رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل العشرون 20 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل العشرون 


أنت لست قطرة في المحيط،
 بل أنت المحيط كله في قطرة… 

توقفت روجيدا وأوقفته معها لترفع أحد حاجبيها بـ صدمة ثم أردفت بـ ذهول لم تستطع التغلب عليه

-ابن جابر دا اللي هو صُهيب صح!... 

أومأ جاسر بـ بساطة ليرتفع حاجبها الآخر لتقف أمامه وتهتف بـ تعجب 

-صُهيب الهواري اللي أنت مش بتطيقه!!... 

قهقه جاسر بـ تسلية لتلك الصدمة والحيرة اللتين تنهشانها ثم قال وهو يُحاوط كتفها يدفعها إلى الأمام 

-هو بـ عينه… 

أبتعدت عن مرمى يده ثم وضعت يدها على جبينهِ وقالت بـ عدم راحة و توجس

-جاسر أنت كويس!.. يعني فـ كامل قواك العقلية!... 

كان دوره هذه المرة لكي يرفع حاجبه ثم هتف بـ خشونة وهو يضع يده بـ خصرهِ

-أنتِ شايفني يعني عمّال أقطع شعري.. ولا واقف على إيدي بدّل رجلي! 
-يا حبيبي مقصدش.. بس الموضوع مش مُقنع… 

إقترب منها خطوتين ثم حاوط خصرها ليسحبها إليه ليردف وهو يضع جبينه فوق جبينها

-ومن إمتى في حاجة فـ حياتنا مُقنعة.. إحنا عيلة تخطت الحد الطبيعي للأمور الخارقة
-ضحكت وقالت:عندك حق.. بس دا حاجة يعني فوق الـ supernatural (خارق للطبيعة) خالص.. خالص جدًا.. اللي هو مبيحصلش غير كُل ألف سنة مرة… 

ضرب رأسها بـ خفة ثم قال بـ إبتسامة عبث

-وهو المرة دي جات على حظنا… 

تنهدت روجيدا ثم جذبته خلفها حتىلا يتأخران حتى وصلا إلى السيارة لينطلق بها جاسر فـ سألته هذه المرة بـ جدية 

-بس أنا بتكلم جد يا جاسر.. بدأت تثق فيه فجأة!... 

لم يرد عليها جاسر لثوان قبل أن يلتفت إليها وأردف بـ هدوء 

-أنا بثق فيه من ساعة أما شوفته أول مرة
-أفندم!!!... 

خرجت عالية عن الحد الطبيعي مُمتزجة بـ شهقة عدم تصديق لما يتفوه به ذلك الجالس جوارها بـ برود صقيعي لتعود وتسأله

-طب ليه ممرمطه معاك من الأول!
-غمزها بـ عبث:لزوم التخفي.. التُقل صنعة يا فراولة.. أومال أطمع الواد فيا من الأول! 
-هتفت بـ إستنكار:لا بجد! 
-ضحك وقال:طبعًا أوماااال… 

حركت روجيدا رأسها بـ يأس لتسأله بـ تروي هذه المرة

-طب فهمني ليه وثقت فيه! 
-أجاب بـ صدق:من أول مرة شوفته وكُنت عارف إنه مش شبه عيلته.. ابن جابر أثبت أنه يستحق ثقة جاسر الصياد وعن جدارة.. ومش سهل جاسر الصياد يثق فـ حد
-دا عشان أنقذ بنتك!... 

طرق جاسر على المقوّد ثم تمهل في ردهِ عليها قائلًا بعد نفسًا عميق

-دا تاني سبب.. لكن أول سبب إنه كان قُدامه فُرص كتير يأذي جُلنار بس لأ معملهاش.. دا غير إنه كان بيحميها من نفسه حتى.. أنا عارف كُل حاجة.. عارف مُقابلاتهم من ورايا.. مُكالمتهم.. كُل حاجة
-ومتجاوزش مع بنتك! 
-جأر جاسر بـ خشونة حادة:مكنش يقدر أصلًا.. لأنه لو كان عملها مكنش زمانه جاي يتعشى معانا… 

ظلت روجيدا تُحدق به دون حديث ليتململ جاسر بـ ضيق هاتفًا 

-متبصليش كدا.. محدش هيخاف على ولادنا أدي يا روجيدا
-أخذت نفسًا عميق وقالت:مش قصدي على كدا.. أقصد إنه متجاوزش مع بنتنا فـ حاجة.. إفتكر أول أما تقابلنا أنت عملت إيه!... 

حدق أمامه قليلًا بـ شرود قبل أن يبتسم بـ خُبث ثم أوقف السيارة على جانب الطريق ليميل إليها وهمس بـ عبث

-عملت إيه يا فراولة!.. فكريني لحسن مش فاكر.. أو أقولك.. وريني عملي أصلي طالب مُجتهد جدًا… 

كبتت روجيدا ضحكة كادت أن تنفلت منها لتُدير رأسها بعيدًا وتساءلت بـ غمفمة لتُخفي ضعفها وتأثرها به

-خلينا فـ موضوعنا الرئيسي… 

أدار وجهها إليه ثم إقترب أكثر منها وأكمل همسه ولكن هذه المرة بـ جدية 

-لأ يا روجيدا.. متخافيش.. دي جُلنار الصياد.. عارفة يعني إيه جُلنار الصياد! 
-إبتسمت وقالت:عارفة.. بس إزاي سمحتلهم يشوفوا ويكلموا بعض كدا! 
-إبتسم بـ عذوبة قائلًا:جربت أمشي ورا إحساسي… 

أشرقت شمسه حينما إبتسمت روجيدا إبتسامتها المُهلكة ليميل أكثر وأكثر حتى تلامست شِفاهم وهو يهمس بـ شغف

-فكريني بقى عملت إيه أول أما تقابلنا… 

كاد أن يقتنص شفتيها إلا أن طرق على نافذتهِ أفزعها لتدفعه بعيدًا عنها.. لينطلق سباب نابي ما أنزل الله بها من سلطان جعل روجيدا تضع يدها على أُذنها وتُجعد أنفها لبذاءة ما يقول 

إلتفت جاسر إلى ذلك اللعين وعيناه فقدت كُل إنسانيتها وفتح النافذة ليجد أحد حُراسه يقول وهو يتفحصهما

-كُل حاجة تمام يا باشا!... 

صر جاسر على أسنانهِ دون رد ليُكمل الحارس حديثه

-أصلي لاقيت العربية وقفت فجأة فـ قولت أطمن على حضرتك… 

إحمر وجه جاسر بـ غيظ ونفرت عروق جبينه مُنذرة بـ هلاك مَنْ أمامها وحينما خرجت نبرته كانت مُرعبة

-أمشي من قُدامي بدّل أما أفرُمك تحت جعل العربية وأعملك عشا للكلاب… 

إتسعت عينا الحارس قبل أن يبتعد مُهرولًا.. بينما إلتفت إلى روجيدا فـ وجدها تضحك ليقول بـ تذمر وهو يُعيد تشغيل المُحرك

-إضحكِ براحتك.. و وريني مين هيخلصك من تحت إيدي النهاردة… 

إزدادت ضحكاتها ليذم شفتيه بـ عبوس ثم غمغم بـ صوتٍ خفيض

-أنتوا مستلمني ورديات… 

************************************

قبل ثلاثة أيام

تذكر صُهيب عندما أتت إليه يوم خروجه من المشفى.. وكم كانت سعادته وهو يراها.. ليبتسم وهو يتذكر ذلك اللقاء 

"عودة إلى وقتٍ سابق" 

رآها تترجل من السيارة وتتقدم إليه.. خطوات تتمايل بـ كسل مُغوي.. خصر يتحرك هُنا وهُناك ليأسر عيناه لولهلة قبل أن تصعد عيناه إلى وجهها البهيّ.. تبتسم إليه بـ عذوبة مُهلكة 

يُقسم أن هذا لا يقدر على تحمله.. قلبه يضرب جنبات صدره بـ قوة جعلته يضع يده عليه.. وعيناه تتوهج بـ لمعان آسر

إستفاق عندما لكزه سُفيان قائلًا بـ عبث

-يلا هات مية جنية… 

تعمق بها قليلًا قبل أن يستدير إلى سُفيان ثم سأله وهو يقطب جبينه

-بتاع إيه! 
-همس بـ مرح:أنا اللي عرفتها إنك طالع النهاردة
-قول والمُصحف! 
-رد سُفيان بـ إبتسامة:والمُصحف… 

صاح صُهيب بـ حماس ثم أمسك رأس سُفيان وقَبّل وجنتيه بـ التناوب ليُحمحم الثاني بـ حرج بينما أتاهم صوت جُلنار المازح

-أنا بقاطع لحظات خاصة ولا حاجة!... 

أجفل صُهيب ثم عدّل ثيابه بـ أناقة لا تتناسب مع الموقف نهائيًا ثم قال بـ رزانة

-أزيك يا أنسة جُلنار؟!... 

رفعت جُلنار حاجبها الأنيق ثم قالت بـ رقة وهي تكبت ضحكتها 

-الحمد لله يا أستاذ صُهيب.. حمد لله على سلامتك 
-تنهد بـ حرارة وقال:الله يسلمك.. بقيت أحسن لما شوفتك… 

لكزه سُفيان بـ مرفقهِ بـ صدرهِ وهمس بـ نزق

-جرى إيه يا عم روميو.. ما تصلي على النبي كدا وإهدى.. أحنا فـ الشارع قُدام العامة… 

زفر صُهيب بـ ضيق وأدار وجهه بعيدًا عنه.. ليأتهم صوت شريف من خلف جُلنار يهتف 

-جُلنار!!.. إزيك عاملة إيه يا بنت جاسر!... 

إلتفتت إليه جُلنار ثم صافحته بـ إحترام وقالت بـ إبتسامة

-أزيك يا أنكل شريف!... 

مال صُهيب إلى سُفيان وسأله بـ همس

-إيه بنت جاسر دي شتيمة! 
-بادله سُفيان الهمس بـ سُخرية:لأ مش كدا.. أصل بين أبويا وأبوها ماضي اللهم بارك يعني مينفعش يتذكر
-اااه دا سيم بين أبوها وأبوك.. اللي يا بنت جاسر ويا بن شريف.. على اساس إن اسمكوا حاجة يع
-نظر إليه سُفيان بـ إستهجان وقال:اسم الله عليك..متحدفش الناس بـ الطوب وأنت بيتك من إزاز… 

إلتفتا على صوت جُلنار وهي تقول لشريف 

-لأ أنا عاوزة أتكلم مع صُهيب 
-وضع يده خلف ظهرها وأردف:طب تعالي نطلع.. بلاش وقفتنا فـ الشارع دي… 

تحرك خطوتين قبل أن يقف ويسألها بـ مرح

-جاسر الصياد يعرف إنك هنا! 
-حركت رأسها نافية بـ شقاوة:تؤتؤتؤتؤ.. جاية من وراه
-طب دي حاجة مطمنش خالص.. خااااالص… 

أردف بها صُهيب وهو يصعد خلفهما و جواره سُفيان الذي يعاونه على الصعود 

**************************************

جلسا بـ الشُرفة لتضع الخادمة أمامها العصائر وبعض الكعك.. ثم رحلت ليقول صُهيب بـ مرح

-الخدامة هنا أهو عشان بس متقوليش دا جايبني فـ شقة لوحدي
-إبتسمت وقالت:أنكل شريف بره.. يعني مش هتقدر تعمل حاجة
-ضحك وقال:والله ما حد هيقدر يمنعني عنك
-رفعت حاجبها وقالت:طب وجاسر الصياد!!... 

ضحك هذه المرة بـ قوة أكبر ثم قال وهو يدنو منها قليلًا

-إلا دا.. ميقدرش عليه غير ربنا
-ضربت كتفه وقالت بـ غضب:لاحظ إنك بتتكلم عن بابتي 
-طب بذمتك مش عندي حق!... 

نظرت إليه بـ عبوس قبل أن تبتسم و تومئ.. ثم نهضت تقف و تُحدق بـ المشهد أمامها.. نهض هو الآخر ثم قال بعد تنهيدة طويلة 

-أنتِ كُنتِ جاية تتطمني عليا مش كدا! 
-أومأت قائلة:أها 
-وبس؟! 
-عادت تقول بـ إبتسامة:أها
-وأنتِ خلاص إطمنتي وأحنا تحت
-رفعت حاجبيها وقالت بـ خُبث:أها… 

ذم شفتيه بـ عبوس.. تلك الماكرة تراوغه.. هو يعلم أنها أتت لأكثر من ذلك ليقول بـ تذمر 

-على فكرة مكنش فيه داعي إنكِ تطلعي معايا
-إبتسمت وقالت بـ شقاوة:إيه نيتك دنيئة! 
-ضحك صُهيب وقال بـ عبث:أنا نيتي دنيئة من زمان بس بحاول أكون gentleman وأحافظ على مظهري المُحترم قُدامك… 

نظرت إليه جُلنار بـ نصف عين ليُقهقه قائلًا بـ مرح

-خلاص خلاص… 

إتكئت إلى سور الشُرفة لينهض صُهيب بما تسمح له حالتهِ ثم تساءل وهو ينظر إلى جانب وجهها 

-بس بجد ليه جيتي؟.. مش خايفة من أبوكِ!...

ظلت صامتة ولم تلتفت إليه.. بينما ظل هو يُحدق بها مأخوذًا بـ مشهدها الساحر.. خُصلاتهِا المتطايرة.. أشعة شمس المغيب الحمراء تنعكس على فيروزها فـ يتوهجا كـ أحجار الفيروز اللامعة التي تسبي الأعين

لأ يُصدق أنه يراها أمامه ليلمس يدها راغبًا بـ التأكد فـ إلتفتت إليه تنظر إلى يدها التي تغوص بين ثنايا كفه الكبير ثم إليه ليعود ويهمس بـ تساؤل

-ليه جيتي يا جُلنار! 
-غمزته بـ شقاوة ثم قالت:عشان أخطبك… 

تدلى فكه على أقصى إتساعه وهو يستمع إلى عبارتها التي نافستها شقاوة.. ليبتلع ريقه بـ صعوبة وقد ظهر واضحًا من خلال تشنج حنجرته ثم تساءل بـ صوتٍ أبح

-أنتِ بتقولي إيه!.. أنتِ بتتكلمي جد! 
-أومأت قائلة بـ تأكيد:وجد الجد كمان… 
جذبته من يدهِ وأجلسته فوق مقعده وهو خلفها مُسير مسلوب الإرادة.. مصعوق العقل.. شارد الفكر

بينما هي إتجهت إلى حقيبته تُخرج عُلبةً ما ثم إتجهت إليه وجثت أمامه.. تبتسم إبتسامتها الخلابة.. و عيناها الرائعة تُطالعه بـ نظرةٍ أقل ما يُقال عنها أنها لم يرَ بـ روعتها نظرة.. ثم قالت بـ نبرتها الرقيقة

-صُهيب ابن جابر الهواري رغم اللي بين عليتنا.. رغم إختلافنا.. رغم كُل حاجة اللي ضدنا.. تقبل تتجوزني!!... 

يا ألهي.. هل يحلمُ أم حقيقة؟.. أحقًا جُلنار الصياد أمامه تطلب منه الزواج.. أليس من المُفترض العكس!..هو من يجب عليه فعل ذلك.. هو من يجب عليه أن يطلب منها ولكن جُلنار تخطت المُفترض.. الخارجة عن المألوف

لمعت عيناه بـ ذهول سعيد.. قلبه الذي عاد لنبض توه.. كاد أن يُحطم قفصه الصدري وتشنج عضلات جسده أثبتت صراعه الداخلي إلا أنه حاوط ذراعيها وأنهضها معه ثم قال بـ صوتٍ أجش 

-لأ عاش ولا كان اللي يخليكِ تركعي كدا تاني يا زهرة الرُمان… 

وضع يده أسفل ذقنها ثم حدق بـ حجري الفيروز خاصتها وأردف بـ نبرةٍ هائمة

-زهرة الرُمان تؤمر وما على العبد غير إنه يوافق
-إبتسمت بـ إشراق مُتساءلة:يعني موافق! 
-حاوط وجنتها وهمس:ومين يقدر يقولك لأ… 

ضحكت بـ قوة و سعادة ثم أخرجت حلقة فضية لتضعها بـ إصبعهِ ثم مالت تُقبلها لتعود وتنظر إليه بـ إبتسامة تُقطر عسل هامسة بـ رقة بالغة وكأن نبرتها كانت نسمة هواء مُنعشة أنشعت روحه المكدومة 

-بحبك يا بن الهواري… 

إتسعت عينا صُهيب ثم تأوه بـ صوتٍ عال ليجذب رأسها يضمها إلى صدرهِ هامسًا بـ تعب وكأنه وصل إلى نهاية الطريق أخيرًا بعد طول عذاب

-وأنا بعشقك يا زهرة الرُمان.. بعشق تفاصيلك.. بعشق إنتمائك ليا.. بعشق عنيكِ اللي بحس بيهم إني الوحيد فـ الكون.. بعشق إبتسامتك الشقية.. بعشق كُل تفصيلة فيكِ لأن كلهم ليا… 

"عودة إلى الوقت الحالي" 

رفع صُهيب يده وحدق بـ تلك الحلقة ثم قربها من فمه ليُقبلها بً قوة وكأنه يُقبل صاحبتها وليست هي

أتاه صوت هاتفه مُعلنًا عن وصول رسالة.. ليجذب هاتفه فـ تتسع عيناه بـ صدمة وهو يجد اسم جاسر يُنير الشاشة

فتح الهاتف ليقرأ الرسالة النصية والتي كانت تقول بـ إختصار

"الساعة تمانية تكون عندي فـ المنيا معاك ورد وشيكولاتة ومتتأخرش" 

وكأن أحدهم ألقى فوق رأسهِ دلو من المياه الباردة ولكن الخاصة بـ القُطب الجنوبي.. جاسر وإبنته ينويان القضاء على الباقية المُتبقية من عقله

*********************************

قَبّلت روجيدا وجنة جاسر ثم قالت وهي تهبط

-متتأخرش يا جاسر وتعمل اللي عملته قبل كدا 
-إنزلي يا روجيدا وخلي بالك من نفسك… 

ذمت شفتيها بـ ضيق ثم أومأت وهبطت من السيارة لينطلق جاسر بعدها 

بعد مدة ليست بـ قصيرة وصل جاسر إلى قسم الشرطة الذي أتاه قبل ذلك.. ليترجل من السيارة يتبعه فردين من الحرس

دلف إلى الداخل ليقف أمام مكتبٍ ما ثم قال لمن يقف أمامه

-عايز أقابل العميد رياض سعد… 

نظر العسكري قليلًا إلى جاسر الذي يبدو من هيئته الطاغية أنه ذو صلة بـ العميد ليومئ و يقول بـ طاعة

-أقوله مين يا باشا
-جاسر الصياد… 

إختفى العسكري داخل المكتب لثوان ثم عاد وهو يقول لجاسر 

-الباشا مستنيك جوه… 

دلف جاسر دون نبس حرف ليُغلقَ الباب خلفه

نهض المدعو رياض مُبتسمًا يُصافح جاسر ثم قال بـ حفاوة 

-جاسر باشا منور القسم والله… 

إبتسم جاسر بـ مُجاملة ثم صافحه وجلس واضعًا ساق فوق أُخرى ليردف بـ هدوء ظاهري

-بدون لف و دوران أنا عاوز أسأل سؤال
-رد رياض بـ إهتمام:إتفضل يا جاسر باشا.. بس تشرب إيه الأول! 
-ولا أي حاجة… 

وضع رياض سماعة الهاتف ثم قال وهو يضع يده فوق المكتب

-تحت أمرك يا باشا
-حمحم جاسر وقال بـ جمود:في ظابط اسمه شهاب فـ المباحث العامة!... 

عقد رياض حاجبيه وكأنه يتذكر ليقول بعد قليل أفقد جاسر هدوءه

-لأ معتقدش
-قال جاسر بـ عصبية:لأ عاوز رد مؤكد
-ثواني هتأكدلك… 

رفع رياض سماعة الهاتف وتمتم بـ عدة كلمات ليغلق الهاتف ثم نظر إلى جاسر وقال

-الرد هيوصل كمان عشر دقايق بالظبط… 

أومأ جاسر ليتبادلا أطراف الحديث العادية حتى سمعا صوت طرقات على الباب تبعها دلوف ذلك العسكري الذي يقف أمام الباب ليُمرر بعض الأوراق إلى رياض ثم خرج 

تصفح رياض الأوراق تحت نظرات جاسر الحارقة حتى رفع عيناه إليه وقال بـ هدوء

-مفيش ظابط بـ الاسم دا يا جاسر باشا
-ضرب جاسر على سطح المكتب وقال:إزاي وأنا شوفته هنا بيضرب واحدة ست! 
-ضيق رياض عيناه وقال:قصدك إيه!... 

شرح جاسر ما رآه ليقول بعدها رياض بـ تذكر

-ااااه قصدك الشاب دا!...

تحفزت ملامح جاسر ليُكمل رياض حديثه 

-دا يا سيدي شاب إتهم ابن الست دي إنه سرق منه حاجات والولد طلع مسرقش حاجة.. بس كان مُصر وعمل دوشة كبيرة هنا فـ القسم.. فكرتني دا كان يوم ما يعلم بيه إلا ربنا… 

تجمدت ملامح جاسر قليلًا قبل أن يقول بـ جمود مُخيف

-يعني مُجرد واحد عادي! 
-أيوة يا جاسر باشا… 

أخذ جاسر نفسًا عميق ثم نهض و وضع نظارته الشمسية ليقول وهو يُصافح رياض

-تمام يا سيادة العميد.. تعبتك معايا.. أستأذن أنا… 

ثم تركه ورحل بينما ملامحه تسود بـ سواد مُرعب سواد يكاد يبتلع من يمر جواره

**********************************

في المساء

طرق جواد باب غُرفة شقيقته ليسمع صوتها تسمح له بـ الدلوف ليدلف وأول ما بحثت عنه عيناه كانت إيلاف

إبتسم حينما وجدها تجلس فوق الفراش ترتدي ثوب كريمي اللون وكذلك الملمس.. ينسدل على جسدها بـ نعومة قاتلة لأعصابه الضعيفة.. قصير يصل إلى مُنتصف ساقها مُظهرًا بياضها الناصع

و جُلنار تقف أمام المرآة تُعدل ثوبها الأحمر الناري.. طويل يصل إلى نهاية ساقيها بـ شق طويل من المُنتصف.. ضيق يُبرز نحافة قدها المُغوي.. ذو ظهر مفتوح إلى المُنتصف و خُصلاتهِا أسدلتها بـ نعومة على كتفها الأيسر

صدح صوته وهو يقول بـ عبث 

-إيه الحلاوة دي يا بشر!!... 

إستدارت إليه جُلنار ثم قالت بـ إبتسامة واسعة

-مرسيه يا حبيبي
-رد بـ جدية:مكنش قصدي عليكِ والله… 

كشرت جُلنار بـ غضب لتضرب الأرض بـ قدمها قائلة بـ حدة وهي تُشير إلى الباب

-إطلع برة يا وقح يا عديم الذوق
-وضع يده بـ خصرهِ وقال:بتكلم جد على فكرة وبعدين خُدي هنا… 

إقترب منها بـ عرج جعل شفتي إيلاف تميل بـ عبوس ثم وقف أمام شقيقته الكُبرى وقال بـ خشونة

-إيه المياصة دي.. خُشي غيري هدومك العريانة دي.. معندناش بنات بتبين لحمها… 

رفعت جُلنار حاجبها بـ إستنكار ليُكمل هو 

-ولا أقولك.. إستني أجبلك عباية من أُم بسمة هتليق عليكِ أكتر
-جواااااد… 

صدر صوت إيلاف المُحذر ليلتفت إليها ثم قال بـ غمزة عابثة

-قلب جواد من جوه.. هخلص مع أُختي وأجيلك…. 

زفرت جُلنار بـ نفاذ صبر ثم قالت وهي تبتعد عن مرمى يديه

-ما أنت لو إدتني فُرصة.. كُنت هقولك إني هلبس شال إسود عشان الجو برد أصلًا… 

رفع حاجبه ثم نظر إلى ساقها الظاهرة من الشق الأمامي ليقول بـ حدة

-وبـ النسبة لـ فخادك اللي باينة دي! 
-زفرت وقالت بـ صبر:حاضر هلبس شراب اسود شفاف
-زمجر جواد:تقيل يا روح أُمك
-أوووووف حاضر.. إطلع عشان ألبس… 

تراجع عنها ليجلس جوار إيلاف مُلتصقًا بها ثم قال وهو يُحاوط كتفها

-لأ أتأكد بـ نفسي
-تذمرت جُلنار :إيلاف قولي حاجة
-رفعت كتفيها وقالت بـ حيرة:أقول إيه بس!.. أخوكِ مش كدي فُرصة لحد… 

عدل جواد ياقة قميصه ثم قال بـ فخر و صدره ينتفخ بـ غرور

-أصلي حمش معلش
-ضحكت إيلاف قائلة:ماشي يا عم الحمش.. سكتني… 

رفعت جُلنار حاجبها ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة

-غراميتكوا دي مش فـ أوضتي لو سمحت
-قال جواد بـ بساطة:لو مش عاجبك إطلعي… 

ضربت الأرض بـ قدمها ثم دلفت إلى المرحاض و قررت الإنتظار حتى وصول صُهيب 

***********************************

وصل يزن إلى القاهرة بعد ساعات طويلة من السفر ليوقف سيارته أمام بناية بـ عينها لم يكن ليعتقد أنه سيأتي إليها بعد كُل تلك السنين

نظر إلى چوليا النائمة بـ إرهاق و جواره رمزي الذي ربت على كتفه وقال بـ هدوء

-بلاش يا يزن.. أنت مش محتاج المواجهه دي دلوقتي
-أخذ يزن نفسًا قوي وقال:لأ محتاج.. مش عايز ثغرة ممكن شهاب يدخلي منها لما يعرف إني عايش
-أنا خايف شهاب دا يتحرك أسرع مننا.. محتاجين نراقبه 
-همس يزن:دا اللي هيحصل… 

ترجل يزن من السيارة وصعد البناية بـ خطوات بطيئة قبل أن يلتفت إلى رمزي قائلًا

-متطلعيش غير لما أكلمك… 

أومأ رمزي وهو يُشير إليه ليُكمل يزن طريقه إلى أعلى.. وكل خطو يخطوها كانت أنفاسه تضيق.. وذكريات مُخيفة تحتل ذاكرته

هز رأسه يطرد تلك الأفكار عن رأسه ثم حاول طرق الباب لكن كُل مرة كانت تخذله يداه حتى إستجمع قوته كُلها وطرق 

إنتظر و إنتظر حتى أتاه صوت سيدة إشتاق لسماع صوتها كثيرًا وعندما فتحت الباب تسمر كِلاهما دون التفوه بـ حرفٍ واحد

تراجعت السيدة خطوتين وهي تضع كِلتا يديها فوق صدرها.. وجهها الذي إختفت منه الدماء أظهر مدى إتساع عيناها الحمراء لتهمس بـ عدم تصديق

-يزن!!!... 

حاول يزن الإبتسام بـ إهتزاز ولكنه فشل لتخرج همسة مُلتاعة من بين شفتيهِ وهو يُحدق بـ وجهها البهيّ ذلك الوجه الطيب الذي نبذه من بيتهِ قبل 

-أيوة يزن يا خالتي…

تعليقات



×