رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثاني والعشرون 

سأحمي ما تتمسك به روحي حتى تخلد… 

فتح صُهيب الباب وهو يضع سُترته على كتفهِ  ثم دلف ليجد شريف جالسًا أمام التلفاز ينتظر وصوله.. تنهد ثم أغلق الباب خلفه فـ إلتفتت رأس شريف وإبتسم مُتساءلًا

-ها الأخبار إيه!... 

لم يرد صُهيب بل إرتمى جالسًا فوق الأريكة و رأسه مُرتمية إلى الخلف أما يده كانت تُحاول حلّ رابطة عُنقهِ.. ثم أردف بعد لحظات وهو مُغمض العينين

-الحمد لله
-ذم شريف شفتيه وقال بـ إستنكار:هو أنا بسألك عن صحتك!.. عملت إيه فـ بيت جاسر الصياد؟… 

رفع صُهيب وجهه ونظر إلى شريف ثم أردف بـ هدوء نسبي

-ومن خبرتك كدا اللي بيدخل بيت جاسر الصياد بيحصل في إيه! 
-ضحك شريف وقال بـ مرح:عذاب الجاهلية 
-أهو دا اللي حصل فيا عشان أوصل لُجلنار… 

إبتسم شريف بـ سعادة ثم ربت على رُكبتهِ وقال بـ صدق

-إحمد ربنا إنك وصلتلها.. عمومًا ألف مبروك 
-لسه بدري على ألف مبروك دي.. جاسر الصياد ناوي يُعصرني لحد أما أوصل لـ ليفل المُباركة دي
-هتف شريف بـ مؤازرة:هتوصل.. هتوصل متخافش… 

تململ صُهيب بـ جلستهِ ليرفع رأسه وينحني إلى رُكبتيهِ يتكئ إليهما بـ مرفقيهِ ثم أردف بـ شرود

-مش خايف من كدا.. الخوف كُله من عائق عيلتي.. جاسر الصياد مش هينسى أذيتهم ليه ولعيلته 
-عارضه شريف قائلًا:طالما جاسر دخلك بيته وعطاك بنته.. يبقى هو فصل بينك وبين عيلته.. يظهرلك جاسر الصياد إنه شخص معندوش رحمة بس هو العكس بيعرف يفصل بين مين أذاه ومين معاه… 

مرت يده على جرح صُهيب بـ وجههِ وأكمل بـ جدية 

-الأثر اللي إتساب فـ وشك.. ساب أثر فـ جاسر على الأقل هيفضل شايلك جميل رجوع بنته
-هتف صُهيب بـ قوة:أنا معملتش كدا عشانه.. أنا عملت كدا لأني بحب جُلنار 
-رد شريف بـ موافقة:أيًا كان المُسميات.. بس جاسر بـ مفهومه إنك رجعت بنته.. يعني من الآخر هو فهم إنك بتحب جُلنار بجد ودا فكره بـ حاجة مُشابه حصلت ليه و لروجيدا… 

رفع رأسه سريعًا إلى شريف ثم تساءل وهو يقطب جبينه 

-قصدك إيه! 
-تنفس شريف وقال:زمان روجيدا حكتلي إنها إتخطفت من خطيبها السابق ولما جاسر أنقذها هو كان هيخسر حياته عشانها.. الموقف دا عَلِمْ فيهم الاتنين.. ساعتها كل واحد إكتشف إنه مُستعد يضحي بـ حياته عشان التاني.. عشان كدا الرابط بين جاسر و روجيدا مُستحيل يتأثر بـ حاجة… 

أومأ صُهيب دون ذهول فـ قد تأكد بـ نفسهِ سطوة روجيدا على جاسر

تبتسم فـ يميل
تعشق فـ يغرق
تُضحي فـ يموت عشقًا

إبتسم صُهيب وهو يتمنى أن يحظى مع جُلنار بـ هكذا عشق.. أن تُصبح الرابطة بينهما كـ قوة عشق جاسر لروجيدا 

نظر إلى شريف الذي ربت على ساقهِ ثم قال وهو ينهض 

-كدا إطمنت عليك.. أمشي أنا بقى
-هتروح فين فـ الوقت دا! وهتسوق إزاي!.. بات النهاردة هنا
-رد نافيًا:مش هقدر لازم أروح عشان مروة… 

همهم صُهيب موافقًا وهو يحرك رأسه ليهتف شريف وهو يلتقط مُتعلقاته الشخصية

-إتصلوا بيا وقالولي إنهم وافقوا على الزيارة… 

إنتفض صُهيب واقفًا كمن لدغته أفعى ثم قال لاهثًا بـ مشاعر عاصفة ما بين التوتر و الغضب والكُره

-إمتى! 
-تكلم شريف بـ بساطة:بكرة الصُبح.. هكلمك لما أعرف أمتى بالظبط… 

أومأ صُهيب بـ شرود ليتركه شريف ويرحل.. بينما هو جلس واضعًا يديه على وجههِ ومئات السيناريوهات تدور بـ رأسهِ عن لقاءهما 

***********************************

نزعت روجيدا حجابها ثم ألقته فوق الفراش لتقول بـ عتاب حاد وهي تنظر إلى جاسر الذي يتخلص من سُترته

-طردته يا جاسر! 
-غمغم بـ بساطة:هو اللي قال هروح عشان أنام 
-حكت جبينها قائلة بـ تعب:يمكن قال كدا عشان تحل عنهم شوية.. الولد مش قعد مع بنتك خمس دقايق على بعض… 

إلتفت إليها جاسر بـ شراسة قاتلة ثم أردف وهو يقترب منها بـ هسيس

-ويُقعد معاها ليه إن شاء الله!!!... 

تراجعت خوفًا من شراسته ثم قالت بـ تلعثم 

-مش.. خطيبته! 
-هدر جاسر بـ حدة:لسه يا ماما.. لسه مش خطيبته وبعدين حتى لو خطيبته مش من حقه يُقعد معاها… 

فتحت فمها وأخذت تنهيدة عميقة ثم قالت في مُحاولة لتهدأته

-إديله فُرصة يقرب منك يا جاسر.. إيدله فُرصة بدل أما أنت عمال تضرب الولد كُل شوية.. مبقاش ملاحق ياعيني… 

حلّ أزرار قميصه ثم أردف بـ تجهم جاف، قاسي

-أنا كدا ربنا خلقني كدا إعترضي بقى على القضاء
-تهكمت روجيدا:يا واد يا مؤمن.. يابني… 

قاطعها جاسر وهو يُحاوط خصرها مُقربًا إياها منه بـ قُرب خطير، مُهلك لأعصابها الذائبة 

-كل الجتة دي وإبنك!..تحبي أثبتلك مين ابن التاني! 
-همست بـ تحذير خجول:جااااسر!!!!... 

تحسس وجنتها بـ أطراف أنامله ثم همس بـ صوتٍ أجش، خافت

-عيون جاسر يا فراولة… 

نظرت إليه مسحورة لمَ يُفجره داخلها من مشاعر لا تزال كـ البُركان الثائر إلا أنها رفضت فرض تأثيره عليها لتُحاول الحديث بـ صوتٍ قوي ولكن عوضًا عن ذلك خرج صوتها خافت، مبحوح

-نرجع لموضوعنا الأساسي
-إبتسم بـ خُبث مُهمهمًا:عندك حق… 

إمتدت يده نحو سحاب ثوبها الأسود ولكنها أمسكت يده ليُزمجر قائلًا بـ نفاذ صبر

-روجيدا أنا مش فايق للكلام.. خلينا فـ الفعل
-همهمت مُعترضة:لأ معلش إسمعني الأول وبعدين أسيبك تعمل اللي أنت عاوزه
-زمجر جاسر بـ نفاذ صبر:أنتِ يظهر الذوق مش هيجيب نتيجة معاكِ… 

صرخت روجيدا بـ صدمة حينما إنحنى وحملها على كتفهِ ثم ألقى بها وهتف بـ مرح

-حلال الله أكبر… 

إتسعت عيناها بـ فزع وهي تراه ينحني إليها ثم.. لا يوجد ثم إنتهى حديثها الذي لم يبدأ من الأساس وإنهارت روجيدا بين يدي جاسر الصياد

***********************************

صعد يزن السيارة ثم طلب من رمزي الإنطلاق بها ودون حديث كان قد إنطلقت السيارة

من معالم يزن أدرك رمزي أن تلك المواجهة إستهلكت كُل طاقته لذلك لم يُرد أنه يزيد عليه ولم يسأله بل فضل الصمت حتى تهدأ مشاعر صديقه المُتأججة 

كان الصمت يطبق على أنفاس الجميع ولكن لم يجرؤ أحد على الحديث إلا حينما قطعه يزن يسأل رمزي بـ هدوء

-عرفت شهاب فين! 
-أجاب رمزي بـ تلقائية:فـ شقة واحدة اسمها كاريمان… 

ضيق يزن عيناه يُحاول تذكر أين سمع الاسم أو من صاحبته حتى أردف رمزي يُكمل حديثه 

-والشقة بـ اسم شهاب صاحبك… 

صدمة ألجمت لسان يزن عن الحديث بينما نظر إليه رمزي بـ غير تعجب ثم أردف بـ جدية 

-يعني اللي بتفكر فيه صح.. شهاب كان ناوي على الشر من زمان.. مش لما إكتشف إنك كلمت چيلان
-طب وليه يدخلني فـ الدايرة دي!! وإيه علاقته بـ جاسر الصياد! 
-أطلق رمزي زفيرًا حار وقال:معرفش.. بس كُل اللي أعرفه إن شهاب دا مريض.. مش مُمكن يكون بني آدم عاقل.. اللي بيحصل دا له دخل بـ. حاجات أنت متعرفهاش… 

صمت يزن والصدمة تطبق على صدرهِ كُل ما يعرفه أن چيلان بـ خطر ويجب عليه أن يُحذرها وبـ أسرع وقت ممكن وإلا سيفوت الآوان

حك يزن جبينه وقال بـ يأس ناظرًا إلى رمزي

-مش مُهم نعرف إيه اللي حصل.. بس المُهم إننا نحذر چيلان أو حتى أبوها
-يزن مدخلش نفسك فـ متاهات
-هتف يزن بـ حدة:أنا دخلت فيها من وقت معرفتي بـ شهاب.. وهو اللي جنى على نفسه لما فكر يرفع عليا سلاح… 

توقفت السيارة عند إشارة مرور ليلتفت رمزي إلى يزن وهو يهتف بـ تحذير 

-أنت مش أد شهاب لو وراه ناس تقيلة
-هتف يزن بـ قتامة:يبقى نسى إني رد سجون زي ما بيقول… 

حدق به رمزي مُطولًا دون تعبير واضح إلا الخوف منه وعليه.. يزن حاول بـ كُل الطُرق الإبتعاد وعدم تذكر السنوات التي قضاها وراء القُضبان دون ذنب.. رغم طباعه التي تطبع بها وظهرت عليه في أول شهور معرفتهم ولكنه عمل جاهدًا على دحضها

لذلك لن يسمح له رمزي بـ خروج ذلك الجانب المُظلم منه أبدًا.. أعاد التحرك عندما فُتحت الإشارة المرورية ثم أردف بـ صرامة دون النظر إلى يزن

-هناخد حقك وهنحذر چيلان بس من غير أما ترجع ليزن القديم اللي أنت بذلت قوة جبارة فـ موتها… 

لم يرد عليه يزن و يبدو أنه لم يسمعه من الأساس.. فـ تركيزه كُله كان مُنصب على چيلان! 

عيناها التي لم تُغادره أبدًا فـ إبتسم حينما تذكر اللونين المُبهرين.. ذلك المرض النادر الذي يُدعى "الهيتروكروميا".. أجل بحث عن سبب تباين لون الأعين فـ وجد أنه مرض ولكن ليت كُل الأمراض تخلق تلك الروعة

إلتفتت إلى چوليا التي تحتضن الهرة البيضاء ثم نظر إلى الأمام وأخرج هاتف قد إبتاعه مُنذ يومين.. وفتح تطبيق "الفيس بوك" ثم بحث عن حسابها الشخصي

كانت تضع صورها لنصف وجهها فـ تظهر عينها ذات اللون الفيروزي وعليها كتبت 

"ليتهما مُتشابهان.. فـ بعضهم يكره الإختلاف" 

لم يحتج يزن كثيرًا ليستنتج أنها تتحدث عن عيناها.. وكم أصابه هذا بـ الغضب ألا تعلم تلك الحمقاء أن عيناها لخصت الجمال والفتنة؟ 

لذلك و دون وعي وجد نفسه يكتب رسالة نصية من حساب شخصي مُزيف

"والتباين في لون عينيها كـ مجرتين في فضاءٍ واسع تسر الناظرين"

وسُرعان ما أغلق الهاتف وهو يُتمتم بـ أنها حمقاء، غبية.. إن وُجد أحدهم يكره أحد عيوبك فـ هُناك آخر يعشقها 

مسح على خُصلاتهِ ثم نظر إلى رمزي وتساءل بـ صوتٍ خافت

-محتاجين نروح لأبو چيلان
-رد رمزي بـ حكمة:متتسرعش.. إحكي لچيلان الأول
-أردف يزن بـ تأكيد:مش هتصدق
-جرب حظك.. من اللي عرفته عن جاسر الصياد مش سهل إنك تتعامل وتُقع معاه.. مش لمصلحتك.. جاسر الصياد ميعرفش الرحمة لو حاجة تُخص أهل بيته… 

ضرب يزن الجُزء الأمامي لسيارة وهدر بـ غضب 

-يعني أسيبها لما الفاس تُقع فـ الراس! 
-ذم رمزي شفتيه وقال بـ عبوس:مقصدش.. قصدي يا يزن إحسب خطواتك عشان متتحبش عليك
-تساءل يزن بـ نزق حاد:يعني إيه! 
-يعني كلم چيلان وحاول معاها.. إنما جاسر الصياد.. خليه كارت ليك مش عليك… 

*********************************

في صباح اليوم التالي 

صُهيب وعلى الرغم أن المنطق يُخبره ألا يذهب إلى سُليمان الهواري ولكن تلك الزيارة لابد منها 

بـ السيارة يجلس جوار شريف الذي يقود بـ صمت و جواره صُهيب لا يختلف عنه بل عقله ظل يُفكر بما سيحدث بعد القليل من الوقت

حدق بـ شريف الذي هتف بـ جدية دون أن يحيد بـ نظرهِ عن الطريق 

-صُهيب مش عاوز تهور.. كُل كلمة محسوبة عليك.. متخليهوش يمسك عليك حاجة.. سامعني!... 

أومأ صُهيب بلا تعبير وعم الصمت من جديد حتى وصلا إلى الوجهة المطلوبة ليترجل بينما شريف لم يهبط ليسأله بـ عقدة حاجب 

-مش نازل ولا إيه! 
-تنهد شريف وقال:معنديش وقت والله يا صُهيب.. بس هبعت حد معرفة معاك
-طيب… 

بعد تحيات تركه شريف و رحل ليستدير صُهيب إلى ذلك المكان وقلبه ينتفض من بين أضلعة 

***********************************

يكاد الإنتظار يأكله حيًا.. لا يعلم كم مر من الزمن وهو ينتظر دلوف عمه من ذلك الباب الحديدي

لم يكد يمر لحظات حتى سمع صوت صرير الباب من خلفهِ يُفتح و صوت خطوات تتقدم منه.. لم يستدر و لم يرفع رأسه حتى بعدما جلس سُليمان أمامه وظل صامتًا هو الآخر 

صُهيب فضل الصمت على أن يتحدث مُنتظر عمه ليبدأ الحديث وقد كان حينما أردف سُليمان بـ سُخرية 

-ما تبص فـ وشي ولامكسوف!... 

تشنج فك صُهيب بـ غضب ولكنه رفع رأسه وكانت تعابير وجهه خالية ليبتسم سُليمان بـ تهكم قائلًا 

-شهوت وشك عشان خاطر جاسر الصياد يا بن جابر!... 

لم يرد صُهيب على الفور بل صمت حتى يُسيطر على إنفعالاته كما طلب منه شريف لذلك أخذ منه العديد من اللحظات حتى أردف بـ جفاء 

-ومين كان السبب!!... 

شابك سُليمان يديه فوق الطاولة الحديدية وتراجع إلى ظهر المقعد ثم أردف بـ لا مُبالاة

-محدش قالك إدخل.. مع إن دي كانت مُهمتك… 

لم يستطع صُهيب السيطرة على غضبهِ ليضرب الطاولة بـ قبضتهِ القوية ثم هدر بـ صوتٍ جهوري

-متفقناش إننا نغتصب بنت
-مط سُليمان شفتيه وقال:والله مراته حد إغتصابها يعني الموضوع مش جديد عليه… 

إختفت الدماء من وجههِ و ظهرت عروق جبينه التي تنبض بـ قوة حتى إستطاع سماع ضخ الدماء بها.. لا يُصدق أن عمه بـ مثل تلك. الخسة والدناءة بل و معدوم الرحمة.. بل وأكثر 

تراجع صُهيب إلى الخلف بـ مقعدهِ ليردف مبهوتًا

-أنت فـ وعيك!.. سامع نفسك بتقول إيه! 
-أردف سُليمان بـ قساوة:مفيش حاجة تكسر جاسر الصياد إلا دا
-جأر صُهيب بـ قوة:إلعب بـ نزاهة يا سليمان.. مش هسمحلك تعمل حاجة زي دي… 

لم يجفل سُليمان بل رفع حاجبه ثم أردف بـ قتامة وهو ينظر مُباشرةً إلى عيني صُهيب 

-هو جاسر الصياد حطك فـ مادلية مفاتيحه و أنا معرفش! 
-هتف من بين أسنانهِ:لا مفاتيحه ولا كُتبه.. أنت عارف من الأول إني مش هعمل كدا
-حينها صرخ سُليمان:عشان ندل وجبان مش قادر تاخد بـ طار عيلتك… 

نهض صُهيب وأمسك عمه من تلابيبهِ وسط ذهوله وعدم إستيعابه و صدمته من عُنف ابن أخيه المُفاجئ.. هزه بين يديه وأردف بـ نبرةٍ قاتلة 

-أي عيلة!.. العيلة اللي خُلصت وملهاش أصل!.. العيلة اللي إتهدت عشان إتبنت على باطل!.. أي عيلة بـ الظبط وأنا أخد بـ طارها.. العيلة اللي مسبتش حد ومأذتهوش!.. فهمني!... 

الذهول و الرُعب منعا سُليمان من الحديث.. ليُكمل صُهيب حديثه بـ هسيس خطير 
١
-إبعد عن سكتي يا سليمان يا هواري.. و إوعى تفكر و لو للحظة إنك مُمكن تأذيني فـ جُلنار.. مراتي… 

إتسعت عيني سُليمان بـ شدة حتى كانت على وشك الإستدارة ثم غمغم بـ عدم تصديق وهو ينظر إلى صُهيب القاتمة ملامحه

-مراتك!؟ 
-رد صُهيب بـ قوة:أه… 

إشتعل الغضب و الحقد بـ سُليمان ليجأر بـ صوتٍ مُفزع 

-على جُثتي الجوازة دي تتم
-هسهس صُهيب بـ فحيح:بلاش علشان ميبقاش على جُثتك فعلًا… 

دفعه صُهيب حتى ترنح وسقط سُليمان فوق الأرض الأسمنتية القذرة وقبل أن يخرج هتف بـ صلابة وتحذير أسود

-فكر ولو مُجرد تفكير إن يوزك شيطانك بـ أي أذية.. ساعتها أنا اللي هخلص عليك مش جاسر الصياد… 

*************************************

بعد أن إنتهت مُحاضراتها إتجهت إلى سيارتها ليفتح السائق لها الباب الخلفي فـ إبتسمت وصعدت السيارة.. أغلق السائق الباب و إتجه إلى مقعدهِ المُخصص وإنطلق

رفعت نظارتها الشمسية و أخرجت هاتفها تتصفح قليلًا حتى تصل إلى المنزل.. فتحت تطبيق "الفيس بوك" ورأت العديد من ردود الفعل على صورتها الشخصية لتبتسم بـ تهكم لتلك الآراء الرائعة.. ولكن بـ الحقيقة واجهت العديد من الإنتقادات

ظهر إشعار يخص الرسائل الخاصة من شخص مجهول لتفتح الرسالة لتجد تلك العبارة 

"والتباين في لون عينيها كـ مجرتين في فضاءٍ واسع تسر الناظرين"

إتسعت عيناها بـ دهشة و ذهول إرتسم بـ قوة على ملامحها الفتيّة قبل أن تتفحص الحساب الشخصي لذلك الشخص ولكن لا شئ يدل عليه

من كتب هذا يعرفها شخصيًا ويعرف تباين لون عيناها.. خمنت أن يكون شهاب ولكنها إستبعدته كُليًا فـ شهاب يكره عيناها

عند ذلك التخمين قتمت عيناها فـ شهاب لم يُحادثها مُذ أن تم رفضه.. حتى أنه لا يُجيب عليها وبـ النهاية أغلق هاتفه لتيأس چيلان وتأكدت كما أخبرها والدها أنها مُجرد لُعبة إستطاع جيدًا اللعب بها دون أخطاء وعند أول عثرة تركها وحيدة ورحل

تنهدت بـ حرارة ثم أعادت تركيزها إلى تلك الرسالة التي أعادت قراءتها مرارًا و تكرارًا وكُل مرة تبتسم و يخفق قلبها بـ إنتعاش لتلك الكلمات والتي لأول مرة تسمعها بـ حق عينيها اللتين كرهتهما بـ شدة

وبعد تردد طويل بـ أصابع مُتوتر كتبت بـ غاية معرفة هوية المُرسل

"أنت مين!!.. وتعرفني منين؟!" 

إنتظرت وإنتظرت ليأتيها الرد ولكن لا شئ.. حتى لا توجد علامة تدل على رؤية الرسالة فـ أصابها الإحباط وقررت إغلاق الهاتف 

لمحت إشعار يدل على وصول رسالة من ذلك المجهول ليضرب قلبها جنبات صدرها لتفتح الرسالة بـ لهفة وقرأت ما بها بـ إبتسامة

" مش مُهم أنا مين.. المُهم إنك متهتميش بـ رأي الناس.. ثقي فـ نفسك.." 

طرقت إصبعها السبابة على شِفاها السُفلى القليل من الوقت ثم كتبت 

"عندي ثقة بس محدش سامحلي إني أظهرها" 

إنتظرت وهي ترى علامة رؤية الرسالة ثم الكتابة لتقرأها بعدما أُرسلت

"إفرضيها" 

كتبت دون تفكير 

" تفتكر! "

أتاه الرد سريعًا جعل الإبتسامة تشق وجهها من جديد

"مش محتاجة تفكير" 

إنتظرت طويلًا لا تعرف ماذا تكتب حتى تساءلت أخيرًا

" أنت مين!.. أنا معرفكش"

إنتظرت ثوان حتى أتاها الرد و يُتبع بـ رمز تعبيري غامز

"كفاية إني أعرفك"

قهقت بـ خفة لتكتب وهي تبتسم بـ سعادة لا تعلم مصدرها 

"محتاجة أعرف أنت مين!!" 

لم يصلها الرد سريعًا كما تأمل لترفع رأسها حينما أخبرها السائق بـ إحترام 

-وصلنا يا چيلان هانم… 

أومأت بـ إحباط لتنظر مرةً أخيرة إلى الهاتف ولكن لا رد.. لتُغلقه ثم جمعت حاجيتها وترجلت من السيارة واضعة النظارة الشمسية مرةً أُخرى على عينيها وهي  تدعو عندما تفتح من جديد تجده قد بعث لها رسالة تُثلج قلبها 

ومن بعيد راقب ترجلها من السيارة وخطواتها المُتمايلة بـ غنج عفوي ليبتسم بـ إشتياق.. ليهمس بـ جدية حانية 

-فـ الوقت المُناسب هتعرفي… 

وضع هو الآخر نظارة شمسية على عينيه و إنطلق بـ السيارة هو الآخر مُبتعدًا عن مُحيط قصر جاسر الصياد 

**************************************

إتجه إلى كُلية الطب فـ قد إنتهت إجازته ليعود إلى العمل و كم كان بـ حاجتهِ

ترجل من سيارة الأُجرة وتوجه إلى المبنى.. حاول على قدر الإمكان ألا يتششت بما حدث وزيارته لعمهِ.. إستهلكت الكثير من تماسكه ولكنه لن يهرب عليه المواصلة للحماية

بعد العديد من التمنيات بـ الشفاء والمُباركة بـ العودة والثرثرة الفارغة وصل صُهيب إلى مكتبهِ ليجلس عليه بـ تعب

إرتدى معطفه الطبي وأخذ معه أدواته وإتجه إلى المعمل الذي سيقوم بـ شرح بعض التشريح 

دخل وإنتظر تجمع الطُلاب حوله وعلى الرغم من الألم الذي داهم جرحه.. إلا أنه تماسك قدر الإمكان

إكتمل العدد لينهض قائلًا بـ إبتسامته المرحة، المعهودة

-أولًا كدا تقدروا تقولوا ليا حمد لله على السلامة بعد الغياب الفظيع دا وأكيد كُنتم مرتاحين مش كدا!... 

ضحك الطُلاب ليُكمل صُهيب حديثه بـ ذات الإبتسامة

-عمومًا أنا رجعت خلاص الحمد لله ونقدر نكمل منهجنا عادي… 

إستدار صُهيب ليخط بـ القلم الحبري بعض الكلمات وأردف 

-هو الموضوع يخص التشريح بـ صفة عامة من الناحية الوراثية.. خاصةً لما يكون مثلًا فـ التحليل الجنائي… 

بدأ صُهيب بـ التعمق بـ الشرح حتى إنتهى ليُغلق القلم و قذفه فوق المكتب وأردف بـ تساؤل مُبتسم

-حد عنده سؤال!!... 

وبـ آخر مقعد رفعت إحدى الطالبات يدها ليسمح لها صُهيب بـ السؤال

-إتفضلي إسألي… 

لم يرَ وجه الطالبة نظرًا لأنها خلف العديد من الطلبة وخاصةً الشباب ذوي الأطول المُهيبة لذلك طلب صُهيب 

-مُمكن يا شباب تبعدوا عشان أنتوا مغطيين على زميلتكوا وقاطعين عنها ماية وكهربا… 

إبتعد الشباب ليصدح الصوت الأنثوي الذي لم تُخطئه أُذنيه 

-وبتقدر تحدد هوية الشخص من لون عنيه يا دكتور!... 

حدق بها صُهيب بـ صدمة ألجمت حواسه حتى عضلات جسده تيبست عدا لسانه الذي همس بـ ذهول 

-جُلنار الصياد!!!...#الفصل_الثاني_والعشرون
#نِصال_الهوى 

سأحمي ما تتمسك به روحي حتى تخلد… 

فتح صُهيب الباب وهو يضع سُترته على كتفهِ  ثم دلف ليجد شريف جالسًا أمام التلفاز ينتظر وصوله.. تنهد ثم أغلق الباب خلفه فـ إلتفتت رأس شريف وإبتسم مُتساءلًا

-ها الأخبار إيه!... 

لم يرد صُهيب بل إرتمى جالسًا فوق الأريكة و رأسه مُرتمية إلى الخلف أما يده كانت تُحاول حلّ رابطة عُنقهِ.. ثم أردف بعد لحظات وهو مُغمض العينين

-الحمد لله
-ذم شريف شفتيه وقال بـ إستنكار:هو أنا بسألك عن صحتك!.. عملت إيه فـ بيت جاسر الصياد؟… 

رفع صُهيب وجهه ونظر إلى شريف ثم أردف بـ هدوء نسبي

-ومن خبرتك كدا اللي بيدخل بيت جاسر الصياد بيحصل في إيه! 
-ضحك شريف وقال بـ مرح:عذاب الجاهلية 
-أهو دا اللي حصل فيا عشان أوصل لُجلنار… 

إبتسم شريف بـ سعادة ثم ربت على رُكبتهِ وقال بـ صدق

-إحمد ربنا إنك وصلتلها.. عمومًا ألف مبروك 
-لسه بدري على ألف مبروك دي.. جاسر الصياد ناوي يُعصرني لحد أما أوصل لـ ليفل المُباركة دي
-هتف شريف بـ مؤازرة:هتوصل.. هتوصل متخافش… 

تململ صُهيب بـ جلستهِ ليرفع رأسه وينحني إلى رُكبتيهِ يتكئ إليهما بـ مرفقيهِ ثم أردف بـ شرود

-مش خايف من كدا.. الخوف كُله من عائق عيلتي.. جاسر الصياد مش هينسى أذيتهم ليه ولعيلته 
-عارضه شريف قائلًا:طالما جاسر دخلك بيته وعطاك بنته.. يبقى هو فصل بينك وبين عيلته.. يظهرلك جاسر الصياد إنه شخص معندوش رحمة بس هو العكس بيعرف يفصل بين مين أذاه ومين معاه… 

مرت يده على جرح صُهيب بـ وجههِ وأكمل بـ جدية 

-الأثر اللي إتساب فـ وشك.. ساب أثر فـ جاسر على الأقل هيفضل شايلك جميل رجوع بنته
-هتف صُهيب بـ قوة:أنا معملتش كدا عشانه.. أنا عملت كدا لأني بحب جُلنار 
-رد شريف بـ موافقة:أيًا كان المُسميات.. بس جاسر بـ مفهومه إنك رجعت بنته.. يعني من الآخر هو فهم إنك بتحب جُلنار بجد ودا فكره بـ حاجة مُشابه حصلت ليه و لروجيدا… 

رفع رأسه سريعًا إلى شريف ثم تساءل وهو يقطب جبينه 

-قصدك إيه! 
-تنفس شريف وقال:زمان روجيدا حكتلي إنها إتخطفت من خطيبها السابق ولما جاسر أنقذها هو كان هيخسر حياته عشانها.. الموقف دا عَلِمْ فيهم الاتنين.. ساعتها كل واحد إكتشف إنه مُستعد يضحي بـ حياته عشان التاني.. عشان كدا الرابط بين جاسر و روجيدا مُستحيل يتأثر بـ حاجة… 

أومأ صُهيب دون ذهول فـ قد تأكد بـ نفسهِ سطوة روجيدا على جاسر

تبتسم فـ يميل
تعشق فـ يغرق
تُضحي فـ يموت عشقًا

إبتسم صُهيب وهو يتمنى أن يحظى مع جُلنار بـ هكذا عشق.. أن تُصبح الرابطة بينهما كـ قوة عشق جاسر لروجيدا 

نظر إلى شريف الذي ربت على ساقهِ ثم قال وهو ينهض 

-كدا إطمنت عليك.. أمشي أنا بقى
-هتروح فين فـ الوقت دا! وهتسوق إزاي!.. بات النهاردة هنا
-رد نافيًا:مش هقدر لازم أروح عشان مروة… 

همهم صُهيب موافقًا وهو يحرك رأسه ليهتف شريف وهو يلتقط مُتعلقاته الشخصية

-إتصلوا بيا وقالولي إنهم وافقوا على الزيارة… 

إنتفض صُهيب واقفًا كمن لدغته أفعى ثم قال لاهثًا بـ مشاعر عاصفة ما بين التوتر و الغضب والكُره

-إمتى! 
-تكلم شريف بـ بساطة:بكرة الصُبح.. هكلمك لما أعرف أمتى بالظبط… 

أومأ صُهيب بـ شرود ليتركه شريف ويرحل.. بينما هو جلس واضعًا يديه على وجههِ ومئات السيناريوهات تدور بـ رأسهِ عن لقاءهما 

***********************************

نزعت روجيدا حجابها ثم ألقته فوق الفراش لتقول بـ عتاب حاد وهي تنظر إلى جاسر الذي يتخلص من سُترته

-طردته يا جاسر! 
-غمغم بـ بساطة:هو اللي قال هروح عشان أنام 
-حكت جبينها قائلة بـ تعب:يمكن قال كدا عشان تحل عنهم شوية.. الولد مش قعد مع بنتك خمس دقايق على بعض… 

إلتفت إليها جاسر بـ شراسة قاتلة ثم أردف وهو يقترب منها بـ هسيس

-ويُقعد معاها ليه إن شاء الله!!!... 

تراجعت خوفًا من شراسته ثم قالت بـ تلعثم 

-مش.. خطيبته! 
-هدر جاسر بـ حدة:لسه يا ماما.. لسه مش خطيبته وبعدين حتى لو خطيبته مش من حقه يُقعد معاها… 

فتحت فمها وأخذت تنهيدة عميقة ثم قالت في مُحاولة لتهدأته

-إديله فُرصة يقرب منك يا جاسر.. إيدله فُرصة بدل أما أنت عمال تضرب الولد كُل شوية.. مبقاش ملاحق ياعيني… 

حلّ أزرار قميصه ثم أردف بـ تجهم جاف، قاسي

-أنا كدا ربنا خلقني كدا إعترضي بقى على القضاء
-تهكمت روجيدا:يا واد يا مؤمن.. يابني… 

قاطعها جاسر وهو يُحاوط خصرها مُقربًا إياها منه بـ قُرب خطير، مُهلك لأعصابها الذائبة 

-كل الجتة دي وإبنك!..تحبي أثبتلك مين ابن التاني! 
-همست بـ تحذير خجول:جااااسر!!!!... 

تحسس وجنتها بـ أطراف أنامله ثم همس بـ صوتٍ أجش، خافت

-عيون جاسر يا فراولة… 

نظرت إليه مسحورة لمَ يُفجره داخلها من مشاعر لا تزال كـ البُركان الثائر إلا أنها رفضت فرض تأثيره عليها لتُحاول الحديث بـ صوتٍ قوي ولكن عوضًا عن ذلك خرج صوتها خافت، مبحوح

-نرجع لموضوعنا الأساسي
-إبتسم بـ خُبث مُهمهمًا:عندك حق… 

إمتدت يده نحو سحاب ثوبها الأسود ولكنها أمسكت يده ليُزمجر قائلًا بـ نفاذ صبر

-روجيدا أنا مش فايق للكلام.. خلينا فـ الفعل
-همهمت مُعترضة:لأ معلش إسمعني الأول وبعدين أسيبك تعمل اللي أنت عاوزه
-زمجر جاسر بـ نفاذ صبر:أنتِ يظهر الذوق مش هيجيب نتيجة معاكِ… 

صرخت روجيدا بـ صدمة حينما إنحنى وحملها على كتفهِ ثم ألقى بها وهتف بـ مرح

-حلال الله أكبر… 

إتسعت عيناها بـ فزع وهي تراه ينحني إليها ثم.. لا يوجد ثم إنتهى حديثها الذي لم يبدأ من الأساس وإنهارت روجيدا بين يدي جاسر الصياد

***********************************

صعد يزن السيارة ثم طلب من رمزي الإنطلاق بها ودون حديث كان قد إنطلقت السيارة

من معالم يزن أدرك رمزي أن تلك المواجهة إستهلكت كُل طاقته لذلك لم يُرد أنه يزيد عليه ولم يسأله بل فضل الصمت حتى تهدأ مشاعر صديقه المُتأججة 

كان الصمت يطبق على أنفاس الجميع ولكن لم يجرؤ أحد على الحديث إلا حينما قطعه يزن يسأل رمزي بـ هدوء

-عرفت شهاب فين! 
-أجاب رمزي بـ تلقائية:فـ شقة واحدة اسمها كاريمان… 

ضيق يزن عيناه يُحاول تذكر أين سمع الاسم أو من صاحبته حتى أردف رمزي يُكمل حديثه 

-والشقة بـ اسم شهاب صاحبك… 

صدمة ألجمت لسان يزن عن الحديث بينما نظر إليه رمزي بـ غير تعجب ثم أردف بـ جدية 

-يعني اللي بتفكر فيه صح.. شهاب كان ناوي على الشر من زمان.. مش لما إكتشف إنك كلمت چيلان
-طب وليه يدخلني فـ الدايرة دي!! وإيه علاقته بـ جاسر الصياد! 
-أطلق رمزي زفيرًا حار وقال:معرفش.. بس كُل اللي أعرفه إن شهاب دا مريض.. مش مُمكن يكون بني آدم عاقل.. اللي بيحصل دا له دخل بـ. حاجات أنت متعرفهاش… 

صمت يزن والصدمة تطبق على صدرهِ كُل ما يعرفه أن چيلان بـ خطر ويجب عليه أن يُحذرها وبـ أسرع وقت ممكن وإلا سيفوت الآوان

حك يزن جبينه وقال بـ يأس ناظرًا إلى رمزي

-مش مُهم نعرف إيه اللي حصل.. بس المُهم إننا نحذر چيلان أو حتى أبوها
-يزن مدخلش نفسك فـ متاهات
-هتف يزن بـ حدة:أنا دخلت فيها من وقت معرفتي بـ شهاب.. وهو اللي جنى على نفسه لما فكر يرفع عليا سلاح… 

توقفت السيارة عند إشارة مرور ليلتفت رمزي إلى يزن وهو يهتف بـ تحذير 

-أنت مش أد شهاب لو وراه ناس تقيلة
-هتف يزن بـ قتامة:يبقى نسى إني رد سجون زي ما بيقول… 

حدق به رمزي مُطولًا دون تعبير واضح إلا الخوف منه وعليه.. يزن حاول بـ كُل الطُرق الإبتعاد وعدم تذكر السنوات التي قضاها وراء القُضبان دون ذنب.. رغم طباعه التي تطبع بها وظهرت عليه في أول شهور معرفتهم ولكنه عمل جاهدًا على دحضها

لذلك لن يسمح له رمزي بـ خروج ذلك الجانب المُظلم منه أبدًا.. أعاد التحرك عندما فُتحت الإشارة المرورية ثم أردف بـ صرامة دون النظر إلى يزن

-هناخد حقك وهنحذر چيلان بس من غير أما ترجع ليزن القديم اللي أنت بذلت قوة جبارة فـ موتها… 

لم يرد عليه يزن و يبدو أنه لم يسمعه من الأساس.. فـ تركيزه كُله كان مُنصب على چيلان! 

عيناها التي لم تُغادره أبدًا فـ إبتسم حينما تذكر اللونين المُبهرين.. ذلك المرض النادر الذي يُدعى "الهيتروكروميا".. أجل بحث عن سبب تباين لون الأعين فـ وجد أنه مرض ولكن ليت كُل الأمراض تخلق تلك الروعة

إلتفتت إلى چوليا التي تحتضن الهرة البيضاء ثم نظر إلى الأمام وأخرج هاتف قد إبتاعه مُنذ يومين.. وفتح تطبيق "الفيس بوك" ثم بحث عن حسابها الشخصي

كانت تضع صورها لنصف وجهها فـ تظهر عينها ذات اللون الفيروزي وعليها كتبت 

"ليتهما مُتشابهان.. فـ بعضهم يكره الإختلاف" 

لم يحتج يزن كثيرًا ليستنتج أنها تتحدث عن عيناها.. وكم أصابه هذا بـ الغضب ألا تعلم تلك الحمقاء أن عيناها لخصت الجمال والفتنة؟ 

لذلك و دون وعي وجد نفسه يكتب رسالة نصية من حساب شخصي مُزيف

"والتباين في لون عينيها كـ مجرتين في فضاءٍ واسع تسر الناظرين"

وسُرعان ما أغلق الهاتف وهو يُتمتم بـ أنها حمقاء، غبية.. إن وُجد أحدهم يكره أحد عيوبك فـ هُناك آخر يعشقها 

مسح على خُصلاتهِ ثم نظر إلى رمزي وتساءل بـ صوتٍ خافت

-محتاجين نروح لأبو چيلان
-رد رمزي بـ حكمة:متتسرعش.. إحكي لچيلان الأول
-أردف يزن بـ تأكيد:مش هتصدق
-جرب حظك.. من اللي عرفته عن جاسر الصياد مش سهل إنك تتعامل وتُقع معاه.. مش لمصلحتك.. جاسر الصياد ميعرفش الرحمة لو حاجة تُخص أهل بيته… 

ضرب يزن الجُزء الأمامي لسيارة وهدر بـ غضب 

-يعني أسيبها لما الفاس تُقع فـ الراس! 
-ذم رمزي شفتيه وقال بـ عبوس:مقصدش.. قصدي يا يزن إحسب خطواتك عشان متتحبش عليك
-تساءل يزن بـ نزق حاد:يعني إيه! 
-يعني كلم چيلان وحاول معاها.. إنما جاسر الصياد.. خليه كارت ليك مش عليك… 

*********************************

في صباح اليوم التالي 

صُهيب وعلى الرغم أن المنطق يُخبره ألا يذهب إلى سُليمان الهواري ولكن تلك الزيارة لابد منها 

بـ السيارة يجلس جوار شريف الذي يقود بـ صمت و جواره صُهيب لا يختلف عنه بل عقله ظل يُفكر بما سيحدث بعد القليل من الوقت

حدق بـ شريف الذي هتف بـ جدية دون أن يحيد بـ نظرهِ عن الطريق 

-صُهيب مش عاوز تهور.. كُل كلمة محسوبة عليك.. متخليهوش يمسك عليك حاجة.. سامعني!... 

أومأ صُهيب بلا تعبير وعم الصمت من جديد حتى وصلا إلى الوجهة المطلوبة ليترجل بينما شريف لم يهبط ليسأله بـ عقدة حاجب 

-مش نازل ولا إيه! 
-تنهد شريف وقال:معنديش وقت والله يا صُهيب.. بس هبعت حد معرفة معاك
-طيب… 

بعد تحيات تركه شريف و رحل ليستدير صُهيب إلى ذلك المكان وقلبه ينتفض من بين أضلعة 

***********************************

يكاد الإنتظار يأكله حيًا.. لا يعلم كم مر من الزمن وهو ينتظر دلوف عمه من ذلك الباب الحديدي

لم يكد يمر لحظات حتى سمع صوت صرير الباب من خلفهِ يُفتح و صوت خطوات تتقدم منه.. لم يستدر و لم يرفع رأسه حتى بعدما جلس سُليمان أمامه وظل صامتًا هو الآخر 

صُهيب فضل الصمت على أن يتحدث مُنتظر عمه ليبدأ الحديث وقد كان حينما أردف سُليمان بـ سُخرية 

-ما تبص فـ وشي ولامكسوف!... 

تشنج فك صُهيب بـ غضب ولكنه رفع رأسه وكانت تعابير وجهه خالية ليبتسم سُليمان بـ تهكم قائلًا 

-شهوت وشك عشان خاطر جاسر الصياد يا بن جابر!... 

لم يرد صُهيب على الفور بل صمت حتى يُسيطر على إنفعالاته كما طلب منه شريف لذلك أخذ منه العديد من اللحظات حتى أردف بـ جفاء 

-ومين كان السبب!!... 

شابك سُليمان يديه فوق الطاولة الحديدية وتراجع إلى ظهر المقعد ثم أردف بـ لا مُبالاة

-محدش قالك إدخل.. مع إن دي كانت مُهمتك… 

لم يستطع صُهيب السيطرة على غضبهِ ليضرب الطاولة بـ قبضتهِ القوية ثم هدر بـ صوتٍ جهوري

-متفقناش إننا نغتصب بنت
-مط سُليمان شفتيه وقال:والله مراته حد إغتصابها يعني الموضوع مش جديد عليه… 

إختفت الدماء من وجههِ و ظهرت عروق جبينه التي تنبض بـ قوة حتى إستطاع سماع ضخ الدماء بها.. لا يُصدق أن عمه بـ مثل تلك. الخسة والدناءة بل و معدوم الرحمة.. بل وأكثر 

تراجع صُهيب إلى الخلف بـ مقعدهِ ليردف مبهوتًا

-أنت فـ وعيك!.. سامع نفسك بتقول إيه! 
-أردف سُليمان بـ قساوة:مفيش حاجة تكسر جاسر الصياد إلا دا
-جأر صُهيب بـ قوة:إلعب بـ نزاهة يا سليمان.. مش هسمحلك تعمل حاجة زي دي… 

لم يجفل سُليمان بل رفع حاجبه ثم أردف بـ قتامة وهو ينظر مُباشرةً إلى عيني صُهيب 

-هو جاسر الصياد حطك فـ مادلية مفاتيحه و أنا معرفش! 
-هتف من بين أسنانهِ:لا مفاتيحه ولا كُتبه.. أنت عارف من الأول إني مش هعمل كدا
-حينها صرخ سُليمان:عشان ندل وجبان مش قادر تاخد بـ طار عيلتك… 

نهض صُهيب وأمسك عمه من تلابيبهِ وسط ذهوله وعدم إستيعابه و صدمته من عُنف ابن أخيه المُفاجئ.. هزه بين يديه وأردف بـ نبرةٍ قاتلة 

-أي عيلة!.. العيلة اللي خُلصت وملهاش أصل!.. العيلة اللي إتهدت عشان إتبنت على باطل!.. أي عيلة بـ الظبط وأنا أخد بـ طارها.. العيلة اللي مسبتش حد ومأذتهوش!.. فهمني!... 

الذهول و الرُعب منعا سُليمان من الحديث.. ليُكمل صُهيب حديثه بـ هسيس خطير 
١
-إبعد عن سكتي يا سليمان يا هواري.. و إوعى تفكر و لو للحظة إنك مُمكن تأذيني فـ جُلنار.. مراتي… 

إتسعت عيني سُليمان بـ شدة حتى كانت على وشك الإستدارة ثم غمغم بـ عدم تصديق وهو ينظر إلى صُهيب القاتمة ملامحه

-مراتك!؟ 
-رد صُهيب بـ قوة:أه… 

إشتعل الغضب و الحقد بـ سُليمان ليجأر بـ صوتٍ مُفزع 

-على جُثتي الجوازة دي تتم
-هسهس صُهيب بـ فحيح:بلاش علشان ميبقاش على جُثتك فعلًا… 

دفعه صُهيب حتى ترنح وسقط سُليمان فوق الأرض الأسمنتية القذرة وقبل أن يخرج هتف بـ صلابة وتحذير أسود

-فكر ولو مُجرد تفكير إن يوزك شيطانك بـ أي أذية.. ساعتها أنا اللي هخلص عليك مش جاسر الصياد… 

*************************************

بعد أن إنتهت مُحاضراتها إتجهت إلى سيارتها ليفتح السائق لها الباب الخلفي فـ إبتسمت وصعدت السيارة.. أغلق السائق الباب و إتجه إلى مقعدهِ المُخصص وإنطلق

رفعت نظارتها الشمسية و أخرجت هاتفها تتصفح قليلًا حتى تصل إلى المنزل.. فتحت تطبيق "الفيس بوك" ورأت العديد من ردود الفعل على صورتها الشخصية لتبتسم بـ تهكم لتلك الآراء الرائعة.. ولكن بـ الحقيقة واجهت العديد من الإنتقادات

ظهر إشعار يخص الرسائل الخاصة من شخص مجهول لتفتح الرسالة لتجد تلك العبارة 

"والتباين في لون عينيها كـ مجرتين في فضاءٍ واسع تسر الناظرين"

إتسعت عيناها بـ دهشة و ذهول إرتسم بـ قوة على ملامحها الفتيّة قبل أن تتفحص الحساب الشخصي لذلك الشخص ولكن لا شئ يدل عليه

من كتب هذا يعرفها شخصيًا ويعرف تباين لون عيناها.. خمنت أن يكون شهاب ولكنها إستبعدته كُليًا فـ شهاب يكره عيناها

عند ذلك التخمين قتمت عيناها فـ شهاب لم يُحادثها مُذ أن تم رفضه.. حتى أنه لا يُجيب عليها وبـ النهاية أغلق هاتفه لتيأس چيلان وتأكدت كما أخبرها والدها أنها مُجرد لُعبة إستطاع جيدًا اللعب بها دون أخطاء وعند أول عثرة تركها وحيدة ورحل

تنهدت بـ حرارة ثم أعادت تركيزها إلى تلك الرسالة التي أعادت قراءتها مرارًا و تكرارًا وكُل مرة تبتسم و يخفق قلبها بـ إنتعاش لتلك الكلمات والتي لأول مرة تسمعها بـ حق عينيها اللتين كرهتهما بـ شدة

وبعد تردد طويل بـ أصابع مُتوتر كتبت بـ غاية معرفة هوية المُرسل

"أنت مين!!.. وتعرفني منين؟!" 

إنتظرت وإنتظرت ليأتيها الرد ولكن لا شئ.. حتى لا توجد علامة تدل على رؤية الرسالة فـ أصابها الإحباط وقررت إغلاق الهاتف 

لمحت إشعار يدل على وصول رسالة من ذلك المجهول ليضرب قلبها جنبات صدرها لتفتح الرسالة بـ لهفة وقرأت ما بها بـ إبتسامة

" مش مُهم أنا مين.. المُهم إنك متهتميش بـ رأي الناس.. ثقي فـ نفسك.." 

طرقت إصبعها السبابة على شِفاها السُفلى القليل من الوقت ثم كتبت 

"عندي ثقة بس محدش سامحلي إني أظهرها" 

إنتظرت وهي ترى علامة رؤية الرسالة ثم الكتابة لتقرأها بعدما أُرسلت

"إفرضيها" 

كتبت دون تفكير 

" تفتكر! "

أتاه الرد سريعًا جعل الإبتسامة تشق وجهها من جديد

"مش محتاجة تفكير" 

إنتظرت طويلًا لا تعرف ماذا تكتب حتى تساءلت أخيرًا

" أنت مين!.. أنا معرفكش"

إنتظرت ثوان حتى أتاها الرد و يُتبع بـ رمز تعبيري غامز

"كفاية إني أعرفك"

قهقت بـ خفة لتكتب وهي تبتسم بـ سعادة لا تعلم مصدرها 

"محتاجة أعرف أنت مين!!" 

لم يصلها الرد سريعًا كما تأمل لترفع رأسها حينما أخبرها السائق بـ إحترام 

-وصلنا يا چيلان هانم… 

أومأت بـ إحباط لتنظر مرةً أخيرة إلى الهاتف ولكن لا رد.. لتُغلقه ثم جمعت حاجيتها وترجلت من السيارة واضعة النظارة الشمسية مرةً أُخرى على عينيها وهي  تدعو عندما تفتح من جديد تجده قد بعث لها رسالة تُثلج قلبها 

ومن بعيد راقب ترجلها من السيارة وخطواتها المُتمايلة بـ غنج عفوي ليبتسم بـ إشتياق.. ليهمس بـ جدية حانية 

-فـ الوقت المُناسب هتعرفي… 

وضع هو الآخر نظارة شمسية على عينيه و إنطلق بـ السيارة هو الآخر مُبتعدًا عن مُحيط قصر جاسر الصياد 

**************************************

إتجه إلى كُلية الطب فـ قد إنتهت إجازته ليعود إلى العمل و كم كان بـ حاجتهِ

ترجل من سيارة الأُجرة وتوجه إلى المبنى.. حاول على قدر الإمكان ألا يتششت بما حدث وزيارته لعمهِ.. إستهلكت الكثير من تماسكه ولكنه لن يهرب عليه المواصلة للحماية

بعد العديد من التمنيات بـ الشفاء والمُباركة بـ العودة والثرثرة الفارغة وصل صُهيب إلى مكتبهِ ليجلس عليه بـ تعب

إرتدى معطفه الطبي وأخذ معه أدواته وإتجه إلى المعمل الذي سيقوم بـ شرح بعض التشريح 

دخل وإنتظر تجمع الطُلاب حوله وعلى الرغم من الألم الذي داهم جرحه.. إلا أنه تماسك قدر الإمكان

إكتمل العدد لينهض قائلًا بـ إبتسامته المرحة، المعهودة

-أولًا كدا تقدروا تقولوا ليا حمد لله على السلامة بعد الغياب الفظيع دا وأكيد كُنتم مرتاحين مش كدا!... 

ضحك الطُلاب ليُكمل صُهيب حديثه بـ ذات الإبتسامة

-عمومًا أنا رجعت خلاص الحمد لله ونقدر نكمل منهجنا عادي… 

إستدار صُهيب ليخط بـ القلم الحبري بعض الكلمات وأردف 

-هو الموضوع يخص التشريح بـ صفة عامة من الناحية الوراثية.. خاصةً لما يكون مثلًا فـ التحليل الجنائي… 

بدأ صُهيب بـ التعمق بـ الشرح حتى إنتهى ليُغلق القلم و قذفه فوق المكتب وأردف بـ تساؤل مُبتسم

-حد عنده سؤال!!... 

وبـ آخر مقعد رفعت إحدى الطالبات يدها ليسمح لها صُهيب بـ السؤال

-إتفضلي إسألي… 

لم يرَ وجه الطالبة نظرًا لأنها خلف العديد من الطلبة وخاصةً الشباب ذوي الأطول المُهيبة لذلك طلب صُهيب 

-مُمكن يا شباب تبعدوا عشان أنتوا مغطيين على زميلتكوا وقاطعين عنها ماية وكهربا… 

إبتعد الشباب ليصدح الصوت الأنثوي الذي لم تُخطئه أُذنيه 

-وبتقدر تحدد هوية الشخص من لون عنيه يا دكتور!... 

حدق بها صُهيب بـ صدمة ألجمت حواسه حتى عضلات جسده تيبست عدا لسانه الذي همس بـ ذهول 

-جُلنار الصياد!!!...

تعليقات



×