![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل التاسع عشر بقلم إسراء على
شحب وجهه تمامًا و كأن الدماء تُعلن استسلامها و هروبها من ذاك الموقف المُخيف ، توقفت حواسه عن العمل و ترقب القادم و أنه موت عائلته لا محالة ، ينتظر تحقيق المشهد حقيقيًا و هو داخل الأحداث يشهد ما اقترفته يداه
فاق من حالة شروده المُرعبة على صوت الهاتف يصدح بـ رقمٍ مجهول أرقامه جعلت قلبه يخفق بـ جنون و هو يعلم هوية المنتظر ، ظل يُحدق به طويلًا حتى توقف عن الرنين و معه توقفت ضربات قلبه ، لتعود و تُعلن عن حربٍ مع علو صوت الرنين من جديد
و ذات الرقم الذي جعل حبات العرق تتسابق في الفرار على وجنتيهِ و بعد القليل من اللحظات قرر الاستجابة لأنه يعلم في داخله جيدًا أن لا فِرار من أبواب الجحيم التي فتحها بـ نفسهِ
مش محتاج أقولك إنك لو مجتش عندي إيه اللي هيحصل
عرفت بيتي منين! –
-مش المفروض تسأل السؤال دا و أنت عارفني كويس.
كاد أن يتحدث و لكن حديثه خرج مُتلعثمًا ليُكمل أرسلان حديثه بـ نبرةٍ سوداوية ، قاتلة مُعلنة بـ جحودٍ مدى قسوة المُتحدث
و متنساش تاخد دواك ، عايز أشوف الشخص التاني .-
أغلق أرسلان الهاتف و ترك الآخر ينظر إليه بـ ذهولٍ امتزج بـ الخوفِ الذي تسرب إلى أعماقهِ و هو يعلم جيدًا أنه لم يكن عليه العبث مع شخصٍ تيقن في قرارةِ نفسهِ أن لقب الشيطان لا يليق سوى به
لم يكن عليه أن يدع مجالًا لجنونهِ يسوقه للعبث معه ، و لكنه أراد أن يرى ذلك الشخص مُجددًا ، جنونه الداخلي و سيطرة عبثه النفسي جعله شخصًا أحمقًا سيقف خاسرًا دون القُدرة على التحرك و الدفاع عما تبقى له
أجبلك تتغدى الأول يا مُصلح؟ وشك أصفر.-
نظر إليها مُصلح بـ شرودٍ قبل أن يتمالك أعصابه التالفة ثم أجبر نفسه على الابتسامة و هتف يعود إلى باب المنزل
لا يا ماما ، جالي تليفون شغل ، هخلصه الأول و أجي-
ثم و لم يدع لها مجالًا للرد و استدار ليرحل و لكن قبلها ، عاد و قطع الكهرباء عن التلفاز ثم أخذ القطعة الواصلة به تحت صياح شقيقته
لأ متاخدهاش ، الفيلم حلو.-
و لكنه تركها دون أن يستدير أو يلتفت إليها و انطلق مُسرعًا إلى حيث يعلم جيدًا أين ينتظره أرسلان الهاشمي ، و عليه أن يستعد فـ القادم ما هو إلا نذير مُرعب لشيطانٍ استعاد هويته من أجلهِ فقط
*****
كان يعلم إنه إذا تأخر قليلًا سيتحول الفيلم من مُجرد مشاهد إلى حقيقة تخضع لقانونٍ واحدٍ فقط و عليه الانصياع و الرضا بما اقترفته يداه ، تحرك في هرولةٍ و هو على يقينٍ بـ مكان انتظار أرسلان الهاشمي له ، و لكن قبل أن يصل
أخرج عُلبةً بيضاء إبتلع قُرصين دون ماء و إنتظر حتى بدأ مفعول الدواء بـ الظهور ، و بعد وقتٍ قليل بدأت أعراض التوتر و الإرتجاف بـ الإنسحاب تدريجيًا حتى إرتسمت ابتسامة عريضة على وجههِ و ظهرت ملامح الجنون مع شخصيةٍ طُمست معالمها في ذلك الحي الذي يُطلق عليه
دا بيتكسف من خياله" "
توجه في طريقهِ يُطلق صافرة توحي بـ الثقةِ بعدما كاد أن يموت رُعبًا ، أسنانه التي إصطكت لـ خوفًا ها هو يُلمعها بـ لسانهِ و كأنه يشحذ أنيابه استعدادًا لإفتراس مخلوق لطالما تاق إلى رؤيته بعد تلك السنوات
إقترب من ذاك المكان الذي به قُتل والد زوجته و قتل معه آخر ذرات قد تبقت من إنسانية أرسلان و هذا ما كان يسعى إليه مُنذ البداية ، توقف أمام الباب و بدأ في تعديل خُصلاته و هندامه و كأنه على وشك مُقابلة شخصية شهيرة ، ثم و طرق الباب ليجده فُتِحَ دون الحاجة إلى طرقهِ ، ليعلم أنه كان في إنتظاره و هذا ما جعله في حالة نشوة فارغة
دخل و خطت قدمه المنزل ليعلو صوت صدى خطواته على أرضية المنزل الفارغ ، رغم إتساعه و نوافذه المفتوحة جاعله الرياح تتغلل في أنحاءه مُسببة صوت صُراخ يكاد يصم الآذان إلا أنه شعر بـ أن الهواء ينحسر عن رئتيه مُسببة اختناقه ما أن رأى ذلك الظل الأسود الذي إلتفت إليه بـ عينين تُشبه نمر يتربص بـ فريسةٍ رغم تظاهرها بـ القوةِ إلا أن ذلك النمر يغوص في دواخلها تاركًا إياها عارية من الشجاعة ، فقط رداء مُمزق من الخوف يُخفي البعض عنه
يرتدي السواد الذي ماثل الظل و كأنه ليلً مُظلم سرمدي بلا نهاية ، رغم ثقته المزعومة و التي تبخرت و ذهبت أدراج الرياح يرتعش قلبه و بـ داخلهِ يلعن
سُحقًا الدواء لا مفعول له أمام الشيطان ، ظل أسود بـ ظلالٍ أشد سوادًا وجد مُصلح أنها تلتف حوله تجعله يُشارك ذلك الظلام بلا حول أو قوة و كأنه جزء منها و إنسل منها هاربًا ليعود إلى مكانهِ من جديد
صوت خطوات أرسلان الوئيدة التي تقترب منه تجعل المنزل يرتج معها و تُقرر الدماء الفرار منه في مُحاولةٍ بائسةٍ للهروب و النجاةِ من بطشه ، خطواته و كأنها مغناطيس جعلت مُصلح ينتظر في يأس مصيره ، الدواء الذي جعله يقف أمام أعتى الرجال ها هو يُعلن استسلامه أمام أرسلان الهاشمي
وقف أرسلان واضعًا يديه في جيبي بِنطاله ثم طالع مُصلح بـ نظراتهِ الفاحصة التي تكاد تخترق ذلك الواقف ، ليتحدث أرسلان بـ صوتٍ هادىء إلا أن وقعها كما وقع الرعد تمامًا مُخيف و يثير الرجفا في الأبدان
بستغرب أوي من اللي بيفكروا نفسهم أذكيا و محدش هيعرفهم-
هتف مُصلح و هو يستجدي الثقة من الدواء: بس أنا كُنت مستنيك تعرفني-
ليتبسم أرسلان إبتسامتهِ المُخيفة و يسأل: و نُلت اللي عايزه! –
صاح بـ داخلهِ صوتًا يصرخ بـ ألا يُجيب و إلا العواقب ستكون وخيمة ، لذلك إزدرد لُعابه دون أن يفتح فمه ، ليسأله أرسلان مُجددًا بـ صوتٍ تحذيري قاتم لا مجال لمُعارضته
نُلت اللي عايزه! –
لم يستطع مُصلح الرد فـ إكتفى بـ إيماءة طفيفة و هو يلعن داخله ذلك الدواء القذر ، ليتبسم أرسلان بـ سُخريةٍ و يهتف بـ فحيح أشد سُخرية
أومال لو مش منبه عليك تاخد دواك كُنت هتعمل إيه؟-
نظر إلى ساقيه و اتسعت ابتسامته و بـ فحيح سام ، ساخر ربت على كتفهِ و استطرد
كُنت عملتها هنا.-
استشاط مُصلح غيظًا و رفع يده ليضرب أرسلان بـ سكينٍ ما و لكن الآخر كان يتوقع ذلك ، فـ أمسك يد ذلك الهزيل و قام بـ ليّها لتُصدر صوتًا نافس في علوهِ صوت صراخه ألمًا و سقطت السكين أرضًا و لم يكتفِ أرسلان بـ ذلك قط ، بل أكمل ليّها بـ قوةٍ أشد مُجبرًا إياه على السقوط جاثيًا أرضًا ناظرًا إلى ذلك المُتحجر من علو
ظل أرسلان مُحدقًا به حتى أمسك السكين و لوّح بها على وجنتهِ قائلًا بـ نبرةٍ نذيرها نذير حرب
لعبت لعبتك و إتبسطت! -
ظل مُصلح محدقًا به بـ أعين مُرتعبة تكاد تخرج من محجريها هربًا من ذلك النذير السام ، و استطرد أرسلان و يده تشتد قسوة
المرادي هتلعب بس لعبة قوانينها أنا اللي بحددها.-
أراد مُصلح الحديث و لكن بدلًا عن حديثهِ خرجت صرخة مُتألمة سافر صداها أرجاء المنزل إذ طعنه أرسلان في ساقهِ المُصابة بـ حادثة سابقة و بـ مكان جرحه القديم ، غرسها بـ قوةٍ و لفها مرتين ليشهق الآخر و حاول إبعاده عنه و لكن الذي أمامه لم يتحرك ، بل هتف بـ جمودٍ تام
العقل لوحده من غير جسم ملوش لازمة.-
و كأن الدواء لم يكن و تأثره اللحظي إختفى و أعلن الخوف و شخصه الجبان ظهوره فـ شهق باكيًا يتوسله
أبوس إيدك كفاية ، شيل السكينة ، أنا هعمل اللي أنت عايزه.-
نظر إليه أرسلان بـ إشمئزازٍ و نزع السكين بـ حدةٍ و مسح الدماء لـ ثياب الباكي و هدر بـ صوتٍ مُخيف
لو خايف على اللي باقي من عُمرك و عُمر عيلتك ، نفذ أوامري.-
زحف و ملامحه تتلون بـ رُعبٍ يُحاول أمساك ساق أرسلان و هو يتوسله باكيًا
عيلتي لأ ، هما ملهمش ذنب ، أنا اللي عملت كدا.-
ظل أرسلان ينظر إليه دون أدنى ذرات الشفقة ، دون أن تزور ملامحه الرحمة قبل أن يجثو و يربت على خُصلاتهِ في حركةٍ تبدو و كأنها مزاياه و لكن يده ما كانت سوى خيوط من نار تحرق مُصلح بـ نيرانها السوداء تحرق الروح قبل الجسد
هفكر.-
حينما تفترس الظُلمة روحك تخسر ما ظننت أنك عشت َ لأجلهِ
*****
و المُحب أمام المحبوب ، مهزوم
ترجل أرسلان من السيارةِ بـ وجهٍ جامد يخلو من التعابير المُنتمية للبشر ، وجه صخري أشبه بـ تمثالٍ حجريّ مرَّت عليه العقود و لا يزال صامدًا و لكنه فَقَدَ الكثير ، إتكأ إلى مُقدمة السيارة و ظل يُحدق بـ المنزل الذي ظن أن ركائزه ستدوم أمام الرياح الطاحنة و الأعاصير التي دمرت مأمنه القديم
كان عليه أن يعلم أن السعادة الواهية لا تدوم ، أن السفينة التي تشق الأمواج ستضربها موجة أو ربما صخرة مخفية ستشققها و تُسبب غرقها و هو لم يكن بـ الرُبان الماهر يستطيع الإمساك بـ الدفة بل كل ما يهواه كان إمساك السكين و نحر الأعناق
نظراته كانت عميقة كـ بئر مهما نظرت إليه و حاولت البحث عن نهايةٍ فلا تجدها ، ربُما أخطأ في التشبث بـ تلك السعادة دون مُحاولة التخلص من الماضي و أثاره العطنة ، ذلك المنزل الذي يحوي بـ داخلهِ حياته و روحهِ أشياء إن خسرها فـ ستعني النهاية الحتمية
وجدها تخرج إلى الشُرفة و تنظر إلى الفراغ القاتم أمامها بـ أعين فارغة تمامًا و السبب يقف و يتلصص عليها يُحاول إشباع روحه الهائمة ، لا يستطيع الهروب من ذنبهِ الذي يُلاحقها و صوت والدها الذي أخبره ذات يومٍ
أنت هتكون السبب فـ موتها "“
و الواد كان مُحق يكفي موت روحها ، لم يشعر في حياتهِ بـ ذلك التردد قط ، لم يشعر بـ ذلك العجز المُؤلم سوى مرتين و في كِلتا المرتين كانت القاضية ، ملامحه الداكنة لا توحي بـ ثوران روحه
بينما كان ينظر إليها وجد نظراتها مُتعلقة به فـ انتفض جسده استجابةً لها و تحفزت حواسه استعدادًا للكهرباء التي ستسري في نفسيهما المُتعلقة بـ نظرةٍ صامتة
دام تبادل النظرات و الحديث الصامت حتى دخلت سديم و أغلقت الستائر و الأضواء ، و لكن نظراته أبت الانصراف و ظلت مُتعلقة بـ مكان تواجدها ، حتى مرت الدقائق دون أن يشعر و سأم الانتظار و ما أن استدار ليرحل حتى وجدها تقف أمامه عاقدة ذراعيها أمام صدرها ، باهتة ، تفتقر إلى أبسط معاني الحياة ، ترمقه بـ نظراتٍ قاسية ، حاقدة و هو يستحقها
وقف أمامها صامتًا حتى هتف يسألها بـ صوتٍ خشن شديد الصلابة
إيه اللي منزلك من البيت فـ وقت متأخر زي دا يا دكتورة؟-
لم تُجب سديم و ظلت تُحدق به فـ أمسك أرسلان يدها قابضًا عليها بـ قوةٍ خشية أي رد فعل شديد الغباء منها كما إعتاد و لكنها لم تُحرك ساكنًا ، بل سكنت تمامًا و كأنها طفلة تقف أمام لُعبتها المُفضلة و التي تُهدئها و هذا ما أثار حفيظته و سألها مُجددًا بـ صوتٍ أشد غلظة
بسألك يا دكتورة ، جاوبي!-
رفعت يدها تمسح وجهها ثم قالت بـ تيه و كأنها غير واعية للعالم الحقيقي حولها
لنفس السبب اللي أنت جيت عشانه.-
هُنا و تأكد أرسلان أنها تُعاني من خطبٍ ما ، فـ رقت قبضته حولها و جذبها قائلًا يتجه ناحية المنزل
طب خُشي دلوقتي و بعدين نتكلم فـ السبب.-
تحركت قدماه رغم رفضه لفكرة دخوله المنزل الآن و لكن تلك الحمقاء يبدو أنها فقدت عقلها و هذا ما ينقصه ، و أثناء سيره البطيء تحدثت سديم بـ همهمةٍ جعلته يتوقف مكانه
أنت هتسيبني تاني ! هتسيبني فـ وقت زي دا يا أرسلان!-
سمع صوتها و هي تبكي بـ صوتٍ يُشبه بُكاء الأطفال و هي تُعنفه بـ حدةٍ
أنا محتجالك و استنيتك تيجي كتير.-
*****
عاد عابد إلى المنزل و الشياطين تحوم حوله و توسوس له بـ أفعال شيطانية يرتكبها في حق تلك الفتاة الضعيفة ، تتزوج آخر! لا والله لن يحدث هي ملكهُ و ستظل ملكه حتى و إن كان عليه أن يخطو فوق الجُثث ليصل إليها و زاد هوسه و تملكه لها ما أن عَلِمَ ما تُخطط له قوت لتهرب من براثنه و هو لم يسمح لها حتى و إن كانت في آخر البلاد
رفع قفطان عباءته ثم ركض الدرج و دفع الباب بـ قوتهِ الجسدية ثم بحث عن تلك التي لا تعي شيئًا حتى وجدها أمام النافذة تنظر حول الحديقة الخلابة ، فـ إتجه إليها و تكاد النيران تحرقها و قد وصلها لهيبها قبل أن يقترب منها لتلفت غُفران على وقع أقدام خلعت قلبها فـ وجدته قادمًا بـ أعين لا تُبشر بـ الخير كُل ما تحويه هو شر مُطلق ، و رُغمًا عنها أصابها الهلع لهيئة البربرية
-إيه في إيه!
لم يرد عابد بل أمسك ذراعيها بـ قوةٍ كادت أن تُهشم عظامها فـ تأوهت غُفران لشدة الألم الذي ضربها ، ثم هدر و هو يهزها بين يديهً حتى كاد أن يُصيبها الدوار
- مفكراني مش هعرف يا غُفران! وقت چيت هنا كُنت عارفة إن قوت بتبحث عنه لأجل تتزوچه!
- -أنت بتتكلم عن إيه مش فاهمة.
هدرت بها و هي تُحاول الفكاك من قبضتهِ الضارية و صوتها يصرخ بـ ألمٍ أصبح لا يُحتمل و لكنه لم يأبه بل نبش أظافره في جسدها و دفع بها إلى مقعد و من ثم أطل بـ جسدهِ عليها و هسهس بـ فحيحٍ جعلها تنكمش خوفًا مُتناسية ألمها الذي كاد أن يحرق ذراعيها
- لأ عارفة كويس يا بنية الشيخ راغب ، أنتِ و أبوكِ بتضحكوا عليا ، شايفني عيل صغير!
- إحنا مش شايفينك أصلًا.
أثار كلامها حفيظته ليبتسم بـ شراسةٍ فتّاكة و همس يدنو منها و هي تنكمش أكثر في مقعدها حتى كادت أن تختفي
- حاسبي على لسانك معي ، و فكري كويس قبل تچاوبي
- همست من بين أسنانها: أنت فاكر إنك هتخوفني!
- ضحك و أجاب بـ بساطة: لأ مبفكرش ، أنا فعلًا بعمل إكده.
قبض أكثر و رفعها عن المقعد قليلًا فـ شهقت غُفران بـ ذُعرٍ قوي ، الآن هي تعي أنها طائر جريح في موجهة تنين ما أن يُحرك قدمه فـ يدهسها بلا شفقة ، ازدردت لُعابها بـ توتر و حاولت الكلام و لكن عابد قاطعها و هتف مـحذرًا
-فكري كويس إيش بتقولي يا غُفران.
صمتت و هي حقًا خائفة مما قد يقُدم على فعلهِ فـ أحنت رأسها و أجابت بصراحة و هي تعلم جيدًا أنه لن يتركها حتى يحصل على مرادهِ
- قـ قوت هربت و چت هنا عشان تخلص منك ، و مكنش فيه حل غيره.
و ليتها لم تتفوه بـ الحقيقة فـ زاد غضبه حتى ظنت أنه يسرق أنفاسها فـ شهقت سعيًا للحصول على بعض الهواء و لم تجد سوى النيران النابعة منه تتنفسها فـ يزيد من حدة اختناقها ، ظلت تُحدق به حتى دفعها لتسقط فوق المعقدة لتتنفس بـ راحة باحثة عن سبب ضئيل للحياةِ و لكنه لم يسمح لها ، إذ أمسك هاتفها المُلقى فوق الطاولة ليضرب رأسها فـ صرخت بـ ألم و كادت أن تسُبه إلا أنه تحدث بـ نبرةٍ جعلت عظامها ترتعد من خطورتها و شدة ما بها تحذير مُميت
- كلمي قوت حالًا ، بريدها تچي
- هدرت غُفران بـ غضبٍ مُتناسية خوفها: أنت أكيد إتجننت.
ضحك عابد و دنى منها هامسًا فـ إقشعر جسدها لتهديدهِ الصريح و الذي لن يتوانى عن تنفيذه و إن كان يعني قتلها فـ سيفعل ، فـ ما تراه الآن ليس عابد بل وحشٍ بغيض يُريد سرقة ما ليس من حقهِ
- لأ مش جنان ، بس لو منفذتيش مش هيطلع عليكِ صباح.
حاولت غُفران دفعه و رغم قوتها التي حاولت استحضارها إلا أنها فشلت أمام قوته الجُسمانية المُخيفة و هتفت تضربه في صدرهِ
-لا يمكن أعمل كدا ، و لا هسيبك توصلها.
أخرج عابد سلاحه و أطلق رصاصة فـ أصابت السقف مُسببة سقوط بعضًا منه ، لتصرخ غُفران على إثرها و الهلع يعتري جميع خلايا جسدها ، لقد جن جنونه حقًا و سيقوم بـ قتلها لا محالة ، فـ لم تجد بدًا من ركلهِ على حين غفلة و ركضت تختبىء منه و لكنه أمسكها ثم ألقى بها فوق طاولة الطعام و وضع جسده فوقها يمنع حركتها لتخرج صرخة شقت المنزل و لكن لم يجرؤ أحد على أن يحول بينهما
أمسك عابد عنقها دون أن يضغط عليه و هسهس بـ صوتٍ يُذيب الأوصال لدرجة أن غُفران و لأول مرة تبدأ في البُكاء أمامه خوفًا
- يا غُفران يا بنية الشيخ راغب ، يا زوچتي ، لو ما بتريدي حياتك تنتهي في هذه اللحظة ، إتصلي بـ قوت.
لم تستطع غُفران الرد لشدة بُكاءها و لكنها حركت رأسها نفيًا ، هنا و قد بدأ عابد يفقد ذرات صبره ليضغط على عُنقها حاسرًا الهواء عن رئتيها و هتف بـ صوتٍ غليظ يفتقر إلى الرحمة
- قولتلك بلاش تخلي الليلة دي آخر ليلة فـ عُمرك.
لوهلة نظر جيدًا إلى معالم وجهها الذي كاد أن يشيب خوفًا و بُكاءها الذي أخذ من كُحل عينيها خطًا أسودًا يُزين ملامحها بـ لونٍ أسود يُشبه ملامحه ، ليُخفف قبضته عن عُنقها و تنفس ينفث غضبه ثم وضع رأسه فوق كتفها و دفن فمه في عُنقها النابض بـ الرُعب و هتف بـ صوتٍ هادىء و كأن ذلك الشخص الذي كان قد شرع في قتلها لم يكن
- إتصلي بـ قوت يا غُفران.
ليصدح صوت من خلفه يقول بـ برودٍ و حدةٍ جعلت قلبه ينبض من جديد
- مفيش داعي يا عابد ، أنا إچيت لحد عندك ، إتركها ، إترك غُفران.
*****
توقف أرسلان على صوتها الضعيف و نظر إلى وجهها الباهت دون ردٍ يُذكر ، هو يعلم أنها ليست في أحسن حالاتها و ما أن تستيقظ حتى سينخر الندم عظامها و تنقذ نفسها ثم تنبذه معها و هو لا يُريدها أن تدخل في تلك الحالة القاسية ، ليربت على كتفها بـ رقة لا تتناسب مع قساوة ملامحه
- خشي يا دكتورة الجو برد.
و لكنها لم تتخلَ عن يدهِ بل تمسكت بها و همهمت بـ صوتٍ أشد ضعفًا من هيئتها التي تُشبه الموتى
- خليك والله محتاجاك.
زفر أرسلان و أمسك يدها ثم حملها بين ذراعيها لتلفها سديم حول عُنقه و تضع رأسها على صدرهِ و بدأت تتحدث معه حتى و إن لم تنتظر رده
- أنا فكرت لما اشوفك همسك السكينة و أقتلك ، جوايا كره كبير ليك و حقد مش عارفة أتخلص منه ، بس لما شوفتك لاقيت جوايا فراغ أكبر من كُل دا ، منا لو قتلتك هبقى زيك.
العبارة صمّت أُذنيه و لكنه استمع لها دون أن يتفوه بـ حرفٍ مع ملامح صخرية ، قاسية كما اعتادته قبلًا ، فـ أكملت سديم و يديها تشتدان حول عُنقه خائفة أن يتركها تسقط
- هبقى زيك و هخسر نفسي و بابا مش عايز كدا.
رفعت رأسها و نظرت إلى سواد عينيه الشبيه بـ صحراء قاحلة في ليلٍ لا يؤنس وحدته سوى صوت الرياح و استطردت بـ صوتٍ غلبت نبرته البرودة و القسوة
- كان بيقولي دائمًا متخسريش نفسك معاه ، لو غرزتِ فـ حياته أوي مش هتعرفي تطلعي و هتبقي نسخة أشرس منه.
وضعت رأسها من جديد فوق صدرهِ و هي غائبة عن وقع كلماتها عليه ثم همست بـ خفوتٍ و نبرةٍ ترجع لصاحبتها القديمة
- و أنت مش هتسحملي أصلًا و لا هتحب أبقى نسخة منك.
و إن كانت تنتظر ردًا فـ لم تجد.سوى الفراغ و صوت الحشرات حولها ، ما كان يحملها ما هو إلا تمثال أصم فاقدًا لآخر ذرات يحملها بعيدًا لأجلها ، كانا قد وصلا إلى الباب الداخلي ليدفعه بـ ساقهِ و دلف بها ثم وضعها فوق المعقدة و استقام قائلًا بـ صوتٍ جامد
- تصبحي على خير يا دكتورة.
و استدار ليرحل و لكنها أوقفته و هي تنهض تسأله
- ليه؟ أنا عملت إيه و لا بابا عملك إيه عشان نستاهل منك كل دا!.
لم يرد أرسلان و أكمل طريقه في صمتٍ و لكن سديم لم تسمح له فـ أمسكته بـ قوةٍ و هدرت و يبدو أنها استعادت عقلها أخيرًا و وقفت أمامه بـ أعين عادت إليها الحياة حتى و إن كانت حاقدة
- مش هسحملك تمشي غير بـ إجابة ، أنا عايزة أعرف إيه الذنب اللي إرتكبته عشان يكون دا عقابي ، عقاب قاسي مقدرش عليه كدا.
ظل مُرابضًا أمامها بـ صمتٍ طويل ، و شديد الثقل على الروح المُتعبة حتى قال أخيرًا بـ نبرةٍ شديدة البرودة تجعل جسدك يرتجف مُتجمدًا أمامها
- إنك دخلتي حياتي
- ضربت صدره و هتفت صارخة: و ليه مسبتنيش أمشي!
- أمسك يدها يمنعها عن ضربهِ و أجاب بـ جمودٍ: إديتك حُريتك و أنتِ رفضتيها
- حاولت نزع يدها و قالت بـ أسى: لو كُنت أعرف إن دا هيبقى مصيري ، كُنت هربت.
جذبها من يدها العالقة بين قبضته الآبية أن تنزع آخر ما يربطه بها حتى جعل الفاصل بين وجهيهما معدوم ثم هسهس بلا ذرة شفقة
- و أديكٓ عفتي ، إتحملي مصيرك.
ظلت حرب النظرات دائرة بينهما حتى تخلى أخيرًا عن يدها و أكمل طريقه راحلًا لتشهق سديم قائلة بـ بُكاءٍ عنيف
- أنا بكرهكك عشان بعد كُل دا و أنا بحاول ألومك ، بحطلك عذر ، بقول مش ذنبه ، هو أكيد لو كان عليه كان مات بدل بابا.
تسمر أرسلان في وقفتهِ و أكملت سديم دون أن يستدير لها و هي لا تزال تبكي و صوت بُكاءها يعلو
- و بكره نفسي عشان مش عارفة أتخلص منك ، كُل مكان و كُل ثانية فيها أنت.
عجزت ساقيها عن حملها فـ سقطت أرضًا ليستدير أرسلان على صوت سقوطها و يهرع إليها حاملًا إياها ليضعها فوق المعقدة لتُكمل و هي مُخفية وجهها خلف يديها
- مع إنك السبب فـ خسارتي لبابا قبل ما أقوله بحبه ، بكره نفسي و قرفانة منها عشان بعد كُل دا و أنا مش عارفة أعيش من غيرك.
وجدت يده السبيل إلى رأسها ليربت عليها في صمتٍ عميق و لكنه كان سطحيًا أمام نظراته و روحه التي تعمقت في سواده أكثر ، لتصرخ أكثر و كأن يده تحرقها بـ نيران الندم
- مبقتش عارفة أعيش أنا حياتي إنتهت من وقت ما دخلتها ، جوايا ليك مشاعر ملغبطة بس أهمها إني أدوقك من نفس الكاس اللي شربته ، طب بعد أما أعمل كدا هرتاح و لا هلاقي نفسي بقيت أنت!!
و كأن الروح تعجز عن الإقتراب من جسدهِ ، و كأنها تشعر أن أرسلان وعاء ملعون ما أن تقترب منه حتى تتحول تلك الروح إلى شيء شيطاني ، نظرت سديم إليه و عيناها تحمل مزيج هادرًا من المشاعر التي تضربه جسده الخاوي بلا أي رحمة ثم نفضت يده و قالت
- إيدني إجابة ، أو إعمل أي حاجة تشفعلك عندي
- يبقى تمسكي دا و تنهي كُل دا حالًا.
واضعًا بين يديها مُسدسه و أشار به إليه و ما عليها سوى أن تسحب صمام الأمان و تُجهز عليه ، حينها فقط سيعرف معنى الخلاص
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم