رواية أباطرة الغرام الفصل العشرون بقلم اية محمد رفعت
استيقظت ندى من نومها تفرك رأسها متألمة بتعب وقالت بتعب :
_ آه دماغي منك لله يا آسر آه هموت دماغي.
رفعت بصرها فوجدت عصام جالسًا على الكرسي يضع ساقًا فوق الأخرى ويتطلع لها بنظرة ساكنة مخيفة:
_ها فوقتي ولا لسه؟
سألها بصوته الهادئ المرعب، فأخفضت رأسها خجلًا وأجابته بخوف:
_الحمد لله.
نهض فجأة من مكانها يمكسها من منامتها بقوة ويصرخ بها بعنفٍ:
_ أنا عايز أعرف، حاجة متعرفهاش بتتزفتي تشربيها ليه ؟
شعرت بالرعب يتسلل إليها بعد موجة الغضب وأنفاسه التي تلامس وجهها كأسواطٍ من نار ، قبضت على يده تبعدها عنها وقالت بنبرةٍ هادئة، في محاولةٍ لامتصاص غضبه:
_عيب يا حبيبي تمسكني كده، وبعدين والله ما أعرف أن فيه كحول بس الفضول غالبني.
_والله؟! أبقي خليه ينفعك بقى.
هتف بوعيدٍ لم تفهمه، فحركت رأسها بعدم فهمٍ ليُردف بضيق :
_ أنتِ مش قولتي أنك مش عايزاني وطلقني و أنا طلقتك.
قالت بعدم فهم:_بس إحنا مش متجوزين.
أجابها بمكرٍ:
_ أفترضي كنا متجوزين .
_ماخلاص بقى يا عصام الله مكنتش أعرف .
قالتها بمسكنةٍ مصطنعة، فأجابها جوابًا قاطعًا :
_لا مش خلاص.
رفعت وتيرة دلالها ، تردد :
_ طب عشان خاطري؟.
رفع حاجبيه نافيًا دون صوت، ولته ظهرها تتصنع الحزن الذي غمسته في نبرتها الأنثوية الرقيقة:
_اخص عليك يا بوص ده أنا حبيبتك؟
ابتسم لدلالها المفرط ولقلبه العاشق الذي لا يُطيل خصامها، هتف بضيق:
_ حرام اللي بتعمليه فيا ده ، يابنتي الله يهديكِ عايزة أيه بالضبط ؟
_ ها سامحتني ولا أتدلع زيادة وتموت و أنت واقف كده؟
أجابته بدلال تقتص من نظرات عينيه المتمعنة بعينيها، ارتفع حاجباه بفهمٍ لما حدث وقال :
_ده أنتِ اللي قاصده تغريني بقى ؟
حركت رأسها موافقةً حديثه، فنظر لها بمكرٍ وقال :
_كده طب تعالي بقى.
حاول إمساكها لكنها ابعدته عنها وهي تهتف بصدق:
_اعقل يا عصام بهزر معاك .
_تعالي هنا والله ما أنا سايبك.
ركضت ليتبعها محاولًا اللحاق بها، وصلت الحمام فدخلته وعندما أوشكت أن توصد الباب دخل عصام وهتف آمرًا :
_تعالي...
حركت رأسها رافضة ، وركضت في داخل الحمام ، لكنها لم تنتبه إلى علبه سائل الاستحمام التي سُكبت على الأرض بفعل ركضها وأوشكت إيقاعها، هتف عصام محذرًا:
_حاسبي..
امسكها قبل أن تقع ولكن فقد توازنه بها وسقطا في حوض الاستحمام المليء بالماء ، انفجرت ندى ضاحكة، وهي تراه ينظر لملابسه المبتلة وينهض بعيدًا عنها، مرددًا بغضبٍ :
_بتضحكي؟ عجبك كده ؟!
ارتفعت ضحكتها أكثر بعد أن هتفت "جدًا" من بين ضحكاتها ، تجمد مكانه وهو يراها تصدح بضحكاتها هكذا، توقفت عن الضحك عندما لاحظت نظراته المراقبة لها، فنهضت من مكانها تركض إلى الخارج حتى اصطدمت فجأةً بوالدها ، تفاجأت لرؤيته وسألته بقلق:
_ بابا ؟! حضرتك رجعت إمتى ؟
_ امبارح يابنتي، إيه اللي عمل فيكِ كده؟
أجابها مرفقًا جوابه بسؤالٍ عن سبب حالتها المبللة تلك ، تذكرت الموقف وما حصل قبل قليل لتبتسم بخفوت، وأجابته :
_ أصل ...وقعت في البيسين...هو عمي رجع ؟!
سألته لتغير مجرى الموضوع، فأومأ برأسها موافقًا، لتنسحب مغادرة بقولها:
_تمام ، هروح أسلم عليه.
_هتروحي كده؟!
أوقف حركتها بسؤاله مشيرًا إلى حالتها ، فارتسمت ابتسامة على شفتيها وهتفت بمرح:
_ تصدق نسيت أما أروح أغير بسرعة وأروحله.
تحركت بالاتجاه الآخر نحو غرفتها ، حينما هتف والدها ساخرًا :
_لا حول ولا قوة إلا بالله البت أتجننت.
**********
جلس خالد في غرفته مهمومًا، حالة ياسمين لا جديد بها لازالت تنفر منه، وهو عاجزٌ أمامها لا يستطيع فعل شيء، طرقات الباب الهادئة، جعلته ينهض من أمامه ليفتح الباب، فوجد والده أمامه، ابتسم بشحوب وقال:
_ بابا ، أتفضل..
دخل محمد الغرفة ليجلس على أحد المقاعد أمام الطاولة الزجاجية، وجلس خالد إلى جانبه ، نظر والده إليه بترقب ، وسأله :
_مالك يا خالد ؟
_مالي إزاي ما أنا كويس أهو يا بابا ؟
أجابه بتعب حاول إخفائه لكنه فشل ، نظر محمد إليه وأخبره بحدس أبوته :
_عليا ده أنا أبص في وشك أفهمك على طول ؟ ده أنا أبوك يالا.
شعر خالد برغبته في افشاء ما بداخله لأحد، نظر إلى والده بتعبٍ وعيناه تبرقان بالدموع ، وقصّ عليه كل ما حدث لياسمين وحالتها معهم في غيابه، شعر محمد بتشنج جسمه لهول صدمته وما تعرضت إليه ابنة أخيه التي يُعدها كأبنته، فردد بتأثرٍ:
_ يا حبيبتي يا بنتي أنا لازم أروح لها.
هتف محاولًا بالنهوض ليطمئن عليها ، لكن خالد أوقفه قائلًا :
_مينفعش يا بابا ياسمين بعد اللي حصل بقت خايفة مننا كلنا أي ضغط هتتعرض له حالتها هتسوء أكتر.
_طب و أحمد ده كل شوية يسألني عليها ؟
سأله والده بتوجسٍ خاصةً مع سؤال أحمد المتكرر عنها، رفع خالد كتفيه بقلة حيلة ثم قال :
_مش لازم عمي يعرف يا بابا هيتعب أكتر.
_هحاول وربنا يستر.
************
جلست أمال إلى جانب زوجها على الفراش تقبض على كفه برفق ، وقالت :
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي.
ابتسم لها بعينين تكنّ عشقًا مخضرمًا لم يتغير مهما طالت السنوات ، ثم قال :
_ الله يسلمك ياقلبي.
_ أنا مبسوطة أنك رجعتلي بخير وطلقت العقربة دي.
هتفت بسعادة وقد ذكرت ما أخبرها آسر به، ضاقت عيني أحمد باستغراب ، وسألها:
_عقربة إيه؟ وطلقت مين ؟
_متخفش مش هزعل منك أهم حاجة أن الذاكرة رجعتلك.
اتسعت عينيه دهشة مما يسمعه وسألها ساخرًا :
_هو أنا كمان فقدت الذاكرة ؟ مين اللي قالك الكلام ده ؟
_ آسر.
فتح آسر الباب مقاطعًا والدته وهتف بمرح وهو يركض إلى جانب أبيه :
_مين عايزني؟
_ تعالى يا وش المصايب.
ناداه والده مقربًا إياه منه، فغمزه آسر وقال بمكر :
_عيب كده يا أبو لهب.
جلس إلى جانبه ودون قصد ضغط على يد والده فآلمته:
_آمال طلعي الحيوان ده بره مش قادر أزعقله .
_بعد كل اللي عملتهولك اخس عليك يا راجل يا ناكر الجميل.
هتف آسر لأبيه بسخرية، ونظرت آمال إليه تسأله :
_بجد يا أحمد يعني أنت متجوزتش عليا ؟
_ هتجوز أزاي و أنا متشدش قدامك مية حته؟ الحيوان ده كل مرة يستغفلك؟
احتدت نبرته المتعبة وتخلل حديثه سعلات، نظرت إلى ابنها وتمتمت بسبَّة سمعها، فقال مذكرًا :
_عيب يا آمولة ده أنا أسوره حبيبك.
_ده أنا هموتك النهارده بتستغفلني يا حيوان .
نهضت عن السرير تتوعد إليه بعدما ألقت إحدى فردتي حذائها المنزلي عليه لتصيبه في وجهه، ثم أخذ يركض بالغرفة وهي تلحق به، فتِح الباب فجأةً فدخل محمد وأخذ يضحك بصوتٍ عالٍ ثم سألهم :
_ آسر عامل إيه المرة دي ؟
_الحيوان قالها أني متجوز وفقدت الذاكرة.
أجاب أحمد أخاه فنظر إليه ضاحكًا وهتف من بين ضحكاته عندما لاحظ نظرات أخيه المستاءة منه :
_ هعمل إيه آسر ده نكتة والله.
_حمد لله على سلامتك يا أحلى عم في الدنيا كده تخبي على ندوش حبيبتك.
قالت ندى وهي تقترب منه ثم احتضنته وقبّلت رأسه ، ليجيبها بود :
_غصب عني ياحبيبتي محبتش أقلقكم .
_ تقلقنا ؟! إيه الكلام ده يا أبو حميد أخص عليك .
هتفت بنبرتها المرحة مستخدمةً إحدى الألقاب التي يستخدمها آسر معه ، فأضحكته على كلامها :
_أنتِ أتلميتي على آسر أمته؟
_ آسر أستحوذ على القصر كله.
قالها محمد الذي يقف وإلى جانبه يقف آسر ويحتضن رقبته بذراعه ، لاحظ أحمد اختفاء ياسمين منذ أن عاد أمس ، شعر بالقلق حيال اختفائها هذا، فسأل ندى مزيلًا القلق:
_ أومال فين ياسمين مجتش سلمت عليا امبارح ولا النهارده هو في حاجة ؟!
شعرت ندى بالتوتر لسؤاله، لم يبلغها أحد ما اتفقوا عليه ليقولوه لأبيها، أجابته بتلعثم :
_لا هي... بس تعبانة شوية.
فزع مما استمع اليه وهتف بقلقٍ ازداد في قلبه:
_تعبانة... مالها فيها إيه ؟! ساعدني يا محمد أشوفها.
_ مفيش داعي يا بابا هي كويسة ده دور برد مش أكتر.
حاول عصام الذي دلف مؤخرًا مع خالد منعه من النهوض، فأردف محمد بتوتر مؤكدًا حديث عصام:
_آه... أنا روحت بنفسي شوفتها، هي... خايفة تعديك.
القلق الجلي في حديث أخيه وابنته أشعر قلبه بالاضطراب، فسألهم بصوتٍ عالٍ:
_ في إيه أنتم مخبين عني إيه؟ بنتي مالها انطقوا ؟!
حاول خالد إقناعه:
_صدقنا يا عمي هي كويسة.
ولكنه لم يجدي نفعًا أمام عناده، هنهض عن الفراش بتعب في محاولة الذهاب إليه، وقف أخيه إلى جانبه يسانده ، ويحاول اقناعه من الذهاب للمرة الاخيرة :
_ يا أحمد الحركة غلط عليك إحنا هنجيبهالك تشوفها.
_ أنا هقوم أشوفها بنفسي أوعى.
هتف بحدةٍ وهو يزيح يد شقيقه عنه، متجهًا بخطواتٍ بطيئة متعبة إلى غرفة ياسمين والجميع يسير خلفه بقلق.
**********
جلست كما هي لا تتحرك من الغرفة ، وجهها قد تملك منه الحزن والعناء، وفجأة اقتحم أحمد الغرفة بعد فشل محاولات عصام وخالد في إقناعه، سار بخطواته المتعبة إليها، وما إن شعرت به يقترب منها، عاد الخوف يبسط سيطرته عليها، ارتعش جسدها، دموعها تجمعت في عينيها حركة رأسها النافية بألا يقترب منها، لم يفهم ما يحدث معها ، سألها بقلق:
_ياسمين مالك ياحبيبتي ألف سلامة عليكِ؟
اندهش حينما وجدها تنسحب للخلف ، وتضمّ ساقيها إلى صدرها، ارتجف صوتها الذي خرج بذعر:
_ لا ، لا ابعد عني.
تابع اقترابه منها ، لتنساب دموعها بشدة، وتشهق باكية، ثم هتفت بصراخ :
_اطلعوا بره.
شهقاتها الباكية ارجفت قلب والدها، تدفعه بعيدًا عنها ،أغمض عصام عينيه ألمًا لحالة أخته وتدخل على الفور يحتضن كتفي والده من الخلف :
_بابا كفاية من فضلك اخرج.
_بنتي مالها يا عصام ؟ فيها إيه؟
سأله بخوفٍ وقد رأى عصام لمعة عينيّ والده بالدموع، ثم قال :
_ اخرج و إحنا هنفهمك.
رفض أحمد الخروج و ازدادت حالة ياسمين سوًءا ، ليتقدم خالد منها في محاولةٍ لتهدئتها لتصرخ بشدة، مشاهد آدم تعود لتغزو عقلها ، تدخلت ندى على الفور واحتضنتها بقوة، فبادلتها الأخرى العناق، رعشة جسدها سكنت كأنها تحتمي بها منهم، دموع أحمد انسابت دون إرادته، فانسحب مكسور القلب عليها واتبعه خروج الشباب لتبقى ندى معها بالغرفة.
_ أنا عايز أعرف حالًا بنتي مالها ؟!
هتف أحمد بحدة أمام باب غرفتها الموصد لمن أمامه، ابتلع آسر ريقه بتوتر وأجابه متلعثمًا :
_ياسمين اتعرضت لمحاولة اغتصاب.
حلّ الوجوم على وجه أحمد وقد شعر بصدمةٍ عارمة، سألهم بصوت هادئ عكس نيران الغضب التي تؤجج داخله :
_ مين اللي عمل كده ؟!
ساد الصمت خوفًا، فكرر سؤاله بنبرةٍ أشد حدة، شعر خالد بالخوف من أن تسوء صحته لشدة غضبه، فأجابه وهو يخفض رأسه :
_ آدم ، الحيوان كان جاي ينتقم مني بيها.
_ هو فين دلوقتي؟
سألهم بتوعدٍ ليجيبه عصام:
_في السجن.
تركهم أحمد مغادرًا القصر، فقد فهم الجميع ما ينوي إليه، آدم يستحق ذلك و أي شخص يقوم بهذا الفعل الإجرامي يستحق أن يكون عقابه الموت، و هذا ما نوى إليه، ولكنه لن يلوث يديه بدمه، مكانته الكبيرة وسلطته تكفيان أن يصل بحكمه إلى الإعدام.
**********
في قاعة الجلوس جلس أحمد مع أخيه بتعب، ويأس فياسمين على حالها، حوقلَ بصوت منخفض ثم زفر بعمقٍ وسأل:
_ هتفضل حابسة نفسها كده كثير ؟
_هنعمل إيه بس يا أحمد ما أنت سمعت الدكتورة قالت إيه؟
أجابه مذكرًا حالة ياسمين التي ذكرتها الطبيبة، ما مرت به من مشهدًا عصيبًا، تحتاج وقتًا كي تتخطى ما حدث، وتتعافى كليًا، نكّس رأسه بحزنٍ وقال بحزنٍ :
_يا رب أنت عالم بحالي.
**********
دخل خالد إليها ليعود الرعب يتسلل إلى جسدها، فسألته بخوف:
_ أنت عايز إيه؟ اخرج.
_ياسمين حبيبتي اسمعيني أديني فرصة بس أتكلم معاكي.
تحدث معها بنبرة هادئة يسكّن بها خوفه، لكنها لم تستجيب فصرخت ملئ صوتها أفزعت جميع من بالقصر فتوجهوا نحوها.
_اخرج بره
صرخاتها تتوالى ودموعها انسابت كشلالات، فحدّثها بنبرةٍ مطمئنةٍ أكثر :
_ والله ما هأذيكي ، اهدي.
_في إيه ياخالد؟!
_سبها ياخالد اتطلع من هنا.
تحدث والدها وعصام معًا بعدما تجمهروا مع من في القصر ليطمئنوا عليها فهتف خالد بعصبية شديدة :
_ عصام ، عمي أرجوكم اخرجوا.
اجابه أحمد بحدةٍ:
_أنت مش شايف حالتها عاملة إزاي؟
أوقف عصام أبيه، عساه يمتلك فرصةً بالحديث معها، عساه يحقق ما فشلوا به، خرج الجميع من الغرفة إلّا ندى التي تعلقت ياسمين بها تستمدّ منها الأمان، نظر خالد لندى وقال بنبرةٍ هادئة:
_ اخرجي يا ندى.
_ لا مش هخرج يا خالد، ياسمين خايفة مش هسيبها.
لم يكن منه إلا أن أمسك بندى وفتح الباب وأخرجها ثم أقفل الباب بالمفتاح، لتتسع عين ياسمين رعبًا، فهتفت متلعثمةً بخوف:
_ أنت…بتقفل الباب ليه ؟ أنت عايز إيه؟
اقترب منها وقال بنبرةٍ هادئة:
_ياسمين اسمعيني بس .
حركت رأسها نافيةً وحركت قدميها بعنفٍ تبعده عنها ، شعر خالد بتجمع الدموع في عينيه وقال بنبرةٍ مكسورة:
_حرام عليكِ اللي بتعمليه فيا ده أنا مستهلش منك كده، أنا عمري ما هأذيكِ، في حد في الدنيا يأذي روحه!!
كلماته المطمئنة لم تجد نفعًا، قالت بخوفٍ شديد :
_ افتح الباب من فضلك وأخرج
يأست محاولاته ، فجلس على الفراش وأمسك رأسه بتفكير لينهض بعدها يصرخ بها بصوتٍ مرتفعٍ جدًا أسمع من في القصر كلهم :
_ أنتِ عايزة إيه بالضبط؟ ليه بتعملي كده؟ ليه بتحبي تشوفيني بتعذب، بس خلاص أنا فاض بيا هو سؤال واحد بس هيقف عليه كل حاجة أنتِ عايزاني ولا لاء ؟
شهقاتها الباكية تحولت إلى أخرى مكتومة، لم تعطه جوابًا ، فقط احتضنت ساقيها وانتحبت بصمت، شعر بالحزن، ثم قال بصوت يكاد يكون مسموعًا:
_خلاص يا ياسمين عرفت جوابك.
نزع دبلته من اصبعه ووضعها على الكومود بجانبها، ثم نظر إليها نظرةً أخيرة كأنه يودعها وخرج من القصر بأكمله.
أما ياسمين فما أن خرج خالد حتى إنفجرت في البكاء ، وعادت شهقاتها تعلو أكثر من السابق تحمل بين كفيها دبلته التي خلعها منذ قليل، ركضت ندى نحوها تحتضنها بقوة وسألتها بتوجس:
_ مالك يا ياسمين إيه اللي حصل؟
رفعت كفيها تريها الدبلة، وشهقاتها تزداد، جسدها ينتفض أكثر من السابق، حاولت استجماع أنفاسها المتقطعة وقالت:
_خالد ...سابني ...يا ندى.
تجمدت ملامح ندى من الصدمة ، لم تصدق ما حدث، عادت تحتضنها بقوة، لتهدئ من ارتجافة جسدها وحدة بكائها.
**********
_عصام اتصل بخالد فورًا شكله ميطمنش
أمر أحمد ابنه بذلك ، بعدما سمعوا ما حدث ورأوه يغادر القصر ووجهه شعلةً من نار ، فرك محمد جبينه بتعب وقال :
_ ربنا يستر ، أنا خايف عليه قوي.
حاول عصام الاتصال به مرارًا ولكن دون جدوى، هاتفه مغلق ولا أحد يدري ما به وأين ذهب؟
وبعد خمس ساعات عاد خالد إلى القصر وصعد لغرفته، فوجد عصام ينتظره داخل غرفته، لم يتحدث أيٌّ منهما، اتجه خالد لخزانته وأخرج حقيبة سفره، ووضع بها ملابسه وما يخصه، فاندفع عصام تجاهه مردفًا بغصب:
_ إيه اللي بتعمله ده ؟
_زي ما أنت شايف بحضر شنطتتي عشان مسافر .
أجابه باقتضاب أشعل غضب الآخر فهتف بحدة:
_مسافر فين؟ أنت مجنون صح ؟!
تقدم آسر بينهما يهتف بصدمة:
_خالد لا أوعى تسبنا.
نظر خالد لكليهما بحدة وقال:
_ أنا مبخدش رأيكم انا جهزت كل حاجة خلاص.
أكمل تجهيز حقيبته، فاقترب آسر منه يجلس على حافة الفراش، يسأله بحزن:
_هتسافر فين؟
أجابه بهدوء:
_ألمانيا هتابع شغلنا هناك.
شعر عصام بالحزن عليه وعلى شقيقته، فقال بعتاب:
_ ليه عملت كده مع ياسمين أنت بتحبها؟
نظر إليه خالد وقد تجمعت الدموع في عينيه، ليجيبه هذه المرة بصوتٍ يكاد يكون مسموعًا ومغموسًا بدمعاته :
_بس هي بتقتلني، بتقتلني بخوفها مني و أنا مش مستعد أعذبها يا عصام، الفرح بعد شهرين يعني هتبقى معايا في مكان واحد إزاي وهي خايفة مني كده؟ خلاص أنا حررتها من العلاقة دي، لازم أبعد هو ده الحل بس متعرفوش حد إلا لما أسافر لأن بابا وعمي مش هيسمحولي بكده.
احتضنه عصام بقوةٍ وقد شعر بدموعه تبلل قميصه، ابن عمه ورفيق دربه سيتركه، فصل عناقهما وهتف مودعًا:
_خلي بالك من نفسك.
ابتعد خالد بخطواته مغادرًا القصر بل والبلاد كلها، سافر كارهًا فراق حبيبته وقسوتها عليه، هو يعرف أنه دون إرادة منها، ولكنه تحمل فوق طاقته كثيرا فقرر أن يخلصها من هذا الألم.
مرت الأيام ببطءٍ شديد على ياسمين التي تسيطر عليها الرغبة في الموت دون خالد، وقد احتفظت بدبلته في سلسلة طوفتها حول رقبتها، تستمد منها عافيتها وطبيعتها التي كانت عليها.
**********
في صباح يومًا جديد، استيقظ عصام من النوم واغتسل ولبس حلى من اللون الأزرق لون جمال عينيه فكان وسيم كعادته، وهبط إلى الأسفل استعداد للذهاب إلى عمله، الذي أصبح يتراكم عليه بكثرة بعد غياب خالد.
_صباح الخير.
ألقى تحية الصباح عليهم قبل أن يغادر كعادته، فسأله والده بعملية تامة:
_ خلصت الإتفاقية؟
_متقلقش يا بابا كله تمام
طمأنه بكلماتٍ رائقة، وقد همّ للمغادرة ليسمع اعتذار عمّه :
_ معلش يا ابني من ساعة سفر خالد والدنيا إتدربكت فوق دماغك.
ابتسم عصام بحبورٍ ، فقد اشتاق لرفيق دربه، لكنه أجاب عمه متصنعًا سخريته:
_لا عادي ياعمي بس يارب يعقل وينزل بقى.
تابع خطواته تجاه الباب مغادرًا ، لكن أوقفه هذه المرة صوت ندى:
_عصام ، عصام استنى.
التفت إليه يبتسم بعشقٍ ثم همس بنبرةٍ أربكتها:
_ نعم يا روح قلبي
احمرّت وجنتيها خجلًا، ثم هتفت بخجل:
_ بس الله.
_ اوكي سكت أهو.
أجابها بسخرية وهو يضع سبابته على فمه، فابتسمت لمشاكساته وقالت مذكرة:
_ متنساش الحفلة.
_مش ناسي، هخلص شغلي بسرعة ونروح.
أغمض عينيه مبتسمًا وأجابها بأنه لازال يذكر موعد حفلة سيذهبان إليها، ردد بعدها قبل أن يغادر:
_سلام بقا اتأخرت .
_مع السلامة ياحبيبي.
حركت يدها مودعة إياه وغادر الآخر نحو عمله ، عادت ندى إلى حيث تجلس سها ، وجلست إلى جانبها تسألها:
_ها يا سها هتلبسي إيه في الحفلة؟
مطت شفتيها بتفكير ، ثم قالت:
_مش عارفة تعالي نختار لبس.
**********
حلّ المساء وعصام مازال مشغولًا بأعماله، وقد تراكمت عليه بعد غياب خالد جعلته منهمكًا فيها ونسى موعده، ملت ندى من انتظاره، وتفحصت ساعتها فوجدت إن الوقت بات متأخرًاللغاية،ة زفرت سها بضيقٍ وقالت:
_يلا يا ندى اتأخرنا تلاقيه مش فاضي يلا يا حبيبتي.
شعرت ندى بالحزن من نسيانه لموعدهما، وخرجت مع سها على مضضٍ إلى حفلة إحدى صديقاتهما.
***********
ملفاتٌ أخرى وضعتها السكرتيرة على طاولة عصام ليعود للانغماس في مراجعتها وتوقيعها، قاطع عمله رنين هاتفه برقمٍ مجهول، أجاب الاتصال ثم قال:
_ألو.
_اهلا يا بوص وحشتني أوي .
صوتٌ ماكر ونبرةٌ شيطانية تقتحم أذنيه ، فازداد استغرابه وتساءل:
_مين معايا ؟
_ حد عزيز على قلبك.
قالها المتصل بضحكةٍ شيطانية، شعر عصام بالغضب وسأله بنبرةٍ حادة:
_أنت مين وعايز إيه اخلص أنا مش فاضيلك؟
_لا عيب كده ده أنا معايا ليك مفاجأة حلوة أوي وهتعجبك؟
هتف ساخرًا وقد طلب تحويل المكالمة الصوتية لأخرى فيديو ، فتح عصام الفيديو لتقع عينيه على ندى التي هتفت بدموع :
_عصام... الحقني.
سقط القلم الذي كان يحمله بين أصابعه بصدمةٍ ، تذكر موعدها ، الذي غفل عنه، ثم همس باسمها :
_ندى!
_ إيه رأيك مفاجأة حلوة صح ؟!
قالها المتصل ساخرًا ، لينهض عصام وصرخ بعصيبةٍ شديدة :
_ أنت مين يا حيوان وعايز إيه؟
_عايز انتقم منك بس لقيت دي اللي هتوجعك .
يده قبضت على شعر ندى ، وصراخها بدأ يعلو ليعلو صراخ عصام الحاد :
_سبها ياكلب، إن لمست شعرة واحدة منها لكون دافنك مكانك.
ضحكاته الساخرة تعلو أكثر فتزيد استفزاز عصام ، وقال :
_ دي روح حبيبتك هي اللي في إيدي.
_اسمع اللي أنت عايزه هعملهولك بس سيبها.
بنبرةٍ خائفة أخبره بأن يتركها، ابتسم الآخر بسخريةٍ وقال بمكر :
_بس أنا عايز روحها.
مرر يده على وجهها بقوة ، وصراخ ندى كاد يصمّ أذني عصام الذي بدا عاجزًا ، ثم قال وقد تذكر لميس، هل سيخسر الأخرى مثلها؟:
_ اسمعني لو في أي عداوة بينا فهي ملهاش ذنب أرجوك سبها.. أنتقم مني أنا.
_ البوص بيتوسل قد كده بتحبها؟!
واستطرد بمكر:
_اسمع أنا عشان بحبك هعملك عرض إن قدرت تفوز ده ودي من رابع المستحيلات هتكسب حياتها ولو خسرت تبقى خسرتها للأبد ودي خسارة على الموت بصراحة حلوة أوي.
عرضه الساخر اشعل النيران داخل اوردته، فقال بشراسة:
_أنت عايز إيه ؟
_ معاك 15 دقيقة وتكون في المقابر ال**** وحبيبة القلب بتاعتك في قبر من القبور وريني هتقدر تتطلعها إزاي في الوقت ده ولو طلعت الله أعلم إذا كانت عايشة ولا لا ؟!
_ أن عملت فيها حاجة مش هيكفيني فيك رقبتك يا ابن ال***؟
صرخ عصام بصوته المرعب ليسمع تحذيره المبطن رافضًا لسماع حديثه:
_وقتك ابتدى من دلوقتي.. أنا بقول كفاية تضيع وقت!
كلمات صغيرة عبر اتصال وصلت لمسمع عصام جعلته كالمجنون، حمل هاتفه وكل متعلقاته ثم ركض نحو سيارته دون أن يعير أي من الواقفين حوله أهمية، ركض آسر خلف عصام بتعجبٍ متمتمًا:
_عصام.. عصام!!
لم يجيبه، واختفى تمامًا من أمامهم، تعجب محمد من طريقة عصام، ليتمتم بدهشة:
_هو في إيه يا أحمد عصام ماله!!
حرك أحمد رأسه في نفي، يتمتم بقلقٍ:
_أستر يارب.
انطلق آسر خلفه متمتمًا بصوتٍ عالي لوالده وعمه:
_أنا همشي وراه بالعربية أشوف في إيه.. سلام.
ركض آسر خلف عصام بسيارته، في حين قاد عصام سيارته يتحرك بسرعةٍ جنونية، كاد أن يصطدم بالسيارات ولكنه نجى بصعوبةٍ، وبالفعل وصل عصام للمكان المنشود وقف ينظر حوله حتى ظهر أحمد السيوفي، أسرع عصام نحوه يزمجر بعنفٍ :
_اه يا حيوان ياكلب أنا كنت عارف أنك اللي ورا اللي حصل والله لقتلك!!
نزع يد عصام ببرودٍ، ثم تطلع نحو ساعته ليردف بصوتٍ بارد خبيث:
_ الوقت مش في صالحك يا بوص كل ثانية بتعدي حبيبتك بتفارق الدنيا بس الصراحة ذوقك المرادي عجبني جدًا أنا والله لو مكنتش مسافر حالًا كنت أخدتها معايا أصلها خسارة في الموت.
أمسكه عصام مرة أخرى، يردد بجنون :
_ أنت أصلا مش هتلحق تطلع من هنا أنطق ندى فين!
أشار أحمد على رجاله فتجمعوا حول عصام، ليستكمل حديثه ببرود قاتل:
_ أنا ممكن أخليهم يقتلوك بس لا مش هعمل كده كفاية عليك تحفر في المقابر دي عشان تطلع حبيبتك ده لو أختارت المقبرة الصح عن أذنك سلام يا آ... يا بوص!
اختفى أحمد من أمامه وسط جمود جسد عصام، عدد المقابر التي أمامه لا نهاية لها، وقف عاجزًا أمامهم لا يعلم ما عليه فعله، وضع يده على وجهه محاولًا التفكير بحلٍ، ثم ردد بهمسٍ يتذكر باحدى المرات حديثهما:
_ أنا بحس بيكٍ وبسمع نبض قلبك لأنك قلبي يا ندى.
بقى دقيقتين يحاول أن يشعر تلك المرة بمكان وجودها، دقيقة أغمض بها عينيه ثم فتحها فجأة نحو مقبرة ما، ركض نحوها وبدأ بالحفر حتى وجد ندى بها شاحبة اللون، تغلق عينيها بعدما اختفت عنها الحياة، حملها عصام سريعًا يضعها بالهواء كي تتنفس يهمس بخوفٍ، لا يريد أن يعيد تلك الذكرى مجددًا:
_ندى حبيبتي فوقي!
لم تستجب له، فقد كانت أشبه بالموتى، أدمعت عين عصام، ينظر لها برجاءٍ متمتمًا ندى:
_ مستحيل تعملي فيا كده فوقي عشان خاطري.
لم يجد استجابة منها، فضرب وجهها برفقٍ ولكن كانت كما هي، ظل محله يعافر ذكرى وفاة لميس فقد حبيبته في الماضي واليوم سيفقد معشوقته صرخ بصوتٍ عالي:
_ لا لا مش هسمحلك تسيبيني قومي يا حبيبتي عشان خاطري متعمليش فيا كده أنا بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.
هبطت دموعه دون ارادة منه لا يعلم ماذا يفعل، في حين تقدم آسر منه بعدما وجده بصعوبة بالغة، لاحظ ندى الملقاه ارضًا وعصام يذرف جوارها الدموع فهروال لها بتوترٍ:
_عصام ندى مالها و إيه اللي حصل ، لازم ناخدها على أقرب مستشفي.
نظر له عصام يحاول استيعاب ما قاله، ليردف آسر بصوتٍ عالي:
_يالا بسرعة.
بالفعل حمل عصام ندى وانطلق بها نحو السيارة التي قادها آسر بسرعةٍ جنونيو، والحزن يتوغل بملامحه وهو يرى لأول مرة عصام بهذه الحالة من الضعف.
***************
وصل آسر إلى المشفى في سرعة فائق، ليسرع الممرضين باحضار السرير المتحرك يضعوا بها ندى التي دلفت لغرفة العمليات.
بقى عصام وآسر بالخارج، فكلًا منهما بعالم آخر يشعر عصام بفقدان روحه، في حين أجرى آسر مكالمته للعائلة، وبعد ساعة كاملة، توافدوا جميعا للمشفى، فتساءل أحمد بصدمة:
_عصام في إيه اللي حصل لندى؟!
في حين ردد محمد بقلق :
_ بنتي مالها حد يرد عليا!
لم يكن بحالة تسمح له بأن يجيب، فتدخل آسر سريعًا يردد بتوضيح:
_معرفش ياعمي أنا مشيت ورا عصام ولقيت ندى كده معرفش إيه اللي حصل بالظبط!
تمتمت سهير بصوتٍ باكي:
_ياحبيبتي يابنتي!
احتضنتها آمال، مرددة بصوتٍ مواسي:
_ إهدي يا سهير إن شاء الله خير.
تقدمت ياسمين نحو عصام، تقف أمامه بأعينٍ مدمعة، تمسك بيده وسط دهشة الجميع تردد بألمٍ:
_ إيه اللي حصل!
****************
خرج الطبيب من الغرفة، فركض الجميع حوله، تمتم أحمد بقلقٍ:
_خير يا دكتور طمنا أرجوك!
اجابهم الطبيب بأسف:
_ماخبيش عليك يا أحمد باشا الحالة صعبة جدا الأوكسجين أتمنع عنها فترة وده أتسبب في أنها دخلت في غيبوبة.
_إيه
قالها محمد بصدمةٍ تدمع عينيه بقوة، في حين ردد أحمد بصوتٍ متألم:
_طب هتفوق أمتى؟!
حرك رأسه في نفي، يردد بصوتٍ هادئ:
_ الله أعلم يوم شهر سنة أو ممكن تفضل كده على طول.
دلو سقط على رأس عصام فقد النطق والقدرة على الحركة، حالة من الإنهيار الشديد تملكت الكل، فـ ندى تحتل مكانة كبيرة في قلوب الجميع.
دلف عصام للغرفة بقدمان متعبتان، يرى وجهها الشاحب، هذه الأجهزة التي تتصل بها، فأصبحت حياتها مرهونة عليها، جلس جوارها يتمتم بكلماتٍ مكسورة:
_ندى حبيبتي فوقي عشان خاطري أرجوكي يا ندى متعمليش فيا كده فوقي أنا مقدرش أعيش من غيرك!
*************
وصل خالد إلى المشفى بعدما اخبره آسر عبر الهاتف، فسأل على غرفة شقيقته ليركض نحوها ما أن اخبرته موظفة الاستعلام، وصل خالد يرى حالة الانهيار بالجميع ليردف بتوجسٍ:
_في ايه إيه اللي حصل وندى مالها؟!
اجابه آسر بألمٍ:
_ندى دخلت في غيبوبة!!
اتسعت عين خالد بصدمةٍ، يردف في محاولة لاستيعاب ما تفوه به آسر:
_ إيه !! إيه اللي حصل عشان تدخل في غيبوبة!
أشار آسر نحو الغرفة التي بها ندى، يردد بحزنٍ:
_السؤال ده جوابه عند عصام.
دلف خالد إلى الغرفة ليجد عصام يجلس على المقعد بهذه الحالة التي لأول مرة يراه به، تأكد بتلك اللحظة من عشق عصام لندى ومن صدق كل كلمة قالها بحقها، تقدم منه يضع يده على كتفه عصام متمتمًا:
_أحمد السيوفي صح!
فاق عصام من هذا العالم، ينتشله من قاع آلام حفرت بداخله، نظر عصام بشراسةٍ تحوله لها ما أن ذكرة اسم هذا الواغد، نهض من مكانه يغادر الغرفة بل المشفى بأكمل لينتقم من هذا الوغد.
علم خالد ما ينوي عصام القيام به، فتوجه نهو سيارته سريعًا ليلحق به.
*****************
وصل عصام إلى المخزن بسرعةٍ فائقة، في حين وصلت سيارة خالد ليسرع خالد خلف عصام مرددًا :
_ إيه اللي جابه هنا.
وقف عصام بصمتٍ، عينيه تتلون بحمرة قاتمة مخيفة، حتى أتى عثمان يردد بهدوءٍ:
_كله تمام ياعصام بيه أحمد السيوفي ورجالته جوه.
توجه عصام نحو الداخل دون أن يعير أي أحد اهتمام، نظرات مخيفة منحها لأحمد الذي تلون وجهه برعبٍ، ليردف عصام بهمسٍ مخيف :
_كنت مفكر أنك هتهرب بالسهولة دبي، فوق قبل ما تفكر تلعب مع أي حد لازم تقيم قوة عدوك الأول يا غبي
_عصام أنت ناوي على إيه!
قالها خالد وهو يدلف للداخل يشعر بالريبة مما سيفعله عصام، فهدر بصوتٍ عالي ارتجفت على أثره جسد أحمد :
_عثمان!!
أسرع عثمان له، يردد:
_ نعم يا باشا
أشار له متمتمًا:
_ فك الحيوان ده هو ورجالته.
_بس يا باشا.
نظرة واحدة منه كانت كافية لإخراس عثمان، توجه إلى تنفيذ أوامره، في حين ردد بنبراتٍ مرعبة:
_أنا بقى هعمل معاك عرض أحسن من عرضك مية مرة، لو هزمتني أنت ورجالتك هتخرج من هنا حي ومش كده وبس أنا هرجعلك كل الفلوس اللي أنت خسرتها بسببي.
علق خالد بصدمةٍ:
_ عصام أنت مجنون أنت عارف هم كام و أنت لوحدك!
أشار عصام لخالد أن يصمت، ليردف أحمد بشكٍ وهو يدلك أثر الحبال:
_و إيه يضمنلي أنهم بعدما يخلصوا عليك رجالتك هيسبونا.
اجابه عصام ببرودٍ:
_محدش هيتعرضلك لأن كلمتي هنا محدش يقدر يكسرها ها قولت إيه!
ابتسم أحمد السيوفي بمكرٍ، يتمتم :
_ ده أنت مستعجل على موتك بقى!
اجابه ساخرًا:
_ حاجة زي كده!
اشار أحمد بيده نحو عصام يردد بشرسةٍ:
_ أقتلوه!
هجم الرجال على عصام الذي تفادى ضرابتهم ببراعةٍ، ثم بقى يلكمهم بحرافية اسقطتهم أرضًا، تمزقت ثقة أحمد وثقته بنفسه رويدًا رويدًا، شعور إقتراب الموت منه أصعب من الموت نيله، .
أشار عصام بسخطٍ على رجاله الذين يفترشون أرضًا، يردد بسخرية:
_ هم دول اللي أنت بتتحمى فيهم مجرد حشرات أفعصهم تحت رجلي أما أنت بقى فعقابك معايا عسير.
سدد ضرباته القاتلة عليه، وهو يهدر بصوتٍ لاهث:
_ ليه عملت فيها ليه!!!
أخذ يكيل له اللكمات كأنه يخرج ما به من ألم على فراق حبيبته
في حين صرخ أحمد بألمٍ، يردد بضعف:
_ إرحمني!!
هدر عصام بصوتٍ عالي:
_وأنت مرحمتهاش ليه، أنا من غيرها بني أدم عديم الرحمة!
أمسك عصام رقبته، يضغط عليها بقوة، يهمس بصوتٍ مخيف:
_ أنت أتعديت على اللي يخصني واللي يتجرأ على كده عقابه الموت.
تركه عصام فجأة حينما فارقته روحه، في حين تقدم خالد منه يردد بحزنٍ :
_ليه يا عصام!
أجابه عصام بألمٍ:
_ العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.
***************
رفض الطبيب دخول العائلة إلى غرفة العناية، ولكن بعد عدد من توسلات كي تدلف ياسمين، سمح لها بالدخول، تقدمت منها تجلس جوارها، تمسك بيدها برجفةٍ اصابتها، تتمتم بألم:
_ ندى فوقي مش أنتِ كنتِ عايزاني أخرج معاكي، هخرج بس قومي أرجوكي.
دلف كلًا من عصام وخالد إلى غرفة العناية، فلم يستطيع الطبيب ايقافهم، اتجه عصام نحو شقيقته التي هتفت بانهيارٍ:
_قومي ياندى
أمسكها برفقٍ، وهو يردد بصوتٍ مختنق:
_كفاية يا ياسمين!
نظرت له برجاءٍ، تخبره بصوتٍ مبحوح :
_خليها تقوم عشان نرجع القصر.
أغمض عينيه بقوة يحتمل الالم الذي يختلج صدره،فهمس اليهاس :
_خلاص يا حبيبتي اهدي.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتح عينيه يمد يده يزيل دموعها، يردد برجاءٍ:
_عشان خاطري أنا مش متحمل أصلًا... آسر!
تقدم آسر بهدوءٍ مرددًا:
_نعم.
أشار له بألمٍ، يردف بهدوءٍ :
_خد ياسمين على القصر.
حرك رأسه وتقدم نحو شقيقته يمسك بكفها، يساعدها على النهوض متمتمًا بحنوٍ :
_يالا يا ياسمين تعالي .
نهضت ياسمين معه واتجهت لتغادر برفقته، فتوقفت حينما تقابلت عينيها بعينيه، شعرت بمدى اشتياقها له، في حين تألم خالد من وجود هذه المسافة البعيدة بينهما، همست ياسمين بحزنٍ:
_ أزيك ياخالد
تجاهلها تمامًا،وعاد للغرفة فبكت وهي تراقبه حتى اختفى من أمامها،احتضنها آسر مرددًا بحزنٍ على ما وصلت له عائلته:
_معلش ياحبيبتي!