رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التاني الفصل الثالث والعشرون
ثم تغزو القلب أُنثى و تُحطم كُل جوارحك
تهزمك هزيمة نكراء و تُرحب بها هزيمة
و أما عن حصونك؟ فهي هُدِمت
مالت سديم بـ رأسها إلى صدرهِ و كفرت أصابعها فوق قلبهِ النابض ، ضرباته مُتتالية بـ غيرِ انتظام ، قد تكون رتيبة في لحظاتٍ و اللحظات التالية تكون سريعة ، و لكنه الدليل القاطع على أن أرسلان كائن حي ، بشري يمتلك مشاعر مُشابهة لتلك التي تمتلكها
رفعت رأسها من جديد و أمسكت بـ يدهِ التي تعتقل ذقنها ثم قالت بـ صوتٍ خافت حاولت ألا تُظِهر به نبرة عتاب
- هنتعب فـ الأول و هنقابل أوضاع صعبة بينا ، بس يا أرسلان هنتخطاها والله.
أمسكن كفه و رفعته تُقبل باطنه ثم أكملت مع إبتسامةٍ ضعيفة و لكنها تحمل داخلها أمل و رجاء قد أصابه في مقتل
- أنت خلتني أحبك و أنت شيطان قاسي ، مش هتخليني أحبك تاني و أنت بني آدم!
صمته قد طال و هو يجد نفسه مُعرىَ تمامًا من أي حقيقةٍ أمامها ، موقفه مُخزي و لأول مرة يرى نفسه ضعيفة ، غير قادرة على الدفاع عن نفسها و يجد ذلك الضعف مُهين ، حاوط وجهها بـ يديهِ ثم وضع جبهته على جبهتها ثم هتف بـ صوتٍ جاف رغم نبرة التعب الواضحة به
- سديم ، أنا مش هقدر أتعود على حُبك و بعدين أصحى بعدها بـ دقيقة و ألاقي مكانه كُره.
أمسكت يده و مالت على الأخرى ثم قالت مازحة لتخفيف حدة الأجواء
- هبقى أديك إنذار قبلها
- و لكنه لم يتجاوب مع مزحتها و قال: مش وقت هزار
- تنفست بـ ضيقٍ و قالت: أرسلان ، قولتلك أي صعوبة هنواجها هنلاقي ليها حل ، مش نهاية الدنيا ، و قلت قبل كدا إحنا واجهنا الأصعب.
مشاعره مُتضاربة و أفكاره كأنها عواصف رعدية تضرب رأسه فـ يترنح ساقطًا أرضًا ، و صلابة وجهه و تعبيراته القاتلة كانت كـسطح مُعتم لا يسمح لها بـ رؤيةِ ما وراءه ، أناني و قاسي و لكنه يُريدها حتى و إن كان يعني تدميرها ، لن يستطيع ترك حلاوة الحياةِ التي عاشها معها و العودة إلى بئر الظلام
و هي تقف أمامه تتوسله بعدما كان هو في الوضعِ ذاتهِ ، تنظر إليه بـ عينين جميلتين ، تغويه ليُكمل و يوافق ، ترجوه أن يخوض معها المعركة هذه المرة لا أن تكون نده ، عليهما فقط التعاهد على السير إلى النهايةِ
و النهاية قد تعني الربح أو الخسارة و لكن النتيجة أنهما معًا
و أمامها يُهزم و تسقط حصونه المصنوعة من الرمال ، ينقشع الظلام و يبقى ضوء الياسمين يمد يده ليلتقطه و يشتم به الحياة ، تنهد أرسلان و يده تشتد حول وجهها و هو يهزها بين يديهِ ثم قال مُشددًا على حروفهِ تاركًا لها فُرصة أخيرة - كاذبة – للهرب
- يا دكتورة إكسبي نفسك لآخر مرة
- إبتسمت ابتسامة جميلة و قالت: ما هي خسارتي معاك مكسب يا شيطان.
رفعت يديها تُحاوط عُنقه و إرتفعت على أطراف أصابعها حتى تصل إلى مُستوى وجههِ و أمام شفتيه القاسيتين همسات بـ إغواءٍ
- و بعدين أنا وقعت معاك عقد أبدي ، مش فاكر و لا إيه!
وجدت يده كـ كِلّاب يعتقل خصرها مُقربًا إياها إليه إلى حدٍ خطير ثم همس بـ صوتٍ ماكر ، شديد الخُبث
- أنا مبنساش و دا عيب لازم تحذري منه.
ثم يميل إليها و ينتهك ما هو حقه و كم اشتاق ذلك المذاق المُسكر ، اللاذع ، حق لو تركه لغيره لـ هو غبيٍ إن فعلها ، هي له و صك ملكيته لها سيظل دامغ بـ أثرهِ المؤذي على روحها
شهقت سديم و هي تجده يرفع جسدها عن الأرض و يتجه إلى داخل الغُرفة تحديدًا تجاه الفراش ، ضربت كتفه و إبتعدت عن مرمى شفتيه النهمة و همست بـ تلعثم
- أر ، أرسلان ، أنـ ت لسه مـ.
وضعها فوق الفراش و تمدد جوارها ثم جذبها في أحضانهِ يشتم خُصلاتها
- هشششش يا دكتورة ، دماغك قذرة.
رغم احمرار وجهها خجلًا و لكن النصيب الأكبر كان من الغضب فـ ضربت كتفيه ثانيةً ثم همست من بين أسنانها
- أنت اللي وصلت الإحساس المُتخلف دا بـ طريقتك
- ابتسم ساخرًا ثم قال وهو مُغمض العينين: هو أنا فيا حيل للكلام دا.
صرت على أسنانها و كادت أن تقرصه و لكنها تذكرت إصابته فـ زفرت بـ حنقٍ و استياء قوي ، ليضحك أرسلان و يهمس في أُذنها مُتخابثًا
- أوعدك أما أخفف هحققك تفكيرك القذر.
صرخت سديم بـ صوتٍ مكتوم و دفنت وجهها في صدرهِ و هي تتبرم بـ شتائم مُستاءة ، و لكن ما تخافه هو نبرة وعيده و تعلم أن أرسلان لا يتحدث بـ الهُراء
*****
سؤال عابد لم يتواجد من فراغ بل بدايته دراية تامة بشأن معرفة ما دار في الماضي ، و الذي تأكد منه أن عابد خانه و ثمن الخيانة كان حياته ، اتسعت عينا قاسم بـ صورةٍ مشوهة و بها لمحات من الغضب و التوتر جعل عابد يتيقن أنه وصل إلى مُبتغاهِ
ابتسم من زاوية فمه و إقترب أكثر من قاسم الذي يرمقه بـ نظراتٍ مُشتعلة وقودها الحقد ، ثم جثى أمامه و همس بـ نبرةٍ ذات مغزى
- محتاج تكون صريح معايا ، يا إما صدقني بدل ما تكون النهاية هينة هتكون أصعب مما نتخيل
- هدر قاسم: إيش بتريد يا عابد!
- رد بـ جفاءٍ: الحقيقة.
ظلت نظرات قاسم تضرب عابد الذي يرمقه بـ برودٍ ثم احنى رأسه تمتم دون صوتٍ واضح و لكن عابد كان يلتقط كُل كلمةٍ بـ ترقب و إنصات شديد التدقيق
- إيش بتريد تسمع! حجيجة إني جاتل! و إيش الچديد! أنت كمان جتلت.
حينها فقط سيطرة عابد على نفسهِ قد حُررت من عُقالها ليُمسكه من تلابيبهِ و حدق به بـ أعين قاتمة و بـ نبرةٍ أشد عُنفًا من نظراتهِ
- و تجدر تجول ليش جتلت! أنا جتلت لأحمي حالي و أهلي و أهل داري يا قاسم .
صمت ثم تغيرت لهجته و يداه تشتد حول عُنق قاسم الذي لا تزال نظراته عنيفة ، حاقدة
- قتلت بـ أمر منك و فضل الدم على إيدي و صورته ما بتفارق خيالي.
حاول قاسم دفعه و لكن عابد كان كـ صخرة يصعُب تحريكها إنش واحد ، ليهدر بـ صوتٍ يتردد صداه في ذلك المكان الفارغ عدى صوت قطرات الصنبور المُستفز
- و من وقتها و أنا بكرهك ، و حالف نهايتك تكون على إيدي ، و هتحصل يا قاسم.
حاول السيطرة على غضبهِ المُتفاقم و دفعه بـ اشمئزاز و كأنه مرضًا مُعدي ثم جلس من جديد واضعًا ساق فوق أُخرى يفرض هيبته على الجميع ثم قال آمرًا
- و دلوقتي الحقيقة ، أقل حاجة تقدر تقدمها قبل ما تموت
- ابتسم قاسم فجأة بـ جنون و هتف: بتريد الحجيجة! بتنولها يا عابد و بتوصلها للشيطان.
إرتاح قاسم في جلستهِ و اختفت كُل ملامحهِ مُتجردًا من إنسانيتهِ و كأن فعلته لم تكن إحدى الفظائع الشنيعة ، ثم فتح فمه و تحولت لهجته هو الآخر
- مؤمن كان عسكري فـ الجيش المصري و كان مكان خدمته الحدود و أكيد بتعرف وقتها كيف كانت الأوضاع ، بـ يوم كان نازل إچازته و العربية اللي مسافر فيها عطلت و هناك إتجابلنا.
صمت و هو يسترجع الأحداث السابقة و كأنه يتذكر كم تلذذ في إغراق شاب بريء في بحرٍ من الدناءة ، ثم هتف بـ صوتٍ جاف عائد إلى فترةٍ من زمنٍ قديم
- صلحت السيارة و الوقت كان تأخر لهيك رجعنا إلى الجبيلة و قضى يوم هناك، و مرة بعد مرة بقينا صحاب زي ما بيقول.
أثناء سرد قاسم ، كان عابد يستنتج الأحداث قبل سردها و لكنه كان يتحامل و يستمع إلى شرِ ذلك الوحش ، و الذي أكمل بـ بساطةٍ و كأنه لم يفعل شيءٍ حقير
- وقتها بدأت أعمالي مع نزار و رفقته ، و اللي حصل إن مؤمن إتدخل في شيء ميخصوش هو و رفقته فـ كانوا
- كبش الفدا.
صوت مُرعب ، و هسيسه مُخيف وقعه على الآذان كـ وقع طبول الحرب ،و هيئته اللا إنسانية كانت خير دليل على هوية مصدره ، فـ تجمدت الدماء بـ أوصال قاسم الذي اتسعت عيناه في رُعبٍ شل أطرافه و ذهبت غطرسته أدراج الرياح أمام أرسلان و الذي ظهر بـ ملامحهِ خيط النهاية
وقف أرسلان بعد عدة خطوات أمام قاسم و عابد و الذي نهض مُبتعدًا ، لقد وصل إلى ما يُريد و حان وقت الإنسحاب ، ربت على كتف الواقف و الذي لم يشعر به من الأساس بل نظراته كانت صوب الفريسة
شحب وجه قاسم و حاول الحديث و التراجع عن مكان ، ما باله يرى أرسلان قد تضخم و ظهر في هيئة وحش مُفترس و أنيابه أشد فتكًا من نصل السيف ، أشار بـ يدهِ في إشارةِ نفيٍ و هو يجهل ما ينفي إلا أن أرسلان باغته في لكمةٍ جعلت الدماء تنسل من بين أسنانهِ سعل على أثرها و استجداه صارخًا
- مش أنا.
وجه أرسلان لكمة أقوى كادت أن تُهشم فك قاسم و الذي بدى على وشك الموت... خوفًا ، فـ ذلك الذي أمامه لم يكن بشري و لم يكن وحشًا ، بل كان شيطانًا أعمى تجسد في هيئتهِ الأساسية ليخرج في ذلك الشكل المُرعب و كأنه تجسد له فقط و ما يراه هو هلاوس الأنفاس الأخيرة
جأر بـ صوتٍ قوي كـ الرعد و الذي يضرب برقه الجسد فـ يحرقه
- دا كان صاحبك و وثق فيك ،و أنت!
صمت أرسلان و قبض على عنقهِ حتى كاد أن يُهشم حنجرته ثم هسهس بـ صوتٍ شديد الرُعب ، باعثًا رجفة عنيفة قد يصحبُها شلل
- أنت بقى خُنته ،و أنا مبكرهش أد الخيانة و قلة الأصل.
حاول قاسم الحديث مرارًا و لكن قُدرته على الحديث إختفت و لسانه قد عجز عن جمع عبارة كاملة صحيحة و لكنه في النهاية تمكن من الحديث بـ تلعثم
- مكنـ مكنتش أعرف ، إنه إنهم هيقتلوه.
نظرة قاتمة من عيني أرسلان جعلته يصرخ مُخفي وجهه خلف يديه ، تعجز عيناه عن إدراك حقيقة النظرة التي هي الموت بـ عينهِ فـ إنكمش عله يهرب حتى و إن كان حُلمًا منه ، إلا أن صوت خطوات أرسلان كانت كـ هزة زلزال يضرب ثباته الواهن و جعل الرُعب يغزوه حتى حبله الشوكي
وقف أرسلان أمامه ثم هسهس بـ نبرةٍ خفيضة و لكن وقعها كان مؤذي و يجعلك تتمنى أن تموت
- مش هُما اللي قتلوه ، أنا اللي قتلته.
*****
صوت طرق على باب غُرفتهِ جعله يجفل و ينتفض ظانًا أن نهايته قد اقتربت و لكن صوت والدته خرج يسأله بـ قلقٍ
- مُصلح يا بني هتفضل حابس نفسك كتير كدا!
مسح وجهه المُتعرق و إرتدى نظارته في فعلٍ غبي ، لمَ قد يرتديها و هو يحتاج لفمهِ إلا أنه ابتلع ريقه و هتف بـ صوتٍ جاهد كثيرًا حتى أخرجه طبيعيًا
- أنا كويس ، محتاج بس حبة راحة ، الشُغل تاعبني الفترة دي
- عاودت تسأله: طب مش هتطلع تاكل! اخواتك عايزينك.
تنهد و كاد أن يرد رافضًا و لكن اشقاءه لا ذنب لهم في غباءهِ ، عليه أن يتحمل نتيجة أخطاءه ، إما الهلاك أو الموت هالكًا يسحب معه أفراد أسرته البريئة
فتح درج من وحدة الأدراج جواره و بحث عن دواءهِ و لكنه لم يجده ، فـ ضرب بـ عُنف و شتم بـ صوتٍ خفيض ، ثم تمالك أعصابه و هتف بـ ارتعاش يُشبه ارتعاش يده
- هطلع أهو ، هغير هدومي
- ماشي يا بني ، هحط الأكل.
ثم استمع إلى صوت رحيل والدته و زفر مُخفيًا وجهه خلف يديه ، ثم بعد لحظاتٍ من الإنهيار أمسك هاتفه و أرسل إلى طبيبه قائلًا و هو يضرب فوق لوحة المفاتيح بـغضبٍ
- دوا معتش بيجيب مفعول ، محتاج حاجة أقوى.
ثوان ينتظر الرد و هو يهز ساقه بـ عصبيةٍ ثم جاءه رسالة الطبيب
- قُلتلك قبل كدا مع الوقت الدوا مش هجيب مفعول و هتبدأ تتعود عليه لأن جرعاتك زادت.
نظر مُصلح إلى الرسالة الوقحة أمامه و مع كل كلمةٍ كانت عيناه تتقد غضبًا ليهدر في مقطع صوتي
- أنت ملكش دعوة ، أنت تعمل اللي بقولك عليه و فلوسك هتاخدها.
صمت يلهث ثم بعد لحظات أرسل مقطع آخر بـ صوتٍ مكتوم من شدةِ الغضبِ
- فـ ظرف يوم واحد ألاقي الدوا دا عندي ، محتاجه ضروري.
بعد لحظاتٍ قليلة ، آتاه رد الطبيب في كلمةٍ واحدةٍ
- حاضر.
و كم ارتاحت نفسه لقراءه تلك الكلمة ، تراجع رأسه إلى الخلفِ و ابتسم ، هو يحتاج ذلك الدواء بـ شدةٍ ليجتاز المواجهة الأخيرة
*****
في صباح اليوم التالي
نهضت رحمة من نومها تبحث عن قُصي جوارها و لكنها لم تجده ، فـ زفرت و مسحت وجهها ثم نهضت و هي تُمشط خُصلاتها ، توجهت إلى غـرفة رزان لتجدها لا تزال نائمة فـ إقتربت منها و قامت بـ تقبيلها ثم دثرتها جيدًا و خرجت
أغلقت الباب و اتجهت إلى المطبخ و لكنها شهقت و هي ترى قُصي يقف أمام الموقد و هو يُدندن بـ لحنٍ ما ، و ما أن سمع شهقتها حتى استدار و ابتسم ثم أكمل دندنة و هو يقترب بعدما وضع ابريق الشاي فوق الموقد
- يا عم و عم قلبي يا معلمني الهوا.
ابتسامته الخبيثة كانت رائعة ، أكثر الأمور روعة التي قد يستيقظ الإنسان ليراها ، كانت مبهورة بـ هيئته المُشعثة بـ طريقةٍ مُحببة إلى قلبها و يداه التي تمتد و تعتقل خصرها النحيل ثم أكمل و نبرته تزداد خُبث
- اتفضل جوا قلبي.
جذبها حتى باتت جسد واحد معه ثم داعب وجنتها بـ شفتيهِ و همس
- ما تتفضلي يا رحمة.
حاوطت عُنقه بـ يديها و ضحكت تستند بـ جبهتها على وجنتهِ ثم قالت بـ صوتٍ مُتحشرج إثر النوم
- أنا أصلا قاعدة مربعة جوه
- و أنا أقول حاسس بـ تُقل كدا ليه.
كشرت رحمة عن أنيابها لمزحته الغير موفقة في توقيتها و كادت أن تبتعد عنه و لكنه رفض ابتعادها فـ ضحك و دحض تمنعها ثم قال
- تُقل واخدني و رايح لحتة حلوة ، و من حلاوتها مش عايز شريك.
ثم قَبّل مُنحدر أنفها و عانقها ليقول بعدها و هو يُداعب شعرها
- عارفة يا رحمة النهاردة حاسس إني محتاج أعبرلك عن حُبي و أقولك إنك أحلى هدية ربنا بعتهالي.
نظرت إليه رحمة بـ نصفِ عينٍ رغم سعادتها البالغة ثم قالت بـ نبرةٍ مُستنكرة بـ لُطفٍ مُحبب
- اممم ، يا ترى عملت إيه يا قُصي و بتداري عليه
- عبس قائلًا: إخص عليكِ يا رحمة بقى دا عشمك فيا!
- ما هو أنت اللي تاريخك زفت معايا فـ الرومانسية دي .
دفعها قليلًا دون أن يتخلى عنها و نظر إليها بـ حنقٍ ثم قال بـ استنكار
- تاريخ إيه! فكريني كدا!
- عنيا حاضر.
تخلت يداها عن عُنقهِ و بدأت في العد على أصابعها ثم قالت بـ صوتٍ قوي و ذاكرة سيدة لا تخون
- من شهرين الساعة عشرة بالليل قولتلي بحبك بعد ما غسلت الحلة التيفال بـ السلك ، من ست شهور قولتلي ايه الجمال دا و الفستان هياكل منك حتة مع إنك مكنتش بتطيقه بس عشان تداري على كسرك لطبق صيني و خبيته تحت الغسالة ، نكمل!
صمتت و لم تنتظر إجابته بل أكملت موضحة
- المرة التالتة بعد آخر وقعة بـ يومين إتغزلت فـ شعري المنكوش بعد ما خرمت الخلاط ، و مش عارفة دي عملتها ازاي بصراحة ، دا غير عيون البوتجاز اللي سيحتها لما سيبت باب الفرن مفتوح آآ.
كادت أن تُكمل و لكن قُصي وضع يده على فمها يمنعها من المزيد من الفضائح و الوقائع المُخزية في حقهِ كـ ضابط شرطة ثم هتف بـ استياء من بين أسنانهِ
- كفاية ، بلاعة و إتفتحت!
- نزعت يده و قالت: مش أنت اللي طلبت!
- زم شفتيه و قال: آخر مرة والله، و بعدين المرادي بريء
- ابتسمت من زاويةِ فمهِا و قالت ساخرة: إلى الآن بس.
صرخت رحمة فجأة و هو يرفعها و يضعها فوق الطاولة يُجلسها ثم قال و هو يتجه إلى الابريق الذي بدأت المياه داخله في الغليان
- طب يا ست الكل ، إقعدي مُعززة مُكرمة لحد ما أحضر فطار على هواكِ.
حدقت في ظهرهِ العريض ثم وضعت ساق فوق أُخرى و قالت مُداعبة إياه بـ نبرةٍ مُغرية بـ أنوثةٍ بالغة
- طب لفلي نفسك فـ سندوتش بقى.
توقفت يده عن تقليب الشاي و استدار إليها بـ ملامح أشد خُبثًا من ثعلب يغوي ذات الرداء الأحمر و إقترب منها بـ بُطءٍ يتلذذ فيه من هيئتها اللطيفة رغم سنوات عُمرها إلا أن شكلها الطفولي يغويه دائمًا
وقف أمامها و حاوطت يداه الخبيثة كـ خُبث ملامحهِ خصرها و حركها عليه ثم قال بـ نبرةٍ هامسةٍ مُشبعة بـ نغمة جعلت جسدها يرتجف
- طب ما من غير أي حاجة ، مش محتاج لف و لا حاجة ، خديلك عضة.
همس بـ الأخيرة مُمازحًا فـ ضحكت و نوت حقيقةً عضه و لكن صوت هاتف قُصي أفسد تلك الأجواء الحميمية ، زفر شاتمًا تلك الألفاظ التي يسمعها في قسم الشرطة دائمًا دون أن تصل إلى مسامع رحمة ، ليبتعد عنها قسرًا قائلًا بـ حدةٍ
- متتحركيش عشان نشوف موضوع السندوتش دا، مش عارف مين عديم الاحساس دا .
ثم إلتقط الهاتف من إحدى زوايا المطبخ ، و رد بعدما رأى هوية المُتصل ، و قبل أن يرد كان الجانب الآخر يقول
- حضرة الظابط ، فيه حاجة مُهمة لازم تشوفها
- يعني إيه!
سأل في توجس و حدسه يُنبئه بـ خطرٍ مُحدق ناظرًا إلى رحمة التي تُبادله النظر بـ قلقٍ فـ طمأنها بـ عينيهِ ، ليأتيه صوت أرسلان و كأنه يلهث
- يعني تجيلي على العنوان اللي هقولهولك دا و يُستحسن محدش يعرف.
ثم أغلق الهاتف بعدما أملى قُصي العنوان ، ليسقط الهاتف عن أُذنهِ و هو يضغط على أنفهِ ، أما له الراحة بعد كُل ذلك العناء!
فتح عينيه على رحمة التي وضعت يدها على يدهِ و تسأله في قلقٍ بالغ أكل قلبها
- في إيه يا قُصي!!
أمسك يدها و قَبّلها ثم ابتسم بـ صعوبةٍ و قال
- متقلقيش ، أرسلان عايزني فـ مشوار.
نظرت إليه بـ عدم تصديق و لكنه في الحقيقةِ حقًا يجهل مُراد أرسلان ، فـ همس و هو يتحرك مُبتعدًا
- متخافيش ، مش هتأخر.
قبل أن يخرج من المطبخ ، استدار إليها و هتف مع إبتسامةٍ حنونة
- هعوضك..
ابتسمت تومئ له ، ليتحرك إلى الخارج ، و ظلت هي فقط أمام الموقد تنظر إلى إبريق الشاي الذي سيبرد لحين عودته
لا تنسوا الدعاء لأشقاءنا
اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب زلزل الأرض تحت أقدامهم