رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الواحد والعشرون 

بعض الهوى لا يقبل التأجيلا… 

كُل ما حضره الأيام الماضية ذهب أدراج الرياح.. كُل تماسكه وقوته هُزمت أمام عينيها المُتهمتين حتى وإن ظللهما الشوق واللهفة

شعر يزن بـ صدرهِ يضيق وأن جُدران هذا المنزل تنطبق بـ قوة على ضلوعهِ مُسببه إنكماش رئتيه.. ترنح في وقفتهِ ولكنه تماسك وظل يُحدق بـ خالتهِ بـ صمتٍ تام

كسرت هي الصمت بـ صوتها الكسير و الكاره بـ عتاب 

-جاي ليه يا يزن!.. جاي ليه بعد السنين دي كُلها؟!...

لم يجد ما يقوله فـ ظل صامتًا لتهم هي بـ غلق الباب ولكن يده منعتها ثم قال بـ تردد

-إستني بس.. محتاج أتكلم معاكِ
-هتفت بـ حدة:مفيش حاجة نتكلم فيها لما خُنت البيت اللي إتربيت فيه والعيش والملح اللي طفحت منهم… 

إزدادت حدة ضربات قلبه و أحس بـ ألم قوي يضرب كتفه.. ليضع يده عليه لم يشعر بـ ذلك الألم الفتّاك قبل الآن.. لذلك أخذ نفسًا عميق وقال بـ صوتٍ مُنكسر

-أنا كُنت مُفكر إن لو الناس كلها ضدي أنتِ عُمرك ما هتعمليها 
-صرخت بـ عدم إستيعاب:أعمل إيه وأنت خُنت اللي رباك!.. أنت كسرتني و ذلتني يا يزن يا… يا أبني… 

ضربته الكلمة بـ قوة في صدرهِ ليختفي اللون من وجههِ.. وظل تواصل الأعين بينهما قائم هي تتهم وهو يستنجد بها 

وفي ظل تلك الحرب سمعا صوتًا من الأعلى و سيدة بدينة تطل من سور الدرج وتساءلت بـ توجس

-في حاجة أم ولاء!...

نظرت إلى يزن ثم إلى السيدة وقالت بـ تنهيدة حارة

-لأ أبدًا يا حبيبتي
-أصلي سمعت صوتك عالي ياختي.. قولت ليكون فيه حرامي ولا حاجة… 

كانت تتكلم وهي تُحدق بـ ظهر ذلك الشاب الذي لم يُحرك عيناه عن مَنْ أمامه.. حكت جبينها وقالت بـ تعب

-لا مش حرامي يا حاجة.. دا يزن ابن أختي.. كان بيطمن عليا وماشي على طول… 

إتسعت عيني السيدة بـ صدمة قبل أن يتجعد وجهها بـ إشمئزاز و إزدراء ثم قالت بـ غضب

-أعوذ بالله.. مشيه من هنا يا أم ولاء.. الحتة مش ناقصة نجاسة… 

عضت خالة يزن على شفتيها بـ حرج.. بينما قست عيناه هو بـ ظلام وقبل أن تُعاود السيدة حديثها وتُكمل سيل سبابها كان صوته قد سبقها يجأر بـ صوتٍ دوى صداه في جميع أرجاء المنزل القديم

-أي حد عنده كلمة يخليها لنفسه وإلا هعرفكوا مين هو يزن الحداد.. يلا خُشي بيتك… 

أجفلت السيدة لوقاحته ولكنها غمغمت بـ صوتٍ مسموع وهي تعود إلى شقتها 

-معدش إلا الـ***** يتكلموا كمان… 

عاود النظر إلى خالتهِ التي كانت تنوي الإنهيال عليه بـ التقريع إلا أنه هتف بـ قوة مُتوسلة

-إسمعي اللي عندي وهمشي.. أنا معرفش إذا كُنت هرجع ولا لأ فـ محتاج إنك تسمعيني… 

حدقت به مُطولًا دون تعبير ظاهر على وجهها قبل أن تُفسح له الطريق وهي تقول بـ صوتٍ جاف لا حياة به

-إدخل… 

تنفس يزن بـ إرتياح وما كاد أن يدلف إلى الداخل حتى هاجمته نوبة صُراخ وهمية تصم أُذنيه ليتراجع مُجفلًا حتى إرتطم بـ الباب

إلتفتت إليه خالتهُ سريعًا تنظر إلى ملامح وجهه الباهتة..وسُرعان ما تهكنت سر تلك الملامح لتبتسم بـ سُخرية مريرة ثم قالت بـ إزدراء 

-إدخل متخافش السنين مرت واللي إتظلمت إدفنت من سنين… 

رفع رأسه إليها ينظر إليها بـ ألم لترف بـ جفنيها لتلك النظرة التي إخترقتها وتركت بصمتها داخلها.. لتتنهد بـ تعب حقيقي ليس جسديًا ولكن نفسيًا لتلك المواجهة التي إنتظرتها طويلًا ولكنها لم تظن أنها ستكون بـ مثل هذا الألم لـ.. كليهما

خطى يزن إلى الداخل وهو مُغمض العينين حتى وصل إلى الصالة.. جلس فوق أريكة كانت تعد ملجأه حينما يهرب من العالم يقع نائمًا فوق ساقي خالته 

فرك يده بـ توتر وهي أمامه لا تنطق حتى ضربت رُكبتيها ثم قالت وهي تنهض

-هقوم أعمل حاجة نشربها.. أصل أعصابي تعبت… 

أومأ يزن دون حديث لتتحرك إلى الداخل وظل هو ينظر إلى جميع أرجاء المنزل.. ذلك المنزل البسيط ولكنه كان يحتوي من الدفء ما يجعله أكثر المنازل ثراءًا.. قضى طفولته و مُراهقته بين جُدرانهِ سعيد، مُرتاح البال حتى أتى ذلك اليوم المشئوم

وقعت عيناه على إطار لصورة فتاة كانت تُماثله سنًا مُنذ ثمانِ سنوات.. خُصلاتهِا نُحاسية.. و وجه أبيض مُستدير، مُضئ بـ تلك الإبتسامة التي ذهبت ذات يوم.. كانت الحياة تملأها وتملؤه..كانت الحُب الأول الذي يعرفه قبل أن تنتهي.. حياة!!!.. يا الله لم يشعر كم إشتاقها حتى وقعت عيناه على صورتها التي كان يتغزل بها أمامها فـ تتورد بـ. خجل لطالما عشقه بها.. و عيناها الرائعة ذات اللون العسلي الداكن.. لطالما أحب النظر إليهما فـ. يغرق أكثر بها 

إنتفض على صوت صرخة يعلم صاحبتها جيدًا.. نظر حوله لاهثًا فـ وجد أنها نابعة من ذاكرة ذلك اليوم الذي حاول مِرارًا دفنه ولكن لم يستطع ولن يستطع أبدًا

***********************************

-مُتأكد يا صُهيب مش محتاجني معاك!... 

زفرها شريف بـ ضيق بعد مُحاولاتهِ المُضنية لإقناعهِ ولكن ذلك العنيد لا يرضخ أبدًا.. ليرد عليه دون النظر إليه وهو يعقد رابطة عُنقهِ 

-أيوة مُتأكد عشان لو بيستهزأ بيا تبقى خيبتي على الضيق… 

ضحك شريف ثم نهض ليُكمل هو تعديل رابطة عُنق صُهيب الذي فشل فشلًا ذريع في عقدها وأكمل بـ تهكم 

-ثم إن ماضيكوا ميسمحش بـ القعدة اللطيفة دي.. دا مش بعيد يرفضني ع الباب… 

ضربه شريف بـ قوة على مُؤخرة رأسهِ ثم أردف بـ صرامة مازحة

-إتلم يا حضرة الدكتور.. بدّل أما أجي فعلًا وأخربلك الجوازة…

ضيق صُهيب عيناه ثم قرص كِلتا وجنتي شريف وقال بـ مُزاح 

-ياتي على جمالك.. أنا عارف إني مهُنش عليك
-ضرب يده وهتف:إوعى إيدك.. ناس تخاف متختشيش… 

قوس صُهيب فمه ليُرسل إليه قُبلة بـ الهواء ثم إستدار ينثر عِطره الثقيل بـ غزارة ليعود و يقول 

-إدعيلي يا حضرة الظابط 
-عقيد يا حبيبي.. عقيد
-غمزه صُهيب قائلًا:مش فارقة كُلها مُسميات 
-دفعه شريف رادفًا بـ يأس:روح يا صُهيب سكتك خضرا… 

إلتقط مُتعلقاته الشخصية ثم قال بـ تنهيدة وهو يترجل خارج الغُرفة

-لأ فيروزي وحياتك.. فيرووووزي… 

ضحك شريف بـ قوة لحال صُهيب الميؤوس منها ولكنه دعى بـ صدق أن يتقبله جاسر الصياد 

بينما هو صعد إلى سيارتهِ وإنطلق بها سريعًا حتى يلحق ميعاده.. وبعد ساعات وصل إلى وجهتهِ

زفر بـ توتر ثم نزع الحلقة الفضية حتى لا ينكشف أمرهما ثم نظر إلى باقة الورود التي أحضرها وعُلبة الشيكولاته الفاخرة ليقول بـ تفكير 

-مش كان المفروض أدخل عليهم كمان بـ إتنين كيلو فاكهه ليفتكروني بخيل!... 

ضحك بـ إضطراب لحالتهِ ثم زفر نفسًا كبير وقال بـ عبث 

-إهدى يا صُهيب.. أنت داخل تُخطب مش حرب… 

إلتقط عُلبة الشيكولاته و باقة الورود ثم ترجل ليقول بعدها بـ تهكم 

-مع إن الحرب أسهل… 

تقدم بـ خُطىٍ ثابتة يُحسد عليها وعلى الثقة الخارجية التي لا يتحلى بها داخليًا ولكن عليه أن يكون كذلك.. فـ جاسر الصياد لن يُسلم إبنته لشخصٍ مُتذبذب عاجز عن الثقة بـ نفسهِ

وصل إلى البوابة الخارجية ليقول إلى الحارسين الجالسين أمام البوابة بـ تركيز شديد

-وصل لجاسر باشا إن صُهيب الهواري بره… 

ما أن سمعا الحارسين الاسم حتى إتسعت عيناهما بـ صدمة وكشرا عن أنيابهما إلا أن أحدهما تناول الهاتف الداخلي ثم هاتفَ مَنْ بـ الداخل ليُغلق بعدما أتاه الرد وأردف ناظرًا إلى صُهيب 

-مستنيك جوه… 

أومأ صُهيب دون تعبير ودلف يتبعه الحارس الآخر ليُرشده إلى الطريق.. حتى وصلا إلى البوابة الداخلية للقصر المُهيب

تراجع الحارس و بقى صُهيب بـ مُفردهِ.. ليأخذ أكبر قدر من الهواء ثم زفره على مهل و دق الجرس وإنتظر

***********************************

عدّلت روجيدا سُترة جاسر ثم أردفت بـ تحذير ناعم وهي تضع يديها على صدرهِ

-جاسر عشان خاطري بلاش عمايلك مع صُهيب.. حرام عليك الولد إستوى على الآخر
-ليرد جاسر بـ ملل:مش هياخد بنت جاسر.. خليه يتشوي مش يستوي بس… 

عبست روجيدا بـ وجهها لتشده قليلًا من ياقته وهتفت من بين أسنانها

-جاااااسر!!... 

ضحك جاسر ثم قال وهو يُحاوط خصرها بـ يديهِ القويتين بـ مرح عابث

-إهدي يا فراولة ومتتحوليش.. فيه رجالة تحت
-إبتسمت بـ دلال قائلة:طب تسمع الكلام عشان خاطري 
-حك أنفه بـ خاصتها ثم أردف بـ عبث:ضربتي الوتر الحساس عندي… 

ضحكت روجيدا بـ قوة ليميل إليها جاسر مُقبلًا ثغرها بـ خفة قبل أن يسمعا صوت الجرس.. ليتأبط ذراعها ثم هبطا الدرج 

كادت أن تفتح الخادمة ولكن جاسر منعها بـ إشارةٍ من يدهِ وتحرك ليفتح الباب.. وما أن طالعه وجه صُهيب المُبتسم حتى عاد وأغلق الباب قائلًا بـ خشونة

-غيرت رأيي… 

نظرت إليه روجيدا بـ عتاب ثم سارعت هي بـ فتح الباب بـ وجهٍ مُتورد من الخجل لما فعله جاسر 

طالعها وجه صُهيب المشدوه لتُحمحم روجيدا بـ حرج

-معلش يا دكتور صُهيب أصل جاسر إتفاجئ
-رفع صُهيب حاجبه وقال:منا بفاجئ فعلًا
-هتف جاسر بـ نزق:لو هطوّل لسانك يبقى خُد كرامتك وأمشي… 

أخفضت روجيدا وجهها أرضًا ثم نفخت قائلة بـ نفاذ صبر وهي تحك جبينها بـ تعب من ذلك الواقف جوارها 

-يا صبر أيوب… 

عادت ترفع رأسها و هي تبتسم بـ تكلف ثم قالت مُشيرة إلى الداخل 

-إتفضل واقف كدا ليه؟!... 

حمحم صُهيب ثم دلف وهو يُتمتم بـ كلمات شُكر مُقتضبة بينما نظرات جاسر التي تخترقه لا يرفعها عنه مما أشعره بـ عدم راحة ولكنه تحامل على نفسهِ فما بينه وبينها سوى جاسر الصياد.. أصاب حاجز مَرَ عليه وكأن عُبور فوق فهوة بُركان ستكون أسهل.. أسهل من تلك الـ...لا يعرف كيف يصف ما يحدث الآن سوى أنه بـ داخل ملحمة

جلس صُهيب بـ غُرفة الصالون بينما روجيدا صعدت إلى جُلنار وجاسر يجلس قبالته.. وأمامه 

رباه.. ما أمامه جعل الدم يتجمد بـ عروقهِ.. فـ كان جاسر الصياد يجلس قِبالته و جواره إبنه جواد المُصاب.. يليه سامح شقيق جاسر الأصغر ومن بعده صابر صديقه الروحي وشقيقه الذي لم تنجبه والدته.. وأخيرًا حمزة!!! 

ذلك الصبي الذي لم يبلغ عامه العشرون بعد يجلس أمامه الآن ليصل إلى جُلنار!!.. ولكن تلك ليست المُشكلة.. فمن أمامه بـ تعابير وجههم المُتجهمة الأقرب إلى الشيطنة جعل أول رد يأتي بـ عقلهِ 

"أنا عايز أُمي" 

حتى مُناقشة رسالته لن تكون بـ تلك الصعوبة.. خمس رجال مُقابل واحد ليس عدلًا أبدًا.. جاسر الصياد لا يلعب بـ نزاهة

والآن أدرك أن قدوم شريف كان سيمُثل حماية وهمية له حتى وإن كان مصيره الرفض.. ولكن جلوسه أمام تلك الوحوش التي ينقصها أنياب لتنقض عليه هو أقصى الرُعب

إنتفض على صوت سامح الذي خرج عابثًا، مرحًا بـ غرض كسر ذلك الصمت المُرعب وهو يقول 

-نورت يا غالي.. حقيقي ربنا يوفقك و يصبرك 
-إبتلع صُهيب ريقه الجاف وقال:دعواتك يا سامح باشا
-ضحك سامح وقال:حقيقي بدعيلك من قلبي.. أنت دخلت النار بـ رجليك
-غمغم جاسر بـ صوتٍ مسموع:إن شالله تنقطع قُريب… 

نظر إليه صابر بـ قوة ثم همس بـ صوتٍ سمعه جاسر ولم يصل إلى صُهيب 

-جاسر أنت مش جايبه عشان تهزقه
-تأفف جاسر وقال:مش أنا اللي جايبه.. دي مقصوفة الرقبة اللي فوق
-إبتسم سامح وقال:وعشان خاطرها متزعلهمش
-طيب… 

تلوى فمه بـ ضيق ولم يرد بل ظل مُحدقًا بـ صُهيب حتى تعرق من التوتر ليردف وهو ينظر إلى جواد 

-حمد لله على سلامتك يا جواد
-رد عليه جواد بـ صلابة:الله يسلمك…

أومأ صُهيب ليُكمل جواد حديثه قائلًا بـ جدية جعلت منه النُسخة الأصغر من جاسر الصياد 

-متفكرش إن بدخولك البيت هنا معناه إننا وافقنا.. لأ دا لسه قُدامك طريق طويل 
-غمغم صُهيب بـ تجهم:أنت هتقولي! 
-تساءل جواد بـ شك خشن:بتقول إيه! 
-حمحم صُهيب وقال بـ إبتسامة صفراء:بقول عندك حق.. دي مش حاجة سهلة 
-تهكم جاسر وهو ينظر إلى ما في يده:وأنت هتفضل محتاس بـ الحاجة دي ولا ناوي تاخدهم لما تترفض!... 

فغر صُهيب فمه بـ دهشة ليس لما قاله بل لـ آخر ما قاله "لما تترفض".. أيعني أن زواجهم ميؤوس منه!.. زفر بـ إحباط ليتولى صابر دفة الحديث قائلًا بـ مودة

-أكيد لأ يعني.. هو بس تلاقيه متوتر شوية… 

اااه لو تعلم أن كلمة توتر لا تصف ذرة مما يشعر به.. مما يقع به من مُحيط عميق لا قاع له.. ولكنه أخفى كُل هذا وأردف بـ نبرةٍ واثقة

-إن شاء الله مش هترفض.. أنا صُهيب الهواري أه.. بس مورثتش غير الاسم.. أما شخصيتي أنا اللي بينتها بعيد عن كُل حاجة.. صُهيب أو الدكتور صُهيب اللي قُدامك مينتميش غير لنفسه و لجُلنار لما تكون مراتي… 

إسودت عسليتي جاسر وكذلك جواد الذي كور قبضته بـ غيرة ولكن صُهيب لم يأبه وأكمل بـ قوة أعجبت صابر وسامح على حدٍ سواء

-أنا مش هقبل الرفض جواب.. لأ هعافر لحد أما أوصلها.. جُلنار أنا ضحيت بـ حياتي مرة عشانها ومعنديش مانع أضحي مرة وأتنين و تلاتة وألف… 

أخذ صُهيب أكبر قدر من الهواء ثم أكمل وعيناه مُثبتتان على جاسر الذي يُحدق به هو الآخر دون أن يرف جفنيه

-وأنا جاي النهاردة عشمان فـ كرمك إني أطلب إيد جُلنار الصياد منك… 

قبل أن يتحدث جاسر أكمل صُهيب سريعًا بـ إبتسامة قوية

-صحيح مش هقدر أعيشها فـ نفس مستوى الرفاهية دا.. بس كُل اللي أقدر أقدمه هو إخلاصي و حُبي.. أوعدك أوعدها إني هفضل أحبها ومش هيقل أبدًا.. هقدملها العشق اللي تستحقه رغم إن جُلنار الصياد ميكفيهاش عشق الدُنيا.. صدقني جُلنار تعنيلي أكتر مما تتخيل… 

صمت بعدما أفرغ كُل ما يشعر به بينما جاسر ظل صامتًا يستمع إليه دون حديث حتى أردف بعد صمت طال لعدة دقائق بـ بُطء وتمهل

-والماضي! 
-لم يتردد وهو يقول:مش عائق.. أنا جُلنار هنتخطاه.. حُط ثقتك فيا
-رد جاسر بـ هدوء:ولو مش حاطط ثقتي فيك كُنت سلمتك بنتي!... 

توقفت أنفاس صُهيب لعدة ثوان قبل أن تعود ويعود قلبه للخفقان بـ قوة بينما إبتسامته تتسع وهو يقول بـ عدم تصديق

-يعني حضرتك موافق إني أتجوز جُلنار!! 
-صحح جواد بـ قوة:تتخطبوا
-لم يتهم صُهيب وتابع:يعني نقرأ الفاتحة!... 

حدق بـ جاسر بـ حماس قبل أن يلتف إلى الخلف ليجد روجيدا تبتسم إليه و تومئ بـ رأسها وكأنها تُعطيه موافقتها ليُبادلها الإبتسامة ثم عاود النظر إلى صُهيب المُحدق به بـ لهفة.. فـ حرك كتفيه بـ بساطة ثم قال

-لو حافظها… 

ظهر صف أسنانه الأبيض تحت إبتسامتهِ التي شملت وجهه كُله ثم رفع يديه وقرأ الفاتحة ليُشاركه الجميع.. من كان ليُصدق أن جاسر الصياد سيوافق بـ تلك السهولة!.. ولكن أليس على القلب سطوة!.. بـ إبتسامة من روجيدا وافق.. كم يُحب حماته من الآن! 

************************************

رفع يزن رأسه حينما أتت خالته وهي تحمل بـ يدها كوبين من العصير البارد لتضعها فوق الطاولة وجلست أمامه ولم تتكلم

فرك يزن كفيه بـ بعضهما و دون أن يرفع بصره إليها أردف بـ صوتٍ أجش خافت 

-صحيح فات سنين على الموضوع ده بس معتش ينفع أتُهم بحاجة أنا مليش ذنب فيها… 

سمع تنفسها الحاد وتيقن أنها ستتحدث لذلك أكمل سريعًا دون أن يسمح لها بـ الحديث

-أيوة مليش ذنب.. أنا شيلت الليلة وسبتها الله يرحمها تتهمني لعلي أكفر عن جزء من ذنبي
-صرت على أسنانها بـ أرتجاف وقالت:أنت جاي تسوء سُمعتها بعد أما ماتت؟.. بتجيب فـ سيرة واحدة بقت بين إيدين ربنا!... 

ضرب على الطاولة وهدر بـ غضب وقهر

-عُمري ما أجيب سيرتها بـ السوء ولا هتهمها فـ شرفها.. أنا حبيتها.. أيوة أول حُب فـ حياتي إزاي مفكرة إني ممكن أفكر أشوه سُمعتها!!... 

قبضت على يدها بينما قلبها الملكوم بـ حزن على فقدان فلذتها نبض بـ جنون ولكنه أكمل ماسحًا على خُصلاتهِ ثم رفع رأسه

-حبيتها أه بس هي محبتنيش.. حبت أبن ذوات بس هو طلع ندل و واطي.. لما ملاقش سكة معاها إغـ…

صرخت تمنعه من إكمال عبارته.. ولكنه هو نفسه لم يجد القُدرة على نُطقها.. تهدجت أنفاسه وتراءت له تلك الليلة مُجددًا ليُكمل بـ صوت مُتعب لا حياة به

-لما وصلت البيت بعد أول يوم شُغل.. سمعتها وهي بتصرخ.. دخلت بسرعة وشـ..شوفت اللي حصل.. ضربته بس طلع يجري.. وهي إتهمتني فـ المُستشفى.. الباقي أنتِ عارفاه… 

إتسعت عيناها بـ لوعة وظلت تُحرك رأسها نافية لا تُصدق كذبه.. هو من ذبحها و سلبها الحياة.. الآن يضع اللوم على من حماها منه! 

طفقت العبرات من عينيها ثم أجبرت نفسها على الحديث بـ نبرةٍ مُنكسرة

-أنت كداب… 

ظل شاردًا أمامه يُحدق بـ جمود حتى أردف بـ بُطء وهو ينهض

-حقك متصدقنيش.. بس أنا جيت أزيح حمل من على كتافي.. مش عاوزك تفتكريني إني الوحش اللي قتل بنتك.. بنتك هو قتلها لما قالتله إنها حامل.. قتلها وقال إنها إنتحرت بسببي.. معنديش كلام تاني أقوله… 

كاد أن يرحل و لكنه عاد مُجددًا و وضع أمامها دفتر مُتوسط الحجم.. قديم الشكل كُتب عليه من الأعلى اسمها بـ اللون الأسود ثم قال بـ جفاء

-لما زارتني مرة فـ السجن إتدهولي وقالتلي أسلمه فـ الوقت المُناسب.. الوقت دا عرفته لما عرفت إنها ماتت بس برضو مقدرتش أشوه صورتها وأنتِ قلبك إنكسر بموتها.. حبيتها حتى وهي بيعاني ومكنش ينفع اعمل غير كدا.. هنا هي إعترفت بكل حاجة تقدري تعرفي كُل حاجة.. وأظن إنك عارفة خطها… 

فتح الباب و رحل تاركًا إياها تتلمس الدفتر والعبرات تتخذ مجراها على وجنتيها.. وقررت أخيرًا القراءة

************************************

إلتفتت رأسه عندما سمع صوت همس يأتيه من بعيد لترتسم إبتسامة على وجههِ وهو يرى جويرية تبتسم بـ شقاوة وتُشير إليه أن يتبعها

حمحم حمزة ليجذب الإنتباه إليه ثم قال وهو ينهض

-محتاج أدخل الحمام بس…

تحرك دون أن يسمع تعليق وتبع جويرية في نفس الإتجاه الذي إختفت فيه ليجدها تقف أمام شجرةٍ بـ رُكن مُظلم لتتسع إبتسامته وتقدم منها

وقف أمامها يتطلع بـ وجهها البهي الذي إشتاقه كثيرًا.. مُنذ عودة جواد لم يراها لذلك أول كلمة خرجت منه كانت 

-وحشتيني… 

ضحكت بـ شقاوة ثم قالت وهي تتلاعب بـ خُصلاتهِا بـ خجل 

-وأنت كمان… 

إقترب منها خطوة ثم مال بـ رأسهِ ليصل إلى طولها القصير وتساءل بـ عبث

-وأنا كمان إيه! 
-عبست قائلة:الله بقى… 

زمت شفتيها بـ عبوس لتتعلق عيناه بـ شفتيها المُغويتين وتحول لونها إلى آخر داكن إلا أنه أخفى إنفعال وتشنج عضلاته ليقول بـ صوتٍ أجش، مُتذمر 

-جويرية إحنا فـ بيت أبوكِ.. يعني محدش هيعرف عني حاجة
-قهقهت بـ حلاوة ثم قالت:خلاص أقف بـ أدبك
-همس بـ شرود:أدب إيه وإحنا فـ حضرة الفتنة!... 

إبتسمت بـ إشراق.. حمزة يُعزز ثقتها بـ نفسها.. يُغزي غرورها الأنثوي وهي ما كانت لتنجذب إلا سواه.. الرجال جميعهم حمزة وحمزة هو جميع الرجال

تطلع إلى إبتسامتها وجانبي شفتيها وتلك الحُفرتين الرائعتين.. ليرفع إصبعه و يضعه فوقها ثم أردف بـ عذوبة 

-مش كُل غمازة يتغزل فـ جمالها.. الجمال كله تخلص فـ غمازاتك… 

توردت وجنتيها بـ خجل وكادت أن ترد ولكن صوت جاسر خلفهم أفزعهما ليهمس حمزة مفزوعًا

-إهربي يا جويرية.. إنقذي نفسك… 

ضحكت بـ خفوت ثم ركضت تختبئ خلف أحد الأشجار وتابعت المشهد أمامها

أما حمزة حاول الحفاظ على ثباتهِ بينما داخله ينتفض وهو ينتظر قدوم جاسر إليه 

-واقف بتعمل إيه هنا!... 

إبتلع حمزة ريقه الجاف ثم قال بـ صوتٍ جاهد لكي يخرج ثابتًا ولكنه خرج مهزوزًا بعض الشئ

-عـ.. عادي يا عمي.. كُنت بلبي نداء الطبيعة
-رفع جاسر حاجبه وأردف:هنا قُدام الشجرة!
-ضحك بـ إرتباك هاتفًا:منها وإليها نعود يا عمي… 

لم يتجاوب معه جاسر بل إقترب منه وجذبه من تلابيبهِ أقرب إليه لتتسع عيني حمزة بـ صدمة فـ هدر جاسر بـ فحيح

-يا بن صابر!.. متخلنيش أدفنك تحت الشجرة اللي كُنت بترويها دي 
-ليه بس أنا عملت إيه!... 

هتف جاسر بـ تهديد أسود على الرغم من هدوء نبرته 

-أنا بدي ثقتي مرة واحدة ولما بخسرها ميبقاش عندي عزيز ولا غالي… 

حينها هدأ حمزة على الرغم من تعابير جاسر المُرتعبة ثم هتف بـ قوة و جدية

-وصدقني مش هتندم يا عمي 
-أتمنى
-أردف حمزة بـ مُزاح:طب مُمكن تسبني لأني فعلًا هعملها على روحي… 

تركه جاسر وإبتعد قبل أن يقول بـ إستهجان

-طب روح إدارى ورا شجرة… 

ضحك حمزة وتابع إبتعاد جاسر ليستدير إلى تلك المُختبئة وأردف مازحًا 

-إطلع يا عصفور الدار أمان… 

خرجت وهي لا تستطيع كبت ضحكاتها ليُشاركها الضحك ثم أردفت 

-كُنت نُكتة والله
-أومال تتعلق روسنا على البوابة!... 

أومأت توافقه ثم إقتربت خطوة تنوي عناقه ولكنه إبتعد مُجفلًا وأردف

-أنا لسه واعد أبوكِ.. أبوس إيدك بلاش
-تنهدت قائلة:براحتك.. باي عشان ربنا سترها المرادي المرة الجاية… 

قاطعها ليُكمل هو حديثها الغير مُكتمل

-هتطير فيها رقاب… 

************************************

توقف الزمن لزمن لا يعلم أطال ام قصر.. ولكن كُل ما يعلمه أن تلك الفتنة التي تجسدت بـ تلك المُهلكة سلبت المُتبقي من عقلهِ 

إبتسمت جُلنار بـ إشراق ثم جلست جواره فوق الأريكة ليجلس جوارها

عيناه لم تترك خاصتها وهو يتفحصها بـ إنبهار واضح ثم يعود إلى فيروزها الشقي..ليهمس بعدها بـ همسٍ أجش

-ليه ها!.. ليه كدا مش هستحمل كُل الجمال دا
-إبتسمت وقالت:وأنا مش هستحمل اللي قولته قبل شوية… 

أمسكت كف يده وقالت بـ صدق

-مُكنتش مُتخيلة إني دا كُله.. ولا كُنت مُتخيلة إن بابتي هيوافق بـ السهولة دي 
-رد عليها مازحًا:سهولة إيه!.. أبوكِ كان ناقص يخليني أطلع بيض من وداني… 

ضحكت بـ قوة لتلمع عيناه بـ وهج دافئ وهي تجري على ملامحها الرائعة بـ زينتها الخفيفة دون مُبالغة.. لتصمت بعد قليل فـ وجدت عيناه مأسورة بها.. عضت شِفاها السُفلى و صمتت في ظل تحديقه العميق بها 

طوال صمتهم لم تتجرأ على الحديث ليردف هو بـ صوتٍ أجش مُفعم بـ العواطف الكاسحة 

-طب مش هسمع حاجة بـ مُناسبة إن جاسر الصياد سابنا بـ مُعجزة من السما لوحدنا نتكلم!... 

ضحكت جُلنار ثم قالت وهي تترك يده لتُعدل خُصلاتهِا المُرتمية على كتفها بـ دلال 

-أمممم.. مثلًا يعني إني بحـ… 

لم تُكمل إعترافها الجرئ حينما هبط عليهما جاسر من حيث لا يدريان.. جالسًا بـ المُنتصف ثم قال بـ جمود

-قول عاوز إيه وأنا أوصله ليها…

فغر كلاهما شفاهم من الذهول.. نظر بعدها صُهيب إلى جُلنار التي رفعت منكبيها بـ قلة حيلة ليزفر بـ تعب و حُزن أوشك على البُكاء

-كُنت بقولها هروح عشان عاوز أنام… 

تدلى فكه لأسفل حينما سحب جاسر يد جُلنار و تحرك بها قائلًا بـ إزدراء

-أحسن برضو.. تقلت علينا يا راجل… 

نهض صُهيب بـ بُطء وقال بـ عدم تصديق أشبه بـ التوسل

-طب و العشا! 
-رد جاسر بـ بساطة:نام خفيف عشان الكوابيس… 

كتم صرخة نسائية كادت أن تخرج من بين شفتيهِ وهو يجد جُلنار خلف أبيها يجرها خلفه كـ الشاه.. ولكن مُحاولة أخيرة لا بأس بها ليقول بـ تذمر وهو يركض خلفهما

-طب والخاتم!... 

جاء جاسر الرد قاصفًا كـ الرعد على أُذني صُهيب 

-إلبسه أنت… 

إلتفتت جُلنار إلى الخلف تنظر إلى صُهيب الذي تحول إلى كُتلة حجرية فـ إبتسمت بـ إعتذار متوسل هامسة دون صوت ولكن الكلمة إخترقت روحه و قلبه

-بحبك… 

وكأنها أثلجت روحه ليبتسم هو الآخر هامسًا دون صوت 

-بحبك… 

وإضطر آسفًا أن يرحل بعد أن طردته جاسر الصياد شر طردة.. ولكن ماذا كان يتوقع!

تعليقات



×