رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل العشرون 20 بقلم إسراء على

 

رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل العشرون بقلم إسراء على

 

الهزيمة لا تعني أن تخضع لعدوك
بل أن ترخي حصونك أمام من تُحب...

كانت سديم تنظر إلى ما بين يديها بـ صدمةٍ و تعبير مذهولًا يتأرجح بينه و بين القابع أمامها بـ ملامحهِ القاتمة و فجأة تراه هي لأول مرة ذلك الشيطان الذي حبسها في قفصٍ صدئ ينخر الصدأ داخلها و من بعدها تلوح صورة والدها المسجي أرضًا و المشهد يُعاد من جديد و كأنه يخبرها ألا تنسى التفاصيل

ارتعشت يداها و قبضت على المسدس لـ قوةٍ ثم تحولت نظراتها التائهة إلى أُخرى مُشبعة بـ الإنتقام فـ نظرت إليه بـ أعين شديدة الكره و واجهت جثة هامدة ما يُحركها هو صوت تنفسها الذي يصم أُذنيها فـ جعدت جبهتها و قالت بـ صوتٍ حاقد

- هو معتش موجود بسببك ، و أنت المفروض تكون مكانه.

أرادت أن ترى في عينيهِ شيءٍ من الحُزن أو حتى الألم و لكن وجهه كان يخلو من التعبيرات و كأن أحدهم انتزع ملامحه و تجرد من مشاعرهِ فـ لم يعد سوى جثةً هامدة ، قبضت على المُسدس بـ غلٍ أكثر و أشارت به نحوه ثم هدرت صارخة 

- مش هتردد ثانية ، يمكن بـ موتك يكون خلاصي
- ليرد أرسلان بـ برودٍ قاس: جربي مش هتخسري حاجة.

أطلقت سديم صرخة و معها صوت رصاصة نارية ثم ألقت بـ المُسدس و سقطت أرضًا صارخة بـ بُكاءٍ يكاد يُشبه العويل و هو يقف أمامها ثابتًا بلا حراك ، الرصاصة التي خرجت لم تُصبه بل مرت جواره لتُصيب مزهرية زُجاجية كانت تحوي بعض الأزهار الذابلة

أكملت سديم بُكاءها و هدرت غير قادرة على التوقف ، جسدها يرتجف و هي تصرخ به عله يرق قلبه

- مقدرش ، مش قادرة أعمل كدا.

إنحنى أرسلان أمامها و ملّس على خُصلاتها و لكنها دفعت يده بعيدًا ليسألها بـ جفاءٍ

 -خايفة!

رفعت رأسها إليه و نظرت بـ نظراتٍ لم يكن على علمٍ بـ أنها ستكون فتّاكة ، أو قاتلة كـ الرصاصة التي انتظرها طويلًا ثم همست و هي تضرب صدرها

- دا اللي رافض يخسرك.

لُجِمَ لسانه أمام تلك العبارة و وضع يده على وجنتيها فـ إبتعدت نفورًا منه ثم أحنت رأسها و استطردت قائلة بـ صوتٍ يخلو من الحياةِ

- بعد كُل دا مش عارفة أنا مربوطة بيك إزاي ، كرهاك و كارهه نفسي عشان مش قادرة ألومك .

ألقت بـ المُسدس جوارها و وضعت يديها على وجهها ثم أكملت دون النظر إليه أو تعي بـ ذلك التعبير الذي و إن كانت رأته لظنت أنها جُنتْ 

- مش هسامحك أبدًا ، هيفضل ذنبه متعلق في رقبتك ، و ذنبي إني إتحولت لإنسانة عمري ما فكرت إني هبقاها.
- و الحل! 
- ردت بـ جمود: مش عارفة
- ليرد أرسلان بـ سُخريةٍ قوية: كان فـ إيدك و أنتِ رفضتيه.

لم تُصدق ما يتفوه به الآن لترفع بصرها إليه و ترمقه بـ نظراتٍ أشد قسوة و إيلامًا مُشبعة بـ كُرهٍ لذلك القاسي ، ثم ردت بـ صوتٍ تردد صداه في جميع أرجاء المنزل و وقعه كان شرس على روحهِ

- لأني مش هبقى زيك ، عمري ما هبقى أنت.

نهضت سديم و رغم ترنحها إلا أنها ابتعدت عنه و قالت بـ صوتٍ باهت فَقَدَ رونق الحياة

- إمشي و ياريت تطلقني.

صمتت ثم إلتفتت إليه و قالت من جديد بـ نبرةٍ شديدة الصرامة و البرود

- و لو مطلقتش ، هخلعك.

*****

إبتعد عابد عن غُفران و إلتفت إلى قوت التي أتت بـ قدميها إلى هُنا ، عادت إلى من هربت منه ، ترك يديها فـ ابتعدت هاربة إلى شقيقتها قوت و إختبأت خلفها ثم هدرت بها هامسة

- إيش اللي جابك يا قوت! أنتِ هربتي ليش بترچعي!
- عانقت يدها و قالت ناظرة إلى عابد بـ قوةٍ: و بتريدي إتركك وياه! لو كنت بعرف إنه الأمور بتوصل لهذه النقطة ما تركتك من البداية.

بدى عابد و كأنه في عالمٍ آخر و هو يتشرب ملامح تلك الغادرة ، التي تركته و رحلت تختبئ منه و كأنه عدوها الأول ، غبية و كيف تفهم حُب مُتملك لكدم يرَ سواها و لم يُرِد سواها ، حاول الإقتراب و لكن قوت وقفت أمامه و قد إشتد عودها و قوة غريبة تلوح في مُقلتيها تهتف تُشير إليه بـ تحذير

- لا تجرب ، بدي أقول شيء ، غُفران أختي و مالك داعي تقرب عليها، بتريد شيء مني تعال و خده
- أكيد يا قوت القلوب.

إقترب عابد و عيناه لا تُصدق رؤيتها أمامه ، هربت منه لتعود إليه ، تناسى كُل ما فعلته ما أن رآها ، إقترب و وقف أمامها ثم قال و هو يُحاول لمس وجهها الصبوح

- وحشتيني يا قوت.

قبل أن يلمس وجهها كانت يد غُفران تسبقه و تصفعها قائلة بـ غضبٍ جم

- لا تلمسها.

و كأنه لم يرها من الأساس بل تركزت أنظاره على قوت لا يُصدق وجودها أمامه ، تنهد و سأبها بـ عتابٍ و كأنها أحبته يومًا

- ليش تركتيني!
- هدرت بـ غضبٍ: ما كنت عشقاك يا عابد
- هتف في المُقابل: و مين قال بريد عشجك! طالما عاشقك يكفي
- اسمعني عابد ، حاول تفوق ، ما بريدك يا ولد عمتي ، و هنا تنتهي هذه الجصة ( قصة ) و غفران!

نظرت إلى شقيقتها ثم قالت بـ نبرةٍ لا تقبل النقاش

- بتيچي معي ، و بتنسانا ، أنا ما بنسى ايش بتسوي في الظلام.

استدارت لترحل و هي تُمسك يد شقيقتها و لكن عابد سارع و أمسكها يمنع رحيلها و هسهس بـ صوتٍ جاف

- هذا البيت دخلتيه و ما بتخرجي منه 
- و كيف راح تمنعني!
- مش محتاج.

حينها لم تعرف كيف جذب غُفران التي صرخت و حاولت الامساك بـ شقيقتها و لكن قبضته المُحكمة حول خصرها منعتها من الهروب ، حاولت قوت جذبها و التمسك بـ ثيابها إلا أن قوة عابد البدينة تفوقت على قوتهما ، لتصرخ بـ حدةٍ

- ليش بتسوي هيك! إتركها
- أمسك فكها من الخلف و قال: هذه زوجتي و ما في قوة بتقدر تاخدها مني.

وضع ذقنه فوق كتفها و وجنته تميل لتمس وجنة غُفران التي أغمضت عينيها خوفًا و اشمئزازًا ثم هتف بـ هدوءٍ

- لو بتريدي أختك ، تعالي أنتِ.

قبل أن تتحدث قوت بعدما غامت ملامحها بـ اشمئزاز واضح ، كانت غُفران تهدر قبلها صارخة بـ عصبيةٍ

- قوت ، فوتي من هنا ، أنا زوچته.

تراجع عابد بـ تفاجؤ ثم نظر إلى قوت التي لم تختلف عنه في دهشتهِ ، و ثبات غُفران جعلها تنظر إليها و تقول

- غُفران!
- لا تقولي غُفران ، ما بتوصل لهنا و بضحي بكل شيء بحياتي و بـ الأخير بتكوني ضحيته! والله ما بيحصل
- هتفت ثانياً: غُفران!!

حاولت إبعاد عابد عنها و قد إبتعد عنها بـ الفعلِ ثم إلتفتت إليه قائلة بـ صوتٍ جعله يتصلب في وقفتهِ

- أنا ما بتركك يا عابد تمسك بـ قوت و إن كان معناه إني ضحي بـ نفسي.

لتعود و تلتفت إلى قوت ثم تتقدم منها و تُمسك يدها و تسحبها إلى الخارج و قال بـ إبتسامةٍ عريضةٍ

- شرفتي أختي.

ثم أغلقت الباب خلفها و تجاهلت طرقاتها المُتتالية ثم إقتربت من عابد و أمسكت تلابيبه تحت دهشته ثم إقتربت منه و رفعت نفسها على أطراف أصابعها و همست بـ تحذيرٍ لا يعلم عابد كيف تأثر به نبرتها

- عابد يا ولد عمتي و يا زوچي ، أنا وحدي زوچتك و ما بسمح لك تسوي شيء لقوت ، أنا ضحيت و أنت استغليت لتوصلها و لكن ما بتعرف إني بكون العائق ، وين ما تروح و تقرب منها تلاقيني جدار فاصل بينكو.

ثم أودعت وجنته قُبلة و إبتعدت بـ ثقةٍ جعلت فمه مفتوح على مصرعهِ بل و تابع خطواتها الواثقة في الإبتعاد عنه و لغرابة الموقف ، لم يلحق عابد بـ قوت بل تركزت نظراته و حواسه على غُفران

تلك العنزة الصغيرة كيف لها أن تفعل به ذلك!

*****

بعد مرور يومين

ترجل أرسلان من السيارةِ و معه قوت التي لم تعرف كيف عادت إلى منزلها هي و أيوب الذي لم يعد إلى البادية مُنذُ سنواتٍ عدة ، و إتجه إلى منزل الشيخ راغب ، طرق الباب ليفتح له أحد الصبية و يسأله

- مين أنت!
- ناديلي الشيخ راغب.

عندما ظهرت قوت من خلف أرسلان ، قفز الصبي و خرج يدفع أرسلان مُعانقًا إياها من خصرها ثم هتف 

- خالة قوت ، خالة قوت 
- عانقته قوت و قالت بـ محبةٍ: زيد يا روح الجلب ، كيفك!
- صرت أحسن ، تعالي نفوت.

نظرت قوت إلى أرسلان و قالت مع إبتسامةٍ

- أبوي بيفرح وقت يشوفك.
لم يبدو على ملامح أرسلان أي تغيير بل ظل جامدًا ، لم ينسَ لقاءه الأخير مع تلك الغبية سديم و التي تحمل لقب زوجته ، لم يعرف كيف ترك المنزل بعدما تفوهت به ، الإعصار الذي ضربه و ترك خلفه أثار دمار قاتلة لا يزال يندلع داخله بين حينٍ و آخر 

و لكنه كان يجب عليه الوصول إلى تلك المرحلة ، هو الآن هُنا تاركًا خلفه تلك المرحلة فقط ليعود إليها من جديد و يستطيع بعدها المواجهة من جديد

دخل المنزل خلف قوت و أيوب ثم جلس انتظر الشيخ راغب ، الذي ما أن وصله خبر وجود أرسلان هُنا حتى سارع بـ القدوم ، ما أن رأى أرسلان حتى سارع إليه و عانقه قائلًا بـ سعادةٍ حقيقية

- ابني حبيبي ، وحشتني يا أرسلان يا ولدي.

بادله أرسلان العناق دون ملامح تُعبر عن شيءٍ ثم جلس الجميع ، الشيخ راغب جوار الغائب و تبادل مع أطراف الحديث في سكونٍ و تلهف لسماع أخباره ، ثم قال بعدها بـ إبتسامةٍ يعلم دواخل أرسلان

- والله يا ولدي حياتك تحسنت ، حتى و إن ظنيت غير هيك.

خرجت من أرسلان ضحكة هازئة ثم قال دون أن يفتح الماضي

- يا شيخ راغب أنا هنا لسببين ، الأول أنت عارفه و إني مليش دعوه بـ بنتك و لو كانت طلبت حمايتي كُنت من غير تفكير عملت كدا
- بعرف يا ولدي.
أومأ الشيخ راغب بـ تفهمٍ و كأنه يوافق ما يقول ثم هتف موضحًا

- و لكني خشيت ترفض ، إذا ما كانت حلال
- شيخ راغب ، مقدرش أرفض ليك طلب ، مش هتكلم كتير عن الحوار دا كتير ، أنا هنا لسبب تاني.

انتظر الشيخ راغب حديث أرسلان و الذي هتف بـ صوتٍ أجوف ، شرس

- سليم ، أظن فاكره
- قطب جبينه و قال: هربان ، مش فـ الجبيلة
- ليرد أرسلان بـ نبرةٍ مُبهمة: بس باعتلي كلاب ، و أنا جاي للسبب دا.

تبادلوا أطراف الحديث ، حتى توقف أرسلان عن الحديث و حدق بـ أيوب و فجأة قال

- أنا عارفك.

فقط حينها ابتسم أيوب و من خلال الإبتسامة عرفه أرسلان على الفور ، ليقول بـ صوتٍ خفيض

- الشاب الفلسطيني
- أومأ و قال: ليك وحشة يا شيطان.

”عودة إلى وقتٍ سابق“

بينما كان أرسلان يجلس في مكانٍ نائي كـ عادتهِ ، إصابته لم تندمل بعد و اثارها لا تزال تُلاحق روحه قبل جسده ، تلك العائلة التي التقطت جسده بـ مُساعدة راقصة كانت تأتي في بعض الأفراح الخاصة و ظل هُناك عدة أيام 

من بعيد رأى شخصًا يركض في إتجاهه ، كان يستطيع أن يرى الطرف الآخر من الجانب الفلسطيني ، وقف أرسلان بـ تحفزٍ و إنتظر وضوح ملامح الراكض و يده على مسدسهِ أسفل كنزته ، حتى هتف الراكض 

- ساعدني ، بده يقتلني.
و بعدها ظهر ظلٍ آخر يركض و بـ يدهِ شيءٍ يلمع و لم يكن يحتاج لمعرفة ما بـ يدهِ ، رفع أرسلان مُسدسه و وجهه إلى الراكض و معه سلاحٍ و يهدر

- أقف.
و لكن الراكض لم يفعل بل هدر بـ صوتٍ يعرف أرسلان نبرته و المشاعر التي اتضحت منها

- لو ما بدك تكون وياه بـ نفس القبر ، بعد.

و لكن أرسلان لم يفعل بل زادت نبرته قوة و صرامةٍ ، رغم ألمه من تلك الأصابة

- لو أنت اللي مش عايز تموت ، أقف.

و لكن ذلك الراكض لم يتوقف و قبل أن يوجه سلاحه إلى أرسلان ، كان قد سبقه و صوب إلى سلاحهِ مُتعمدًا ليُطلق رصاصة أوقعت المُسدس ، تأوه الراكض و سقط أرضًا فـ إقترب منه و أمسكه من تلابيبه و هدر به

- تمسك مُسدس أكبر منك يا شاطر!
- حاول دفعه صارخًا: بعد إيدك ، أنا بديش أتركه يعيش.

لهجته أتبأته عن موطنهِ ، ليسأل بـ حاجب معقود

- أنت من عْزة!

تردد الآخر في الإجابةِ و لكن أومأ ، لينظر أرسلان إلى اللاهث خلفه ثم قال يسأله بـ هدوءٍ غريب

- و دا!!

أومأ في صمتٍ ، تراجع أرسلان و ساعد الراكض على النهوض و همس يسأله

- من الأنفاق!
- أيوة.

أشار أرسلان إليه ليظل مكانه و إتجه إلى المُنكمش و سأله

- الواد دا عملك إيه!
- بده يقتلني.

إلتفت إلى الفلسطيني ثم إلى ذلك المجهول و سخر منه قائلًا

- لالا ميصحش ، عملتله إيه!
- ليرد في خوفٍ و هو ينظر إلى قاتلهِ: ولا إشي.
- بيتجبر عليك يعني! من غير سبب!

أومأ فـ ضحك أرسلان بـ صوتٍ أرعب الإثنين ثم أقترب من الشاب الفلسطيني و مدّ يده بـ المُسدس و هتف يقف خلفه بـ فحيحٍ

- هو قدامك ، إعمل اللي أنت عايزه.

و ملامح الرُعب التي كانت ترتسم على وجهِ ذلك الوغد عادت لتعلو و تزداد و هو يرى مجنون أمامه
إلى كُلِ مُناضل يتمسك بـ كُلِ شبرٍ من أرضهِ 
إلى كُلِ مُجاهد أمسك حجرة ثم سلاحًا يُدافع عن عرضهِ و مالهِ
إلى كُلِ مُرابط يرفض ترك أراضيه و يرفض الإعتراف بـ الهزيمة
إلى جارٍ حتى و إن فصل بيننا جدار لم يفصل بين قلوبنا حاجز
أواكم الله و نصركم الله و أعزكم 
أثابكم فتحًا و نصرًا قريب
لم أرَ معركة في حياتي كان بها طرف واحد فقط ولكن الآن أعلم أنها موجودة

بعد مرور يومين

ترجل أرسلان من السيارةِ و معه قوت التي لم تعرف كيف عادت إلى منزلها هي و أيوب الذي لم يعد إلى البادية مُنذُ سنواتٍ عدة ، و إتجه إلى منزل الشيخ راغب ، طرق الباب ليفتح له أحد الصبية و يسأله

- مين أنت!
- ناديلي الشيخ راغب.

عندما ظهرت قوت من خلف أرسلان ، قفز الصبي و خرج يدفع أرسلان مُعانقًا إياها من خصرها ثم هتف 

- خالة قوت ، خالة قوت 
- عانقته قوت و قالت بـ محبةٍ: زيد يا روح الجلب ، كيفك!
- صرت أحسن ، تعالي نفوت.

نظرت قوت إلى أرسلان و قالت مع إبتسامةٍ

- أبوي بيفرح وقت يشوفك.
لم يبدو على ملامح أرسلان أي تغيير بل ظل جامدًا ، لم ينسَ لقاءه الأخير مع تلك الغبية سديم و التي تحمل لقب زوجته ، لم يعرف كيف ترك المنزل بعدما تفوهت به ، الإعصار الذي ضربه و ترك خلفه أثار دمار قاتلة لا يزال يندلع داخله بين حينٍ و آخر 

و لكنه كان يجب عليه الوصول إلى تلك المرحلة ، هو الآن هُنا تاركًا خلفه تلك المرحلة فقط ليعود إليها من جديد و يستطيع بعدها المواجهة من جديد

دخل المنزل خلف قوت و أيوب ثم جلس انتظر الشيخ راغب ، الذي ما أن وصله خبر وجود أرسلان هُنا حتى سارع بـ القدوم ، ما أن رأى أرسلان حتى سارع إليه و عانقه قائلًا بـ سعادةٍ حقيقية

- ابني حبيبي ، وحشتني يا أرسلان يا ولدي.

بادله أرسلان العناق دون ملامح تُعبر عن شيءٍ ثم جلس الجميع ، الشيخ راغب جوار الغائب و تبادل مع أطراف الحديث في سكونٍ و تلهف لسماع أخباره ، ثم قال بعدها بـ إبتسامةٍ يعلم دواخل أرسلان

- والله يا ولدي حياتك تحسنت ، حتى و إن ظنيت غير هيك.

خرجت من أرسلان ضحكة هازئة ثم قال دون أن يفتح الماضي

- يا شيخ راغب أنا هنا لسببين ، الأول أنت عارفه و إني مليش دعوه بـ بنتك و لو كانت طلبت حمايتي كُنت من غير تفكير عملت كدا
- بعرف يا ولدي.
أومأ الشيخ راغب بـ تفهمٍ و كأنه يوافق ما يقول ثم هتف موضحًا

- و لكني خشيت ترفض ، إذا ما كانت حلال
- شيخ راغب ، مقدرش أرفض ليك طلب ، مش هتكلم كتير عن الحوار دا كتير ، أنا هنا لسبب تاني.

انتظر الشيخ راغب حديث أرسلان و الذي هتف بـ صوتٍ أجوف ، شرس

- سليم ، أظن فاكره
- قطب جبينه و قال: هربان ، مش فـ الجبيلة
- ليرد أرسلان بـ نبرةٍ مُبهمة: بس باعتلي كلاب ، و أنا جاي للسبب دا.

تبادلوا أطراف الحديث ، حتى توقف أرسلان عن الحديث و حدق بـ أيوب و فجأة قال

- أنا عارفك.

فقط حينها ابتسم أيوب و من خلال الإبتسامة عرفه أرسلان على الفور ، ليقول بـ صوتٍ خفيض

- الشاب الفلسطيني
- أومأ و قال: ليك وحشة يا شيطان.

”عودة إلى وقتٍ سابق“

بينما كان أرسلان يجلس في مكانٍ نائي كـ عادتهِ ، إصابته لم تندمل بعد و اثارها لا تزال تُلاحق روحه قبل جسده ، تلك العائلة التي التقطت جسده بـ مُساعدة راقصة كانت تأتي في بعض الأفراح الخاصة و ظل هُناك عدة أيام 

من بعيد رأى شخصًا يركض في إتجاهه ، كان يستطيع أن يرى الطرف الآخر من الجانب الفلسطيني ، وقف أرسلان بـ تحفزٍ و إنتظر وضوح ملامح الراكض و يده على مسدسهِ أسفل كنزته ، حتى هتف الراكض 

- ساعدني ، بده يقتلني.
و بعدها ظهر ظلٍ آخر يركض و بـ يدهِ شيءٍ يلمع و لم يكن يحتاج لمعرفة ما بـ يدهِ ، رفع أرسلان مُسدسه و وجهه إلى الراكض و معه سلاحٍ و يهدر

- أقف.
و لكن الراكض لم يفعل بل هدر بـ صوتٍ يعرف أرسلان نبرته و المشاعر التي اتضحت منها

- لو ما بدك تكون وياه بـ نفس القبر ، بعد.

و لكن أرسلان لم يفعل بل زادت نبرته قوة و صرامةٍ ، رغم ألمه من تلك الأصابة

- لو أنت اللي مش عايز تموت ، أقف.

و لكن ذلك الراكض لم يتوقف و قبل أن يوجه سلاحه إلى أرسلان ، كان قد سبقه و صوب إلى سلاحهِ مُتعمدًا ليُطلق رصاصة أوقعت المُسدس ، تأوه الراكض و سقط أرضًا فـ إقترب منه و أمسكه من تلابيبه و هدر به

- تمسك مُسدس أكبر منك يا شاطر!
- حاول دفعه صارخًا: بعد إيدك ، أنا بديش أتركه يعيش.

لهجته أتبأته عن موطنهِ ، ليسأل بـ حاجب معقود

- أنت من عْزة!

تردد الآخر في الإجابةِ و لكن أومأ ، لينظر أرسلان إلى اللاهث خلفه ثم قال يسأله بـ هدوءٍ غريب

- و دا!!

أومأ في صمتٍ ، تراجع أرسلان و ساعد الراكض على النهوض و همس يسأله

- من الأنفاق!
- أيوة.

أشار أرسلان إليه ليظل مكانه و إتجه إلى المُنكمش و سأله

- الواد دا عملك إيه!
- بده يقتلني.

إلتفت إلى الفلسطيني ثم إلى ذلك المجهول و سخر منه قائلًا

- لالا ميصحش ، عملتله إيه!
- ليرد في خوفٍ و هو ينظر إلى قاتلهِ: ولا إشي.
- بيتجبر عليك يعني! من غير سبب!

أومأ فـ ضحك أرسلان بـ صوتٍ أرعب الإثنين ثم أقترب من الشاب الفلسطيني و مدّ يده بـ المُسدس و هتف يقف خلفه بـ فحيحٍ

- هو قدامك ، إعمل اللي أنت عايزه.

و ملامح الرُعب التي كانت ترتسم على وجهِ ذلك الوغد عادت لتعلو و تزداد و هو يرى مجنون أمامه

نظر إليه أيوب و التعجب يرتسم مع الغضب في مزيجٍ غريب حتى أنه لوهلة نسى عدوه و ظل ينظر إلى ذلك المجنون ، بينما أرسلان كان ينظر إلى ذلك الوغد و يبدو و كأنه يراه آخر ، و نزعة الانتقام تمثلت فيه و تمكنت من حواسهِ فـ نسى ألمه الجسدي 

وضع المسدس بـ يدهِ و صوبه في إتجاه الواقف و الذي يكاد يُغشى عليه من شدةِ الخوف ، لقد هرب من قاتل إلى مجنون ثم سأله أرسلان

- ليك طار!
- همس أيوب بـ حرقة: و كبير كتير 
- ليسأله بـ نبرةٍ قاسية: و بيوجع!
- أجاب بـ ألمٍ شديد: قاسي

حينها سحب أرسلان صمام الأمان و قبض يده جيدًا فوق يد أيوب حتى يُمسك المُسدس ثم قال و هو ينظر إلى الهارب ، ساقطًا فوق الرمال و التي تمنى أن تبتلعه حتى ينجو ثم قال و صوتهِ كان كـ وقع موسيقى مُرعبة

- يبقى طارك تخلصه بـ إيدك ، أنت وصلت لهنا عشان كدا ، إنهي بقى اللي بدأته.

و إبتعد أرسلان عن أيوب ، ظل هو ينظر إلى غريمهِ ، كان ضابطًا بـ جيشِ الإحتلال و يتذكر مُنذُ بدء الحرب و النزوح الإجباري و مُحاولة النجاةِ بـ عائلتهِ ظهر هذا الضابط و معه آخرين فجأة ليتم الإعتداء عليهم و قتل عائلتهِ بعض الأشخاص الذين تركوا منازلهم فقط لحماية ذويهم و لكن الغدر طباع فـ ما تركوا إنشًا إلا و كان فخًا للمدنيين

العهد كلمة لا يستطيع الوفاء بها سوى من يتصف بها ، و لكن بعض الكيانات التي لا أصل لها لا تعترف بـ كلمةِ عهد ، رؤية دماء عائلته و أجسادهم التي لا تزال دافئة بـ دماءٍ تسيل حولهِ جعله في مشهد و كأنه نهاية العالم

ربُما ظنوا أنه ميت و ربُما تركوه ليقص حكايةِ خيانة عهد إلى العالم ، و لكنهم لم يعرفوا أنه يزرعون داخله نزعة الإنتقام و النضال ، يستمع إلى ضحكاتهم و تفاخرهم بـ قتلِ العُزِل ، ثم يركضون خوفًا من شبابٍ كانت ذات يومٍ أطفال تحمل حجارة تُرهب عدوهم أما الآن أصبحوا رجالًا يحملون سلاحًا و يقذفون الرُعب داخل قلوبهم بـ إذن الله

مُنذُ ذلك اليوم و الذي مرَّ عليه الكثير و الجميع يتناسى ما يحدث ، و هو يحمل داخله ضغينة و شرارة إنتقام تندلع ، تعلم حمل السلاح و أصبح مُناضلًا يُدافع عن ما تبقى من أرضهِ و منزله الذي سيعود إليه يومًا مُتفاخرًا يسجد لله شُكرًا على نصرهِ

لقد رأى ذلك الشخص من جديد و لكن هذه المرة يتنكر في زي شاب فلسطيني خوفًا من بطش رجالٍ لم يعرف يومًا معنى هذه الكلمة ، لقد رآه و إندلعت فيه النيران و أصبحت جحيم تلفح ألسنتها روح الضابط القذر ، ليعدو خلفه حتى وصل إلى حدود مصر و من خلال مُساعدة خفية كانا يعبران نفق سري ليصل إلى هُنا

اليوم سيُحقق إنتصارًا داخليًا صغيرًا أمام النصر الكبير ، نظر أيوب إلى عينيهِ التي يتراقص الذُعر بها مُتوسلًا ثم قال

- بدك تقول إشي!
- ليرد بـ تلعثم و الخوف يُثقّل لسانه: لم أفعل سوى ما أُمرتُ به ، صدقني أنا لم أفعل ذلك عن قصد ، إتُركني أعيش ، لم أفعل ذلك مُتقصدًا.

لم يُرِد سوى أن يرى الندم و لكن كُل ما رآه كان الخوف من الموت و الرغبة الضارية في الحياةِ ، ضحك ساخرًا و ماذا كان ينتظر! قبض أيوب على المسدس بـ قوةٍ و قال

- إجابتك خاطئة.

ثم ثلاث رصاصات قاتلة لم تُخِب في رميها ، ترك أيوب المُسدس يسقط و سقط هو جواره و ظل يبكي ، وقف جواره أرسلان الذي كان ينظر إلى المشهد في شيءٍ من الشفقةِ التي ظن أنه لم يعد يمتلكها و الغضب ، هتف بـ صوتٍ قوي جعل أيوب ينظر إليه و عيناه تحول إلى الأحمر ، أدماء عائلته التي كان يبكيها أم دماء إنتقامه!

- قوم أقف و متعيطش ، دا حقك و أنت معملتش حاجة غير إنك أخدت اللي أخدوه منك 

و هُنا كان يقصد الحياةِ ، أخذه إلى الشيخ راغب و الذي رحب به بـ رحابةِ صدرٍ و أكرمه كما لو أنه ابنه ، ثم قص عليه ما حدث و قال بـ نبرةٍ مُنكسرة ، مهزومة

- يا شيخ ، بيوتنا و إتدمرت ، أرضنا و إنسرقت ، أحلامنا و ضاعت ، ما ضل إشي نعيش مشانه.

ضرب الشيخ راغب بـ عصاهِ الأرض و قال بـ صوتٍ إخترق جوارح أيوب و كأنه يصفع اليأس داخله

- يا ولدي أنت قلت هذه أرضك ، كيف بتنسرق! طالما هذا الشيء لك إذن راح يرچع ، ما في حق ما بيرچع ، الأرض أرض الله و هما منبوذين منها
- يعني في أمل يا شيخ ننتصر!
- ضحك الشيخ راغب و قال: راح تنتصر يا ولدي ، وعد الله و الله لا يُخلف وعده.

حتى و إن استمرت الحرب طويلًا ، حتى و إن نسى العالم فـ الأرض التي كانت لأصحابها ستعود ، هُم لم يمتلكونها من الأساس و العُمر لهم أصبح قصيرًا 

مرت السنوات مُنذ تلك الحرب و التي إنتهت بـ نصرِ المقاومة ، شبابها الذين استشهدوا و العائلات التي تركت منازلها ، و المجهولين المدفونين بـ جميع بقاع أراضيهم ينعمون الآن بـ رائحة النصر

لعلها بُشرى و ستُقبل إن شاء الله

” عودة إلى الوقتِ الحالي “

ظل أرسلان يُحدق به مع شيءٍ داخله غريب يشعر به و كأنه الحنين لشعورٍ قد نسيه ، ليسأله 

- و الأحوال دلوقتي!
- فَهِمَ ما يقصده و أجاب: محستش بـ راحة غير يومها ، الطار لازم يتاخد.

أومأ أرسلان في صمتٍ و عاد إلى حديثهِ مع الشيخ راغب و سأله

- أنا عايز مُساعدة
- تؤمر ، رغم إنك ما لبيت طلبي
- ليرد أرسلان في حزمٍ: أُطلب أي حاجة تانية ، لكن طلبك دا مُستحيل.

تنهد الشيخ راغب و ربت على فخذ أرسلان و الذي قال و هو ينظر إلى قوت التي تُراقبه من بعيد ، حتى و إن ظنت الغبية أنه لا يعرفها فـ هو كان كـ الصقر يلمح ما تظن أنه لم يراه

- و غُفران بنتك هترجع ، بس محتاج مساعده منك
- عيونا ليك يا ولدي.

*****

خرج أرسلان من المنزل و توجه إلى الخارج حيث كان يجلس سابقًا ، و ظل يُحدق حوله فـ لم يختلف المكان و لم تختلف الأشخاص و لكنه دخل ذلك المكان شخصًا و خرج شخصًا آخر ثم عاد إليه بـ شخصيةٍ هو لم يعرفها ، إبتعاد سديم عنه كان مؤلمًا كما لم يكن يتوقع ذلك

في ذلك اليوم و قبل يومين

- لو مطلقتش هخلعك.

ساد صمت رهيب ، من ناحيةِ أرسلان لم يكن قد استوعب ما قيل توًا و جسده تيبس في استعداد و ترقب لقولها ” أمزح“ و لكن نظراتها و ملامحها التي تدل أنها إنتهت اخبرته أن سديم وصلت إلى حائط منيع يمنع تقدمها و قد وصلت هي قبله

تحفزت عضلات جسده و عظامه التي أصدرت صوت احتكاك قوي ينُم عن نهوض وحشٍ من سُباتهِ ثم و بـ صوتٍ ترددت نبرته الهادرة في أُذنيها هتف

- سمعيني كدا يا دكتورة تاني !

رغم عقلها الذي صرخ بها أن تحذر و تلتزم الصمت ، إلا أن عنادها كان يُسيطر عليه شيطانًا فـ جعلها تتحدث و تُعيد كلمتها المجنونة رغم الفزع الذي سيطر عليها

- هخلعك.

لم تدرِ كيف إمتدت يده و قبضت على فكها بـ قوةٍ تعتصره و كأنها تُريد إخراج لسانها و قطعه ، مُحدقًا بها بـ أعين جعلت شيطانها يفر هاربًا ثم هسهس بـ نبرةٍ شابهت الأفعى التي تتربص بـ وجبتها الدسمة

- يظهر إنك مسمعتيش كلامي كويس ، وضحتلك و فهمتك يا دكتورة إني إديتك الفرص و أنتِ بـ غباءك ضيعتيها ، و أنا مبديش فُرص تانية.
أمسكت يده تُحاول نزعها عنها و ظلت تضربه قائلة بـ صُراخٍ غاضب

- فكرك مش هعملها؟ و الله هعملها و هخليك تتفرج و أنا بخلعك و بطردك من حياتي.

أمسك يدها التي تضربه ثم لفها و أدارها حتى يُصبح ظهرها مُقابلًا لصدرهِ فـ صرخت سديم مُتأوهه و يده الأُخرى تشتد حول فكها ثم همس بـ أُذنها

- هتعيشي و هتموتي على ذمتي يا دكتورة ، عقدك معايا أبدي 
- صرخت به باكية: بكرهك
- وضع جبهته على كتفها و قال قاسيًا: مش محتاج حُبك.

وجدته فجأة يضم جسدها إليه و كأنه يتشبث بـ آخر ذرات الحياة ، و رغم جسدها الذي إرتجف لوهلة بين يديهِ بـ مشاعرٍ مُختلفة إلا أنها وجدت نفسها تستكين و تترقب حركته التالية ، فما كان منه سوى أن يدفن أنفه بـ تجويف عُنقها و أكمل بـ صوتٍ يبدو في خارجهِ قاسيًا و لكن داخله ترى به ما لم تراه في أرسلان الهاشمي قبلًا

- يا دكتورة مش بعد اللي مريت بيه عشانك تبعيني ، إدفعي دينك و أنا هسيبك
- هدرت بـ جفاءٍ و ألم: دفعته يوم ما خسرت بابا
- ضحك ساخرًا و قال: دينك أكبر من إنك تدفعيه بـ موت أبوكي.

غضبها كان يعلو و ينفجر كـ بركانٍ يُقسم على الإطاحة بـ كُلِ من يقف أمامه ، أيسخر من موت والدها ! عزيزها! ليتها ماتت معه و لم ترَ تلك القسوة التي تتراقص داخله و تنمو كـ عفن يستفحل داخل شخصٍ فَقَدَ مقومات الحياة

لتصرخ و هي تُحاول الفكاك منه ، شاعرة بـ نفورٍ غريب

- موت بابا مش كفاية بالنسبالك!

نفى بـ رأسهِ و قبل أن تتحدث همس بـ صوتٍ لا مشاعر به و لا حياةٍ

- موتي تمن معقول بـ النسبالي.

شعرت أن الأرض تميد بها و كأن زلزال يضربها هي فقط ، تركها أرسلان بعدها أمسك طرف خُصلاتها و قَبّلها دون أن يسمح لها بـ الإلتفاف ثم قال راحلًا بعدها كـ شبحٍ

- مش هتسبيني و لا هسمحلك يا دكتورة ، أنتِ مربوطة بيا لحد ما أموت ، و كل اللي لأرسلان الهامشي بيموت و هو لأرسلان الهاشمي.

ثم رحل و تركها لأنه لا يضمن ما قد يحدث بعد ذلك ، في اليوم الذي رحل فَقَدَ جُزء منه هُناك ، عاد و كأنه شيطان خرج ، عاد كـ أرسلان الهاشمي مُنذُ سنواتٍ لا يملك ما يعيش لأجلهِ ، لكن بين يديه الآن أسمى أسباب حياته و التي تجعله ينجو في كُلِ يومٍ فـ أنى له أن يتخلى عنها!

فاق من شرودهِ على صوت خطواتٍ استدار ليجدها قوت ، وقف أمامها ثم هدر بـ صوتٍ قوي جعلها ترتعد خوفًا أبت أن تُظهره

- اسمعي يا بنتي ، رجعتِ لبيت أهلك من غير ما يمسك حد ، لأ و روحتي بيته عشان أختك بس رجعتي زي خيبتها و معرفتيش تجيبيها 
- دافعت عن نفسها: على فكرة أنا حاولت بس غُفران شبه طردتني
- سخر منها قائلًا: عشان غبية.

عقدت جبينها في غضب و حدةٍ ثم تراجعت عما كادت تقوله و ظلت تنظر إليه في تبرم ثم سألته

- و ناوي ترجع غُفران إزاي
- و رد بـ إقتضاب: ملكيش دعوة
- صرخت: دي أختي
- ليعود و يسخر منها: إتلهي يا ختي كُنتِ عرفتي ترجعيها.

ذلك الشخص شديد الاستفزاز و مُثير للغضب ، هَمّت بـ الحديث و لكنه هتف بـما جعلها تتجمد في وقفتها

- فكرك مش فاكرك يا بنت الشيخ راغب! و مش هعرف عيلة كانت بتبصلي و أنا هنا معزول عن العالم!
- حاولت الدفاع عن نفسها فـ هتفت بـ تلعثم: آآ كـ ، مكنش آآ أنا و ساعات صُدفة
- ابتسم من زاوية فمه بـ سخريةٍ: مش حلو الكدب.

بها وجهها و نفذت جحتها و صمتت و داخلها يشعر بـ الخزي ، أما أرسلان فـ هتف و هو يرحل بـ نبرةٍ جافة ، شديدة الخطورة و الصرامة

- إعتبري اللي عملتيه أنا نسيته ، لكن من دلوقتي يا بنت الحلال إبعدي عن طريقي ، أنا فاهم الحركات دي ، إتعملت قبلك.

جزء منها كان يُخبرها دائمًا أنها تستطيع الهرب من عابد و لكنها أرادت أرسلان الهاشمي ، عاطفتها الطفولية و المُراهقة تمسكت به و أرادت أن تمسك بـ من كان يزور أحلامها دومًا ، كان أول رجل رأته و أروعهم على الإطلاق

*****

كان في الزاوية يبكي بـ ألمٍ و خوفًا أكله حيًا ، سُحقًا لغباءهِ و شخصيته الغريبة التي أرادت أن ترى الشيطان و أحيته بـ نفسها ، ربط ساقه التي تؤلمه ثم نهض و جلس فوق الفراش ، كُلما حاولت والدته الدخول ، يمنعها و يتعلل بـ مرضٍ أو إرهاق

زفر و همس داخله يضع رأسه بين يديه

- لازم أتصرف ، أنا ههرب بـ أهلي لأنه هيقتلنا ، بس هروح فين!

أنسى أنه الشيطان! بـ كُلِ ما فعله و احتياطاته الذكية إلا أنه وصل إليه بـ النهايةِ ، إهتزت ساقه رُغمًا عنه من الخوف و رغم محاولاته الفاشلة في السيطرةِ عليها إلا أنه فشل ، زفر بـ ضيقٍ و مد يده ليأخذ دواءه المُعتاد و ربُما تحول من علاج إلى إدمان

دقائق مرت و بدأ الدواء في مفعولهِ و سكنت ساقه و استكانت معالمه حتى أصابه الاسترخاء ، تراجع في جلستهِ و إتكأ بـ ظهرهِ إلى مستند الأريكة و أغمض عينيه يُفكر فيما هو مُقبل عليه

رسالة نصية وردته من رقمٍ يحفظه جيدًا ، ليرفع الهاتف و ينظر إليه في تلهف و سُرعةٍ و ربُما في خوفٍ أيضًا

” إنزل“

إنتفض و تصبب جسده عرقًا و طار مفعول الدواء أمام سحر الرسالة و الرُعب المُنبعث منها ، إبتلع ريقه بـ توترٍ ثم نهض سريعًا يُلملم أشياءه في حقيبةٍ و بعض الأشياء التي يحتاجها و بعدها خرج مُسرعًا و ساقه المُصابة جعلته يعرج في سيرهِ

أوقفته والدته تسأله و هى تراه يُهرول رغم مشيته العارجة

- مالك يا بني رايح فين كدا! مش قلت إنك تبعان!
- هتف بـ توترٍ: جـ جالي شُغل مستعجل و لازم أمشي
- طب يا بني كُل حتى قبل ما تمشي
- قَبّل يدها و قال: لأ شُكرًا ، أكلي إخواتي ، يلا سلام.

ثم ركض يهبط الدرج حتى وصل إلىمدخل البنايةِ القديمة ، ليجد سيارة تنتظره في مكانٍ يعرفه ، ليتقدم منها و يصعد دون حديث ، إنطلقت السيارة في جوٍ يملأه الخوف و تفوح منه رائحة الموت ، هتف الذي جواره يقول آمرًا

- بلغه إنك جاي عشان الشُغل اللي إتفقتوا عليه ، و متردش بعدها
- حـ حاضر.

و بـ الفعلِ فعل ما أمره به و ظل الصمت يخنقه ، جسده يرتجف و العرق البارد يتصبب منه حتى كاد أن يغرق بسببه و الخوف الذي زرع بذوره داخله بدأ ينمو و هو يعلم أن ما هو مُقبل عليه إما إنتحار أو مُحاولة فاشلة للنجاةِ وحده ، ذلك الجالس جواره يسعى إلى قتلهِ و لن يتردد في تركه يموت ، لذلك هتف بـ نبرةٍ مُترددة و هو يقبض على بِنطالهِ

- أهلي!
- سأل بـ جفاءٍ: مالهم!
شعر بـ البرودة الشديدة تسري في جسدهِ و لكنه قاوم ذلك الشعور و قال بـ صوتٍ لا يكاد يُسمع

- أنت وعدتني إنك هتحميهم ، مش عايز أخسرهم.

ساد صمت مُهيب جعله يكاد يُغشى عليه و لكن أرسلان تحدث بـ صوتٍ يُشبه العاصفة التي لا تُخلق سوى الدمار ، تُجبر مُستمِعها على الإنكماش

- حلو أوي واحد ماشي يقتل فـ الناس و هدم بيوت عشان قتل فيهم حد .

نظر إليه أرسلان نظرةٍ كمن أصابه الرعد في طقسٍ شديد البرودة ، ثم أكمل بـ ذاتِ النبرة

- فاكر أنت قتلت مين!
- والله ، والله غصب عني.

أومأ أرسلان و كانت حركة تُشبه التوعد ، أو ما هو أكثر من ذلك ، إبتلع ريقه بـ صعوبةٍ بالغة و كأنه يحتضر ثم تحاشى النظر إلى أرسلان الذي أكمل بـ صوتٍ بسيط و ذلك ما جعله يخاف أمثر و يخشاه

- عارف موضوع الغصب دا ، شوفته كتير.

ساد الصمت عدة دقائق كان فيهم قد نال منه الخوف مبلغه قبل أن يقول أرسلان بـ صوتٍ جديّ

- مبرجعش فـ وعودي.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1