رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الخامس والعشرون 

القوة أن تُحارب النار بـ النار
أما الذكاء أن تهزم النار بـ الماء… 

الحياة لم تكن في صفهِ أبدًا.. تسمر أمام خالتهِ وجهه هارب منه الدماء.. جسده صلب كـ صلابة الحجر وعضلات ترتعد لا يعلم أمن الغضب أم الصدمة؟ 

حكت لُبنى جبينها ثم همست وهي ترتعش دون النظر إلى يزن الذي لا ينتمي إلى عالم البشر في تلك اللحظة 

-أنا عارفة إنها صدمة.. بس دي الحقيقة
-همس يزن بـ بُطء:بس أنا معنديش إخوات.. أنا فاكر كويس… 

هبطت عبرة وحيدة من عينها اليُسرى سارعت محوها ثم أردفت بـ تهدج

-إقعد و هفهمك… 

لأ يعلم من أين أتته القوة ليجلس.. أو من أين أتته الصلابة والجرأة ليسمع ما ستقوله.. لذلك جلس وملامحه لا تشي بـ شئ وكأنها نُحتت من صلابة الصخر 

تنهد لُبنى ثم بدأت في السرد وعيناها تشرد إلى وقتٍ بعيد.. حيث بدأت كُل معاناتها 

-أُمك اللي هي نيرة كانت بتشتغل في فُندق فـ شرم.. من وقت طويل جدًا قابلت.. اللي.. اللي اسمه موجود فـ الرسالة.. عجبته بس مكنش فـ دماغه إنه يتجوزها.. لكن نبرة مسمحتش بـ دا.. أقصى حاجة وصلتلها كان عقد جواز عُرفي… 

إزداد تشنج عضلاته و إلتوت عضلة فكه إلا أنه لم يتحدث بل تركها تُكمل حديثها 

-أبويا الله يرحمه لما عرف.. طردتها وإعتبرها ماتت.. فاتت السنين والحيوان دا لما عرف بحملها أجبرها إنها تجهض.. إلا.. بس هي رفضت.. رفضت وهربت… 

سارعت بـ محو عبرة أُخرى ثم أكملت سرد القصة من وجه نظره 

-قابلها دكتور اسمه أكرم.. كان بيحبها من أيام الجامعة ولما عرف اللي حصل ساعدها تهرب وسابوا البلد وهربوا.. وبعد الولادة لما ولدتك يا يزن أنت وأخوك.. إتجوزا وبدأوا حياتهم.. رغم صعوبتها إلا إنهم بدأوها… 

نهضت تختفي بـ غُرفتها لعدة دقائق ظل هو بهم مُتجهم الوجه، شارد الذهن ولكن فمه عجز عن إخراج عبارة واحدة تصف تلك الزلازل التي تُزلزل كيانه

عادت لُبنى بعد دقائق لتضع أوراق صفراء أمام يزن ولم تطلب منه فتحها بل هتفت وهي تنظر إليهم بـ إبتسامة

-كُنت على تواصل معاها ديمًا.. خطوة خطوة.. وعرفت بيكم يا يزن.. عرفت إنكم جيتوا الدنيا.. المهم بعد أربع سنين حصلت حادثة هي اللي غيرت حياتك أنت وهو… 

رفع أنظاره بـ إهتمام إليها لتبتلع ريقها الجاف ثم همست بـ شرود 

-كُنت بتلعب مع أخوك.. بس اللي حصل كان مُفاجأة.. مُفاجأة تقيلة.. أخوك ضربك بـ حجر على راسك من ورا عشان كسبته فـ لعبة… 

عفويًا وضع يزن يده على ذلك الجرح بـ مُؤخرة رأسه عند العُنق ليتحسس التقطيبات التي تركت أثر لا بأس به يُخفيه بـ خُصلاتهِ الطويلة نسيبًا.. ليأتيه صوتها من جديد تهتف

-المشكلة مش فـ الجرح.. عادي طفل صغير.. لكن اللي مش عادي لما كُنت فـ المُستشفى وكُنت فـ غيبوبة بسبب الضربة.. حاول يمنع عنك قناع الأكسجين
-هتف يزن بـ إنفعال:بس دا طفل.. أكيد ميعرفش هو بيعمل إيه… 

توقعت ما سيقوله لذلك حركت رأسها نافية ثم أردفت بـ توضيح

-لو على كدا مكنش حد قلق.. أخوك كان عارف بيعمل إيه.. أخوك سأل نيرة عنك وإيه اللي على وشك.. هي فكرت دا فضول طفل.. فـ قالتله إن دا اللي هيخليك عايش لحد أما تفوق.. وعملها عن قصد… 

لم يُصدق يزن ما يسمعه بل بدأ القناع الصخري يتفتت مُسقطًا الفُتات على فؤادهِ يُدميه.. فـ أكملت لُبنى حديثها 

-الولد إتعرض على طبيب نفسي.. وحكاله بـ كُل بساطة إنه هو كان قاصد يعمل كدا.. كان قاصد يقتلك يا يزن.. بس محكاش ليه… 

صمتت تُخرج من بين الورقات ورقة أعطته إياها وحينما حاول فضها.. هي منعته قائلة 

-مش دلوقتي.. سبني أكمل… 

أخذت نفسًا عميق ثم أكملت

-نيرة بعد الحادثة واللي حصل كان لازم تفصلكوا عن بعض.. لأنها عرفت إن شهاب بذرة مُصطفى الفاسدة
-تمتم بـ سُخرية:اسمه مُصطفى؟!... 

لم تستجب لُبنى لـ سُخريته بل أكملت وكأنه لم يُعلق

-لو بقيت أكتر جنبه كان هيقتلك.. نيرة خافت زي ما أكرم خاف.. وهنا قررت إنها هتفصلكوا.. أنت هتتربى فـ بيت معارفهم مستغلة عُمرك الصُغير إنك مش هتفتكر شكلهم أو حتى ذكرياتك معاهم هتبقى مُجرد ضباب مش أكتر.. وهو هيتربى معاها لعل وعسى يقدروا يقوموه
-همس:بس دا محصلش
-ردت بـ تأكيد:حتى ونيرة كانت مُتأكدة إنه هيكون شبه بس هي ميأستش.. وفـ نهاية لما بقى عنده تمنتاشر سنة هرب منهم 
-بس أنا اللي ربوني ماتوا و أنا عندي ستاشر سنة؟.. ليه مرجتعنيش!... 

زفرت لُبنى بـ تعب تشعر وأنها تخوض سباق شاق ولكنها أكملت بـ هدوء لا تملكه 

-هو هرب بعد موت اللي ربوك بـ سنتين يعني مكنش ينفع ترجعك
-هتف هو بـ ألم:وبكدا أنا إتبعت ليكِ على أساس إنك أخت اللي ربتني مش كدا!... 

أمسكت لُبنى كفه بـ قوة ثم هتفت وهي تنظر إلى عينيه عله يتأكد من الحقيقة وأنها لا تكذب

-نيرة كانت ناوية ترجعك ليها وتعرفك كل حاجة.. لكن موت أكرم المُفاجئ سببلها أزمة نفسية ماتت على أثرها بعد شهريين بـ الظبط… 

سحب يزن يده من بين يديها ثم أردف بـ تجلد يُحسد عليه.. رغم صدمته القاسية وكأن الحياة لا تتوقف عن صفعهِ

-بتحكي كُل دا ليه؟.. بعد أما عدا الوقت دا كُله؟ 
-هتفت هي:ومكنتش ناوية أحكيلك نهائي.. بس إنك تروح لشهاب بـ رجليك من جديد عشان يقتلك.. لأ مش هسمحلك… 

ضحك بـ خفوت مُجهد، ساخر.. ليُبعد المنشفة عن صدره ليظهر الجرح الذي أخفاه بها لتشهق هي بـ هلع فـ أردف هو بـ جمود 

-إتأخرتي يا خالتو.. إتأخرتي وهو حاول يقتلني.. دي غريزة… 

نهضت لُبنى عن مقعدها وأمسكت وجهه بين كفيها وهدرت بـ تصميم قوي

-مش هسمحلك.. مش هسمحلك تروحله بـ رجليك.. أنت بذرة صالحة يا يزن وهو بذرة فاسدة مُستحيل تتقابلوا إلا لما يقتل واحد منكوا التاني… 

نهض هو ليُمسك يدها مُبعدًا إياها عن وجههِ ثم أردف بـ صوتٍ قاسي، مُتحجر

-وعشان أنا بذرة صالحة مش هسمحله يأذي الناس… 

ثم تركها ودلف إلى غُرفتهِ يُبدل ثيابه ليعود إليها مُلملمًا أشيائه ولُبنى تنظر إليه دون أن تتوقف عبراتها عن السيلان.. ليُقبل يزن جبينها بـ قوة ثم أردف بـ حنو مُفاجئ

-مش طالب غير إنك تدعيلي.. هرجعلك يا لُبنى.. هرجعلك وهعيش فـ حُضنك أعوض سنين الحرمان… 

*****************************************

عندما خرج من المرحاض يُجفف خُصلاتهِ وجدها تقف أمامه عاقدة لذراعيها أمام صدرها تنظر إليه بـ أعين نصف مفتوحة.. إبتسم جاسر بـ شقاوة وقال 

-وقفالي زي الغفير كدا ليه؟… 

لم تستجب روجيدا لمزاحهِ بل ظلت تنظر إليه بـ ذات النظرة.. ليتنهد جاسر قاذفًا المنشفة على طول ذراعه اتحط فوق الفراش.. ثم إقترب منها مُحاوطًا ذراعيها وتساءل 

-في إيه طيب! 
-حينها تساءلت بـ نبرةٍ مكتومة:مش عارف في إيه! 
-إبتسم جاسر وقال بـ مراوغة:لأ مش عارف.. أو يمكن عارف وبستعبط… 

ضربت روجيدا الأرض بـ قدمها لتُهسهس بـ تحذير 

-جااااااسر؟! 
-عيونه
-هدرت بـ نفاذ صبر:جاسر متخرجنيش عن شعوري.. أنا سيبتك الوقت دا كله لحد أما تروق وأفهم
-أمسك ذقنها وقال:سلامة شعورك يا قلبي.. هسترهولك المرة الجاية… 

أبعدت يده عن ذقنها وظلت تنظر إليه لا تحيد عن عينيهِ ليُخرج جاسر نفسًا عميق ثم أردف بـ هدوء 

-محصلش حاجة يا روجيدا.. روحت جبت إبنك من غير خساير 
-وبعدين!!... 

إبتعد عنها ليجلس فوق طرف الفراش ثم مسح على وجههِ قائلًا بـ خفوت شارد

-شوفت نفسي فـ جواد النهاردة.. وخُفت يا روجيدا… 

رفع أنظاره إلى ملامحها المذهولة ثم أردف بـ صوتٍ أجش

-خُفت يكون زيي.. مش عاوز لجواد يكون زيي.. مش قادر أشوف إن التاريخ بيعيد نفسه.. عشان كدا كان لازم أطلعه من هناك بـ نفسي وإلا إبنك كان هيخطو أول خطوة فـ طريقي اللي الأيام أجبرتني عليه… 

تحركت روجيدا في إتجاهه لتجلس جواره ثم أمسكت يده تتخلل أصابعها لأصابعه وجذبتها لتضعها فوق ساقها هامسة بعدها بـ حنو

-جاسر!.. أنت الأيام حطتك فيها إجبار.. بس أنت مش هتسمح لجواد يكون زيك.. واثقة إنك كل خطوة ماشيها في صالحنا وصالح ولادنا… 

إنحنى ليضع رأسه على كتفها فـ مالت بـ رأسها إلى رأسهِ ليقول هو بعدها بـ إبتسامة 

-بتعرفي تخرجيني من أسوء اللحظات وبتخلي الدنيا متسواش الهم اللي شايله… 

إبتسمت روجيدا بـ عُمق لتُدير رأسه إليها ثم قَبّلته سُرعان ما بادلها هو بـ عُمق و شغف لا يتركه

حينما إبتعدت عنه لحمت الخُبث يموج بين مُقلتيهِ ليهمس بـ صوتٍ مبحوح وهو يُحيط وجهها 

-كان لازم يعني شوية الدراما دول عشان أوصل لدا من الأول… 

**************************************

تململ بـ نُعاس واضح ليفتح عينيه ثم أعاد غلقهم لذلك الضوء القوي الذي داهم عيناه ثم عاود فتحهما ليُقابله وجه إيلاف المُبتسم بـ إشراق و صوتها الناعم يهتف

-صباح الخير… 

لم يرد بل أبقى رأسه على فخذيها يتأملها بـ عُمق أثار توترها ودون أن يرد على تحية صباحها تساءل بـ مُزاح

-فاكرة من سنتين لما إتخانقتي مع واحدة زميلتك!.. كان بسبب إيه؟!... 

قطبت إيلاف جبينها بـ تذكر حتى إنفرجت ملامح وجهها وإبتسمت بـ حنق ثم هتفت نازقة

-وإيه اللي فكرك بـ الموضوع دا؟ 
-أجابها بـ بساطة:المكان دا فكرني عادي يعني.. ها ليه؟… 

إلتوت شفتيها بـ عبوس حاد إلا أنها هتفت وهي تنظر بعيدًا عن عينيه القاتلة بـ لونها المُبهم الذي يتباين ما بين الأخضر البلوري و العسلي المُشع 

-كانت عاوزة تصاحبك… 

لم ترتسم الدهشة على ملامحهِ بل إتسعت إبتسامته ثم تساءل وهو يضع يده أسفل ذقنها يُعيد رأسها ونظراتها المتوترة إليه 

-وليه ضربتيها؟.. مأخدتش رأيي ليه!.. مش يمكن كُنت بحبها مثلًا!!... 

ضربت يده بعيدًا عنها بـ حدة ثم هدرت بـ شراسة

-وأنت بتحب حد غيري؟ 
-حرك كتفيه بـ بساطة وقال:يمكن كُنت أحب غيرك.. طالما أنتِ رفضتي الحُب دا
-همست بـ حشرجة:أنا مرفتضش الحُب.. أنا بس خُفت… 

أخذت نفسًا طويل، مُرتجف ثم أكملت وهي تُحدق به بـ شئٍ من التملك أعجبه 

-خُفت تحب وأفقد أنا إهتمامك.. وخُفت أفضل رافضة الحُب تمل مني وتسبني.. أنا معرفتش حُب غيرك يا جواد ومش هعرف أحب غيرك.. أنت ديمًا بدور فـ مداري وأنا بدور فـ فلكك.. ومهما عملنا قدرنا مع بعض… 

ألفتت منها شهقة بُكاء بلا سبب وتبعها هبوط عبرة من عينها اليُمنى.. لينهض جواد بـ هدوء عكس صخب قلبه الذي يُقسم أن العالم كله سمعه ثم أمسك ذقنها بـ رقة وحشية و قَبّل جفن عينها اليُمنى ثم تتبع مسار العبرة يُزيلها بـ شفتيه هامسًا بـ صوتٍ أجش، مُحمل بـ عواطف عاصفة

-مكنتش أعرف إني هكون سبب دمعتك دي… 

فتحت عيناها المتوهجة لتُصيب قلبه أكثر بـ هوس عشقها.. لتصطدم بـ وجههِ القريب منها بـ خطورة مُقلقة ثم أردفت بـ خفوت خائف

-مش بسببك دي عشانك 
-هتف هو بـ قوة:ولو.. مسمحش.. عينيكِ ملكي… 

إقترب يُقبل زاوية شفتيها المُثيرتين بـ رقة بالغة لا تكاد تتعدى رفرفة أجنحة فراشة ملونة ثم عاود الهمس بـ صوتٍ هائم 

-واللي ملكِ ميتأذاش ولا يتألم… 

إبتسمت إيلاف بـ خجل و أحنت رأسها بعيدًا عن مرمى عينيه الثعلبيتين.. ليبتسم هو الآخر ثم أردف بـ مُزاح ليُخفف من خجلها وإرتجاف جسدها الواضح 

-يلا يا بت قوميني أروح بيتنا… 

زفرت إيلاف بـ راحة مُمتنة له دومًا ما تفعل.. لتنهض ثم مدت يدها ليُمسكها فـ حاولت سحبه إلا أنها لم تستطع نظرًا لعدم تكافؤ البنية.. ليضحك جواد قائلًا بـ سُخرية مرحة

-جبتك يا عبد المُعين تيعني
-همهمت بـ عبوس:متتريقش عليا… 

أومأ موافقًا مُبتسمًا.. ليضع يده بـ يدها ثم شد عليها لينهض.. ونتيجة لشده تعرقلت ساقي إيلاف فـأسندها محاوطًا لخصرها.. هتف وهو ينظر إلى عينيها المُرتبكتين

-أنتِ اللي بتجرجريني لرذيلة يا بنت الحلال 
-هسمت بـ تلعثم و خجل:جواد!! 
-حاضر هخليني مؤدب… 

ضحكت ثم إنحنت لتلتقط عكازه الخشبي فـ سمعته يزفر بـ حرارة قائلًا من خلفها

-مين بس اللي بيشدني لخط الأستواء!... 

نهضت إيلاف مُسرعة تعض على شِفاها بـ خجل ثم أعطته العصابه ليأخذها ضاحكًا وإبعدت عنه تسير أمامه إلا أنه قال بـ عبث 

-لأ خليكِ جنبي.. الواحد هيرتكب إستغفر الله النهاردة
-غمغمت بـ إستنكار:أنت وقح أوي النهاردة
-أتاها صوته الماكر:وإمبارح وبكرة وبعده.. بس أؤكدلك إني بعد الجواز هتشوفي حاجة آخر وقاحة… 

***************************************

طرق الباب بـ هدوء ليجد جُلنار جالسة أمام نافذتها الكبيرة وعلى ساقيها ورق أبيض مقوى خاص بـ الرسم..تخط بـ قلم فحمي وهي تضع سماعات الأُذن فـ لم تستطع سماعه

توجه بـ عرج إليها ثم وضع يده على كتفها لتنتفض فزعة وإستدارت لتجد شقيقها جواد فـ إبتسمت وقالت بـ إشراق

-أنت مروحتش الشركة النهاردة ليه!.. مش المفروض ترجع النهاردة… 

جذب جواد مقعدًا موضوع أمام طاولة صغيرة ثم جلس مُقابل شقيقته ونظر إلى ما ترسم ليجد أنها لا ترسم سوى صُهيب.. غامت عيناه بـ تعبير غاضب، مُتجهم إلتقطته جُلنار سريعًا لتُزيل الورقة واضعة إياها جوارها بعيدًا عن مرمى بصره

تنهد جواد ثم أمسك يدها وأجاب سؤالها بـ شئٍ من الغموض

-كان في شئ أهم من الشركة بخلصه
-تساءلت بـ عفوية:زي إيه المُهم دا! 
-تمتم جواد بـ صوتٍ غريب، صلب:حقك… 

هربت الألوان من وجهها وكأن أحدهم إمتص الدماء منها فـ باتت جُثة هامدة.. رُغمًا عنها إرتعش جسدها لذكرى ذلك القذر الذي دنس جسدها بـ علامات إن كانت أخفتها عن أعين الناس إلا أنها تشعر ما زالت تُدنس جسدها

إرتجف تنفسها لتُظلم ملامح جواد بـ سواد مُرعب ذلك الذي يُرهب القلوب إلا أنه حين تكلم خرجت نبرته بها شئٍ من العطف

-إهدي يا جُلنار.. بلاش تفتكري حاجة تضعفك
-تساءلت بـ إرتعاش:عرفت منين؟! 
-مش مُهم عرفت منين.. المُهم إني مسبتش كلب زي دا بدون عقاب
-تساءلت بـ ذهول مُرتعب:قتلته!!... 

رُغمًا عنه ضحك بـ خفوت وهو يتذكر كيف منعه جاسر ثم عاود النظر إلى جُلنار وأجاب بـ صدق

-الحقيقة كُنت ناوي.. بس حد منعني
-وسؤالها تقريري:بابا! 
-رد هو بـ بساطة:ومين غير البوس هو اللي يقدر يمنعني!... 

وضعت يديها على شفتيها لا تُصدق كُل ما يدور الآن إلا أن جواد أمسك يدها الأُخرى وأردف بـ صوتٍ قوي

-جُلنار.. أنا أصغر منك أه بس هكون سندك وراجلك لما يكون أبوكِ مش موجود.. أنا اللي هقوم بـ. دوره.. أنا اللي هحميكوا مش العكس.. فهمتي!... 

رفع يديها وقَبّلهما عدة مرات ثم أكمل حديثة بـ إبتسامةٍ حلوة

-دا دوري.. اللي يأذيكِ كأنه أذاني بـ الظبط وأنا مش هتهاون فـ حقي أبدًا.. اللي يمس شعرة منكوا يبقى جنى على نفسه بـ الموت… 

إلتمعت عيناها بـ تأثر وظهرت عبرات أبت أن تسقط لتهمس هي بـ تحشرج ناظرة إليه بـ توهج

-أنت كبرت كدا أمتى! 
-أجابها بـ مُزاح:إمبارح.. لاقيت نفسي مبعملش حاجة فـ قولت إيه الملل دا!!.. أما أكبر بقى شوية هفضل كدا طول عُمري… 

ضحكت جُلنار ليضحك جواد هو الآخر ثم جذب رأسها إلى صدرهِ فوق قلبه النابض.. فـ أردفت هي بـ تساؤل 

-لأ بجد! 
-تنهد بـ حرارة وقال:فعلًا النهاردة بس.. وإكتشفت إن النُضج مش سن.. النُضج مواقف.. ولما إتحطيت فـ موقف زي النهاردة.. وحكمت كويس عرفت إني كبرت.. وإنكوا مسئولين مني بجد مش كلام كُنت بقوله وخلاص.. النهاردة بس عرفت الفعل… 

ربتت على ظهرهِ ثم إبتعدت وقالت بـ مُزاح وهي تُزيل عبراتها التي خانتها وهطلت

-متخليش العروسة تعيط بقى… 

أجفلت لحدة عينيهِ وظلام ملامحهِ لتظهر الغيرة في نبرةِ صوته العالية 

-لأ معندناش بنات بتتجوز.. ولو أبوكِ موافق أنا مش موافق… 

قلبت جُلنار عينيها بـ ملل لما يقوله شقيقها.. لتستدير عنه مُلتقطة الورقة وأكملت رسم ملامح صُهيب قائلة بـ ضجر

-إطلع بره يا جواد.. مش هتبقى أنا و أبوك… 

*************************************

بعد مرور أربعة أيام

تأفف جاسر بـ ضجر و غضب واضحين ولكن روجيدا لم تأبه بل إقتربت منه وهي تُجفف خُصلاتهِا بعد حمام ساخن أخذته لكي تهرب من تذمرات زوجها

"صوت العُمال عالي.. مش هعمل حفلة.. هو لو إتأخر ثانية عن معاده يبقى مفيش جواز.. مش هلبس بدل يا روجيدا هتخنق.. مش لابس قميص أبيض.. مفيش بوفيه"

ساعات متواصلة من التذمرات والغضب الغير مُبرر لتهرب هي بـ حمام طويل الأمد يُعينها على تحملهِ الساعات القادمة.. ولكنها خرجت لتلقى مصيرها كـ تلك الرابطة التي قذفها على طول ذراعه وهدر

-مش لابس زفت على دماغه.. قال يعني مش هكون شيك غير بيها.. شرف مثلًا وأنا معرفش!... 

تأتأت روجيدا تعاطفًا مع رابطة العُنق التي لم تسلم من غضبهِ هي الأُخرى.. لذلك قذفت المنشفة ثم توجهت إلى الرابطة وجذبتها لتنهض متوجه إليه

كان واضعًا يديه بـ خصرهِ يُناظرها بـ عينين تقدحان شرر قادر على حرق الغُرفة بل القصر بـ أكملهِ.. تنهدت ثم رفعت الرابطة و وضعتها حول عنقه قائلة بـ تململ 

-ذنبها إيه بس عشان تعاملها كدا! 
-هدر بـ حدة غيرة ناضجة:قدرها الأسود حطها فـ طريقي… 

حاولت إمتصاص غضبه لتبتسم هي بـ إغواء قائلة بـ نعومة

-ولو قولتلك عشان خاطري تهدى ومتتعصبش! 
-تمتم بـ قلة حيلة:أمري لله… 

ضحكت روجيدا وهي تجد جاسر يقع بـ الفخ بـ سهولة.. قد يكون رُغمًا عنه ولكن تلك المسكينة لا تعرف أنه فَطِن لكُل محاولاتها المُستميتة في تهدأته.. وهو يهدأ لطالما يصل لمُبتغاه 

لذلك حاوط خصرها مُقربًا إياها منه على حين غرة شهقت هي على إثرها بـ إجفال وهو يضحك بـ خُبث صيادي وقح

حاولت روجيدا التملص من بين يديهِ اللتين تعتقلان خصرها بـ تملك مُستغلًا إنشغالها بـ تعديل رابطة عنقه ثم قالت بـ حنق و نبرةٍ خجلة

-جاسر سبني عشان ألبس
-تلاعب جاسر بـ حاجبيهِ وقال:لأ عاوزك كدا… 

تأففت روجيدا بـ ضيق حقيقي وهي تقول في مُحاولة يائسة من أجل الفكاك منه 

-جاسر حبيبي.. لازم ألبس المأذون فاضله ساعتين ويجي وكمان عاوزة أتمم على الحاجة… 

لم يبدُ أنه يسمعها على الإطلاق ويداه تعبثان بـ حافتي مبذلها الحريري الـ.. الأحمر.. ليبتسم بـ عبث وهو يُبعده عن منكبيها لتظهر عظمتي الترقوة بـ سخاء

على الرغم من سنواتها المُتقدمة إلا أن جسدها لا يزال يتمتع بـ الإغراء ذاته.. بـ الشغف الذي يجذبه إليها عكس الجاذبية 

حاولت روجيدا إبعاد يداه ولكنها لم تستطع لتهمس بـ يأس تخللها 

-جاسر والله لازم ألبس.. مينفعش أقابل الناس كدا… 

كشر جاسر عن أنيابهِ لتضحك روجيدا ثم تمتمت بـ دلال مُرهق

-إهدى يا حبيبي بهزر.. قصدي لازم ألبس بقى مينفعش أفضل كدا… 

تنهد جاسر ليجذبها إليه حتى إلتصقت به تمامًا ليهدر بـ خُبث 

-أنا لو عليا عاوزك ديمًا… 

وترك عبارته مُعلقة ليميل إليها ويهمس بـ كلمةٍ واحدة.. كلمة قليلة الحروف ولكنها مُعبرة أكثر من المُفترض.. جاسر يجيد إنتقاء الكلمات الأكثر وقاحة والأقرب تعبيرًا لِمَ يدور بـ خلدهِ من أفكار أكثر إنحرافًا

دفعته بعيدًا عنها بـ قوة هو تراجع بـ إرادته ليس لقوة الدفعة ثم غمغمت وهي تسحب ثوبها الأسود اللامع

-وقح وقليل الأدب ومش لاقي اللي يلمك… 

قرصها جاسر بـ خصرها لتصرخ مُتفاجئة بـ خجل ثم أتبعه قوله المُنحرف

-طب ما تلميني أنتِ… 

إستدارت هي بعدما وصلت إلى باب المرحاض وأردفت بـ حنق

-والله أنت ما ينفع تكون أب لـ أربع ولاد أبدًا 
-غمزها بـ عبث قائلًا:مش باين عليا صح!... 

حركت رأسها بـ يأس ثم دلفت وقبل أن تُغلق هتف هو بـ مكر 

-مش محتاجة مُساعدة من صديق؟؟… 

وكان ردها أن أغلقت الباب بـ وجههِ ليُقهقه جاسر بـ قوة حتى قاطعه صوت هاتفه.. أخرجه من جيب بنطالهِ ثم أجاب بـ هدوء

-أيوة! 
-أتاه صوت المُتصل:جاسر باشا في أخبار مش كويسة؟! 
-رد جاسر بـ نبرةٍ مُظلمة:خير يا وش النحس
-حمحم المُتصل وقال:اللي اسمه شهاب دا فص ملح وداب.. روحنا الشقة لاقينها فاضية والكلب هرب… 

إنطلقت سبة بذيئة قبل أن يهدى جاسر من بين أسنانهِ حتى لا تسمعه روجيدا فـ يُثير قلقها

-عشان مشغل شوية أغبية واللي شغالين معاهم بهايم… 

أخذ جاسر نفسًا عميق ثم أردف بـ جفاء و صرامة لا تقبل النقاش خاصةً ونبرته تفيض غضب أسود

-هاتوه من تحت الأرض.. حتى لو كان فـ بوء الأسد.. وبلغ الرجالة يزودوا الحراسة على القصر مش عاوز نملة تدخل… 

ثم أغلق جاسر الهاتف مُتمنيًا أن تنتهي هذه الأُمسية أسرع مما يتخيل

************************************

كان يُراهن نفسه وهو يقف بـ بهو القصر أنها لن ترتدي الثوب الأحمر كما طلب منها بل صدقت توقعاته وهو يراها تهبط الدرج بـ ثوبها الفيروزي المُتوهج كما عيناها المتوهجتين بـ مشاعر يعلم ما هيتها الآن

الساعة التي سبقت هبوطها لم يهتم بنظرات جواد التي تحرقه أو جاسر الذي يكاد ينقض عليه يلتهمه حيًا.. ولا حتى نظرات روجيدا المُتعاطفة والمُتحمسة 

بل عيناه كانتا مُسلطتين على الدرج تنتظر هبوطها وها هي تهبط

تتغنج بـ ثوبها الذي يضيق على جزعها العلوي بـ صدر مُغلق و أكمام طويلة تخطت المرفقين.. خُصلاتهِا الكستنائية تركتها ثائرة، حُرة كما رآها أول مرة.. وقدها المغوي يتأرجح يمينًا و يسارًا بـ دلال يُثير نفسه التواقة لها 

ضربة قوية على كتفهِ كادت أن تفصله عن جسده حطت عليه ليتأوه بـ صوتٍ مكتوم ثم نظر إلى جاسر ذي الملامح التي تُرهب القلوب وعيناه الداكن بـ هوة سوداء سحقية.. ونبرته التي خرجت كـ نِصال سيف قاتل تشق أُذنيه

-بصة كمان و صدقني هخليك تجري ورا عينيك عشان تلحقهم… 

أخفى صُهيب غيظه من ذلك الرجل المُتربص له بـ عنفوان فقط ليحصل على تلك المُدللة الفيروزية 

بعد عدة لحظات 

كان الجميع يجلس حول المأذون الشرعي و هو يُتمتم بـ الكلمات المُتعارف عليها وعينا صُهيب تُتابع جاسر.. فقط ينقصه أنياب لينهش لحمه ولحم المأذون الشرعي

لأ بأس سيتحمل.. فقط لأجلها.. أبعد نظراته حتى لا يقتله جاسر قبل أن تحصل جُلنار على لقب زوجته

-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير… 

إنطلقت أصوات نساء القصر كاد أن يُشاركهم صُهيب لفرحته أنه أخيرًا حصل عليها

نهض ليُبارك زوجته و يُقبلها ولكن يد جواد حاوطت عنقه وهمس بـ أُذنهِ حتى لا تسمعه جُلنار أو والدته

-جدع إتحرك و رحلها 
-تمتم صُهيب إليه:هي العيلة دي متسلطة عليا!... 

أبعد صُهيب يده ثم علا صوته بـ خُبث وهو يربت على كتف جواد ذو النظرات القاتلة 

-الله يبارك فيك يا جواد.. عُقبالك… 

ثم. دفعه ليتجه إلى جُلنار ولكن أيصل بـ تلك السهولة.. يد جاسر جذبت جُلنار بعيدًا وهو يقول بـ قوة

-كتب الكتاب خلص.. يلا روح عشان الطريق… 

إتسعت عيناه بـ صدمة و فغر فاه يجول بـ أنظارهِ بين الجمع منهم الضاحك لظنهم أن جاسر يمزح ومنهم مُتعاطف أولهم روجيدا 

ليردف صُهيب بـ تذمر وإعتراض يائس لما يجري من ظُلم

-بس أنا مراتها.. أقصد جوزها يا عمي...

نظر إليه جاسر بـ إزدراء وهو يتفحصه بـ نظرة مُحتقرة شاملة

-من أول أما شوفتك وأنا شاكك أصلًا.. وأنت جيت أكدتلي...

نظر يبحث عن المأذون الشرعي وقال بـ صوتٍ جهوري

-كدا الجواز باطل.. فين الشيخ عشان يطلق… 

دائمًا روجيدا هي من تُنقذ الموقف.. لذلك إتجهت إليه و همست بـ أُذنهِ لتتوهج عيناه سريعًا تاركًا يد جُلنار على حين غفلة فـ جذبها صُهيب بعد إشارة من حماته  وإختفى بها بعيدًا عن الأنظار

بينما جاسر حمحم و هو يُمسك يد روجيدا قائلًا بـ صوت أجش

-طب أنا طالع أقول لها كلمة فـ بؤها… 

شهقت روجيدا بـ خجل لتضرب كتفه فـ حمحم ثم قال وهو يجذبها من بين الجميع 

-محدش ليه دعوة طالعين نعمل إيه!... 

ضربت روجيدا جبينها بـ يأس وهي تسير خلفه ثم أردفت بـ حنق و خجل

-دايمًا فاضحنا… 

**************************************

قرأت تلك الرسالة النصية التي وصلت إلى هاتفها مُنذ خمس دقائق لتجدها من يزن يُخبرها على عجلة 

"آسف إني بكلمك بس الموضوع ضروري.. شهاب تعبان جدًا ومحتاج يشوفك.. أظن الموضوع خطير" 

فقط دون كلماتٍ أُخرى حاولت چيلان الإتصال مُجددًا بـ يزن ولكنه لا يرد.. ضرب قلبها جنبات صدرها ألمًا.. ذلك القلب اللعين الذي لا يزال ينبض لوغدٍ تخلى عنها ولكن تبين أنه مريض

عاودت الإتصال ولكن نفس الإجابة لا رد.. إنسلت من بين الجموع دون أن يلحظها أحد 

صدح صوت هاتفها لترد سريعًا دون النظر لمن المتصل 

-ألو يزن! 
-أتاها صوت أنثوي:لأ أنا مش يزن.. أنا أُخت شهاب.. يزن معاه فـ شقته.. چيلان شهاب بيموت و وصاني يشوفك… 

ساد الصمت عدا من صوت أنفاسها العالية وجسدها المُرتعش حتى إصطكت أسنانها ليأتها الصوت الأنثوي مرةً أُخرى يردف بـ إلحاح 

-چيلان عارفة إنك زعلانة من شهاب بس الفترة دي هو كان حرفيًا بيموت.. أرجوكِ تعالي.. متخافيش مش هسيبكوا ومش هتطولي.. مستنياكِ قُدام باب قصرك… 

ثم أغلقت تاركة چيلان في حيرتها حسمتها بـ الذهاب.. قد يغضب العقل ولكن القلب لا سُلطان عليه

بعد فترة كانت تصعد السيارة لتنظر إلى الوجه الأنثوي المُبتسم ثم قالت

-لو سمحت مش عاوزة أتأخر
-متقلقيش… 

إنطلقت السيارة و چيلان تضع يدها على صدرها لا تُصدق أنها تسللت كما إعتادت مع توأمها لتذهب من أجل حبيبها 

بعد ساعتين كانتا قد وصلتا إلى وجهتهما.. تطلعت چيلان حولها ثم تمتمت بـ غرابة 

-إيه المكان دا! 
-ردت المرأة بـ صوتٍ عادي:دي شقة يزن.. مأجرها من فترة… 

إبتلعت توجسها و ترجلت وتبعت المرأة.. صعدا إلى البناية حديثة البناء لا يسكن بها سوى عدد ضئيل جدًا من الساكنين

فتحت الباب ودلفت المرأة تتبعها چيلان و وجيب قلبها يرتفع صارخًا بـ خوف.. لتنفجر شرايينها وهي تجد شهاب جالسًا أمامها بـ كُل صحته وعلى وجههِ إبتسامة شيطانية 

إنتفضت على صوت الباب يُغلق بـ المُفتاح والمرأة تُغادر.. حينها علمت أنها وقعت في أقدم فخ والأكثر سذاجة على الإطلاق

تعليقات



×