![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الواحد والعشرون بقلم إسراء على
أما عن جميع الطُرق فـ إنها تؤدي إليك
و أما عن حصوني فـ كُلها مُدمَرة أمام عينيكِ
فـ عِش مُبحرًا بين راحتيها.
ترجل كلاهما من السيارةِ ، أرسلان بـ ملامحٍ قاسية و شديدة الرُعب ، هيئته الضارية و التي تبعث في نفسهِ الخوف جعلته ينكمش أكثر ، من يراه و هو يُدبر و يقتل يكاد يجن و هو يراه الآن فقط يُشبه الخرقة البالية
أغلق أرسلان زر سترته و تحرك رابتًا على كتف مُصلح الذي انتفض مُرتعبًا فـ ضحك الآخر و قال بـ نبرةٍ تهكمية سوداء
- متخافش يا حبيبي ، ليك وقت أنا مبغدرش
- همس مُتلعثمًا: فـ فاهم.
تحركا حتى وقفا أمام بوابةٍ ضخمة و أمامها عدة حُراس ليقف أمامهما أحدهم و بسأله بـ صوتٍ غليظ
- رايحين على فين!
آثر أرسلان الصمت و إلتزم الهدوء رغم سواد ملامحهِ القاتمة و ترك الدفة لـ مُصلح المُتلعثم
- داخلين لقاسم باشا ، أنا مُصلح.
نظر إليه الحارس من رأسهِ إلى أخمص قدميه ثم و بـ الهاتف الداخلي أجرى إتصالًا أتاه فيه الرد بعد لحظاتٍ فـ همهم و استدار إليهما ، لا تزال نظرته صارمة إلى أن تكلم و هو يُشير بـ رأسهِ إلى أرسلان
- و مين الأخ!
نظر مُصلح إلى أرسلان من طرف عينه يُتابع ردة فعله المُبهمة و التي تأخرت في مؤشر لا ينُم عن خيرٍ بل شرٍ مُطلق ، ثم إلى الحارس و رفع نظارته التي تحركت عن أنفهِ قليلًا ليقول بعدها بـ ثباتٍ مُهتز
- دا دا زميل ليا ، كُـ كُنت كلمت قاسم باشا عليه.
استدار عنه و عاود الإتصال ثم بعد دقيقتين إلتفت إليهما و سأله بـ صوتٍ قوي بـ هدف إرعاب أرسلان
- اسمك إيه!
حدجه أرسلان بـ نظرةِ استهجان جعلت الحارس يتنفخ من الغضب و لكن الأول أجاب بـ صوتٍ هادئ ، و الخوف من شدةِ هدوءه لم يعرفه سوى مُصلح
- أرسلان.
اسم مُميز و من يسمعه لا ينساه و لكن سُرعان ما تُحاول نسيانه ما أن يرتبط اسمه بـ ماضٍ بغيض ، وقتها لم يتصل الحارس بـ الداخل و لكن أشار إليهما بـ الدخول و كأن الساكن بـ الداخل يعرف عن زيارة أرسلان ، و لكن أرسلان لم يكن يسعى إلى عُنصر المفاجأة بل ينتظر الفريسة تهوى رؤياه
دخل مع مُصلح حتى وصلا إلى طاولةٍ بـ مُنتصف الحديقة ثم جلس دون أن ينتظر أمرًا من الحُراس ، واضعًا ساق فوق أُخرى بـ هيئة تُشبه أسد وحشي يجلس في عرينهِ و يُتابع عرض باقي الحيوانات ، الدقائق تمر و أرسلان لم يمل بل يعلم تمام العلم أن هذا ما سيحدث فـ كانت ترتسم إبتسامة أفعى على وجههِ
و في قاموس الضحايا
” لا يجب أن يبتسك أرسلان أبدًا“
مع كل إبتسامةٍ يبتسمها هُناك ضحية تسقط و إن لم تكن واحدةً فـ أكثرها ما يسقط بـ سهولةٍ و هو يُحب ذلك في تلذذٍ مريض كان يهواه مُصلح سابقًا إلا بعد.أن ذاقه
بعد مُدةٍ ظهر قاسم بـ صورةٍ و هيئة وحشية تُرعب من حولهِ عداه ، كانت فقط في نظره هيئة طفولية ، ساذجة مُثيرة للسُخرية و الضحك ، و مع إبتسامة أرسلان المُخيفة إرتسمت إبتسامة على وجه القادم و قال بـ ترحيبٍ مُبالغ فيه
- لو كنت بعرف إن الشيطان ذاته قادم ، كُنت فرشت الأرض ورد.
رفع أرسلان حاجبه بـ استهجان واضح ، و لا تزال الابتسامة تُشبه الأفعى السامة ، ثم قال و هو يرفع بصره إلى قاسم قائلًا بـ فتور خبيث
- تؤ ، أنا هفرشلك الأرض دم.
إن لم يكن تهديد واضح فـ ماذا يكون إذن؟ و أرسلان لا ينطق هباءًا و لا يهوى الحديث الفارغ ، بل كلماته ذات حسابٍ مُخيف و سيناريو مُثير للرُعب ، تقدم قاسم و جلس أمامه يُحرك عباءته و يستعرض سلاحه مما جعل ضحكة تنفلت عن فم الجالس أمامه و ظلت نظراته تحفر عميقًا داخل روح قاسم
أما مُصلح فـ هو يعد داخله ما تبقى من ثوانٍ له في تلك الحياةِ التي أنهاها بـ يدهِ و يا ليت الغباء ما تحكم به
*****
أشار أرسلان إلى قاسم الذي تجعدت ملامح وجهه الساخطة بـ غضبٍ ليجلس قائلًا بـ نبرةِ إستعلاء ، متوحشة
- إقعد يا قاسم ، لينا كلام مع بعض ، من أيام مين!
نظر إليه نظرةٍ ذات مغزى كانت كـ السم الذي يغزو العروق ثم استطردت بـ نبرةٍ قاتلة ، حادة كـ نصلِ السيفِ تسترجع ماضٍ أسود ، بالغ الحقد
- نزار العبد! فاكره ، الله يجحمه.
قبض قاسم على يدهِ حتى كادت أن تبيض مفاصلها و صر على أسنانهِ حتى تشنج فكه ثم أكمل مع نبرةٍ تزداد عُمقًا بـ سوادٍ مُخيف
- عارف مات إزاي؟
توجهت نظراته إلى مُصلح المُنكمش على نفسهِ فـ ضحك أرسلان بـ شراسةٍ و قال يفرقع أصابعه ليسترعي إنتباه قاسم
- متبصلوش كدا ، أنا اللي هددته عشان أجي ، فكرك يعني هيخونك إلا لو كان حياة عيلته و حياته هما التمن!
- إيش بتريد يا شيطان!!
إبتسم أرسلان من زاويةِ فمهِ و أشار له يهتف مُعتدلًا في جلستهِ
- طب إقعد الأول عشان الكلام مينزلش فـ رجلك ، محتاجه فـ مُخك شوية.
إهانة واضحة و قد تُثير غضبه في أي وقتٍ و لكن الآن لا مجال للغباء ، ليتقدم بـ هدوءٍ يُحسد عليه و جلس في مواجهة أرسلان ، هتف يسأله
- هلا بريد اسمع منك.
فجأة أظلمت عينا أرسلان و ظهر بها بريق من القسوة التي بدت كـ عاصفة قوية تنتزع الواقف أمامه ، ثم و بـ نبرةٍ لا تنُم عن خيرٍ
- هتسمع ، بس الأول ، أنا سيبتك من كام سنة عشان تتعظ و كُنت عارف اللي بتعمله و اللي عملته مع نزار .
اتسعت عينا قاسم بـ شدةٍ و إهتزت حدقيته تُخبر الجميع بـ خوفهِ من القادم ، فـ ابتسم أرسلان و وضع يده أسفل ذقنه و أكمل
- فكرت إنك لما تعرف إن نزار خد الشر و راح ، هتقصر الشر معايا بس للأسف مطلعتش ذكي
- تحولت نظرات قاسم إلى جمراتٍ و هدر: يا شيطان بتعرف انك داخل هُنا و ما بتعرف تخرچ!
- ضحك أرسلان ساخرًا بـ سوداوية ثم قال: فكرك!
نهض أرسلان و استعد الحراس خلف قاسم و حول أرسلان بـ اسلحتهم و لكن إشارةٍ من رئيسهم أعادهم إلى الوراء ، و إنتظر تقدم أرسلان منه و نظر إليه من أسفل بـ ترقب ليقول الشيطان بـ فحيحٍ أفعى يجعل السموم تنتشر حول الجالس فـ تُصيبه بـ الشلل
- أنا هنا عشان أخد روحك ، و روح كُل اللي هنا
- ضرب قاسم الطاولة و جأر: اسمعني يا شيطان ، هنا راح تكون مقبرتك.
إلتفت أرسلان بـ بصرهِ إلى مكان الضربة ثم وضع يده فوق يد قاسم و هسهس بـ صوتٍ خفيض إلا أن وقعه كان صاخب يجعل الأذن تنزف
- و ليه مش مقبرتك! ليه ميكونش أنت اللي حفرت قبرك بـ إيدك.
نظر إلى يد أرسلان التي بدأت تشتد حول يده حتى كادت أن تُهشمها ثم إلى عيني القاتل أمامه و قال هاتفًا بـ ثقةٍ لا يملك منها شيءٍ
- بتريد تراهن!
- سخر مُستهجنًا: بتريد!
فجأة قبض أرسلان على عُنقِ قاسم الذي لم يستعب ما حدث إلا أنه إتخذ من جسدهِ درعًا له و سحب سلاح قاسم المُخبأ أسفل عباءتهِ و استخدمه لتخلص من خلفه ، و لكن بـ مُساعدةٍ خفية كان الجميع ساقطًا أرضًا ، إما مُصابًا أو جُثة هامدة
استغرق الأمر دقائق لينقلب الوضع إلى هذا الحال ، ضغط أرسلان على عُنقِ قاسم و هدر
- راهنت! فـ خسرت.
ثم و بعد لحظاتٍ خرج عابد من خاف أحد الجدران و معه سلاحه الذي وضعه خلف ثيابه من جديد و اقترب من الواقفين ثم هتف بـ نبرةٍ مُبهمة و هو ينظر حوله
- عملت جُزئي من الإتفاق ، حاليًا عايز كلمتك
- صرخ قاسم غير مُصدقًا: عابد!!!
*****
تنهدت للمرة التي فقدت عدها ، كان داخلها يغلي بـ غضبٍ جم ، غبية شقيقتها و حمقاء تظن أنها ستتركها بين أنياب وحشٍ ينتظر بـ فارغِ الصبر إلتهامها ، قبضت على يدها و ضربت الحائط و هي تضع يدها على فمها الدامي من كثر فركها
و غباءها أوصلها لنقطةٍ لن تخرج منها سوى بـ مُساعدةٍ ثمنها قد يكون ضخمًا لن تستطيع سداده ، مُنذُ الأمس و هي تتحرك في الغُرفة ذهابًا و إيابًا حتى أن صوت خطواته جذب انتباه أسد العرين المُحتجزة به ، ليفتح الباب و يدخل فجأة مُسببًا في إنفلات صرخة منها و حاولت الاحتماء من نظراتهِ و لكن وجدت نفسها عارية أمام نظراته المُتفحصة ، و التي بها شيءٍ من الهدوء و آخر لم تستطع فهمه
عقدت ذراعيها أمام صدرها بعدما استعادت توازنها ثم قالت بـ صوتٍ هجومي قوي
- داخل الغُرفة ليه!
- مط شفتيه و قال بـ هدوءٍ: جاي اشوف زوچتي
- هدرت بـ حدةٍ غاضبة: و زوچتك ما بتريد تشوفك.
تنهد عابد بـ مللٍ و فتورٍ ثم تقدم و جلس فوق مقعدٍ و وضع يداه على مسنديهِ و قال تحت نظراتها المُستشاطة و التي كادت أن تُرديه قتيلًا من فعلتهِ المُتبجحة
- إچلسي يا غُفران ، عايز أحكي معاكِ
- إلا أنها هتفت: و أنا ما بريد.
مسح عابد على وجههِ بـ نفاذ صبرٍ و لكن حين خرجت نبرته كانت هادئة ، رزينة و كأنها تحتوي ثورًا هائج
- إچلسي ، هذا الحديث عشانك
- و إيش بيكون!
رفعت حاجبها و هتفت بـ صلفٍ جعل حاجبيه يقتربان من بعضهما في غضبٍ و حدةٍ آثر السيطرة عليها ، ثم أشار من جديد و لكن نبرته هذه المرة كانت آمرة، صلبة
- إچلسي ، و ما راح عيد حديثي ، المرة الجاية يا غُفران راح يكون لي تصرف تاني.
كانت تتنفس بـ حدةٍ و صوت تنفسها واضح ، يُبشر بـ نوبةِ غضبٍ قادمة ، و لكن إنذار من عقلها أخبرها التمهل و الاستماع إلى حديثهِ علّها تستطيع الخروج من ذلك القفص الحديدي ، لتتقدم و تجلس أمامه في وضعٍ مُتحفز جعله يُقهقه قائلًا
- لا تخافي ، مش هكلك
- رفعت ذقنها بـ صلفٍ رافضة مزحته: ما بخاف ، و خاصةً لو أنت.
حرك رأسه يأسًا منها و لكن أومأ في تفهم و قال ناظرًا إليعا بـ نظراتٍ غريبة شعرت بها أن عارية ، ليست من الثياب و لكن من غطاء مشاعرها ، ليهتف بعدها بـ صوتٍ رزين يهدف إلى الوصول إلى حلٍ يُرضي الطرفين
- اسمعي ، أنا قررت.
و قبل أن يُنهي حديثه هتفت بـ شرٍ تستدرك كلمته
- قررت!!!
- زفر بـ ضيقٍ و عدّل عبارته: فكرت إن الوضع هذا ماله نهاية ، عشان كدا حابب أتحدث معك عن فكرة.
لم تُرد الرد و لكنها صمتت تستشف القادم ، فـ أكمل و هو يتفهم حركاتها
- هروح مشوار و هرجع ، إذا عُدت حي ، راح تكوني حُرة
- سألت بـ غباءٍ مُنقطع النظير: و إذا مُت!
هُنا و علت ضحكات عابد لا يُصدق سؤالها الساذج فـ أثار غيظها بـ ضحكهِ الغير مُبَرر ، إلا أنه أجاب مُسرعًا حتى لا تغضب تلك الشرسة
- بتكوني أرملة.
حينها إتضح مدى غباءها فـ حمحمت و قالت بـ خفوتٍ تُخفي خلفه حرجها
- بيكون أحسن.
رغم أنها لم تفهم ذلك الإصرار في الزواج منها و فجأة تحريرها ، لوعته في الحصول على قوت و فجأة تخبت رغبته فيها ، هُناك حلقةٍ ناقصة و ستسأل
- و ليه كُل هذا الإصرار من البداية! تتزوچني و بعدين تتركني هكذا ، بهذه السهولة!
لم يرد بل ظل مُحدقًا بها ، رغم أنها تبغضه و لكنه يتذكر إبنة خالته الصغيرة التي يتذكرها بـ ابتسامتها الصاخبة و شخصيتها القوية ، بما كان يُسميها
” القادرة“
رغم أن عائلتها تبغضه و هو يتفهم السبب ، إلا خالته التي ظلت تدعمه حتى ماتت و إنقطع الدعم عنه فـ بات يعمل في الظلام و إبتعد عن عائلةٍ لم تحتويه من الأساس
نهض عابد بـ بُطءٍ مُقتربًا منها و هي إنكمشت على نفسها تخشى تقدمه منها حتى رفعت ساقيها إلى صدرها و وضعت يديها على حافتي المسند الجانبي تتحفز للقفز ، و ظل بصرها الذي اهتز من الخوف ، لم تجد وقتًا للهرب و الغبية أضاعت الفُرصة لـ التأهب لمجهولٍ
وضع عابد يديه على يديها فـ نظرت إليهما غُفران في لمحةٍ من غضب ، ثم رفعت وجهها إليه لتصطدم بـ وجهه القريب منها و نظراته التي ، التي تكتنفها الغرابة و الحيرة ، ثم قال عابد بـ خفوتٍ و هو يدنو منها بـ جسدهِ
- يا بنية الشيخ راغب ، اسمعيني كويس ، حُرة معناه إني أتركك لحالك ، لكن ما بطلقك
- تحولت ملامحها الغاضبة إلى شرسةٍ و هدرت: والله حتى لو آخر يوم فـ عُمري ، ما بكون زوچتك ليوم
- ابتسم من زاوية فمه و قال: صرفت نظر عن الفكرة ، دلوقتي
- عديم شـ
لم تُكمل العبارة إذ رفع يده و شد خُصلاتٍ منها فـ تأوهت غُفران و لكنه هتف بـ نبرةٍ خطيرة
- بحذرك يا غُفران ، كملي الكلمة و هتشوفي وش ثاني.
لقد خافت حقًا يبدو كمن على استعدادٍ أن يفترسها حية و يتلذذ بـ صوتِ صُراخها فـ صمتت تنظر إليه بـ عيني أبت أن تُظهر خوفها و لكنه اشتمه ولاحظه على أي حالٍ مما جعلها أكثر غضبًا
ترك خُصلاتها و سار بـ ظهرِ إصبعه على وجنتها قبل أن تُبعد وجهها ثم قال بـ صوتٍ قوي
- بكرة يا غُفران ، إدعي إني مرجعش حي.
إنحنى يضع قُبلة في حركةٍ عفوية جعلتها تشهق و يزداد غضبها، رغم أنه تعجب لتلك الحركة إلا أنه خرج في صمتٍ بعدما حدق بـ ملامحها طويلًا يستمتع بـ إنفعالها الأحمر الغاضب
و اليوم هي تقف أملم النافذة تنتظر عودة جُثته ، رغم ظلام الذي بدأ يُسيطر على المكان إلا أنها ظلت تنتظر و تُراقب الأجواء في الخارج ، و ما كاد أن يُصيبها الملل ، حتى سمعت صوت احتكاك سيارة تقف أمام المنزل ، تحفزت حواسها و تأهبت قرون استشعارها
لا تدري ماذا تنتظر عودته أم جُثته و لكنها تُريد معرفة نهايتها ، لعلها تعود إلى حبيبها ، و لكن آمالها قُتِلت في مهدها و هي تراه يترجل من السيارة فـ قطبت جبينها في أملٍ ميت ، و قبضت يدها على الستائر مُلعنة غضبها
ظلت تُراقب إقترابه البطيء حتى بدأت تتبين ملامحه و هيئته ، خطوة و أُخرى و ثالثة لتشهق غُفران لمشهدهِ الدامي ، و رُغمًا عنها تحركت داخلها مشاعر الشفقة و الإنسانية لتجد نفسها تهبط الدرج في سُرعةٍ كادت أن تُسقطها عن الدرج
توقفت في نفس اللحظة التي دخل فيها عابد من باب المنزل و وقف أمامها ، ليتوقف الزمن لثوانٍ و هي تهمس بـ اسمه
- عابد!!
*****
فتحت سديم الباب دون أن تنتظر طرقه ، كانت هيئته مُخيفة في تشعثها و الكدمات التي تُغطي وجهه و كأنه خرج من حربِ شوارع للتو ، تفحصته رغم نفورها منه لتقف عيناها على جانبهِ الأيسر و بُقعة الدماء التي تفترش جُزءًا لا بأس به من ثيابهِ التي من المُفترض أن تكون مُنمقة تليق به
شيئًا ما داخلها كان يحترق و يتلوى بـ ألمٍ و ظهر ذلك جليًا في نظراتها الضائعة ، و هو ترك لها كامل الحُرية و الوقت الذي يُرضيها في تأملهِ رغم مُحاولاته في الحديث و لكنه فَضّلَ الصمت يأبى كسر سحر تلك اللحظة الثمينة
ترتدي ثوب أبيض يُماثل روحها التي دنسها بـ خطاياه و خُصلاتها البُنية تتدلى على كتفها فـ جعل منها حورية في ثوب سيدة شديدة الجمال ، مالت بـ رأسها إلى إطار الباب و عقدت ذراعيها أمام صدرها إما تُخفي إرتجافة جسدها أو تحمي نفسها من رغبةٍ شرسةٍ في عناقهِ و سألته بـ خمولٍ و صوتٍ فاتر
- جاي ليه!
- أجاب على سؤالها الغبي: جيتلك.
خرجت ضحكة ساخرة ثم حدقت بـ جرحهِ من جديد و ظلت تنظر فترة ثم قالت بـ هدوءٍ لا يُشبه العاصفة داخلها
- روح من هنا ، معتش ليك مكان.
كادت أن تُغلق الباب و لكنه وضع قدمه و حال دون ذلك ، ثم دفع الباب و دخل مُغلقه خلفه ، حدجته بـ نظراتٍ مُشتعلة تكاد تُلهب النيران من حولهِ ثم هدرت بـ صوتٍ لم تأبه إن كان عاليًا و سيسمعه الأطفال
- أنت إيه يا أخي مبتحسش! مش كفاية خربت حياتي جاي تخلص على بقيتها!
فجأة قبض على ذراعيها بـ قوةٍ مُفرطة يكاد يُهشم ذراعيها الهذيلين ثم و بـ نبرةٍ قاتمة شديدة الفتك بـ غبية لا تفهم داخله
- جاي أخد حقي فيكم ، يا دكتورة أنتِ إتوصمتي بيا لحد ما تموتي
- ضربت صدره و صرخت: أنا مُت من زمان ، فاهم يعني إيه!
تصلبت معالم وجهه و توحشت نظراته تكاد من فرط عُنفها تسمع أزيز تكسير عظامها ، إلا أنها لم تصمت و قررت الإنتهاء من تلك المسرحية الهزلية لتهدر به بـ صوتٍ يُقطر حقدًا
- أنا رفعت قضية عليك ، و هنتطلق.
ساد صمت مُخيف ، خطير يكاد يقتل الموجودين ، كـ رائحةٍ كريهةٍ تنتشر بين بُستانٍ يضم أزهار الربيع ، كانت أنفاسه لهيب و تنبعث منها رائحة الموت ، عيناه المُتوحشة زادت و تضخمت و كأنها ستبتلع سديم في أي وقتٍ ، و ملامح وجهه التي كانت و لا تزال تُرعبها ، تسمرت عليها
ثم و بـ نبرةٍ خفيضة ، شديدة الخفوت و لكنها كانت تحمل كارثة مُعبئة بـ دمارٍ قاس
- هعتبر نفسي مسمعتش اللي قولتيه ، و إن دا ساعة جنون مش أكتر
- و بـ نفس القسوة هدرت: وجودي على ذمتك لحد اليوم دا هو الجنون بـ عينه
- حفرت أظافرها في جسدها و هسهس: من يوم وجودك فـ مكان مش مكانك بدأ الجنون يا دكتورة.
حاولت الحديث و لكن هيئته كانت تُنبئها بـ نذير شر سيبتلعها خصوصًا و الألم بات غير مُحتَمل فـ صمتت تستجمع شتات نفسها الذي بعثره بـ جنونهِ و بعد لحظاتٍ إبتلعت ريقها و هتفت بـ صوتٍ يائس ، ميت لا حياة به
- أرسلان عشان خاطري إحنا بقينا بنجري فـ دايرة فاضية و مش هنوصل لنهاية
- هدر بـ جفاءٍ صلب: إحنا ملناش نهاية يا دكتورة.
حكت جبينها بـ إعياءٍ و جسدها النحيل يرفض أي عاطفة تُحرره من الإكتئاب و الحُزن ، ثم حدقت به و هالها مشهد أرسلان و إنها لتعتقد أنها جُنت ، لتقول بـ صوتٍ لا يُصدق ما يراه
- أنا ميتة بيك أو من غيرك ، بس من غيرك أفضل عارف ليه! لأني كُل ما هشوفك هفتكر اليوم اللي خلتني فيه أقتل بابا ، ذنبي و ذنبه فـ رقبتك.
أصابها الدوار و فقدت القُدرة على الوقوف فـ جلست فوق أقرب مقعد و مالت بـ جسدها المُرتجف إلى الأمام ، بينما أرسلان يقف كمن يقف على حافة البُركان
إما القفز و الموت مُحترقًا و إما الهرب لمُدةٍ قصيرة ثم ستموت أيضًا مُختنقًا بـ بُطءٍ ، نظراته السوداء تعلقت بها و جسده ينتفض لشدة نفور عضلاته التي تصرخ طالبة إياها في ضمها كـ حق حصري له تُطالبه بـ النهل من رحيقها لتتعافى
جفلت سديم و إنتفضت بـ رُعبٍ و هي تراه يقف أمامها لا يفصل عنها إنشًا واحدًا ، مظهره إختلف كان به شيءٍ غريب و مُخيف ، قلبها نبض بـ عُنفٍ من هالتهِ التي تبخرت و حل محلها روح ميتة ، ثم و بـ صوتٍ لا تكاد تتعرف عليه هتف
- عايزاني أركع على رجلي و أترجاكِ! معنديش مُشكلة.
و بـ الفعل جثى أرسلان أمامها مهزوم و نظرته المهزومة تلوح أمامها في أبهى صور الخزي ، لقد خسر و ربحت نزالًا لم يكن نِدًا له من الأساس ، ركع على رُكبتيه و أمسك يدها ثم رفع بصره إليها و عينيه بها من اليأس ما أهَلكَ قلبها الذي غرق في القاع مع رؤيتهِ في حالةٍ مروعة من الإنهزام
نبرته كانت ما جعل قلبها ينكسر و تتناثر شظاياه في قاع المحيط تكتنفه الظُلمة و مع كُلِ كلمةٍ ينطقها كانت تلك الشظايا تُصيب روحها العطنة فـ تضرب بها الحياة من جديد
- متسبنيش يا سديم ، أنا ما صدقت لاقيتك و دُقت طعم الحياة بيكِ .
وجدت سديم نفسها تبكي بـ قوةٍ ، أرادته ذات يومٍ أن يعترف ، أرادته يهبط من علياءهِ قليلًا و لكن رؤيته في تلك الحالة و تحقيقها فعليًا أمام أنظارها المدهوشة لم تجعل منها سوى شظايا إمرأة حقيرة تتلذذ بـ عذابهِ حتى و إن كانت غير مُتزنة الآن كـ من على حافة الجنون
السكون الذي يعلو المكان ترك لها حُرية التفكير ، سكون مُخيف لم تعتَده من شخصٍ ملأ حياتها صخبًا و جنونًا ، و هذا جعل قلبها ينقبض مُعلنًا عن رثاء أرسلان الهاشمي -الشيطان- حتى و إن كان بلا قلب أو رحمة
هي لا تُريده منكسرًا فـ من سيُنقذها من وحل جنونها!
تبدد النفور داخلها و كأنه أمسك عصا سحرية و ضرب بها قلبها ، حتى و إن كانت تكرهه بعض الشفقة تسللت إليها و جعلت قلبها ينكسر ، داخلها ينعتها بـ عديمة الكرامة الجاحدة و لكن روحها لن يُرممها سواه
تتعجب من نفسها أنها لا تزال مُعلقة به ، لا يزال قلبها يهفو إليه ، لا يزال عقلها يُقدم له الأعذار ، و لكن سديم لم تكن هي إلا أن مسها بـ يدها و بث فيها مشاعر جديدة و عنيفة ، حفرت عميقًا داخلها
وضعت سديم يدها على وجنتهِ و سقطت أرضًا باكية أمامه ، ثم قالت بـ نبرةٍ خرجت تحمل التوسل مع نغمةٍ من الحُزن
- عُمري ما هفكر أسيبك ، أنا معرفتش نفسي إلا بيك.
لم يتحدث أرسلان فـ كفى حديثًا ، بل جذبها في عناقٍ تاركًا إياه ليتحدث من تلقاء نفسه ، يُخبرها بما لا يستطيع البوح به ، كم اشتاقها ، كم تمنى لو يتذوق الجنة بين يديها ، بات كـ المجنون الضاري مُنذُ أن تركته
عندما يُعلن إنهزامه و استسلامه أمامها يعني أنه أصبح مُجردًا أمامها ، فاقدًا ذلك السور الذي أحاط به نفسه ، فقط من أجلها خسر حصونه و أصبح أعزلًا أمامها تاركًا لها الفُرصة لتُصبح سلاحه
هنا و أعلن الشيطان