رواية ملكة علي عرش الشيطان الجزء التانى الفصل الاول بقلم إسراء على
لازالت تلك الأُنثى التي حاربت نفسي لأجلها، حربي الأخيرة
و الآن هي تُحاربني أنا…
نظر إلى الفراش المُستلقية عليه المُسماه زوجته، ثم تنهد بـ فراغٍ متى تغيرت هكذا؟ متى أصحبت شخصًا غير مُبالي و كسول إلى هذه الدرجة؟
لن بجد الإجابات المُناسبة و هو لا يُريدها من الأساس، لذلك فتح خزانة الثياب و إنتقى منها ما يُناسب ذوقه الداكن كـ مزاجه الآن و مشط خُصلاتهِ دون إصدار أي صوتًا، ربُما كانت حياته السابقة هي السبب في ذلك السكون الذي يتحرك به، كـ نسائم هواء مُعبقة تقتحم غُرفتك دون إصدار صوت
و خرج مُغلقٍ الباب خلفه و إتجه إلى غُرفةِ أطفالهِ، ليجدهم لايزالوا نائمين بـ عُمقٍ كـ والدتهم، إبتسم بـ سُخرية مبادئ الوراثة لم تُخطئ أبدًا، قام بـ إدثارهم جيدًا و خرج ينوي الذهاب إلى العمل
و كـ العادة لا طعام فقط كوب من الأعشاب المُهدئة، تُهدئ أعصابه الثائرة من تلك الزوجة، و يظل السؤال الأصعب لِمَ لم يتخلَ عنها حتى الآن؟
توجه إلى سيارتهِ و صعدها و تأهب للرحيل، و لكن نظرة أخيرة إلى الشُرفة لن تضُر عسى تلك المُتحجرة إستيقظت، رفع بصره إلا أنه لم يجدها فـ إبتسم ساخرًا بـ قسوة ثم أدار المُحرك
قبل أن يرحل سمع صوتًا يصرخ قادمًا من المنزل، ليرفع بصره سريعًا فـ وجدها تركض إليه بـ ثيابِ النوم و تُناديه
-برضو صحيت و هتمشي من غير ما تقولي!
-رفع حاجبه و قال:ما لو أنتِ عندك دم و زوجة زي باقي الناس كُنتِ هتقومِ لوحدك…
كان قد ترجل من السيارة و تقدم منها لتعبس و تقول بـ حنقٍ و ضيقٍ
-الله! قولتلك ببقى آآ
-قاطعها أرسلان مُكملًا:طول النهار تعبانة من شُغل المُستشفى و البيت و أولادك و أنت نفسك ليك مُتطلبات…
أغلقت فمها على الفور فـ أكمل و هو يُداعب شعرها الأشعث
-حفظت الإسطوانة يا دكتورة…
دكتورة! إنه لقب إختصه بها ليس تمجيدًا و لا مدح، بل لقب يختصه حينما يكون غيرُ راضيًا عنها، عندما يكون غاضبًا، لذلك تنهدت و إقتربت منه قليلًا تُعدل سُترته
-معلش إستحملني، والله هتغير…
كانت نظرته تُشيّب الرأس، نظرة أعلمتها أنه يئس من ذلك الوعد الواهي الذي تقطعه ملايين المرات ثم تحنث به، لترتسم إبتسامة أكثر قسوة و سُخريةٍ
-سمعت الكلام دا كتير، لحد ما حُمُض يا دكتورة…
همت بـ الحديث و لكنه قام بـ تقبيل جبينها و رحل دون أن يُودعها، أرسلان لن يتغير شخصٍ قاسٍ، كتوم و غامض أرهقتها السنوات في فهمهِ و لكنها باءت في الفشل، دائمًا ما كان هُناك حاجزًا يضعه بينهما و فشلت في تحطميه حتى يئست و تركته، لتتحول إلى إمرأةٍ بـ حياةٍ أشبه بـ عودِ ثقابٍ مُلقى بـ الماءِ
إبتلعت مرارة الحنظل و قبضت على صدرها الذي يشعر بـ صقيعٍ مُخيف و تابعت إختفاء سيارته ثم عادت إلى المنزل، عليها الإستعداد و كذلك الأطفال لذهاب إلى الروضة و المدرسة
*****
إرتدت ثيابها و مشطت خُصلاتهِا بـ أناقةٍ على عكسِ المُعتاد ثم توجهت إلى غُرفة الصغار، فتحت سديم الباب الأكبر سنًا أرسلان و مؤمن يُداعبان الصغيرة فـ هتفت مُسرعة
-يلا ورانا مدرسة و حضانة…
تركت حقيبتها جوار الباب و إتجهت إلى خزانة الثياب و أخرجت ثيابهم ثم قالت آمرة
-أرسلان يلا إلبس هدومك و ساعد مؤمن يلبس على ما ألبس أختكم…
إتجهت إلى الصغيرة التي كانت تضحك بـ زقزقة تُشبه العصافير فـ حملتها و إبتسمت مُقبلة وجنتها المُمتلئة و قالت
-سيلا كانت فرحانة عشان إخواتها بيلعبوا معاها! يلا نلبس و نروح لجدو…
صدح هاتفها و هي تضع الصغيرة فوق الفراش لتقول مُسرعة
-مؤمن هات الموبايل…
أسرع الصغير و أخرج الهاتف ليقول و هو يتجه إلى والدته
-دي تيتة سُمية…
إلتقطت الهاتف منه ثم ضربته بـ خفةٍ أسفل ظهرهِ و قالت بـ حدةٍ لطيفةٍ
-مش قولتلك قبل كدا متقلعش قبل ما أخوك يلبسك! إلبس هدومك عما أرسلان يخلص…
فتحت سديم الهاتف و وضعته بين رأسها و كتفها، و يديها مشغولتان بـ تحضير الصغيرة سيلا
-أيوة يا سُمية، صباح الخير
-أتاها صوت سُمية المُبهج:صباح الخير يا ست سديم، عاملة إيه!
-أجابت بـ إقتضاب:تمام الحمد لله، فيه حاجة!...
أغلقت أزرار الثوب الوردي الخاص بـ الأميرة الصغيرة و أجلستها لتُمشط خُصلاتهِا القليلة ثم سمعت إجابة سُمية
-بعد الشر، ربنا ميجبيش حاجة وحشة…
صمتت ثوانٍ و أكملت دون أن تحثها سديم على الحديث
-سي مُحرم بيسأل هتيجي إمتى!...
تركت الفُرشاة و وضعت على رأس الصغيرة طوقًا رودي اللون أيضًا ثم أمسكت الهاتف و قالت
-جايين أهو، هلبس الولاد و جايه
-طيب إحنا مستنين…
كادت أن تُغلق سُمية و لكن سديم أوقفتها بـ تردد
-سُمية!
-ردت سُمية:خير يا ست سديم!...
كانت تنوي الحديث و لكنها توقفت فجأة، التردد يأكلها و لكن سُمية حقًا ساعدتها كثيرًا كُلما واجهت عقبة في حياتها مع أرسلان و الآن لا تستطيع النجاة دون نصيحتها و لكنها سئمت اللوم و التقريع حتى من والدها، فـ أصُيبت بـ الإحباط و قالت
-مفيش خلاص
-إبتسمت سُمية و قالت:زعلتِ مع سي أرسلان تاني!...
تهدلت كتفيها و لكنها حملت الطفلة و أشارت للصغيرين أن يخرجا أمامها بعدما إنتهيا من إرتداء ثيابهم و حملت الحقيبة ثم قالت بـ قنوط
-هو باين أوي كدا!
-دا صوتك بيقول ياللي متعرفش إعرف…
أصابها الإحباط أكثر و توجهت إلى المطبخ تُعد الطاولة لتناول الإفطار الذي أعدته مُسبقًا، و الأن تقوم بـ إعداد الشطائر، لتهتف و هي تضع الهاتف بين رأسها و كتفها من جديد
-هو اللي بيستفزني…
قامت بـ تقطيع شرائح الجُبن لتسمع صوت سُمية تقول بـ صوتٍ مُستقيم
-فلنفترض يا ست سديم، بس أكيد هو مش هيستفزك إلا كرد فعل مش كدا ولا إيه!...
كادت أن تبكي سديم فـ جلست تُحدق في أولادها صامتة ثم قالت بـ نبرةٍ يائسة و حزينة
-حاسة إني بقيت شخص تاني غير اللي كُنت عليها، مبقتش عارفة نفسي و أرسلان بيبعد مبيتكلمش، مبيقولش مش عاجبني و مش حابب، بيسبني زي الغريق اللي قُدامه القشة بس مش عارف يمسكها
-ردت سُمية:جايز عايزك تعرفِ لوحدك، تقربِ أنتِ منه…
صمتت ثم قالت فجأةً بـ حماسٍ
-أقولك! هاتِ سيلا و سيبيها عندي و أنا هروح أجيب الولاد من مدارسهم، و قضي اليوم دا معاه، كـ تجديد لجوازكم…
لمعت الفكرة في رأس سديم و فتحت فمها قائلة بـ صوتٍ مُفاجئ
-إقفلي يا سُمية هودي الولاد المدرسة و أجيب لكم سيلا، و هاخد أجازة من الشُغل
-هللت سُمية تُحمسها:متشليش هم حاجة، لو عايزاني أساعدك عنيا ليكِ
-نفت قائلة:لالالالا، ولا أي حاجة، أنا هجيب الولاد و الموضوع دا بعدين…
أغلقت الهاتف و نظرت إلى الصغيرين، صحيح أن أرسلان لا ينتمي لها و أنها وجدت صعوبة في قبول طفلٍ لا ذنب له بِمَا فعلته والدته، إلا أنه كان طفل غريمتها و زوجة زوجها التي حاولت قتلها أكثر من مرة
طفل تخلل قلبها رغم أنها في بعضِ الأحيان تشعر بـ الخطر منه إلا أنه لا ذنب له من جديد، ستخسر أرسلان إن خسرت هذا الطفل الذي يكن لها الكثير من الحُب و لا يُناديها سوى
-ماما حبيبتي!...
إنتبهت إلى أنه كان يُناديها في الحقيقة فـ نظرت إليه و إبتسمت قائلة
-خير يا حبيبي!
-هتسيبي سيلا عند جدو مُحرم!
-أجابت:أيوة!
-تلاعب الطفل بـ الطعام و قال:طب و أنا و مؤمن!
-داعبت خُصلاتهِ السوداء كـ أحدهم و قالت:و أنت كمان متخافش…
تهلل الطفل و حثته سديم مُبتسمة ليُنهي طعامه حتى لا يتأخرا
*****
-يلا يا رحوم هتأخر…
ناداها قُصي و هو يقف أمام أعتاب باب الشقة فـ أتت مُهرولة تُمسك في يدها صندوق يُشبه صندوق الصغيرة رزان و لكن الفرق أن صندوقها رُسم عليه شخصيات أميرات خيالية و هو رُسم عليه شخصية بطل خارق ألا و هو الرجل العنكبوت
ضحك بـ سُخريةٍ يرسم في رأسهِ رد فعل "الشاويش عطا" أو أحد الخارجين عن القانون و هو يُمسك صندوق أطفال، إلا أن تلك الطفلة لا تأبه المُهم أن يأكل ما دام خارج المنزل
-جيت أهو…
وضعت الصندوق في حقيبة الصغيرة، و نهضت لتمد يدها بـ الصندوق الخاص به، نظر إليه ثم إليها و أخذه ثم قَبّل يدها و قال مازحًا
-مش مُتخيل شحط زيي لأ و ظابط بياخد زي العيال لانش بوكس
-ضحكت و قالت:ما أنت اللي مش بترضى تخليني آجي أجيبلك الأكل
-رفع حاجبه و قال:والله!...
ثم قرص وجنتها بـ لُطفٍ و قال يشدها إليه فـ تأوهت
-تدخلي مع مجرمين و حرامية و قتالين عشان تجيبي لـ البيبي اللي خلفتيه و نسيتيه!
-ضربت يده و قالت مُتأوهة:يبقى متعترضش…
فركت وجنتها بـ ألم، ليُخفض يدها و يميل مُقبلًا إياها فـ إبتسمت بـ خجل و قالت قبل أن ترتمي تُعانقه
-خلي بالك من نفسك
-رد بـ مُزاحٍ:حاضر مش هنط من على المكتب…
زجرته رحمة بـ حدةٍ ليضحك قُصي ثم مال و قَبّلها من جديد ليقول بعدها
-حاضر هاخد بالي من نفسي
-مسحت غُبار وهمي و قالت راضية:شاطر…
حرك رأسه يائسًا ثم أمسك يد الصغيرة و قال مُستديرًا
-يلا قولي لماما باي
-باي ماما…
أرسلت لها قُبلةً في الهواء لتفعل رحمة المثل، ليرحل قُصي حاملًا حقيبة رزان بـ يدٍ و الأُخرى يحمل صندوق طعامه الخاص المرسوم عليه الرجل العنكبوت و قبل ذلك هتف
-تابعي وليد ولو حسيتِ إنه سخن تاني ولا حاجة، كلميني نروح للدكتور
-حاضر، مع السلامة…
أرسل لها قُبلةً في الهواء كما فعلت الصغيرة و لكن رحمة كانت قد أغلقت الباب، ليفغر فمه بـ صدمةٍ قبل أن يقول وهو ينظر إلى رزان
-عليكِ أنتِ سُكر، و عليا أنا حبهان…
ضحكت رزان فـ أكمل و هو ينتظر المصعد
-طول عُمرها بتهد أي لحظة رومانسية مش عارف هي جِبلة إزاي كدا!
-هي مين دي اللي جِبلة يا حضرة الظابط…
إستدار قُصي سريعًا ليجد رحمة خلفه عاقدة ذراعيها أمام صدرها و عُقدتها تُنافس تجعد جبينها، أما ملامح وجهها الشرسة فـ حكايةٍ أُخرى، توتر قُصي و قال بـ تعجب مع إبتسامة مُترددة
-رحمة!!
-قالت هازئة:لأ خيالها
-ضحك بـ سماجةٍ و قال:بنت حلال، كُنت لسه بجيب فـ سيرتك
-رفعت كِلا حاجبيها و قالت:ما هو باين…
فُتحت أبواب المصعد و خرج منها جيرانهما، فـ حياهما قُصي بـ إبتسامةٍ ثم إقترب من رحمة و سألها
-طالعة ليه يا قلبي!
-سخرت:قلبك! مش كُنت جبلة من شوية!...
تلاعب بـ حاجبيهِ و قال مُقتربًا منها، يُحاوط كتفيها بـ مكرٍ
-قطع لسان اللي يقول كدا، دا أنا بهزر…
لم ترد رحمة فـ داعبها قائلًا و هو يميل إليها
-وهو حد عرف يوقعني غير جبلة قلبي دي! دا أنتِ علمتيني الأدب من أول و جديد
-لكزته بـ مرفقها قائلة:أحسن
-إبتسم و قال مُقهقهًا:طب طالعة ليه!...
فكت ذراعيها ثم وضعت بـ يدهِ مفاتيح السيارة و قالت بـ قنوط حاد
-نسيت مُفتاح العربية و كُنت هترن الجرس لحد ما تجيب لي صرع، فـ قولت أوفر على نفسي و ألحقك، بس طلعت لاقيتك بتهزقني قُدام بنتي…
إلتقط المفاتيح و قبل أن تسحب يدها قَبّلها و قال ماكرًا
-إخص عليكِ، دا أنا كُنت لسه هقولها محدش شيبني أد أُمك من الحُب…
جعدت وجهها بـ ضيق إلا أنه همس و هو يميل أكثر إليها
-طب حتى هثبتلك لما أرجع، و هنتكلم كلام كُبار أوي
-شهقت رحمة و قالت:عيب بنتك…
نفخت رزان بـ ضيق و قالت حانقة
-يلا يا بابا الأسانسير هيمشي…
إلتفت إلى رزان و أومأ ثم عاد بـ نظرهِ إليها و قال مُقبلًا إياها على وجنتها الوردية
-متتعبيش نفسك فـ الشقة عشان متناميش زي كُل مرة
-إمشي يا حضرة الظابط، إمشي…
دفعته بـ قوةٍ و هرولت إلى الداخل ليُقهقه قُصي ثم تبع الصغيرة التي أسرعت إلى المصعد
دخول رحمة إلى حياتهِ كان قرارًا مجنونًا إتخذه في ساعةِ غضبٍ، و لم يكن يعلم أنه سيكون القرار الأكثر صوابًا في حياتهِ، و الآن يعلم أن سعادته معها كانت تستحق أيام التهذيب القسري الذي خضع له، تزوجت صغيرة و حملت عبء كبير إلا أنها الآن عادت طفلة، طفلة أحبها أكثر من ذي قبل
تذكر يوم مولد الصغيرة رزان، يوم نظر إليها و هي في مهدها تُحرك يديها و ساقيها في الهواء، عويلها و صُراخها في الأيام التالية لولادتها، نحيب رحمة جوارها و نحيبه الداخلي جوارهما
كم مرت الأيام و هو يذهب إلى مكتبهِ في قسم الشُرطة ليحصل على قسطٍ من النوم، فقط لينشد بعض الراحة قبل أن يعود لعويل ثلاثة، كان وليد يُشاركهم شفقة، أيترك والدته و أخته تبكيان بـ مفردهما!
و لكنها الأيام الأكثر بهجة و حلاوة في حياتهِ، حتى و إن مرت بـ الكثير من العقبات، ستظل أُسرته الصغيرة ملاذ دافء يعود إليه لتعود إبتسامته و حيويته من جديد
*****
في المساء
عاد أرسلان إلى المنزل في صمتٍ تام، ثم فتح باب المنزل ليجده هادئًا تمامًا، و مُخيفًا جعل ضربات قلبه ترتفع، ليُخرج مُسدسه سريعًا كما إعتاد قبلًا و نادى بـ صوتٍ مُخيف، شرس
-سديم!! سدييم؟!...
و لم يسمع رد، فـ صعد سريعًا يلتهم الدرج و فتح غُربة الصغار و لكنها كانت خالية، زاد الخطر في نظراتهِو توجه إلى غرفتهما، ليجد سديم جالسة فوق الفراش
بـ ثوبٍ لم يره من قبل، حريري كـ بشرتها من اللون الأسود و تعلم لِما اللون الأسود، و وجهها الذي عاد إليه نضارته بعد مشقة، جالسة فوق الفراش و تبتسم بـ نعومةٍ قائلة
-حمد لله ع السلامة…
في لحظةٍ وجيزة أخفى المُسدس حتى لا تره، و دلف الغُرفة و إقترب منها واضعًا يده على ساقها المكشوفة و سار بـ إصبعهِ إلى أعلى ثم قال
-دا مين اللي مات خير!
-عبست و قالت:يعني لازم تبوظ اليوم يعني!
-مط شفتيه و قال:أصلي مش متعود…
كتمت غيظها، كتمت حنقها و غضبها، و إقتربت منه تُعانقه قائلة بـ إغواء لا تجيده
-إتعود بقى على كدا…
وضعت قُبلةً فوق وجنته، قريبًا جدًا من شفتيهِ، ليسألها و هو يُحيط خصرها
-الولاد فين!
-داعبت الخُصلات في مُؤخرة عُنقهِ و أجابت:سيبتهم عند بابا…
أزاحت سُترته و هو تركها لتسقط دون أن يُحاول الإمساك به، و ترك ليدها حُرية العنان في إستباحة جسده دون مُقاومة تُذكر، بل ربُما كان شغوفًا أكثر منها
فتحت سديم أزرار قميصه ثم قَبّلت عُنقه و قامت بـ عضهِ بـ شراسةٍ و قالت بعدما إبتعدت
-عشان بس اللي عملته الصُبح…
إبتسم من زاوية فمه شبه إبتسامةٍ تكاد لا تُلحظ، و حدق بها طويلًا قبل أن يجذبها من مؤخرة عُنقها و يُقبلها، رائحة جسدها الرائعة وصلت إليه قبل أن يصل فمه إليها و يتذوقها، إشتاقته و هو يعلم ذلك من يدها المُتعثرة و تركها تتعثر، ذلك التعثر كان مجنونًا و جميلًا، جميلًا جدًا مثلها
تأنقت و فتنته بـ أشياءٍ ظن أنها مُمحاه من قاموس الطبيبة سديم المصري، ثيابها الفاتنة و التي أبرزت جسدها الذي تغير بعد الإنجاب، إلا أنه لم يكن ليهتم بـ ذلك، لم يكن تلفت نظره تلك التفاهات، لطالما لفتت هي نظره
كانت أكثر نعومة و رقة من ذي قبل، و اليوم و في غياب الأطفال، هذا أكثر من مُناسب له
مال بها إلى الفراش و جثى فوقها ثم داعب خُصلاتهِا البُنية و قال ساخرًا رغم أنفاسه اللاهبة
-دا أنا نسيت إنك مراتي، كُنت بفكر أتجوز…
تلك الجملة أشعلت فتيل غضبها و ذابت تلك الأجواء العاطفية و بردت الحرارة و أصبح الصقيع يضرب جسدها، لطالما كرهت فكرة الزواج خاصةً أنها تتذكر تلك الراقصة، لقد وضعت بذور الشك و الخوف بـ داخلها فـ كُلما ذكره أحد أصابت معدتها التشنجات
تصلب جسدها و شعر هو بـ ذلك فـ سألته سديم بـ صوتٍ غلبه الشك و الحدة
-أنت بتتكلم جد!...
توقفت يده التي كانت تُمسد ذراعها و نظر إليها صامتًا فـ أكملت سديم بـ غضبٍ لم تستطع السيطرة عليه
-بتفكر تتجوز يا أرسلان ولا أنت إتجوزت أصلًا!…
تصلب جسده هو هذه المرة و تصلبت معه المشاعر التي كانت تحرقه و نظر إليها نظرةٍ قاتلة قادرة على تحطيم قفصها الصدري ثم نهض دون حديث
نهضت سديم خلفه و رفعت ثوبها، رُغمًا عنها يُداهمها الهلع كُلما دار داخلها فكرة أنه مع أُخرى، تتذكر تلك الغيرة الخانقة حينما أخبرها أن المُساعد الجديد كان فتاة، حينها طلبت منه أن يطردها و يقوم بـ توظيف رجلٌ
و تتذكر أن رده عليها كان توظيف خمس موظفات نساء أُخريات في مُؤسسته الصغيرة، و ردها عليه بـ أنها تركت المنزل له و غادرت إلى والدها، ثم عادت بعد مُكاملةٍ واحدة أسرت الخوف أكثر بـ داخلها، و حينها عَلِمتَ أن ترك المنزل ليس الحل الأمثل
أرسلان الهاشمي لن يرضخ بـ هذه الطريقة
جلست و أرجعت خُصلاتهِا إلى الخلف و هتفت بـ صوتٍ مُرتجف
-مبتردش ليه! جاوبني يا أرسلان…
نظر إليها من فوق كتفهِ قبل أن يردف بـ جمودٍ قاس
-أنتِ اللي بتقوليلي أعمل كدا بـ تصرفاتك…
نهض أرسلان عليه الرحيل من هُنا فورًا و إلا سيقتلها لا محالة، تلك الغبية الحمقاء
إنتفضت واقفة خلفه ثم أردفت سديم بـ حدة و هي تطرق الأرض بـ قدمها
-يعني أنت فعلًا ناوي تتجوز عليا!...
لم يُجب أرسلان و لم يلتفت إليها، بل إنه لم يستمع إلى هُراءها من الأساس، و أكمل إرتداء ثيابه، و هذا ما أثار حنقها أكثر، فـ تقدمت و إستدارت حوله لتقف أمامه ثم دفعت ذراعه و هدرت بـ عُنفٍ
-رُد عليا، كلمني زي ما بكلمك
-رد بـ برود:حاضر
-قطبت و تساءلت بـ هجومٍ:حاضر إيه!
-أجاب بـ بساطةٍ مُغيظة:هكلمك زي ما بتكلميني...
فغرت فمها و لكنها تداركت نفسها لتعقد ذراعيها أمام صدرها و طرقت الأرض بـ عُنفٍ قائلة
-إتكلم...
مشط أرسلان خُصلاتهِ و لم يهتم لِما تقوله، ثم إلتقط سُترته و قبل أن يخرج هتف بـ صوتٍ يائس
-منا متجوز أربعة أهو، هحتاج إيه تاني!!...
لا تدري أمدحٍ هذا أم ذم، و لكنه أكمل مُتنهدًا قبل أن يتركها راحلًا بـ نبرةٍ جامدة
-خفِ نكد يا دكتورة، وشك هيكرمش...
أرسلان الهاشمي حينما تعُد، أنت في عِداد الموتى
*****
لهثت و هي تهرب من ذلك المجنون الذي يُلاحقها، لا تعرفه و لم تُصادفه قبلًا و لكن رغم ذلك يُحاول قتلها، ما فعلته بحق الله ليُطاردها بـ هذا الجنون و التصميم المُخيف
دخلت أحد المنازل القديمة و أغلقت البوابة الحديدية، رغم إصدارها لصريرٍ ربُما قد يلفت إنتباهه إلا أنها لم تأبه، و صعدت الدرج حتى وصلت إلى الطابق الأخير
الظلام قد حل و السكون يعم الأرجاء، و قاطني هذا الحي نيام و لا يوجد من قد يُساعدها، إرتجفت و بكت بـ قوةٍ حتى أن جسدها إنهار
لقد كان يومًا عاديًا عادت منه من العملِ سعيدة لحصولها أخيرًا على وظيفة و فجأة قاطع طريقها شخصًا ظنته يحتاج إلى مُساعدة، إلا أنه فجأة أظهر سكينًا و سألها بـ إبتسامةٍ غريبة تُشبه إبتسامة مُهرج ممسوس
-تعرفِ أرسلان الهاشمي!
-إيه!...
تعجبت من سؤالها و نظرت إليه بـ غرابة فـ ضحك فجأة و جعلها تجفل، ثم إقترب بـ بُطءٍ مُثير للخوف و هتف بـ نبرةٍ غريبة و مُحذرة
-متكذبيش، أنا شوفتك خارجة من شركته
-هتفت مُرتعدة و هي تبتعد إلى الخلف:أنت مين و عايز إيه!...
فجأة توقف و رفع السكين قليلًا لتنعكس عليها أشعة الضوء الصادرة من أعمدة الإنارة، و مال بـ رأسهِ ثم هتف بـ نبرةٍ تُشبه فحيح الأفاعي رغم الإبتسامة الأكثر جنونًا التي تُزين شفتيه
-عايز أقتلك…
و دون مُقدمات بدأ في مُطادرتها، ذلك المجنون يعرف تمامًا متى تخرج و متى تعود، كيف تعود و الطُرق التي تسُلكها حتى تلك التي تلجأ إليها لتُقلل المسافة، و إحدى هذه الطُرق في منطقة شبه مُنعزلة، صامتة و مُخيفة، إلا أنها تلجأ إليها في أحيانٍ قليلة و في أوقات الذروة
وضعت يدها على صدرها الخافق ثم إقتربت من السور بـ حذر لترى إن كان قد رحل أم لا، ثم أخرجت هاتفها تُهاتف شقيقتها علها تستطيع المُساعدة
نظرت و لكنها لم تجد أحد فـ تنفست بـ راحةٍ و وضعت الهاتف على أُذنها و ما إن إستدارت حتى شهقت و إتسعت عينيها و هي تجده خلفها لا يفصل عنه وجهيهما إنشًا واحدًا
مع إستجابة شقيقتها سقط الهاتف
-ألو! ألو! مريم؟ أنتِ يا بنتي!...
رغم الظلام الذي لا يُضيئه سوى ضوء القمر الساطع إلا أنها إستطاعت أن ترى عينيه و تلك النظرة الغريبة بها ثم إبتسامة مقيتة أشد شناعة من نظرته، قبل أن يهمس بـ صوتٍ مليء بـ الغضب
-مكنش لازم تعرفيه…
و على حين غُرة قام بـ دفعها بـ قوةٍ أدت إلى سقوطها، و لم يُسمع سوى صوت صُراخها و صوت إرتطام جسدها بـ الأرض الذي إنقطع مع سيلان الدماء منها
حك رأسه بـ السكين و نظر إليها بـ أعين تلمع قبل أن يستدير و يرحل
الضحية الأولى سقطت و القائمة طويلة و هذا ما يُحبه