، تاخد نفسها…

أومأت رحمة و إبتعد قُصي، لتميل إلى سديم قائلة و هي تجذبها بعيدًا عن ذلك المشهد المُخيف و المُنفر للروح التي تأبى رحيل أحبائها

-تعالي ريحي شوية يا سديم 
-رفضت قائلة:مش هسيب بابا… 

وضعت رحمة يدها على وجنتها و إبتسمت إبتسامة حزينة ثم قالت بـ نبرةٍ حنونة مائلة للشفقة

-و عمو مُحرم مش هيرضيه تقعي هنا قدام الناس، إستريحي و مش هتسيبيه، هو هيفضل معاكِ دايمًا 
-بس أنا
-قاطعتها رحمة بـ إصرارٍ:شمي نفسك خمس دقايق هنا و بعدين هجيبك تاني متقلقيش… 

تردد دام لحظاتٍ و نظراتٍ يائسة تعلقت بـ حيث يوجد والدها، نظرات تتوسله لأن ينهض و تتمنى أن تكون إحدى نكاته شديدة السخافة و لكنها هذه المرة ستُسامحه، إلا أنه لم ينهض و يبدو أنه لا يمزح، مما جعل ساقيها تخور فـ أمسكتها رحمة جيدًا و قالت بـ تصميم

-يلا يا سديم… 

و خنعت سديم و سارت معهما بلا حول أو قوة فهي لا تمتلك منهما أدنى شيء، و ليتها كانت هي في تلك اللحظة، حقدها و كرهها لأرسلان جعلها تتمنى لو أنها هي من قُتِلت فقط لتجعل قلبه يحترق

و إختفت قليلًا عن الأنظار تتمنى ألا يتعفن قلبها بـ الحقد سامحة لبعض الهواء أن يدخل رئتيها و يُعيد لها بعضًا من الهدوء، ليتوجه هو وسط الجموع مُرتديًا نظارته السوداء و توجه إلى نعش مُحرم 

ظل يُحدق به بـ نظراتٍ سوداء و إشتعلت سوداويه بـ جحيم مُطلق، ذكرى أشد سوادًا و قسوة تتجسد أمامه من جديد في صورة أشد رُعبًا و فتكًا له، تلك التي خسرت والدها خسرها هو معه و خسارته فداحة و لكنها لن تكون أكثر فداحة من خسارتها 

توجه إلى حيث بدأ أحدهم في حفر القبر و الصوت يُسبب له طنين مُزعج جعل تنفسه يتزايد و صورة الدماء المُتناثرة تتجسد أمامه في مشهد حيّ و صورتها الشنيعة التي تركت أثر لن يندمل تضربه بلا رحمة

أمسكت يده المجرفة ليقوم بوضع التراب مُعلنًا عن إختفاء جسد أسفله، لقد مات بسببه و هو ساعد في حفر قبره، كانت ملامحه سوداء شديدة القتامة و القسوة، لا هي بـ الحزينة أو حتى بها ذرات ضئيلة من الشفقة بل كُل ما يستطيع من حوله رؤيته هو ظلام و هالة خطيرة، عطنة تُسبب التسمم ما أن يقترب أحدًا منه 

بينما يده تُحاول وضع الأتربة من جديد إنطلق صوتًا مدوي من خلفهِ يعلمه جيدًا و هو يهدر بـ حقدٍ جعل من قلبهِ يتحول إلى حجرٍ قاسي يُشبه ملامحه 

-محدش يسمحله يقرب من قبر بابا، إوعى تحط إيدك… 

و إنطلقت بين الجموع بـ كُلِ الكُره و الحقد الدفين الساكن بين جنبات قلبها الملكوم و وقفت أمامه تسحب المجرفة من يدهِ و هدرت بـ صوتٍ مبحوح

-قتلته و جاي تدفنه!... 

سادت همهمات من حولهما و لكن أرللان لم يُلقِ بالًا لأي من حولهِ فقط هي من ينظر إليها، باهتة تُشبه الموتى، فاقدة لروحها و التي تحوم حولها تأبى العودة إلى وطنها و ظلت نظراته كما هي لم تتغير، و دون أن يتحدث أخذ المجرفة منها و حاول إبعادها ليُكمل ما يفعله 

ليزداد غضب سديم و يشتعل حقدها بـ ألسنة سوداء تجعل الرؤية مُستحيلة ثم و فعلت ما جعل الصمت يعم المكان، فـ قد رفعت يدها و هوت بـ صفعة قوية على وجههِ، تصلبت ملامحه أكثر و إزدادت عيناه قسوة و لكنها لم تتراجع و تخف بل جأرت بـ نبرةٍ تُقطر حقدًا و كراهية مُطلقة 

-أنت كُنت السبب فـ موته، مش هنسالك أبدًا، أنا بكرهك لدرجة إني عايزة أدفنك هنا… 

عبراتها المُتلاحقة لا تُعبر عن قسوتها و حقدها الظاهر جليًا في نبرتها، بينما الجميع يترقب ما يحدث و بينما أرسلان لا يُبدي رد فعل مُناسب، تقدم قُصي و حاول سحب سديم التي رفضت الإنصياع و هتفت بـ إهتياج غير آبهة لألمها سواء معنوي كان أو جسدي 

-ياريتك مُت زمان و لا شوفت دم بابا على إيدك 
-سديم!!... 

هتف بها قُصي مذهول لتحولها المُفاجئ ثم نظر إلى أرسلان الذي قطب جبينه في حركةٍ غير ملحوظة إلا أنها كافية ليعلم أنه قد إهتز و يضربه الألم عليها لا ألمه، فـ تقدم من أخيه و قال بـ نبرةٍ خافتة مُترددة

-أرسلان إمشي من هنا دلوقتي، بلاش تشوفها فـ الحالة دي… 

لم يلتفت إليه أرسلان بل تركزت نظراته على سديم التي تنظر إليه بـ كرهٍ واضح، ليقول و هو يلتفت راحلًا بلا أي مشاعر

-البقاء لله يا دكتورة… 

توجه أرسلان إلى سيارتهِ في هدوءٍ تام رغم صوتها الذي يصله و يصم الآذان ناعتة إياه بـ القاتل و لكنه لم يلتفت بل تركها تسُبه و تلعنه و تعنته بما فيه حقًا

جلس بـ السيارة و أعاد رأسه إلى الخلف و ظل ينظر إلى الأمام بـ فراغٍ بلا ملامح حية، تعابير فارغة تُشبه صدفة لا تحوي بـ داخلها حياة، صدفة تم أخذ ما فيها و تركها خاوية لا تستطيع إيجاد ما تم فقده، يود فقط أن تُعطيه ما لا يستحقه 

أخرج نفسًا حارًا، قاسيًا يُشبه صلابة ملامحه القاتمة و إنتظر إنتهاء مراسم الدفن و رآها تخرج، قست عيناه و أظلمت بـ شدةٍ و هو يرى ضعفها يكاد يأكلها كما أكل الحُزن قلبها، شددت يده على مقوّد السيارة و لم تتركها عيناه حتى إختفت في سيارة أخيه

قريبة و لكنها أبعد من نجمة ساطعة فقدت بريقها و أصبحت مُجرد جسد فارغ ينتظر نهايته، قمع رغبته في الخروج و سرقتها من بين الجميع و لكنه يعلم تمام العلم أنه لن ينال سوى كراهية مُخيفة، لذلك جلس في صمتٍ مع ملامح قد تبدو أنها لا تمتلك مشاعر و لكنها في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك 

*****

جلست غُفران على الطاولة لتتناول الإفطار بعدما رفضت الأكل معه و لكن صوته الذي صدح جاعلًا جسدها يرتجف قائلًا بـ صوتٍ جهوري

-إنزلي هنا يا غُفران، صبري بدأ ينفذ… 

رغم أن العبارة تحوي تهديد تافه و لكن نبرته كانت مُخيفة، لذلك نزلت في قنوطٍ و ملامح وجهها مُكفهرة تُخبره بـ وضوحٍ أنها تكرهه و تمقت فكرة رؤيته فـ ما بالك بـ تناول الطعام معه! 

-إجلسي يا غُفران، الفطار مفيهوش سم… 

نظرت إليه غُفران من طرف عينيها و لم ترد بل ظلت تُحدق بـ الطعامِ حتى قهقه عابد و إرتشف من كوب شايه و قال بـ لهجة لم يعتدها بعد

-إعُذريني. يا بنية الشيخ راغب، بحاول أتكلم بـ لغتهم، يمكن نعچب… 

حينها رفعت غُفران نظراتها بـ نظراتٍ صاعقة تكاد تُرديه حيًا، تعلم جيدًا مُراده و خفايا حديثه، رغبته المُلحة في إغاظتها تجعلها تشمئز منه إلا أنها لن تُعطيه مُبتغاه أبدًا، لذلك إبتسمت بـ برودٍ قاتل و هتفت بـ نبرةٍ شديدة السماجة

-معتقدش جهودك ليها فايدة تعجبني… 

حينها إبتسم عابد من زاوية فمه بـ إبتسامةٍ ساخرةٍ و هتف بـ إستهجان و هو يضع قطعة من الخُبز مُحملة بـ مربى المشمش 

-و مين جال إني بريد أعچبك أنتِ! ثقتك غريبة… 

تغضنت ملامح وجهها بـ غضب جعل يشعر بـ سعادةٍ غريبة، فـ ضربت الطاولة ليسقط كوب الماء و لكنها لم تنظر إليه بل ظلت ناظرة إليه و هو يُبادلها النظر بـ أُخرى مُتسلية حتى نفخت و قالت

-عرفت بقى ليه أنا ما بريد أفطر معاك! 
-أشار إلى طبقها بـ عينيهِ و قال آمرًا:طب كُلي
-ردت بـ عناد:مش واكلة… 

حينما ساد الصمت ظنت غُفران أنها ربحت معركة تافهة أمامه و لكن خاب ظنها حينما وجدته ينهض فـ إنكمشت في جلستها خوفًا مما سيُقدم عليه، فـ حاولت النهوض و لكن يده منعته لتهدر مُحذرة إياه بـ صوتٍ تُخفي خلفه خوفٍ

-لو قربت مني زي المرة اللي فاتت، مش هسيبك… 

لم يُكلف نفسه عناء الرد عليها بل جذب مقعد و جلس جوارها، كُل ذلك و يدها تُحاول الفكاك من قبضتهِ الوحشية إلا أنها لم تستطع، و بـ يدهِ الحُرة إلتقط طبق فارغ ثم بدأ في وضع الطعام و وضعه أمامها قائلًا بـ هدوءٍ غريب زاد من خوفها 

-كُلي يا غُفران، كُلي يا بنيتي… 

نظرت إليه نظرة صاعقة و أدارت وجهها تُعبر عن رفضها، فـ زفر عابد بـ نفاذ صبر ثم و بـ يدهِ إلتقط طعام و قربه من فمها و لكنها أبت أن تفتح فمها، حينها فَقَدَ عابد آخر ذرات تعقله و إنفلت عُقال تحكمه في نفسهِ ليترك يدها ثم قبض على فكها و أداره إليه فـ صرخت غُفران بـ ألم

-إتركني… 

و لكنه لم يستمع لها بل ضغط عليه بـ قوةٍ أكبر لتفتح فمها ثم بعدها دس الطعام فيه، فـ رمقته بـ نظراتٍ مُحقرة مُمتزجة بـ ألمٍ، ليقول عابد دون أن يأبه لحالتها 

-مش عايز يجولوا إن عابد حارم مراته من الأكل، و لا إيه رأيك يا عروسي!...

إبتلعت غُفران ما في فمها ثم صرخت بما يسمح لها الوضع الحالي مُعبرة عن رفضها لوصمها بـ شيءٍ عاره لا تستطيع التخلص منه 

-مش عروسك و مش هكون… 

تنفس عابد بـ صوتٍ عالٍ ثم دنى و همس بـ خُبثٍ في أُذنها مُسببًا لإنكماشها خوفًا من إعادة ذكرى بشعة تدنست هي بها 

-أنتِ عروسي و بتعرفي إني أعرف أثبتلك… 

كادت أن تجأر مُعترضة و لكنه أخرسها مُزيدًا من ضغطه و بـ نبرةٍ جعلتها تبتلع ما تنوي قوله

-بتعرفي إني أقدر، محدش يقدر يمنعني عنك، أنا زوچك و بعمل اللي بريده
-هدرت مُتألمة و يدها تُحاول إبعاد يده عن فكها:مش هتاخد حاجة غضب عني… 

ضحك عابد و جذب وجهها قريبًا من وجههِ و فمه يكاد يتلمس كُل إنش بـ فمها و هتف هامسًا بـ صوتٍ تصلبت له شرايينها و عجزت عن ضخ الدماء إلى عقلها لتفهم ما يود قوله

-و مين قال باخدها غصب!... 

حدقت به غُفران بـ رُعبٍ ظهر واضحًا في حدقتيها الزائغة ليُكمل عابد و كأنه ينوي تقبيلها 

-أنا هاخدها عن طيب خاطر… 

حاولت إبعاد وجهها عن مرمى شفتيه ثم هتفت من بين أسنانهِا

-و أنا بجولك لأ، مش هتاخد حاجة
-إبتسم من زاوية فمه و قال:وقتها نشوف… 

ترك وجهها و إبتعد عنها، و همّت بـ النهوض هاربة من بين أسنانهِ التي كادت أن تفترسها إلا أن صوته جاء آمرًا و مُحذرًا جعلها تتراجع عن قرارها العنيد

-إچلسي يا غُفران، مش هعيد حديثي تاني… 

جلست و نظر إليها من طرف عينه ليجدها بدأت تتناول بـ بُطءٍ ليقول و هو يُخرج لُفافة تبغ

-أنتِ مسؤولة عن البيت هنا، و هتعيشي هنا زيك زي أي زوجة، ليكِ واجبات… 

تحت أنظارها الساخطة أخرج سحابة رمادية مُعبقة بـ رائحة أنفاسه التي وصلتها توًا و أكمل بـ نبرةٍ ذات مغزى

-و عليكِ حقوق، تمارسيهم بـ شكل يليق عاداتنا و تجاليدنا… 

فتحت فمها تنوي الإعتراض و لكنه أشار بـ يدهِ الحاملة اللُفافة بين إصبعيهِ و هددها قائلًا بـ سُخريةٍ أثارت غضبها 

-عناد البهايم دا مش هيمشي معايا… 

إنتفخت أوداجها غضبًا و إشتعلت حدقتيها بـ إنتفاضة رفض قاطع و لكنه لم يأبه بل حدق بها بـ برودٍ تام، جعلها تهتف بـ سخط و هي تضرب طبقها

-إطفي السجارة دي، ما بطيقها و لا بطيق ريحتها… 

ليُثير حنقها أكثر تنفس هواء لُفافته بـ عُمقٍ ثم زفره بـ وجهها لتسعل غُفران بـ قوةٍ ليُطفئها عابد و ظل مُحدقًا بها، لتزفر بـ حدةٍ ثم همست بـ صوتٍ وصله واضحًا - عن قصد - 

-ولا بطيقك… 

ليضحك عابد ساخرًا منها، ثم نهض و تركها يكاد الحنق يخنقها 

*****

ترجل من سيارته ثم توقف أمام منزل كريه لا يُريد القدوم إليه و لكنه مُجبر و مُقيّد و كأنه وقع أسيرًا لمعركة خاسرة لم يكن هو طرفًا فيها، زفر بـ ضيقٍ ثم وضع نظارته الشمسية و توجه إلى حيث يقف حرسين ما أن رأوه حتى وقفا يمنعاه من المرور

زفر عابد و رفع يديه ثم قال بـ نبرةٍ مكتومة ينظر إليهما بـ نظراتٍ حانقة 

-السلاح فـ العربية 
-حضرتك عارف الإجراءات… 

لوى شدقه بـ ضيقٍ و رفع يديه ثم تقدم أحدهما و بدأ في تفتيش عابد في كُل إنشٍ، و ما أن إطمئن من عدم حمله لسلاحٍ هتف و هو يُفسح له المجال

-إتفضل يا عابد بيه… 

أومأ بـ وجهٍ مُكفهر و دلف صامتًا ينظر في أنحاء المكان الشبه مهجور رغم الإعتناء المُبالغ به إلا أنه يظل مكانه الكريه، لم يره كثيرًا و لكن يكفي مرتين رآى هذا المكان و كرهه أكثر من الطريق الذي يسير به - مُجبرًا - 

وصل إلى حيث يجلس قاسم و معه شخصٌ ما و الأرجيلة في يدهِ يصدر صوت كركرتها في أنحاء المكان المُشمس و الخالي تمامًا، قبض يده و إقترب منهما لينتبه قاسم له ثم إبتسم و قال بـ نبرةٍ مقيتة

-تعال يا عابد… 

إضطر ليبتسم عابد إبتسامةٍ خاوية و إقترب يجلس جواره ثم قال بـ نبرةٍ ساخرةٍ

-إحنا فـ المدينة يا قاسم إتكلم عادي 
-قهقه قاسم و قال بـ نبرةٍ ذات مغزى:إتعود عليك رجل بيحافظ على هويته… 

تشنج فك عابد بـ غضبٍ لاحظه قاسم فـ أخرج دُخان داكن يُشبه روحه يُريد إغضابه أكثر إلا أن الأول رد بـ برود عجيب

-المبادئ بتتغير… 

رفع قاسم حاجبه مُبتسمًا و نظر إلى الجالس أمامه ثم أشار بـ مِبسم الأرجيلة إليه و قال 

-مُصلح، دراعي اللي بيعمل كل حاجة هنا… 

نظر إليه عابد بـ تدقيق، كان شاب هزيل الجسد يبدو عليه أنه يُعاني فقر دم حاد، يظهر على ملامحه الخائرة التوتر و الإهتزاز و كأنه يُعاني من مرضٍ ما، أو ربُما هو مُدمن مخدرات فـ نظر إلى قاسم من جديد و نظرته تُطلق السؤال فـ ضحك الثاني و أجاب نافيًا 

-لا مش مُخدرات متقلقش، أنا مأذيش رجالتي 
-لم يهتم لحديثهِ و سأله:و بتعرفني عليه ليه!... 

وضع المِبسم في فمهِ ثم هتف و هو يزفر الدخان الخانق 

-هتكملوا الشُغل هنا سوا… 

تصلبت تعابير وجهه، كان هذا غرضه مُنذ البداية بعدما كان يقتصر دوره على البادية أصبح يتوسع ليشمل نطاق المُدن أيضًا حيث أن قوانينه و سُلطانه لا يستطيع مُمارستهما هُنا، إرتسمت على ملامحهِ معالم الرفض و قرأها قاسم ليقول بـ خُبثٍ 

-و قصادها هدورلك على المحبوب
-سأل بـ نبرةٍ حذرة و شديدة الخطورة:و إيش بتجصد! 
-ضحك ساخرًا و قال:رجعت لهويتك تاني يا عابد
-تطاير شظايا الغضب من عينيهِ و هو يهتف:إيش بتجصد يا قاسم؟!...

لم يرد قاسم بل نظر إلى مُصلح و أشار له بـ رأسهِ ليتحدث، فـ حمحم الآخر و هتف بـ صوتٍ مُتردد

-أأ يعني عندنا معلومة عن مكان قوت… 

و ليته لم يتفوه بـ كلمةٍ واحدةٍ، إذ قبض عابد على تلابيب مُصلح الذي أصابه الذُعر من مظهر الوحش الجاثم على أنفاسه الآن، ثم و بـ صوتٍ أسرى الرُعب في أوصاله حتى ظن أن الشلل قد أصاب خلاياه

-عيد حديثك مرة ثانية
-حاول مُصلح الحديث بـ تلعثم:إي، هعـ هعرف لك مـمكان قـ… 

حينها أوقفه صوت قاسم يقول بـ صوتٍ صارم يُجمد الدماء في الأوصال رغم هدوء نبرتها 

-هنا يا مُصلح اسماء الحريم مش بنجولها، عابد رچل و بيغار… 

أمسك قاسم ذراع عابد التي تُمسك عُنق مُصلح يربت عليها دون أن يتحرك من مقعدهِ ثم هتف ضاغطًا على حروفهِ

-إتركه يا عابد هو ما بيعرف عاداتنا… 

لم يرد عليه عابد، بل بدا و كأنه نسى وجوده تمامًا و ظل ينظر إلى مُصلح نظراتٍ قاتلة، ليهتف قاسم من جديد بـ صوتٍ أكثر صرامة ليصله بـ وضوحٍ تام 

-إتركه يا عابد… 

تركه عابد بـ دفعة عنيفة كاد يسقط على إثرها إلا أن الحارس الواقف خلفه حال بين ذلك، ثم جلس في مقعدهِ و استطرد قاسم حديثهِ بـ صوتٍ آمر

-ما بريد يا عابد مشاكل، و هو ما بيعرف عاداتنا، بنعرف وين بنية الشيخ راغب
-قاسم!... 

هدر بها عابد و ضرب على الطاولة لينظر إليه قاسم قائلًا بـ هدوءٍ إلا أن نبرته تحمل في طياتها الكثير 

-بلاش تهديد، بعرف وينها و لإيش بتخطط… 

صمت لثوانٍ قليلة ثم هتف مُتخابثًا 

-هتتزوچ أرسلان الهاشمي… 

*****

عاد إلى منزلهِ بعد يومٍ طويل و شديد الرُعب، تلك الشخصية التي تلبسها بدأت تنسل من بين يديهِ، نظر إلى يدهِ التي ترتعش رُعبًا بـ غضبٍ بالغ ليضرب الحائط و هو يصعد الدرج ثم هتف و هو يحك رأسه بـ عصبية

-مكنش لازم أوقف الدوا يومين… 

فتح أزرار قميصه الأبيض ثم وقف أمام شقته و بعد لحظاتٍ من المحاولة ليُعيد تنظيم أنفاسه و العودة إلى إتزانه الصعب، ثم رسم إبتسامةٍ لائقة على شفتيهِ و دلف قائلًا بـ صوتٍ عال ليسمعه الجميع 

-السلام عليكم… 

توجه إلى شقيقهِ الصغير الذي تم تشخيصه مُنذ مُدة طويلة بـ إصابتهِ بـ التوحد، يجلس أرضًا و جسده يهتز إلى الأمام و الخلف يلعب بـ ألعابٍ غريبة يراها لأول مرة و في الوقتِ ذاته خرجت والدته من المطبخ مُمسكة بـ يدها السكين و الأُخرى بها حبة بطاطس صغيرة و قالت مُبتسمة 

-جيت ليه بدري كدا! الغدا لسه مجهزش… 

لم يستطع التركيز في حديث والدته إذ صب جُل تركيزه مع شقيقه و ألعابه الغريبة، فـ أكملت والدته حديثها بـ بهجةٍ غريبةٍ

-بس مكنش له لزوم المصاريف دي كُلها يا بني، بيتنا فيه خير كتير… 

إسترعى حديث والدته إنتباهه فـ نظر إليها بغتةً و سألها بـ عدم فهم

-قصدك إيه! خير إيه مش فاهم! 
-تعجبت والدته و قالت بـ إستنكار تعتقد أنه نسى كما يفعل دائمًا:الحاجة اللي بعتها مع البقال و الفكهاني… 

شعر و كأن رأسه يغلي و التفكير يكاد يُفجر رأسه، و قبل أن يرد سمع صوت التلفاز العالي بـ مقاطع تحوي صُراخ لا يُلائم أعمار أطفال هذا المنزل فـ ترك والدته و إتجه حيث الصوت

ليجد شقيقته الصُغرى جالسة أمام التلفاز تُشاهد أحد الأفلام التي لا يعرفها و لكن ما جعل جسده يتجمد أرضًا و الدماء تفر من عروقه و كأنه تم وضعه في مُكعب ثلجي شلّ أطرافه 

تلك المنطقة في المشهد هي ذاتها الحي الذي يقطن به و المنزل من الخارج هو منزله، ثم تُهلل الصغيرة 

-شبه بيتنا يا أبيه
-نفى بـ تيه:مش شبهه، دا بيتنا… 

و مع تلاحق الصور و الأحداث أمامه، فجأة إندلعت النيران في المنزل بـ التلفاز أمامه، كان تحذيرًا مُميت يُخبره أنه يُلاحقه كـ فريسة تظن أنها هاربة من أنياب صائدها و لكنها لا تعلم أنه يغرس أنيابه بها دون أن تشعر، هُنا و عَلِمَ أن أبواب الجحيم فُتِحت على مصرعيهِا و إستقبله الشيطان ذاته، ليته لم يرتكب في حقهِ هذا الإثم

وجد شقيقه يشده من بِنطاله و يُعطيه ورقة صغيرة ثم عاد يلعب من جديد، ليفتحها و يقرأ ما دُوِن بها، و حانت النهاية يا صديقي

الجحيم ما هو إلا شيطان، و الشيطان كان أرسلان الهاشمي
تعليقات



×