رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثانى 2 بقلم إسراء على


 

رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثانى بقلم إسراء على




هو الهدوء وسط العتمة 
و هي الضجيج وسط ضياءٍ

إرتمت سديم فوق الفراش تُخفي وجهها بين يديها، ماذا فعلت؟ و كيف تحولت إلى تلك الأُنثى الشاردة؟ لِمَ عليها أن تُبعده بـ إستمرار و هي تُريده دائمًا؟ و كيف تخرج من دائرة مُغلقةٍ أحكمت الخناق حولها؟ 

كادت أن تبكي و لكنها عضت شِفاها السُفلى تمنع تلك العبرات من التدفق، و أخذت تُفكر فيما يجب فعله، إن إستمرا هكذا، تستطيع أن ترى النهاية بـ وضوحٍ تام و هذا يُرعبها

-أن يتُركها أرسلان-

عند ذلك التفكير شعرت بـ أن الدماء تهرب منها و جسدها ينبض بـ الألم، لن تستطيع تحمُل ذلك، لن تستطيع مُجاراة تركه بعدما إحتل حياتها بـ الكامل فـ أصبح هو الرُكن الأساسي بها

إنتفضت سديم واقفة ثم إرتدت مئزرها الحريري و إلتقطت الهاتف، عليها الحديث معه و إنهاء هذا الصراع المُحتدم

قامت بـ الإتصال به و هي تهبط الدرج و للمُفاجأة سمعت صوت هاتفه، فـ تعجبت و تتبعت الصوت ظنًا أنه نسيَّ هاتفه، إلا أنها لدهشتها وجدته جالس في رُكنٍ مُظلم دون سُترته و قميصه المفتوح على مصرعيه

وجدته ينظر إلى الهاتف المُضيء ثم رفع بصره إليها و ليجدها تقف على الدرج مُحدقة به، فتح الهاتف و وضعه على أُذنهِ و سأل بـ جمودٍ ساخر

-خير يا دكتورة! نسيتِ حاجة و لا عندك شغف تكملي نكدك!... 

إستعمت إلى نبرتهِ في الهاتف بـ الحقيقة و وقعهما أشد قسوةً على قلبها أكثر مما يبدو عليه، و لكنها جارته و هبطت الدرج تُحدثه من الهاتف قائلة بـ همسٍ

-لأ، محتاجة أتكلم معاك
-رد بـ صوتٍ هادئ:بؤي بيوجعني، أجلي… 

قبضت على الهاتف و صرت على أسنانِها و لكنها يجب أن تهدأ لا يجب أن تفقد رباطة جأشها، فـ أكملت هبوطها و أكملت حديثها 

-بس أنا لأ، عايزة أتكلم يا أرسلان و وضح حاجات ليك… 

ساد الصمت عدا من تنفسهما حتى ظنت أنه نام، إلا أنها وجدته يُغلق الهاتف بـ وجهها ذلك الوقح، و قبل أن تصرخ مُحتدة، وجدته يُضيء المصباح جواره و ينظر إليها كأنه ينتظرها 

منظره المُهيب و ملامحه المُظلمة المُخيفة لم تجعلها ترتجف فقط، بل أرسلت رجفة جعلتها على وشك السقوط، فـ أمسكت بـ سور الدرج و تمسكت به تستمد منه القوة التي لا وجود لها

جفلت على نبرتهِ التي صدحت بـ قساوةٍ دون أن يرأف بها

-لو هتفضلي زي الكتكوت المبلول فـ أنصحك تطلعِ تنامي، تشحني شجاعتك… 

إبتلعت حديثه و تنفست بـ عُمقٍ قبل أن تترك السور و تُحيط نفسها بـ المئزر بـ قسوةٍ و تقدمت منه فـ هتف ساخرًا

-شجاعتك تُحسدي عليها… 

توقفت سديم عن الإقتراب و تجمدت ملامحها قبل أن تردف بـ ثقةٍ جعلت ملامحه الساخرة تزداد

-و هخاف منك ليه يعني! 
-مط شفتيه و قال:يمكن بعُض مثلًا… 

زفرت سديم بـ نفاذِ صبرِ و تقدمت منه من جديد قبل أن تقف قِبالته ثم قالت بـ نبرةٍ شديدة الحذر حتى لا تُفسد ما فكرت بـ إصلاحهِ، حتى و هي لا تعرف كيفية ترتيب حديثها فـ ربُما يخونها لسانها الأرعن

-لازم نتكلم، و آآ فعلًا محتاجين نتكلم
-رفع حاجبيه و قال:دي فرقت عن أول مرة! 
-متقاطعنيش، أنا مش مرتبة كلامي…

دافعت بـ شدةٍ عن نفسها ثم وقفت أمامه حتى مست ساقها ساقه فـ نظر حيثُ تماسا ثم إلى عينيها و إنتظرها تتحدث، فـ هتفت بـ صوتٍ مُرتجفٍ

-أنا خايفة و مش حاسة بـ الأمان، حاسة إن كُل دا هينهار فجأة لو فضلنا كدا… 

رأت نظرته تشتد دون أن تتغير ملامح وجهه اللامُبالية، فـ أكملت و هي تأخذ شهيقًا طويل 

-مش عارفة أوصل إحساسي، بس فكرت كتير أتكلم معاك و كُنت بتراجع كُل مرة
-سأل بـ نبرةٍ لا تنُم عن شيء:ليه! 
-إزدردت لُعابها الجاف و أجابت:عشان خايفة أسمع إجابات هتدمرني، خايفة أكون عايشة وهم و لما أتكلم معاك هفوق و هلاقيني خسرانة… 

بدت تعابيرها مُدمَرة، مُمتزجة بـ حُزنٍ عميق قد تمتد جذوره لسنواتٍ حتى، قست تعابير وجههِ الرُخامية و إنتظرها تُكمل

-كُل مرة بحاول و بفشل لأني حاسة إني بحفر فـ الهوا، ببذل مجهود على مفيش، فـ قُلت أحافظ على اللي موجود… 

إرتجفت و كادت أن تسقط فـ أمسكها أرسلان و جذبها لتجلس فوق ساقيهِ قبل أن تُكمل بـ نبرتها المُرتجفة و التي تُهدد بـ بُكاءٍ و عويلٍ

-بس حتى دا مُمكن يضيع فـ سكوت فكرته حل… 

أمام صمتهِ ظنت أنها فشلت و أنها لا تعني له شيئًا فـ بدأت عبراتها تتدفق لتجد طريقها على صدرهِ، تُرى على يشعر بـ الإختناق كما تفعل هي! خافت أن تضع يدها على صدرهِ فـ تجده هادئ كما تعابيره

و لكن أرسلان حاوط وجهها و أجبرها على النظرِ إليه و بـ عينين زاد سوادها كـ بئرين جافين، شديدي الإغواء للقفز داخلهما، ثم هتف بـ نبرةٍ خرجت عميقة و ثقيلة تحمل نغمة جافة رغم أنها بدت حُلوة لأُذنيها

-إصحي من وهمك و هتلاقيه حقيقة، متعيّشيش نفسك فـ دايرة مش موجودة 
-حدقت به و قالت بـ دهشةٍ:أنت مش مديني فُرصة
-إبتسم ساخرًا و قال بـ صوتٍ قاسٍ:لو سحبت فُرصك اللي ضيعيتها كُنت إتجوزت عليكِ سبعين مرة… 

إرتجفت شفتيها و توسعت حدقتيها و جسدها ينتفض بـ خوفٍ، ليتنهد أرسلان قائلًا بـ صوتٍ تخللها بـ قوتهِ

-أنا موجود و أنتِ موجودة و حياتنا هتستمر عشان عايزين كدا
-أمسكت سديم يده و قالت بـ توسل:أنا محتاجاك جنبي
-رد بـ بساطةٍ:و أنا جنبك أهو، هروح فين!... 

"هروح فين!" تلك الجُملة جعلت قلبها ينبض بـ شدةٍ فـ سألته بـ لهفة و هي تبكي 

-يعني مش هتسيبني!... 

لوى شدقه بـ نُزق ثم جذبها لتبكي على صدرهِ و قال ساخرًا 

-أنا ساعات كتيرة بشك فـ غباءك، وصلتِ تبقي دكتورة إزاي!... 

لم يكن الوقت مُناسبًا لتغضب منه، كانت سعادتها تفوق حد سُخريته، فـ أكملت بُكاءها و هي تتشبث به خوفًا أن يتلاشى أو يهرب، بينما هو كان يُمسد فروة رأسها بغرض تهدئتها دون حديث

فقط وضع رأسه فوق رأسها الفارغ و الصلب دون همسٍ عدا تنفسه الهادئ، قبل أن يقطعه ساخرًا ليكسر تلك الأجواء

-اللي يشوفك زمان ميشوفكيش دلوقتي و أنتِ مرمية على رجلي، الله يرحم أيام ما كُنتِ بتهربِ… 

مسحت عبراتها و رفعت رأسها تنظر إليه بـ قنوطٍ ثم قالت بـ إبتسامةٍ لئيمة

-عشان كُنت مفكراك شيطان بجد
-سخر منها قائلًا:و طلعت إيه! 
-مسدت وجنته و قالت:طلعت بسكوتة خالص… 

رفع حاجبًا فـ ضحكت و عانقت خصره بـ إحكامٍ قبل أن يقول 

-طب حاسبي لتكسر فـ إيدك بقى… 

ضحكت و وضعت رأسها فوق صدرهِ تنعم بـ الدفء الذي تخشى أن يختفي فجأة 

*****

في صباح اليوم التالي

توجه قُصي على وجهِ السُرعة بعد الفجر إلى موقعِ حادثةٍ، تم إبلاغ الشُرطة من قِبل أهالي الحي بعدما تم العثور على شابةٍ فقدت حياتها دون أن يقترب منها أحدًا

توقف قُصي و جلس أمام أحد المقاهي الشعبية و جواره زميله ي العمل يتحاوران فـ هتف قُصي بـ إجهادٍ

-يعني إيه محدش يعرف عنها حاجة! إيه اللي وصلها هنا!... 

قبل أن يرد صديقه قاطعه أحد العساكر بعدما ألقى التحية و قال بـ تهذيب

-في شاهد اللي لاقى الجُثة يا باشا، حضرتك هتاخد أقواله! 
-أجاب قُصي يومئ بـ رأسهِ:هاته… 

نظر إلى ساعةِ يده و كانت تُشير إلى السادسةِ و النصفِ صباحًا، ليجد الرجُل قد حضر و يبدو على وجههِ ملامح الفزع و الخوف، فـ طمأنه أيمن قائلًا بـ هدوءٍ

-متخافش يا حاج، إحنا هناخد أقوالك و هتقولنا على اللي حصل و تمشي
-تمتم الرجُل بـ خوفٍ:يعني مش هتاخدوني القسم و تحجزوني! 
-تسائل أيمن بـ دهشةٍ:ليه! 
-لتفكروا إني قتلتها، و أقسم بالله العظيم أنا مقربتش منها… 

نهض قُصي و جفل الرجل إلا أنه وضع يده على كتفهِ و ربت عليه ثم قال بـ نبرةٍ رخيمة 

-متقلقش يا حاج، هما كام سؤال و خلص الحوار، أهم حاجة بياناتك… 

قام الرجل بـ إعطاء قُصي البيانات و قام أحدهم بـ تدوينها ثم سأله بـ جدية

-إحكيلنا اللي حصل… 

توتر الرجل في البدايةِ و لكنه هتف بـ صوتٍ مُرتجف

-كُنت رايح أصلي الفجر و بمشي من الشارع دا عشان أروح الجامع، و لاقيت حد واقع، فكرتها أغمى عليها ولا حد ضربها و جري، بس لما وصلتلها كانت متلجة، و مفيهاش نفس… 

تهدج صوته في النهاية و لكن قُصي حثه ليُكمل

-و بعدين كمل
-إزدرد لُعابه و أكمل:خوفت و طلعت أجري و بعدين إتصلت بـ البوليس و دا كُل اللي حصل… 

دَوّن الكاتب ما يقوله ليسأله قُصي بعدها بـ تعبير مُعقد

-طيب مكنش فيه حد موجود قُريب منها لما لاقيتها! أو أي حد شكله غريب عمومًا
-نفى قائلًا:لأ يا باشا، مكنش فيه حد خااص
-حك قُتيبة ذقنه و سأله:تعرفها! 
-أجاب نافيًا:لأ، شكلها مش منطقتنا… 

نظر إلى أيمن و نظراتهما تتعقد أكثر، ليتنهد قُصي و يسأله

-طب ملهاش صلة قرابة مع حد من البيت دا!... 

أشار قُصي إلى العقار الذي سقطت منه الفتاة ليُجيب الرجل

-الشهادة لله معرفش، بس هي شكلها بنت ناس عن المنطقة هنا، ولو ليها قرابة كُنت على الأقل إفتكرت شكلها 
-صُحاب البيت دا فين! 
-أجاب الرجل:مسافرين من أسبوع، مفيش غير شقة سكن بس صاحبها بيشتغل من بالليل و بيرجع عشرة الصُبح… 

نظر أيمن إلى قُصي ثم تنهد و أشار للرجل الذي يرتجف بـ الرحيل قائلًا 

-طب روح أنت، و خليك عشان ممكن نحتاجك
-أمرك يا باشا!... 

ثم هرول الرجل دون أن ينظر خلفه، ليلتفت أيمن إلى قُصي و يسأله

-أنت إيه رأيك! 
-زفر و قال:كُنت هقول إنتحار، بس إيه اللي يجبر واحدة تيجي مكان مش مكانها عشان تنتحر، ثم إن مُتعلقاتها الشخصية مش معاها، يعني حد أخدها
-تُقصد حد زقها! 
-مط شفتيه و قال:دا الحل الأنسب… 

نظر إلى العقار المُغلق الذي تم إحاطته بعدد من العساكر و الشرائط التي تمنع العبور ثم إتكأ إلى الطاولة الصغيرة و قال 

-مفيش أثار للخناق أو إنها إتعرضت للضرب
-أكمل أيمن:يبقى حاجة من الأتنين يا الضحية تعرفه يا إما زقها من غير أمل تاخد بالها… 

رغم ما مر به قُصي من قضايا شائكة إلا أن تلك تحمل رائحة مشئومة، مُحملة بـ رياحٍ من الدماء التي ستُسفك دون توقف في سلسلةٍ مُترابطة حتى النهاية

*****

-تتحسدي… 

عبست سديم لملاحظتهِ الساخرة و هي يدخل إلى الغُرفة بعدما أخذ حمامًا و عاد إليها، ليجدها تقف أمام خزانة الثياب تنتقي منها ما يحلو لها و بـ التأكيد سيحلو له، لتضع سديم يدها بـ خصرها و قالت بـ نبرةٍ عابثة رغم ما بها من حدة طفيفة

-إتعود على كدا، و بعدين وفر ملاحظاتك الساخرة دي لحد تاني… 

أومأ و إتجه إلى طاولة الزينة يُمشط خُصلاتهِ و بعدها إتجه إلى سديم و وقف خلفها يُتابع ما تفعله، واضعًا يدًا واحدة في خصرها و سألها بـ تعابير تُتابع ما تفعله بـ إهتمام

-محتاج إيه كُل دا! مجرد قميص و بنطلون، مش حسبة برمة هي… 

رفعت سديم رأسها له دون أن تستدير ليُشرف عليها من عِلو ثم قالت بـ تبرير واضح لِما تنتقيه بـ عنايةٍ

-متبوظش تصرفاتي الرومانسية… 

إبتسم ساخرًا قبل أن يضع يده حول ذقنها و يهبط مُقبلًا إياها، دون أن يترك خصرها فـ شعر بـ إرتجافها اللذيذ و تنفسها المُضطرب

إبتعد عنها و حدقت هي بـ عينيهِ السوداوين بـ تعبير غريب يتذكره أرسلان في بدايةِ عشقها له، مسد بـ إبهامهِ شِفاها السُفلى و ظل الصمت رفيقهما الوفي، لم تجرؤ سديم على قطع تلك اللحظة الفاتنة

مدّ أرسلان يده و إلتقط قميص داكن اللون و قال مُبتعدًا 

-طلعي بنطلون بقى
-همست شاردة:هاه… 

وضع القميص على جسدهِ و بدأ في غلق أزرارهِ قبل أن يقول ساخرًا 

-البنطلون يا دكتورة، ولا عيزاني أروح من غيره!... 

يبدو أنها لم تعِ ما يقوله فـ حدقت بـ ساقيهِ الظاهرتين أسفل المنشفة، ليردف أرسلان بـ عبثٍ ماكر

-بتبصي فين يا دكتورة!... 

تخضبت وجنتي سديم بـ خجلٍ، غباءها أوصلها إلى هذه النُقطة المُخجلة لتقول بـ إختناق و تعثر

-مش، مش قصدي والله… 

نظرته الماكرة لم تتغير و لم تتزحزح عنها فـ نفخت سديم بـ ضيقٍ و إستدارت تجذب بِنطال، ذلك الذي وقع في يدها أولًا ثم أعطته إياه بـ تعبير صلب رغم الخجل الذي يُحيط به، فـ إلتقطه أرسلان قائلًا 

-تسلمي على الشكل الجديد دا، هلبس بنطلونك… 

إتسعت عيني سديم و نظرت إلى بِنطالها الأبيض المُرصع بـ الزهور المُلونة ثم شهقت و جذبته بـ عنفٍ قائلة بـ إرتباك

-بيعمل إيه عندك فـ هدومك! 
-سخر قائلًا:أنتِ بتسأليني أنا!... 

عضت شِفاها السُفلى بـ إرتباك فاق الحد ثم إستدارت تبحث عن بِنطال يُناسبه و ألقت بـ هذا على المقعد المُجاور، ليقول و هو يقترب 

-ما أنتِ لو فايقة بتعملي إيه… 

إستدارت سديم و علامات الشر ترتسم على ملامحها و كانت تستعد لإلقاء قذائفها و لكنها وجدت تعبير عابث يعتريه، فـ إبتلعت ما ستقوله و عَلِمتَ أنه يُداعبها بـ مُزاحٍ ثقيل يُذكرها بـ إهمالها و لكنها إبتسمت و قالت رافعة لحاجبها

-تحب تروح الشُغل من غير بنطلون!... 

وضع أرسلان يده خلفها على الخزانة و إقترب منها ليُزيد من إرتباكها، و بـ الفعل توترت و تراجعت ليسحب البِنطال بعد أن هتف

-والله مش أنا اللي مضرور… 

رفعت قبضتها تنوي ضربه و لكنه إلتفت فـ حركت ذراعيها و كأنها تتمدد بـ جسدها، ليبتسم ساخرًا ثم إستدار و هَمّ أن يرحل لكن سديم تبعته و قالت 

-إعمل حسابك هنروح عند بابا عشان نقضي معاه يوم و ناخد الأولاد و نرجع
-طيب… 

طاعة و موافقة غريبة و فريدة من نوعها و لكنها إبتسمت بـ دلالٍ و إقتربت ترتفع على أطراف قدميها تُعدل ياقته ثم قَبّلت وجنته و قالت هامسة

-هستناك تاخدني من المُستشفى… 

كانت تتعمد التنفس بـ أُذنه ثم إبتعدت لتجد تعبير صخري في ظاهرهِ و خطير جدًا في باطنهِ لتضحك بـ خُبثٍ ثم تدفعه قائلة بـ إنتصار

-يلا هتتأخر و أنا كمان… 

أمسك أرسلان يدها فـ شهقت لقوة قبضته، ثم جذبها إليه و عليها أن تتحمل توابع خطأها الخطير، ما كان يجب أن تُغويه خاصةً و هما في فترةِ صُلحٍ الخاصة بـ المتزوجين حديثًا

*****

توجه أرسلان إلى الشركة الصغيرة جدًا الذي يُديرها و منها إلى مكتبهِ، ليجد المُساعدة الخاصة تُوقفه فـ إستدار إليها بـ تعبيرٍ جامد و مُتصلب كـ العادة لتقول 

-يا فندم فيه حد مستني حضرتك من بدري! 
-سأل:مين! 
-أنا… 

إستدار أرسلان على الصوت ليجده شابًا لم يسبق له رؤيتهِ من قبل ليتقدم ذلك الشاب منه و يُصافحه ثم قال

-كُنت عاوز حضرتك فـ موضوع
-سأله أرسلان بـ خشونة:أنت مين الأول! 
-أجاب:أنا محمود، خطيب مريم اللي شغالة هنا… 

لم يُظهر أرسلان تعابير أنه تعرف عليها، لينظر إلى المُساعدة التي نظرت إليه و قالت مُتداركة بـ توضيح

-مريم موظفة حضرتك عينتها من فترة بسيطة فـ قسم الحسابات… 

أومأ ثم نظر إلى الشاب و قال بـ تساؤل

-و دا يُخصني فـ إيه!... 

تنهد الشاب الذي تظهر عليه علامات الإرهاق و القلق و كأنه لم يذُق النوم مُنذ مُدةٍ من الزمن

-ممكن نتكلم فـ المكتب!... 

زفر أرسلان و لكنه وافق بـ النهايةِ، و تقدمه إلى المكتب، ليدلف و من خلفهِ الشاب الذي جلس و سأل أرسلان بـ صوتٍ جامد 

-خير! 
-أجاب الشاب بـ توتر:هو مش خير… 

تراجع أرسلان في مِقعدهِ و عقد ذراعيه أمام صدرهِ و إنتظر أن يستجمع الشاي شتات نفسه ثم هتف 

-مريم مُختفية من إمبارح… 

ظهرت تجعيدة طفيفة على جبينهِ و لكن تعابيره الصلبة لم تتغير، ليسأل بعد فترة صمت قصيرة 

-و جايلي أدورلك عليها! 
-نفى الشاب وقال بـ شبه هجوم:لأ، بس آخر مكان هي كانت فيه كان الشركة عند حضرتك، و من بعدها مرجعتش البيت… 

قست تعابير وجه أرسلان و لكنه حافظ على هدوءهِ و هتف بـ صوتٍ قاتم 

-سألت عليها زميلاتها فـ الشُغل! 
-أومأ و لكنه رد بـ يأسٍ:محدش يعرف عنها حاجة من وقت ما سابوها إمبارح… 

فتح أرسلان فمه ليتحدث و لكن صوت هاتفه أوقفه، ليُخرجه و قست تعابيره أكثر و هو يرى الاسم الذي ظهر على الشاشةِ، إلا أنه أجاب بـ النهايةِ بـ نبرةٍ مُبهمة

-أيوة 
-أتاه صوت قُصي لا يُبشر بـ الخير:أرسلان، فاضي! 
-ليه!... 

تردد قُصي قليلًا و لكنه قال بـ النهايةِ و نذير الشؤم الذي كان يشعر به و يتمنى دحضته إلا أنه تحقق

-فيه موظفة عندك لاقينها ميتة الصُبح… 

تحولت ملامحه إلى أُخرى صخرية و نظر إلى الشاب المُرهق ثم سأله و لا تزال نظرته المُخيفة تُدقق به

-اسمها إيه! 
-أجاب قُصي:مريم، مريم عبد الفتاح… 

*****

بعد غروبِ الشمس

توجه أرسلان ليأخذ سديم إلى منزلِ والدها، إنتظرها أمام بوابة المشفى حتى وجدها تخرج مُبتسمة، تضحك بـ سعادةٍ غابت عنها كثيرًا و حدق هو بها دون ملل

ما أن لمحته سديم حتى تركت صديقاتها و إقتربت من السيارة و كأنها تطير لا تسير فوق الأرض، حتى فتحت السيارة و صعدت ثم أودعت وجنته قُبلة

همّت أن تبتعد و لكنه أمسك ذقنها و وضع واحدة تُماثل خاصتها فـ نظرت إليه بـ دهشةٍ، أرسلان لا يُقبل وجنتها أبدًا إما شفتيها أو لا، و لكنها إستنتجت أنهما بـ الخارج

-يلا!... 

قالتها بـ حماسٍ لتُريّ سُمية أن علاقتها بـ أرسلان تحسنت كثيرًا و أنهما عادا كما كانا و أكثر، ليومئ أرسلان بـ صمتٍ، و ذلك أثار حفيظتها فـ أمسكت بـ يدهِ و سألته بـ توجس

-حصل حاجة! 
-سألها دون أن ينظر إليها:هو فيه حاجة حصلت! 
-عقدت جبينها و سألت بـ حيرةٍ:مش عارفة أنا بسألك… 

إتكأ بـ مرفقهِ إلى النافذةِ جواره و أردف مُهمهمًا

-أنا عادي… 

تعلم أنه يكذب فـ ضغطت على يدهِ و سألته مُحدقة في عينيهِ بـ قسوةٍ جذبته كـ مغناطيس سحري

-متأكد! مش مخبي حاجة!... 

ضغط على يدها بـ المثلِ و كان هذا كافيًا بـ شدةٍ لها لتأكيد أن هُناك خطبًا ما، ليرد أرسلان و هو ينظر إلى الطريق بعدما سمع صوت بوق سيارتٍ من خلفهِ 

-مش محتاجة تقلقِ، شُغل
-أرسلان!!! 
-زفر أرسلان و قال بـ نفاذِ صبر:مفيش حاجة يا دكتورة و بلاش كلام كتير، عايز أركز فـ السواقة… 

إلتزمت سديم الصمت تعلم أنه لن يبوح بـ سهولةٍ و يسرٍ، بل سيراوغ كـ فتىٍ مُراهق فـ آثرت الصمت، و كان رفيقهما طوال الرحلة حتى وصلا إلى المنزل

للعجب أمسك أرسلان يدها و لم يتركها تصعد أمامه كـ كُلِ مرةٍ و أحكم قيده حول كفها، و هذا تأكيدًا آخر لمخاوف تنبثق من لا شيء إلا أنها إبتسمت بـ محبةٍ

طرقت سديم الباب ليُفتح و يظهر من خلفهِ أرسلان الذي تهلل و قفز إلى والديهِ صارخًا

-بابا و ماما هنا، بابا و ماما هنا يا جدو… 

إنحنى أرسلان و حمله بـ يدٍ واحدة و الأُخرى أبت أن تتخلى عن سديم، ثم دلفوا ليخرج مُحرم مُرحبًا بهم، إنحنت سديم و عانقت والدها ثم قالت 

-الولاد تعبوك يا بابا! 
-نفى مُبستمًا:خالص، حتى راحوا المدرسة النهاردة و معذبونيش… 

داعبت سديم خُصلات الصغير، ثم خرجت سُمية من المطبخ و رحبت بها لتسألها 

-أومال فين سيلا! 
-لسه منيماها حالًا
-هتفت بـ إمتنان:تعبتك معايا يا سُمية 
-عاتبتها سُمية بـ محبة:يوه متقوليش كدا يا ست سديم… 

لكزتها خفية عن الجميع و سألتها هامسة

-المُهم إيه الأخبار! 
-رفعت سديم إبهامها:كُله تمام… 

تهللت ملامح وجهها و كادت أن تُطلق صوتًا و لكن سديم منعتها و هي تنظر إلى أرسلان الذي يُصافح والدها بـ برودٍ، و حدجت سُمية بـ تحذير التي أومأت مُتفهمة ثم قالت

-حماتك بتحبك يا سي أرسلان، الأكل لسه خلصان حالًا
-سخر و هو يجلس و معه الصغير:ما هو باين، حتى ظاهر على وش حمايا… 

ضغطت سديم على مُنحدر أنفها ثم نظرت إلى والدها الذي كاد أن يصرخ و لكن صُراخ مؤمن و هو يركض إليها ثم إلى أرسلان جعله يصمت، لتُحمحم و هي تنظر إلى سُمية 

-جاية أساعدك نحط الأكل على السُفرة
-ياريت… 

بدتا أنهما تهربان من تلك الأجواء المُزعجة، و قد بدأتا في وضع الطعام على الطاولة و شرعوا في الأكل حتى سأل مُحرم

-هتباتِ هنا و لا هتروح يا سديم!... 

نظرت سديم مُسرعة إلى أرسلان الذي تلاعب بـ الطعام قبل أن يضحك بـ خفوت ساخرًا ثم إلى والدها الذي يتجاهل زوجها تمامًا

-هنبات أه يا بابا… 

ضغطت سديم على الكلمة الأولى ليمُط مُحرم شفتيه بـ نزق و نظر إلى أرسلان الذي يُطعم مؤمن بـ هدوء مُتجاهلًا إياه شزرًا و أكمل الطعام في صمتٍ خيم على الجميع، و أصاب سُمية و سديم كِلتاهما بـ عُسرِ هضم

بعد الغداء

توجه مُحرم إلى الشُرفةِ و خلفه أرسلان بناءًا على طلبهِ، و أمر سديم بـ عدمِ الإقتراب و سُمية لتحضير الشاي، نظرًا لمهارات إبنتهِ المُنعدمة في تحضيرهِ و ذهبت هي لحل الواجبات مع الأطفال 

عم الصمت الأجواء فترة قبل أن يسأل مُحرم

-عامل إيه مع سديم! 
-أجاب بـ إقتضاب:كويسة… 

مط مُحرم شفتيه بـ عدمِ رضا لإجابتهِ المُقتضبة ليسأله بـ نزق و نبرةٍ حادة 

-يعني مش مزعلها! 
-إرتشف أرسلان من كوبِ الشاي و أجاب بـ برودٍ:هي شكلها يدي إنها زعلانة! 
-تأفف مُحرم و قال بـ نفاذِ صبرٍ:بس مش دا اللي حاسه… 

نظر إليه أرسلان بـ صمتٍ و لم يرد ليتنهد مُحرم ثم نظر إلى الشارع و ما به من مارة قليلة 

-أنا عارف سديم شكاكة و دا كان موتر العلاقة بينكوا الفترة اللي فاتت… 

رفع أرسلان حاجبه بـ صمتٍ ليُكمل مُحرم و هو يعود بـ بصرهِ إليه و فَهَمَ نظرته ثم إستطرد

-متستغربش، أنا عارف بنتي إمتى بتكون فرحانة و إمتى لأ حتى لو ظهرت العكس… 

أكمل بـ نبرةٍ ذات مغزى ليستنبط رد فعل أرسلان الهادئ بـ إستفزاز مُثير للأعصاب

-و عارف إمتى تكون غلطانة و بتحاول تداري… 

تحولت نظرة أرسلان اللامُبالية إلى أُخرى غاضبة و تعابيره تصلبت لهجوم مُحرم على سديم، و الذي أكمل قائلًا بـ إبتسامةٍ و قلبه يرق على إبنتهِ 

-سديم جايز تكون غبية و مُتسرعة، لكن عمرها ما هتحب تخرب بيتها… 

نظر إليه أرسلان دون رد، فـ إستطرد مُحرم قائلًا بـ جدية و هو يُحدق بـ زوج إبنتهِ

-مش مصدق!... 

لم يبدُ عليه الإستماع من الأساس فـ أخرج لُفافة تبغ و أشعلها ليقول مُحرم يستفزه

-و بـ الدليل إنها مبتحبش التدخين بس عمرها ما طلبت منك تبطله… 

حدق به أرسلان و عضلات فكه تتشنج، و بلا مُقدمات ألقى لُفافة التبغ في الشارع، الهواء يُأرجح ستائر الشُرفة دون أن يجد القُدرة على أرحجة مشاعره

تنهد مُحرم بـ حدة و تململ ثم إنحنى إلى الأمام يلتقط كوب الشاي

-سديم إختارتك غصب عني و مقدرتش أمنعها، بلاش تخذلها عشان كسرها هيكون بـ موتك… 

ظللت القسوة نظرةِ عينه و قتمت ملامحه و لكن مُحرم أكمل و هو يرتشف من الكوب 

-بنتي حياتها متسواش كنوز الدنيا، لو مش هتعرف تحافظ عليها سيبها أحسن… 

كانت نظرته تشتد قتامة و تنفسه أصبح ساخنًا كـ تنين ينفثُ نارًا، حتى فتح أرسلان فمه بـ بُطءٍ و هسهس بـ نبرةٍ جحيمية على الرغم من هدوء نبرتها -خارجيًا-

-لو سديم فـ كفة و حياتي فـ كفة، كفة سديم هي اللي هترجح… 

إرتسم إبتسامة ضئيلة على شفتي مُحرم و لم يرد، و لم يكن على تلك المُتسللة سوى التبسم بـ سعادةٍ و نبضاتٍ تُخبرها 

"ذلك الجدار الصلب قد دُمِرَ، و أنها الرابحة دون حربٍ"

عادت إلى الغُرفة و تمددت على الفراش و دون أن تعي سقطت نائمة، كانت تُريد إنتظاره و لكنها غفت مُستسلمة لسُلطان النوم

بعد مُدة، سمعت صوت حفيف خلفها و يدٍ تُحيط بـ خصرها فـ إبتسمت و إستدارت إليه، فتحت عينيها و حدقت بـ سوداويه المُظلمة، ثم داعبت ذقنه، ليُمسك أرسلان يدها و يجذبها إلى صدرهِ 

و تلقت هي ذلك العناق بـ رحابةِ صدر، بين الغفوة و الصحوة إستمعت إلى عبارة لا تعلم إن كانت خرجت منه أم كان مصدرها أحلامها و ربُما لن تعلم أبدًا 

"حياتي من غيرك مسمهاش حياة، و الحياة اللي من غيرك مش عايزها"
تعليقات



×